آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          [تحميل] إمــا "شيطـــان" أو شـخـص مــهـزوز الـكـــيان/للكاتبة Miss Julian(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          جددي فيني حياتي باللقاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          زوجة مدفوعة الثمن (44) للكاتبة:Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          أشعلي جمر الرماد (4) للكاتبة الرائعة: jemmy *مميزة & كاملهــ* (الكاتـب : حنين - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          هل تغفر لي - باربرا مكماهون (الكاتـب : سيرينا - )           »          269 - قطار النسيان - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree4523Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-07-22, 06:34 PM   #11

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة riham** مشاهدة المشاركة
حظي حلو اني جيت هنا 💚
اتوقع الثعلب هو عمران ومكنش مفترض يشارك في العملية ولا انا شطحت جامد 😂🙈
الشخصيات كتير وشكله فيه ابطال كتير
امتى التنزيل أن شاء الله

حظي أحلى بوجودك ✨

الله الله 😉، الخير جاي
الخميس بالليل موعدنا إن شاء الله


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-22, 07:21 PM   #12

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

*

مساء البركة والسعادة،
موعدنا الليلة بإذن الله كونو بالقرب ✨


*


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-22, 12:19 AM   #13

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

*
*

لا تلهيـكم الرواية عن الصـلاة

*


(2)





عودةً إلى نهار ذلك اليوم ..

ما زالا يمشيان بجانب بعضهما البعض في طرقات القرية غير المعبدة، يقبعان في صمت، لكن ذاك الحانق كان حتى صمته مزعجًا لعمران، فهو يريد أن يسأل ويسأل ويسأل ولا يبقي سؤالًا في جوفه إلا وبصقه في وجهه

حينها سأل عمران بشكل مفاجيء وهو يلاحظ التطور في القرية التي يحب وتسلو روحه بها:
-ما شاء الله وش هالبنيان الزايد في ( شرق ) ؟ وش صار من بعدي؟

التفت له ساعي وهو يقول بحنق:
-أنت تنشد صادق؟
نظر له عمران بإستغراب -مصطنع- كبح معه ابتسامته:
-أنت وش شايف ؟ وجهي وش يقولك؟

ساعي بفظاظة جمة:
-وانا شايف من ذا الوجه شيء ؟ ماغير هالعيون اللي تلمع تقل كشافات، ياولد الحلال شيل اللثمة محدٍ جايك مرحب ومهلي وناثر الورد بدربك، قد الناس نست وجهك
(ثم استرسل بسرد ماحصل)
-واحدٍ من هالشياب فتح له محل يسترزق منه وهالمهبل من شافوا خويهم فتح عليه الله صفوا لنا عشرين محل شرواهم، وكلما واحد رفع الأسعار راح الثاني ونافسه، وقال وشهو قال ؟ ضريبة

هز عمران رأسه وهو يشبك يديه خلف ظهره:
-وأنت وش عندك حاط عينك على رزق غيرك؟ خلهم يتنافسون ما سمعت بالمنافسة الشريفة في سوق التجارة

ساعي بسخرية مريرة:
-لا وأنا أخوك وش لي بسوق التجارة
(صفق بيديه بشكل مفاجيء وهو يقول بضحكة ثقيلة حين استدرك أمرًا ما)
-بس اصبر اصبر لين تشوف من اللي فتح له محل، يومها أنا قلت الرجال مغسول دماغه بس لاااا أثره صادق، والله يا تضحك عليه "سنة ونص" قدام

توقفت أقدام عمران أمام المنزل المنشود أخيرًا، والتفت لساعي بإنزعاج من (تقريعه) الواضح:
-أنت ما راح تفكني صح؟
ابتسم ساعي بسماجة وهز رأسه نافيًا، ليستطرد عمران بذات الإنزعاج:
-بلشة حياتي، يومي أسود لما عرفت لي واحد أذوه مثلك، اسمع يا ساعي علمي بيجيك بوقته تقعد تزن في رأسي وتقرعني ليرد علمي لبطني

تجاهله ساعي وهو يجلس على إحدى أحواض الزراعة لجار منزل عمران، وهو يقول بإستهزاء:
-ادخل لجدتك لا تبطي عليها، مسكينه أتعبها التوحاش ( الوحشة ) عليك، وأتركني تحت نخيلات هادي

نظر له عمران بنظرات مهددة قبل أن يطرق باب منزله ويأتي من خلفه صوت أمرأة عرفها مسبقًا، فهو من جلبها هنا:
-من؟
-أنا عميد يا خالة افتحي الباب

فتح الباب على مصراعيه، دلف عمران إلى الداخل فالتفت عن يساره وهو يلمح القامة القصيرة مقارنةً به، تضع حجابًا حريريًا بعشوائية على رأسها، وترتدي جلابية بيتية، قال بصدق:
-حي الله خالتي أخت أمي، السلام عليكم

عبست الخالة تلقائيًا في وجهه، وردت:
-وعليكم السلام والرحمة، شبعت من الحل والترحال ياولد أختي ؟
تقدم إلى الأمام بعد أن أغلقت الباب من خلفه، رفعت صوتها تمشي وراءه :
-أبشري يمه جاك يا مهنى ما تمنى، هذا ولدك اللي ما سليتي عن ذكره رجع الحمدلله

التفت برأسه إليها من صوتها العالي، ليقول بإستياء:
-خالة صوتك، خويي برا

أمالت فمها بإمتعاض، تجاوزته وهي تتجه إلى الجهة التي تجلس فيها والدتها خلف المنزل تحت إحدى الأشجار، أمام ( قدوع ) القهوة والإفطار، ولم تسمع صوت ابنتها حتى اقتربت منها وكررت ما قالته حين سألتها عن القادم:
-ولد بنتك الغالي يمه رجع

التفتت الشيخة العجوز بلهفة عميقة وهي تبحث عنه، ليس بعينيها العمياء، بل بقلبها الشائخ، وحاسة الشم لديها تتحفز لأعلى مستوياتها التي ما إن وصلتها تيارات رائحته حتى غطت وجهها باللثمة السوداء وأطرقت رأسها للأسفل

انقبض قلب عمران، واختصر خطواته الباقية بخطوتين كبيرتين حتى جثى على ركبته وهو ينزع يدها من وجهها ويقبلها قائلًا بعمق حنون:
-افا افا ياذا العلم، وش يبكيك ياشيخة الحريم كلهم جعلني ما أبكيك!

رفعت نظراتها الدامعة، بؤبؤ عينيها الرمادي يحط على عينيه كأنها تراهما بوضوح تام، تهدج صوتها من شعورها العميق بهذا الحفيد:
-طولت يامك، طولت علي هالمرة واجد

جلس بجانبها، قبل جبينها ثم همس:
-ما وصلتك مراسيلي يمه؟
-"وصلت يا أمك وصلت، مير هالقليب ماعليه شرهه"

قالتها بحنو، لترفع يديها إلى وجهه وتبدأ برسم معالم وجهه باصبعيها الإبهام، وعمران ينظر إليها في صمتٍ وسكون، حتى ما انتهت من حفر معالمه ابتسم:
-ماتغير وجهي يمه من يومي بزر، عميد هو عميد

اقتربت الخالة، لتمد له فنجان القهوة قائلة بنبرة متهكمة لم يستشفها سوى عمران:
-ما شاء الله عليك وأنا خالتك كل هالوقت في بلاد الكفار، أجل ما أشوفك شايل بيدينك الغنايم

أخذ الفنجان من يدها وارتشف منه ليقول بنبرة مقصودة:
-لا تخافين يا خالة كل شيء بحقه وفي وقته

بهتت ملامحها لوهلة، وعلمت إلى ما يرمي إليه،
( أي لم أحضرك لتعتني بجدتي دون مقابل، فلو لم أغررك بالمال لنسيتي طريق منزل والدتك الضريرة )
صدت بوجهها عنه، وهمست بعبوس:
-ابن أمك العاقة وش يطلع منك

-"ولسنة يا هالبنت"
قالتها الجدة بغضب من لسان ابنتها المنفلت، فتغضن جبين عمران وتصلبت ملامحه، ليهتف بجمود :
-كلامك ذا مردود عليك يا خالة مهب على غيرك، والعاق ماهوب أمي العاق اللي حتى طريق بيت أمه نساه!

بعد كلامه -المغلف بتهديد- قامت من مكانها بتوتر لتدخل إلى الداخل، زفر عمران بضيق، فوصل ضيقه إلى الجدة ثريا، لتقول مواسيةً إياه:
-يا يمه ماعليك من خالتك لسانها منفلت ما تحشم لا الكبير ولا الصغير

تجاوز ضيقه من أجل جدته فقط، وإلا فهو يعلم أي إهانة تحاول توصيلها عن طريق والدته، فقال بإستفسار:
-ماعليك يمه، يومنه مرسولي جاك وش قال لك؟
الجدة ثريا بطيبة:
-الطيب الله يجزاه خير قال لي ولد بنتك طايرٍ لبلاد الغرب عشان شغله ومطول هناك، وترا أنا بحسبة ولدك ذلحين إن اعتزتي شيء دقي على رقمي وقولي أبي أبو تركي

تصلب نظره على ثغر جدته حين تفوهت بآخر كلمة، ليقول بغضب محتقن:
-منهو يمه؟
الجدة ثريا ببساطة:
-أبو تركي
احتقنت الدماء بعينيه، وتسارعت أنفاسه غضبًا ورفضًا، إذن ( أبو تركي ) طالت يديه حتى هنا، فأي شيءٍ جعله يخاطر بظهوره؟

*

بالخارج حيث يجلس ساعي، كان قد أشعل سيجارته حين دخل عمران فهو نادرًا ما يدخن أمامه، احترامًا لمبادئه -المضروبة بنظره-، انتبه للباب الذي فتح بجوار النخلات الثلاث لتخرج فتاتين متوشحات بالسواد، سمع تذمر احداهما وسرعان ما التفتت نحوه فغض بصره

تأففت تلك المتذمرة، لتقول بنبرة غيض مقصودة:
-افففف، ياوجه استح !
اتسعت عينا التي بجانبها، قرصتها بجانبها هاتفه بصدمة:
-الله ياخذك اسكتي فضحتينا بالرجال
-"وأنا الصادقة، وش قلة الذوق هذه جالسٍ في حوضنا ويدخن جنب بيتنا، انخنقنا من الريحة"

قالتها بصوت عالٍ بغية توصيل رأيها فيه، إلا أن أختها قبضتها من عضدها موبخة:
-والله يا "ريحان" لو ما مشيتي لأعلم عليك أبوي، يكفي طالعين بدون ما يدري

أبعدت يد أختها القابضة عليها، لتقول بتبرم:
-لا حول يعني حتى رأيي بتصادرينه، ما سمعتي بحرية التعبير عن الرأي ياقروية
حدجتها بنظرة غاضبة لتقول بتهكم:
-فكيني يا متحضرة ياللي مقطوع سرك بأوروبا، خلينا نرجع بس وإن ما علمت أمي إنك تلاغين الرجال وهو كاف خيره من شره مانيب "فردوس"

عبست ريحان وبدأت أصواتهم تختفي عن ساعي الذي تغضن جبينه بتجهم:
-أنتِ جهنم منتي فردوس على شغل التفتين ذا، شكلك ماتدرين إن الفتنة أشد من القتل

شخر ساعي حين اختفت أصواتهم تمامًا واختفيا داخل إحدى الممرات المختصرة، ليقول بعبوس:
-ملسونة، الشرهة على هادي اللي فالتكن



*
*


عصرًا كان يقف أمام المستشفى، حين ترجل من السيارة التي استعارها من جاره فسيارته تقبع في فناء منزله منذ سنة ونصف السنة، وليس من السليم استخدامها قبل الكشف والصيانة

وقف أمام طاولة الاستقبال، سأل عن الغرفة المنشودة حين رمى على الموظفة اسم المريض، فأشارت عليه برقم الغرفة وهي مندهشة منه هيئته، فمن ذا الذي يرتدي نظارة طبية معتمة داخل المستشفى؟

توقفت أقدامه على بعد خطوتين من باب غرفة المريض، وتساءل بينه وبين نفسه بأي صفةٍ وحجةٍ قد جاء إلى هنا؟ أي قوةٍ وأي ثقةٍ دفعت الدم في أوردته ليقف أمام من سقط بين يديه؟
هل هو القائذ الفذ، الذي دائمًا ما تفاخر بقوة جنوده وقوة شخصياتهم التي صقلها الشموخ، والإباء، وحب الوطن، والتدريبات المكثفة؟

تجاهل حديثه الباطني لوهلة، تقدم إلى الباب مستمعًا لأصوات تتصاعد من خلفه، طرقه ثلاث طرقات ودلف إلى الداخل بثقة
أربعة أزواج من الأعين ظلت تنظر إليه بصدمة دخوله، سرعان ما تحول ثلاثة منها إلى الضيق والوجوم، بينما عينا الشخص الأخير الجالس على -سرير المريض- تحولت إلى صدمة عارمة وهو يهتف:
-سيدي !

