آخر 10 مشاركات
عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الزواج الملكي (109) للكاتبة: فيونا هود_ستيوارت.... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          258 - بلا عودة - هيلين بروكس ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          كبير العائلة-شرقية-للكاتبة المبدعة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[زائرة]كاملة&روابط* (الكاتـب : منى لطفي - )           »          سحر جزيرة القمر(96)لـ:مايا بانكس(الجزء الأول من سلسلة الحمل والشغف)كاملة إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree4523Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-12-22, 11:52 AM   #271

هبوش المحمد
 
الصورة الرمزية هبوش المحمد

? العضوٌ??? » 487308
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 146
?  نُقآطِيْ » هبوش المحمد is on a distinguished road
افتراضي


السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ..
ياصباح النور والنوير يا اهلا يا اهلا ..
يا صباح الابداع والجمال ماشاء الله تبارك الرحمن عليك مبدعة جد حرفيا فصل ورا فصل جالسه انبهر اكثر وانشد اكثر
بالقصة و الشخصيات و السرد والحبكة الحبكة يا ناس كل شي لا يعلى عليه تبارك الرحمن مبدعة ..

قد قريت لك رواية رائعة قبل ماكنت اعرف انها لك 😭😭 .. لما عرفت حقيقي تفاجئت لانه مرا في اختلاف و تطور ماشاء الله عليك ملحوظ يارب تظلي دايم كذا من تقدم لتقدم و من نجاح لنجاح 🥹❤❤

بالتوفيق حبيبي ❤….


هبوش المحمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-22, 12:30 AM   #272

ام جواد
 
الصورة الرمزية ام جواد

? العضوٌ??? » 443659
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 776
?  نُقآطِيْ » ام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond repute
افتراضي

اشتقنا وينك يا حلو 😍😍
وشتقنا لابطالنا ❤️


ام جواد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-22, 03:18 AM   #273

هبوش المحمد
 
الصورة الرمزية هبوش المحمد

? العضوٌ??? » 487308
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 146
?  نُقآطِيْ » هبوش المحمد is on a distinguished road
افتراضي

دحين بنات مو عارفه اركز ايش هي المواعيد لنزول الفصل لاني مو جالسه اشوف التنزيل كله بيوم واحد ممكن احد يفهمني ؟ كنت احسب كل خميس بس شفت انه في فصول نزلت غير الخميس كيف كذا يعني في مواعيد تانية

هبوش المحمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-22, 12:18 PM   #274

خطوات ورده

? العضوٌ??? » 1497
?  التسِجيلٌ » Jan 2008
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » خطوات ورده is on a distinguished road
افتراضي

شنو اسم روايتها الاولى

خطوات ورده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-22, 02:09 PM   #275

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قلم كحل مشاهدة المشاركة
ياذي عمران الي كلن يبي ذبحته اقلقنا مرات اقول ليته يموت ونخلص من قلق الليزر الاحمر واهو مصوب على ظهره

شكل عدوان ولد اخو رئيس العصابه الي سبق وتكلمو عنه ويمكن ماله في الشر والاجرام علشان كذا عمه منكد عليه حياته وناويه بشر

الله يسعد قلبك ضحكتيني 😂😂😂👏🏻
عمران يعتبر شخصية رئيسية وأغلب الصراعات تدور حوله
عشان كذا لا عجب إنه يكون هدف لأغلب الأعداء


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منـال مختار مشاهدة المشاركة



مساء الخير على الجميع 💗

تسلم يدك يارب فصل يججججن مره 😭❤

بسم الله يمه قلبي القفلة 💔
الله يستر بس اتوقع انه ينصاب عدوان يوم يحمي عمران عدوان مالحق يتهنى 😭💔

البتول تجننن شخصيتها حبيتها 🤍

حبيت ريحان وامها يعمري الله يطول بعمر امهاتنا يارب ويرحم من مات 😭💗

لحظة ليش تليد ماهي مع ريحان فقدتها 🤕

شكراً الكادي 🤍🤍🤍🤍.




مساء النور والسرور ❤❤
الله يسلم قلبك ياحبيبتي، شكرًا لك أنتِ على هذا الوجود الرقيق 🥹

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام جواد مشاهدة المشاركة
اخخخخخ شو هل الفصل ماني قادرة استوعب😍😍😍😍
هل عدوان فرد من العصابة وتاب ام هو ابن اخ رئيس العصابة يلي يدور عليه الرائد
بناات تتذكرون المقدمة كان فيها عمران يتقاتل هو واحد كان صاحبه و خانه فاضنه عدوان رح يستسلم لتهديد ويخاف ويتعاون مع العصابة🤔🤔🤔
حنين يا حنين كل يوم اكون رح تتكلم بس شوره الوضع لسى مطول الله يعينها بس😢😢
تسلمي يا عسل على الفصل التحفة ❤❤

يا سلام عليك يا أم جواد، بطلة 👏🏻❤
كفيتي ووفيتي بهالتعليق ✨


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضي عيوني مشاهدة المشاركة
فزاع بيقنص القناص قبل ما يقتل عمران ،والزواج بيتم وعلى عينك يا حسد ،وعدوان صامد ،وان شاءالله عمران ما يشك بعدوان ويعرف انه اخو زعيم العصابه ،


وعدوان موجود إن شاء الله عمران ما هو صاير له شيء 🥰❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-22, 02:17 PM   #276

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مِسك مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ..
ياصباح النور والسرور ..
صباح ابداع كدّو ، وجمال حرف كدّو
وحبكه كدّو المذهله ، وابطال كدّو الجميلين 🥹 ..

ياربي ياحبيبي شهالجمال وهالابداع تبارك الرحمن ، فصل ورا فصل انبهر اكثر واكثر بترابط الحبكه والاحداث ..

تسلم يدّك كوكي وماننحرم والله من ابداعك وجمال ماكتبتي 🤎🤎🫂 .. مهما حاولت اوصف شعوري ناحيه هالجمال احس يعجز لساني وتعبيري ..

( للمعلوميه قرأت اخر فصلين دفعه وحده ، بس تعليقي بيركزّ على الفصل الاخير ☺ .. )


- غنيّه وهادي وزواج بنتهم -

اتفهم خوف غنيه وقلقها على حياه بنتها ، خصوصاً ان العريس شاب مجهول الاهل ومقطوع من شجره حسب ماهم فاهمين ..

" أنا قلت لأبو محمد ذيك الليلة بعد مشاورة لو تبي ردي الأخير بطلب منك طلب, وهو الله يسلمه ما قصّر قال لي تم وأبشر, هالورقة تثبت لك هوية عدوان وإنه بدون سوابق جنائية "

طلع هادي فعلاً سأل وتأكد من خلفيه عدوان ..
ماهضمت فكره ان عدوان بدون سوابق جنائيه 👀 ..
من كلامه عن سواد ماضيه ما احس انه خالي ، بس عزائي وامنيتي الوحيده ان سواد ماضيه ماوصل لدرجه إزهاق ارواح بريئه 😢 ..

نجي اللحين للشي اللي جلست فتره اقلبه بدماغي ، معقول عمران رغم رتبته وفريقه ماقدر يكشف ان هالاسم مزور !! ولا عدوان شجاع لدرجه انه ماغير اسم عائلته واكتفى فقط بتغيير اسمه الشخصي 🤔 ،
لان ماهقيت ان عائلته لو له عائله بيكونون سيئين علناً ، بس اكيد باطنهم اسود من سواد الليل ..

"تستجيب ريحان لوالدتها سريعًا فتفك ظفيرة شعرها, تستخرج الأخيرة "مشطًا" من الفضة الخالصة توارثته أمًا عن جدة لسنواتٍ طويلة في عادة لطيفة تبنينها منذ الصغر "

غنيّه وجانب الامومه 🥹🤎🤎 ، ماتتخيلين ياكدّو كيف غصت وغرقت بجمال الوصف والمكان لدرجه صرت اشمّ ريحه الحناء وكأني معاهم ..

حبيت مره العادات اللي عندهم للعروس ، الحناء ومشط الفضه والجنيهات الصغار 🥹 وحبييت اكثر سبب تسميه ريحان 🌿.. مالوم جدّه غنيه يوم تزرعه يكفي ريحته تهبل وشكله حلو 🤎 ..

تساؤول عالسريع كدّو ، هل هالعادات اللي وردت بالفصل حقيقيه !
ام انها بنات افكارك !! 🤎 ..



- شهاب الشهم 🌚 -

والله اني احس وشبه متأكده هو في ديره والشهامه في ديره ثانيه ..
المهم ماعلينا ، ماحبيت عدم احترامه لاهل مرجان
صح انه زوجها بس يعني شويه احترام ولا لازم نعمله كيف يصير محترم ،
شكله انشغل بشهامته ونسي يتعلم الاحترام 🌚 ..


"مرجان, لآخر مرة أقولها, الرقم يرجع لخويي, بيني وإياه دينٍ قديم ووفيته له .."

خوي قديم وبينهم ديون تسدّدت 👀 ، شبه متأكده ان هالخوي له علاقه باللي صار ببلسم ..

بس صياغه الجمله لخبطتي شوي ، اذا كان هالخوي هو اللي أذى بلسم وشهاب ستر عليه وخرجه من الورطه كان المفروض يقول لمرجان " خوي ووفى دينه لي " ليش قال " بيني وإياه دين قديم ووفيته له "

هل هالخوي كان شاهد على اللي اذى بلسم واللي ممكن يكون قريب لشهاب " اخ او صديق ثاني " وشهاب طلب منه يسكت وبعدها يوفي دينه 🤔 ..


- ساعي البريد الحزين -

مؤخراً صايره افكر متى بنشوف ساعي سعيد 😢🥹 ، حزنه جالس يوجع قلبي فصل ورا فصل ، واخرها مرض ابوه وتدهور حالته 😔 احس لو يصير لابوه شي لاسمح الله بتكون هاذي القشه اللي تقسم ظهر ساعي ..

تدهور حاله ابو ساعي بهالوقت ، هل لها سبب !! 👀
ولا صدفه صادفت هالوقت بالذات ..

بالنسبه لتيمور مازلت عاجزه عن هضم جميع تصرفاته 🌚 مهما صار راعي فزعات ماني مرتاحه له 🏃🏻‍♀ ..

عمران وفزعته لـ ساعي 🥹 ، حتى وهو عريس ماقدر يتجاهل وضع ساعي وارسل من ينوب عنه ويوقف مع صديقه لين يقدر يجيه بنفسه ، ويلومونا بأبو محمد 🥹🤎 ..


- عمران وحنينه -

وهه بس ياحلوهم 🥹🤎🤎 ، لعلمكم انا للحين ماتخطيت " حُلوه " ، كلمه وحده من عِمران خلتنا نقفل ملفات الغزل والكلام الطويل ❤‍🔥
شفيها يعني كلمه " حُلوه " !! اطلق من مليون كلمه حب وغرام 😌 ، خير الكلام ما قلّ ودلّ 🔥 ..

" ترتبك, ترفع إليه عينيها فتقع على شهبِ عينيه, رؤيتهن هكذا في ظلمة الجناح, محفوفتان بحاجبين سوداء, وشعر أسود اختلط برماديّة شعيرات الوقار لمؤلم حقًا, أي ثباتِ يمتلكه هذا الشامخ حتى يبقيها على أرضٍ مزلزلة دون إتكاء؟"

احد يلوم الحنين على ماتمرّ فيه !! ابداً بتاتاً
الله يعين قلبها وقلوبنا معاها 🫣❤‍🔥🤎 ..


- إياس -

مازال القلب يحمل بقايا مشاعر ، هل هالبقايا بتكون دافعه لاستعاده نسمه !!
ماودي صراحه 🫣 ، بس اذا هالشي بيسعد وليدي بتقبله على مضض عشان خاطره ولعيونه 🥹🤎 ..
مع ان كلامه بكونه اسد جريح لايداويه القرب خلاني اتطمن شوي بأنه بيلقى عوض غير نسمه 🤲🏻 ..
يافرحه قلبك يا ام يويو اللي ببالي لو صار واجتمعوا 🫣🔥 ..


- البتول -

ياحلوها وياجمالها وياحلاوه شخصيتها ..
سبحان الله في شخصيات من اول ظهور لها تأسر وتحجز لها مكان بالقلب ..
توته وحده من هالشخصيات بالنسبه لي ..

لطافتها وجهدها مع عيال اخوها واخلاصها في تربيتهم 🥹🤎🤎🤎🤎🤎 كل هذا يخليني اتطمن على زياد وانه بيلقى احد يعوضه ويحتويه بإذن الله 🫂 ..


- المخطوف -

" لا نورٌ ولا مصباح، لا شمسٌ ولا إشعاع، ظلامٌ في ظلام
والعتمة المرعبة هذه تعيده إلى اللحظة التي غرق فيها في لج البحر، في ليلٍ أسود قاسي!
"

واضح انه غسان ، واللي اخذوه هم نفسهم جماعه خفر اللي كان يتواصل معاهم ..
بس متى انسجنوا ومتى طلعوا عشان يخطفونه !!
اذا على الهجوم المسلح على عمران او حريق بيت غسان مايجي ..
متى امداهم يطلعون من السجن ويخطفونه !! الا اذا مالقوا دليل يدينهم وعشان كذا تركوهم ..

واضح الفصل القادم من حياه غسان مايطمّن 👀 ..



- عدوان -

شاحنه التموينات مافهمت قصتها بشكل تام حتى الان ، وماعلاقه خروجها كل فتره بـ عدوان 👀

"سرعان ما تصلبت أقدامه وهو يراها جيدًا ويتعرف عليها، تقف أين؟ أمام مخبـز العـدوان
عدوان الذي كان يقف مواجهًا لرجل يجاريه في الطول والملامح
"

عندي احساس ان اصحاب هالمصنع واللي يوزعون الشاحنات لهم علاقه بعائله عدوان ..
عمران شاف مُقابل عدوان شخص يجاريه في الطول والملامح ، يعني شخص قريب ويشبه له
عسى مايطلع اخوه التوأم ويكون شرير ونبتلش 🥶🏃🏻‍♀ ..

"يغمض عينيه يسترجي صبرًا، يسترجي ظفرًا، يسترجي نهاية تليق بمقامه النظيف"

مقصد عدوان بالمقام النظيف ، نظيف ماتلطخ بسواد الماضي !! ولا بعد السواد والتوبه !! 👀

نقطه ثانيه ، ليش حدّد عدوان شهوده !!
ليش تيمور وساعي بالذات !!


"جاءه صوتٌ طُويَ كما تطوي الصحف، صوت من غيهب الذكريات خرج متكومًا بالغبار، صوتٌ .. نسيه حقًا، حتى ما عاد يفقه أبجدياته"

صوت طوي وخرج من غيهب الذكريات متكوم بالغبار ، هذا كله يخليني اتأكد من شي وهو ان عدوان ترك جماعته قبل يجي لشرق بكثير ..
لو فراقه لهالسوء كان مدته 3 سنوات فما اعتقد انه بيعبّر عن هالصوت بالنسيان ، الا لو كان تواصله سابقاً معاه قليل وفي حالات محدده ..

الله يستر على عدواننا وعمراننا ويكفيهم شر الاشرار 🥹🤎 عرسان عيالي ما امداهم يتهنون 😩 ..


- خاطره النهايه -

متأكده انها بلسان عدوان ، وتُعبّر عن عدوان
وفيها تلميحات عن حياه عدوان السابقه ..

اسم حسبته كان على مسميّات
قتور لقيت منه ما كفى من ظُلماتِ


اول شطر حيّرني كثيير ..
هو يا تلميح لاسم عدوان الحقيقي ،
او انه يتكلم عن ابوه ونسبه
" قتور لقيت منه ماكفى "
ممكن ابوه كان بخيل ، ليس بالمعنى الحرفي
للبخل ولكن ماكان مهتم بعدوان ، ممكن كان يهتم بكونه مُساعد له في ظلماته ..

مسرفٌ في البُعد، ساهيٌ في الهفوات
لأصبح من بعده بذرة دُفنت بلا عزاءاتِ


" مُسرف في البعد " منشغل عنه باعماله وظلامه
وممكن بالاخير مات هالاب وتورط عدوان بظلامه
وهذا يفسر كلامه " لاصبح من بعده بذره دُفنت بلا عزاءات " او ممكن ما مات بس تركه واسس حياه جديده له بدون عدوان ..

حسبي أني نتاج ظالم، حجر كالعزّى واللّاتِ
وحسبي أن الله لا ينسى الأحياء منا والأمواتِ


نتاج ظالم !! تخوف شوي هالكلمتين
بس نقول يارب قصده انه كان اب ظالم وبس ..


ختاماً ، يعطيك العافيه كوكي
ويارب اني ماهبدت كثير خصوصاً بتفسير خاتمه نهايه الفصل 🥶🏃🏻‍♀
دمتم بخير وسعاده يارب 🤎🫂 ..




السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ..
ياصباح النور والسرور ..
صباح ابداع كدّو ، وجمال حرف كدّو
وحبكه كدّو المذهله ، وابطال كدّو الجميلين 🥹 ..

ياربي ياحبيبي شهالجمال وهالابداع تبارك الرحمن ، فصل ورا فصل انبهر اكثر واكثر بترابط الحبكه والاحداث ..

تسلم يدّك كوكي وماننحرم والله من ابداعك وجمال ماكتبتي 🤎🤎🫂 .. مهما حاولت اوصف شعوري ناحيه هالجمال احس يعجز لساني وتعبيري ..

( للمعلوميه قرأت اخر فصلين دفعه وحده ، بس تعليقي بيركزّ على الفصل الاخير ☺ .. )



وعليكم السلام ورحمة الله
أهلًا يا هلا بالمِسك، وطيب المِسك وروح المِسك
الله يسلم قلبك ولا يحرمنا وجودك وحرفك ❤🥹




- غنيّه وهادي وزواج بنتهم -

اتفهم خوف غنيه وقلقها على حياه بنتها ، خصوصاً ان العريس شاب مجهول الاهل ومقطوع من شجره حسب ماهم فاهمين ..

" أنا قلت لأبو محمد ذيك الليلة بعد مشاورة لو تبي ردي الأخير بطلب منك طلب, وهو الله يسلمه ما قصّر قال لي تم وأبشر, هالورقة تثبت لك هوية عدوان وإنه بدون سوابق جنائية "

طلع هادي فعلاً سأل وتأكد من خلفيه عدوان ..
ماهضمت فكره ان عدوان بدون سوابق جنائيه 👀 ..
من كلامه عن سواد ماضيه ما احس انه خالي ، بس عزائي وامنيتي الوحيده ان سواد ماضيه ماوصل لدرجه إزهاق ارواح بريئه 😢 ..

نجي اللحين للشي اللي جلست فتره اقلبه بدماغي ، معقول عمران رغم رتبته وفريقه ماقدر يكشف ان هالاسم مزور !! ولا عدوان شجاع لدرجه انه ماغير اسم عائلته واكتفى فقط بتغيير اسمه الشخصي 🤔 ،
لان ماهقيت ان عائلته لو له عائله بيكونون سيئين علناً ، بس اكيد باطنهم اسود من سواد الليل ..


سؤال جدًا جميل وأهنيك فعلًا على تركيزك فيه وتقليبه في مخك، تستاهلين عليه النجمة 😂⭐ ، وعشان نفهم الإجابة، لازم نفهم الوضع .. سلطة عدوان في الماضي تكاد تفوق سلطة عمران كـ مقدم في القوات الخاصة، كان عنده نفوذ عالي في مناطق مختلفة، فتزوير الاسم وتصفية السجل الجنائي أمر بسيط جدًا بالنسبة له ..
وعشان نفهم أكثر، عائلة عدوان فعلًا لا غبار عليها، ومافيهم أي سوء يمس سمعتهم، لذلك اكتفى بتغيير اسمه وترك اسم عائلته مع علمه إن اللي فوقه قادر يوصل له بشكل سريع ..⚡




"تستجيب ريحان لوالدتها سريعًا فتفك ظفيرة شعرها, تستخرج الأخيرة "مشطًا" من الفضة الخالصة توارثته أمًا عن جدة لسنواتٍ طويلة في عادة لطيفة تبنينها منذ الصغر "

غنيّه وجانب الامومه 🥹🤎🤎 ، ماتتخيلين ياكدّو كيف غصت وغرقت بجمال الوصف والمكان لدرجه صرت اشمّ ريحه الحناء وكأني معاهم ..

