آخر 10 مشاركات
593-الزوج المنسي- اليزبيث أوغست -قلوب دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          ذنوب مُقيدة بالنسيان *مكتملة* (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          الزوج المنسي (10) للكاتبة: Helen Bianchin *كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          الشيـطان حــولك .. *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : smile rania - )           »          24 - خياط السيدات - اليزابيث آشتون - روايات ديانا** (الكاتـب : angel08 - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-07-22, 09:59 PM   #11

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي


مساء الجمال والسعادة ♥️

ملاك ويونس

المشهد الثالث

بخطوات خفيفة صعدت ملاك السلم تحمل الصينية بلهفة لأن ترى بعينيه لمحة سعادة حين يجد في الصينية طعاما يحبه، أصبحت نظراته على رأس اهتماماتها فهي لغة الوصل الوحيدة بينهما، لا كلام ولا إشارة ولا شيء طبيعي سوى نظرات مبهمة وأحيانا طائعة وأحيانا مراقبة وأحيانا أخرى غير سوية، لكنها في النهاية جميعها تمس القلب، اقتربت من الباب المغلق ولكن هذه المرة بدون قفل ووضعت الصينية أمامه ثم طرقته برقة بنغمة حافظت عليها لأيام تتمنى أن يستطيع يونس تمييزها فيعلم من الطارق قبل أن يفتحه، ابتعدت عن الباب تنتظره بصبر وحين لم يفتح أعادت طرق الباب بنفس الطريقة ولكن بصوت أعلى وهذه المرة لم تبتعد عن الباب بل ظلت واقفة أمامه تنظر له بتدقيق تحاول التقاط أي حركة لتمر دقيقة كاملة عليها كساعة قبل أن يطرق يونس الباب من الداخل بنفس الطريقة وغصبا عنها ورغم كل الوجع الذي بصدرها ابتسمت وقالت وهي تطرق الباب "يونس هذه أنا، افتح الباب" انفتح الباب عدة سنتيمترات لتطل عيناه تناظرانها بخوف انقلب لتشوش فقالت "انظر لقد أحضرت لك طعاما شهيا، أعلم أنك جائع، خذه" نظر لها بعدم إدراك فمالت تحمل الصينية وتقول "أقصد هذا الطعام، أعلم أنك تحبه، أريدك أن تهتم بنفسك وبتغذيتك لكي يزول هزلك نهائيا وسامحني لم أجد عصيرا في الأسفل فلدينا ظروف خاصة حدثت ولم يكن بإمكاني إعداد بعضه لك" كانت ينظر لها بخوف وحرص وكأنه لا يدرك ماذا تقول فأشارت على فمها قائلة "أريدك أن تأكل، هل تفهمني؟" اختفى في الداخل فجأة فقالت ملاك "يونس ليس هناك وقت، خذ الطعام" حين لم يرد فتحت ملاك الباب ولأول مرة عبرت لسجنه لتتفاجأ به مرتبا بطريقة احترافية فوضعت الطعام على المنضدة الصغيرة وجسدها ينتفض من جرأة ما أقدمت عليه وحين رفعت رأسها بهتت وتصلبت من الجدار الجانبي للغرفة والذي عُلِّق عليه صور أشخاص ومقالات مقصوصة من الجرائد وملاحظات ورقية، كان الحائط كخريطة مليئة بالألغاز مرسومة بشكل متقن فقالت بانشداه "يونس ما هذا؟" كانت هناك صورة جانبية بها شاب في أواخر العشرينات يحمل توءمين بين ذراعيه بتفاخر وامرأة جميلة متعلقة بعنقه من الخلف تبتسم بسعادة وبجوارها مقال به صورة حريق هائل تحت عنوان "تسريب بسيط في الغاز أنهى حياة أسرة بأكملها" عادت بعينها للصورة تتأمل الشاب ذو العينين الضبابيتين اللامعتين والوسامة الملفتة وقالت بصدمة "يونس أهذا أنت؟" لم يأتها سوى صوت سارة الغاضب قائلة "ملاك ماذا تفعلين عندك؟" انتفضت تلتفت لسارة قائلة "كنت أحضر الطعام ليونس" ردت عليها الأخرى بتقريع "أولا، الشاب ليس هنا منذ عدنا من الدفن وطاهر قد أخذه وذهب للمشفى، ثانيا لا يحق لك في حضوره أو غيابه تجاوز هذا الباب والدخول، هل فقدت عقلك؟" تلعثمت ملاك تنظر حولها وتقول "إنه هنا" صاحت بها سارة بغضب "لولا علمي أن الغرفة فارغة لكسرت عنقك، هل فقدت عقلك لتدخلي غرفة رجل غريب؟ لو علمت أمك ستقتلك وآه وألف آه لو علم سلطان ستكون مشكلة كبيرة بينه وبين طاهر، تحركي أمامي" توسعت أعين ملاك وقالت بارتجاف "كيف؟ الغرفة فارغة! إنه هنا فهو من فتح لي الباب" دخلت سارة واثقة أن الغرفة فارغة فلقد رأت طاهر يأخذ الشاب ويرحل وسما حالا أخبرتها أنهما لم يعودا بعد وقالت بعصبية وهي تنظر في أرجاء الغرفة وطرقت باب الحمام ثم فتحته "ملاك لقد تعدينا على خصوصية الرجل بما يكفي وما يجعلني صامتة على جنونك حتى الآن أنني لم أرَ منه ما يجعلني آخذ ضده موقفا بل على العكس هو لا يقترب منك ولا يضايق أحدا منا بتاتا، أما أنت فتحتاجين لأن تستفيقي من دور الدجاجة الأم هذا لأنه قد بدأ يتحول لشيء آخر" لم تكن ملاك تسمع سارة بل كانت تدور بعينيها في أنحاء الغرفة بحثا عنه حينها لم تجد سارة بدا من جذبها من يدها خارج الغرفة ثم جذبت الباب لتغلقه وهمت بتعنيفها ليأتي صوت صرخة قوية من الأسفل جعلتهما تركضان نحو شقة تولين.......


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-22, 09:59 PM   #12

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير والهنا ♥️♥️♥️

ملاك ويونس

المشهد الرابع

خرجت ملاك من شقتها لتتفاجأ بباب شقة حور مفتوح فتحركت نحوه لتقف قليلا أمام السلم وعيناها تشردان للأعلى تفكر في حال يونس الذي يداوم على الصراخ طوال الليل منذ أيام، لقد أصبحت تخشى الصعود إليه فصوته المعذب الصارخ طوال الليل كأنه يحترق في جحيم أزلي ينفض جسدها بعنف ويقبض قلبها ويعذب روحها التي تهفو إلى رؤيته.. حقا تحتاج أن تراه …. حاجتها لرؤيته تقض مضجعها وتجعلها تشاركه ليله الطويل وكلما صرخ آهة سمّى عليه قلبها من كل آه ووجع …. تنهدت بحزن ووضعت يدها فوق قلبها الذي يأمرها أن تصعد إليه لتحاول أن تثنيه عن إصراره، انتفضت فجأة على صوت سارة التي تقول "ملاك، لماذا تقفين هكذا؟" التفتت لها ملاك وقالت بتوتر "رأيت الباب مفتوحا فكنت قادمة لأرى مَن في الداخل" تخصرت سارة وقالت "مَن في الداخل أم مَن في الأعلى؟ أقسم بالله أن عقلك قد تعطّل ...ملاك هل تحبين يونس؟ صراحةً حاولت أن أتفادى السؤال كثيرا لكن أفعالك لا تطمئن" سارعت ملاك تضع كفها على شفتي سارة وتقول "ماذا تقولين أيتها المجنونة؟ ستسمعك أمي وحينها لن تهدأ إلا ونحن عائدتان لمنزلنا، يونس حالة خاصة وهذا يجعل قلبي يشفق عليه لا أكثر، لا تعطي الأمر أكبر من حجمه وتدعي عقلك يتصور أشياء ليست موجودة" ابتعدت سارة للخلف خطوة وقالت بامتعاض "حقا! أكل ما تفعلينه شفقة؟ إذا ً لعل عينيّ تخدعانني لكن ليكن بعلمك أنّه لو كان بداخلك شيء آخر غير الشفقة فعليك التخلص منه فيونس إنسان غير سوي، إنه مجذوب يا ملاك وأي شعور نحوه لا يجب أن يتعدى حدود الرحمة والرفق" قاطع حديثهما خروج فرحة وهي تحمل حقيبة صغيرة بها أشياء تخص الأدهم وحورية وقالت "سارة، حورية هاتفتني، إنها تدخل الحارة، من فضلك خذي هذه الحقيبة لها وأنا سأحضر الأدهم من سما" أخذت سارة الحقيبة وأعطتها لملاك وهي تقول "ملاك ستأخذها فأنا أريد أوراق مهمة للمكتب سأجلبها وأتبعكما فورا، فنحن سنتأخر على العميل إذا لم نتحرك الآن" ابتسمت فرحة وتحركت نحو السلم تقول بخبث "حسنا لا تتأخري، لعله عميل وسيم وابن حلال ويحب الغمازات" رفعت سارة يديها بيأس وقالت "الوسامة في كل مكان وتصل إلى أمام مكتبنا لتفر هاربة، اطمئني فنحن منحوسات لذا خذي هذه المنحوسة معك فمن شدة اليأس أصبحت تصعد إلى السطح كثيرا" لم تفهم فرحة تلميح سارة لكنها بمحبة حضنت يد ملاك لتنزلا السلم وتقول بخفوت "الجميع يعلم أن كرم سيموت عليها، سارة طيبة وابنة حلال هي وأخوها وأتمنى أن نفرح بها قريبا، كل يوم يأتي عريس وترفضه أو يرفضه سلطان بدون نقاش، سيد يتعجب لأمره أغلب الأحيان ولا يتدخل ولكن والله هذا الوضع لا يجب أن يستمر، إلى متى سترفض الزواج؟" صمتت ملاك للحظة ثم قالت "موضوع كرم وسارة معقد يا فرحة، لا تحاولي أن تتدخلي فيه، أعلم أن نيتك طيبة لكن هذا الأمر يجرح سارة بشدة" ظهرت علامات الأسى على وجه فرحة لتلمحا طاهر يخرج من شقته يحمل الأدهم بيد ويده الأخرى تمسك بها هنا الحزينة لأن ابن خالتها الصغير سيرحل وخلفهما سما فقالت فرحة "لقد جمعت كل أشياء حورية" ردت سما "هذا جيد، إنها في الأسفل" اقتربت فرحة لتأخذ بيد سما وتقول "لماذا لم تصعد قليلا هي وزوجها؟ هل يصح أن يأتيا ويرحلا من أمام الباب" ردت عليها سما " أمامهما طريق سفر طويل وعليهما التحرك الآن فلديهما فرح وتجهيزات" أشرق وجه فرحة وقالت "ما شاء الله، جعل الله لنا في الفرح نصيبا قريبا جدا" جاءهما صوت سارة النزق "أما زلتما تقفان هنا؟ تحركي يا آنسة ملاك لقد تأخرنا" تحرك الأربعة نحو مدخل المنزل ليتفاجأْن بصوت نزار الذي اخترق مسامع كرم فأشعل جنونه "آنسة سارة …. آنسة ملاك ….أنتما هنا؟"


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-22, 10:00 PM   #13

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير والجمال ♥️♥️♥️

ملاك ويونس

المشهد الخامس

دخلت تولين الشقة لتجد كنزي تتربع على الأريكة الكبيرة وبيدها طبق من المحشو تدفع بقطعة في فمها وقد ارتدت إحدى مناماتها تجاورها سارة التي تحمل طبلة على قدمها وتقول " سأبهركن بمواهبي " قالت تولين باستفسار " ونحن على استعداد لننبهر لكن ما المناسبة " أجابتها ملاك التي دخلت من باب الشقة ترتدي عباءة بسيطة تدل على أنها كانت بالشارع " اليوم حفلة حناء ابنة أم شعبان الصغرى وجميعنا سنذهب ، لقد أرسلت حلة محشو الكرنب هذه لأنها تحتجز والدتي لديها من الصباح لتساعدها بالتجهيزات " خرجت فرحة من المطبخ تحمل صينية عليها طبق كبير به محشو الكرنب وبجواره طبق كبير به قطع من الفراخ البانيه تقول" حور لماذا تبدو الحقيبة فارغة ، ماذا جلبت من السوق " ضحكت سما وسألتها " منذ متى لم تذهبي للسوق يا حور " تحركت تولين تساعد سما لتجلس على الأريكة رغم أنها تعرف إنها تحفظ المكان جيدا وجلست هي على يد الأريكة تحتضنها وتقول " منذ ....زمن يا أم هنا " مالت سما برأسها نحو تولين فيما وضعت فرحة الصينية على منضدة تتوسط الأرائك وقالت " لقمة هنية ....امددن أيديكن " عبست ملاك وقالت " لما لم تقولي أنك ستجهزين شيئا بجوار المحشو ....كنت أخذت لعم صلاح منه " التفتت إليها الأنظار لتسألها سارة بحدة " هل كنت في البيت الآخر " أحمر وجه ملاك وقالت " فكرت أن آخذ بعض المحشو لعم صلاح.. . أين المشكلة " قالت سما " المشكلة أن الكل لاحظ ترددك على المنزل يا ملاك ولا تنسي أن يونس أحيانا يجلبه طاهر ليقضي يوم أو يومين به ،وقد يتصادف وجودك هنا بوجوده وهذا لا يصح " غامت أعين ملاك التي أصبح شغلها الشاغل البحث عنه والصعود للغرفة التي فوق السطح لتقف أمام الحائط بالساعات تحاول فك الطلاسم المكتوبة على الحائط أو البحث خلف الصور ولكن ....لا شيء ، قالت تولين وقد أدركت أن عليها أن تتحدث مع ملاك بأسرع وقت ولكن ليس الآن " ملاك تعرف هذا ، من الجيد أنها مرت بالعم صلاح فإن لم تفعل كنت سأذهب أنا له فقد اشتقت إليه " بدأت فرحة تأكل وهي تقول " العقبى لكن يا صف العوانس ، ولا واحدة منكن تفرح قلبي بعريس ، انظرن لبنات أم شعبان وتعلمن " ابتعدت تولين عن سما التي بدأت تأكل وهي تقول " لا تحاولي يا فرحة فروح العزوبية تحوم حولهن من يومهن فلا قصة حب ولا عريس مجنون" ضربتها سارة بخفة وقالت " ليس الكل لديهن طاهر ...ليعيشن قصة بنت الجيران " ضحكت سما بخجل فيما قالت كنزي بطريقة مسرحية تقلد فنانة شهيرة وهي ترفع ذراعيها عاليا " اوعدنا يا رب "