يبدو أن اليوم القدر حتم عليه أن يستمع لهذه الكلمة عنادًا به، اقترب حين لاحظ أن المريض كاد يقوم من فراشه، رفع باطن كفه ليقول بجدية:
-مكانك، خلك مكانك أنا جايك

لم يفت عمران الحديث الصاخب الذي انقطع فور دخوله، رغم ذلك تقدم ووقف بجانب السرير، ليقول المريض بعد دهشة وجوده بفرحة:
-الحمدلله على السلامة طال عمرك الحمدلله على السلامة، خارج من الشر إن شاء الله! ماتصدق فرحتي فيك

نظر له عمران، إلى ملامح وجهه المجهدة، وفرحته العميقة، ليقول وهو متيقن من أن الثلاثة الواقفين يودون طرده:
-الله يسلمك يا "مساعد"، والحمدلله على سلامتك أنت

-"قرة عيني بشوفتك"
قالها مساعد بذات السعادة، لتعبس وجوه الثلاثة من جديد ويهتف أكبرهم بجدية غاضبة:
-"حنا ننتظر برا، لا خلصت ازهمنا"
أعقب قوله بفعله، فخرج الأول ثم الثاني، لكن الثالث رفض الخروج وهو يرسل نظرات حارقة إلى عمران

ناداه الأخ الأكبر، بجدية:
-مؤيد، أمشي وراي بسرعة
مؤيد عاقد الحاجبين قال بغضب سليط:
-ليش تطلعون عنه مو توكم متلاسنين معاه عشان خريج السجون ذا؟ وش يضمن لكم ماهو جاي يذبحه ويخلص عليه مرة وحدة، شكله مو مصدق إنه طلع بأقل الخسائر

احتدت نظرة مساعد وعاد لتوبيخه من جديد، واحتفظ عمران بهدوء ملامحه وبصمته، حتى ما إذا فرغ مساعد من التوبيخ انسحب مؤيد من الغرفة بسباب وشتائم

التفت مساعد بابتسامة قلقة مجهدة، ليقول بإعتذار:
-طال عمرك امسحها بوجهي، أخوي بزر مايعرف يوزن كلمته

تكلف برسم ابتسامة باطنها السخرية، كم سيتعرض بعد للكلمات غير الموزونة اليوم؟ هتف بما يجول في عقله منذ أن خرج من السجن، دون لف أو دوران:
-"ليش تنازلت؟"

توسعت عينا مساعد لوهلة من سؤاله الذي بدى غريب:
-ليش تنازلت؟ طال عمرك من جدك تسألني هالسؤال ولا تبي تراوغني عشان توقعني في الفخ وتعاقبني؟

عقد عمران حاجبيه بإنزعاج، وكان قد نزع نظارته الطبية ووضعها في جيب ثوبه:
-أراوغك ليه قاعدين في ساحة التدريب احنا؟
مساعد بجدية:
-لأنه سؤال ما يدخل العقل، بس لأنك ما تحب اللف والدوران فأقولك أنا آسف
(استطرد حين لاحظ الوجوم على وجهه)
-آسف لأن أخواني تصرفوا من وراي، وخلوك تعيش اللي ما أرضى عدوي يعيشه

كان ينظر إلى رأسه الحليق حتى الصفر، آثار الجروح المتفرقة في وجهه ورقبته، الشاش الأبيض خلف أذنه اليمين، اصفرار عينيه، شحوب شفتيه، هيئة من خرج من غيبوبة مطولة بسبب رصاصة كادت أن تودي بحياته
ومن المتسبب بها؟ -قائده الفذ- للأسف

أكمل مساعد بإندفاع:
-والله إن لي أسبوع ألاغيهم على اللي سووه، يشهد الله مانيب راضي على شيء منه، والسنة والنص اللي قضيتها في هالسجن تمنيتها فيني

صد وجهه عنه بضيق واجم،
(وما الفرق؟ ها أنت عاش جسدك كذلك في سجن الغيبوبة لنفس المدة)
قال يغير الموضوع عامدًا:
-وش صار عليك بعد ذاك اليوم؟

و"ذاك اليوم" هو يوم الاشتباك
ابتسم مساعد، كأن الذي حصل معه أمرٌ مبهج ليبتسم هذه الابتسامة، وضع يده على الشاش الأبيض:
-يقولون إن الرصاصة ذي بغت تموتني بس على قولة فزاع قطو بسبع أرواح
(ضحك بخفة حين رأى إنزعاجه من سخافته)
-بغيت أصدق إن الرصاصة ذي تموتني قلت تخسون ماهو المقدم عمران اللي يخطي التصويب، ولا لو إنهم صادقين لكنت متقاعد ومتلطم من الفضيحة

تنهد عمران من هذا المازح في الأوقات الصعبة:
-فيك حيلة؟
ارتاع مساعد وفهم جملته التهديدية ليردف:
-تكفى طال عمرك توي طالع من غيبوبة
عمران بتبرم:
-جاوبني بوضوح

جاوبه مساعد بهدوء، وهو يعي صعوبة القدوم إلى هنا، إلى رؤية من كاد يتسبب في مقتله، والأنكى من ذلك أن يراه طريح الفراش بملامح لا تمت لـ"مساعد" بصلة:
-الرصاصة الطايشة أثرت على الأعضاء الحيوية، ومع اللي صار في ساحة الاشتباك من تفجير وإصابات دخل جسمي في غيبوبة صحيت منها قبل أقل من شهر

شعر بالدم يفور في أوردته حتى وصل لدرجة الغليان، تقدم منه بإندفاع حانق:
-كله منك، ترمي نفسك قدام رصاصاتي عشان ايش؟ عشان تحمي العدو يا خايب
-"عشان أحميك، ماهو عشان العدو"
-"وايش استفدت الحين؟ محد فينا نجى، لا أنت ولا أنا! ولا العدو اللي رحنا عشانه! فشل في فشل"

قالها عمران بإنفعال، وإنفعاله يفضح قلقه، ليردف مساعد بهدوء عميق:
-طول عمرك تكرر لنا عبارتك الشهيرة ( الله، الوطن، المليك ) وأنت مكانتك عندي كقائد بمكانة المليك، والله فدى رأسك

جلس عمران على الكرسي، وهذا الهم يثقل كاهله كما لم يحمل جبلًا من الهم من قبل، كم سيتسبب بعد لأشخاصٍ أبرياء ؟ كم مرة سيجني على حياتهم
نفسه، وظيفته، عائلته، والآن واحد من أفضل جنوده! إلى متى هذا الوجع؟ إلى متى هذا الثقل؟

سمع ضحكة مساعد الذي يعي مقصدها:
-لا تخاف علي شوية تدريبات تحت يدك وأرجّع لياقتي مثل ما كانت وأحسن، الدكتور يبشرني بالخير

وقف بشكل مفاجيء، اتجه نحو الباب ليقول قبل خروجه بوجه جامد:
-ماعاد لي حكم عليك كقائد يا مساعد، وما حملتني من ذنبك إلا الهم!



*
*


" مساكم الله بالخير ياللحى الغانمة "

طال الصمت، وعمران يقف في بداية المجلس بهيئة متهندمة ومتأنقة للغاية، يخفي آثار خيبته التي يداريها غصبًا عن ظروفه

أول من أعطى ردة فعل صاخبة كان ( نايف )، الذي قفز من كرسيه رغم سنواته التي تتجاوز الستين، ليقترب منه وهو يرحب بصوت عالي:
-ارحب يالله إنك تحييه، حياك يا ابن عمي، تو ما نورت دياري

اختصر عمران خطوته المتبقية ليقف أمامه ويقبل رأس ابن عمه احترامًا وتقديرًا:
-الله يحيك ويبقيك يابو هيثم

كان متفطنًا لنظرات بعض من الأشخاص وهو يدرك ما وراءها من مشاعر، لكنه تجاهل، حين قرر القدوم إلى منزل نايف كان قد راهن على أن ( جماعته ) بأكلمها ستكون مجتمعة هنا

فنايف الكريم لا يترك هذا اليوم من كل اسبوع إلا وقد لم شمل جماعته، وقد فاز برهانه فها هو يقف أخيرًا وسطهم من جديد
ليردف أحدهم بنبرة راقية رغم فحواها:
-الحمدلله على السلامة يابو محمد، ما كأنك طولت الغيبة؟
ليأتي رد أخر من المجلس بصوت متهكم:
-معه حق ياعم أحد يعوف البراد والزين ويرد لهالكتمة، تلقاه مكيّف هناك
أردف ذاك الرجل بعدم إعجاب:
-محد يعوف بلاده عشان بلاد اللي ما يخافون الله

إلا أن نايف قطع دابر الحديث قبل أن يتشعب ليضع يده على كتف عمران الهادي قائلًا:
-حنا وعيالنا فدى الوطن، وأبو محمد كان تحت خدمته وأمرته
(ثم أكمل بصوت عالي)
-حياكم يا جماعة على قل كلافة، والليلة لو هي خمسين رأس ما عشتكم واعتبروها كرامة بيتي وسلامة ابن عمي

فض جمع المجلس وخرجوا لتناول وجبة العشاء التي تجمعهم كل فترة، وما زالت النظرات المغتاظة تلاحق عمران الذي تقدم برفقة نايف ليمد يده بالسلام على هيثم المتحفز بجموده، وزياد المبتسم بهدوء

-"هيثم وزياد قلطوا الجماعة وش تحترون، أسروا وهذاني لاحقكم بولد عمكم"
قالها نايف بجدية، لينظر كلًا من هيثم وزياد بدهشة لوالدهم الذي -يطردهم- بشكل غير مباشر، لذا خرجوا مباشرة
وفور اختفائهم هتف نايف مباشرة بذات الجدية:
-لنا جلسة طويلة يابومحمد، الظاهر في كلام واجد ماقلته من سنين غدت صار لازم أقوله ذلحين، بس مهوب بالمكان ولا الوقت ذا


*
*


بداخل إحدى صالات ذات المنزل، دلف إلى الداخل شاب مراهق ذو قامة قصيرة يمسك طرف ثوبه بيد، وبيده الآخرى يضعها على رأسها خيفة من سقوط شماغه:
-البشارة البشارة، ياعرب يا أجاويد يدكم على البشارة

قالها صارخًا، ليلتفتن سيدات الجلسة الثلاث إليه بدهشة وهن من كن يتحدثن في أمور شتى بعد أن تم تقديم وجبة العشاء للرجال
هتفت أكبرهن وهي والدته بذهول:
-يا مال العافية يا "سطام" قصّر حسك لا يسمعك أبوك وأخوانك

سكبت "هناء" فنجانًا من القهوة، وهي تراه ينتقل من غرفة إلى غرفة على مرأى منهن ولا تعلم عما يبحث عنه:
-طيب تعال بشرنا عشان نعطيك إياها، وش فيك تحوم من غرفة لغرفة؟

تجاهلهن وهو يصعد إلى الأعلى بحركة سريعة:
-باجيكم بس بشارتكم ما راح تكون قد بشارة مجد
(وبصراخ سعيد)
-مجد، مجيدوو، يابنت نايف ياورعة تعالي لا يفوتك حدث الموسم الصيفي

اختفى صوته، وسط إستغراب السيدات من حركاته، لتبتسم ثالثتهن وهي تقول بضحكة:
-لو ما نزلوا اثنينهم بهواش ما أكون "حنين"

وهذا ما حصل، ما إن انهت جملتها حتى ظهر سطام بذات الهيئة، ينزل بسرعة قصوى ومن خلفه فتاة مرتدية لجلال الصلاة وملامحها محتقنة:
-تعال ياقليل الأدب وين طاير مني، تعال والله لأعلمك آداب الإستئذان كيف تكون

وصل سطام لصالة المنزل، اختبى خلف هناء ليردف بنفس مقطوع:
-والخيبة يا مجد مجيدو، هذا وأنا جاي لك ببشارة وخري تراني بحمى عمتي هناء
أم هيثم بغضب:
-أنتو بتهجدون ولا أعلم أبوكم عليكم، صجيتوا رأسي من أصبحنا وأنتو تتناقرون

رفعت تلك جلال صلاتها لتنزل من الأعلى وإحمرار وجهها يشيء برهبتها:
-يمه يعني يرضيك يدخل علي لا احم ولا دستور وأنا خاشعة بصلاتي، شهقت بغيت أموت حسيت روحي بتطلع من الخرعة

هناء بضحكة مكتومة:
-حظك يا حسنها من خاتمة وفوقها أخوك بيكسب ذنب لأن ترويع المسلم حرام
سطام بإنزعاج من المعلومة:
-عمة خافي ربك، لا تشمتين مجد فيني
صاحت الفتاة بوجهه لتقول بغضب مكبوت:
-كم مرة قلت لكن لا تناديني بذا الاسم، اسمي " تليد " يا ولد تليييد

قفز بعيدًا عن جلستهن وأتخذ الباب مخرجًا لهروبه:
-مجد ولا تليد وش الفرق كلهم واحد، اسمعي بس …

قاطعته حنين وهي تنظر إلى تليد بهدوء من إنفعالها المبالغ به:
-ترا ما يقصد يروعك بس يقول إن عنده بشارة، انشديه
عنها

تأفف بعدم إعجاب من مقاطعته، وعدم حماسهن للبشارة التي يحمل فقال بغيض:
-انتو بتنسوني اللي جيت عشانه، تراي هجيت من المجلس عشان أبشركم ولا لو أبوي شم خبري ما أضمن إنه ما بيعلقني من رقبتي
(ثم أردف وهو يصفق يديه ببهجة)
-تخيلو من طب علينا فجأة في المجلس؟ ايه ايه لو فكرتوا من اليوم لبكرة منتو عارفينه، عمران ولد عم أبوي تراه رجع

نظر إلى وجوههن التي تنظر له ببلاهة وصدمة عارمة وسط شهقة هناء القصيرة، وركز على ملامح تليد التي شحبت ثم أحمرت ومرت بها جميع المشاعر المضطربة، ليكمل بإباء وهو موقن أن غنيمة ثقيلة قادمة:
-تراي بتنازل عن بشاراتكن، إلا أنتِ مجدو منتي معذورة عنها سمعتي؟

خرجت في هذه اللحظة نسيم من المطبخ تمسح يديها بمحارم ورقية، لتنظر إلى وضعهم الغريب:
-شفيكم وش اللي صاير؟ سطام وش تسوي هنا ليش منت عند الرجال؟

كان الرد الوحيد على أسئلتها هو إقفاء تليد عنهم بملامح لا تنبئ بأي شعور، وهي تقول بنبرة فاترة:
-بروح أكمل صلاتي
نسيم بدهشة من صعودها الثقيل وحركتها البطيئة:
-بسم الله وش صلاته الحين؟ قد صلينا العشاء من ساعة

تنهيدة ضيق صدرت من فاه أم هيثم وآثرت الاحتفاظ بصمتها، بينما تبادلتا هناء وحنين النظرات، لتقول نسيم بعد أن يأست من الإجابة:
-ياربي يا سطام لا يكون تلاسنت أنت وأختك؟ كم مرة أعلمك إنك لازم تحترمها

ضحك سطام بعد أن أنهى مهمته، رغم أن ردة الفعل لم تعجبه:
-ياحليلك يا نسيم ما تدرين وين الله حاطك، روحي شوفي غسان ترا ناوي يهج قريب
(نظر لها قبل أن يخرج بنبرة تنبيه)
-لا تروحين بيتك بدون ما تعلميني جايب لك هدية، ولا تعلمين مجد تنشب بحلقي بعدين

خرج سطام، لتنظر نسيم إلى والدتها بحيرة:
-يمه بالله وش فيه؟
وقفت أم هيثم متجهه للمطبخ لتقول بضيق:
-عمران بن فاضل رجع، سبحان الله روحته ولا جيته تكدر خواطر هله

شهقت نسيم لتلقي بنظراتها نحو أختها حنين وعمتها هناء الصامتات على غير العادة، بإضطراب تناولت هاتفها وكل ما مر على بالها وأقلقها هو غسان، يالله لا تستطيع التنبؤ بردة فعله على هذا الخبر
وجدت رسالة يتيمة حادة منه قبل دقيقتين بالضبط يقول فيها:
-( اطلعي )

وقفت لترتدي عباءتها بسرعة مقلقة، وادعت حنين وعمتها هناء ثم والدتها ولم تنسى وداع سطام وهديته لتخرج بخطوات مشوشة إلى السيارة المتوقفة داخل فناء المنزل،
سمت بالله، وركبت جهة الراكب في صمتٍ تام ورعب خالص