حبيت مره العادات اللي عندهم للعروس ، الحناء ومشط الفضه والجنيهات الصغار 🥹 وحبييت اكثر سبب تسميه ريحان 🌿.. مالوم جدّه غنيه يوم تزرعه يكفي ريحته تهبل وشكله حلو 🤎 ..

تساؤول عالسريع كدّو ، هل هالعادات اللي وردت بالفصل حقيقيه !
ام انها بنات افكارك !! 🤎 ..


ياحلو قلبك، المهم وصلك الشعور وعشتي الحدث بتفاصيله، العادات بعضها حقيقية لإحدى القبائل المعروفة عندنا، ولأني أحب عاداتهم وأحب رقة معانيها استلهمت منهم، زي الجنيهات، ما دون ذلك كله من بنات أفكاري على قولتك ✨



- شهاب الشهم 🌚 -

والله اني احس وشبه متأكده هو في ديره والشهامه في ديره ثانيه ..
المهم ماعلينا ، ماحبيت عدم احترامه لاهل مرجان
صح انه زوجها بس يعني شويه احترام ولا لازم نعمله كيف يصير محترم ،
شكله انشغل بشهامته ونسي يتعلم الاحترام 🌚 ..


"مرجان, لآخر مرة أقولها, الرقم يرجع لخويي, بيني وإياه دينٍ قديم ووفيته له .."

خوي قديم وبينهم ديون تسدّدت 👀 ، شبه متأكده ان هالخوي له علاقه باللي صار ببلسم ..

بس صياغه الجمله لخبطتي شوي ، اذا كان هالخوي هو اللي أذى بلسم وشهاب ستر عليه وخرجه من الورطه كان المفروض يقول لمرجان " خوي ووفى دينه لي " ليش قال " بيني وإياه دين قديم ووفيته له "

هل هالخوي كان شاهد على اللي اذى بلسم واللي ممكن يكون قريب لشهاب " اخ او صديق ثاني " وشهاب طلب منه يسكت وبعدها يوفي دينه 🤔 ..


تقريبًا صياغة الجملة واضحة وصريحة، وعشان أبسطها أكثر ( شهاب تسلف من خويّه، وبعد ذلك وفى الدين له )، يعني الموضوع في سَلَّم واستَلَم 🫣
ومو شرط يكون مال / فلوس



- ساعي البريد الحزين -

مؤخراً صايره افكر متى بنشوف ساعي سعيد 😢🥹 ، حزنه جالس يوجع قلبي فصل ورا فصل ، واخرها مرض ابوه وتدهور حالته 😔 احس لو يصير لابوه شي لاسمح الله بتكون هاذي القشه اللي تقسم ظهر ساعي ..

تدهور حاله ابو ساعي بهالوقت ، هل لها سبب !! 👀
ولا صدفه صادفت هالوقت بالذات ..



بالنسبة لساعي هو فعلًا زي البعير اللي صابر صابر صابر، وعند آخر قشة ينهار، انهياره راح يخرج من بواطنه شخصية مختلفة تمامًا، يمكن أشد من سابقتها في الهزل ويمكن أرق منها في الحنيّة


بالنسبه لتيمور مازلت عاجزه عن هضم جميع تصرفاته 🌚 مهما صار راعي فزعات ماني مرتاحه له 🏃🏻‍♀ ..



هالآدمي اعتقوه والله إنه في حال سبيله 😂🔫


عمران وفزعته لـ ساعي 🥹 ، حتى وهو عريس ماقدر يتجاهل وضع ساعي وارسل من ينوب عنه ويوقف مع صديقه لين يقدر يجيه بنفسه ، ويلومونا بأبو محمد 🥹🤎 ..


- عمران وحنينه -

وهه بس ياحلوهم 🥹🤎🤎 ، لعلمكم انا للحين ماتخطيت " حُلوه " ، كلمه وحده من عِمران خلتنا نقفل ملفات الغزل والكلام الطويل ❤‍🔥
شفيها يعني كلمه " حُلوه " !! اطلق من مليون كلمه حب وغرام 😌 ، خير الكلام ما قلّ ودلّ 🔥 ..


شايفة بس يا مِيسو 😉😂❤❤


" ترتبك, ترفع إليه عينيها فتقع على شهبِ عينيه, رؤيتهن هكذا في ظلمة الجناح, محفوفتان بحاجبين سوداء, وشعر أسود اختلط برماديّة شعيرات الوقار لمؤلم حقًا, أي ثباتِ يمتلكه هذا الشامخ حتى يبقيها على أرضٍ مزلزلة دون إتكاء؟"

احد يلوم الحنين على ماتمرّ فيه !! ابداً بتاتاً
الله يعين قلبها وقلوبنا معاها 🫣❤‍🔥🤎 ..


- إياس -

مازال القلب يحمل بقايا مشاعر ، هل هالبقايا بتكون دافعه لاستعاده نسمه !!
ماودي صراحه 🫣 ، بس اذا هالشي بيسعد وليدي بتقبله على مضض عشان خاطره ولعيونه 🥹🤎 ..
مع ان كلامه بكونه اسد جريح لايداويه القرب خلاني اتطمن شوي بأنه بيلقى عوض غير نسمه 🤲🏻 ..
يافرحه قلبك يا ام يويو اللي ببالي لو صار واجتمعوا 🫣🔥 ..


أكثر من مرة في مشاعر إياس أذكر كرامته، وكرامة إياس غالية علي، رغم ان اللي حصل خارج عن ايدهم الاثنين فلا نسيم لها ذنب لاختيارها حياة تبتغيها ولا إياس له ذنب في اختيارات نسيم .. يعني نفهم من كلامي إن إياس ما هو ناوي يرجع لحياة نسيم من جديد وإنما هي مجرد مشاعر حديث عقله الباطني ما يقدر يتجاهلها في قلبه .. لكن؟
وركزي على كلمة لكن 🌚، شخصياتنا تحتاج صدمة، زي الدافع
مهما كانت هذه الصدمة إيجابية أول سلبية




- البتول -

ياحلوها وياجمالها وياحلاوه شخصيتها ..
سبحان الله في شخصيات من اول ظهور لها تأسر وتحجز لها مكان بالقلب ..
توته وحده من هالشخصيات بالنسبه لي ..

لطافتها وجهدها مع عيال اخوها واخلاصها في تربيتهم 🥹🤎🤎🤎🤎🤎 كل هذا يخليني اتطمن على زياد وانه بيلقى احد يعوضه ويحتويه بإذن الله 🫂 ..


ايه بالله أنشهد إن زياد بيطيح ومحدش بيسمي عليه 🌚❤


- المخطوف -

" لا نورٌ ولا مصباح، لا شمسٌ ولا إشعاع، ظلامٌ في ظلام
والعتمة المرعبة هذه تعيده إلى اللحظة التي غرق فيها في لج البحر، في ليلٍ أسود قاسي!"

واضح انه غسان ، واللي اخذوه هم نفسهم جماعه خفر اللي كان يتواصل معاهم ..
بس متى انسجنوا ومتى طلعوا عشان يخطفونه !!
اذا على الهجوم المسلح على عمران او حريق بيت غسان مايجي ..
متى امداهم يطلعون من السجن ويخطفونه !! الا اذا مالقوا دليل يدينهم وعشان كذا تركوهم ..

واضح الفصل القادم من حياه غسان مايطمّن 👀 ..



غسان هو خفر 👀، يعني اللي انخطف أساسًا " خفر مو غسان "، وما انخطف إلا انتقامًا، لكن لعل هالاختطاف هو أول سُبل إنكشاف الحقيقة .. الحدث في الفصل القادم 😂❤


- عدوان -

شاحنه التموينات مافهمت قصتها بشكل تام حتى الان ، وماعلاقه خروجها كل فتره بـ عدوان 👀


يلا عشان نفهم هاتي ورقة وقلم، المستودع اللي طلعت منه الشاحنات تابع للمنظمة، وبين كل يومين تطلع شاحنة تموينات لسوبرماركتز ومحلات شعبية بهدف، ظاهره تموين المكان وباطنه ( تموين المخدرات ) 👀، الثلاث شاحنات خذت مسارات مختلفة ( وحدة للشمال وحدة للجنوب وحدة للغرب ) الشاحنة الاخيرة اللي طلعت اتجهت للشرق ( لديار شرق ) وهذا سبب تسمية شرق بهالاسم، لأنها تولي وجهها قِبل المشرق ..

صاحب الشاحنة على تواصل مع صاحب ( الجوال ) فخروجها الأخير لعدوان كان لإثبات وجود 🪄



"سرعان ما تصلبت أقدامه وهو يراها جيدًا ويتعرف عليها، تقف أين؟ أمام مخبـز العـدوان
عدوان الذي كان يقف مواجهًا لرجل يجاريه في الطول والملامح"

عندي احساس ان اصحاب هالمصنع واللي يوزعون الشاحنات لهم علاقه بعائله عدوان ..
عمران شاف مُقابل عدوان شخص يجاريه في الطول والملامح ، يعني شخص قريب ويشبه له
عسى مايطلع اخوه التوأم ويكون شرير ونبتلش 🥶🏃🏻‍♀ ..


ما هو المصنع اللي تابع لعائلة عدوان كثر الشخص اللي كان يقود الشاحنة، المصنع تابع للمنظمة فعلًا 🫰🏻


"يغمض عينيه يسترجي صبرًا، يسترجي ظفرًا، يسترجي نهاية تليق بمقامه النظيف"

مقصد عدوان بالمقام النظيف ، نظيف ماتلطخ بسواد الماضي !! ولا بعد السواد والتوبه !! 👀

بعد التوبة، هو يرتجي نهاية تليق فيه بعد ما قرر إنه يبدأ بداية نظيفة من مقام نظيف 👏🏻


نقطه ثانيه ، ليش حدّد عدوان شهوده !!
ليش تيمور وساعي بالذات !!

نجمة ثانية لميسو، برافو برافو برافو شكرًا لأنك ركزتي فيها 👏🏻⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐


"جاءه صوتٌ طُويَ كما تطوي الصحف، صوت من غيهب الذكريات خرج متكومًا بالغبار، صوتٌ .. نسيه حقًا، حتى ما عاد يفقه أبجدياته"

صوت طوي وخرج من غيهب الذكريات متكوم بالغبار ، هذا كله يخليني اتأكد من شي وهو ان عدوان ترك جماعته قبل يجي لشرق بكثير ..
لو فراقه لهالسوء كان مدته 3 سنوات فما اعتقد انه بيعبّر عن هالصوت بالنسيان ، الا لو كان تواصله سابقاً معاه قليل وفي حالات محدده ..

الله يستر على عدواننا وعمراننا ويكفيهم شر الاشرار 🥹🤎 عرسان عيالي ما امداهم يتهنون 😩 ..



ويمكن إن عدوان على سنواته الأخيرة ما كان راضي عن اللي يحصل وخطط للتغيير من زمن طويل لكن نفذ خططه قبل ثلاث سنوات، عدوان كان تحت إمرة شخص ظالم ( مو أبوه )، وهو اللي زرع في سواد الشخصية هذه .. 👀🥰


- خاطره النهايه -

متأكده انها بلسان عدوان ، وتُعبّر عن عدوان
وفيها تلميحات عن حياه عدوان السابقه ..

اسم حسبته كان على مسميّات
قتور لقيت منه ما كفى من ظُلماتِ

اول شطر حيّرني كثيير ..
هو يا تلميح لاسم عدوان الحقيقي ،
او انه يتكلم عن ابوه ونسبه
" قتور لقيت منه ماكفى "
ممكن ابوه كان بخيل ، ليس بالمعنى الحرفي
للبخل ولكن ماكان مهتم بعدوان ، ممكن كان يهتم بكونه مُساعد له في ظلماته ..

مسرفٌ في البُعد، ساهيٌ في الهفوات
لأصبح من بعده بذرة دُفنت بلا عزاءاتِ

" مُسرف في البعد " منشغل عنه باعماله وظلامه
وممكن بالاخير مات هالاب وتورط عدوان بظلامه
وهذا يفسر كلامه " لاصبح من بعده بذره دُفنت بلا عزاءات " او ممكن ما مات بس تركه واسس حياه جديده له بدون عدوان ..

حسبي أني نتاج ظالم، حجر كالعزّى واللّاتِ
وحسبي أن الله لا ينسى الأحياء منا والأمواتِ

نتاج ظالم !! تخوف شوي هالكلمتين
بس نقول يارب قصده انه كان اب ظالم وبس ..


ويا سلام عليك 👏🏻❤❤❤، حللتي القصيدة تحليل رائع جدًا وأقدر أقولك إنك جبتيها صح ✔



ختاماً ، يعطيك العافيه كوكي
ويارب اني ماهبدت كثير خصوصاً بتفسير خاتمه نهايه الفصل 🥶🏃🏻‍♀
دمتم بخير وسعاده يارب 🤎🫂 ..


الله يعافيك حبيبتي وشكرًا لوجودك وتعليقك ووقتك وقراءتك
وما أحلى هبداتك والله 🥹😂❤
الله لا يحرمني ❤❤❤❤❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-22, 02:25 PM   #277

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

(18)







*
*
*
*
*








رن الهاتف في جيب عدوان، أخرجه، لم يغفل عن نظرات عمران الهادئة المتربصة، لم يرْ الرقم، رد مباشرة بهدوء:
-السلام عليكم

جاءه صوتٌ طُويَ كما تطوي الصحف، صوت من غيهب الذكريات خرج متكومًا بالغبار، صوتٌ .. نسيه حقًا، حتى ما عاد يفقه أبجدياته، يقول بتهكم ثقيل النبرة:
-تنبيهاتي كلها طارت بمهب الريح، هاه حبيبي تحب أكمل حتى تفهم أو مثلًا … لحظة، الحبيب اللي جنبك من؟

تصلبت أقدام عدوان وهو يرى عمران يتجاوزه ليمضي نحو الخيمة بعد نداء تيمور له، يحدق بالنقطة الحمراء التي تحط على ظهر عمران, لم يحتج وقتًا ليفهم نوايا الطرف الأخر فنبرة الخبث طغت على جميع أفعاله

يستجمع عدوان أنفاسه, يراقب بدقة النقطة الحمراء التي تنتقل بين ظهره وكتفه ورأسه, لو ود أن يخضع من المرة الأولى لخضع منذ أن رأى الغراب على باب منزله, خضوعه الآن يعني إستسلامه التام, وهو لم يخسر سنواته الشابّة ليعود مجددًا إلى وكر الجحيم

يستطرد بذات التهكم, يمد في الحروف:
-ذكرني فيه, اسمه عميـد صح؟ شكله ماهو غريب علي, يقولون سعى في زواجك وجاب لك شتسمونها عندكم ؟ .. ايه جاب لك جاهة ولمّ الشيوخ عشانك, من قدك من قدك, وعلى طاري الزواجة مبروك عليك, ما يحتاج أقول من هو طالع عليه بهالثقة .. يعني كذا على طول عزّمت وشاورت وأقدمت, كفو كفو, بس ما تحس في شيء غريب؟ ليه أبو زوجتك ما سأل عن فلوسك هاللي صرفتها وأنت حي الله خبّاز؟

يتسلح عدوان بصمته الكامل, لن يفلح الاستفزاز به من حيث أتاه, ليستطرد ذاك حينما تزايد صمته وهو الذي يود سماع حديثه, بجدية بالغة:
-ماعلينا, أنا وأنت ندري من وين لك الفلوس, وعلمني .. تعز أصحابك لدرجة تخاف عليهم؟ طيب شرايك دام تنبيهاتي ما جابت فايدة ننتقل لمستوى أرقى من الغربان؟ يعني, حيوان ما خفت منه بس الإنسان يمكن تخاف .. عليـه

لا يعلم عدوان إن كان هذا المتجبّر يقصد عمران والنقطة الحمراء التي تحوم على ظهره, أم يقصد أمرًا أخر يود مفاجئته به, يستمع لصوت الرسالة التي وصلت على الهاتف الجديد, يفتحها في هدوء بارد مستفز للأعصاب, لتشتد حدة عينيه وسوداهما مباشرة

صورة لسـاعي في فناء منزله, منحني المنكبين متكيءٌ على فخذيه, يحرق بين يديه سيجارة ويده الأخرى تتغلغل في شعره, الشماغ ملقى على كتفيه بإهمال والعقال في حضنه
جلسة بائس, وهو لم يرْ ساعي بهذا الشكل إلا بعد سقوط والده, إذن فالصورة جديدة, لا بد أنها الآن

شعر بالدماء تندفع بحرقان إلى أوردته, يهتف بنبرة قاسية خرجت من بين أسنانه:
-اقسم بالله لو لمست طرف شعره منهم لأنهي كل مسيرتك

يقهقه ذاك من خلف السماعة لثوانٍ طويلة, يأخذ نفسًا من بين قهقهاته ثم يقول بنبرة مستفزة:
-تؤ تؤ تؤ, عيب ياولد عيب ايش هالكلام شوية إحترام حق إللي أكبر منك, هاه شايف كل أخوياك ذولا؟ حياتهم كلها بأمري, فـ اختار

يهمس بجدية بالغة, بالغة جدًا لا تقبل المساوة:
-وش تبي؟
ذاك من الطرف الآخر, يتنهد بإبتسامة واسعة ليقول:
-أبيـك!

تحتد ملامح عدوان, وتشتد عروق صدغه حتى أوشك على الإنفجار, هذه الكلمة بحد ذاتها إستفزاز, يردف بذات النبرة:
-ما تطولنـي

يستريح ذاك في جلسته, يضع ساقًا في الآخرى, يردف بنبرة هادئة محتفظًا بإبتسامة:
-بالله عليك وش الحياة اللي مستمسك فيها عشان تقاتل لهالدرجة؟ أنت غبي, ما تعرف مصلحتك ولا اللي يدور حولك ووراك, كبرت صح بس للحين يبي لك واحد يحميك من بطش اللي خبري خبرك, ولا تظن إنك لما دبرت اختفائك وغيرت اسمك يعني ماهو قادر يوصل لك, لاااا .. مردك لحمايتي

عدوان, وهو يحافظ على ملامح وجهه الصامدة أمام تهديدات هذا المتجبّر:
-غلطان ماني محتاج ولا واحد منكم, أنتو صفحة سوداء وانطوت, ولا تظن إن رجالك اللي أرسلته اليوم عشان تشكك بي قادر يزعزع إللي سعيت عشانه طول هالسنوات

يتنهد ذاك بدراميّة, يقول بنبرة آسفة مصطنعة:
-آآآه يا حبيبي آآآه, ياما وياما حذرت بس أنت طول حياتك بهالعناد, ماعندي مشكلة إذا تبي لك قرصة ونبدأ نلعب على الثقيل, ألحق على خويك الحزين وقله لا يرمي السيجارة في الأرض, لا يحترق ويحترق فيه البيت

تصلبت أقدام عدوان وهو يسمع طنين الهاتف دليل على إنقطاع الخط, للتو كان يحمل في قلبه سعادة صغيرة بدأت تشق طريقها بين أشواك جموده لعقد قرانه بريحانة الشرق, فلما تصر أقدار الكون دومًا أن تجثو على صدره وتمنع سعاداته؟

ساعي, ساعي يواجه الخطر والسبب هو, هو الذي حرص طوال وجوده في شرق أن لا يؤذي ولا يُؤذى, هرع وهو يعكس إتجاهه, فبدلًا عن مروره بالخيمة للإحتفال واستقبال التهاني, اتجه نحو منزل ساعي البعيد

شعر أن المسافة طويلة, خاصة مع هرولته بقدمٍ عرجاء, طويلة لكنه استطاع الوصول بشكلٍ ما, يدلف إلى منزل ساعي دون أن يطرق بالباب ورآه هناك ..
بذات الشكل, بذات الهيئة, بذات الملامح في الصورة ..