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-22, 10:01 PM   #14

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء النور 😍😍😍😍

ملاك ويونس

المشهد السادس

أوقفت تولين سيارتها في مدخل الحارة ومشاعرها المضطربة تتفاقم بداخلها فتجعل كل ما بها يتمرد عليها ويحلق في فضاء تلك ال (نعم) التي قالتها أخيرا وأفرجت عنها بعد طول صمت ومعاناة، كان هناك بصدرها لهفة غريبة وترقب للقادم، كانت سعيدة سعادة اشتاقت إليها فللسعادة معه مذاق لا يوصف، لم تنتبه تولين لسيارة مؤيد الواقفة أمام باب المنزل وهي تصعد الدرجات كالهائمة على بساط الحب لتتفاجأ بأصوات عالية جعلتها تسرع لتجد باب شقة طاهر مفتوحا وصوت مؤيد القاطع يصلها قائلا "طاهر أنت تعلم كم أحترمك لذلك تدخلت ومنعتهم من التواصل المباشر معك حرصا عليك فدعنا ننهي الأمر بسلاسة لأنهم قادمون في الطريق" دخلت تولين فوجدت ملاك تقف بجوار الباب تبكي بحرقة وخفوت وتقف بجوارها سارة تنظر لما يحدث بقلق فيما نظرت لها كنزي بغيظ وهي تقول "أهذه قادمة حالا خاصتك؟ لمَ لمْ تتأخري لساعة أخرى؟" تجاهلت تولين تقريع كنزي وسألتها "ماذا يحدث؟" ليعلو صوت طاهر الغاضب "مؤيد، إنهم بلا قلب، كيف تريدني أن أعيد لهم الشاب مجددا؟ لقد ألقوه في المنزل القديم المهجور كالمشرد رغم أنهم يستطيعون وضعه في أفضل مصحة نفسية و لم يسألوا عنه ولم يهتموا لحاله، فما الذي ذكرهم به الآن؟ لقد بدأت حالته تتحسن ووضعه يستقر وأنا لا أريده أن ينتكس، أرجوك يا مؤيد أخبرهم أنني لن أستطيع تركه لهم" اقتربت سما من كنزي تسألها بخوف "هل هدد أهله بتقديم بلاغ اختطاف ضد طاهر حقا؟" ردت عليها كنزي بغضب "نعم وهذا ما جعل مؤيد يقف بوجههم ويتولى الأمر، فهو لا يريد لطاهر أن يتورط بمشاكل تضر بسمعته كطبيب، ففي النهاية يونس مريض نفسي وحالته تجعله كالفاقد للأهلية تماما" تغضنت ملامح تولين وهي تسأل بحيرة "متى حدث ذلك؟" أجابتها كنزي وهي ترمقها بغضب "مذ هاتفتُك أول مرة ومؤيد يحاول إقناع طاهر لكن كما ترين طاهر متمسك بالشاب والمشكلة أن أهله يهددون بتصعيد الأمور" قالت سارة بغضب "لا تقولي أهله فهؤلاء الظَلمة ليسوا أهلا لأحد أبدا" قالت فرحة بحرقة "وما ذنب المسكين قليل الحيلة هذا ليعود لجحيمهم؟" صدح صوت مؤيد الغاضب "ألقوه أم لم يلقوه، هم أهله يا طاهر وهم أحرار به، ماذا ستجني لو حرروا ضدك محضرا وشهروا بك وضيعوا مستقبلك؟ أعطهم الشاب فهو مسؤول منهم وليس منك، فقد فعلت كل ما تستطيع فعله ولم يعد بيدك شيء لتفعله" قال طاهر بغضب "بل بيدي أن أحميه من هؤلاء المتحجري القلوب وأبقيه بجواري حتى يتماثل للشفاء، فبرغم تعقيد حالته لدي أمل كبير بالله أنه سيكون بأفضل حال قريبا" قال مؤيد وقد بدا أنه مل الحديث "هذا الكلام جميل جدا لكن للأسف الشديد ليس بيدك شيء يا طاهر، فهذه العائلة تحولت إلى حيتان تبتلع كل من يعترض طريقها وثروتهم التي تضخمت في وقت قصير جعلت الأقاويل عنهم لا تنتهي، فقد يكون الأمر أخطر مما تتصور وفي النهاية انظر حولك لكل من يحتاجك ولكل بيوت الحارة التي تعتمد عليك فلا تظن أني غافل عن شيء تفعله، فهل ستضحي بكل هذا لأجل شخص واحد؟ أين منطقك يا طاهر؟ سلّم الفتى لأهله وأنهِ هذا الموضوع فأنا لا آمن جانبهم ولا أحبذ التعامل معهم" سأله طاهر بيأس "أليس هناك سبيل لنقنعهم بتركه؟ فهم تخلوا عنه مرة ومن السهل إقناعهم بفعلها مجددا، مؤيد أنا أو أنت قد نكون في نفس الموقف ومن الصعب أن تجد نفسك إنسانا ضعيفا لا يملك لنفسه حولا ولا قوة ولا يستطيع حتى أن يقول لا" قال مؤيد بتجهم رافضا إصرار طاهر "لقد حاولت معهم لدرجة أني تعاملت مع الموضوع كصفقة تتطلب التفاوض لكن لم أجد نتيجة، بل إن إصرارهم العجيب أنبأني أنهم سيأخذون هذا الفتى بالسلم أو بالدم لذلك اخترتُ الأسلم للجميع" شعرت تولين بالغضب فاقتربت من طاهر وهي تنظر لمؤيد وتقول "من الظلم أن نتخلى عن هذا الشاب وخاصة بعد ما قلته عن عائلته فمن الممكن أن يكونوا السبب فيما حدث له" نظر لها مؤيد بتحذير وقال "حور، لا تتدخلي أبدا بهذا الأمر" قالت بلهفة "إذا كنت تخشى منهم نستطيع أن …." قاطعها مؤيد يقول بغضب "أنا لا أخشى شيئا يا صغيرة ولكنني أرى الأمور بوضوح وأهتم لأمركم، وأدرك أن وجود هذا الشاب بيننا سيكون بداية مشاكل لن تنتهي، مشاكل لا قبل لكم بها" تراجعت تولين تقول بتوتر "آسفة يا مؤيد، لم أقصد لكن العائلة أحيانا تكون مؤذية… ليس معنى أنهم أهله أنهم سيحافظون عليه" رمقها مؤيد بنظرة غاضبة ذات مغزى وقال "حور، اتركي هذا الحديث لشخص آخر يعاني حقا من عائلته" التفتت تولين إلى كنزي التي كانت تنظر لهم بحزن شديد وتحركت بلهفة تقترب منها وتضمها وهي تقول بخفوت "يبدو أنني أملك لسانا طويلا جدا" زمت كنزي شفتيها وقالت "لا أطيقك اليوم" مالت تولين لتقبل وجنتها بلطف وهمست "آسفة" قاطع همسهما دخول عمر يقول لمؤيد "لقد وصلوا" نظر مؤيد لطاهر وقال له "هيا بنا" خرج مؤيد خلف عمر وحين هم طاهر بالخروج سمع صوت ملاك المنهارة تقول "أريد أن أراه قبل أن يرحل ... أرجوك يا طاهر" نظر لها طاهر للحظة قبل أن يهز رأسه ويخرج فأسرعت ملاك خلفه وتبعتها سارة التي تقول "أمك ستقتلك يا ملاك، توقفي يا مجنونة"....

كان هناك أربع سيارات تتزاحم داخل الحارة تلفتْن نظر القاصي والداني لينزل من إحداهن ثلاثة رجال ويقتربوا من مؤيد الذي كان يقف بثقة وبجواره عمر، فيقول أحدهم "في موعدنا تماما يا مؤيد، أين يونس" نظر مؤيد للواقف أمامه بازدراء وقال "الدكتور طاهر سيحضره وكما قلت الفتى يحتاج لعناية طبية واهتمام كبير ومن المخجل أن تكونوا عائلة بهذا الحجم وتلقوا بلحمكم في الشارع" تكلم الثاني بغضب قائلا "لا تحاول أن تتطاول يا بن الجوهري وأحضر الفتى" رد مؤيد ببرود "لا تحاول أنت أن تتحامق وتطلق قاذورات لسانك وإلا ستخرج من هنا نائما على وجهك لا واقفا على قدميك فالحراسة التي معك لن تحميك" تكلم ثالثهم وقال "نحن لا نريد مشاكل، فلنأخذ الفتى ونرحل" همس عمر لأخيه بخفوت "لقد أتى طاهر" التفت مؤيد ينظر إلى طاهر الذي يقترب وبجواره شاب عكس ما توقع، فقد ظن يونس شابا صغيرا وليس رجلا في نهاية العشرينات، لقد كان يرتدي ملابس أنيقة فاخرة توقع أنها كانت لعادل فدوما ما كانت حور تنتقي له ألوانا ملفتة، يبتسم بوقار وهو يمسك كف طاهر كأنه طفل صغير ويتهامس معه.
التفت يونس لينظر ناحية باب المنزل فرأى ملاك واقفةً فلوح لها بابتسامة عريضة تلاشت حين وقعت عيناه الضبابيتان على تلك الوجوه، فتوقفت قدماه وبدأ بالنظر حوله بحركة هستيرية فرأى نيرانا تحرق كل شيء، نيرانا مفزعة تلتهم الحياة من حوله وتقترب منه، بدأ ينكمش ويصرخ فتوقف جميع المارة يشاهدون المشهد بتأثر، كان يونس يصرخ قائلا "لا ….لا ... أنقذني...لا" وطاهر يمنع دموعه بصعوبة ويقول له "سامحني يا يونس ...سامحني" سحب طاهر يونس بهدوء حتي توقف أمامهم فعبس أحد الواقفين وهدر بيونس "توقف عن الصراخ كالمجانين" ثم أشار لرجال الحراسة وقال "خذوه" اقترب منه ثلاثة من أفراد الحراسة ليأخذوه فازداد صراخ يونس ليقف طاهر أمامه و يقول لهم "ابتعدوا، أنتم تفزعونه" دارت عينا يونس بين الوجوه التي كانت كوحوش تحيطه فيحاول النجاة فلا يجد غير وجهها الشاحب الباكي، فجذب نفسه بعنف من قبضة طاهر وركض نحوها بقوة ثم تحرك ليقف خلفها ويمسك بها كدرع حماية فازداد نشيج ملاك، يصرخ أحد الواقفين "ألن ننتهي من هذا العرض؟ مؤيد، دع الطبيب يفسح لنا الطريق لنأخذ ابننا ونرحل" سحب مؤيد كف طاهر الذي كان يقف بوجه رجال الحراسة فصرخ الرجل بهم "خذوه" صرخ به مؤيد "ألا تراه يقف وسط النساء؟ دع رجالك يلتزمون أماكنهم" رفع الثاني سلاحه بوجه مؤيد ليقول "هل تظن أنك ستأمرنا؟" انتفض عمر بغضب ليبدأ صراخ النساء في الحارة ويظهر سلطان وخلفه هلال وعيسى وكرم وكل واحد منهم يحمل سلاحا أبيض وبعض رجال الحارة خلفهم، فتوتر الجو كأن هناك معركة حامية ستبدأ، وقف رضا يحمل سبحته بهدوء ليقول "أخفض سلاحك من فضلك فالسلاح ليس له أمان" التفت سلطان لطاهر وقال بحمية وغضب "أخرج هذا الشاب من وسط الفتيات ودعهن يصعدن للمنزل فوقوفهن هكذا لا يصح" تحرك طاهر في نفس الوقت الذي فُتح به باب إحدى السيارات ونزل منها شاب تحرك يشق الجموع ثم وقف بالمنتصف ليقول "يكفي يا عمي" هدر به أحدهم " ألم آمرك ألا تتحرك؟" فردّ الشاب بقوة "أنا من سيأتي بيونس" نظر مؤيد للشاب مهلهل الثياب المكونة من قميص رث وبنطال من الجينز القديم وسأله بحدة "من أنت؟" نظر الشاب ليونس الذي يتمسك بملاك باستماتة بينما طاهر يحاول إبعاده عنها وقال "لا يهم، سنأخذه ونرحل" تحرك الشاب تجاه يونس فيما توعد سلطان سارة بعينيه وهمس لها من بين أسنانه "خذيهن وإلى الأعلى" أسرعت سارة تدفع فرحة التي تسحب سما إلى الداخل، فيما تحركت كنزي بضع خطوات للخلف حتى وقفت على باب المدخل فتقف تولين الباكية خلفها.
حاول طاهر أن يزيح أصابع يونس المطبقة على ذراع ملاك المنهارة وهو يقول "اهدأ يا يونس، اهدأ واترك ملاك فأنت تؤذيها" كانت حالة يونس تزداد سوءا فاقترب الشاب منه ليناديه "يونس" سكن يونس للحظة والتفت له لتشب بكيانه نار أخرى جعلت صراخه يزداد فصرخ طاهر "يحتاج مهدئا"
فيما كان سلطان يزداد غضبا لوقوف ملاك بهذا الشكل فصرخ بطاهر "تصرف معه أو سأتصرف أنا" لكن الشاب أخرج من جيبه إبرة وقال لطاهر "أمسكه جيدا" تحفز طاهر وسأله "ما هذا؟" ليجيبه الشاب بهدوء ينافي كل ما يدور حوله "إنه مهدئ يا طبيب، اطمئن" نظرة واحدة لعينيه جعلت طاهر يتيقن من صدقه فأحكم تكبيل يونس وحين هم الشاب بحقنه قالت ملاك من بين شهقاتها "أنت لن تؤذيه، أليس كذلك؟ إنه لا يستحق" نظر الشاب لوجه ملاك للحظة قبل أن يحقن يونس بالمهدئ وخلال لحظات بدأت قبضة يونس التي حفرت بذراعها ترتخي فشعرت ملاك به ينحني للأمام كأنه سيسقط وبشيء يُوضع خلسةً بكفها، دفعها طاهر للخلف وهو يقول "ادخلي يا ملاك" تراجعت ملاك وعيناها معلقتان بيونس الذي استند على الشاب الآخر الذي سحبه إلي إحدى السيارات فاستندت على الباب تنظر للجمع حولها ينفض لتنتفض على كف والدتها الذي كان كالسوط اللاذع يضرب وجنتها، فأغلقت كفها على ما فيه وهي تغمض عينيها وتتقبل نتيجة تهورها…..

❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

مساء الخير والهنا ♥️♥️

ملاك ويونس

المشهد الأخير

أخذت ملاك الحقيبة من عمر الذي قال لها "أسرعي قبل أن تتحرك السيارات وأنا سأبحث عن صاحب تلك السيارة، فأي غباء جعله يغلق الطريق بهذا الشكل؟" نظرت ملاك للسيارة الضخمة التي تقف بطريقة جانبية ولا تدع لعمر فرصة في تحريك سيارته وقالت بهدوئها المعتاد "أخشى أن يتأخر، هل ستبقى هنا بمفردك؟" قال لها عمر وهو ينظر لهاتفه "سأحاول أن أجده، أسرعي فقط بالحقيبة" تحركت ملاك تجر الحقيبة وتنظر إلى الممر الضخم المؤدي إلى صديقاتها لتسمع صوتا غريبا ذا بحة يقول "ملاك" توقفت قدماها باستغراب والتفتت فوجدت أمامها شابا يرتدي قميصا قطنيا أسود وبنطالا من الجينز الممزق وشعره الأسود الطويل مبعثر فانقبض قلبها وهمت بالتحرك، فأسرع يقول بصوت مرعب "أنا هنا من أجل يونس إن كان يهمك الأمر" توقفت أقدامها وصفعة والدتها التي مازال ألمها عالقا بذاكرتها تدفعها للتحرك والهرب لكنها بخوف شديد التفتت له وسألته "ما به يونس؟ أهو بخير؟" قال الشاب وهو يضع يده بجيب بنطاله "إنه يحتاجك، فهل ستستطيعين مساعدته؟" توسعت أعين ملاك بهلع فقال الواقف أمامها بجمود "سأترك لك فرصةً ليومين لتفكري هل تريدين مساعدته أم لا، وبعدها سأهاتفك لأسمع ردك وإن لم تكوني مهتمة وقد اتخذت قرارك لا تفتحي الخط أبدا ولا تجيبي مهما حدث" أولاها الشاب ظهره وابتعد فتجمدت أطرافها للحظة قبل أن تسرع لنهاية الممر وتقترب من الفتيات ترتجف ولكن الكل كان مشغولا بوداع تولين فلم ينتبه لها أحد.
خلال لحظات انطلق موكب ضخم خلف العروسين ليدور بشوارع العاصمة الخالية بهذا الوقت من الصباح وهذا ما حفز الشباب أكثر ليستمتعوا بوقتهم، فتشرد أعين تولين إلى خارج النافذة تنظر للسيارات التي تحلق من حولها وتتذكر يوما آخر مر عليه أكثر من خمس سنوات فبدت الحياة لها كمشاهد مكررة وحكايات مُعادة فما يصنع الاختلاف هو النهايات، فالاختلاف هو ذلك الوقت الفاصل في الحياة ما بين لحظة تفكيرنا في النقطة ولحظة وضعنا فعليا لها لنبدأ سطرا جديدا.
بعد لحظات كانت عيناها تستسلمان لغفوة إرهاق غافلة عن ذلك الذي يفكر فيها وقد حالت بينها وبينه بلاد وبحور وقد اضطرته الحياة أن يضع نقطة سوداء في حكايته ليبدأ سطرا جديدا ملغّما لا يدري إن كانت نهايته حياة أم موت ……..


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-22, 10:08 PM   #15

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الورد والجمال ♥️

المشهد الأول

رائف وأرض السيد

تنهدت بحزن ووجوه كثيرا تمر بخاطرها ….ولكن بين كل وجه ووجه يأتي هو ليحتل كيانها بقوة كم تمقتها ….وكم تحتاج إليها ، ظلت تدور بالغرفة كأنها فقدت وجهتها وسقطت في فجوة مظلمة حيث لا معنى للوقت ولا الانتظار ، تيبست أقدامها من الوقوف فجلست على السرير بتعب ليأتيها صوت من خارج الغرفة فتفز واقفة تقترب من الباب وتضع أذنها عليه ترهف السمع ليصلها صوت حركة واضحة فتطرق على الباب بلهفة وهي تقول " رائف أهذا أنت ، افتح الباب ...رائف أرجوك افتح " لم يأتها رد فقربت أذنها من الباب ثانية تسمع الحركة الواضحة بالخارج وعادت تطرق بلهفة " رائف لماذا لا ترد ؟ افتح الباب " ظلت تطرق الباب حتى سمعت المفتاح يدور فابتعدت تفسح المجال للباب أن ينفتح لتتفاجأ بفتاة ناعمة بشعر بندقي قصير تقسمه لضفيرتين صغيرتين على جانبي رأسها تنظر لها باهتمام وهي تحمل بضعة أكياس فسألتها تولين بفزع " من أنت وأين رائف " دخلت الفتاة الغرفة تقول لها بهمس " اخفضي صوتك لقد تعبت حتى أقنعتهم أن آتي إليك بالطعام ، كان سيرسل إليك أحد رجاله وقد سمعتهم بالصدفة والحقيقة أني خفت عليك ففي النهاية كلنا نساء وقعنا تحت يد من لا يرحم" التفتت تولين للباب بفزع وهي تقول " هل تقصدين أن رائف لم يأتِ ؟ لا أصدقك فهو لن يرميني هنا أنت كاذبه ، رائف " صرخت تولين فوضعت الفتاة كفها على فمها تغلقه وهي تقول برجاء " يا أنت لا أعرف عن أي رائف تتحدثين ، يبدو أنك لا تدركين في أي قبضة وقعت ، أرجوك أنا هنا لأجلك فأنا فتاة مثلك وخشيت عليك من رجال السيد فتطوعت لآتي إليك" نظرت لها تولين برعب وسألتها " أي سيد ، أخبريني أين أنا ، ساعديني لأرحل من هنا " نظرت لها الفتاة بفزع وقالت " اخفضي صوتك هناك عملاق يجلس بالخارج ينتظرني ، وإذا سمع ما تقولين سيسوء الوضع ، أنا حقا لا أدرك ماذا تفعل فتاة مثلك بقبضتهم ولا أعرف ما سيكون مصيرك وأدرك أني لن أستطيع مساعدتك أكثر من ذلك ، ورغم ذلك جئت وكلي أمل أن أهون عليك ، هل تعرضتِ لأذى ...هل تشعرين بألم ...هل ينقصك شيء أنا طالبة في كلية الطب يمكنني مساعدتك " نظرت تولين للفتاة التي لم تكن بعينيها سوى مراهقة طفولية بخوف و أمسكت بها تقول " ابقي معي ….لا تتركيني بمفردي و أخبريني من هو السيد ولماذا تركني له رائف ….هل سيؤذيني " هزت الفتاة رأسها برفض وقالت " مجددا رائف ...يا فتاه أنا لا أستطيع أن أبقى أكثر من ذلك ، هذا طعامك لا تقلقي ليس به ما يضرك فإن أسينات من طهته، سآتي لك بالطعام غدا بنفس الوقت إذا كنت تريدين شيئا اطلبيه قد لا تتكرر هذه الفرصة ، علمت أنك ستبقين هنا من أربع لخمسة أيام " تعلقت بها تولين مجددا وهي تقول " ماذا تقولين أنت ...ماذا يحدث ، وماذا سيحدث لي بعد أن تمر هذه الأيام ….هل أرسلك رائف لتخيفيني فأوافق على السفر معه ؟" وضعت الفتاة الأكياس على المنضدة الصغيرة المجاورة لهما وقالت بغضب " لا أعلم ما مصيرك وأتمنى أن يكون أفضل من مصير الكثيرات ، وصدقيني أنا لا أعرف رائف هذا ، حاولي أن تأكلي وتنامي لعلك تحتاجين قوتك وتركيزك في وقت ما " همت تولين بالكلام لتتراجع بفزع حين طل خيال ضخم من الباب ينظر لها بتفحص وهو يقول بنوع من السماجة " يكفي ثرثرة السيد قال نترك لها الطعام وننسحب لا أن نتعرف ويفلت لساننا بحديث لا داعي له " نظرت له الفتاة بغضب وقالت " وهل رأيتني أفعل غير ذلك ها أنا وضعت الطعام لها ، دعنا نرحل " رد عليها ذلك الضخم قائلا " تحركي هيا فالتعليمات بخصوصها مشددة يبدو أنها مهمة جدا ….ومع هذا الجمال لا أستغرب " وضعت تولين يدها على قلبها بفزع فأمسكت الفتاة كفها الحر وضغطت عليه بدعم تهمس لها " سآتي لك غدا " وتحركت نحو الباب تقول بازدراء للرجل أمامها " هل ستظل واقفا هكذا ، لاحظ أن لدي لسان أيضا وقد أبوح بوقفتك هذه لمن يهمه الأمر " انتفض الرجل وقد ظهر الفزع على ملامحه يقول وهو يسحب الباب ليغلقه " توقفي عن ادعاء الذكاء، فكونك في حماية السيد لن يدوم للأبد " لم تسمع تولين رد الفتاة وأقدامها تتراجع للخلف بارتجاف حتى سقطت جالسة فوق السرير وصدرها يرتفع ويهبط بعنف وأنفاسها الهادرة تشتد وهي تهز رأسها برفض شاعرة أنها كانت غبية جدا حين ظنت أن الأمر هين ويمكن تداركه فيبدو أن الأمر أكبر مما تدرك وهذا أفزعها للغاية

❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
مساء الخير والهنا ♥️♥️

المشهد الثاني

رائف وأرض السيد

ترجل رائف من سيارته في ذلك المكان الذي بدا هدوؤه الخارجي لا يعكس الجحيم الذي يدور خلف جدرانه ، كان الأمر أشبه بمستعمرة صغيرة يحكمها السيد ورجال السيد الذين يتراشقون في كل مكان وكلٌّ يحمل سلاحه معلنين سلطتهم على تلك الأرض ….أرض السيد ، عبر وسط أنظار الجميع التي تتبعته بدون أن يعترض أحد دربه فهي ليست مرته الأولى بالقدوم ووجهه أصبح مألوفا للعيون التي يستشعر منها الإجرام والعنف ، وقف رائف أمام أحد الأبواب وحاول فتحه لكنه لم يفتح فتوحشت عيناه ليهتز أمام عينيه مفتاح علق بين أصابع قوية وصوت غامض يقول له " نتيجة التحاليل على الأريكة وأمانتك بالغرفة ، أمامك عشر دقائق قبل أن نتحرك ، أسرع فنحن ينتظرنا الكثير وأنت من هذه اللحظة رجلي ورهن إشارتي " خطف رائف المفتاح بقوة وفتح الباب ودخل مغلقا إياه بعنف رج الجدران وأنبأ تلك الحبيسة أن هناك من يقترب ، من لهفته لم يلتفت للظرف الملقى على الأريكة بل سارع تجاه الغرفة يفتحها وهو يقول بصوت ملتاع " تولين" وقفت تولين تندفع نحوه ففاجأها وهو يتلقفها بين ذراعيه بعنف وهو يردد " أنت بخير ...أنت بخير ….الحمد لله ...سامحيني حبيبتي لتركك هنا لم يكن بيدي صدقيني " دفعته تولين بعنف وقالت له " أريد أن أخرج من هنا حالا رائف ، وصدقني لن أنسى لك تلك الأيام ما حييت ، ماذا فعلت لك لتفعل بي كل هذا وتلقيني هنا لأعيش من الرعب والفزع ما عشته " كانت تتحدث بقوة وهي تتحرك وتسحب كفه قائلة " أخرجني من هنا هيا ، لن نتحدث هنا ولن أبقى هنا لدقيقة أخرى " أطبق كفه على كفها وقال لها " سأخرجك لكن عيدني أن تسمعيني وتفهمين كل ما حدث ، وتسامحيني " قال كلمته الأخيرة برجاء لم تبالي به تولين وهي تقول مدعية القوة تحاول التماسك بدلا من أن تسقط باكية بين قدميه " سأسمعك رائف ، دوما سمعتك وكان يمكنني أن أسمعك بدون أن يحدث لي كل هذا ، أخرجني من هنا أنا لم أعد أحتمل " أنهت كلامها بصراخ جعله يسحبها خارج الغرفة وكفها النائمة بكفه تضرب صواعق الشغف بقلبه وبينما بينه وبين باب الحرية خطوات وقعت عيناه على المظروف القابع فوق الأريكة لتتجمد قدماه وينفض كفها كمن لدغته حية ، نظرت له تولين باستغراب فوجدته واقفا ينظر للظرف الذي أمامهما برعب شديد لدرجة شحبت لها ملامحه حتي ظنت أنه ربما بهذا المظروف قنبلة ستنهي حياتهما في التو ، فسألته بفزع "رائف لماذا تقف هكذا هيا بنا " وبدلا من أن يتحرك معها رائف نحو الباب تحرك نحو المظروف والتقطه بأيد ترتعش بقوة فقالت بخوف " رائف لا تخيفني أرجوك ...ماذا يحدث " أخرج رائف ورقة من الظرف ونظر لها لتتوسع عيناه بصدمة ثم انفجر يبكي بقوة جعلتها تنكمش على نفسها وهي ترتجف ……


بالخارج وقف بشر مصدوما من المكان الذي دخله رائف، مذهولا من الرجال والسلاح وطريقة محاوطة المكان بسور عازل يتساءل بروع " أيها اللعين ما هذا المكان " حاول أن يتحرك لكن خلو المكان قيد حركته فأي حركة منه ستكون مكشوفة ، في تلك اللحظة لعن غباءه أنه لا يحمل هاتفا ليطلب المساعدة فهو لم يكن يظن أن الأمر مخيف لهذه الدرجة ، لآخر لحظة كان كل ما يدور بعقله أنه سيكون عليه مواجهة رائف وحده وليس جيشا بأكمله لكن لن يهتم ، فليحدث ما يحدث فإن كانت حياته ثمن حريتها من هو ليتأخر ....هو لن يخذلها مجددا ...لن يحدث ، هم بشر بالتحرك ليشعر بشيء مسدد لظهره وصوت غليظ يقول له " ارفع يديك للأعلى بهدوء وإلا ستدفن مكانك " نفذ بشر طلبه بهدوء وهو متيقن أنه ألقى نفسه للهلاك فإما النجاة وإما .....الموت


كان رائف يبكي بانهيار وكل صروح أحلامه تزول في الهواء، كان ينتفض وألف سكينه صدئة تعبر في جسده تطالبه بأن يبرأ من عشق ممنوع ...من أحلام آثمة لم يكن يدرك إثمها.... من حياة أرادها كما يريد أنفاسه ليحيا، وأمامه تقف تولين بفزع خائفة من منظره المنهار ...خائفة أن يكون انهياره لسبب قد يدمر أملها بالخروج من هذا السجن ورغم ذلك اقتربت منه تسأله بارتجاف " رائف ماذا يوجد بهذه الأوراق؟ " لم يرد فهزته بعنف وهي تشعر أنها تنهار " أجبني لا تصمت، هل سنظل هنا ...هل سنموت بهذا المكان؟ " التفت لها بلهفة وأمسك وجهها بين كفيه يتأملها كأنه أول مرة يراها وقال " لا ....لابد أن تخرجي من هنا ، لا يمكن أن تبقي ...وجودك هنا كان خطئي من البداية سامحيني تولين ....سامحيني لأجل كل شيء ....أرجوك لا تحملي بقلبك لي ذرة كره واحدة ، لا تذكريني حتى في خيالك يوما بسوء ، وتذكري أني أحبك ....ولأني أحبك ....فقط لأجل هذا الحب سأحارب كل ذرة جنون داخلي تأمرني أن ألقي هذه الأوراق عرض الحائط و آخذك لعالمي ، سأحارب كل جوارحي لأفلتك لترحلي، فعسى ألا يرحل قلبي معك ويبقى لي شيء من نفسي ، سامحيني بكل ما أوتيت من قوة فأنا لأجلك فعلت الكثير حتى أشياء أخجل الآن من أن أخبرك بها ، لن أعدك أني أستطيع زعزعة هذا العشق من داخلي ....لن أعدك أني سأنسى أو حتى سأستطيع لكن لم يعد ينفع صغيرتي لم يعد ينفع " بكت وهلعها قد بلغ ذروته وهي تسأله برعب " لماذا تقول هذا الكلام ...رائف ماذا ستفعل ...هل سيصيبك أذى؟ أين نحن .... أرجوك أخبرني أي شيء أفهمه .... كلامك مخيف ومؤلم، ماذا سيحدث لنا؟" مرر إبهاميه على وجهها يمسح دموعها التي طفرت لها دموعه وقال " لا تقلقي سأخرجك من هنا .... لكن لنقول إنه الوداع " لكمة مؤلمة أصابت نبضها فهزت رأسها برفض تسأله " لماذا الوداع ...لماذا الوداع؟" ابتسم ابتسامة تقسم أنها ما رأتها منه في حياتها ، إنها ابتسامه بنكهة المرار جعلت نظراتها ترق وتقول له " ليس هناك وداع رائف ...فقط دعنا نرحل وحين نكون بأمان سنتحدث كثيرا ...لكن لن يكون هناك وداع " قال لها بحزن رغم ابتسامته المقتولة على شفتيه " لم يعد هناك ما يقال حبيبتي ...بمجرد أن تخرجي اذهبي لعصام المسؤول عن المطاعم لديه شيء يخصك ، ورحيل الجميلة لن أوصيك عليها " هزت رأسها برفض ولسانها عاجز عن النطق بشيء ....سرحت عيناه بعينيها فمال يقبل جبهتها باحتياج وصراعه الداخلي محتد ما بين مطالب ومعارض وهو في حضرة الفراق تائه وسيترك للأقدار القيادة لتقوده كيفما شاءت ، جلبة بالخارج جعلته يستفيق من حالة هذيانه وقد بدا انتزاع شفتيه من جبهتها كانتزاع الروح من الجسد بل أقسى وأشد لكنه لأجلها تحرك يمسك كفها ويعدو للخارج لتنطلق من شفتيها صرخة فزع كطلقة طائشة تتوجه لقلبه الغارق بلا أمل فيبدو أنه يوم الموت إذا ....
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
مساء النور 😍 والهنا ♥️♥️♥️

المشهد الثالث

رائف وأرض السيد

توقفت تولين صارخة من بشاعة ما يدور أمامها، فعشرات الرجال كانوا يتقاذفون رجلا غارقا في دمائه بينهم بمرح كأنهم يتسلون بإزهاق روحه لتلتفت لها كل الأعين فهذه المنطقة محرمة على النساء ، تاركين ذلك الغارق بدمائه على الأرض وقد أتتهم إشارة من ذلك الذي قفز من مكانه العالي يشق الجموع حتى وقف أمام رائف يقول له " تأخرت هيا بنا" حاد وجه الرجل الذي يرتدي نظارة شمسية تخفي أغلب ملامحه إلى وجه تولين التي كانت تبكي بحرقة وهي تضع يدها على صدرها وتتمعن في ذلك الذي طمست الدماء والأتربة ملامحه فجذبها رائف خلفه يقول بصوت صارم " أنا من سيسافر معك " ارتفع جانب شفتي ذلك الذي يقف كسلطان في أرضه وسأل " وهي؟ " أجابه رائف " سنعيدها من حيث أتت " رد عليه قائلا " لم يكن هذا واردا …. دعها تعود بمفردها أو اتركها هنا لا مانع عندي " أمسكت تولين في ظهر رائف بفزع تقول " لا " ليقول رائف " سأعيدها هذا أمر غير قابل للنقاش " جاءه رده الساخر " لم تعد حرَّ نفسك أنت الآن رجل السيد " لم يشعر رائف بتلك التي تحركت نحو الرجل الملقى أرضا وقلبها يسحبها سحبا لتجثو أمامه على ركبتيها تمسح الدماء عن وجهه بأصابع مرتجفة لتشهق بعنف جذب أنظار رائف لها قبل أن تصرخ " بشر ….. بشر …. لا لا …. بشر هل تسمعني؟ " فتح بشر عينيه وكان ذلك يستلزم منه مجهودا جبارا لكن حين وجد وجهه بين كفيها همس لها " هذا أنت؟ " التفتت تولين تصرخ برائف وهي تبكي " ماذا فعلوا به …. كانوا سيقتلونه …. هل مات …. لا ...لا بشر …. لا ...أرجوك …. أرجوك " كانت تحشر جسدها الضئيل تحت جسده تحاول رفعه باستماته، جثا رائف على ركبتيه خلفها يتأكد أنه بشر ليلتفت للواقف خلفه ويصرخ به " ماذا فعلتم به؟ " رفع الرجل كفيه ببرود وقال " هو من جاء لقضائه ، وجدوه الرجال يحوم بالخارج ،مؤكد كان يتبعك " كان بشر يصارع آلامه محاولا أن يستفيق فشعر بيد قوية تجذبه ليقف وصوتها الذي رد إليه روحه يناديه بحرقه فتماسك يقف على قدميه ويفتح عينيه ليجد قبضتي رائف تمسكانه فقال له بصوت غاضب لا يقوى على إخراجه وقد شعر بها تندفع إلى كتفه وتلتصق به لتدعم وقفته فحاول أن يتماسك لكي لا يلقي بثقله عليها " أنا سأقتلك " اقترب منهما ذلك الذي مل المشهد وقال " روحه ليست ملكك لتزهقها ...في الحقيقة جميعكم على أرضي ولذلك احذروا ما تتفوه به أفواهكم " قال له رائف " سأعيدهما حالا ...ولن يتعرض لهما أحد بأذى " رد عليه الآخر ببرود " ليس لك كلمة لتأمر ...أنت لن تخرج من هنا إلا معي فنحن أمامنا سفر وفي الحقيقة تأخرنا كثيرا ، لذلك أمامك خياران إما أن تعطيهما مفتاح السيارة ليرحلا بمفردهما وإما أن يبقيا هنا حتى نعود مع العلم أننا قد نتأخر ربما لشهر أو لعام " كانت تولين تحيط خصر بشر فيما تدلت ذراعه فوق كتفيها تتأمل ملامحه بحزن ….كانت تضم نفسها له تريد أن تتأكد أن نبضه موجود فهو لم يكن به جزء إلا والدماء تنزف منه ، نظر بشر لها وقد شقت دمعته قلبها ليسألها بصوت مكتوم " أأنت بخير؟ " رفعت كفها المرتعشة تمسح دمعته فاختلطت دمعته بدمائه في كفها الصغير وقالت " أأنتَ بخير؟ " وقف رائف يتأمل المشهد وكل ما حوله يجبره على اتخاذ القرار، أغمض عينيه وهو يدرك أنه ربما الحل أن يُمنع عنها قسرا وإلا ما كان يعلم إلى أين سيقوده ما بداخله نحوها ...أصبح لا يعرف لما بداخله وصفا فكلمة عشق تبدو آثمة …. اقترب رائف منهما أكثر وقال لبشر " هل ستستطيع أن تحميها؟" رد عليه بشر من بين أسنانه وقد بلغ الألم منه مرحلة تخطت احتماله " بروحي …. ودمي " استل رائف مفتاح السيارة وجذب كف بشر ووضع بها المفتاح وقال " ارحل بها من هنا إذاً " أطبق بشر كفه على المفتاح فسألته تولين بارتجاف وقد تأكدت الآن أنه الوداع " هل حقا سترحل؟ " ضيق رائف عينيه يحكم دموعه أمام رجال يبدو أن غدي واحد منهم وعليه أن يمثل ويدعي الصلابة والجمود وصرخ ببشر دون أن يرد عليها " ارحل من هنا " نظر له بشر نظرة بألف سؤال لكنه لم يكن يملك إجابة فجذب بشر تولين يحثها على التحرك ، لتهدي رائف نظرة حزينة قبل أن تمد يدها تمسك كفه الملوث بدم بشر ….كانت تبتعد وهي تمسك يده وهو يرفعها لها دون أن يتحرك، يعلم أنها ترفض تركه في هذا المكان ولا تتمسك به إلا خوفا عليه لكنها تضم نفسها لبشر لألف سبب ...خطوة تلو الأخرى كانت تجعل تمسكها به مستحيلا وهو انتظر بصبر أن تسقط يده ….وحين سقطت شاهدها تعبر تلك البوابة التي بدت له كأنها بوابة حياته التي خرجت منها للأبد …….
جرت تولين بشر جرا نحو السيارة التي تقف أمام المدخل ...يكاد ظهرها أن ينكسر من الحمل الملقى عليه، كل ما تفكر به هو الفرار من هذا الجحيم، أن تسافر وتترك خلفها ذكرى جميلة من حياتها رغم كل ما حدث، لم يكن بشر بقادر على التحدث، لم يكن بقادر على أي شيء سوى تأملها وهي تجره وتستميت لتدفع خطواته كأنها تعطيه أسبابا للاستمرار لا تنتهي، وصلت به للسيارة بعد عناء وأسندت جسده للسيارة ثم سألته "أين المفتاح؟ " كانت تحدثه ولا تنظر له ، فتح كفه فأخذت المفتاح وفتحت السيارة تقول له " أنا سأقود وأنت ستجلس في الخلف " لم يجادل فهو متعب والدماء التي تنزف من جسده زادت وهنه ، فتحت الباب الخلفي وساعدته ليدخل السيارة فلم يحتمل ليصرخ من الألم، فقالت بتوتر وهي ترفع يديها بفزع " آسفة ….آسفة " أغمض عينيه وقال لها " أنا بخير فلنرحل من هنا " أغلقت الباب ثم جلست خلف عجلة القيادة والتفتت تلقي نظرة على رائف الذي كان ينظر لها نظرة أعلمتها أن للوداع نظرة، لم يكن بإمكانها فعل شيء سوى الانطلاق حتى أنها لم تسأل عن الوجهة الصحيحة ، ظلت السيارة تنهب الطريق لفترة قبل أن تتوقف فجأة وتنفجر بالبكاء
،❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
مساء الخير والهنا ♥️♥️♥️♥️