*
*
كانا يقفان في المجلس الداخلي وجهًا لوجه، بملامح وديعة هما الاثنان على دراية أنها بعيدة جدًا عن الوداعة
ابتسم هيثم بابتسامة مستفزة حين رأى عمران يرفع معصمه ليرى الساعة:
-غريبة ما طلبت شوفتها، ولا أعمالك (كالعادة) مشغله بالك؟

شد عمران ظهره، ينظر إليه بملامح هادئة بلا ترقب:
-لو طلبت شوفتها بطلبها من ابن عمي، هي بنته وأنا ولده
أمال فمه بإمتعاض:
-يعني تبي تشوفها؟

ابتسم عمران ابتسامة صغيرة محملة بالإثارة:
-ما انتظرت سؤالك، قد كلمت سطام يشوف لها طريق

غضب هيثم من معرفة عمران بكيفية إستفزازه، إلا أن غضبه لم يصل إلى وجهه، فها هو يتعداه بكونه الأخ الأكبر لتليد ويطلب من سطام تلبية طلبه الذي سيكون أكثر من سعيد لرفضه
لكن سرعان ما اتسعت ابتسامته حين جاء سطام وهو يخبر عمران قائلًا:
-دقيت عليها الباب ماردت، عمتي هناء تقول يمكن نامت لأنها تعبت اليوم بضيافة الرجال

نظر له هيثم بابتسامة سمجة، مفادها أن ( عطنا مقفاك محد منا مشتهي شوفتك )، تجاهلها عمران بمزاجه ليخرج موادعًا ابن عمه نايف، ووعده بتلبية دعوته غدًا فعلى حد قوله هناك جلسة مطولة بينهما

ركب السيارة التي قد ركنها بعيدًا عن المنزل، حتى لا تجلب له شبهة الغرابة، وأخذ يقودها سارحًا في طريقه

الصغيرة المشاكسة، لما ترفض رؤيته؟
كم تاق للنظر في عينيها النجلاء، التي رغم كل الوجع ترسم له صورة فرحٍ صغير افتقده في حياته!
كم تشوق لرؤية ابتسامتها، وسماع ضحكتها الرنانة الممتلئة بخبثٍ محبب لقلبه!
لما تصد بقلبها عنه؟
لما تحرمه من شعور الألفة الفاقد منه أصلًا؟
لا يعلم لما يحاولون إيصال أحاسيسهم بصورة قاسية، ود لو يخبرهم أن هذه المدة التي غاب عنها، لم يغبْ برضاه
هو غاب لأنه أخطأ، وعُوقب في الظل بما جنت يداه

لكنه ما اعتاد التبرير، ولم يسعى بشتى الطرق قبل سنتين أن تكون محاكمته سرية لمجرد الغطرسة، بل خشي على صورته بأعينهم، خشي من أن يسقط بنيان ( عمران ) الشامخ الذي اعتادوا عليه

هو كما هو، دأب على دحض الشكوك حوله بكل السبل المشروعة وغير المشروعة، وهو ما -ياللعجب- أدى إلى تشتت عائلته، وإفتراق أرواحهم

انتبه فجأة للسيارة من خلفه والتي تكاد تلامس سيارته، ضيق عينيه بإستغراب، فسرعته قانونية، والشارع خالٍ من السيارات بإمكانه تجاوزه بسهولة

ضغط على البنزين ليسبقه قليلًا، لكن ما لبث أن عاد ذاك للإتصاق فيه، فتح الإشارة وهو يحادث نفسه:
-ياولد الحلال الشارع فاضي توكل بدربك

أعطاه الإشارة ولم يتزعزع من مكانه، فضغط على البنزين أكبر من السابق حين رأى خلو المكان أمامه، وعيناه لم تفارق المرآة الأمامية
سرعان ما التمعت ذهبيتاه وهو يتفطن لنوعية السيارة، سيارة رياضية يستحيل أن يخطئها

رفع هاتفه ورن لرقم معين، ما إن فُتح الخط قال بصوت جامد غاضب:
-قل للي أرسلته وراي يشتري سلامته ويمشي بحال سبيله

على الطرف الآخر تلقى فزاع تهديد عمران بصدرٍ رحب، فقال بهدوء:
-ترا راعي السيارة مجنون طال عمرك، أنا أقول وقف سيارتك على جنب واستقبله مثل ما استقبلتني
-"أرواح المواطنين لعبة عندكم أنت وإياه؟"

هدر بها عمران بعنف مؤنب، ليقول فزاع بفطنة:
-أنت والمواطنين بأمان
علم حينها أنه مراقب، فهو ما زال في الحي الفارغ إلا من بيوتٍ قليلة معظمها خالية من أصحابها، ولم يتعدى منزل نايف إلا بكيلومترات قليلة، أغلق الإتصال في وجه فزاع، وملامحه قد تشربت الغيظ والعصبية
احتار حينها هل يراوغه، أم يستسلم له ؟ فاختار صاغرًا الخيار الأول لسببين،
أولها أن السيارة التي يقودها لا تسمح له بالمناورة، وثانيها أن المجنون خلفه سيتبعه حتى لو دخل جحر فأر

ما إن خفف سرعته ووقف جانب الطريق حتى توقف الأخر ونزل متشدقًا من سيارته، وضع عمران هاتفه على جنب بعد أن أجرى مكالمة سريعة وفتح بابه ليواجه صوته المزعج:
-ارحبووووا يالله حيهم، بذمتي أعز وأغلى من شفت قبالي
عقد عمران حاجبيه بغضب:
-الله لا يبقيك، كم مرة منبه عليك حركاتك هذه تخليها، أو شكلك مشتهي نقاط سوداء في ملفك؟

اقترب منه ذاك المزعج بسعادة، قبّل أنفه ثم كتفه وصافح يده (غصبًا) عن عمران المتهجم:
-من وين تجينا النقااااط السوداء وأنا أشوف هالوجه الأييض، يالله إنك تطول بعمر أبو محمد

زفر عمران بضيق وصد بوجهه، ود لو أن يمسك برؤوس فزاع و"رابح" وحكيم المختفي حتى الآن ويطرقهم ببعضهم البعض، فهم قد بدأوا بإستفزازه حقًا:
-رابح لا تخليني أتوطاك، سواتك اللي قبل شوي لا تعيدها، أنت رجل أمن بمستوى عالي ماهي لايقه عليك هالسواه

-"يامقدم سامحني، من شميت خبرك جيت أركض لك"
-"لأنك كلب مهب آدمي"
قالها عمران بصلابة جادة، ليضحك رابح ضحكة مجلجلة كم كان عمران يتوق طربًا لها، دنى يقبل أنفه من جديد، لكن عمران دفعه للخلف:
-خلاص أبلشتني وش عندك تحبحب خشمي؟
رابح بابتسامة واسعة جدًا:
-لك ولا للذيب يامقدم؟
نظر له عمران بقوة قائلًا بنبرة حادة جادة:
-تخسى أنت والذيب، والحين حلّ عن وجهي لا أشوفك قدامي مرة ثانية

توسعت عينا رابح بدهشة، لا ينكر أن شخصية عمران ذاته لم تتغير، فكم كان جادًا جدًا عند القيادة، وفي ساحة التدريب والإشتباك، لكن شيءٌ ما في روحه وملمحه لا يريحه، فقال بنبرة متباسطة:
-افا ياذا العلم، وأنا اللي أقول طويل العمر ما راح يرضيه يردني خايب ومكسور

عمران بجدية تامة، لا تقبل المناقشة:
-يا رابح ما صار لي يوم من طلعت من سجني، وأنتو واللي فوقكم تضغطون علي من ألف جهة وجهة، قلتها لفزاع قبلك، وأقولها لك ووصلها لحكيم ومساعد، اللي غدى غدى بخيره وشره! أنا ماعدت واحد منكم، وأنتو ماعدتو جنود تحت قادتي

تبدلت ملامح رابح لذات الجدية مردفًا:
-ماطلبناك إلا لحاجتنا لك، حنا والقادة ندري إن الثعلب لا طلع من جحره أمكر عليهم وزعزع أمنهم، فاللي بديته من سنين محتاجين نكمله، خطوة أخير طال عمرك، خطوة أخيرة

شبك يديه خلف ظهره، رأى اقتراب دورية الشرطة منهم ليقول بنبرة جامدة:
-أنا استقالتي على طاولة اللواء من سنتين، غير تيك الورقة مانيب طالع عنها

استعدل بوقفته حين خرج الشاب الشرطي من السيارة قائلًا:
-أنتو اللي جانا البلاغ منكم؟

التفت رابح برأسه نحو الشرطي، ثم نحو عمران الذي ابتسم ابتسامة صغيرة ماكرة:
-ياشرطي أنا أشتكي على هذا الرجال، لزعزعته هدوء المنطقة وتفحيطه فيها وتلبيقه وراي! جروه للحبس
(وبسخرية كبيرة)
-الحبس للجدعان

اقترب الشرطي منهم ليتأكد من ملامح الوجه بعد أن شك في نبرة الصوت، وحين تبيّن سيماء الذي أمامه حتى هتف بدهشة:
-عمران ؟

التفت له عمران، وكبت شتيمة حارة كادت تخرج من فاهه، فمن بين آلاف رجال الأمن لم يصادف إلا ( وهاب ) ابن ابن عمته زاهد، هز رأسه بهدوء ليركب السيارة دون أن يترك له فرصة الحديث، أشر نحو سيارة رابح قائلًا بإستهزاء:
-لا تنسى تجر سيارته للحبس، فيها زوائد مخالفة لنظام المرور! وتوصى فيه تراه غالي علي



*
*
كان قد أنزلها منذ ساعتين ونصف الساعة إلى المنزل دون أن يدخل خلفها، فدخلت بهدوء خائف من السكون والظلام الذي يلفه
تحممت، ثم أبدلت ملابسها لترتدي بيجامة نوم عشبية حريرية بأطراف دانتيل، سرحت شعرها الأسود متوسط الطويل للخلف بعد أن وضعت عليه بعض مستحضرات العناية، رشت من عطرها برائحة ( الساكورا ) المحبب لديها

نزلت إلى مجلس النساء، فيستحيل أن تدخل غرفة نومهم دون وجوده، كانت قد وضعت هدية سطام بالقرب من بابها
فدخلت بها، وحملتها حتى وضعتها على الطاولة، بدأت بفك أكياسها وسرعان ما ابتسمت بحنو
كان قد ابتاع لها ( بزل ) بصورة لمدينة ضبابية بدت حالمة، يبدو أن سطام يعرف نوعها المفضل

فهي تحب هذه الألعاب لأنها تسرقها من الواقع وكثرة التفكير فيه، لتغوص في عالم آخر بغية فك أحجيته

بدأت من فورها بصف القطع الصغيرة، وإيجاد أماكنها الصحيحة، ولم تنتبه بعد مرور مدة من الزمن إلى رائحة التي شاركتها المكان

بتوتر رفعت رأسها، ورأته يقترب منها بملامح هادئة على عكس ما كانت تتوقعه، جلس بجانبها على الأرض
أمامهم طاولة القهوة حيث تضع اللعبة، ومن خلفهم الكنبة، التصق بها حد ما اقشعر جسدها

همس وهو ينظر إلى حركة يدها المتوترة:
-وش هذه؟
نسيم بذات همسه، تخاف من قطع سكون اللحظة:
-لعبة بزل أهداني إياها سطام اليوم
-"وش مناسبتها؟"
قالها لتنظر إلى عينيه التي زحف الإحمرار إليها قليلًا:
-مافي مناسبة، سطام بين فترة وفترة يحب يهديني ألعاب تناسب اهتماماته

ما زال مستمرًا في الهمس، كأنه يخاف من أي يخدش رقة خدها بأنفاسه:
-ولو ما ناسبت اهتماماتك؟

أكثر ما يرعبها في غسان، هو هذا السكون الذي يسبق العاصفة الهوجاء، فهي تخشى سكونه أكثر من ثوراته، ابتلعت ريقها حين بدأ يغلغل يده في شعرها الغزير قائلة:
-عادي، أحب أجاريه عشان ما يحس بفجوة بيننا، يعلمني وأعلمه، يشاركني وأشاركه

طال صمته هذه المرة، طال كثيرًا حتى وقف بشكلٍ مفاجيء ليقول بنبرة غريبة:
-اتبعيني للغرفة

أغمضت عينيها بقل حيلة، وقد فهمت إلى ما ينتوي فعله، لذلك وقفت وجسدها يرتجف، ورجفتها تلك هي ما أدت إلى سقوط الفازة على الأرض، لتتحول إلى شظايا، وصل صداها إلى عقل غسان الذي التفت بإرتياع وبوجهٍ شاحب

تعالى تنفسه، وخارت قواه، وصوت الشظية هذا يعيد له ذكريات حادة، قاسية وجارحة!
نزف أنفه، وأصبحت عضلات ساقه هلامية من سوء ما أحاط به، سقط بركبتيه على الأرض، وضع يديه على أذنيه

دم، انفجار، نار، ماء، صراخ، ظلام، غرق غرق غرق
كلمات شتى تتكرر
القارب يغرق، العدو يقترب، الشباب يموت،
نداء إستغاثة يحتضر
( هنا خفر السواحل، هنا خفر السواحل )
( انقذونا، انقذونا )

صرخة حادة تصل إلى أذنيه رغم إطباق يديه، اهتزاز كتفيه نتيجة يدين صغيرة، كلمة واحدة رنت :
-غسان !!