تفاجأ به ساعي, يرفع نفسه لينظر إليه, فيقول من بين غرابته وصمت عدوان اللاهث:
-خير وش تسوي هنا؟
يحدق به عدوان في صمت, ينظر إليه دون جواب على سؤاله, وتراءت لأنفاسه المرهقة رائحة البنزين مباشرة, كيف لم يستطع هذا الغبي تيقنها؟ لا بد أنه انسجم في التدخين

يقف ساعي, يرمقه بإستغراب واجم, يضع عقاله على الطاولة القريبة منه حيث كان يجلس أسفل الشجرة على الكرسي الخشبي, كاد أن يرمي السيجارة على الأرض كعادة اعتادها لولا أنه تفاجأ بإقتراب عدوان الذي نزع منه السيجارة

يردف ساعي بصوتٍ أجش حانق:
-عدوان ماني رايق لهبـ…
(يقطع كلمته صارخًا بغضب)
-يا حمــار وش تسوي؟

كان عدوان يغرس السيجارة في باطن يده وهو يحدق بملامح ساعي الغاضبة بعينين سوداء قاتمة دون أن يرف له جفن, لم يشعر بحرارتها كما شعر بحرارة "الخوف" على حياة هذا الرجل الذي أمامه, هو طالبٌ تعلم أبجديات الوجع جيدًا حتى أصبح يتقنها فـ قرصةٍ نار لا توازي شيئًا أمام ما كان سيحصل له بسببه

يسحب ساعي كفه يرى باطنها فيجد علامة بنيّة بزاويتها, رباه بما كان يفكّر هذا المجنون ليطفئ السيجارة في جلده, يرفع إليه عينيه, يقول بحنقٍ غاضب:
-وش حركات المهابيل ذي, وش فيك أنت؟

يحتفظ عداون بالسيجارة تحسبًا, ينظر إلى ساعي فيقول بجدية حازمة:
-أبوك في سراير المستشفى يشكي من قل الأكسجين وأنت بكل برود قاعد تحرق لي في هالسيجارة عشان تذبح نَفَسك وصدرك

يغضب ساعي, يشتد حنقه على عدوان, فيقول بنبرة ممتعضة عالية:
-تارك ضيوفك وحفلك الميمون عشان تسمعنّي هالمواعظ طال عمرك؟

يتأكد عدوان من إنطفاء السيجارة التام, يضعها برمادها في جيب ثوبه تحت أنظار ساعي المستغربة -حقًا- من جنون هذا الرجل, يقول بجدية:
-ماتبي تحضر حفلي الميمون على قولتك وتوّقف معي وقفة أخ ما عرفت غيره, أمش لأبوك واقعد عنده في المستشفى, لا تستفرد مع هواجيسك بهالبيت

ساعي بجدية وهو يرى غرابة تصرفات عدوان:
-أهبل ولاقي لك من يجاريك, أثبت بمكانك لا تتحرك لين أجيك

يدخل ساعي إلى داخل المنزل, يتبعه عدوان راميًا -أمره- المستفز عرض الجدار, يدخل إلى المطبخ فيدخل خلفه, يلتفت إليه ساعي حينما سمع خطواته, تنهد:
-لا حول ولا قوة إلا بالله, وش فيك أنت كنك بزر نشبة يمشي وراء أمه؟

ينحني ليستخرج من درج المطبخ إحدى كريمات الحروق التي يستخدمها بكثرة, فكونه رجلًا لا يعرف الطبخ و-مجبرٌ- عليه من أجل والده, كانت الإصابات أمرٌ مسلّم به, وضع منه مقدار حبة البازلاء في اصبعه وأعاده لمكانه

تناول مجددًا كف عدوان, فرد الكريم على الجلد المنكمش وأخذ يدلكه بهدوء, يبتسم بسخرية وهو ينظر إلى العلامة:
-كويس تركت لك ذكرى قبل لا تدخل العش الذهبي, مع العلم قدك دخلته, كان الله بعونك

-"ساعي"

يقولها عدوان بهدوء بعد أن سحب كفه وشد على قبضته, ليرفع ساعي رأسه وهو يعقد حاجبيه بخفة, يستطرد الأول:
-مظاهر الفرح ذي لا من خيمة ولا من وليمة ولا من جاهة جاية عشاني تسوى شيء قدام وقفتكم جنبي, لا قالوا العرب وين أهلك أشرت عليكم وقلت هذولا عزوتي, ذول اللي أتعزوى فيهم لا اشتدت علي المصايب, ما أطلب منك واجد .. نص ساعة بس, أوقف جنبي وجنب عميد وتيمور نص ساعة وبعدها بصرك سوو اللي أنت تبيه

تنهد ساعي بهدوء غريب, يلتفت فيفتح الصنبور ليغسل يديه وسط صمته الذي يحمل الكثير, يسحب الكثير من المناديل الورقية يجفف بها يديه, ثم يلتفت إليه مجددًا ليقول بسكون:
-زين طيب .. ولا يهمك! عشان مو كل يوم نشوفك عريس, ولا أنا ماني طايق أشوف أحد

يخرجان من المطبخ بخطواتٍ رتيبة, وابتسامة صغيرة جدًا ارتسمت على ثغر عدوان, لا يدري إن كان استطاع إنقاذه -مؤقتًا- لكن ما يعرفه أنه مستعد تمامًا للتضحية ما تبقى من عمره في سبيل أمن الثلاثة الكِبار

قبل أن يخرجان من المنزل, ويغلق ساعي باب الفناء, تغضن جبينه وهو يلتفت حوله يمنةً وشمالا, للتو فقط, للتو بدأت جيوبه الأنفية تشتّم رائحةً كريهة:
-وش هالريحة؟

ليحاول عدوان تدارك الوضع قبل أن ينتبه فيقول وهو يغلق الباب عِوضًا عنه بجدية:
-مدري ما شميت شيء, أمش ترا خليت أبو محمد ينتظر واجد

يستجيب ساعي على مضض, وعندما اقتربوا من الوصول إلى الخيمة وردت رسالة نصيّة على هاتف عدوان, فاحتفظ بكامل أعصابه في سبيل قرائتها, وما ورد بها لم يكْ سيحرقه بهذا الشكل:
-"تضحية حلوة, أخر كلامي .. أعطيك مهلة أسبوع حتى تفكر في طلبي, بعد هالاسبوع لا تلومني إن خليت التهديد حقيقة, انتبه لنفسك ياحبيبي "








*
*
*
*
*
*









الأجواء في منزل هادي كانت دافئة لأقصى حد, اكتفت غنية بوجود الجدة الثريا ومباركتها الحنونة, كما سعُدت برفقة زوجة ابنها -كما عرفتّها الأخيرة-, وكذلك وجود سديم رفيقة ريحان ووالدتها

رائحة البخور الهادئة طغت على الصالة المتواضعة, مختلطة بذلك مع رائحة القهوة العربية, استلمتا مرجان وفردوس مهمة تقديم الضيافة للضيوف القلة, ولعل من هذه القلة تباركت الليلة فلا عجب أنها مضت في هدوء

ما انكفأت الجدة الثريـا عن دعواتها, وهي تتسائل بحنيّة:
-وينها بنيتنا العروس يالله يبارك لها ويرزقها؟
تنحني مرجان التي لبست الأسود الملكي تشريفًا لهذه الليلة وفرحةً لأختها, فمن قال أن الأسود لون الحزن والكآبة والعزاء, إنه لون سماء الليالي التي تشابه روعة وهدوء هذه الليلة, تبتسم وهي تضع في كفها فنجان قهوة:
-سمي يمه القهوة, والعروس بتجي بعد شوي يقال إنها مستحية

تتناول الجدة الثريا الفنجان من يدها وتبتسم وسط تجاعيد الزمن التي حفرت وجهها:
-الحياء زينة البنات يا أمك وشعبة من شعب الإيمان, الله يكمّلها بعقلها ويوفقها, ويوفق وليدي ومرته ويرزقه بالذرية الصالحة يالله يا كريم

أحمرت وجنتا حنين التي كانت تجلس بالقرب من الجدة الثريا فجميع الأنظار تسلطت عليها, هي الغريبة هنا, هي الطفرة بينهن, ولا تعلم إن كان إحمرار وجهها خجلًا أم كدرا, فالجدة وطأت على جرحها, تجلس مرجان بجانبها وهي تبتسم:
-آمين يمه آمين, شخبارك حنين؟ كيف شفتي أجواء شرق عسى جازت لك؟

تبتسم حنين لتردف بنبرة هادئة ورائقة جدًا:
-ديار شرق مزدانة بأهلها, نيالكم بهالهدوء
تجاريها مرجان بابتسامة أرق منها, تنقل نظرها نحو والدتها التي تسلط النظر عليها:
-إن شاء الله نشوفك كثير, عاد أبو محمد ما يستغنى عن شرق كل يومين والثاني جاي هنا

شعور صغير بالضيق مر على صدر حنين, لم تجد له تفسيرًا ولا تأويلًا, وحين شعرت بتفاهة الشعور سرعان ما أضمرته في جوفها, هو معتادٌ على القدوم هنا, وربما معتاد جدًا على زيارة هذا المنزل, فوالدة البنات ما انكفأت عن الشكر في " أبو محمد " لما قام به من أمور بغية تسهيل هذا الزواج

تردف غنية بإبتسامة:
-ايه إن شاء الله, اللي يجي من أبو محمد ما ينعاف, وبسم الله ما شاء الله كلها ملح وقبلة
تستلطف حنين إطرائها, تقول برقي ولباقة:
-يخليك يا خالتي, ماعليك زود

تنحني حينها غنية على أذن فردوس المتفرجة لتقول بهمس جاد:
-أختك وينها ذا الوقت كله؟ من بعد ما أبصمت هجّت, قومي ناديها أنا ما عزمتهم إلا عشانها
تهمس فردوس بذات همس والدتها:
-يمه بالغرفة مع سديم, تقول بتبدل ملابسها وبتجي
غنية بأمرٍ حازم, فتأخير ريحان بات مبالغًا به وهذا في عُرفها " عيب " أمام ضيوفها:
-قومي أنتِ ناديها
فتستجيب فردوس لأمر والدتها وهي تقف متجهة إلى غرفتها المشتركة برفقة ريحان, الغائصة في أحضان السعادة والفرح


*
*


قبل ذلك بدقائق - في غرفة فردوس وريحان

منذ أكثر من ساعة, إن صح القول, منذ أن أبدت موافقتها للشيخ على زواجها من "عدوان" وهي تجلس ذات الجلسة, تحتضن أقدامها على صدرها بالأرض, ملتفة حول نفسها وشاردة في الفراغ

إن قيل لها ما شعورك الليلة, فستقول شعورٌ ممتلىء وفائض, ممتلىء بالفرحة والسعادة وفائض بالدهشة والترقب والخوف من مستقبلٍ مع شخصٍ تمنته سرًّا, وكانت أقصى أمانيها أن تراقبه غدوًا ورواحا أثناء ذهابه وعودته من الفرن

تتساءل بعض الأحيان, متى بدأت بذرة الحب تُنبت في تربة قلبها دون سقاية؟ فكانت الإجابة بسيطة, أبسط مما توقعت, أبسط حتى من تعقيدات شخصيته وغموضه وقلة حديثه واجتناب الجميع عنه, كانت منذ تلك اللحظة التي بدأت تمارس فيها عادة التأمل من على سطح منزلهم, فسقطت عينيها عليه حينما كان عائدًا من عمله

فنشأ حبٌّ بريء, حبٌّ عذري لا تعي من أصوله ومبادئه إلا لغة الصمت الخجول, فتجذر من أصيصها شجرًا أسقاه النظر إليه, ولم يكْ يسقيه إلاه .. ما أجملها من نهاية غير متوقعة, نتيجة سقايةٍ منتظمة هذّبتها بخوفها من الله, وخوفها على سمعتها, فكانت النتيجة سالبة للأنفاس

تتربع أمامها سديم, تحرك كفها أمام وجهها, تقول بإبتسامة واسعة:
-ياهووه, تسمعيني؟ حول حول من الأرض للسماء, يا بنت وش فيك صخيتي مرة وحدة بسم الله عليك؟

تتنهد ريحان, ترفع عينيها إلى الصديقة الوحيدة التي صمدت أمام تقلبات الزمن, تردف بنبرة هادئة:
-سديم تكفين بلا خفة دم, أحس قلبي بيطلع من مكانه, من يوم ما سألني الشيخ وأنا أنتفض طالعني جسمي مو راضي يستكن

تراقص تلك حاجبيها بمكر باسم, تردف بذات النبرة الباسمة:
-عشتو ولا عشتو تكونين ملكتي على براد بيت ولا شاروخان, أقول هه قومي بس, اكشخي وألبسي بدال هالفستان إللي لابسته, هذا شكل وحدة ملكتها اليوم؟ وجهك شاحب وشعرك ريحته حناء, المفروض مسويين لك حفلة بس مدري ليش أمك عيّت الله يهديها

تجلس ريحان أمامها براحة, تتربع هي كذلك, تمسح على وجهها لتقول بعد تنهيدة أخرى:
-أمي عندها مخططات, بعدين أي ملكة أنتِ ووجهك عز الله قبضت غرفتي وفشلت أمي في معازيمها, هذاهم أمك والجدة الثريا ماني قادرة أطالعهم

تتأفف سديم بملل وهي ترفع يديها للأعلى لتمدد جسدها المتعب:
-لا حول ولا قوة إلا بالله, مستكثرة علينا رقصة رقصتين على جنب يعني, قومي خلصيني لا أشب فيك, ترا خالتي بتجيك بسكونها اللي أنتِ خابرتها أو ترسل لك مخابراتها

بالكاد أنهت سديم جملتها حتى دلفت فردوس إلى الغرفة, سرعان ما تناثرت ضحكاتها وابتسمت ريحان على إثرها, تنظر فردوس إليهم بغرابة:
-وش بلاكم؟

تبتسم ريحان, فتواصل سديم ضحكاتها حتى تمددت على أرجل الأولى, تنظر إلى فردوس من الأعلى لتقول بعد أن هدأت:
-فردوس أنتِ وش وظيفتك؟
تجاريها فردوس في الإبتسامة, هذه الفتاة تنقل عدوى من نوع خاص, اسمها عدوى الابتسامة لا شك أن ريحان اكتسبتها منها:
-وظيفتي زي وظيفتك

تضحك سديم ضحكة قصيرة, تسرح مقدمة شعرها لتقول بدرامية مضحكة:
-ايه ياحسرة نسيت إننا كلنا عطالين, الله يوفقك يا فردوس ويرزقك بولد الشيوخ اللي يحطك في عيونه ورأسه, مرات أشك إن لك أذانين حمار ما شاء الله عليك ما يمدي أجيب طاريك إلا ناقزة لنا

تهز رأسها يائسة, سديم وريحان وجهان لعملة واحدة لا عجب في إستمرار صداقتهما حتى الآن:
-مايندرى أنتِ تسبيني ولا ايش بس ماعليه بعديها لك عشان العروسة اللي وراك, وش فيك ما لبستي للحين؟
تندفع سديم بالإجابة بينما تعتدل في جلستها:
-ماتبي تبدل عاجبتها شوشتها المحنايّة وفستان أبو ستين سنة ذا, كم لي أهاوشها ومهي راضية تطلع قال وشو قال مستحية من أمي وجدة ثريا, جعل ما به حياء

تعترض ريحان بإنفعال وهي تقرص عضد سديم القريب منها:
-كذابة ما عليك منها
تعقد فردوس حاجبيه, تقول بجدية وهي تنظر إليها من علو:
-ترا أمي معصبة تقول ما صارت تتجهز ذا الوقت كله, غير إن جدة ثريا تعبت وتبي تسري هي وزوجة ولدها

تقف سديم بحماس, تسحب ذراع ريحان وتوقفها قسرًا من على الأرض, لتقول بإندفاع:
-أبد يا بنت هادي عطينا خمس دقايق أخبص في وجهها وأطلعها لكم, الحركات ذي مهب علي أنا الشيخة سديم
توليهن فردوس ظهرها قائلة بإبتسامة:
-أنا واثقة فيك

عادت إلى الصالة وهي تهمس في إذن والدتها, وبدأت تجدد القهوة بأمرٍ منها, بدأ الوقت يتأخر إذن لا بد أن احتفال الرجال في الخيمة على وشك الإنتهاء

تنحني حنين على إذن الجدة الثريا, تقول بإهتمام بالغ بنبرة هادئة:
-يمه تعبتي تبين نمشي؟
تؤميء الجدة الثريا رأسها بهدوء, تحتضن عصاها بالقرب منها:
-بنسري يا أمك بس أسلم على العروسة, بنت هادي معزتها من معزة أختك
تبتسم حنين بشكلٍ مفاجيء, علمت من هي " الأخت " المعنية في حديثها, ومن غيرها:
-أبشري يمه

تخرج العروسة أخيرًا, تتهادى بخطواتها الخجلى إلى الصالة, تتلقفها والدة سديم لتبارك لها بحبٍ وحنيّة, تقترب من والدتها التي أشرّت عليها بالسلام على الجدة الثريا, فأقبلت إليها ورائحتها الخلابة تسبقها, الرائحة التي اشتمتّها الجدة الثريا وابتسمت على إثرها لتقول:
-يا أم مرجان, أنا أشهد إنك ما خلفتي إلا الريح الطيبّة, يا هلا ومسهلا ببنيتي العروس

احتقن الدمع في عيني ريحان, يا لحنية هذه الجدة التي تسرفها بسخاء على كل من يعز عليها, تنحني ريحان لتقبل يدها ثم رأسها والجدة تحفها بدعواتها:
-سلمتِ يا أمك, الله يبارك لكم ويبارك عليكم ويجمع بينكم على خير

تحمّر وجنتيها, تهمس من بين خجلها العميق الذي تلبّسها شر التباس هذه الليلة:
-الله يبارك فيك يمه

تصافحها حنين بابتسامة هادئة, تبارك لها وتلك تنظر إليها في استحياء لتسألها بنبرة خجلة:
-الله يبارك بحياتك, أنتِ أخت تليد صح؟
تؤميء حنين رأسها في هدوء, وما زالت محتفظة بإبتسامتها, أختها أينما حلت أودعت ذكرها الطيّب, فهي منذ جلست هذه الجلسة وأم مرجان تسألها مرارًا عن تليد وعن غيابها القِسري:
-ايوه أنا أخت تليد

تتخذ ريحان مجلسها بجانب الجدة الثريا التي أخذتها بالنصائح اللطيفة وبعض الحكايات القديمة, تلطف بذلك جو العروس المرتبك وتنعش الجلسة الوديّة بينهن, حتى أنهكها التعب وبانت على ملامحها فقالت مستأذنة:
-يلا يا أهل الخير إنا بنسري لبيتنا تأخر الوقت
تقف غنية لتقول هي الأخرى بودّ حانِ:
-كان سهرتي الليلة معنا يا خالتي

ترفض الجدة الثريا في لطف وهدوء:
-مالي ومال السهر يا أمك, ثمٍ وليدي يرجع البيت هالحين وما يلاقي به أحد, ما قصرتوا أكرمكم الله والله يبارك بالمعاريس وتفرحين بفردوس يارب يا كريم

تابعت غنية بنظراتها فردوس التي حملت صينية القهوة عائدة بها إلى المطبخ وهي محمّرة خجلًا, فابتسمت وهي تتخيّل زواج فردوس وطبيعة شخصية زوجها:
-آمين يا خالتي آمين, الله يخلي لك وليدك ويفرحك فيه أنشهد إنه ماقصر معنا ورايته دوم بيضاء

ارتدت حنين عبائتها على عجلة أسفل فستانها المشجّر الذي أرتدته لهذه المناسبة, سلمت على البنات ووالدتهن وكذلك سديم ووالدتها, تمسك بيد الجدة الثريا لتقودها إلى الخارج, تقول الأخيرة وهي تستمع للخطوات من خلفها:
-ادخلي يا أم مرجان البيت جنب البيت محنا بضايعين