المشهد الرابع

رائف وأرض السيد

مطلقا عينيه إلى مداها….. مضيقا بين حاجبيه كأنه يبحث عن طريقه وسط الأمواج المتلاطمة ، والعقل يدور به في فجوات زمنية مميتة ..زفر بحرقة وهو يشعر أن بصدره نيران لن تطفئها أمواج ذلك البحر الواسع وحين هب الهواء القوي يلفحه فرد ذراعيه يتمنى لو أن الظروف كانت به أرحم ، كان يستشعر الشهيق والزفير حين يمران في قلبه المثقل، قلبه المكلوم المهموم …..فتحرقه بنيران صديقة فكل ما يطوله منها صديق عزيز ولا يملك إلا أن يتقبله برحابة صدر ، أطلق آهة قوية بعمق رحلته التي أنهاها وأنهته... تاركا فوق ركامها خمسة عشر عاما من عمره ونبضه وخسائر لا تعد ، سافر في ذكرياته يبحر ليأتيه ذلك الصوت الرخيم المستفز " اقتنعت الآن أن السفر عن طريق البحر متعة لا تضاهى " لم يرد رائف لكنه جمع ذراعيه وقد تصلب جسده ليقول الآخر بمكر " لو أنك تترك وجهك العابس هذا وتستجيب للأجواء من حولك لأصبحت رحلتك أفضل بكثير " نطق كلمته الأخير بشكل ممطوط وعيناه تعربد بفتنة فوق جسد السائحة التي مرت بجوارهما ولكن رائف لم يهتم وهو يسأله " إلى أين نحن ذاهبان " استدار الواقف بجانبه حتى أصبح كتفه بكتف رائف ينظر للموج مثله وقال " لمهمتك الأولى يا بطل ، والتي حين تتم ستكون فعليا أصبحت رجلا من رجال السيد لك في أرض السيد مكان" قال له رائف بصوت غامض لا يكشف عن أفكاره " لشهر طويل ننتقل من مكان لآخر نقوم بأعمال بسيطة قد يقوم بها طفل في السابعة والآن أنطلق معك نحو المجهول ….ألا تظن أني أستحق أن أفهم أكثر في أي جحيم تورطت ….من هو السيد وما هي أرضه … ولماذا اختارني لأكون أحد رجاله بينما كان بإمكانه أن يطلب مقابل خدماته لي مالا لا خدماتي كأنه متيقن أني سأرضخ وآتي إليه بأقدامي " صمت المجاور له للحظات قبل أن يقول " لا إجابة لأسئلتك لدي ...ولا تحاول أن تبحث عن إجابات ...تقبل الأمر الواقع وتعامل مع كل من حولك أنهم أسرتك ومع الوقت ستدرك القوانين وتلتزم بها فلقد تعلمنا منذ زمن بعيد أن السيد لا يكشف عن نفسه أبدا حتى لرجاله الذين بمثابة أبنائه ...وأرض السيد هي كأسطورة توارثناها عن مملكة في قلب جبل لا يصل إليها إلا من يختاره السيد وبما أننا لا نعلم من السيد فلن نعلم أبدا من اختاره هل فهمت شيئا" تجهم وجه رائف وهو يسأل " هل تعني أن من وضعني تحت الضغط والتهديد شخص مجهول الهوية " ضحك الواقف بجواره بقوة وهو يقول " قد ترى الأمر شيئا غريبا لكنه بالنسبة إلينا أمر عادي جدا ، والغريب أن هناك بعض الرجال معروفي النسب لدينا يؤكدون أن آباءهم كانوا من رجال السيد ، وهناك من يقول إن السيد رجل تخطى المئة عام ...وهناك من يقول إن السيادة تنتقل من رجل لآخر ولكن في سرية تامة حتى يظل السيد مجهول الهوية يسير بيننا على قدميه ولا نعرفه ، قد يكون أي شخص لذلك تعلم الحرص وكن كالثعلب مكار لا يأمن لبشر " نظر له رائف بعيون ثاقبة وقال " إذا قد تكون أنت السيد" انطلقت ضحكة الواقف أمامه مجلجلة وقال " سريع التعلم يا رفيق ...فعلا قد أكون أنا وقد تكون أنت لا أحد يعلم ….في أرض السيد كل الحقائق تظل داخل صندوق الأميرة المزخرف بنقوش وطلاسم لا يدركها إلا السيد " سأله رائف بحيرة " ماذا تقول أنت " ابتسم الآخر باتساع وعيناه تعودان لتشاغلا تلك السائحة التي أبدت استجابتها مع نظراته " هذا مثل معروف لدينا معناه أن كل الحقائق داخل صندوق الأميرة ….ألن نكتفي من هذا الحوار ، تعال معي لنتناول فطورا متأخرا وربما نجد بعض المتعة التي أحتاجها….ويبدو أنك الآخر لم تجربها من فترة " تجاهل رائف تلميحه وأمسك يده بقوة يسأله كأنه يفكر ويغوص بالتفاصيل " ماذا تعني ببعض الرجال معروفي النسب ….إذاً ماذا يكون البقية " نظر الآخر في عينيه بقوة وقال " هل حقا تريد إجابة لذلك السؤال ...البقية أبناء السيد فقط ليس لهم تعريف آخر، يمنحوا جميعا نفس الكنية ويقسمون لأخوة حسب الرضاعة ويصبحون عائلات كشبكة متصلة أبناء خالة وأبناء عم وجيران، عالم بأكمله ستتفاجأ من كم الأسرار التي ستكتشفها داخله ، فيوما ما قد تلتقي برجل أعمال يضرب اسمه في سوق الحيتان كالصاعقة يحمل نفس الوشم الذي دق على ساعدك فأبناء السيد يملكون مئة وجه " ….."يا الله " قالها رائف بداخله ولا مبالاته بمصيره بدت كقرار أهوج نهايته مخاطر لا حصر لها ….وبلحظة تغيرت ملامحه ونفض عنه رجفة تملكته وابتسامة ساخرة ترتسم فوق شفتيه وهو يتساءل أي مصير آخر كان ينتظر ،قاطع أفكاره رفيقه الذي بدا كمن يسعى لكسب ثقته وهو يرفع أمامه صورة لشاب بدت ملامحه مألوفة لرائف وقال " سأفضي لك عن مهمتنا القادمة رغم أن التعليمات كانت واضحة بأن أتكتم على الأمر حتى نصل لوجهتنا …..أترى هذا الشاب إنه مهمتنا ...ظافر العزايزي" توسعت أعين رائف بدهشة وكان دوره لينطلق في ضحك صاخب جعل الواقف أمامه يتجمد بصدمة وقد انقلبت الأدوار فأصبح هو المصدوم الذي لا يفهم ما يحدث
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

مساء النور والهنا ♥️♥️♥️♥️

المشهد الأخير

رائف وأرض السيد

دخلت تولين المطعم الذي بدأ فيه فصل جديد من قصتها فبدأت أنفاسها تتثاقل وقد تمكنت منها غصة البكاء فدمعت عيناها تتذكر ذلك اليوم الذي مر عليه شهور تشعر أنها قرون ….يوم كان تجلس فيه بجوار صاحب العيون الطيبة تحتفل معه بمرور عامهما الثالث معا وسط هدوء واطمئنان رحلا عنها ...تذكرت وسامته ، حنانه لمعة عينيه واحتوائه ...تفهمه ، غاص قلبها في شعور مرير بالاحتياج له لصبره عليها وتفهمه لوجعها لاحتوائه ألمها وإخماده لنيران الماضي التي لا ترحمها...غامت عيناها وقد تسمرت أقدامها تتخيل لو أن ذلك اليوم مر على خير بدون ظهور رائف ، لو أنها ما تركته لوحده يعاني حتى رحل ...لو أنها ودعته كما يليق بإنسان مثله ...إنسان ندر أمثاله فليرحمه الله برحمته ، دمعة عنيدة سالت من عينيها فسألت سارة بذهول " حور هل تبكين ؟ " ردت تولين بصوت مكتوم " تذكرت عادل ...أنت من حجز لنا بهذا المطعم ذلك اليوم ...أتذكرين " هزت سارة رأسها وقالت بإدراك " إنها تدابير القدر ...هو من ساقك إليّ هنا يومها لتتوالى من بعدها الأحداث ...الحمد لله أنك بعد كل ما حدث بيننا ، سطور حكايتك مكتظة بالتفاصيل يا صديقتي" ردت عليها تولين بصوت مختنق " تفاصيل أخذت من قلبي وروحي وعمري الكثير ….تفاصيل حكايتي قاتلة " لمح وقوفها الطويل نادل من العاملين بالمطعم فاقترب منها يقول باحترام " هل تريدان طاولة بمواصفات معينة آنستاي " أخذت تولين نفسا قويا قبل أن تقول بصوت مهموم " لا أنا لدي موعد مع السيد عصام " مد النادل يده مفسحا الطريق قائلا " تفضلي يا آنسة ….مكتب المدير من هذا الطريق " تحركت حور وخلفها سارة حتى وصلتا لباب مكتب مغلق مكتوب على اللافتة المعلقة عليه مكتب المدير فتقدمهما الشاب وطرق الباب بخفة ليأتي صوت عصام قائلا " تفضل " دخل الشاب وهو يقول " الآنسة قالت إن لديها موعدا معك سيد عصام " تقدمت تولين فوقف عصام يقول " أهلا وسهلا سيدة حور ظننت أنك لن تأتي ….تفضلي " تقدمت تولين لتجلس على أحد المقاعد المقابلة للمكتب وجلست سارة بالمقعد الآخر وقالت " آسفة على التأخير سيد عصام ...كان لدي اجتماع وامتد بدون تخطيط مني " نظر عصام للشاب وقال " أريد ضيافة من أفضل الحلويات لدينا ، أريد أن أبهر ضيوفي " حرك الشاب رأسه بطاعة وخرج مغلقا الباب خلفه فقالت تولين " سيد عصام رائف أكد أن على مقابلتك ، هل لديك تفسير لذلك " نظر عصام لسارة نظرة ذات مغزى فقالت تولين " لا داعي للقلق من وجود سارة إنها تعرف كل شيء من فضلك تكلم " فتح عصام خزانة صغيرة تجاور المكتب وأخرج منها ملفا وهو يقول " أتذكرين ذلك اليوم الذي تقابلنا به في المشفى وكنت أزور رائف ، كانت معك رحيل يومها " ركزت تولين قليلا وقالت " طبعا أذكر ذلك اليوم فبمجرد دخولي استأذنت للرحيل" قال عصام " فعلا هو ذلك اليوم ….يومها طلب مني رائف أن أنقل وصاية رحيل باسمك الذي على الورق حور صلاح ، وأنقل لك ملكية المنزل وسلسة المطاعم والسيارات وحسابه البنكي كل شيء يملكه أصبح لك الآن... تفضلي هذه المستندات من حقك الآن " مدت تولين يدها تسحب الملف بكف مرتعش وهي تقول " مستحيل ...لماذا فعل ذلك ….أنا لا أريد شيئا ….ورحيل أليست ابنته كيف يتخلى عنها بهذا الشكل... ذلك القاسي ….ظننته سيهرب فترة ويعود ، لكن يبدو أنه سيفعل معها مثل ما فعل معي يقلب حياتها رأسا على عقب ثم يختفي ...أنا لا أريد شيئا ، كل هذا لا يلزمني أرجوك سيد عصام أعد له كل شيء وأخبره أن كل أمواله لا تلزمني ...وصاية رحيل فقط ما سأقبل بها لأنه لا يستحق أن تنتمي تلك الطفلة إليه ...أخبره أنه كان وسيظل أنانيا لا يهتم إلا لنفسه " وقفت تولين بعصبية فتبعتها سارة ليقول عصام برجاء " أرجوك يا سيدتي دعينا نتحدث وأوضح لك الأمور ، اجلسي من فضلك " ظلت تولين تنظر له برفض فقال بمهادنة "لأجل رحيل على الأقل ...من فضلك بضع دقائق فقط " جلست تولين فقال عصام "سيدة حور أنا للأسف لا أستطيع أن أعيد شيء للسيد رائف ولا أستطيع إبلاغه بأي مما قلته...فأنا فقدت التواصل معه منذ آخر مرة زرته في المشفى وحتى الآن لا أدرك له مكانا أو عنوانا ، ورفضك لاستلام أمواله لن يفيد بشيء في النهاية هذه كانت أوامره وإن كان لديك اعتراض اعتبريها حق رحيل وبما أنك أصبحت الوصية عليها فكل شيء عمليا تحت تصرفك ، وأنا أرجو ألا تعقدي الأمر أكثر ، وانظري للأمر من الجهة التي تناسبك وتعاملي معه سواء على المستوي الإنساني أو الشخصي ….وإذا حدث وظهر السيد رائف في أي وقت حينها يمكنك أن تسلميه ماله ، تخليكِ عن الأموال سيضيع مستقبل رحيل وتعب سنوات طويلة كان فيها السيد لا يكل ولا يمل من العمل ...أنا لدي الكثير لأنسقه معك ...أعطني موافقتك لنبدأ في ترتيب الأمور " صمت ثقيل عم الغرفة لثواني فقال عصام محاولا إقناعها بكل قوته " لأجل رحيل ، الطفلة الآن أصبحت بلا سند ولا ظهر " نظرت تولين لسارة كأنها تسألها عن مخرج من الورطة فقابلتها نظرات سارة الثابتة بقوة والتي دفعت تولين لتقول " رحيل ليس كما تقول أبدا فأنا لن أتخلى عنها ولأجلها …. موافقة " زفر عصام أنفاسه براحة وعاد بظهره للخلف وهو يقول " سنبدأ من المنزل ….بسم الله" فتح عصام الملف وأخرج عقد بيع المنزل وهو يقول " البيت في منطقة راقية جدا وهناك سيدة كبيرة بالسن تهتم به وبرحيل منذ وصولهم مصر والسيد رائف أمرني أن أخيرك بين بقاء السيدة بالمنزل لكي لا تظلي أنت ورحيل بمفردكما بعد الانتقال إليه ، أو أن نستغني عن خدماتها ولكن سيكون مرتبها ساريا في كلا الحالتين " قالت له تولين بصدمة " ولماذا يظن أني سأبقى ورحيل بذلك المنزل ….أنا لا مانع لدي أن تبقي تلك السيدة وإن فضلت الرحيل فلتفعل لن أمانع ومرتبها سيصلها أينما كانت لكن هذا لا يشترط أن أسكن هذا المنزل أنا أو رحيل " بدبلوماسية رجل يجب أن يكمل صفقته للنهاية قال " سيدة رحيل ما على الرسول إلا البلاغ ، السيد رائف أكد على أن أخبرك أن طلبه الأخير منك هو أن تستقري أنت ورحيل بالبيت ، وتعيشا حياة هادئة تستحقيها أنت ورحيل بعد كل شيء كما طلب مني أن ……. امتد عصام يشرح تفاصيل كلما استفاض في شرحها كانت تولين تتأكد أنها تحمل فوق أكتافها ما لا طاقة لها به ……..