ففتح عينيه على وسعهما وهو يتنفس بصورة سريعة، دموعه بللت خده رغم ذلك لم يرى سوى صورة حسناء تبكي عليه وتحتضن رأسه إلى صدرها

شعر أنه مبلل من رأسه وحتى أخمس قدميه، ليس فقط وجهه، شعر أن الماء ينسل من بين مناخيره حتى يغرق جسده
شعر أن الظلام يبتلعه، ظلام البحر، ولا يرى سواء نارٍ مستعرة وأجسادٍ متطايرة، أو بقايا أجساد

اعتذارات نسيم تعيد للسطح، رجاءتها بالرد عليه وطمأنة قلبها:
-تكفى غسان خلك معي، اسمعني، طالعني أنا نسيمك، أنا نسيم البر ماهو ماي البحر .. غسان أنت بخير، كل شيء فات أنت بخير

رويدا رويدا، وهذه الكلمات تجذبه إلى واقع الشظية المتناثرة، وأنها فازة وليست صاروخ أُطلق على قاربه
حتى استكان وهدأت وتيرة تنفسه
ليقول جملة واحدة، من بين اعتذارات نسيم وبكاءها، جملة خالية من الحياة:
-ماتو، وخلوني عايش بعدهم أموت ألف مرة




*
*

خرجا من مركز الشرطة، وقفا أمام سيارة فزاع التي جاء بها، يستمع لتذمر رابح:
-آخر شي توقعته يسويها فيني، لا وبعد أول ما مشى أكد على شكواه وبلاغه ويقول جروه نظفوا البلد من أشكاله

ركب فزاع السيارة، وركب رابح بجانبه ليقول مؤنبًا:
-أنا قلت لك أمشي وراه خليه قدام عينك ووقفه بهدوء، ما قلت لك استهبل عليه وأنت عارفه ما يداني هالحركات

فرد رابح ذراعه أمام نظر فزاع ليقول:
-وأنا أخوك الاكشن يجري مجرى دمي، ماكون رابح إن وقفته بهدوء، أنا زين ما فرغت رشاشي في السماء فرحةً فيه

هز رأسه بلا حيلة ثم صمت، ليقول رابح بتأنيب:
-الحين اللواء ليش خلاني أدخل المركز واتلطع فيه ساعتين، ليش ما رفع السماعة وطلعني؟
-"أنت أدرى ليش"

تأفف رابح، ليقول بإمتعاض:
-أنا مايفرغ طاقتي إلا المقدم عمران، أبيه يرجع عشان يهلكني ينشف الدم من عروقي في ساحة التدريب، أول ما يرجع بحبس نفسي معاه في الثكنة شهرين
فزاع بتهكم، وهو يقود بتركيز كعادته:
-ونذرك؟
تحرك رابح في كرسيه بحماس قائلًا:
-تحسبني ناسيه؟ أخسي .. خله يرجع وأشوف الشارة على صدره وأنفذ نذري وأنا ولد أبوي

طرف بعينيه ينظر إليه مستهزئًا:
-ظني يا رابح بينتهي فينا الحال مطرودين مو بس من الحياة المقدم عمران إنما من الشغل كله، انتبه بس لا تكون تبي تذكي بحلال أبوك لعيون المقدم اللي دخلت بسببه مركز الشرطة

التفت له رابح بصدمة ضاحكة:
-اسألك بالله ! كيف عرفت إن ناوي أسوي كذا ؟

قهقه فزاع وهو يخرج هاتفه حين رن بنغمة إتصال خصصها لهاتف العمل، يرد قائلًا لرابح:
-حافظك مثل كف يدي وحافظ جنونك، وبعدين اي خير إن شاء الله هذا إذا أبوك سمح لك، وتاليها كفارة يمين على عدم وفاءك له
(رد على المتصل بجدية)
-نعم سيدي!

استمع في البداية بهدوء للمتصل، ثم ما لبث أن اشتدت ملامح وجهه وتغضن جبينه، ليختم الإتصال بكلمة واحدة جادة:
-عُلم!

التفت له رابح بتوجس، وهو يراه يغير طريقه إلى طريق يعلمه، إلى مركز العمليات الخاصة:
-وش العلم؟

فتح زره العلوي، ليقول بنبرة جاهد على خروجها متزنة:
-اللواء ألقى الطُعم، التنظيم عرف بوجوده
شرّق رابح بريقه، ليهتف بصدمة جادة:
-والمقدم عمران؟
-"هالمره ماله مهرب"




*
*
في إحدى المناطق الساحلية، منزل ضخم أشبه بالقصر بلونه الأبيض، وديكوره الخارجي المهندس على العمارة الإسلامية بخطوطه وحوافه الذهبية

يجلس بغلظة ملامحه وجسده على كرسي جلدي واسع يطل على البحر الذي يأتيه النسيم في هذا الوقت من الليل، يدخن ( غليون ) بلونه الأسود والأحمر القاني الذي حفر عليه اسمه وكنيته

يقف بجانب رأسه شخص طويل القامة، ثقيل الهيئة وشديد الملمح، يتكلم بنبرة جدية:
-وصل الزاجل
نفث الدخان من فمه، أمال فمه بهدوء:
-يعني رجع الحمام لموطنه بعد طول هجرة أخيرًا

هز ذاك الواقف رأسه بذات الجدية:
-أوامرك ؟
وقف من طوله ينظر إلى البحر ويستمع لأمواجه فاتضح جسده الممتليء، ادخل يد في جيب بنطاله الرسمي والآخرى ما زالت تحمل غليونه العتيق، ليردف بنبرة منتشية:
-استأنفوا العملية، الطيور رجعت بأرزاقها ما طارت، وبس يشرف " العميد " وهذا قريب .. استدعيهم
( وهمس بابتسامة خافتة، أتبعها بشخرة)
-الحمدلله على سلامتك ياعميد، الحين نقدر نكمل أشغالنا من وين ما وقفناها، والبركة بطول يدينك






لعوبٌ
غدّار
عميقٌ، أزرقٌ
ساكنٌ ..
ستّار

انتهى ❤
كل عام وأنتو بخير مقدمًا ✨


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-22, 03:32 AM   #14

Riham**
 
الصورة الرمزية Riham**

? العضوٌ??? » 306482
?  التسِجيلٌ » Oct 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,177
?  نُقآطِيْ » Riham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond repute
افتراضي

هو انا ليه حسيت أنه الغموض زاد اكتر 😂
انا كنت حسبت أنه مساعي ده اخو عمران بس طلع صاحبه مش عارفة هما اصحاب ازاي وهما مفيش بينهم حاجة مشتركة حتى اني فكرت مساعي ده عجوز اصلا 😂 ومين صاحبهم التالت بقى 🤔
هي البنت اللي طلعت لمساعي هي نفسها خالة عمران ولا دول بناتها اللي طلعوا وكمان اللي اسمها فردوس شكلها مؤدبة ليه مساعي قال انها مش فردوس دي جهنم مع أنه مفترض يشتم البنت التانية يعني
تليد ؟! ده اسم فعلا ؟ تقريبا معنى كلمة تليد يعني عريق أو حاجة زي كده صح المهم انها تبقى ايه لعمران خطيبة ولا زوجة وايه علاقة غسان بعمران
مش عارفة هو هيثم ده شرير ولا مجرد واحد شخصيته قوية حبتين
الخلاصة أنه الفصل زود التشويق اكتر واكتر لذلك هو مفيش عيدية 😂


Riham** غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-22, 10:41 AM   #15

BNO1957
 
الصورة الرمزية BNO1957

? العضوٌ??? » 456128
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 231
?  نُقآطِيْ » BNO1957 is on a distinguished road
افتراضي

اولا هالفصل كشف لنا اشوية من الغموض من ناحية الاسم عمران و عميد واتضح انه عمران عند اهل ابوه ينادوه " عمران "
واهل امه او حارة شرق كلها تناديه " عميد " فـ السؤال شنو السبب اللي يخليه عايش بهويتين ؟

-ساعي : من الشخصيات اللي متحمسه اتعرف عليه اكثر وشبكته مع ريحان 🕺🏽
-تليد وعمران : متحمسه اعرف صلة القرابه بينهم واحسها عميقه وخصوصا من كلام عمران " كم تشوق لرؤية ابتسامتها، وسماع ضحكتها الرنانة الممتلئة بخبثٍ محبب لقلبه!لما تصد بقلبها عنه؟لما تحرمه من شعور الألفة الفاقد منه أصلًا؟"
-غسان : علامة استفهام كبيره شنو سبب تغيره من شاف عمران ؟ شنو اللي صار بينهم بالماضي ؟ اللي فهمنا من الفصل انه غسان تعرض لحادث بالبحر وادى الى موت اصدقائه ؟ بس هل عمران له دخل بالموضوع ؟

-مساعد : مممم مادري احس فيه شي غريب
-فزاع و رابح : احس انهم بيكونو فاكهه الرواية بس اللي لفتني " اللواء ألقى الطُعم، التنظيم عرف بوجوده
شرّق رابح بريقه، ليهتف بصدمة جادة:
-والمقدم عمران؟
-"هالمره ماله مهرب"" السوال يطرح نفسه ايش الطعم ؟ ومن ايش ماله مهرب احس عجزت اتوقع"

-نهاية الفصل : الواضح انه الشخص اللي يبحث عنه عمران واتوقع انهم بيسوي كمين ل عمران
" لعوبٌ
غدّار
عميقٌ، أزرقٌ
ساكنٌ ..
ستّار "
هالكلام اتوقع ينطبق على الشخص الاخير غدار يعني شخص يخدع هل هو شخص معروف !
عميق ازرق : البحر
ستّار : اتوقع اسم الشخص

وختاما منتظرين الفصل القادم بحماس واهنيك على هالابداع يعطيك العافيه


BNO1957 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-22, 04:41 PM   #16

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة riham** مشاهدة المشاركة
هو انا ليه حسيت أنه الغموض زاد اكتر 😂
انا كنت حسبت أنه مساعي ده اخو عمران بس طلع صاحبه مش عارفة هما اصحاب ازاي وهما مفيش بينهم حاجة مشتركة حتى اني فكرت مساعي ده عجوز اصلا 😂 ومين صاحبهم التالت بقى 🤔
هي البنت اللي طلعت لمساعي هي نفسها خالة عمران ولا دول بناتها اللي طلعوا وكمان اللي اسمها فردوس شكلها مؤدبة ليه مساعي قال انها مش فردوس دي جهنم مع أنه مفترض يشتم البنت التانية يعني
تليد ؟! ده اسم فعلا ؟ تقريبا معنى كلمة تليد يعني عريق أو حاجة زي كده صح المهم انها تبقى ايه لعمران خطيبة ولا زوجة وايه علاقة غسان بعمران
مش عارفة هو هيثم ده شرير ولا مجرد واحد شخصيته قوية حبتين
الخلاصة أنه الفصل زود التشويق اكتر واكتر لذلك هو مفيش عيدية 😂


يا أهلًا ✨
الغموض حيبقى معانا وورانا 😂!

صحيح ساعي وعمران أصحاب، بس البنات اللي طلعوا من البيت هم جيران عمران
واللي قالت ( جهنم مو فردوس ) هذه أختها مش ساعي، ساعي ما تكلم إلا بروحتهم

هيثم مش شرير، بس إنسان يحب يكون مسيطر 🏃🏻‍♀

والفصل بكرة إن شاء الله، العيدية ما يمدينا عليها كان 🙈


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-22, 04:47 PM   #17

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bno1957 مشاهدة المشاركة
اولا هالفصل كشف لنا اشوية من الغموض من ناحية الاسم عمران و عميد واتضح انه عمران عند اهل ابوه ينادوه " عمران "
واهل امه او حارة شرق كلها تناديه " عميد " فـ السؤال شنو السبب اللي يخليه عايش بهويتين ؟

-ساعي : من الشخصيات اللي متحمسه اتعرف عليه اكثر وشبكته مع ريحان 🕺🏽
-تليد وعمران : متحمسه اعرف صلة القرابه بينهم واحسها عميقه وخصوصا من كلام عمران " كم تشوق لرؤية ابتسامتها، وسماع ضحكتها الرنانة الممتلئة بخبثٍ محبب لقلبه!لما تصد بقلبها عنه؟لما تحرمه من شعور الألفة الفاقد منه أصلًا؟"
-غسان : علامة استفهام كبيره شنو سبب تغيره من شاف عمران ؟ شنو اللي صار بينهم بالماضي ؟ اللي فهمنا من الفصل انه غسان تعرض لحادث بالبحر وادى الى موت اصدقائه ؟ بس هل عمران له دخل بالموضوع ؟

-مساعد : مممم مادري احس فيه شي غريب
-فزاع و رابح : احس انهم بيكونو فاكهه الرواية بس اللي لفتني " اللواء ألقى الطُعم، التنظيم عرف بوجوده
شرّق رابح بريقه، ليهتف بصدمة جادة:
-والمقدم عمران؟
-"هالمره ماله مهرب"" السوال يطرح نفسه ايش الطعم ؟ ومن ايش ماله مهرب احس عجزت اتوقع"

-نهاية الفصل : الواضح انه الشخص اللي يبحث عنه عمران واتوقع انهم بيسوي كمين ل عمران
" لعوبٌ
غدّار
عميقٌ، أزرقٌ
ساكنٌ ..
ستّار "
هالكلام اتوقع ينطبق على الشخص الاخير غدار يعني شخص يخدع هل هو شخص معروف !
عميق ازرق : البحر
ستّار : اتوقع اسم الشخص

وختاما منتظرين الفصل القادم بحماس واهنيك على هالابداع يعطيك العافيه


يا هلا بالزين ✨
صح عليك صح، من العبارة الختامية في الفصل الأول كشفنا إن عمران هو صاحب الهويتين والشخصيتين
وفي ديرة شرق هو يُعرف باسم عميد!

يا مسرع التشبيك، شبكتي ساعي مع ريحان 😂🏃🏻‍♀

قصة غسان وعمران فيها ارتباط من ناحية الحبكة، وعلى قولتك شنو اللي صار بينهم بالماضي؟🙈
لو حطينا في عين الاعتبار إن اثنينهم يعتبرون أمنيين

بخصوص آخر فقرتين ( المتعلقة برابح وفزاع + بالشخص الأخير)
لها علاقة بالطُعم، وبعمران، والعبارة الختامية ✨

الله يعافيك ياقمر ❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 01:08 AM   #18

Riham**
 
الصورة الرمزية Riham**

? العضوٌ??? » 306482
?  التسِجيلٌ » Oct 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,177
?  نُقآطِيْ » Riham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الكاديّ مشاهدة المشاركة
يا أهلًا ✨
الغموض حيبقى معانا وورانا 😂!