غنية برفض قاطع تمشي بصحبتهن وبالقرب منها مرجان:
-الله لا يقوله يا خالتي كان أقعد وأنتِ طالعة من بيتي, الله يكبر قدرك زي ما كبرتي قدرنا وباركتي جمعتنا, الله لا يحرمنا من بركتك

تبتسم الجدة الثريا في هدوء, إن كان الله قد رزقها ببنات كل واحدة منها نأت بحياتها عنها وتركنها تعيش في منزل شعبي لوحدها, فإن الله عوضها بحسن الجيرة وطيبها, سبحانه يقطع من ناحية ويُوصل من ناحية أخرى:
-الله يخلي لك عيالك, تصبحين على خير
تهمس حنين بابتسامة وهي تقود الجدة الثريا لأسفل سلم المنزل:
-تصبحين على خير خالتي

تقف غنية خلف الباب محتفظة بإبتسامتها وملامحها المرتاحة لجمعة الليلة, لتقول بود:
-والساري بخير

تفتح حنين باب المنزل, تقود الجدة الثريا إلى الداخل حتى دلفتا إلى الصالة, تسألها في سكون وهي تشعر بإجهادها فقد ظلت جالسة لساعاتٍ طويلة:
-بتنامين يمه أدخلك غرفتك؟

توميء الجدة برأسها وبيدها عصاها تستدل بها طريقها, أدخلتها حنين إلى الغرفة حتى أجلستها على السرير, فتمددت الجدة الثريا مباشرةً وهي تأخذ نفسًا عميقًا, خرجت حنين لوهلة حتى عادت وبيدها كوب ماء زجاجي وضعته بالقرب من الكمدينة, قالت وهي تنحني:
-يمه هذا كوب الموية جنب رأسك, إن حسيتي بتعب أو حاجة ناديني

أغمضت الجدة الثريا عينيها وأخذت يمينها, تلت آية الكرسي والمعوذات وقرأت دعاء النوم لتهمس في هدوء:
-نامي يا بنيتي هذا بيتي وأعرف جدرانه لو إني أبصر

تخرج حنين من الغرفة وهي تغلق الإنارة والباب معًا, دخلت إلى غرفتها, نزعت عبائتها وعلقتها بالمعلاق خلف الباب, الغرفة تعبق برائحته الرجولية الباذخة, شيءٌ من عودٍ ملكي, ومسكٍ بلدي, ووردٍ طائفي, مزيج غريب ورائع, كغرابته وروعته

رتبت فستانها المشجر, سرحت شعرها للخلف وجددت عطرها, تشعر برغبة ماسّة في إستنشاق هواءٍ نظيف ورطب، لذا غادرت الغرفة بخطواتٍ متأنية لكن قبل ذلك اتجهت إلى المطبخ

بحثت عن أكواب الشاي وأكياس الشاي وسكّر الشاي, ليست من محبينه ولا تسرف في شربه لكن الحبق الذي رأته في حديقة المنزل أغراها لتجربته, وجدت الكوب, وضعت به كيس شاي وملعقة صغيرة من السكر, ثم سكبت فوقه ماء مغلي

احتضنته بين كفيها وعادت أدراجها إلى الفناء, رأت سجادة مفروشة وبها عدة وسائد لا بد أنها جلسة الجدة الثريا اليوميـة, وقبل أن تجلس انتزعت أوراق الحبق وغسلتها من صنبور الفناء, لترميها في كأس الشاي أخيرًا

أخذت نفسًا عميقًا محملاً برائحة الليمون والنعناع ونوعٍ آخر من الورود التي لا تعرف ماهيتها, تراقب باب المنزل, تتخيل دخوله الشامخ بمشيته المتأنية الواثقة, ونظراته الذهبية المسلطة, يحدق حوله بشمس عينيه فيجلب الدفء والأمان بهن, يعصب رأسه بالشماغ ويحمل بين كفه مسباحٍ بلونه البني المحروق

أيامٌ قِلال كانت كفيلة لأن تحفظ بها تفاصيله الجذابة, فمثله -رغم تعقيداته- لا يحتاج لذكاءٍ خارق وعقل ماهر ليفهمه, يبدو لها في بعض الأحيان كطفلٍ يبحث عن الطمأنينة لا غير

ربّاه! عِمران, ابن الثلاثينيات الأخيرة, أبا محمد الصغير, يحمل في داخله طفل متشفق؟ إن الخيال بذاته يدغدغ حواسها

يُدار مفتاح المنزل فترتاع للحظة, سرعان ما يعود الهدوء والاستكنان ليحل محله وهي تراه داخلًا عليها بذات الهيئة التي تصورتها في عقلها, لولا أنه يحمل في كفه العِقال بدلًا من المسباح

حدقت به, لم ينتبه إليها في بادئ الأمر فبدى مرهقًا والشحوب احتّل ملامح وجهه, إلا أنه فور إنتباهه رفع حاجبه وتوقف مكانه, ثم اقترب منها بخطواتٍ هادئة:
-السلام عليكم

ردت على سلامه وهي تضع كأس الشاي بجانبها على السجادة, ترفع عينيها تنظر إليه في هدوء:
-وعليكم السلام والرحمة

ينزع الشماغ الذي يعصبه على رأسه ويتركه جانبًا رفقة العقال, يتطلع إليها بهذه الهيئة, بدت كوردة ربيعية وسط أشجارٍ خضراء, يفاجئها أن تمدد على الأرض ليضع رأسه على فخذيها, فأي الوسائد أحب إليه من جحرها الآن؟

شعرت بإرتجافة عميقة ضربت ظهرها، تحكمت بها من فورها, نظرت إليه وهو مغمضٌ العينين ويتنفس بوتيرة متفاوتة, بادرت بالحديث بصوتٍ خادر نتيجة الجو الدافىء حولها:
-يعطيك العافية, لا تعبت

يهمس دون أن يفتح عينيه, يستنشق بشكلٍ واضح أريجها وشذاها, أطراف شعرها تلامس طرف خده:
-الله يعافيك .. كيف كانت الجلسة؟

أجابت بهدوء وهي تشعر بإنتفاضة فخذها الذي ينام عليه, والدفء يتسرب من رأسه إليهن:
-الحمدلله, أم مرجان إنسانة كريمة ومضيافة ماقصرت معانا, وش فيك؟

تفاجأ بمباغة سؤالها, ففتح عينيه ينظر إليها من الأسفل وهي تدنق رأسها إليه, يقول هامسًا بصوتٍ أجش:
-وش فيني؟

حدقت بعينيه, ولم تعجب لظلمة السماء الليلة, فـ ضياؤها حبس ها هُنا, بين مقلتيه, تقول بهمس:
-عيونك حمراء

هو يعرف لما عينيه حمراء, بل موقنٌ لإحتراقهما, فحينما يسهب في التفكير وتأكله الفكرة تلو الفكرة فإن نتاج ذلك يصبح أعين محمرة, تختزلان الغضب والحنق وسطوة الشك الجريح, بالكاد حملته أقدامه حتى ينهي حفل "عدوان", وأعادته إلى منزل جدته بسلام, كان يخطط حقًا للعودة إلى المدينة .. بل والليلة

لكن رؤيتها بهذا الشكل الباذخ في بساطتها, صب على ناره ماءً باردًا وأوقد في نفسه شيئًا أشد حرارةً وقيظًا:
-ايه، من قل النوم، ليش قاعدة هنا بهالوقت ؟

التفتت حولها في سكون، الإنارة خافتة في حدها الأدنى، ورياحٌ ضئيلة تحرك الأشجار جيئةً وذهابها:
-ولا شيء، الجو حلو والريحة منعشة

ارتعشت حينما شعرت بأنامله تتحرك على ذقنها الشامخ بنقراتٍ رتيبة، وارتجفت شفتيها لمّا حطت عليهما، يهمس بثقل النبرة:
-بعذره الليمون ما شم ريحة الورد

تأخذ نفسًا عميقًا متقطعًا، تهمس في هدوء وكل محاولات التقرب هذه تذكرها بسرها:
-عمـران

انتقلت أصابعه من ذقنها إلى خلف رقبتها، خصلات شعرها ما زالت تغازل أطراف وجهه الحاد، شعرت به وهو يحنيها ليصبح وجهها أعلى وجهه مباشرة

داعب أنفه أنفها، انسدل شعرها كستارة أُسدلت خوفًا من تعرية المشاعر الصاخبة، همس وهو مغمض العينين:
-لبيـه قال عِمـران

ارتعدت إثر ندائه الرقيق، و آآه ما أرق النداء من هذا الوحش الوسيم، خطوة واحدة، خطوتين فقط، وستصبح في خطر هي وما تحويه بداخلها من همّ!

ليس الآن، ليس وقت اندفاعة مشاعره وتعاركها أمام صخب أنفاسه، عليها أن تستجمع نفسًا أولًا وليحصل ما يحصل بعدها

شعر عمران بمحاولات ابتعادها، فأضمر حنقه على مضض، لكن قبل أن يُطلق سراحها قبّل جبينها قبلة مطولة استكانت من بعدها، فلتفهم مغزى هذه القبلة بأنها ليست من همجيٍّ مندفع، بل من راغب متفهم

أبعد يده عن رقبتها، اعتدل بجلسته فقفزت حنين بشكلٍ تلقائي متجهة إلى الغرفة، تاركةً إياه ينظر إلى طيفها في هدوءٍ وسكون، تنهد وهو يرفع خصلات شعره، يهمس بجبين متغضن:
-نشوف آخرتها معاك يا حنين

رن هاتفه في هذه اللحظة، استله من جيبه ورد دون أن يرى الرقم فهو هاتف العمل:
-ألو نعم؟
(استمع للطرف الأخر، سرعان ما تغيرت ملامح وجهه للقتامة، يقول بغضب أسود)
-دواكم عندي أنت وإياه، ماعليه ماعليه، ساعة زمان وأنا عندكم ألقاكم جميعًا في مركز العمليات

يغلق هاتفه ويقف على عجل، يتجه إلى الغرفة ويدخل دون أن يطرق بابها، وجدها تجلس على طرف السرير إلا أنه تجاهلها وهو يستخرج ثوبًا آخر، يقول بجدية:
-أنا طالع للمدينة عندي شغل طارئ ما يتحمل التأجيل وراجع على الصباح إن شاء الله

قالها وهو يتجه إلى دورة المياه خارج الغرفة، إلا أنه تفاجأ بها تقف أمامه تقطع سير تقدمه، تقول بدهشة:
-ما فهمت وين رايح بهالوقت؟
يعقد حاجبيه، يقول بنبرة جادة:
-أقولك طالع للمدينة عندي شغل طارئ ما سمعتيني؟ أبعدي شوي مستعجل

أوقفته مجددًا حينما حاول الخروج، نظرت له بابتسامة مندهشة فعلًا لتقول:
-هه، مو من جدك عِمران!! شلون تمشي وتخليني بهالمكان اللي ما أعرف فيه أحد

بردت ملامح وجهه حينما أستوعب قلقها من البقاء بمفردها وربما خوفها، همس بهدوء وهو ينظر إليها تقف بالقرب من صدره العريض:
-الديرة أمان!

اعترضت بشدة وهي تقول بجدية:
-حتى ولو، كيف تضمن ما يصير لنا شيء وحنا لحالنا
عمران وهو ما زال يحدق بها في هدوء:
-حنين جدتي متعودة تقعد لحالها بالأيام وأحيانًا بالأسابيع، الديرة هنا أمان والجار للجار إن اعتزتي شيء نادي على أي بيت، ومنتي معتازة شيء إن شاء الله أنا كلها ست ساعات وأكون معك

تراجعت للخلف خطوة حتى اصطدم ظهرها بقافية الباب، تردف بجدية:
-دامك ناوي ترجع المدينة رجعنا معاك، ماني بجالسة في مكان ما أعرف فيه أحد ولا عمري دخلته

تنهد بطولة بال، من مثله أصبح يتقن الصبر وحنين تستحق أن ينال من أجلها درجة الامتياز فيه، لكن وقته ضيق جدًا، عليه أن يغادر فهناك أمر طارئ استجد

أمسك يديها بين يده واحتضنها على صدره، قال بنبرة هادئة:
-يابنت الحلال تعوذي من الشيطان وأوثقي فيني، هالبيت يعرفون بيت منهو ما في أحد يفكر يطل من شقوقه حتى، اقفلي باب الصالة وأنا بقفل باب الحوش، والله الحافظ
(أبعد يديها وجسدها ليفتح الباب قائلًا)
-نامي ولا تفكرين في شيء، وأنا مع أول الشروق عندك






*
*
*
*
*
*







يجلس في منتصف صالة منزله العلوية مرتديًا ثوب نوم على الطراز المغربي، يرتدي نظارة القراءة ويضع جهاز الآيباد على فخذه، يستمتع بقهوته السوداء رغم تأخر الوقت

بشكلٍ مفاجىء، اختلطت رائحة البن الكولومبي بالعود الشرقي والورد الشامي، ليستمع هيثم إلى فرقعة "كعب" حياة وهي تصعد إلى الطابق العلوي

تراءت له في أبهى حلة بثوبٍ إماراتي مطرز بفصوص لامعة ترتدي فوقه قطعة من الشبك أسود المطرز هو الآخر، عباءتها على ذراعها وشعرها يتسربل على كتفيها

نظرة واحدة سلطها هيثم عليها، حملت برودًا ولامبالاة، يردف بتهكم ساخر:
-الحمدلله على السلامة يا مدام، نورتِ بيتك اللي هاجّه عنه من كم يوم

تضع عباءتها على الكنبة، تجلس مقابلًا له، تضع ساقًا فوق الأخرى، تعيد شعرها للخلف فتلتمع حلقتا الذهب على أذنها، تردف بثقة:
-الله يسلمك، وقلتها يا أبو نايف "بيتك"، يعني أطلع عنه أو أهج منه وأرجع له متى ما بغيت

يحدق بها لدقيقة من أعلى نظارته، يقول بابتسامة ساخرة وجادة في ذات الوقت :
-ونعم الزوجة، تاركة زوجك وولدك وبيتك عشان قلنا لك نبي حق من حقوقنا، بالله عليك ما سألتي نفسك إذا هاللي قاعدة تسوينه صح أو خطأ؟

حياة بجدية بالغة:
-أظن إني وصلت لسن ما أسمح لأحد يحاسبني فيه على أخطائي، وأنا أشوف اللي سويته عين الصح، لأن غيري ناوي يهدم عش سنين لمجرد رغبات بلا معنى

يرمي جهاز الآيباد جانبًا، ينزع النظارة ويرميها هي الأخرى على الطاولة، يتقدم بجسده قائلًا بذات الجدية:
-تقولين رغبات بلا معنى، ليه يا مدام أنا من متى تحركت بدون خطة مدروسة من الألف إلى الياء؟

نظرت له حياة في صمت، شعرت بحطامٍ ما في قلبها وصدرها، زلزلةٌ تهدم على إثرها الكثير والكثير، إذن كان ينتويها منذ البداية، اختار الفتاة بملء رغبته
لم تكفيه هي! لم تكفيه حياة فأخذ يبحث عن حياةٍ أخرى
ما أقبح هذا الشعور، ما أبشعه!

حدق هيثم بها وبإنفعالاتها الصامتة التي فهمها جيدًا، الغبية ظنت أنه يبحث عن حبٍّ أخر، استطرد بذات النبرة:
-وقبل لا تأخذك الظنون ما نويت أعيش التجربة من جديد، هذه رغبة عادية، مشروع ثمين ما أفاوض فيه

تقف في هدوء، وبداخلها سيولًا من دماء الوجع والخذلان، الأمر بات مؤلمًا وجارحًا لكرامتها، حملت عباءتها لتقول بنبرة تجاهد على الثبات:
-الله يوفقك يابو نايف، تأكد إن لمشاريعك ند قادر يهدمها، لا تحسب نفسك الأذكى

تابعها بنظرات عينيه متجهة إلى جناحهم، بخطواتٍ شامخة واثقة ومتيقظة لما تقول، شعر بإستفزازها الصريح له، أين ذاك الحمل الوديع الذي كان يرفل أمامه بكل هدوء؟
هذه أنثى جريحة تحارب بكل انتفاضة رغم سيلان دمائها

أطال في جلسته، شارد بالتفكير الذي يدور لينتهي في ذات النقطة، وبعد دقائق طويلة وقف بحدة ليتجه إليها

يدلف إلى الجناح، يراها للتو خرجت من غرفة الملابس تغلق أزرار بيجامة نومها الحريرية ووجهها الذي تزين قبل قليل بالمكياج بات خاليًا صافيًا لا تشوبه شائبة

ترمقه بنظرة ذات مغزى، وقبل أن تتجه إلى سريرها لترتاح، فالأيام الماضية كانت في حربٍ باردة برفقته، شعرت به يجتذبها من ذراعها حتى اصطدمت بصدره، وفي ثوانٍ قليلة كانت محشورة بين الجدار وجسده

يهمس بحزم وهو ينقل نظراته نحو ملامح جسدها:
-هذا تهديد صريح يا مدام
تقول بقوة وثقة، محدقة في مقلتيه القاتلتين:
-أعتبره اللي تبي، لا تحسب إنك الوحيد اللي تقدر تسيّر الأمور على كيفك

تجاهل حديثها، يمد اصبعيه يعيد خصلة متمردة من شعرها خلف إذنها، ليقول فجأة بإبتسامة بها من الإعجاب الكثير:
-زياد عاد، زياد مرة وحدة يا حياة؟ صدق عندك مخ مدري وش قايل، شلون فكرتي فيها؟

تبتسم تلك بسخرية وهي تحدق به من أسفل، فمع طولها المناسب إلا أن هذا الرجل يتجاوزها، تهمس بتهكم:
-ايه يا هيثم الواضح منت بس اللي تفكر بداهية

يبتسم ابتسامة مائلة بها من الخبث، يقول وأطراف أصابعه تتنقل حول كتفها وأزرار قميصها:
-بنت, مشكلة ولقينا لها حل .. وش مزعلك؟

استفزها ما يقوله, كأن له الفضل في الحفاظ على هذا الصرح العائلي, لتقول بإندفاع:
-لقينا لها حل؟ اذكرك يا ابو نايف محد حلها غيري، بعدين شلون تسميها مشكلة مو أنت اللي جيت تبشرني بها ؟

يهمس في غمرة إنشغاله بتأملها النهم, بنبرة ثقيلة وخادرة:
-البنت جاتني وماقدرت أردها

تصدر صوتًا من حنجرتها, رباه, لا تعلم هل هي رغبة حقيقية أم لخبطة هرمونات لكنها تود حقًا أن تخنقه بين يديها, تقول بسخرية:
-لا ما شاء الله عليك يا جنتل زمانك، دايم سباق للأجر

يزفر هيثم وهو يشعر بمماطلتها الزائدة, يقول بحزم هامس ليشد على جيب قميصها:
-حياة بطلي عناد, البنت وما قصرتي فيها راحت في حال سبيلها, وبتصير زوجة أخوي قريب يعني أنسي

كرهت أن يأتيها مندفعًا بمشاعره بعد أن نكأ على جرحها الوليد ورش عليه الملح, آه من جنس الرجال حتمًا يقتلون القتيل ويلطمون في جنازته, تقول بجدية:
-أبعد هيثم, حركاتك ذي اللي تحاول تنسيني فيها اللي صار ماهي بفالحه, ما راح أنسى إنك يوم من الأيام فكرت بغيري وأنت في حضني, ولا راح أنسى إنك خططت وعزمت ومن رتبت أمورك جيت تبشرني, من اليوم ورايح لا تطالبني بشيء

استدرك ما تقصد, فتراجع للخلف ينظر إليها بحدة ليقول بنبرة جادة حازمة:
-نعم يا مدام؟ وإن شاء الله تبيني أسعى لرضاك عشان ذنب ما ارتكبته, لا يا حبيبتي كلامك ماهو أصح من كلام الشرع