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-22, 10:13 PM   #16

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

سلامااااااات ♥️♥️♥️♥️♥️

ده المشهد اللي انذكرت فيه شيراز .....

المشهد ده مهم جدا جدا جدا للجزء الثاني

وياريت نركز علي الغرض الحقيقي للمشهد

المشهد فيه تفصيلة مينفعش تفوت من غير تركيز

أخرجوا بره الكادر وشوفوا اكتر من المعتاد

أكيد البراكين أثبتت للكل إن المتوقع

هو أكتر شيء لازم نبعد عنه 🔥🔥🔥

مين بقي منتظر الاقتباس


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-22, 10:15 PM   #17

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير والهنا ♥️♥️♥️

شاهين
المشهد الثاني

وقفت كنزي تقول بصوت مشدود كوتر والغضب بداخلها يريد أن يتحرر " سيد آصف " طرفت عين آصف لتولين التي لم تقف في استقباله كأنها بصمت تقول هذه بتلك بل كانت تنظر للملف أمامها بتمعن واضعة كفها على كف سارة التي كانت تناظره بغضب مهول رغم وقوفها خلف كنزي ليخلف جلوس حور بينها وبين ملاك فراغ أطلق في صقيعه فرقعة لذيذة وبمنتهى العجرفة تحرك يرأس الطاولة وهو يقول " آنسة كنزي ليس لدي وقت لذلك أريد أن أطلع على التصاميم بسرعة كبيرة وعلى التفاصيل بشكل مختصر " ببسمة مستمتعة حيا زين الفتيات وجلس يشاهد ما يحدث محاولا أن يستشف من المقصودة بكل ما يفعله ابن عمه ، التفتت كنزي لتولين تسألها بصمت هل ستتولى الأمر ليكون إجابة الأخيرة أنه أمر أسهل مما يجب وهي أهل له فوقفت تقترب من شاشة عرض تتصدر الغرفة وبمنتهى الهدوء تعرض التصاميم بسرعة كبيرة وتمر بين التفاصيل بشكل مختصر فتمر الدقائق وذلك الجالس على مقعده يغزوها بالنظرات فتتجاهل ، يأمرها بصمته أن ترضخ فلا تعطيه بالا كأنه لا شيء وهذا أثار بداخله فضولا أقسم أن يرضيه بكل الأشكال ...لتنتهي هذه اللحظات وباب غرفة الاجتماعات يفتح بعنف وصوت جهوري يقول بغضب " آصف " التفت آصف تجاه الباب ببرود يقول " في وقتك تماما شاهين " فزت كنزي تنظر لابن عمها الذي يبغضها كأنها الموت ولم تأتي برد فعل عكس شاهين الذي قال بغضب " لماذا أتيت بي بهذا الشكل ؟وماذا تفعل هذه هنا ؟" اقتربت حور من كنزي تمسك ذراعها وتقول " هيا بنا " وقف آصف بهدء مستفز أشعل ذلك الناري أكثر وقال " إلى أين حور؟ أنا لم أسلمكن مشروعكن القادم بعد، فأنا وشاهين بيك نحتاج منكن أن تصممن لنا مكانا من نوع خاص " التفت له بحور تناظره بعمق كأنها تحاول أن تدرك غايته ليصرخ شاهين " آصف هل تقصد الواحة؟ لقد جننت حتما ...أنا لن أتعامل مع زمرة مراهقات " ثارت سارة قائلة " احترم نفسك أفضل لك، من هن المراهقات؟" ضرب شاهين على الطاولة بعنف كفيل بتفتيتها فأمسك آصف ذراعه يلجمه لتفعل تولين نفس الحركة مع سارة تمنعها من التمادي وقالت " سيد آصف أي عمل جديد سيكون بيننا أتمنى أن ترجع فيه إلى السيد مؤيد وحين يعطيك موافقته سنكون في خدمتك فكما تعلم المكتب تابع لشركة الجوهري لأن أحد مؤسسيه المهندسة كنزي الجوهري ، وبما أن اجتماعنا انتهى نحن سننصرف ...سعداء بالتعامل معكم " قالتها تولين كتحية وهي تدفع مقعدها للخلف وتقترب من كنزي التي تجمدت وعيون شاهين الكارهة تشعرها بالدنيوية وقالت " هيا كنزي " تحركت كنزي ببطء فيما لملمت ملاك الأوراق فوق الحاسوب المحمول ، لتلمح هاتف تولين وقد نسيته يرن باسم السيد عصام فنظرت لسارة التي حملت الأوراق منها وقالت " لقد تأخرت حور على موعدها مع السيد عصام ،إنه يهاتفها " بغضب شديد تكلمت سارة من بين أسنانها وقالت " ستلحقه بإذن الله ، أحضري الهاتف وهيا بنا " خرجت الفتيات تحت أنظار آصف الذي اخترق اسم عصام مسامعه فاحتدت نظراته ليتكلم زين الصامت قائلا بغضب " هل لي الآن أن أفهم ما حدث " لم يجبه آصف بل نظر لشاهين الذي قال له بغضب " لن أمررها لك مهما كانت أسبابك " فرد عليه آصف ببرود " أريدك أن تأتي معي لمؤيد " نظر له شاهين بعيون غاضبة وخرج بدون رد ليتبعه صفا مهولا من رجال الحراسة تاركا إياه يشعر أن حساباته بها شيء سقط ….شيء جعله بشكل ما فاقد للتوازن…
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

مساء الحب والجمال ♥️♥️♥️

شاهين

المشهد الثالث

تشد تولين كفها حول كف كنزي تطالبها أن تشد ظهرها ولا تسمح لأكتافها أن تتهدل ….تطالبها بإيباء يسري فيها مسرى الدم بالعروق أن تتخطى تلك النظرات وتعبر غير آبهة لشيء….تطالبها أن تدرك أي جوهرة نادرة هي ومن لم يرَ ذلك فهو الخاسر الأكبر ، وصلت الفتاتان للسيارة التي يقف أمامها رجل مؤيد بجسد مشدود ووجه عابس وقد بدا متحفزا جدا وقد وقفت سيارة شاهين بعيدا عنه بقليل تجاورها سيارتان للحراسة وبعض الحرس فنظرت تولين لكنزي المتجمدة وقالت " كنزي تنفسي واهدئي ….الأمر لا يستحق ، حبيبتي من لا يراك كما أراك ….ويدرك أي جوهرة نادرة أنت لا يستحق أن يقترب منك ، ربما عمى الله عيون ذلك الإنسان عنك لحكمة عنده لا يعلمها سواه ….ثم أنت لست بمفردك ….فنحن حولك ونحبك وربما لا تربطنا الدماء ولكن ما بيننا أعظم وأفضل …..لذلك تخطي ما حدث رغم كل قسوته " نظرت لها كنزي بحرقة وقالت " هل رأيت كيف ينظر لي ؟ إلى متى سأظل في نظر الجميع كجاسوس من خطوط العدو …..آل جوهري لا يرون فيّ سوى شعري الأصهب علامة الشافعية المميزة ، والشافعية لا يرون فيّ سوى نأب آل جوهري الذي أحمله...أنا بخير يا حور لكن نظرات الكراهية تخترق صدري وتنفذ لقلبي مباشرة ...سئمت منهم جميعا عليهم اللعنة " نظرت تولين لعينيها بتفهم وقالت " احمي قلبك من أن يؤلمه شيء ، لا تثقليه يا كنزي بالغضب أو الحزن ...دعي جوفك أبيض شفاف فهم الخاسرون حبيبتي ...أنت فخر لأي شخص تنتمي إليه ،كوني شافعية إن أحببت ….أو انتمي لآل الجوهري إن أردتِ ، افعلي ما يحلو لك وما تشعرين أنك تريدين فعله ، ولا تشغلي بالك بنظرات أحد ….ألا تكفيك نظراتي " رفرفت تولين بأهدابها بمزاح جعل كنزي تلقي نفسها بأحضانها باندفاع دفع تولين لتضحك وهي تقول " على مهلك أيتها الحمقاء سنقع " اقتربت سارة تناظرهما بقلق وهي تقول " كنزي أنت بخير " ربتت تولين على ظهرها قائلة " بخير يا سارة لكن تخلصنا من تسليم هذا العمل جعل فرحتها طاغية " ابتعدت كنزي وقد بدت ملامحها أكثر استرخاء تقول " وكان يظن أنه يستطيع أن يورطنا في عمل آخر معه ، هل يظننا حمقاوات" ضحكت سارة وقالت "أبله ماذا نفعل له " مر شاهين نحو سيارته وخلفه أربعة رجال فوقعت عيناه على وجهها الباسم ليتصلب فكه وتزداد نظراته حدة ونفور لكن كنزي لم تنتبه وقد اقتربت ملاك ترفع هاتف تولين وتقول " حور لقد نسيتِه على طاولة الاجتماعات والسيد عصام هاتفك يبدو أنك تأخرت على موعده " سحبت تولين هاتفها وقالت " كم الساعة ….لا أصدق أننا تأخرنا هكذا ….الآن ماذا سأفعل لقد حان موعد خروج الفتيات من المدرسة وأخاف أن أفوت موعدي مع السيد عصام فأنا أنتظره منذ شهر " قالت سارة " يمكننا أن ننقسم ، أنت وأنا نأخذ سيارة أجرة للمطعم وكنزي وملاك يجلبان الصغيرتين ويلحقان بنا ….ما رأيك " نظرت تولين لكنزي فقالت لها كنزي " موافقة ولكن لا تجعليها تطلب أي شيء حتى نصل " أشارت تولين على عينيها في تأكيد فأسرع الواقف يتدبر بصمت أمر السيارة غير غافل عن كل لمحة وكلمة قد حدثت ، وبعد قليل وقفت أمامهم سيارة بدت خاصة فأسرع نحو سيارة كنزي أولا يفتح لها بابها الخلفي في إشارة أن تصعد فحركت رأسها بعجب منه وتحركت تفتح الباب الأمامي وتجلس براحة ثم أغلقته فنظر لملاك التي ركبت وهي تهز رأسها بشكر وأغلق الباب ثم تحرك نحو السيارة الأخرى يؤكد على سائقها وجهتهما ويفتح الباب فقالت تولين بحرج " شكرا لك ،لم يكن هناك داعي أبدا " بمنتهى العملية قال " إنها أوامر السيد مؤيد تفضلا " ركبت الفتاتان وانطلقت بهما السيارة فأسرع نحو سيارة كنزي وانطلق في الطريق المعاكس تحت نظرات ذلك المرابض خلف نافذة غرفة الاجتماعات يحاول أن يحلل أي شيء فيتفاجأ أنه رغم كل هيمنته لم يصل إلى أي شيء ……
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