صحيح ساعي وعمران أصحاب، بس البنات اللي طلعوا من البيت هم جيران عمران
واللي قالت ( جهنم مو فردوس ) هذه أختها مش ساعي، ساعي ما تكلم إلا بروحتهم

هيثم مش شرير، بس إنسان يحب يكون مسيطر 🏃🏻‍♀

والفصل بكرة إن شاء الله، العيدية ما يمدينا عليها كان 🙈
اذا خلاص هحط هيثم في ركن الحلوين 💚😂😂


Riham** غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-22, 01:12 AM   #19

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة riham** مشاهدة المشاركة
اذا خلاص هحط هيثم في ركن الحلوين 💚😂😂
أتمنى ما تغيرين كلامك بعد كذا 😂❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-22, 01:18 AM   #20

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

*
*

لا تلهيـكم الرواية عن الصـلاة

*


(3)


*

استيقظ صباحًا على رنين هاتفه المزعج، وجد أن والده هو من اتصل ليخبره أن يفتح باب المقلط فهو ينتظر خارجًا منذ فترة، فخرج من غرفته على مهل حتى لا يصدر أصواتًا ويستيقظ أهل البيت
الساعة ما زالت السابعة صباحًا، ما الأمر الذي أحضر والده في هذا الوقت المبكر ؟

لم يتعب عقله بالتفكير، فتح باب المقلط حسب رغبته، تلقاه وهو يقبل رأسه بإحترام:
-ارحب يابو إياس، صباحك خير وبركة! وش تبي في المقلط يومك تنشد عنه والمجالس موجودة ؟

دخل زاهد بعد أن نزع نظارته الشمسية، تقدم حتى جلس مستندًا على المركى:
-داري مو من قل مجالس البيت، روح غير ملابسك وتعال لي

تغضن جبينه لوهلة من جدية والده، ودون أن يجادله استأذن منه ليصعد غرفته ويدخل مباشرة إلى دورة المياة، حتى خرج منها ملتفًا بفوطته، ارتدى ثوبه سريعًا بعد أن أغدق على نفسه بالعطر

نزل من الأعلى واتجه للمطبخ مباشرة، تفاجأ برؤية صينية إفطار مكونة من نواشف مع خبز عربي، وبجانبها دلتين أرجح الأولى للقهوة السعودية فرائحتها غطت المطبخ، ليقول للعاملة وهو يحمل الصينية:
-هاتي الدلال للمقلط، سرعة سرعة

اندهشت وهي تراه يخرج سريعًا، وودت أن توقفه فهذا الإفطار لم تصنعه هي بل جلست تحرسه حتى تعود صاحبته، لكنها استسلمت للواقع وحملت الدلال بصينية أكوابها

وما إن وصلت إلى المقلط رأت إياس يجلس بجانب والده، فتركت الصينية بقربه وخرجت، ليقول إياس معتذرًا:
-سامحنا يبه هذا الموجود في الوقت الحالي

عقد زاهد حاجبيه وهتف بتوبيخ:
- ليه لهالدرجة فسقان أنا، اللهم لك الحمد نعمة من ربي

سكب له من الدلة الآخرى التي اتضح أنها شاي أحمر ثقيل نوعًا ما، فأخذ يرتشفه بهدوء، وملامحه لا تنبيء بما هو قادم من أجله:
-ايه قلت لي من اللي مسوي هالفطور؟

قالها زاهد، لينظر له إياس وهو يقول بصراحة:
-مدري شفته في المطبخ وجبته، لعلها العاملة اللي سوته تدري محد يفطر هالوقت إلا أمي، أو وهاب إذا راجع من استلامه

ترك فنجان الشاي ورفض تكملة أكله، أخذ يقلب في مسبحته بتروي:
-وين وهاب؟
إياس ببساطة:
-مابعد رجع من إستلامه، سم يبه مد يدينك

أشر بيديه وعيناه على دلة القهوة، فالتقطها إياس ليسكب له فنجانًا منها:
-بس الحمدلله مابي أكثر وراي صلاة جمعة، وش فيه وجهك صاير كذيا؟

تنهد إياس وترك الدلة ولقمة الخبز التي كانت في طريقها إلى فمه:
-أنت علمني يبه ليه وجهي كذيا؟
زاهد بجدية نهره فهو يكره مراوغته:
-ولد!!

عقد حاجبيه، ولم يرد مباشرة بل مسك الدلة وسكب له فنجانًا من القهوة حتى ارتشفها ساخنة فاحرقت طرف لسانه، تأفف بخفة ليبتسم على أثرها زاهد:
-تدري إني ماحب أعذرب بس ذا العيب يا إني عجزت أعدله فيك، ياولد إن كان عندك كلام قوله لا تاخذ وقتك وتفكر كيف تقوله

أمال فمه بإمتعاض، وزاهد يدرس ملامحه جيدًا، هو يعي أن الكلام يخرج منه بحذر شديد لذلك يأخذ وقته بالكامل في التفكير به قبل قوله:
-يبه اعذرني، بس جيتك ذا الوقت ما تبشر بالخير

قهقه زاهد كثيرًا، واستراح في جلسته أكثر:
-يعني كنت خايف تقول لي هالجملة اللي وقفت بطرف لسانك وأحرقته
إياس بهدوء:
-ماني خايف بس ماهي لايقة تنقال فيك، وش فيك يبه؟ ماهو وقت جيتك، متعود تجينا بعد صلاة الجمعة

حدق إياس في نظرات والده التي اختلفت عن هدوئها السابق، فأصبحت تحدجه بنظرات غريبة، زاهد بهدوء وهو يحرك مسبحته:
-راجعت أمك!

كان الصمت هو جواب إياس، رغم الأسئلة التي تدور في رأسه لكنه اختار السكوت علامة على رضاه، بالأمس كان رافضًا لتدخله واليوم يخبره أن علاقته الشرعية بوالدته قد عادت كما هي، غرابة لا حدود لها إن صدرت من زاهد بالذات

-"وش فيك ساكت، قل لا تخلي شيء بخاطرك .. كله ولا خاطرك"

أردف زاهد جملته التهكمية الأخيرة بابتسامة ذات مغزى، تنهد إياس ليقول بصراحة تخرج مع والده:
-أنا ما أدري وش اللي تغير من أمس لليوم اللي كنت رافض فيه حتى تدخلي بالضغط عليك، بس أنت أدرى باللي تسويه يبه، وأعز ماعلي أشوفكم سمنة على عسل

زاهد بسخرية مدد قدميه أمامه بعد أن أزاح الفطور جانبًا:
-فكنا من السمنة والعسل ماغير جايبة لنا السكري والكوليسترول ، وقلي بس .. عسى جناحي باقي مثل ماهو؟

فهم إياس سؤاله الملغم الخبيث، فابتسم مجاريًا إياه:
-اصعد بنفسك وشوف

-"أخس والله إنك ولد أبوك"
قالها زاهد بإستهزاء فضحك، ليشاركه إياس في الضحك حتى تفاجآ بالإعصار المحمل برائحة خلابه يخترق المقلط ويقطع سلسلة الضحك


*
*

قبل دقائق قليلة كانت تنزل من السلالم بهيمنة جُبلت عليها منذ صغرها، ترتدي فستانًا صيفيًا بلونه الليموني المنعش، وشعرها الأسود المسرح خلفها يتحرك يمنةً ويسرة باعثًا روائح طيبة وخلابة، ملامحها الطفولية الممتلئة نضجًا -لطيفة- في منظرها المحمر بفعل الحرارة ربما أو بفعل الماء

كانت قد استحمت سريعًا بعد إعدادها لإفطارها وإفطار والدتها، فهي ليست من محبي السهر وتستيقظ مبكرًا حتى في أيام أجازتها

دخلت المطبخ بهدوئها، رأت العاملة تقف بالقرب من الثلاجة، ألقت نظرة على الطاولة الفارغة فعقدت حاجبيها متسائلة:
-وين الفطور ؟

العاملة بتبرير سريع:
-في مكلط هذا بابا ياخذ

زفرت بحنق، وأرجحت كلمة ( بابا ) إلى وهاب، ومن سيكون غيره؟ فهو الوحيد الذي يعود من عمله هذا الوقت إما مرهق يبحث عن النوم، أو جائع يقضي على الإفطار

خرجت إلى الصالة وقررت الاتصال به، فإن كان بالمقلط أي أن أحدًا ما برفقته، ولكنها تفاجأت به يدخل بملامح مرهقة وأكتاف متهدلة من التعب، لتردف بإندفاع مستغرب:
-من وين جاي؟

رفع وهاب عينيه بإندهاش من هجومها، ثم أنزل نظراته نحو بدلته التي يرتديها لينظر لها من جديد قائلًا بسخرية:
-من الملاهي، ما تشوفين بدلتي من وين راجع يعني؟

أمالت فمها بضيق:
-يعني ما أخذت الفطور للمقلط؟
رفع كفه بدهشة:
-فطور؟ والله إنك فايقة أنا أدور الفراش وش لي بفطورك، سبأ فكيني أخلاقي في طرف خشمي
تكتفت سبأ، تنظر له بحدة تحاول إيجاد الحقيقة:
-وهاب تكلم معي زين ماهو يعني إنك راجع من دوامك يعني بتعاملني كذا، أنا سألت العاملة قالت بابا أخذ الفطور للمقلط ومافي أحد غيرك يرجع مشفوح للعيشة

اعتدل في وقفته، حك طرف شنبه بسبابته وهتف:
-والله السمعة ميح، بعدين وإن أخذته بدال لا تقولين بالعافية عليك يا أخـو …
(صمت فجأة بطريقة شككت سبأ، ليخرج من الصالة وهو ينظر إلى المقلط المفتوح، فقال بابتسامة)
-ايه يابو إياس مبكر في الجية اليوم، روحي بس فطورك صار في بطن أبوك، عزتي لوقفتك وشدة حيلك

بان الغيظ على ملامحها، تجاهلت وهاب وأخذت طريقها نحو المقلط، دخلت بإندفاع وهي تستمتع إلى قهقاتهم المتعالية ليزداد غيظها

إياس بإنزعاج من دخولها المفاجيء:
-بنت ! وش فيك داخله علينا بهالشكل؟ افرضي أحد موجود عندي
التفت له زاهد مؤنبًا:
-إياس !!
(ثم أكمل بابتسامة عميقة لابنته الوحيدة)
-اقربي ياحبيبة أبوك تعالي، والله إني قلته ذا الشاهي ما يسويه إلا سبأ تدري إني أحبه ثقيل

هذبت ملامحها بطاقة كبيرة، دنت من والدها وقبلت رأسه متجاهلة امتعاض إياس، جلست بالقرب منه وهتفت بنبرة ذات مغزى:
-عليك بالعافية يبه، مادريت إنك جاي بهالوقت ولا كنت دهرت بالفطور الزين

وهاب الداخل للتو قال بسخرية باسمة:
-لا يغرك يبه ترا بغت تاكلني يوم درت إني أنا اللي ماكلن فطورها
(انحنى يقبل والده، وخطف على طريقه حبة زيتون ليرميها في فمه ويجلس بجانب إياس)
-عاد اللي يسمع يقول مرة، اخرتها نواشف

قلبت عينيها وفضلت الصمت، فالجدال مع شخص منطلق كلاميًا كوهاب لن ينتهي إلا بشجار عنيف، التفتت نحو زاهد:
-أعجبك الشاي؟
هز رأسه بإيجاب باسم:
-ايه والله أعجبني، ما يضبطه على مزاجي غيرك
سبأ بنبرة قاصدة:
-مطرح ما يسري يمري، أمي تحبه ثقيل بعد

نظر لها إياس بنظرات لائمة وحدجها وهاب بنظرة حادة، في كل مرة يأتي فيها زاهد إلى منزله لرؤية أبناءه بعد الطلاق، تبدأ سبأ برمي النغزات والعبارات الملغمة! فجميعهم يعلمون أنها غير راضية عما حصل بينهم وبظنها أن هذه الطريقة سترجعهم إلى بعض

لذا تفاجأت بوالدها يقول بجدية وهو ينظر لإياس ووهاب:
-لا أحسن قوموا اضربوها وهي تحت ذراعي
تصددا بنظراتهم عنها، ليكمل زاهد لسبأ:
-قومي وصليني جناحي
سبأ بعدم استيعاب:
-شلون ؟
وقف زاهد، مد كفه ونظر لها بجدية:
-قومي أقولك

وقفت على مضض ممسكة بكفه الممدودة، وفور خروجهم التفت وهاب بإهتمام لإياس:
-أبوي وش عنده ؟ له شهرين ماطبت رجوله برا المجلس وش جايه اليوم؟
-" أبوي رجع أمي"

قالها إياس بهدوء لتتوسع عينا وهاب بصدمة، لكن سرعان ما زفر براحة وهو يريح ظهره على الأرض:
-اللهم لك الحمد والشكر أخيرًا انتهت حالة الطوارئ في بيتنا، ايه الحين أقدر أنام براحة وهدوء

إياس بجدية من فهمه لجملته:
-استحي على وجهك، لهالدرجة شايف أمك ثقيلة عليك؟
نظر له وهاب بذهول:
-تهبى منهو يقوله؟
(ثم ضحك حين فهم مقصده)
-الله يخس إبليسك يا وهاب ماغير تجيب العيد بهروجك، ياولد الحلال أقصد حالة الطوارئ بين أمي وأبوي مهب بيني وبينهم! ولا أنا وش أبغى غير راحتهم

أشر إياس بيديه ليقول بلامبالاة:
-ارقد بس منت داري وش تقول
يهتف وهاب برجاء عميق:
-ايه تكفى خليني راقد ولا تصحيني إلا قبل الصلاة بربع ساعة
(وبحدة قبل أن يغمض عينيه)
-إن صحيتيني مثل عادتك كسرت رجولك، خلك آدمي مثل العالم
نظر له إياس بدهشة، واكتفى بصمته، فهذا الرجل الثرثار لن يصمت حتى تكون له الكلمة الأخيرة في حربه الكلامية

*

بالخارج كانا قد صعدا حتى وقفا في منتصف الطابق العلوي، حين التفت زاهد إلى ابنته بهدوء عميق:
-يابنتي، اللي يصير من مشاكل بيني وبين أمك منتي مسؤولة عنها ولا عن شيل حملها، ولا أنتِ مخولة إنك تتدخلين فيها، أنا عديت لك واجد الشهرين اللي فاتت وقلت بعذرها أمها وأبوها وهي بنتهم الصغيرة، بس لا تزودينها وأنا أبوك، هذا أخوك إياس وهو الكبير ما سمحت له يتدخل .. عشانكم ماهو عشاني أنا وأمك
(ثم أردف بنبرة لينة فهو يشعر أن كلامه السابق كان حادًا قليلًا)
-وترا أنا رجعت أمك، عشانكم

زفرت نفسها وهي تتصدد بوجهها عنه، لم تكن تعلم أنها مكشوفة لهذه الدرجة، هي فتاة تمقت المشاكل وتحب تسيير أمورها على ما تهواه وحين وقع الطلاق بينهم ثارت أكثر مما ثارت والدتها في بادي الأمر، وحاولت بشتى الطرق شق سبل العودة والإرجاع لوالدها
لكنها لو تفطنت قليلًا، لوجدت أنها تشابهه إلى حدٍ كبير، فكلا الاثنين يحبان مسك زمام الأمور على طريقتهم

قبلت رأسه وقبل أن تنسحب قالت بهدوء خانق:
-الله يزين مابينكم يبه، عن إذنك

تنهد وهو يرى إنسحابه، يعلم في قرارة نفسه أنها اضمرت كلامًا كثيرًا بداخلها ودت قوله، لكن لتتعلم كبته فليس كل الكلام يجب أن يقال

تحرك أقدامه نحو جناحه وهو يزفر بضيق، ها قد عاد إلى وكر المشاكل بإرادته، ولا يدري كم من صبرٍ سيبقيه على أرضها دون أن ينقطع حبل الشرع تمامًا
رأها تقف أمام السرير الكبير، وأمامها عدة قطع تتخير بينهم، لتنصدم من وجوده ودخوله الهادي

اقترب حتى وقف بالقرب منها، يشبك يداه خلف ظهره قائلًا بهدوء:
-السلام عليكم يا أم إياس
الصدمة ألجمتها فلم تستطع الرد، وجوده بعثر رماد قلبها وأشعل النار فيه من جديد، ليكمل حين رأى صمتها بهدوء جاد:
-ايه مثل ما جاء في بالك أنا راجعتك، وهذه الثانية يا شيخة لا تحديني على الثالثة، أنا رجالٍ ما أبغى في هذا العمر إلا الهدوء والإستكنان وإن ما لقيته في بيتي ما عاد لي لزمة لوجودي فيه
(وبجدية أكبر)
-ومشاكلنا -الله لا يجيبها- إن صارت لا تطلع برا هالجناح، وخصوصًا لا تطلع عند سبأ، البنت صايرة لي مرة ثانية
(استحثها على الرد وسط صمتها)
-هاه ماعندك شيء تقولينه؟ ولا كلامك ما يطلع إلا لا شميتي خبر زواجي الكذبي؟

قال جملته المفخخة الأخيرة بمكر، عضت شفتها من الداخل بقوة، ونبرة ظاهرها البرود، باطنها الإشتعال:
-ماخليت لي كلام بعد كلامك يابو إياس، وماقصرت فيه أول جملة تقولها بعد صمت شهرين تهديد فيني!