تأففت وهي تتخلص من قبضة يده, تتجه إلى السرير وتدخل أسفله قائلة بملل:
-هذا أنتو يالرجال لو جاء الموضوع على الزواج والتعدد قلتو شرع ربي وشرع ربي, ما تعرفون من الشرع إلا الثانية

يحوقل بهدوء وهو يحدق بها بذات الجدية:
-حياة لا تتلفين أعصابي

تنظر إليه بلامبالاة مصطنعة تمامًا, منذ متى أضمرت مشاعرها أمام هذا العتيد؟ إلا أن ما قام به من إستغفال يؤلمها حقًا:
-يعني تبيها صريحة يا أبو نايف؟ ماني طايقتك ولا أبي أشوف وجهك ولو تاخذ قشك وتطلع من هالجناح خير وبركة .. وايه صح نايف اللي مررة مهتم فيه له كم يوم ببيت أهلي, تصبح على خير

يعض على شفته السفلى بتمالك شديد لأعصابه وهو يراها توليّه ظهرها وتغلق إنارة الأبجورة وتبدأ في قراءة أذكارها إستعدادًا للنوم, شعر بالحرارة تصعد لأعلى رأسه, رغم أنه قابل جميع الأجناس في عمله وتصدى لكل عمليات التحريض والاستفزاز إلا أن هذه المجنونة هي الوحيدة القادرة على تسخين أعصابه لمستوى الغليان

نزع ثوبه مرة واحدة واتجه إلى دورة المياه ليستحم ويصلي قبل النوم, فشياطينه تتراقص أمامه وتأمره أن ينتشلها من نومها ليلقنها درسًا لن تنساه, لكنه استعاذ من الشيطان, فهو ما زال مقدرًّا لحالتها والطريقة التي أفضى بها رغبته

يهمس بحنق وهو يقف أسفل الماء, قائلًا:
-نكبتنا يا أحمد جعلك للمانيب قايل, وما أكلها إلا أنا






*
*
*
*
*
*







فـي مركـز العمليــات

يدخل عمران إلى الداخل بخطوات واسعة مرتديًا للأسود الكامل, يحدق بالأربعة الذين وقفوا مباشرة فور قدومه, ينظر إليهم بحدة ليقول:
-حسابكم أنتو الأربعة معي, بس خلينا نخلص من هالمهمة, حكيم حددت الموقع؟

حين اتصل به مساعد قبل ما يقارب الساعة وأخبره بإختفاء غسان منذ يومين وهو يخطط طوال دربه على إنتشاله أينما كان, فهو يشعر بمسؤولية ما حياله, يستطرد حكيم بجدية:
-حددته طال عمرك, وجاتني معلومة من الاستخبارات تؤكد على المكان, جاهزين للإنطلاق

-"اللواء وين؟"

يقولها عمران وهو يلتفت حوله, ليقول مساعد بهدوء:
-اتصلت فيه بعد إتصالي فيك, قادم في الطريق

ينهي مساعد حديثه فيفتح باب المركز ليظهر من خلفه اللواء أبو تركي, وقف الفريق بعد أن أدوا التحية العسكرية ليبادرهم أبو تركي بجدية:
-وش صاير؟

يزفر عمران وهو يلتفت إلى الشاشة الكبيرة التي تعرض صورة لإحدى المناطق المهجورة:
-وصلتنا معلومة قبل شوي بإختفاء غسان من يومين واتضح إن تم اختطافه من قِبل مجموعة حسب ظني تابعة للشبح

أبو تركي بذات الجدية:
-مدى أهمية الحالة؟
عمران وهو يجاريه ليقف جنبه, يقول بحزم:
-طال عمرك بعيدًا عن إختطاف رجل عسكري على يد الإرهابيين إلا أن غسان يعتبر ورقة رابحة لهم لو حصل وضموه لملتهم خسرنا حنا ورقتنا, لازم نتحرك قبل لا يوصل الخبر لقائد حرس الحدود وخفر السواحل وتنتفض كل الوحدات العسكرية, نطلب إذنك بالتحرك فورًا

يتنهد أبو تركي, يحتضن كفيه خلف ظهره, ينظر إلى الشاشة بالمكان المهجور, ثم يقول بأمرٍ حازم:
-أعطيكم أمري, انطلقوا في الطريق والله ينصركم

أدى عمران والفريق تحيتهم العسكرية وانطلقوا خارجين من مركز العمليات إلى غرفة التجهيزات, قضى كل واحدٍ منهم وقته في إرتداء بذلته وخوذته وحمل أسلحته, أثناء ذلك حاول رابح التبرير وهو يرى إحتقان الغضب على ملامح وجهه قائده:
-يا طويل العمر والله ما سجينا عنه, إشارة تلفونه لها كم يوم واقفة في نص بيته وقلنا بس هذه وحدة من حالاته اللي تجيه ويحبس نفسه بالبيت

يشحن عمران سلاحه بالرصاصات دون أن ينظر إلى رابح, ليقول بحزمٍ أسود:
-اص يا رابح مابي أسمع لك نفس, عطيتكم أبسط مهمة وما عرفتوا تأدوها زين, اسكت لا تبرر لي

كان رابح سيتحدث, فنزول عمران إلى ساحة المعركة بهذه الملامح حتمًا ستصبح نتائجه وخيمة, عليهم وعلى العدو, إلا أن قاطعه مساعد بجدية:
-خلاص رابح قال لك اسكت, حنا قصرنا وراضين بالجزاء

يخرج عمران من الغرفة بعد أن تجهّز بالكامل, قائلاً بوعيد والفريق يتبعه بنظراته:
-ما بعد شفتوا الجزاء الصح, صبركم علي يا فريق خنجر

تبعوه إلى السيارة المجهزة لهم، لينطلقوا في طريقهم إلى الموقع الذي سبق وحدده حكيم!

استغرقوا مسافة 90 كيلومترًا ليصلوا أخيرًا إلى الموقع، كان المكان أشبه بمربع سكني مهجور، بعض بيوته مهدومة أو مهجورة أو أيًّا كانت، وبعضها وُضعت عليه لافتات " خاص لكذا وكذا " أي أنها مستودعات

ينزل عمران من السيارة التي كان يقودها بنفسه، ونزل برفقته الفريق، يقف في المنتصف والأربعة من خلفه يمشطون المكان بأسلحتهم

حمل سلاحه، تأكد من وضع السمّاعة على إذنه ليقول وعينيه الذهبيتين تحدقان بالمكان:
-أجهزة اللاسلكي، خنجر
وصل صوته إلى الأربعة التي برفقته بوضوح

-"خنجر واحد"
قالها مساعد

-"خنجر اثنين"
قالها فزاع

-خنجر ثلاثة"
قالها حكيم

-"خنجر أربعة"
قالها رابح

يستطرد عمران وهو يتحدث في جهاز اللاسلكي:
-سيدي، تسمعني؟

اللواء من خلف السماعة، وفي مركز العمليات:
-أسمعك يا خنجر، الرؤية ماهي واضحة لنا
يلتفت عمران حول فريقه، يقول بجدية هامسة:
-فريق خنجر، الكاميرات

يستجيب الفريق لأمره بإيماءة رؤوسهم، يشغلون الكاميرات المرتبطة بخوذاتهم وفور إتضاح الرؤية قال اللواء بجدية:
-كذا زين، عناصر خنجر الطائرة بلا طيار فوقكم راح تأمن لكم دعم الرؤية الحرارية، خنجر اثنين تموضع في مكان واضح

يلتفت فزاع وهو يمشط المنطقة بعينيه سريعًا، فوجد مكانًا جيدًا لتموضعه، تحرك بخطواتٍ متأنية بعد نظرة من عمران مستجيبًا للأمر

-"عناصر خنجر ابدأوا"

يقولها اللواء أبو تركي، فتحرك عمران والباقين بخطواتٍ مدروسة، الموقع قريب جدًا لكن عليهم توخي الحيطة والحذر كي لا يقعوا في الفخِاخ

يهمس عمران وهو ينقل سلاحًا يمينًا وشمالا في كل مرة، بجدية حذرة:
-خمسين متر عن موقع الاشتباه، انتبهوا حواليكم للحين ما نعرف عددهم وتذكروا إننا نبيهم أحياء
يقول مساعد وهو يمشي بالقرب منه، يوليه جانبه:
-أمرك سيدي

-"خنجر، خنجر اثنين كيف الجو العام فوق؟"

يقولها عمران لفزاع، فيبتسم الأخير قائلًا وهو يحدق من عدسة سلاحه القناص:
-معتدل إلى بارد، شوي وينقلب للحرارة الشديدة

يبتسم عمران رغم غضبه، لا بأس بفكاهة في غمرة مهمتهم الإنقاذية، يهمس بسخرية باسمة:
-شوف وراقب الحرارة، فريق خنجر عشرين متر عن الموقع خلكم جاهزين

اللواء أبو تركي من خلف السماعة بنبرة جادة وهو يراقب تصوير الطائرة بلا طيار بالرؤية الحرارية:
-فريق خنجر انتبهوا في حركة عند موقع الاشتباه، الساعة تسعة

يتأهب الفريق بشكلٍ مفاجئ وجدي، فبدأوا يتحركون عكس الجهة التي ذكرها اللواء، يحطون خلف جدارٍ ما، يقول عمران:
-خنجر اثنين؟

يمشط فزاع المنطقة التي عناها اللواء، ينظر من منظار سلاحه ليقول بجدية وهو يهمس في اللاسلكي:
-تم تأكيد الحركة، الهدف تحت أنظاري

يلتفت عمران إلى رابح، يهمس فيه بجدية:
-رابح!
يفهم رابح مغزى همس قائده فيعيد السلاح خلف ظهره، يتقدم من الموقع الذي رأوه فيه، يقترب، يقترب كثيرًا حتى اختبأ خلف الجدار، وعلى الطرف الأخر منه ذاك الشخص

قبل أن يؤدي مهمته استمع إلى ما يقول وهو يوليه ظهره، بنبرة حانقة متأففة:
-الله ينكبك يا رجال الله ينكبك، جايبنا بهالقطعة البعيدة تحسب ما راح يوصل لنا .. ألووو يا كلاب وينكم تعالوا أخذوني .. ايه ايه بالمكان اللي أرسلته لكم .. عجلوا علي ماني ناقص أموت بسبايب مجنونكم ذا

يغلق الهاتف، ليتفاجأ بعد ثوانٍ قليلة بالوحش الذي أنقضّ عليه من الخلف، يحيط رقبته ويكمم ثغره ويلف أقدامه حول خاصرته، فأصبح يحتضنه بشكل كلي حتى سقطا على الأرض معًا

جاهد ذاك على أن يفك قيده فقد شعر برعبٍ حقيقي وإختناقٍ شديد من هذه المباغتة، إلا أن رابح كان له بالمرصاد فقال هامسًا بنبرة جادة:
-اشش ولا حركة، إن حاولت من هنا من هناك فجرت رأسك، اهجد

استكان ذاك الشخص على مضض، فقال رابح وهو يهمس في إذنه بمكرٍ باسم:
-شاطر يا بابا، الحين بسألك سؤالين وجاوب عليهم بهزة رأسك، ايه أو لا فاهم

أومى ذاك برأسه إيجابًا، واستطرد رابح هامسًا:
-كم شخص داخل منكم؟ هاه .. واحد؟

إيماءة رأسه بالإيجاب جاءت جاوبًا لسؤال رابح، فأكمل يسأل بهمس وهو يشد عليه يكبّل حركته:
-مسلح أو لا ؟ .. اهجد لا أكسر رأسك، مسلح الحمار اللي داخل ولا لا ؟

أجاب وهو يؤمي رأسه بإيجاب فابتسم رابح ابتسامة واسعة جدًا ليقول بسخرية:
-اخ عليك توك تتكلم، جاين جماعة عشان ورع واحد .. سيدي المكان أمان

يقتربون منه عمران ومساعد وحكيم من خلف الجدار بثقة وتأني، سرعان ما توسعت عينا ذاك الشخص وهو ينظر إليهم وبدأ يتخبط هنا وهناك كمن مسه الضّر، وفي ثوانٍ قليلة كان ينام على الأرض مغميًّا عليه نتيجة الضربة التي تلقاها من رابح

زفّر عمران وهو ينظر إليه بجدية بعد أن قيّد الشخص وكمم فاهه، قائلًا بحزم:
-أنت وبعدين معاك؟

يقف رابح وهو يعيد سلاحه بين يديه، يتلاحق أنفاسه ليقول بابتسامة:
-معليش طال عمرك بعض الحمير ما تمشي إلا بالضرب، خليه نايم لين نخلص مهمتنا، شخص واحد داخل ومسلح!

-"حاوطوا المكان، خنجر واحد تمركز في الجهة الشرقية، خنجر ثلاثة خنجر أربعة استلموا الجهة الشمالية، واتركوني في هالجهة، تحركوا"

يقولها عمران بأمرٍ جاد فاستجابوا له، اتخذ كل واحدٍ منهم موقعه ليقول حينها عمران من خلف السماعة:
-خنجر واحد شايف النافذة اللي جنبي من الجهة الثانية؟ أطلق عليها

استخرج مساعد سلاحه بكاتم الصوت، يعلم أنه بمجرد أن يطلق النار على الزجاج سيتناثر وسيكشف الطرف الآخر وجودهم، لكنه واثقًا من خطة قائده المحكمة حتى وإن بُنيت خلال أقل من ساعة

أقل من ثانيتين وبدأوا المكان يعج بالطلقات النارية فذاك عرف بوجودهم أخيرًا، يصرخ حكيم بصوته العالي وسط النار للداخل:
-المكان محاوط، سلم نفسك

استغل عمران إنشغال الشخص في الداخل وإنشغال فريق بتبادل إطلاق النار ليدخل من النافذة الخلفية بعد أن حطم زجاجها بعقب سلاحه

تسلل إلى الداخل، منزل صغير لكن به الكثير من الغرف والممرات، زحف بجانب الجدار وهو يُمسك سلاحه الأصغر، مر بجانب غُرف مفتوحة لكنها خالية، ممتلئة بالغبار

شاهد ظهر الشخص الذي كان يطلق النار من النافذة بشكلٍ مستميت، وابتسم بمكر، همس في اللاسلكي قائلًا بجدية:
-أوقفوا إطلاق النار

توقفوا على أمره في وقتٍ واحد مما أثار الشك في نفس ذاك الشخص الذي كان يتنفس بسرعة لاهثة، إلا أنه استمر بإطلاق النار بشكلٍ أهوج وعشوائي وقد أخذته العزة بالإثم فحسِب أن ذخيرتهم نفذت

على حين غرة شعر بفوهة السلاح التي حطت على مؤخرة رأسه وصوتٍ أجش يقول بنبرة مهددة:
-أرمي سلاحك!

يعض ذاك شفتيه وأغمض عينيه بقوة شديدة، تبًا لهم كيف عرفوا مكانهم هذا، يعيد عمران حديثه بتهديد:
-أي حركة خطأ نتيجته بتصير حياتك، أرمي سلاحك محد حولك

تعاظم القهر في صدره، كان يظن أن الشبح سيصل إليه أسرع من العساكر، ما ظن أنهم سيباغتوه في وكره

ينزل السلاح بإستسلام مخزي، يقترب عمران فيبعد السلاح بقدمه حتى التصق بالجدار، يمسكه من كتفه ليجعله يقف:
-كلمة ورد غطاها، غسان وين؟

يحرك ذاك عينيه يمنةً وشمالا، لكن يد عمران تمنعه، يقول باستغراب:
-من غسان؟

صرخ بوجع حينما شعر ببصيلات شعره تشتد وعروقه تنسحب من رأسه، ينحني عمران إلى إذنه هامسًا وهو حتى الآن لم يسمح له برؤية وجهه:
-لا تحاول تستغبى علي، ولا تستقوى بخويّك! قده في العالم الثاني

ابتلع ريقه، قتلوا صاحبه الذي حذره، قتلوه حتمًا، يقول بجدية صارخة:
-ما أعرف واحد اسمه غسّان!

أوقفه عمران على دخول الفريق إلى داخل المنزل بعدما أمنّوا المكان، يلصق خده في الحائط ويضع السلاح على صدغه هامسًا بوعيد:
-ما تعرف واحد اسمه غسان؟ ماعليه خليني أعرفك عليه في غرف التحقيق والسجن، شرايك؟

-"قلت لك ما أعرف واحد اسمه غسان، ولا حتى من بيننا واحد هذا اسمه"

يقولها الشخص فيلتفت عمران إلى فريقه قائلًا بجدية حازمة:
-فتشوا المكان، لا تخلون حجر واحد بدون ما تشوفون من تحته، بسرعة

يقترب منه رابح، ينظر إلى ذاك الذي يتنفس بسرعة وأنفاسه تصطدم بالغبار، يهمس:
-سيدي لازم نعجل سمعت اللي برا يستفزع بأحد، شكله كان ناوي يهرب من هنا

يهز عمران برأسه، يعود فيكبّل يديّ ذاك الشخص الذي كان يسمعهم يطرقون الأبواب ويفتشون الغرف، يهمس عمران بفحيحٍ غاضب:
-عاجبكم عايشين في هالخرابة عشان كم دولار سكتوكم فيها، العقل نعمة الواحد يحمد ربه عليها إلا إنكم بلا عقل، تعال بس، امش ليلنا طويل معاك

يعود حكيم إلى الغرفة التي يقيّد فيها عمران الشخص، يقول بجدية:
-سيدي حصلنا غرفة مقفولة ببصمة إلكترونية، وهي الغرفة الوحيدة بهذا الشكل

يبتسم عمران بقسوة، يجر الشخص ويجتذبه، يمشي من خلفه والسلاح مسلطٌ على مؤخرة رأسه:
-صاحب البصمة معانا بيفتحها الحين، وإن ما رضى قطعنا يده وفتحناها

أوقفه أمام الغرفة، حيث تحلق حوله الفريق بأكمله دون فزاع، يأمره بحدة:
-افتح الباب

يستجمع ذاك أفكاره، يغص بريقه ليقول محاولًا الالتفات ويمنعه عمران:
-وش .. وش تبون منها؟ الغرفة فاضية
يرص السلاح على رأسه حتى شعر ذاك بالوجع، يزمجر به عمران بحدة:
-افتح الغرفة وأنت ساكت لا تخليني أنثر دمك الحين

على مضض استجاب له الشخص، وضعه إبهامه على مقبض الباب وأبصم طرف زاويته، ليفتح الباب ويبتعد عنه حينما دخل الفريق إلى الداخل

كانوا واثقين أنهم سيجدون غسان في هذا المكان، لكن لم يعلموا ما ستكون حالته بعد اختطافه، يقول عمران بحزم من خارج الغرفة بعد أن دخل الثلاثة:
-مساعد وش وضعه؟

ينحني مساعد نحو غسان الفاقد لوعيه وسط هذه الغرفة المصمتة بعوازل قوية، يجس نبضه فيزفر بقلق، يرفع رأسه نحو عمران قائلًا:
- نبضه ضعيف جدًا لازم ننقله المستشفى بأسرع وقت

-"سيدي أرسل الدعم لتنظيف المكان، العدو معنا والمختطف كذلك، احنا راجعين"

يقولها عمران بجدية نحو اللاسلكي للواء أبو تركي فيقول الأخير بجدية:
-عُلم







*
*
*
*
*








صباحـًا - في إحدى غرف العناية المركـزة

ينام ساعي على الكرسي جالسًا أمام سرير والده، حين جاء صباحًا طمأنه الطبيب بنبرة متأرجحة بين الـ نعم وبين الـ لا، قال له حينها:
-"الوالد استجاب للأكسجين بشكل مبدئي واستقرت حالته، لكن لازم نكون مستعدين لكل اللي راح يصادفه، حسب معرفتي منك أخ ساعي فهذه ماهي النوبة الأولى "

حسنًا، لا بأس بقليلٍ من الأمل في واحك اليأس، ما دامت أنفاس والده استجابت لذرات الحياة والاكسجين فما دون ذلك محلولٌ أمره

ها هو ينام قرير العين بالقرب منه، لم يشعر بالطبع حينما فتح والده عينيه بوهنٍ وضعف وسط سريره، ويشعر بأنفاسه ثقيلة رغم وجود الاكسجين حتى الآن، يحدق بابنه .. آه من هذا الابن

أربع سنوات، أربعةٌ مرت بعجائبها وأوجاعها وذكرياتها وروحه مختزلة في هذا الجسد الهش والبالي

أربعة منها، وهو لا يملك إلا العينين ليتواصل فيها مع ابنه بعد أنا كانا يتحادثان -دومًا- في شتى المواضيع

أربع سنوات، وابنه يحممه ويلبسه ويطعمه ويواسيه ويقرأ عليه القرآن والأدب والشِعر وحكايات من قرونٍ مضت!