قاطعها بجدية أكبر:
-ما أهدد ياشيخة، ماهو أنا اللي يهدد أهل بيته لكني أحط النقاط على الحروف، اهتمي في بيتك وعيالك وإن كانك تبين تدارين خاطري فعيشيني بهدوء، بس بهدوء

سحبت قطع الملابس بقسوة، ثم نظرت له بقسوة أشد ونبرة هادئة متجهة نحو دورة المياة:
-مثل ماتبي يا زاهد، والله يخلي لك عيالك اللي هم سبب وجودك هنا

أغلقت الباب الفاصل بين غرفة النوم وغرفة الملابس بقوة، ليتنهد زاهد وهو ينزع شماغه من رأسه ويريح ظهره على السرير:
-ايه يا شيخة هم سبب وجودي، ولا اللي بداخلي ما عاد له أهمية بعد اللي حصل


*

*


فتحت عينيها وهي تشعر أنها معلقة في الهواء، شهقت بقوة وهتفت بجزع غير مستوعبة ما يجري:
-يمه لا !!
-"اشش اهدي"
قالها غسان بهدوء، وحين تيقنت أنها بين يديه احتضنت رقبته خوفًا من السقوط
كانت قد نامت على الكرسي مقابلة لغسان النائم على السرير، بعد ليلة الأمس التي انهار فيها ارتفعت درجة حرارته وصاحبه الهذيان طوال ليله، فظلت تضع له الكمادات ومراعاته حتى نامت على الكرسي بوضعية متعبة لها

قربها من السرير، وما زالت متشبثه فيه ليقول بابتسامة قصيرة وسط نظراتها الزائغة:
-بنت خففي ضغط يدينك مابي غير أحطك في السرير عشان ترتاحين

سحبت يديها بسرعة لتستقط المسافة القليلة الباقية وتشهق بخفة من فزعها، عقد حاجبيه وجلس بجانبها على السرير:
-وش فيك خايفة؟

اجترعت ريقها بصمت، ولما لا تخاف وهي لا تضمن رداة فعله الغريبة؟ أضمرت السبب الحقيقي وقالت بتردد:
-أنت شلتني فجأة

رفع خصلات شعرها التي بعثرها تنفسها، وهتف بهدوء يرعبها أكثر مما يريحها:
-شفتك نايمة على الكرسي بوضعية خطأ وزدتيني لوم، ما قلت لك لا تجين جنبي لا أأذيك؟

استكانت قليلًا واطمأنت، أي ليس السبب الفازة التي كسرتها بالأمس وأعادت له ذكريات كابوسية
لا يحبذ تذكرها، رفعت يدها لجبهته لتقول برقة قلقة:
-أمس حرارتك ما نزلت، كيف تبيني أبعد وأخليك؟

كان يمرر اصبعه على حدود وجهها، حين ذكرت البعد والتخلي ضغط على خدها بباطن كفه، وبجدية هامسة:
-تبعدين وسط بيتي، تتخلين عن وقوفك قدامي! لأن غيره ما راح يصير يا نسيم

فهمت كلمته وتصاعد التوتر إلى قلبها، صمتا لمدة ليست بقليلة، وبعد وهلة مسكت يده التي على خدها وأردفت:
-باقوم أسوي فطورك قبل لا يأذن الظهر
(شدت على يده حين رأت اعتراضه وبرجاء)
-تكفى غسان بس اليوم افطر معي، على كل الأحوال احنا بنتغدى اليوم عند أهلك

تنهد بخفة، وقف من مكانه واتجه إلى دورة المياة قائلًا بهدوء:
-طيب اللي تشوفينه

وقفت واتجهت إلى دورة المياة الأخرى التي تستخدمها أكثر الأحيان، اغتسلت سريعًا وأبدلت ملابسها بذات السرعة كأنها تسابق الزمن، فلم تكن تصدق موافقته المباشرة دون شد وجذب

تلكأت حين وقفت في منتصف المطبخ، ماهي صانعة لفطوره هذا اليوم؟
فكرت عجلة أن إفطار يوم الجمعة في منزل أهله غالبًا ما يكون شعبي، فشمرت عن ساعديها وبدأت بإخراج المكونات

صنعت شعيرية، شكشوكة، فول مدمس، شاي أحمر وشاي حليب، بالطبع لم تنسى القهوة العربية المهيلة، ثم ختمتها بالخبز الشعبي الذي يحبه ويفضله

كانت تغسل يديها حين نزل من الأعلى ورائحة عطره تسبقه، شعره المبلل يسرحه للخلف بالكامل، ويضع أعلاه نظارته الشمسية دلالة على رغبته في الخروج
توترت، لا تدري هل حقًا سيخرج أم هي عادة اتخذها؟

سمعته يقول لها بهدوء:
-هاتيه للصالة ماني داخل المطبخ

فحملت الصينية بتوترها المعتاد، واتخذت طريقها إلى الصالة حيث يجلس، وضعت الصينية على الطاولة أمامه وقالت:
-بجيب القهوة والحليب

أعقب كلامها رنين الجرس، فوقف غسان بملل وهو يؤشر بيديه لتذهب:
-خلك في المطبخ لا تطلعين لين يروح اللي عند الباب

جرت خطواتها بثقل نحو المطبخ، متفهمة غيرته الكاتمة على القلب، حين يأتيهم أحدٍ ما لا يسمح لها بالجلوس حتى في الصالة، يخفيها عن الأنظار، يجعلها غير قابلة للنظر!
تسعد تارة بغيرته هذه، لكن بكثيرٍ من الأحيان تضايقها جدًا، وتجدها نوع من أنواع التسلطن عليها

نقلت دلة الشاي بالحليب من جهة إلى جهة أخرى حتى تحملها في صينية، لكن جسدها تصلب لما تراءى لمسمعها صوت ثقيل:
-صباح الخير

حبست شهقتها حتى شرقت بها، التفتت نحو الداخل وهي تكح بصورة متواصلة حين اقترب منها وربت على ظهرها قائلًا بجدية:
-بشويش على نفسك يابنت بشويش، وش فيك شرقتي ؟

آه قصيرة خرجت من ثغرها، تلاحقت على إثرها أنفاسها لتقول بعد وهلة من الصمت:
-خوفتني حرام عليك، وش تسوي بهالوقت وفي هالمكان؟

عقد زياد حاجبيه وجلس على الكرسي المرتفع، اجلى بحنجرته فصوته ثقيل بسبب استيقاظه من النوم:
-أما وش أسوي بهالوقت أبي اتلاحق عليك بسالفة مهمة قبل صلاة الجمعة، وأما بهالمكان فاستأذنت من زوجك أكلمك على الطاير
-"شايف المطبخ مكان للنقاش الله يهديك ؟"

قالتها وهي تخرج صينية بيدين مرتجفة من الرف أسفلها، ليقول زياد بجدية:
-قلت لك مابي زوجك يسمعنا، وعلى طاريه .. وش فيه أمس انقلب وجهه وخرج من نص العشاء على طول؟

نسيم بقلق تحاول إخفاءه بصوتها الواثق، تصف الأكواب على الصينية:
-وأنا وش دراني ما كنت معكم بالمجلس!
زياد بنظرات شك:
-هو لا يكون معلق على سالفته مع عمران؟
تركت مابيدها لتلفتت له بهدوء:
-زياد جاي بهالوقت تحقق معي في سالفة غسان وعمران؟
زياد بهدوء:
-شوفي بطلع من هنا ويجيك هيثم اللي مايعرف يلف ويدور من هنا، أنا مو جاي أحقق معك أنا جاي استفسر منك، إذا باقي غسان على سالفته الأولى مع عمران فأنتِ عارفة وش راح يكون الوضع!

ارتبكت حين لمح لشيء يمقته غسان، الفراق .. هو الراية السوداء التي يلوح بها أخوتها من بعد زواجها منه، هي ذات الراية التي جعلت من غسان يكره ذهابها إلى منزل أبيها ، خشيةً من شكايته

تعترف أن حياتها مع غسان ليست مثالية، ولا هانئة ! فهي معه في توتر دائم من إنقلاباته الغريبة وحالاته الأغرب، لكن ما يبقيها على حياته هو تمسكه القوي بها، ورؤيته لها كطوق نجاة

سنواتها برفقته علمتها أهمية الصمت، فصارت تكتم كثيرًا ما بداخلها عن أهلها، وعن غسان بالذات:
-أنت تنبش سالفة قديمة صارلها سنين، اللي يمكن حتى غسان نساها، أصلًا هو أمس قايل لي بنطلع بعد العشاء على طول لأن عنده موعد مهم ماقدر يأجله بسبب عزيمة أبوي

زياد بأندهاش من هجومها الأخير:
-طيب اهدي شوي، كله ذا تدافعين عنه
زفرت بضيق من خناقه:
-ما أدافع عنه غسان ماهو محتاج دفاع أحد، أنا قاعدة أوضح لك اللي صار أمس

وقف زياد من مكانه، قائلًا بهدوء الإنسحاب:
-راح أحاول أقتنع بكلامك هذا، لكن تذكري محنا اللي نعادي عيال عمنا عشان غيرنا، اللي سواه عمران قبل سنين كان في مصلحة غسان، اللي لو ماهو في مكانه الحين بتشوفينه شهيد !

شهقت من كلمته القاسية، وهي تراه يلوح لها مودعًا ويخرج من المطبخ
تبًا !
كم تمقت هذه السيرة، وتبغض نبرة الإمتنان في حناجرهم حين يشيدون بها.
عمران قد أنقذ ما تبقى من غسان حين استغل سلطاته وسعى لنقله من خفر السواحل في عرض البحر إلى عمل مكتبي -خاصة مع كفاءته التي قلّت بعد حالته النفسية-، حتى الآن لا تعلم ما المصلحة التي خولت عمران للتدخل بوضع غسان فهو كان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعمله، وزاد هذا الارتباط بعد استشهاد أصحابه إثر ملاحقتهم لهارب إرهابي!

عمران له وجهة نظر، وغسان له وجهة نظر معادية
الأخير يرى أن تدخله متسلط، والأول يحمل نفسه الذنب واللؤم -الذي حتى الآن لا تدري ما الغرض منهما-

فأي الوجهتين ستنتصر؟



*

*


طرقات حادة على باب المنزل، أعقبها رنين الجرس، ليأتي صوت ساعي المتذمر من الداخل:
-لا أحسن كسر الباب وأحرق الجرس، جايك لا يطق لك عرق

فتح الباب بفجاجة والتفت إلى الواقف بنظرات حادة:
-خير وشهو جايبك على هالصبح؟ منت داري إن في آدمي مريض ونايم داخل

تيمور المتكيء بساعده على حافة الباب واصبعه لم ينكفئ عن الضغط على الجرس، قال بذات الحدة:
-عمي النايم ولا أنت؟ أنا ما قلت لك إذا وصلت ألقاك تحتريني برا البيت؟
تأفف ساعي بحنق، لف شماغه بعشوائية على رأسه:
-لا يا شيخ، جني أنا أتجهز بدقيقتين، ما امداك ترسل لي إلا وأنا طالع

أغلق باب المنزل، وهما بالمشي نحو وجهتهما، ليسأل تيمور بإهتمام:
-أنت متوكد إنه هو برأسه؟
كشر عن أنيابه:
-اي بالله هو الجحش ماغيره، وراك مشككني فيه؟
-"يارجل ماني مصدق وشهو اللي رده بعد هالسنين"
-"الله والسنين ترا كلها سنة ونص، أربه يستاهل عنوتك ذي"

قالها ساعي ليلتفت له تيمور بفخر:
-يستاهل العنوة أبو محمد! انشهد إنه يستاهل

*
*
على الطرف الآخر، كان قد أخرج سيارته ذات الدفع الرباعي من موقفها داخل البيت، يفتح ( كبوت ) السيارة ويديه تعمل بداخلها
يرتدي ثوبًا ناصع البياض يربطه على خصره، ويلف شماغه بشكل عشوائي على قمة رأسه وبين فينة وآخرى يمسح العرق النازل من جبينه

السيارة في حالة يرثى لها، تحتاج إلى ميكانيكي محترف لينفض عنها الغبار ويعيدها إلى الحياة، وهذا ما تكرره خالته التي تروح وتجيء منه إليه، بالماء تارة، وبالفواكة والرطب تارةً آخرى، حتى قال لها بطولة بال:
-طيب يا خالة دريت إنها تحتاج ميكانيكي، ادخلي وخليني أشوف شغلي الأولي معاها ولا تطلعين لي كل مرة بشيء

وبعد كلامه دخلت متذمرة، ليس من شيء، إلا من خدمته المضطرة عليها بسبب نِزاع والدتها، رمى المنشفة بوسطها وهو يتأفف
بئسًا يحاول! وما فائدة المحاولة وسط هذه الخرابة!
سمع صوت من خلفه فالتفت بأنصاف أعين بسبب أشعة الشمس التي أشرقت بحرارتها:
-ياشيخ ارحم نفسك لا تصيبك ضربة شمس، وماعاد بنشوفك سنة غيرها

هذه النبرة المتهكمة لا تصدر إلا من واحدٍ لا غير، ساعي.
لكن لحظة!
من هذا الذي يقف بجانبه، بوقفة مهذبة تنم عن شخصية راقية، شخصية يعرفها جيدًا، لكن ما بال ملامح وجهه متغيرة هكذا؟ أهو تأثير المدينة وعمله عليه أم تغيرت عقليته خلال هذه السنة

ابتسم حين اقترب منه، وتبين هيئته:
-وأنا أقول ليش الشمس حارة بزيادة اليوم؟ هلا والله بذمتي
-"اخييييه يالغزل الهابط، من أية مدرسة متخرج؟"

قالها ساعي بإشمئزاز، بينما تقدم تيمور بضحكة سعيدة من عمران واحتضنه بقوة، ليقول نكالًا بساعي:
-الشمس كادت تشرق من الغرب من كثر نورك، الله أكبر خفت القيامة قامت
(وبهمس باسم)
-تو ما أشرقت ديار " شرق " يابو محمد

اقشعر بدن ساعي، ليردف بتقزز:
-بس بس الله يقرفكم، وش هالكلام الزفت الله لا يبلانا
(وبجدية حادة)
-بعدين أنت ماخذ لي تحضن فأسود الوجه ذا بدال لا تنشده عن غيبته اللي هو يداريها عني

-"تخسي ماني مسوي العيبة عشان أخبيها عنك"
قالها عمران بذات الجدية وهو يبتعد عن تيمور، ليردف ساعي بإستفزاز:
-كانك رجال علمني وين هاج هالسنة والنص!