أربعة منذ أن توفت زوجته شريكة حياته وابنته .. آه من ابنته التي أسماها بلسم، وأصبحت علقم

أغمض عينيه بوهن، عادت ذاكرته إلى ذلك اليوم المشؤوم، اليوم الذي انقلبت فيه حياتهم رأسًا على عقب، وبدل عن استقبال التهاني لتوظيف ابنه، استقبل التعازي في وفاة مقلتا عينه

"
"

( ذاك اليـوم، يـوم حادثـة الإعتداء ..

كان والد ساعي يجلس برفقة زوجته في فناء منزلهم المتواضع، الجو حينها بدأ يطيب ويبرد، أمامهم القهوة والتمر، وهو بين الفينة والأخرى يرمي بيت شِعري غزلي لزوجته التي تحمّر خجلًا!

-"طيب ما بنت الحلال اسمعي وش قال سيد البيد .. الله يسلمك هذا قال وقوله صادق: فلا لومٌ علينا إذ عشقنا ولكن كيف نسلو ونتوب "

يقولها والد ساعي وهو يرتشف القهوة بابتسامة صغيرة، في حين غطت أم ساعي وجهها بغطائها الطويل لتقول بنبرة محرجة:
-جعل عدوك ما يسلى ويتوب، أنت خربت من مجالس ساعي هذاني أقول لك

يضحك بضحكة مجلجلة ليقول وهو يتكيء على الوسادة بجانبه:
-ولد أبوه، ذاك الشبل من هذا الأسد

تقترب بلسم منهم حاملة بين يديها صينية عليها أكواب زجاجية وعلبة عصير شمندر وبرتقال صنعته بيديها، يعتدل أبو ساعي في جلسته فور رؤيته لقدومها، يقول بجدية وهو ينظر إلى ملامح وجهها:
-طالعي بنتك يا أم ساعي طالعي وجهها، ما صار حزن على فراق أخوها، بنت اشربي من هالعصير خل الدم يرجع لوجهك

تبتسم بلسم ابتسامة مصطنعة جاهدت على خروجها، تمسح على شعرها بيدها اليمنى لتقول:
-يبه الله يخليك وأنت كل ما شفتني قلت لي كذا، والله ما فيني شيء

أم ساعي بإهتمام واضح تنظر إلى ابنتها:
-يابنت لا تحلفين بالله كذب وجهك مهب طبيعي، وش بلاك هاليومين أنتِ؟

يراقبها والدها بذات الاهتمام في إنتظار إجابتها، فاضطرت قِسرًا أن تصطنع المرح والراحة:
-يمه والله مافي شيء، على قولة أبوي ذا حزن على فراق سويعي النذل مشتاقه له مرة وهو من يروح المدينة ما عاد يسأل، إلا يبه شرايك ..

يحدق بها أبو ساعي، يحاول تصديق إدعاءاتها ليقول بابتسامة:
-اسلمي يا أبوك

-"وش رايك نروح المدينة بكرة ونطب على ساعي؟ هو ماهو قايل ما راح ينزل ذا الاسبوع؟"

تقولها بلسم وهي تقترب من أبيها، تبتسم وتحتضن عضده بدلال ومحبة، فتستطرد مجددًا بحلاوة:
-هاه ياعيني أنت وش قلت، ومنها نغيّر جو طقينا من هالديرة؟

تبتسم أم ساعي وهي تحدق بدلال ابنتها الصغرى والوحيدة، لتقول بذات الابتسامة:
-بنت ابعدي عن أبوك عن هالصكة، بعدين أخوك قايل لا تزوروني بدون خبر، ماهو عايش لحاله في الشقة

تعقد بلسم حاجبيها، تلقي بنظراتها نحو والدتها أولًا ثم تقول برفعة حاجب لوالدها:
-شايف يبه الغيرة تقول ابعدي عن أبوك ودها تكون مكاني بس

يجاريها والدها في جنونها اللذيذ والمحبب لقلبه، يرفع حاجبه ينظر إلى زوجته الرائعة التي صبرت معه وعليه، في السراء والضراء، في الحزن والفرح، في الفقر والغنى، كما تعاهدا:
-ماعليك من أمك توني أقول لها بيتين شِعر قالت جعلك للمانيب قايل، اقربي علميني وش تبين من ساعي؟

تعض شفتيها وهي تبتعد، عكس ما أمر به من اقترابها، احتضنت كفيها ببعضها البعض، تقول بشيءٍ من خجل:
-يبه شارية هدية لساعي بمناسبة الوظيفة وقلت أبي افاجئه فيها، بس عاد نفاجئه كلنا بالروحة فكرة مب شينة

تتسع ابتسامته حينها، يؤشر على طرف أنفه باصبعه قائلًا:
-أبشري وأنا أبوك على الخشم، من الصبح بنسري للمدينة



/
\



بعد منتصف الليل -

يستيقظ أبا ساعي من نومه متعرقًا مما أفزع زوجته بجانبه:
-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله منك يا إبليس

تجلس أم ساعي بنعاس يغالبها، تنظر إليه بقلق تراه يمسح العرق من جبينه:
-وش فيك عسى ماشر؟

يلتفت إليها أبا ساعي نصف إلتفاتة، يقول يطمئنها بعد أن أرعبها:
-مابي شيء ارجعي نامي، تذكرت إني ما صليت قيامي

يقولها بهدوء، يقف ليغادر الغرفة الصغيرة، يفتح باب الصالة يستنشق الهواء الجاف رغم بروده، القلق يأكل صدره مما رفع من دقات قلبه مسببه لها دوارًا شديدًا

توجس من الإتصال بساعي والاطمئنان عليه، لا يود إخافته، فإن لم يك به شيئًا لاستشعر خوفه وعاد من المدينة لمعرفة ما بهم

آثر أن يتوضأ، وبما أنه اعتاد على قيام ليله في الفناء أسفل الشجرة فاتجه مباشرة إلى صنبور السقاية وبدأ يتوضأ

للتو كان يبلل قدمه اليمنى ويغسلها حتى استمع لصوتٍ قادم من خلف المنزل، احتدت عينيه وأغلق الصنبور مباشرة

اتجه بخطواتٍ متأنية وحين مروره حمل عصا كان يستخدمها لحفر التربة أثناء الزراعة، التّف حول المنزل

ولوهلة فقط، رأى أحد ما يتسلق جدار المنزل، فهرول إليه بسنواته الخمسة وخمسين وهو يصرخ فيه بدهشة وغضب:
-يا كلللللللب

توقف في المنتصف حينما استطاع النفاد بجلده، رأى منفذ خروجه فإذا بها نافذة غرفة ابنته .. بلسم

شعر بقلبه يسقط إلى بطنه، أسقط العصا وهرع إلى الداخل، يركض وبقلبه دعوات أن لا يكون أصابها ما خطر على باله

يدلف إلى داخل المنزل، ثم إلى غرفة ابنته .. فتح الباب بقوة حتى كاد أن يخلعه من مكانه، وتصلبّت أقدامه

شعر كما لو أن سيخًا حارقًا دخل من منتصف صدره خروجًا من ظهره، أشعل في طريقه قلبه وأحرق روحه وتناثرت جزيئاته كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف

يستمع إلى شهقاتها أسفل الغطاء، والغرفة بدت مبعثرة عكس طبيعة بلسم وترتيبها، يستجمع أنفاسه، يردف بتأتأة:
-بـ بلسم!

تزايدت شهقاتها أسفل الغطاء عند هذا النداء، تنعي حياتها التي انتهت، تنعي شرفها الذي اُنتهك، تنعي والدها ووالدتها وساعي، بكت بكاءً جنائزيًا، فيه هي الفاقدة والمفقودة، الميتة والحيّة

عجز والدها عن الاقتراب، أمسك رأسه براحة كفه، تعالى صوته وتداخل مع صوتها الباكي:
-بلسم يابنتي ارفعي رأسك، ارفعيه وريني وجهك خليني أشوفك، فكي الشرشف عنك، بلســم

صرخته الأخيرة باسمها، أيقظت حواس المنزل بأكمله، كانت صرخة جريح مضجر بدمائه، جريح يطالب بحبل نجاة أخير قبل أن يردى قتيلًا بلا ذنب

جاءت على إثرها أم ساعي، التي دخلت الغرفة بوجهٍ شاحب ومخطوف، صرخت وهي تنظر حولها، تارة إلى زوجها وتارة إلى ابنتها المختبئة:
-وش فيـه وش صاير؟

جثت على ركبتها وهي ترى بكاء ابنتها يتزايد من خلف الشرشف، تقترب منها زاحفة تحاول إبعاد طرفه لكن تشد عليه بلسم بقوة:
-بنتي، وش صاير فيك بسم الله عليك، ابعدي يدينك طالعيني يا أمي

صاحت بلسم بصوتٍ مكتوم، من الأسفل تُبكي هذان الحبيبان:
-تكفـ ـون سامحوني، سامحوني ماهـ ـو بيدي، آآآه يبـااااه

تأوهاتها أصابته في مقتل، حديثها بحد ذاتها أذاره رمادًا أسودا، شعر بالوجع في قلبه، وجع فعلي شديد، عيناه احتقنتا بالدمع والدم
كيف ؟
كيف يتصرف مع هذا الوجع الآن؟
كيف يقتص لبلسمه المقتول؟
كيف يثأر لشرفه المسلوب؟
كيف يجازي من أحال البلسم إلى العلقم؟

آآآه يا بلسم، آآهٍ أنا لا أنتِ، آه من أضاع الأمانة ولم يحافظ عليها، آه يا ابنتي ما الربيع بعدكِ وبعد مصيبتنا فيكِ ؟

شعر بالدنيا تدور من حوله، جثى على ركبته وهو ينظر إلى إنتفاضتها المحمومة، يهمس بحسرة محترقة:
-من، من هو؟

تصرخ أم ساعي بعدم إستيعاب:
-وش اللي من هو، وشهو صاير لا تجننوني، وشهو صااااير؟

يجاريها أبا ساعي في صراخها، إلا أنه كان موجهًا لبلسم لا لزوجته:
-تكلمــي، من هـو اللي سوى فيك كذا؟

انتفضت بلسم وهي تأن وجعًا، تشعر بالالام تتلاحق وتيرتها بدءًا من أقدامها وصولًا لرأسها، تشعر بنزيفٍ قاس تجابهه، ما تقول وما تقول؟

أتقول من هو؟ أم كيف بدأ الأمر كله من تحرشاته اللفظية، أم ما صنع طوال هذه الشهور، أتقول أنها صامتة متوجعة خوفًا عليهم لا عليها، أم تقول أن الألم هذا بأكمله لا تشعر به مقابل ما جعلته يعيشونه

يا ربااااه، دومًا كانت منطلقة للحياة، وتحب الحياة، لكنها في هذه اللحظة تطلب رحمة الموت، لا غير

صرخ فيها والدها من جديد، وبكت والدتها مرة بعد المرة، لتقول من الأسفل:
-مـ مـاعرف من هو، يبه يـ يبه ساعي، تكفى يبه

شد على شعره بقوة، عاجز عن الاقتراب، لا يريد لمسها ولا حتى رؤية وجهها بعد ما اكتشفه، لا يريد إلا اسم، اسم واحد حتى يشفي غلّه قبل أن تنتشر هذه الفضيحة:
-قولي أي شيء تعرفيه، عطيني أي معلومة، تكلمي لا تذبحيني الحين

-"ماعرف والله ماعرف، ماعرف من هو تكفون سامحوني مالي وجه منكم، يبه تكفى اذبحني تكفى، لا تخليني عايشة بهالوجع، يمه سامحيني سامحيني يمه"

كانت تصرخ بها من أسفل الشرشف، تنفسها بدأ يتباطأ، لا تحتمل هذا الوصب القاسي لا تحتمله البتة، لولا خوفها الباقي من الله لأنهت حياتها في ذات اللحظة التي دخل عليها ذاك الذئب البشري وانتهك جسده

تعرفه، وتعرف من هم أهله، تعرف كم مرة حاول الوصول إليها ورفضته بقسوة، تعرف كيف جاهدت أن تنفد بجلدها عنه وأن تحافظ على شرفها، لكنه كان الأقسى، والأقوى، والأنذل

لطمت والدتها حينما استوعبت أخيرًا ما هو حاصل، كيف كيف وهذا الديار لطالما كانت أمانة مطمئنة لم يدخل في نفوس أصحابها سوء وضر لبعضهم البعض

صاحت وهي تلطم صدرها وخذها بإرتياع وبكاء شديد:
-ياويلي بنتي راحت ياويلي، الله يجازيكم الله ينتقم منكم بنتي راحت مني

-"يـاارب"

يهمس بها أبو ساعي بعجزٍ وقلة حيلة، يقف على قدميه بضعف ووهن، هي اللحظة التي بدأ فيها تخاذله وهُزاله، يمسك بذراع زوجته فيسحبها، يغادران الغرفة وتلك تنوح من خلفه غير مصدقة مايحدث

يغلق باب غرفة بلسم قبل مغادرته، ويحتفظ بالمفتاح في بابه، ليس لها ذنب، كما ليس له ذنبٌ هو



/
\



بعد يوميـن

تدخل أم ساعي إلى مكتب زوجها -الذي أصبح اليوم مكتبًا لساعي-، ترتدي جلالًا أسودًا وأسفل عينيها تجمعت الهالات محمولةٌ بالتعب، تنظر إلى صمت زوجها منذ تلك الليلة

تحتقن الدموع في عينيه، تردف برجاءٍ عميق:
-تكفى يابو ساعي خلنا نطلع من هالمكان، خلنا نشيل بنتنا برا، نروح للمدينة عند أخوها

لا يملك ردًا على رجائها الذي تحاول به منذ يومين، يصمت منكسًا رأسه، تستطرد أم ساعي باكية:
-لي يومين أرد الحريم عن الزيارة، بدت الناس تتشره يا أبو ساعي، بيتنا المفتوح 24 ساعة سكرناه في وجههم، اسمع مني خلنا نطلع

لا رد كذلك، يسبح في ملكوت تلك اللحظة وذاك الاعتراف، بعد الليلة المشؤومة وفي اليوم التالي، كان يدخل إلى غرفة بلسم المقفلة وهو يحمل في يديه صينية طعام

يجلس بعيدًا عنها، على كرسي تسريحتها، يقول لها وهي التي ما زالت تنوح وتبكي وشهقاتها لم تخفت:
-مابي منك شيء، كلمة وحدة ريحيني فيها، من هو؟

جاهدت بلسم على أن تحبس أنفاسها، ستقوم القيامة وستتشتت الديّار ويتفرق أهلها إن أفضت ما تعرفه

إلا أنه حاول معها كثيرًا، حتى استجابت أخيرًا لأمره، فهذا الوجع لن يهدأ ما دامت تصر على تستر عليه:
-من .. من الديرة، واحد فيه وحمة بكتفه، ما أعرف اسمه، ماعرفه

قالت ماعندها فاستدار أبو ساعي وغادر الغرفة، ولم ينسْ أن يغلق الباب بالمفتاح بعد أن أوصد النافذة كذلك

أيقضته زوجته من شروده، تستحثه على الرد، لكن قال بشكلٍ بارد واجم:
-اطلعي برا وسكري الباب وراك، خليني بحالي

مسحت أسفل عينها، أصبح الدمع يهطل دون درايةٍ منه، خرجت منه عنده آنذاك ولم تعد إليه إلا على آذان صلاة المغرب، فقد كان ليلًا بنهارًا يجلس في مكتبه

طرقت الباب ودلفت، رأته يضع رأسه على مكتبه، اقتربت منه وهي تناديه بخفة متنهدة:
-الصلاة يا أبو ساعي، قوم أذكر ربك واسأله الصواب

لم يستجب لها، فاقتربت منه أكثر وهي تضع يدها على كتفه، نادته مرة أخرى:
-أبو ساعي، صلاة المغرب بتظهر، قم صلِّ الله يخليك

حركته بيدها وقلبها ينبض بشدة لعدم إستجابته, لا يمكن أن يكون هذا نومًا أو حتى قيلولة:
-يا رجال طيحت قلبي قم صلَّ أقول لك, ماهي بعادتك النوم هالحزة

صرخت حينما مدت يدها تعيدها للخلف فسقط على الأرض بوهن جسده, صرخت وشق الوجع حنجرتها وهي تنادي على اسمين لا تعرف غيرهما سند " بلسم, ساعي"

تركت المكتب وهي تهروع والجزع أخذ منها مأخذ, رباه المصائب لا تأتي إلا فرادى فلما تجمعت عليهم خلال يومين بشكلٍ وحشي وقاسي؟ اتجهت نحو غرفة بلسم تفتح قفل بابها, لتجد أمامها وجه ابنتها المخطوف, به من علائم الوجع والإحمرار الكثير, والكدمات منتشرة عليه كذلك

بالكاد استطاعت بلسم الوقوف نظير قلة الأكل والنوم لمصابها, تحدق بها بعينين متسعتين فنداء والدتها أهلك ما تبقى من طاقتها:
-يمه وش فيييه؟

صاحت تلك وهي تشد جيب قميصها القطني:
-أبوك طاح ألحقي علي, ألحقي لا يروح من يدينا

تغادر بلسم الغرفة, تتجه إلى حيث أشارت والدتها بخطواتِ متعسرة متزلزلة والخوف يتعاظم في صدرها, وجدته يرقد على الأرض بلا حراك بالقرب من الكرسي, لتقول بلسم بإرتياع:
-يمه خلينا ناخذه المستشفى يمه تكفين, البسي عباتك وهاتي مفتاح السيارة, يالله يمه امشي

خلال دقائق قليلة كانتا تركبان السيارة بعد أن وضعتا أبو ساعي بصعوبة في المرتبة الخلفية, حمدلله أن بلسم تعرف القيادة جيدًا, ولكثير من المرات قادت سيارة والدها

انطلقت بأسرع ما استطاعت طاقتها عليه, وسط بكاء والدتها ودعواتها أن يحفظ الله زوجها وأن لا يصيبه مكروه, فلا بد أنه تعرض لنوبة سكر أدت لسقوطه, فهو لم يأكل ولم يشرب شيئًا جيدًا منذ يومين

ولو علمت أم ساعي أن أبواب السماء مفتوحة أنذاك, لدعت كثيرًا وكثيرًا لابنيها ولها ولزوجها, فالله استجاب دعوتها حينما حفظه من شر الحادث

كانت بلسم تقود السيارة بأعين مغبشة وطاقة منخفضة, فلم تنتبه إلى الشاحنة في الشارع الموازي لها, مالت السيارة بلا إرادة منها واصطدمت وجهًا بوجه في الشاحنة

كانت الصرخة الأخيرة من نصيب أم ساعي, صرخة الموت التي رأته بأم أعينها, صرخة النَفَس الأخير وهي تترقب إصطدامهم

راحتا الاثنين ضحية لحادثٍ مؤلم بالكاد استطاع الدفاع المدني انتشالهن منه, وحفظ الله أبو ساعي ليتأثر بجلطته ويبقى طريح أوجاعه وحبيسًا لجسده طوال أربعة أعوام )



"
"



دمعة يتيمة هطلت من أعين أبو ساعي, ينظر إلى ابنه الراقد بسلام على الكرسي أمامه, وآخر دعواه أن يحفظ الله هذا الابن البار من صروف الزمان, وأن يعينه على مواجهة الحياة من بعده وبعد عائلته

سيشهد أمام الله أنه أدى الأمانة وصانها, وأنه برّ فيه وأتقاه وهو طريح فراش, سيقابله يوم القيامة وهو بأتم الرضا والإطمئنان, ولا يقول إلا ما قاله الله تعالى (يا أيتها النفسُ المطمئنة, ارجعي إلى ربك راضية مرضية, فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)

أغمض عينيه سريعًا حينما دخل الممرض الذي اقترب من ساعي وأيقظه, قائلًا:
-يا أخ هذه عناية مركزة ما يصير داخل طالع على كيفك

يستيقط ساعي إثر كلامه, يتنهد فيمسح حدود وجهه, يحدق بوالده ثم يرفع عينيه إلى الساعة, ينحني يقبّل رأسه ليقول بإبتسامة هامسة:
-صباح الخير يا أبو ساعي, الله يعودك لي بصحة وسلامة

يغادر الغرفة بعد أن "طرده" الممرض بصريح العبارة, قادته أقدامه إلى مسجد المستشفى, ليصلي صلاة الضحى الذي تكاسل عنها مؤخرًا, فمن كانت تذكره بها وتنبهه عليها رحت, دخل إلى المسجد ليتوضأ ويدعو الله أن يعيد إليه والده, وأن يعيد له الحياة






*
*
*
*
*







يدخل عمران إلى المنزل بملامح متغضنة, يدلف مباشرةً إلى غرفته, الوقت مبكر جدًا لا بد أن جدته نائمة لذا فضّل عدم الدخول عليها وإقلاق نومها

يفتح باب غرفته والنعاس يداعبه, لم ينم منذ أكثر من 20 ساعة, اعتاد جسده على ذلك لكن أثار إجهاده تظل ترافقه لأكثر من يوم, تفاجأ بحنين تجلس على السرير ويبدو من هيئتها أنها هي الأخرى .. لم تنم

فقال بإندهاش:
-حنين !