عمران بنظرات حادة، وبداخله يعي استفزاز ساعي له ليخرج أسوء ما فيه:
-رجال غصب عن شواربك ذي، ولا بغيت أعلم سبب غيبتي علمتها للرجال مثلي وشرواي

تيمور يتأفف من هؤلاء الاثنين:
-أنتو الاثنين اهجدوا، فكونا من الملاسن اللي من صباح ربي
مسح عمران عرق جبينه ليتنهد:
-الحقوني للديوانية، بغير لبسي وأجي أعلم اللي وراك منهم الرياجيل

جلس ساعي على حوض منزل هادي، كعادته حين يحادث عمران من أمام بيته، أخرج سيجارته وأشعلها بتروي:
-ماني متحرك لين أشوفك قدامي، تحسبني مدمغ أصدق كلامك

اقترب منه تيمور، سحبه من جهة كتفه وأردف بجدية بالغة:
-ترا لسانك طايل سويعي، انتبه لا يفقد بومحمد صبره ويعلمك طوالة اللسان
ساعي ينظر من خلف كتف تيمور إلى وجه عمران المتغضن:
-عشان خاطرك يا أبو ترنيم، عشان خاطرك

أشر تيمور بعينيه، أي سننتظرك في الديوانية ألحق بنا
( والديوانية هي دار للضيافة شيدت في ديار شرق قبل نصف قرن، تكفل شبابها بتجديدها بعد مرور أكثر من خمسين سنة، مثلما شيدها شيابها بذاك الزمن، وأصبح رجال الديار يستخدمونها للقاءات والسهر، وهي تقع في المنتصف، ومفتوحة من جهة واحدة على عدة مقاهي شعبية)

أغلق عمران (كبوت) السيارة، ودخل إلى الداخل ليستحم ويزيح عنه الغبار والعرق، خرج بعدها متعطرًا بروائح العود الطيبة، وبثوب أكثر نصاعًا من سابقه
دخل على جدته، التي تستمع لسورة الكهف، ودنى منها مقبلًا يشتم عبق الريحان والياسمين:
-يمه فديتك أنا رايح للديوانية، تبين شيء؟
-"أبي سلامتك يا رأسي، لا تتوخر علي .. غداك جاهز"

قالتها ليقبل رأسها مودعًا وواعدًا إياها بالعودة، تقدم نحو الباب وهو يرفع هاتفه ليرى إن كانت هناك رسالة صادرة منها،
ليتنهد حين وجد اللاشيء!
اتصل فيها في وقت مبكر من صباح اليوم، وأرسل لها رسالة قصيرة ( كلميني )، ورغم ذلك تصر على تجاهله:
-"لين متى يا تليد، ما عاد باقي لي إلا جهتك لا تحمليني ذنبك وتضيعيني"

أتاه صوتٌ ما بنبرة مستغربة، ليرفع رأسه ويصدم بمن يراه أمامه، هُنا، في ديار "شرق"، أهلًا بالمصائب:
-بسم الله عليك من تكلم؟

عمران بنبرة قاسية، وهو يلتفت يمنةً ويسرة:
-مساعد !!
هز مساعد رأسه، ليتفاجأ بعمران يدخله إلى داخل المنزل ويغلق الباب من خلفه، نهره بعنف وبصوتٍ حاد:
-أنت بايعٍ نفسك يومك جايني لين هنا؟ من دلك على هالمكان ؟ أساسًا كيف جاتك الجرأة تجيني لحد هنا

انصدم مساعد من الهجوم المباغت، وحاول تبرير وجوده وموقفه بكلمات هادئة:
-طال عمرك أنا جاي بأمر من ..
قاطعه عمران بذات القسوة:
-اص، بس خلاص اسكت ! أمر وأمر .. ذبحتوني بأوامركم اللي تجيبكم عندي من بد الناس كلها، اسمع يا رجال تاخذ طريق رجعتك وتطلع من هالديرة روحه بلا ردة من غير شر، تفهمني؟ لا عاد أشوفكم جنبي، لا أنت ولا خوياك الثانيين

اعتدل مساعد بهدوء، وأبعد كف عمران عن كتفه ليقول:
-ماقدر، هالمره أنا في مهمة رسمية ولازم أنفذها على أكمل وجه
تغضن جبينه وعقد حاجبيه، ليكمل مساعد:
-أنا مبعوث من الحكومة برأسها، ما للحكومة عندك قدر وإحترام وأنت واحد من مواطنيها؟

أغمض عينيه وزفر بقلة صبر، ليردف بحدة:
-وش عندك؟
أخرج ورقة مطوية في ظرف منمق، مدها لعمران وهو يقول بمهنية جادة:
-هذه برقية فورية مشتركة من رئيس الرئاسة وموقعة من وزير الداخلية

تناول عمران الظرف بخشونة، فك تغليفها وقرأ ما بين سطورها مرة ومرتين وثلاث، وفي كل مرة تسقط عيناه على التوقيع والختم أسفل الورقة

عض شفته بقوة حتى شعر أنه سيدميها، وسمع نبرة مساعد السعيدة وإن كان ينكرها:
-أشغلت الرئيس والوزير من بعدك، هذه البرقية جاتك بدل محضر إستدعاء، لأنك منت مواطن عادي حتى يجيك إستدعاء، أنت قائد برتبة عالية عندك مهمة سرية وعاجلة عشان تخلصها

طوى الظرف وأدخله في جيبه، نظر له بنظرات واجمة وسط شعاع عينيه الذهبي ليقول بغلظة وهو يرفع سبابته:
-زين يا مساعد بنتفاهم على هالسواة، وجيتك لا تحسبها بتمر مرور الكرام
(وبعقدة حاجبيه أكمل)
-الحين علمني في أحد شافك وأنت بهالحالة؟

نظر له مساعد بدهشة:
-وش فيها حالتي؟
استطرد عمران بسخرية:
-متهندم بزيادة، يعني لو ما أعرفك كنت باقول هذا جاي الديرة يخطب، امش غير ملابسك
تراجع مساعد بذات الدهشة، ماذا بعد سيجعله يتفاجأ بعمران، فقال برجاء جاد:
-تكفى ياطويل العمر لا تشلحني من كشختي، لا يكون تبيني اتشنقط بالسروااال

تأمل فيه عمران بدقة شديدة، يعد ويحصي كل سانتيميتر في ملابسه، يعلم أن هذه هيئة مساعد الطبيعية، الباذخة في ظاهرها، لذا لا يصح أن يمشي هكذا في هذه الديار حتى لا يلفت إليه النظر أكثر

لذا مد يده لعقاله ونزعه، بعثر ترتيب شماغه ووضعه بطريقة مشابهة لطريقته، نزع ساعته وخاتمه العقيق ليضعهم في جيب ثوبه، فقال وهو يرفع الوسطى والسبابة بوجهه وسط دهشة مساعد:
-شيئين لا تذكرهم على لسانك في هالديرة ولا قصيته لك، وظيفتي واسمي
(وأكمل بتلقين حاد)
-اسمي عميد واشتغل في البلدية! وش اسمي ؟
فغر فاهه وهو ينظر إليه بإندهاش:
-هاه؟

-"جاوبني بوضوح، أنا لا يكون الله بلاني بمسبهه ما يفقهون شيء"
قالها عمران بإنزعاج اتضح على ملامحه، ليعتدل مساعد في وقفته ويرد على سؤاله:
-اسمك عميد وتشتغل في البلدية
ربت على كتفه:
-شاطر، برافو .. إن زليت بكلمة عن الكلمتين برجعك لسراير المستشفى، فاحذرني يا مساعد

مشى بجانبه متجهه إلى الديوانية ليقول بإنبهار:
-أخس يامقدم طلعت عايش حياة التخفي عنا بهالديرة
التفت له عمران بهدوء بعد إنزعاجه، وبنبرة حذرة قال:
-معقول اللواء أبو تركي ما قال لك؟
هز رأسه نافيًا ليقول بجدية:
-قال لي يا " راعي الحق " وصّل هالبرقية لعمران بدون ما تفتح فمك بكلمة، بس أنت أدرى بجنديك
عمران بسخرية:
-مصيبة، أنتو مصيبة

وصلا إلى الديوانية حيث ساعي وتيمور ينتظرانه، تفاجأ برؤيته يدخل وبجانبه شخص لأول مرة يلمحاه، جلس عمران، وجلس مساعد بجانبه بعد أن سلم على المبحلقين بوجهه:
-مساعد، زميل قديم لي .. مساعد، هذا ساعي وتيمور أخوياي

قالها عمران بهدوء، تناول كوب الشاي من أحد الصبية وأخبره بإحضار أخر لمساعد، التفتت نحوهم حين شهد سكوتهم بعد حماسة المعرفة:
-وش بلاكم ؟ ماهو غريب خذوا راحتكم
-" ما شاء الله وش هالزميل اللي طلع من تحت الأرض "

قالها ساعي الذي لم يستطيع كبح لسانه ساخرًا، فابتسم عمران لملامح مساعد المتغضنة:
-قلت لك قديم، عشان كذا طلعته من تحت الأرض
( أكمل بجدية، قائلًا)
-اسمعوا يا عيال، حكاية وحدة احكيها ولا عاد تفتحون فمكم بكلمة عنها، السنة والنص اللي فاتت كنت في مهمة عمل أخذت مني وقت طويل، على أخرها حصلت لي مشاكل ودخلت بقضايا في شغلي واتهموني فيها وسُجنت لشهور قليلة، طلعت واضطريت أنهي أموري العاقلة ومن خلصت رجعت الديرة!

حسنًا ! ربما هذا جزء من الحقيقة
أي حقيقة أنه كان في مهمة عمل، وأنه سُجن، لم يكذب
لكن الجزء الآخر فهو ملفق تمامًا، فهؤلاء المتصلبين أمامه لا يعرفون من هويته إلا أنه عامل ذو رتبة بسيطة في البلدية!
أكمل يقطع عنهم سبل الاستفسار:
-مشاكل البلدية في الفترة الأخيرة كثرت، وأنا وقتها كنت مستلم ترقية جديدة! فكان لازم أتحمل مسؤولية اللي صار، ولا تسألوني عن المشاكل هذه أسرار عمل ما أقدر أفشيها

هاهي حقيقة أخرى لغمها وسط كذبة صغيرة
هو بالفعل قد استلم رتبة جديدة قبل أن يخوض في مهمته "السرية" على حد قول مساعد، مساعد المصعوق حاليًا من اصطفاف الكذبات وراء بعضهن

ارتشف من الشاي وهو يرى وجوههم الواجمة، وطرف بعينه ينظر لمساعد المكتومة ملامحه، ولا يعلم لما شعر بضحكة مكتومة تدغدغ حنجرته
لذا تحمحم قائلًا:
-داري في واحد ثالث بياتي يركض عشان يدور على الحقيقة وعلموه عنها، أنا استأذن الحين عندي شغل مع الزميل القديم

قال كلمته الاخيرة بتهكم مقصود لساعي الذي ينظر له بملامح شك، وقف ليقف مساعد من خلفه ويخرجان من الديوانية بهدوء
وهو يأمل أن يصدقا روايته المقنعة التي رواها



*
*
في منزل نايف، دنت حنين بصينية الحلا المانجو البارد الذي يحبه هيثم ودلة القهوة، سكبت له فنجانًا وجلست بجانب عمتها هناء:
-اي ياعمة وشهي الأخبار ؟

قالها لتبتسم هناء بهدوء:
-الأخبار تسرك ياولد أخوي، ما عاد نشوفك إلا بالقطارة
ارتشف من بفنجانه بثقة باذخة:
-شغل ياعمة، تدرين بالشغل هذه الفترة الله يسهلها علينا، وعلى طاريه ما ودك تجين تتوظفين عندي؟

ضحكت هناء بخفة، وهي تعلم أنه يمازحها ليوقعها بالفخ:
-لا ياحبيب عمتك، أنا مكتفية بشهاداتي اللي عندي وما أبغى الشغل
هيثم بابتسامة:
-الله يالاعتزاز، شهاداتك مرة وحدة، والله منتي هينة

تحدثت حنين بعد فترة صمت محترم نتيجة نقاشهم، لتقول بهدوء واثق:
-دامك في طاري الشغل يابو نايف، وش سويت بموضوعي؟
هز فنجانه ووضعه على طاولة الخدمة أمامه، نظر لها بجدية قائلًا:
-موضوعك راح يتعقد لو ما تنازلتي شوي، شروطك صعبة وأنتِ صاحبة الحاجة في هذه الفترة

حنين بجدية من لا يقبل التخلي:
-تنازل لا، أنا مصرة على شروطي هذه، مو معقول ما راح أحصل شيء مفصل على مقاسي
هيثم ينظر لها بهدوء:
-إذا على المكان، أنا معطيك مكتب في بناية من أرقى البنايات حتى تبدين منها الأكاديمية، وأنتِ بصدد تكملة باقي الإجراءات المهمة، بس من من وين بحصل لك طاقم نسائي محلي مية بالمية؟

-"ما خلصت بلادنا من البنات أصحاب الشهادات العليا يابو نايف، ماهي صعبة عليك تلقى لي اثنين"

قالتها حنين بجدية بالغة، غلقتها ببعض التعنت الخفي، ليردف هيثم بنبرة شبة ساخرة:
-يابنتي أنتِ تبين محاضر بشهادة ماجستير أو دكتوراة، وعنده على الأقل شهادتين مدرب دولي معتمد في تخصصين مختلفين، وفوقها خبرة خمس سنين فما فوق، هذا لازم تقيمين الليل وتتصدقين وتكفلين أيتام عشان تجيبنه

هناء بابتسامة لابن أخيها المتفاخر:
-ماتشوف إنك زودتها؟
-"وأنا صادق ياعمة"
قالها وهو يتكيء بظهره على الكنبه، لتردف هناء:
-لا منت صادق ياقلب عمة، بناتنا اليوم يتنافسون على العلم والشهادات، وإذا على شهادات التدريب صارت تنعطى بالهبل ومعتمدة مية بمية في كثير من الدول، وأمر الخبرة محلول! ترا فيهم الخير، لا أسمعك تقلل منهم وتنسى إني وأمك وخواتك من جماعتهم

قهقه بخفة وهو يرى تغضن ملامح حنين، التي أردفت:
-خليه ياعمة هو شايف نفسه محد قده، وإذا على شركته اللي ينافسها كثير شركات ما وقفت عليها! كله توفيق من رب العالمين

هيثم بتهكم، صريح ومرير:
-الله يعيني عليكم يا عيال نايف، لازم أمشي لكم أموركم، أبشري وأنا أبو نايف راح أدور لك بنات بخلطتك الخاصة بس هاه بعد ما تفتتحين الأكاديمية دوري وظيفة لتليد عساها تطلع من جحرها، إلا على طاريها وينها ما أشوفها؟

انحنت حنين وهي تقدم له بعضًا من الحلا البارد:
-راحت بيت عمران
انتفض هيثم من مكانه، وقف ليقول بغضب صارخ وهو يوجه نظراته الحارقة نحو حنين وهناء:
-نعم !! راحت بيت عمران ؟ ليه من سمح لها ؟


*

*


فتح باب منزله بعد طول غياب بملامح متجهمة بعد أن عاد للمدينة وأدى صلاة الجمعة برفقة مساعد ، هذا المنزل الذي لم يدخله قبل أن تحصل الحادثة وقبل سفر أهله،
آه وكأنها أيامٌ قِلال، كأنه الأمس والله!

هنا، ما زال يشعر بجلوس والدته، وإستقبالها له ولوالده، هنا واصلت روح أخته بالرقص جيئةً وذهابًا فرحةً بوجوده، ووعوده التي يوعدها إياها كل اسبوع

هناك، يستنشق عبق العود، وأريج القهوة، وشذا والدته، هناك يقبع سكون والده، وإتكاءه على العصاء ينظر إليهم بشجن

ياه كم من ذكرياتٍ مختزنةٍ في عقله يحتاج إلى عشرات السنين حتى يمحو صورتها السوداء ويستبدلها بما كانت عليه

زفر بهم، أشباح الماضي وأشواق الحاضر تلاحقه، ولا مفر ، لا مفر منها
رفع رأسه حين اشتم رائحةٌ ما، رائحة نظافة مع رائحة بخور الجمعة التي يوضع خصيصًا لهذا اليوم مبارك

كاد لوهلة أن يصرخ، يخرج سلاحه المستكين على قدمه ويبحث عن السارق المتسلسل لهذا المنزل المهجور فيقتله، لكنه تفاجأ برؤية إحدى الأثيرات تجلس على كنبة الصالة الجانبية، وبدهشة تقدم منها:
-تليد ؟

نظرت له تليد بهدوء دون أن تقوم من مكانها وهي تراه يتقدم منها بخطوات طويلة، مردفًا بغضب بعد أن وعى وجودها الوحيد:
-أنتِ مجنونة جاية لبيت مهجور لحالك وبدون لا تتأكدين من أمانه؟ مجنونة ولا ناوية تذبحيني على آخر عمري بتصرفاتك؟

وقفت بعد غضبه بتهذيب، شبكت أصابع يديها ببعض، لتقول وهي تؤشر بعينيها نحو المطبخ المفتوح:
-معي عاملتين

فقط! هذا ما قالته بعد صومٍ لسنتين متتاليتين عن محادثته، جملة من كلمتين تخبره أنها لم تأتي لوحدها
اقترب حتى فصلت بينهم طاولة القهوة، نزع شماغه ورماه بالوسط ليقول بضيق:
-وش جابك وهم معك؟

نقلت نظرها نحو المنزل، لتحط عينيها على عينيه الذهبتين، ياه ! عينيه الشيء الوحيد الذي يريق دماء قلبها ويصدع بشقوق جراحها؛ فهي تذكرها بمشاغبات أخته ومناوشاتهم عليها:
-البيت على قولتك مهجور وكله غبار، جيت أنظفه معهم
-"جناحي؟"
قالها عاقد الحاجبين لتردف بعجلة:
-مادخلوها، ولا أنا دخلتها!

تنهد بضيق، صد بوجهه عنها لوهلة ثم عاد ينظر إليها من جديد بنظرات مفضوحة الشوق والإمتنان، هذه اللهجة الرسمية التي تخرج منها تضايقه
أجل تضايقه، فهو ما اعتاد منها إلا الجنون والشغب
هي من ترسم لحياته مسارًا معطرًا بالحياة!
وتنزع الأشواك عنها وتبيد المآسي!
هي من أعطته معنىً مبهجًا لعيشته الظنكا التي عاشها في وحدة

رغم صلته التي انقطعت بسجنه، لكن يراها ضمادًا لجروحه، سنواتها العشرون ، والثلاث الأخريات كانت كافية لجعلها في مرتبة لم تصلها حتى أخته "ريمان"
غريبٌ على عمران، لكن روح "تليد" هي من تأصلت فيه بسرعة ودون سابق إنذار:
-عمران!

قالتها تليد بنبرة باكية، فرفع عمران يديه على وسعهما ليقول بحنية:
-تعالي
قطعت المسافة الفاصلة لترتمي في حضنه، وتشد على ظهره بكلتا يديه، شعر بالدموع تبلل صدره فقبل مفرق رأسها بحنو هامس:
-لا تبكين، تكفين! وش يوقف دموعك لا بكيتي
(استمرت في بكاءها الصامت، فأكمل عمران بهدوء)
-أدري، أنا ممنون لك بتبرير وحياة ثانية، تصدقين عمران؟

هزت رأسها بإيجاب في حضنه، ليكمل بابتسامة:
-أجل تكفيني هزة هالرأس
(أبعدها عن حضنه لينظر إليها بهدوء)
-ماهو الكلام اللي تبين تسمعينه بس أنا مشغول الحين واجد، اتصلي في زياد ولا هيثم وارجعي البيت، وتكفين يا تليد لا تقعدين فيه وأنا مو موجود

نظرت له بإهتمام ونهم، ليقول وسط صمتها:
-العمل مستدعيني، وما أدري متى أخلص شغلي، بكل الأحوال ما راح أسمح إنك تجلسين لحالك، أنا بطلع جناحي أغير ملابسي وأطلع خويي يحتريني خارج ! يلا أسري

قالها وهو يقبل رأسها مودعًا، ليصعد إلى الأعلى وتتجه هي إلى الخارج برفقة العاملات التي جاءت بهم، خرجت على أمل أن تحصل تبرير من عمران مثلما قال، وأن تجد خبرًا ما عن أصحاب الغربة

بينما عمران وقف أمام خزانة ملابسه، ليخرج البدلة التي ظل ينظر إليها بشغف ووله، البدلة " بالتاج والنجمة " التي لم يسعفه وقته ليعيدها إلى موطنها، فبقت في خزانته لسنةٍ ونصف السنة

تنهد، وارتداها بتروي كأنه يستشف من قماشها حكاية عشقٍ جمعته بها لسنين طوال، حكايةً ود بشدة أن يحكيها لابنه وبناته، وأحفادهم، حكاية حبِ، تعهد بها بالفداء ، لله ، الوطن ، والمليك

خرج بشعورٍ جديد، خالصٍ ونقي -وإن أنكر-، خرج وراية الانتصار ترفرف بالقرب من قلبه، والمِكر يشع من عينيه
خرج الثعلب من جحره، فبئسًا للقوم الظالمين



*

*

دخل بقدمه اليمين إلى المكتب الواسع وهو يسمي بالله، أدى التحية العسكرية -ظاهرًا- لرئيسه السابق والحالي ، اللواء ( أبو تركي )

الذي ما إن رأه حتى وقف من خلف مكتبه وحياه بتحية هادئة وابتسامته تتسع رويدا رويدا:
-استريح

قالها ليستريح عمران في وقفته، ونظراته الذهبية ينير منها الفضول والرغبة بالإستكشاف، وشغف الانقضاض على العدو، فقهقه أبو تركي :
-ايه نعم هذه النظرة اللي أبي أشوفها، حياك الله يا مقدم نورت من جديد
عمران بهدوء:
-الله يحيك ويبقيك، سيدي !

تكتف أمامه وقال بابتسامة خبيثة:
-تسلطنت علينا بس جبنااااك يا مقدم، ولا وش تقول كعادتك؟
شعر عمران بخبث جملته خاصة حينما قال ( جبناك )، أي كأني أحضرتك غصبًا عن إراداتك، وهو ماحصل:
-الله، الوطن، المليك .. كلنا فدى في سبيله

هز رأسه بإيجاب وهو محتفظ بإبتسامته:
-من وين تبينا نبدأ ؟ المهم فالأهم ، أو ندخل في نقاشنا مباشرة ؟ نقاشنا طويل الصراحة
-"تحت أمرك، سيدي !"

اقترب اللواء أبو تركي بخطوات بطيئة، وملامحه عادت للهدوء والإنبساط، يتحدث أثناء مشيه:
-مخالفة الأوامر العسكرية، التصرف بغير أمر قائدك، إصابة عسكري تحت قيادتك والتسبب بغيبوبته، دخلت السجن ظالم مو مظلوم مثل ما كنت تحبذ يا ثعلب

صامتٌ، هادي، لا شيء غير السكون الذي يلفه، أكمل اللواء بذات الهدوء المخيف:
-أخذت الحق العام وتنازلوا أهل العسكري عن الحق الخاص في اللحظة الأخيرة وأخذت سنة ونص سجن
(نزع التاج عن كتفه الأيمن بقسوة، ثم أتبعه بالأيسر)
-ومنت جاهل في الدستور العسكري ياعمران، صدقني حاجتنا لعقلك أكبر من توافه أمور تظنها على هامش حياتك،
مبروك رجعتك للقوات الخاصة يا رائد عمران، ومبروك رتبتك الجديدة

حافظ على صلابة ملامحه، أجل ليس جاهل في الدستور العسكري، الذي يقول منه نصًا أنه إذا أعيد الفرد للخدمة وتجاوزت مدة تركه للخدمة أكثر من سنة فإنه يعاد برتبته الأدنى من رتبته السابقة، وها هو يخسر سنواته التي عمل فيها جاهدًا ليترقى، يتأخر من مقدم، إلى رائد:
-الله يبارك فيك، الرائد عمران تحت أمرك سيدي!
اللواء بجدية اكبر:
-ألحقني على غرفة العمليات، مهمتنا تبدأ من الآن بعيدًا عن برتوكولات الترقية الجديدة، وهذه من أوامر رئيس الرئاسة

لحق به إلى غرفة العمليات في الطابق الأرضى من المبنى، دخل بعد أن وضع بطاقته ليدخل ويجد أمامه فريق "خنجر" السابق، دون زيادة أو نقصان:
-بدون ترحيب وتهليل، كل واحد يتخذ مكانه

كانو قد وقفوا فور دخول اللواء ومن خلفه عمران، لذا لم ينبس أحدهم ببنة شفة حتى حين جلسوا وبدأ أبو تركي بالحديث:
-نستكمل مهمتكم اللي بدأتوها قبل سنتين، ما راح أقول إن مهمتكم الأخيرة تكللت بالفشل مية بالمية لأننا قدرنا نمسك مجموعة من المجرمين اللي كنا نلاحقهم بذاك الوقت، لكن ..
(رفع جهاز صغير ليضغطه وتنير شاشة العرض أمامهم)
-الخطر ما زال قائم، والمجرم الحقيقي حر طليق حتى الآن، بأوامر عليا ألقينا الطعم للشريك الأوحد وألتقطه بكل غباء
(التفت نحو عمران ساخرًا بجدية)
-يعني ألقيناك أنت يا عميد .. مساعد!

كبت مساعد ضحكة كادت تخرج على الاسم الذي ذكره اللواء، هذا يعني أنه على علم بتخفيه الأهوج الذي يتخذه منذ سنوات، لذا قال بجدية مهنية:
-الاستخبارات في المنطقة تشير إلى تحركات زيادة عن اللزوم، قصر البيضاء ما زال تحت المراقبة من اللحظة اللى اختفى فيها عميد، يعني من سجن الرائد عمران

اللواء بذات الجدية:
-الشريك اللي كنت في مهمة معه راح يدلنا لشخصية المجرم الحقيقي، لأنه الوحيد في المنطقة اللي بقى يتعامل معه في تخفي لسنين طويلة .. حكيم؟

انتبه حكيم للواء، ألقى بنظراته المرحبة أولًا نحو عمران الذي ابتسم ابتسامة صغيرة، ثم قال بجدية وهو يضع صورة سوداء بطيف أبيض باهت:
-بعد تحويات وجدنا إن هذا هو المسؤول عن التنظيم في منطقة الشرق الأوسط!

مسك عمران الصورة، وتمعنها جيدًا ليردف بغرابة:
-وش أشوف قدامي؟
ابتسم حكيم قائلًا :
-الشبح، اللقب اللي يُلقب فيه، اللي تشوفه صورة من وحي الخيال
-"والمطلوب طال عمرك؟"

وجهها عمران للواء، الذي ارتكى بكوعه على ذراع الكرسي، وبابتسامة تحدي:
-شكله، اسمه، نسبه، تعاملاته، المطلوب منك تخلي هالصورة حقيقية على أرض الواقع، وتجيب لنا رأسه، أنت وفريقك
(ثم أكمل بإنهاء للنقاش وهو يقف)
-المعلومة الوحيدة اللي أقدر أفيدك فيها، عنده ابن أخ متخفي بأسماء شتى، وابن أخوه منشق عن عمه الشبح
(وقف ووقفوا من بعده، ليقول بتهكم جدي باسم)
-عاد الله أعلم من يشابه في التخفي، المهمة بيدكم ، وافوني بالتحديثات
الله يفتح طريقكم !






تِيهٌ بطعم الليل
ضِلالٌ بصحبة .. نجم
فلمن النصر
لمن؟
لي .. أم لكِ
أم للخيال .. أم الزمن؟

انتهى ❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.