تقف حنين, تتجه إلى لتقف مواجهة إليه, تقول بهدوء رغم القلق:
-أخيرًا جيت
تساءل بدهشة وهو يترك مفتاح سيارته وهاتفه على المنضدة بالقرب منه:
-لا تقولين لي إنك ما نمتي طول هالوقت, مجنونة أنتِ وش هالخوف كله؟
-"مانيب خايفة بس ما ارتحت والبيت فاضي من أي رجال"

تقولها حنين بهدوء واثق, فيعقد عمران حاجبيه كأن بحديثه تحمله قلة مسؤوليته, يقول بجدية:
-قلت لك عندي عمل مهم يخص شغلي ما يتأجل, هذاني خلصت وجيت, بس ياريت دامك عارفة طبيعة شغلي إنك تتعودين على هذا الوضع

حبست تنهيدة غائضة كادت تخرج من بين شفتيها, ما قلة التهذيب هذه التي يتحدث بها؟ هي -حتمًا- تراعي طبيعة عمله, لكن خروجٌ كهذا دون حرف يطمئنها لقلة تهذيب حقًا, تقول بهدوء:
-اعذرنا يا أبو محمد, يمكن في أشياء كثير لازم نبدأ نتعود عليها من اليوم ورايح

تنهد بهدوء, يمشط شعره للخلف وهو يحدق بها, ماذا؟ هل "زعلت" الآن؟ أم هو شعورٌ أخر لا يفقهه:
-معليش حنين, شغلي حساس ويتطلب مهمات أخر الليل بعض الأحيان, ولو كنت في شرق الأرض أو مغاربها لازم ألبيه

تأملته, تأملت عينيه بالأصح, رأت بهما التعب وشعورٌ أخر غريب لم تعرف ماهيته, ضاعت ساعاتها السابقة ليس في إنتظاره فحسب, بل في حراسة هذا المنزل من كل دخيل, حتى لو أنه طمأنها بأمان الديار إلا أنها لا تستطيع أن تستأمن المكان فورًا

أومأت رأسها بإيجاب هادي, كانت ترتدي لبيجامة نومٍ حريرية باللون البني الفاتح, تنفرد على طراوة جلدها كزبدة حنونة

يحدق بها عمران, لا يعلم لما شعر أنه يود " مراضاتها " بطريقته الخاصة, حتى وإن أبدت عدم ضيقها إلا أنه يود كسر حاجزٍ ما بـ"رضوة" لطيفة, بعيدة عن إقتراباته الحميمية

يقترب منها بشكلٍ مفاجيء, ينحني بخفة يمسك ذراعها ليضعها خلف رقبته, ينحني أكثر فيضع يده اليمنى خلف ظهرها ويده اليسرى أسفل ركبتيها, ليحملها خارجًا من الغرفة

شهقت, شعرت بالحرارة التي اكتسحت جسدها, باغتها بهذه الحركة فالتفتت تنظر إلى إبتسامته الواسعة التي احتلت وجهه:
-عمران وش تسوي؟

عمران بذات الابتسامة وهو يتجه إلى المطبخ:
-ما أفطرتي صح؟ حتى أنا ما أفطرت وأحس إني جوعان بزيادة, يمكن لو تسكر علينا الباب أكلك واستأثم فيك, تعالي خليني أسوي لك فطور ومابي منك إلا تسولفين علي

خجلت من مكانها, ومن حديثه, ومن مبادرته الرقيقة, تقول بخجلٍ مرتبك:
-عمران الله يهديك نزلني, ما ودي أفطر الحين بنتظر جدتي تصحى وأفطر معاها

يدلف عمران إلى المطبخ, يتركها على المنضدة بالقرب من عين الفرن, بذات الإبتسامة:
-لا لا, بنفطر قبل لا يطبن علينا خالاتي, غير إننا بنطلع لبيتنا الحين
(أشار بسبابته نحو وجهها مهددًا)
-لا تنزلين من مكانك

تراه وهو يفتح أدراج المطبخ واحدًا تلو الأخر, يخرج المقلاة والزيت, ثم يفتح الثلاجة ويستخرج منها البيض والطماطم, يضع كل شيء على المنضدة ثم يلتفت إليها:
-انتظري بشيل ثوبي وأجيك, لا تتحركين هاه

تابعته بأنظارها وهي خجلى من ما يقوم به ومحاولته لأن يلطف الأجواء بينهم ويكسر تحفزها بجانبه, يعود للمطبخ بعد أن أبدل ثوبه بتي شيرت قطني بدا ضيقًا جدًا على منكبيه, وبنطال قطني مخطط بمربعات رمادية, يمسح كفيه ببعضهما ليقول:
-تليد تقول إني أسوي ألذ شكشوكة بحياتها, بخليك تذوقينها الحين وتدمنينها

حنين بنبرة هادئة خجلة, فجلوسها هنا بينما هو يعمل ليس محمودًا في عرف المجتمع الخليجي, بل وعرف والدتها كذلك:
-عنك أبو محمد لا تسوي شيء

يحدق بها عمران مهددًا بنبرة ثقيلة:
-أنا قلت لا تنزلين من مكانك, أبيك تسولفين علي بس وأنا اشتغل ماحب اشتغل بدون صوت

تنظر إليها وإلى عمله الدوؤب, يصب الزيت فوق المقلاة بجانب, وفي الجانب الأخر يكسر البيض ويحركه بشوكة, تقول بهدوء:
-وش تبيني أسولف عنه؟

يخفق عمران البيض بقوة, يصب عليه رشاتٍ من ملح وفلفلٍ أسود, يقول وهو يسترق النظر إليها:
-مثلًا سولفي علي, وشلون جات لك فكرة إنشاء أكاديمية للتدريب؟

أصاب أكثر المواضيع المحببة إليها, وبلا شعور بدأت بسرد الحكاية بأسلوب منمق وبسيط:
-من لما تقاعدت من عملي كمعيدة في الجامعة إللي درست فيها, اكتشفت إني ما أحب الإرتباطات العملية ولا الإلتزامات الخانقة, فقررت أبدأ شركة تدريب موظفين لأني شفت وقتها إفتقار بعض المعيدات إلى أدنى أساليب ومهارات التواصل مع الطالبات

يحرك عمران الطماطم فوق المقلاة حتى بدأ يذبل, يبتسم بخفة لحديثها المتناغم, ينظر إليها لوهلة:
-يعني قولي الإستقلالية هي اللي دفعتك لها, تلقيتي مساعدة؟

إبتسامة صغيرة ارتسمت على ثغرها وهي تتذكر تلك الأيام التي ضايقت فيها هيثم بطلباتها:
-أبو نايف الله يخليه ساعدني بالموارد البشرية, معارفي قلة في هالمجال وحتى علاقاتي الاجتماعية وكانت شروطي شوي صعبة

يرفع حاجب وهو يحدق لها بنظرة ذات مغزى, يهمس بخبثٍ باسم:
-كلك على بعضك صعبة وقفت على شروطك؟

أحمّرت خجلًا وحنقًا من حديثه, أكملت متجاهلة ما قاله قبل قليل لتقول بهدوء واثق:
-أنا كانت عندي معايير من نظرتي العملية, كنت أبي كل شيء مثل ما خططت له من الألف للياء, وأدور الشيء اللي يريحني فكنت أدري ما راح ارتاح إذا ما بنيت أساس صلب من بدايته

-"برافو عليك"
يقولها عمران بإبتسامة معجبة, فتعود خديها للإشتعال من إطرائه اللطيف, يستطرد وهو يصب البيض المخفوق أعلى الطماطم ويغلق عليه بالغطاء الزجاجي:
-كيف شفتي التجربة؟ عندك تطلعات معينة

حنين بهدوء تنظر إلى إقترابه منها:
-ما زلت أتعلم, الأخطاء ورادة في هذا المجال لكن الموظفات اللي وليتهم مهام الأكاديمية بنات ثقة وكفؤ لهالعمل, وهدفي من هذا كله إننا نوصل لشريحة أكبر

يقترب منها عمران, يضع كفيه على حافة المنضدة بالقرب من ساقيها, ينحني بظهره قليلًا وينظر مباشرة إلى عينيها الرائعتين, هامسًا بخفة:
-لو تبين مساعدة مني وأوسع نطاق عملك ترانا حاضرين, أمري ونلبّي لك

نجح كعادته في إشعارها برقة عرضه, فقالت بهدوء مماثل لهمسه:
-ما تقصر أبو محمد

يصمت وهو يتأمل جمالها الرقيق الذي يشعر أنه لا يليق إلا بها, يتأمل إحمرار خديها, بهاء عينيها, عنفوان شعرها الذي يود الغوص فيه والنجاة دون طوق, فراعة جسدها وإشتداده بصورة ملفوفة وسط حريرها البني, يهمس في سطوة التأمل بها بنبرة ثقيلة:
-شوفتك في الصباح تسر الخاطر

رغم احتراق جسدها من -غزله- الذي يرميه عرضًا, إلا أنها شعرت بضيق غير مفهوم, ماذا لو كان يقول ذات الكلام لزوجته السابقة؟ حسنًا, ما أجمل النكد الذي تبحثين عنه يا حنين!

انحنى يسترق قبلة سريعة إلى خدها وهو مبتسم, كيف تحمّر هذه المرأة خجلًا في كل مرة يتحدث بها وإن كان إطراءً عاديًّا, لم يكذب حينما قال أنها دومًا باذخة في بساطتها

تفاجأ الأثنين بالتي دخلت إلى المطبخ قائلة بتهكم صريح:
-ما شاء الله ما شاء الله من متى المطبخ متروك للغراميات, هلا والله بولد أختي وعروسه, عاش من شافك

تنهد عمران سرًا في داخله, يحدق بحنين التي احتقنت عينيها وكادت أن تغوص في ثيابها من شدة الخجل, بشكل أحرقها أكثر, أمسكها عمران من خاصرتها وأنزلها على الأرض حتى أصبحت مختبئة خلفه, تهمس حينها محترقة بخجلها:
-تكفى عِمران ملابسي

يلتفت إلى خالته التي دخلت بصفاقة إلى المطبخ رغم وجودهم, يقول بجدية:
-عاش من شافك أنتِ يا خالتي, هذه اللي قالت بتجي أمس وأخلفت وعدها؟

تقترب منها وهي تسترق النظر إلى -العروسة- من خلفه, ما زالت حاقدة عليه, فرغم قرابتهم الشديدة لم يعزمها إلى عرسه الميمون:
-قلت دامك أنت ومرتك هنا ما يحتاج أجي بس خالاتك قرروا يجون معي وهذانا جينا من الصباح, شفيك مخبي مرتك وراك أبعد خليني أسلم عليها

يوقفها براحة كفه وهو يقول بجدية بالغة:
-معليش خالتي انتظري شوي مرتي بوضع ما يسمح لك تشوفينها فيه كعروس, وسعي الطريق خليها تمر للغرفة وتغير ملابسها ثم تجيك

أمالت فمها بإمتعاض أشد من سابقها, آه من هذا الرجل الذي يسيّر الأمور على ما يهوى, قالت وهي تغادر المطبخ بحنقٍ هامس دون أن تجادل أكثر:
-عشتو, الله والمره إللي مخبيها وراك, البرنسيسة

فور خروجها التفت عمران نحو حنين, يرى في نظراتها إندهاش لا مسبوق, لا بأس ستعتاد على أسلوبه مع خالاته حينما تفقه شخصياتهن الغريبة, يغلق عين النار ثم يقول بجدية:
-لمي شناطنا وألبسي عباتك ثم خلينا نسلم ونطلع, يالله

استجابت لطلبه, ولم تجادل أكثر, فكما هو ممتليء بالأسرار هي كذلك ممتلئة وفائضة منها







*
*
*
*
*







" يمه الله يهديك كلها اسبوع وراجع, والله إني قريب منكم ماني طالع برا البلد"

يقولها إياس بحنية لوالدتها وهو يعقد حقيبته إستعدادًا لمهمة التدريب التي جاءته بشكلٍ مفاجيء, لتقول شيخة بإمتعاض وهي تحتضن حولها شالًا كشميريًا بلونه العودي:
-ويعني ما لقوا غيرك لهالمهمة, وش يعني تدريب في عز الصيف؟

يبتسم إياس, يدخل أغراضه الشخصية داخل حقيبة الظهر الصغيرة, يقول بهدوء:
-يمه يوم من الأيام كنا مكانهم, وكان لا بد من واحد يكون معانا في التدريب, اليوم أختاروني حتى أدرب مجموعة جديدة يصير أقول لهم لا

تنهدت شيخة, تجلس على طرف سريره لتقول بهدوء:
-لا تقول لهم لا يا ولدي ولا تشره على أمك بعد, كبرت وخرفت وبديت أصك عليك بخوفي

يقترب إياس من والدته, ينحني من عليائه ليقبل قمة رأسها بإبتسامة هادئة:
-ما تكبرين يا شيخة الحريم, تجارين البنيّات بشبابهم بسم الله عليك, وطمني قلبك يمه كل يوم راح اتصل فيك إن شاء الله الخطوط مو ممنوعة هناك إلا إذا ما لقينا شبكة

تضرب منتصف صدرها بخفة, تقول بخوف وقلق أمومي:
-يعني وشو بتتدربون وسط صحراء؟ إياس يا ويلك من الله كانك تروعني عليك

يضحك بخفة, ينحني مجددًا ليقبل جبينها هذه المرة:
-يخليك لي يا يمه هدي لي بالك, هذا وهاب كل يوم والثاني متصرقع في الشوارع ويلاحق المطلوبين خافي عليه بعد

تبتسم شيخة وهي تحتضن خد إياس برقة وحنو:
-والله إني أخاف عليكم ثلاثتكم واستودعكم ربي في كل وقت وحين, مير يانظر عيني اهتم بنفسك وصحتك ولا تنسى أكلك وشربك تراني خابرتك

يشير على طرف أنفه فتبتسم شيخة, يطرق باب غرفته الذي كان مفتوحًا بالأساس فيدخل زاهد من خلفه, يحدق بهم ليقول بجدية:
-تعال لمكتبي أبيك بشغله مهمة قبل لا تسري

يستجيب إياس لأمر والده بعد أن استأذن من والدته, ينزل إلى الطابق السفلي متجهًا إلى مكتبه, يدخل ثم يغلق الباب:
-سم يبه

ينظر إليه زاهد من على كرسيه, يخرج كومة من أوراق بعد أن أغلق إتصالًا مرئيًا أجراه مع محاميه, يقول بجدية:
-اجلس

يجلس إياس, يصمت في إنتظار حديثه, يتقدم زاهد فيشبك كفيه ببعضهما البعض:
-قبل شوي مقفل من المحامي حق الشركة, وناقشنا أن وإياه أمر كان يدور في بالي من زمان وجاء وقت تنفيذه
إياس بهدوء وهو يستمع إليه بإنصات:
-عسى خير يبه؟

زاهد وهو يلقي ما بداخله, فقد أرهقه كثرة التفكير ولا يريد إلا أن يفوز بهذه المعركة مهما كلفته الأمور من خسائر فادحة:
-من هنا لين ترجع من مهمتك, راح نبدأ ننقل شركتي باسمك شوي شوي, بيصير لك فيها النصيب الأكبر, ثم لوهاب, ثم لي أنا كمستثمر خارجي .. ومن الحين لا تسألني عن أسبابي

يحدق إياس في والده بدهشة عميقة من هذا الخبر المفاجىء, وبينما هو جاهلًا هنا عن أسبابه, فإن أخيه وهاب على الطرف الآخر كان يتلقاها .. من الطرف الأخر في المعركة






*
*
*
*








في منـزل سنـد

قطراتٍ باردة من الماء سقطت على وجه سليم النائم على الكنبة بإندفاع, قفز على إثرها مرتاعًا ومتوجسًا مما يحصل, حدق بلا إستيعاب في المكان حوله, وإلى ثوبه الذي ابتل من أعلى كتفه إلى نهاية صدره, ثم وجه نظراته نحو سند الذي ينظر إليه بلا مبالاة وفي يدها علبة ماء

يقول بغيظ:
-عمى يعمي عدوك يا كلب, وش فيك أنت؟

ينحني سند, يضع علبة الماء على الطاولة الرخامية ببرودٍ هادي:
-أنت ماعندك بيت تنام فيه, ماعندك زوجة وعيال تغثهم بوجهك؟ وش بلاك كل يوم والثاني ناط لي ببيتي

يمسح سليم وجهه من الماء, دقات قلبه ما زالت تتواثب رغبة في الخروج من صدره:
-الله لا يوفق عدوينك أنت تدري إن ترويع المسلم لا يجوز ما بالك وهو نايم؟ بعدين يا ورع أنا زوجتي على وشك ولادة وقاعدة هي وعيالي ببيت أهلها, والصراحة إني مستاحش البيت بلاهم فما لي غير بيتك, ارتاح فيه شسوي

يجلس سند على الكنبة الطويلة, ينظر إلى شاشة حاسوبه الذي يعمل عليه ليلًا نهارا, يقول بهدوء:
-ياكثر بربرتك, أنا شفتك الصبح تتسحب ورجعت نمت على الكنبة, وين رحت؟

يعاود سليم الجلوس على الكنبة جواره, يعيد رأسه للخلف وهو يغمض عينيه متنفسًا بعمق:
-والله أحس إن روحي طلعت ورجعت لي مرة ثانية, سند لا تعيدها أحرقت ذا البيت على رأسك, ثم أنت وش دراك إني طلعت الصبح ؟ كنت بغرفتك ونايم

يبتسم سند بخيلاء وهو يحدق في شاشة حاسوبه واصبعه تنتقل بإحترافية عليه:
-حبيبي هالبيت مجهز بنظام حماية عالي الجودة, يعني أعرف كم مرة حاولت تدخّل رمز الدخول لباب الحوش وما فتح لك

تأفف سليم وهو يتمدد مجددًا:
-أقول فكنّا
سند بجدية بالغة يحدق به:
-وين رحت الصباح؟ نزلت أبي منك شغلة لقيت غرفة الضيوف فاضية

اتخذ سليم يمينه وهو يستعد لأن يعود إلى النوم مجددًا بعد أن اقلق هذا الفرعوني راحة نومه:
-صحيت أودي أمي وأختي لبيت أهل زوجتك المستقبلية, يبون يسلمون عليها

على حين غرة وقف سند بطوله الفارع ليحدق في وجه سليم بملامحٍ محتقنة, وهو يقول بنبرة سوداء قاسية:
-نعم؟ عيد وش قلت مرة ثانية؟







*
*
*
*








قبـل ذلـك - في منـزل نايـف

تدلف تليد بتوتر إلى غرفة نسيم التي كانت تجلس على الكنبة تحتضن مخدتها بين يديها:
-نسيم شرايك, شكلي زين صح؟

تبعد نسيم الوسادة وتعتدل في جلستها, تنزل أقدامها إلى الأرض وتحدق في جمال أختها الخلاب, مرتدية لجلابية مغربية بسيطة في تصميمها لكنها راقية بلونها البحري, شعرها يرفل بجانب كفيها بلولباتٍ بدت كأمواج البحر, مكياج بسيط عزز من جمالها الرقيق, تبتسم بإرهاق:
-ملح وقبله بسم الله عليك, ليش ما نزلتي للحين؟

عضت تليد شفتيها, منذ أن أخبرتها عمتها هناء أنا والدة زوجها المستقبلي وأخته في زيارةٍ لهما وهي تنبش دولاب ملابسها لتستخرج لبسًا يناسب هذه الزيارة, ولم تجد أفضل من هذه الجلابية:
-أنتظر عمتي هناء تطلع وتسفل فيني, أنا مستحيل أنزل من نفسي لازم لي هواش

تبتسم نسيم بهدوء, وملامح الإرهاق بادية على وجهها بشكلٍ جلي, تقول:
-الله يهديك, أنزلي تلاقينها الحين في نص الدرج تستناك, وخلك على طبيعتك لا تتصنعين شيء عشان خاطر تعجبينهم, ولا تطولين, 10 دقايق بالكثير وأطلعي عشان لا يقولون ما تستحي على وجهها

تدعك كفيها ببعضهما البعض بتوتر شديد:
-والله أنتِ اللي ما تستحين على وجهك, الحين وقته هالكلام تخوفيني فيه .. يمه والله إني أشم ريحة عمتي

بعد كلامها ذاك دخلت هناء قادمة من الأسفل, تنظر إلى تليد وتقول بجدية:
-أنتِ هنا وأنا اللي أدور عليك بغرفتك حسبت إنك انحشتي, أنزلي بسرعة العرب ينتظرونك يا عروس

خرجت تليد بعد "هواش" عمتها حقًا, وهي تودع أختها براحة كفها:
-دعواتك أخرج من المعركة سالمة, لو إني دارية الزواج يجيب ذي الربكة كلها كان قلت بلاها

تمر من جنب عمتها التي سددت لها لكمة خفيفة وابتسامتها تتسع على وجهها, تلتفت إلى نسيم بذات الابتسامة:
-امشي بس الله يصلحك, هاه نسيم منتي بنازلة؟

تهز نسيم رأسها بالنفي, تقف لتتجه إلى سريرها وتندّس أسفله بتعبٍ وإعياء:
-لا عمة فكيني مالي خلق أقابل معازيم جدد
أومات هناء رأسها بخفة, لن تضغط عليها فهي تلاحظ ذبولها الأيام السابقة, نعم فنسيم منذ زواج حنين وهي تبيت في منزلهم بدل أن تعود إلى منزلها وحتى الآن لا تعلم السبب:
-ترا حنين اتصلت فيني وجاية لهنا, وسألتني عنك

قالتها هناء لتغادر الغرفة, فهطلت دمعة يتيمة من عينيها المجهدتين من شدة السهر والتفكير بغسان, غسان الغائب منذ يومين, لا يرد حتى على إتصالاتها, وهي تطلب من الله صبرًا, تطلبه جبرًا وفرجًا قريبًا



*




بالأسفل, في صالة النساء الداخلية

كان اللقاء أكثر من حميمي ودافىء, استقبلت فيه أم سند زوجة ابنها القادمة بحضن ودعوة ودمعة قصيرة انسكبت من مقلتها, دمعة اختزلت الفرحة العارمة التي تشعر بها من أجل ابنها, سندها, وسط مباركتها وتحشرج صوتها

تنظر إلى ابنتها التي تصغر سند بخمسة أعوام, ففهمت الأخيرة من نظراتها لتخرج كيس به اسم لمحل ذهب, تقدمه لتليد التي جلست جانبًا بالقرب منهما متسربله في خجلها وصمتها, تقول بابتسامة:
-خطيبة ولدنا ماهو ذا قدرها, بس هذه هدية بسيطة من أمي

تسلمت تليد الكيس في خجلٍ عميق, لتقول أم هيثم بجدية حانية وهي تراقب ردة فعل ابنتها:
-يا أم سند جيتك تكفي وتوفي, واللي أرسلتوه قبل أكثر من كافي ماقصرتوا

أحمر وجه أخت سند خجلا, فالشبكة السابقة لم تك من اختيار أحد منهم سوى سند, هو من اختارها, هو من جلبها, هو من قدمها باسمه .. لا هم, كما عُرفت به عادات وتقاليد المجتمع

تقول أم سند بنية حسنة:
-هدية وليدي شيء وهديتي لبنيتي شيء ثاني, الله يوفقهم ويسعدهم, يا زين ما اخترت يا سند

أشرت هناء بنظرات عينيها لتليد, أي قفي واخرجي من المجلس, فوقفت تليد كمن جاها الفرج لتخرج بعد وداعٍ قصير وهادي لأم سند وأخته ..

رغم تحفظ أم هيثم على خطبة سند التي جاء فيها بنفسه, إلا أن قدوم والدته بعد أن أحضر المهر والشبكة طمأنها قليلًا, فوالدته امرأة أهلكتها الشيخوخة

يرن هاتفه الأخت في حقيبتها، تخرجه بتروي، تنظر إلى الرقم فتغوص في قلقها، إنه سند، لأول مرة منذ زمن يتصل بها ..

فتحت الخط وقبل أن تلقي سلامها جاءها صوته حادًا مزعجًا لمشاعرها قبل آذانها:
-أنا برا اطلعوا لي الحين

يغلق الهاتف فتبتلع ريقها بصعوبة، نبرته كانت مرعبة، انحنت على والدتها لتخبرها أن أخيها في الخارج، ولم تخبرها أي أخٍ هو

استأذنتا من أم هيثم وهناء، ارتدت الأخت عباءتها فعباءة والدتها ما زالت عليها، تودعان الأخريات على أمل تجدد اللقاء وتغادران المنزل

تركبان في المقاعد الخلفية، وفور ما استوتا جالستين حتى انطلق سند بأقصى سرعته، تحدق أم سند بنصف أعين إلى هيئة السائق وسرعان ما شهقت بدهشة:
-يمه سند، وليدي!

سند الذي كان يغوص في غضبه لم يستمع إلى نبرة صوت والدته التي تذوب لها الأفئدة، كان غارقًا حتى أذنيه وهو يتخيّل أهل زوجته ونظرتهم عن أهله، بل والأنكى من ذلك أن تكون أخته قد زلت بلسانها عن حكايات الماضي بلا قصد

وصل إلى منزله، دلف بسيارته الفارهة وأوقفها أمام باب المدخل مباشرة، ينزل من السيارة بعد أن أطفأ محركها فنزلتا من خلفه والدته وأخته

تحدق أخته في فناء منزله الواسع ببلاهة، تقود والدتها للدخول من بوابة المدخل الباذخة، لأول مرة تدخل منزل سند، لأول مرة تعرف شيئًا من حياته

تهمس بقلق رغم إعجابها بعمران هذا المنزل:
-يمه هذا بيت سند، تعالي أدخلي

تدخلان، ولا تعلمان أيّ شيء مخبأ لهما هناك، استدلتا طريقهما بنفسهما، حتى قادتهما أقدامهما إلا صالة المنزل الرئيسية بألوانها البيضاء وسقفها العالي

حدقت بسند الذي ينظر إليها بنظراتٍ سوداء، وقد نزع شماغه من على رأسه نتيجة شعوره بالغليان

وبسؤال، لم يستجرأ أن يوجهه لوالدتها فصبّ جام غضبه على أخته:
-والحين علميني من سمح لك تروحين بيت الناس بدون علمي؟





*
*
*
*
*






بعد خروج سيارة سند من مواقف منزل نايف توقفت مكانه سيارة عمران القادم من ديار شرق

يلتفت إليها ليقول بجدية بعد أن أوقف السيارة:
-قبل لا تنزلين بسألك

كانت تتهيأ وتجمع حاجياتها بالحقيبة، التفتت إليه تقول بهدوء:
-سم؟

عمران بجدية بالغة توجست من ورائها حنين:
-أختك نسيم ببيتكم ولا ببيتها؟

عقدت حاجبيها مستغربة سؤاله، وما شأنه هو بأختها إن كانت بمنزلها أم بمنزل والدها، لكنها أجابت بهدوء تخفي خلفه استغرابها:
-ببيتنا من يوم العرس

تنهد عمران بشكل اجتذبها، لتستطرد بتساؤل هادي:
-ليش تسأل؟

أشغل محرك السيارة من جديد، يرتدي نظارته الشمسية من جديد ليقول بجدية؛ فالأمر لا يحتمل تخبئته أكثر من هذا:
-زوجها في المستشفى، إصابته بسيط بس طمنيها عن حالته، انزلي الحين بجيك من أخلص شغلي





*
*
*
*








ليـلًا في ديـار شـرق

يعود عدوان أدراجه في طريقه إلى المنزل بعد أن أغلق الفرن وأنهى يومه فيه، ما زال يفكر بحلٍ ومخرج قبل أن تصل مخالب ذاك إلى أصحاب شرق، وربما إلى الريحانة

وعلى ذِكر الريحانة، ابتسامة طفيفة غزت وجهه وهو يتذكر الريحانات المزروعة بين النخلات الثلاث في حوض منزلهم

رائحتها الخلابة التي يشتمّها كل من مر من أمام المنزل، حتى أصبح يكنى بمنزل الريحان بعد أن كان منزل "أبو البنات"

تذكر أول مرة رأى فيها ريحان، كانت لحظة سريعة جدًا لكن لشخص دقيق الملاحظة مثله لم تفته

على سطح منزلهم، تتغنى بقصائد مغناه لا يفقه منها شيء، كان يومها يقف بالقرب من منزل الجدة الثريا يساعد عمران في تحميل بعض الأغراض، وبحدسه الشديد كان يحسّ بوجود أحدٍ ما في سطح منزل هادي

حانت منه التفاتة، التفاتة واحدة كلفتّه رغبات شتى ظلت تتصارع بداخله لسنين عِجاف، لمحة وحيدة أسقطت حصونًا من جليد بناها بإرادته

ها هي اليوم زوجته، شريكة حياته، لم يرْ منها ذاك اليوم سوى عينيها وقمة رأسها، لكنه اليوم مكتفيٌ بذلك، بروحها البيضاء التي ستحيط روحه السوداء

غيّر طريقه المعتاد، بدل أن يمر من خلف منزلهم مر من أمامه هذه المرة
لكن .. وعلى حين غرة منه
اُنتزعت ابتسامته بوحشية من ثغره، وتوقفت أقدامه عن المضي قدمًا وهو يرى واقع تهديد لم يجف بعد

هي ذات الغربان، قاتلها الله من شر مستطير!
اثنين منها أمام منزل هادي، والثالث أمام منزل الجدة الثريا ..

تهديد صريح جدًا، مفاده إما أنت، أو ريحان وعميـد







*
*
*
*
*







إتصال سريع على هاتفه العمل تلقاه وهو في طريق العودة إلى منزل نايف بعد أن دعاه الأخير لتناول وجبة العشاء، استجاب لها عمران برحابة رغم قلة ساعات نومه التي ستصل إلى الـ30 ساعة

تناول هاتفه، فتح الخط وهو يستمع إلى الطرف الأخر:
-في شيء لازم تشوفه، ننتظر في مركز العمليات

تنهد عمران وهو يرد بالإيجاب، فعكس طريقه إلى القيادة بعد هذا الإتصال، لم يتبّق في مخزونه سوى طاقة قليلة، لا يظن أنه سيستطيع مجابهة الكثير بعدها

دقائق قليلة حتى وصل عمران إلى القيادة، ترجل من سيارته وأخذ يمشي في الممرات وصولًا إلى مركز العمليات، وجد هناك الفريق، فقال بجبين متغضن:
-خير يا شباب وش فيه؟ توي كنت عندكم ما أمداني أوصل لبيتي حتى

تنهد مساعد وهو يقترب منه، فاقترب منه باقي الفريق، يقول بهدوء شديد رغم جدية الموقف:
-قدرنا ننتزع اعتراف من الأشخاص اللي مسكناهم أمس بالليل، ولازم نوريك إياه هالشيء ما ينتأجل

يعقد حاجبيه بشكلٍ أكبر، فاتجه حكيم إلى شريط الفيديو ليظهر على شاشة الكمبيوتر التي يعمل عليها كثيرًا، عرف الشخص الذي ظهر في التسجيل، إنه المجرم بحد ذاته الذي ألقى القبض عليه

يعترف بملء فمه إعترافًا مؤلمًا له:
-قلت لكم ما أعرف واحد اسمه غسان, اللي وريتوني صورته اسمه خفر وخفر هو سبب اللي احنا فيه

كلام المحقق من خلف الشاشة اتضح لمسامع عمران, فقال بجدية:
-وش مصلحتكم من اختطاف غسان أو خفر أو أيًّا كان اسمه؟
المجرم بصراحة, فهو خاسرٌ في كلتا الحالتين:
-بسببه انحبسنا شهور في نفس المكان, لا نبصر شمس ولا قمر, كان يوجه لنا أوامر ومجبورين ننفذها لأن له نفوذ في المنظمة, وهو السبب اللي نص جماعتنا انمسكت

المحقق بجدية بالغة, يحدق في أوراق أمامه:
-يعني يا مجرم تقر بإعترافاتك بدون أي ضغط منا؟ تعترف بمحاولة قتلكم ثلاث مرات للرائد عمران بن فاضل, مرة قدام القيادة, مرة في ألمانيا, ومرة في الاستراحة أثناء المداهمة؟

المجرم وهو ينظر إلى الأصفاد بيديه:
-نعم أقر

انقطع التسجيل عند هذا الحد, ونظرات عمران المشتعلة بنارها ما زالت تحدق في الشاشة السوداء, بركان, إنه كالبركان الذي يوشك على الإنفجار, ويا ويلتاه من هذا الإنفجار ومخلفاته







*
*
*
*
*







يترجل ساعي من سيارة الأجرة أمام المستشفى بعد أن دفع لسائقها ما بجيبه عائدًا من المقبرة, فهو بشكلٍ شبه يومي يزور والدته وأخته, يدلف إلى الداخل متجهًا بشكلٍ تلقائي إلى غرفة العناية المركزة التي يقبع بها والده

يحرك بين يديه كيس أبيض به علبة حليب اشتراها أثناء عودته من المقبرة, يتذكر قبل أشهر ذات الموقف حينما اشترى مثلها من إحدى محال ديار الشرق وقد كان حانقًا على غلاء الأسعار

لم يشعر اليوم بقيمة ما دفع, بل في طريقه أخرج صدقة كبيرة لإحدى البيوت الفقيرة, يشعر أن لا قيمة للأموال أمام صحة الأحباب, فلتذهب وليسرف بها في أعمال الخير ما دامت ستحافظ على نظافة صحيفته وتداوى مريضه

يرفع أنظاره إلى الغرفة, يعقد حاجبيه بإستغراب وهو يرى الطبيب وأربعة من الممرضين يخرجون من ذات الغرفة المعنية التي كان يقصدها, يقترب منها الطبيب واثنين من الممرضين بملامح واجمة محتقنة, يقابله الأول, يربّت على كتفه مواسيًا بأسف:
-تونا بنتصل فيك يا أخوي, زين جيت

يتغضن جبينه بشكلٍ أكبر, يحدق في أوجه الثلاثة أمامه بلا إستيعاب, يقول بصوتٍ أجش:
-خير؟

يأخذ الطبيب نفسًا عميقًا, فستبقى -دومًا- هذه اللحظة من أصعب لحظات عملهم, يقول بنبرة حاول تلطيفه ما استطاع:
-الوالد عطاك عمره, عظم الله أجرك وكان الله بعونك









كم مر يومٌ, في قِفاك
قلتُ صبرا ..
لعلي آنست لأوجاعكِ
ضمادة جرحَا ..
ليتني أنثر بذر عمري
على أطراف جسدك
ثم أصبح زيتونًا
ونخلا ..
ليتني يا رفيق ذكراي
أحمل عنك الداء
وأغدو لك الدواءَ ..
أيُّ عمر أرجو بعدكَ
وإني بالوجعٍ
أبدد فوقك الترابا ..
أهذا أخر عهدي بكَ
يا لوحةً
لم تنل شرف الكمالَ
دمتْ, ودامت روحكَ
غاديةً
درب الجنان ..
وإني على فراقكَ
يا مقلة عيني
لمحزونا ..


انتهـى❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-23, 12:34 AM   #278

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبوش المحمد مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ..
ياصباح النور والنوير يا اهلا يا اهلا ..
يا صباح الابداع والجمال ماشاء الله تبارك الرحمن عليك مبدعة جد حرفيا فصل ورا فصل جالسه انبهر اكثر وانشد اكثر
بالقصة و الشخصيات و السرد والحبكة الحبكة يا ناس كل شي لا يعلى عليه تبارك الرحمن مبدعة ..

قد قريت لك رواية رائعة قبل ماكنت اعرف انها لك 😭😭 .. لما عرفت حقيقي تفاجئت لانه مرا في اختلاف و تطور ماشاء الله عليك ملحوظ يارب تظلي دايم كذا من تقدم لتقدم و من نجاح لنجاح 🥹❤❤

بالتوفيق حبيبي ❤….

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا صباح المحبة والمسرة، أهلًا يا هلا
أسفرت وأنورت بوجودك حبيبتي هبة، طـوبى وعائلتها سعيدة فيكِ ❤❤❤

الله يسعد قلبك ويخليّه، ممنونة لكلامك وإنتباهك لتغيير والتطور في كتاباتي
أحب الناس اللي قرأت سابقاتي وعززت للإبداع اللي تشوفه بطوبى
شكرًا لك ياحلوك، وآميييين يارب ☹❤❤



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبوش المحمد مشاهدة المشاركة
دحين بنات مو عارفه اركز ايش هي المواعيد لنزول الفصل لاني مو جالسه اشوف التنزيل كله بيوم واحد ممكن احد يفهمني ؟ كنت احسب كل خميس بس شفت انه في فصول نزلت غير الخميس كيف كذا يعني في مواعيد تانية


سابقًا كان موعدنا كل خميس، صار كل جمعة
لكن أحيانًا بسبب بعض المشاكل التقنية أضطره أنزله صباح السبت ✨


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-01-23, 02:18 PM   #279

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خطوات ورده مشاهدة المشاركة
شنو اسم روايتها الاولى
أهلًا ✨

-ماعلموك إني ابن هالصحراء وإني شرقي الهوية والهوى
-تحت غافة العزم واجهتنا الجراح

الأخيرة موجودة في منتدى روايتي✨


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-23, 11:44 PM   #280

Riham**
 
الصورة الرمزية Riham**

? العضوٌ??? » 306482
?  التسِجيلٌ » Oct 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,177
?  نُقآطِيْ » Riham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond reputeRiham** has a reputation beyond repute
افتراضي

انا كنت هشتم الجميع النهاردة بس حدادا ع ابو ساعي هسكت 💔

Riham** غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:27 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.