مساء الخير والهنا ♥️♥️♥️

شاهين

المشهد الرابع

يجلس مؤيد في مكتبه كالرابض فوق الجمر ينتظر وصول بشر لينطلقا معا نحو هدنة لا يعلم إن كانت ستحقق له أهدافه أم ستكون عثرة جديدة وضعت في طريقه فقصة العائلتين أسود مما تبدوا وكل ما يحدث الآن ما هو إلا تحريك رماد أسفله نيران ماضي لا تنطفئ ، وضع امضته علي أكثر من ورقة أمامه ثم رفع عيناه لعمر الذي يناظره بصمت وقال " ربما سأغيب يومين أو ثلاثة لا أكثر ….لا أريدك أن تتغيب عن الشركة يوما واحدا حتي عودتي ...في غيابي أنت هنا مكاني ..هل تسمع " رد عليه عمر " كما تريد يا أخي ولكن ما هذه السفرة المفاجئة ...ومنذ متي بينك وبين بشر العزايزي عمل ، هل هناك ما لا أعرفه " نظر مؤيد للساعة بمعصمه وقال " حين أعود سأخبرك بكل شيء... الآن لا وقت للحديث بشر علي وصول فقد اتفقنا أن نلتقي هنا وننطلق سويا ...كنزي لا تغيب عن عينيك أنها الأهم حاول أن تتخلي عن صحبة بلال وعيسي هذين اليومين فأنا أعتمد عليك ويفضل ألا تخبرها أني وبشر معا ، لقد ودعتها بالأمس وأخبرتها أني سأسافر لكن بلا تفاصيل " قال عمر وشعور بالقلق يساوره " علي الأقل أخبرني هل الأمر عمل حقا أم شيء آخر لذلك تتكتم بشأنه ، هل الأمر يخص حور " نظر له مؤيد بعبوس وقال " ما دخل الفتاة بسفري ، قلت لك أنه عمل ...واحذر أن تسقط بلسانك لأختك وتخبرها أني سافرت مع بشر فأنا ….قطع مؤيد حديثه وصوت بالخارج يعلو تبعه دخول شاهين وآصف كأنهما يقتحمان المكتب وخلفهما مديرة مكتب مؤيد الخاصة تقول " لا يصح دخولكما هكذا ...انتظرا أن أبلغه بوجودكما " وقف مؤيد بغضب وهو يقول " ماذا يحدث " فرد شاهين ذراعيه بحركة استعراضية وقال بصوته الجهوري " كيف حالك يا بن العم " رد عليه مؤيد بقوة " ماذا تريد شاهين وكيف تقتحم مكتبي بهذا الشكل ...هل شجار الشوارع الذي تقوده يوميا مع أبناء الشافعية أنساك أن تتعامل مثل البشر " جلس شاهين علي المقعد المقابل للمكتب وجلس آصف علي المقعد الآخر ليرفعا ساقيهما في لحظة واحدة واضعان ساق فوق ساق فيما يقول شاهين " اهدئ يا بن العم نحن قادمان من أجل موضوع خاص وخير " قال مؤيد باستنكار " خير ...لا أظن أنك قد يأتي منك خير أو من ذلك البارد بجوارك " ضم آصف قبضته وضربها في ذراع المقعد ليمسك شاهين يده فيما عيناه تنظر لمؤيد وهو يقول " لتصرف تلك المتلصصة أولا وبعدها فلنتحدث " شهقت الواقفة من عنف الإهانة فنظر له مؤيد نظرة جعلته يتيقن أن مؤيد وصل لحده فالتفت لها يقول بشكل ساخر " واحد ليمون ...ماذا تشرب آصف " خلع آصف نظارته وقال " شربات يا شقيق " ضحك شاهين بقوة فقال عيسي " شربات !!!!لماذا هل قررتما الارتباط ..تلائمان بعضكما حقا ... ألف ألف مبروك" ابتسمت الواقفة بتشفي لتجحظ عينا الجالسين بنفس اللحظة فصارا كأنهما توأم متطابق لينقذ مؤيد الموقف وهو يرفع الأوراق نحو السكرتيرة ويقول " من فضلك خذي هذه الأوراق للسيد عصمت وأخبريه أن عمر سيتابع معه تطور الأمور " التقطت منه الأوراق وعلي شفتيها ابتسامة مغيظة ثم خرجت ليلتفت مؤيد إلي شاهين ويقول " اسمعني جيدا يا بن الجوهري ….أنا علي وشك السفر من أجل أمر مهم ولست متفرغا لهذيانك ، لذلك في كلمة ونصف أريد أن أفهم سبب تلك الزيارة الغير مرغوب فيها وإن كنت ستقول أمر سيثير غضبي أكثر خذ صديقك وارحل قبل أن أتصرف معك بطريقتي " حرك شاهين رأسه بحركة فكاهية وهو ينظر لآصف ويقول " هل ستتكلم يا عريس أم أتكلم أنا " رفع آصف رأسه بعجرفة وقال آمرا " أريد أن أعرف كل شيء عن حور صلاح …. أخت الدكتور طاهر ...شريكة آنسة كنزي لأني كلما حاولت أن أصل لشيء يخصها أجد أني أصل لحائط سد والكثير من حولها غامض كعلاقتها بسمراء وأسمهان العزايزي ...ومأمون الصالحي " قال عمر بعصبية وحمائية " ماذا تريد منها " نظر له آصف ببرود وقال بغرور الواثق "سأتزوجها " توسعت أعين مؤيد وهو يضرب على المكتب بغضب ويقول " ماذا تقول آصف شهدان!!!! لم يكن أحد يدري عن ذلك الذي اقترب من باب المكتب بخطوات تجاهد علي الثبات فالعودة لأرض العزايزة بكل ما تحمله من ماضي وأسرار وذكريات كالعودة لداخل كابوس مفزع لتعيشه بكافة تفاصيله مجددا ….فهناك صرخ وصرخت ثم رحلت لم يكن الرحيل الأول لكنها يومها كانت تنزع جلدها وتتجرد من كل ما ينتمي لأرض العزايزة حتي هو ، نظر بشر لمكتب السكرتيرة الفارغ بعبوس ليتقدم نحو مكتب مؤيد وهو يخرج هاتفه من جيبه فتتجمد قدماه حين سمع اسمها الذي لا يليق بها ولا يصفها فهي ولدت تولين وستموت تولين يخرج من فم ذكوري بثقة وتملك لتأتي كلمة سأتزوجها تصدع ثباته ببطء شديد ليزداد التصدع سرعة فيصبح الأمر كانفجار بركاني هائل ... انفجار سيأكل الأبيض واليابس ...انفجار مؤذي لأبعد حد فلتف خارجا بخطوات تهز الأرض واسم آصف شهدان الذي يسمعه للمرة الثانية يهدده كوباء قاتل …...


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-22, 10:17 PM   #18

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الجمال والسعادة ♥️

شاهين

المشهد الخامس

بعد أيام في الصباح الباكر
الهدوء يسود جوانب الحي الراقي والشمس مازالت في روعة إشراقها تميل الأجواء للبرودة والرياح تتلاعب بأغصان الشجر مخلفه صوت مريح للأعصاب لا ينافسه سوي صوت أنفاس الرجلان اللذان يعدوان علي الطريق الخالي كأنه ملكهما بقوة ...أحدهما ينظر للطريق أمامه بجدية وجمود وقد تصبب عرقه نتيجة عدوهما لساعة والآخر نظراته ساخرة صقرية مقتنصة وقف شاهين يفتح زجاجة المياه بيده ويفرغها علي رأسه وهو يقول " يكفي يا شقيق أريد أن أنام فلدي اليوم سهرة تحتاج كامل تركيزي " كانت أعين آصف معلقة بشعاع الشمس الذي بزغ من بين السحب وقال " يوما ما ستذهب لاحدي سهراتك ولن تعد ...كبل جموحك قليلا " قال شاهين بعبث " الحياة لا تأخذ إلا غلابا يا شقيق هذا ما نشأت عليه " نظر له آصف وهو يتحرر من سترته الرياضية ويقول " لكل شيء نهاية شاهين ….ولا شيء ثابت يوما ما ستضطرك الحياة لان تحيد عن مسارك " رفع شاهين ذراعيه المفتولة يفردها للأعلى كأنه صقر وقال " وحتي يحين ذلك الوقت سأظل أحلق وأحلق ….سأظل أنطلق ...لما أربط روحي بمرسي" ضيق آصف عينيه وقال مزمجرا " توقف عن تلميحاتك ... وإلا لن يعجبك ردي " ضحك شاهين ودار حول صديقه ومازالت ذراعيه مفرودة يقول " لن أكذب عليك لست علي استعداد للتخلي عنك لأخري " ثم أحاط عنق آصف بأحد ذراعيه يناطح رأسه برأسه لينتفض آصف مزمجرا به "توقف عن سماجتك شاهين نحن وسط الطريق " خلع شاهين سترته وقال " تخشي علي سمعتك من علاقتنا " زمجر آصف محاولا لكمه ليتفادى شاهين قبضته ويقول " ماذا أفعل لك ... أنت من لم يجيد الاختيار ورغم ذلك لم أتركك فنحن معا في أي شيء" سأله آصف بنبرة لا تخرج لأحد أبدا غيره ...نبرة يتجرد فيها آصف عن ذاته " هل تظن حقا أني أساءت الاختيار " ضيق شاهين عينيه يحاول أن يستشف حجم تعلق صديقه بتلك الفتاة التي يرفضها شكلا وموضوعا رغم أنه لو تيقن أنه يحبها سيأتي بها له مكبلة ويلقيها تحت قدميه وقال " لأصدقك القول الفتاة لم أعرف كيف لفتت نظر آصف العظيم ...فأقل فتاة تلقي بنفسها تحت قدميك أكثر منها جمالا وأنوثة غير أنها صديقة تلك الشرذمة ابنة الشافعية وهذا لم يريحني ثم كيف كنت ستتزوج أرملة هل جننت هذا غير الغموض المحيط بها الأمر بأكمله بدي كشيء خاطئ " سأله آصف " إذا لماذا رافقتني ...لماذا لم تقول ذلك قبل أن نذهب لمؤيد " قال شاهين بهدوء " لأني لن أمنعك يوما من شيء تريد فعله ...كم مرة قبل أن ألقي نفسي بالنار وأقول لك هيا أجدك تسبقني ... أنا في ظهرك يا شقيق علي الخير والشر فأنا في كل الأحوال شريك حياتك الأول وسعيد أن الأمر لم يسر كما أردت فلا تظن أني لو كنت ارتحت لشخصها كنت سأرتاح لكونها شريكتي فيك " دفعه آصف بعنف في صدره وقال له " يوما ما سيؤدي بنا مزاحك هذا إلي الجحيم ... أوقف لسانك هذا قليلا" دلك شاهين صدره وقال " ما بالك عكر المزاج هكذا قل أريدها وسآتي لك بها مسحوبة من شعرها عقابا لها أنها كانت السبب في تعكير مزاج الشقيق " نظر له آصف بطرف عينه وقال " أنا لا أقول أريد فمن أريدها تأتي لي بمجرد أن أفكر بها " صفق شاهين بكفيه بطريقة صاخبة يقول " هذا هو الشقيق " ليكمل آصف قائلا " لكن ربما هي ظهرت في وقت قررت فيه الاستقرار ….كانت واحدة من ألوف " صاح شاهين " هذا هو الكلام " كان آصف يكذب نبضه الذي تعلق بحزن عينيها وشاهين يدعمه كما العادة الظهر بالظهر والكف بالكف ليقول آصف مغيرا الموضوع " ماذا ينتظرك بالمساء " حك شاهين كفيه بحماس وقال " سهرة من التي لا تتكرر ...ستنسيك اسمك يا بن شهدان " قال آصف بتعجرف " ليس لي به يا بن الجوهري " قال شاهين بحماس " فلتجرب إذا لا بأس بالتجربة ربما ناسبك الأمر " ضحك آصف وقال " أنت مكار متلاعب هل هناك بين السطور ما لا تقوله " لمعت أعين شاهين وقال " ضربة جديدة سأسددها الليلة للشافعية ستكون ساحقة تستحق الاحتفال للصباح " هز آصف رأسه بيأس وقال " شعرت أن بالأمور أمور فأنت لا تضيع الاحتفالات بدون أن تخلق لها أسباب " مرت بهما سيارة نقل حديثه يتبعها سيارة كنزي التي يحفظها شاهين ككف يده فعبس وجهه وهو يقول بغضب " ماذا تفعل تلك الحقيرة هنا " نظر آصف للسيارة وقال " من تقصد هل تعرف الجيران الجدد " نظر له شاهين بذهول وقال " جيران من؟؟؟؟؟ أنا وأنت اشترينا هذا البيت لنبتعد عن الجميع لا لنكون علاقات " قال آصف "أقصد ذلك المنزل المقابل لنا الذي ترعاه السيدة المسنة التي تطهو لنا كلما تواجدنا هنا ...لقد أخبرتني أن هناك من سيقيم معها " اشتعلت عيون شاهين وتحرك بغضب ليسارع آصف خلفه يقول " انتظر يا شاهين إلي أين ستذهب " لكنه كان قد بدأ بالعدو فلحقه آصف غير مدرك لما يحدث …

❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
مساء النور والهنا ♥️♥️♥️♥️

شاهين

المشهد السادس

استدارت أمامه تخطو نحو باب المنزل بدون أن تمن عليه بكلمة وداع ، تابع ابتعادها حتي فقد الأمل أن تشفق عليه بكلمة قبل أن يرحل لتستدير فجأة وتنظر إليه وحينها أشرقت روحه بتلك الحركة لتجهز عليه وهي تعود لتقترب منه ثم تقف أمامه بتوتر وتفكير وهو لم يحاول أن يقاطعهما يكفيه أنها اقتربت نحوه بمحض إرادتها لكن كالعادة كله الذي ينتمي إليها خارج الحسبة تماما فمد يده يلتقط كفها برقة لتشتد قبضته شيئا فشيء كشوقه تماما وهي لم تسحب كفها كالعادة بل نظرت إليه وقالت " إلي متي ستظل تستخدم معي سياسة النفس الطويل بشر ... إلي متي ستظل صابرا راضيا بكل ما يصدر مني سواء أسعدك أم أتعسك ... إلي متي ستعطيني من وقتك وفكرك واهتمامك واحتواءك إلي متي سأكون وحدي أنا مدارك ….ومتي سينتهي كل ذلك أخبرني " هز رأسه وقال " صدقيني صغيرتي أنت كنت دوما وستظلين عالمي الذي ليس لي سماء غير سمائه تظللني أنا قابع جوارك حتي الرمق الأخير لا تقلقي خذي وقتك ووقتي لو تحبين وأنا لن أكف عن تدليلك وتقبل دلالك برضا تام ...لكن كل ما أرجوه منك أن تفتحي لي نحوك طريق " لم ترد عليه وقد أنعشه شعوره بعينيها الغارقتين في عينيه فرفع كفها إلي شفتيه يلثمه قائلا " أستودعك من لا تضيع ودائعه " سحبت كفها من كفه قائلة بتوبيخ " بشر ...ارحل " غمغم بحزن " سأرحل" وقبل أن يتحرك خيم عليهما جسدان فالتفتت تولين تنظر لأصف بصدمة وتقول " سيد آصف ماذا تفعل هنا " تجمد آصف بصدمة للحظة قبل أن يقول بعجرفة واضحة " أنا من عليه أن يسألك هذا السؤال فهذا الحي أملك فيه منازل لا أذكر عددها " اخترق الاسم عقل بشر كصاروخ موجه فاستدار ينظر للشاب الوسيم أمامه يقف بجواره آخر متجهم بملامح خطرة ليقول شاهين بغضب غير مفهوم " أخبرتك أنهن جيراننا الجدد الباب بالباب كما تري " قال بشر بغضب " جيران " همهم آصف قائلا لتولين متجاهلا بشر تماما " إذا أردت شيء لا بأس من اللجوء إلينا هذا منزلنا " غيرة كالجحيم ضربت أعماق بشر فطفت النيران لعيناه ليقول بصوت قاطع " شكرا لعرضك السخي لكن اطمئن لا أحد من هذا المنزل يلجأ لرجل غريب لذلك تفضل وأكمل طريقك " قال آصف بتهكم " هل هذا يعني أنك لست غريب ...سيد بشر أنا أعرف من تكون جيدا …..ومتيقن أن لا صفة تمنحك الوقوف هنا " زأر بشر " وجودي هنا شيء لا يخصك " قال آصف ببرود " بل يخصني جدا فقد أصبحوا جيراني والأخلاق العامة هنا شيء نحرص عليه جيدا ... أعطني صفة لوجودك هنا او ارحل " التفت بشر بعيون تكاد تقتل من شدة الغيرة يسأل تولين بانفعال " من أكون " ليكون ردها الصادم ابتسامة واسعة مذاقها الحلو خدر حواسه قبل أن تلوح له بكفها وتنسحب كطفلة تعدو نحو باب المنزل تاركة إياه في مواجهة جوز من الثيران وكأنها تختبر صبره وتحمله بشتي وشتي الطرق وهو متفهم لأقصي درجة كله فداء لبسمتها بل كله مرهون لها فأين المنطق من قصتها ففي عشقها المنطق جنون لا منطقي …….
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

مساء الخير والهنا ♥️♥️♥️

شاهين

المشهد الأخير

أسرعت كنزي إلى خارج المصعد بعد أن عدلت زينتها التي أفسدتها دموعها المتأثرة لأجل صديقتها وأختها ورفيقة دربها، رفيقة ليالي لم تكن لتمر إلا وهما معا، فلقد رأت حور لسنوات تعاني من فقدها لأسرتها وبشر، رأتها تحارب لتصمد، لتضحك ولتكمل الطريق وحدها ولكنها في النهاية لم تستطع إلا أن تميل لأمر قلبها وتعود حيث مكانها الطبيعي كفتاة صغيرة عاشقة مدللة لا امرأة مكافحة محاربة، فكلٌّ منا خلق بالشكل الذي يلائمه أكثر وهي سعيدة لأجل حور اليوم وكأنها هي من انتصرت في معركتها التي لم تخضها بعد.
كانت كنزي غارقة في أفكارها فلم تلاحظ العيون التي تسلطت عليها بغضب وحقد فالتفتت تقول لملاك
"هل حقيبة حور التي حضرناها لها نُقلت مع الحقائب أم مازالت في الجناح؟" قالت ملاك بتوتر "الحقائب كانت كثيرة فلا أذكر أي حقيبة تقصدين" توقفت كنزي تقول "تلك الحقيبة الوردية المميزة، فهي لم تخبرني بعد الزفاف هل ستذهب لمنزلها أم ستقضي ليلتها في الفندق أم ستسافر، فقررت أن أحضر لها حقيبة لتكون مستعدة لأي وضع" قالت سارة التي تنظر حولهن بتوتر "لنحضر الزفاف وقبل انتهائه بقليل سننسحب ومعنا طاهر وسلطان فتصعد واحدة للجناح وتذهب اثنتان للسيارات وسنجدها بإذن الله، ثم كيف لا تعرف أين ستذهب بعد الفرح؟ لو كانت ستسافر كنا سنعلم" قالت كنزي وهي تتحرك بلهفة لا تريد أن تفوتها لحظة من الزفاف "حسنا، لنسرع قبل أن يلاحظ مؤيد غيابي ويقلق" قالت سارة بتهكم "أو يزيل سلطان رأسي فلا أستطيع حضور الفرح لنهايته" فجأة كانت كنزي ترتد للخلف وقد اصطدمت بظهر صلب فالتوت قدمها التي ترتدي بها حذاءً عاليا لتفقد توازنها وتكاد أن تسقط لكن سارة وملاك اللتين تسيران خلفها أنقذتاها من موقف غاية في الإحراج، فحاولت الوقوف باستقامة وقد ضرب الألم كاحلها لتجد ظهر العملاق أمامها يتشنج ثم يستدير بعنف فتتوسع عيناها وهي تجد نفسها في مواجهة شاهين الذي احتدت ملامحه بنفور شديد وكره يرتدي حلة سوداء يجاوره آصف شهدان الذي تقدم نحوهن خطوتين ببروده المعهود بعكس النيران التي تشع من حدقتي شاهين الذي قال لها بغضب ثائر "أتعلمين ماذا أفعل بالعلقة حين تلتصق بحذائي؟ أدهسها ويبدو أن هذا ما تريدينه" اختنقت كنزي وشعرت ببرودة من حولها لكنها تجاسرت وقالت له "وكيف سترى العلقة وتدهسها وأنت أعمى وأهوج؟ لا تظن أني أصمت أمام ما تفعله ضعفا يا بن عمي، فأنا أصمت ترفعا عنك وعن أفعالك الصبيانية وقلة عقلك" توحشت ملامح شاهين ومد ذراعيه الضخمتين نحوها فجذبه آصف للخلف بقوة مانعا إياه من التهور فتتوقف يداه بعيدا عن وجهها بشعرة فلا تلمسانها، لتقول هي "اسأل صديقك لمَ جذبك للخلف؟ أيخشى عليّ أم عليك؟ وحين يجيبك فكر في إجابته وقيّم الوضع بيننا لترى من القوي هنا" قالت سارة بخوف شديد رغم ادعائها الجمود "هيا يا كنزي" نظرت كنزي لعيني شاهين الذي كان خضارهما يحوي خطوط ذهبية واضحة قبل أن تتحرك خطوة فيقول لها بغضب "شافعية لعينة ستظلين دخيلة بيننا وحملك لاسم عمي لا يعني شيئا" كانت الأنظار قد التفتت لهما فأسرع نحوهم عمر الذي كان أول من رأى ما يحدث بينما توقفت كنزي التي كانت تتوهج أنوثةً لا أحد ينكر سطوتها وقالت "احذر إذاً مني فإن كنت أنت تحمل جينات آل الجوهري فقط فأنا تفوقت عليك وأحمل مكر الشافعية بدمائي، وقد لا أكون لعينة لكنني قد أتحول للعنة لذلك للمرة الثانية أطلب منك أن تعرف مقدارك وتقيّم الوضع لترى من منا الأقوى" هم شاهين بالهجوم عليها ليهدر به آصف "شاهين لنرحل" وصل عمر ليقف بجوار أخته بحمية واستنفار ونظر إلى شاهين بغضب وقال "لمَ تعترض طريق كنزي يا شاهين؟ ألم يحذرك مؤيد ويخبرك أن كنزي خط أحمر ليس مسموحا لأحد أن يتعداه؟" هدر به شاهين "أنت وأخوك من تضيعان هيبة العائلة باحتوائكما لتلك ..." قاطعه عمر هادرا "لا تفكر أن تتطاول عليها وإلا ستكون حربا" صرخ به شاهين يحاول أن يتخلص من تكبيل آصف له "حرب! أتريد أن تشعل الحرب بيننا لأجل بنت الشافعية؟"
ظهر مؤيد بطوله الفارع يحتوي كنزي تحت ذراعه ويقول ببرود "بل ألف حرب لو تطلب الأمر يا شاهين، جوهرة آل الجوهري تقوم لأجلها المعارك ونحن ندّ لأي إنسان" أحاطت كنزي خصر أخيها تناشده الحماية فنظر شاهين للمشهد أمامه وقال بعدائية واضحة "لتكن العائلة شاهدةً على إعلانك هذا إذاً فأنا لن أسمح لتلك العلقة أن تفرقنا، مستحيل أن أفعل وأحقق لها مرادها" قال له مؤيد "افعل كل ما تستطيع فعله وسنرى إلى أين ستصل، وبالمناسبة لسانك الذي تطاول عليها سأقصه لك…. والليلة" احتدت ملامح شاهين أكثر حتى أصبح مخيفا وسأل بتهديد "الليلة يا مؤيد؟" هز مؤيد رأسه وقال ببرود "الليلة يا شاهين" ألقى شاهين نظرة غير مفهومة تجاه كنزي وقال "ليكن الليلة إذاً" عاد شاهين للخلف خطوة ثم تحرك مغادرا يتبعه آصف ببرود، فاقترب سلطان بتوتر ليسأل "ماذا حدث؟" حرك مؤيد رأسه بهدوء وقال "لا شيء، خذ الفتيات للقاعة وابقَ قريبا منهن فأنا وعمر سنتحدث بأمر ونتبعكم" أدار سلطان عينيه بين الوجوه فكانت ملاك ترتجف وسارة جامدة وكنزي ممسكة بأخيها كأن هناك من يطاردها وقال بنزق "حسنا، أسرعن فالزفة انتهت وأنتن هنا تتركن صديقتكن وحدها" شهقت كنزي وابتعدت عن مؤيد تقول "حور وحدها!" وأسرعت نحو القاعة فأسرعت خلفها سارة وملاك وسلطان يتبعهن كظل لهن …….


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-07-22, 10:22 PM   #19

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شهيره محمد مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتمنى الجميع يكون بخير وأفضل حال وعسى أن يملأ الحب دروبكن جميعآ ❤️❤️
أقدم لكم روايتي الثانيه داخل سلسة ( خداع الأديم )
أولا سوف أنشر مشاهد لأبطال كتذكير بالأحداث الماضية.
ثم هبدأ بنشر المقدمة والفصول الأولى،
ومن بعدها سيكون معاد النشر أسبوعيآ يوم الأربعاء من كل أسبوع الساعه ١١ مساءآ
أتمنى من الله أن ما أقدمه ينال اعجابكم ويستحق متابعتكم ووقتكم
وف انتظار أراءكم باستمرار
🌹تم تنزيل مشاهد الأبطال كتذكير بالأحداث الماضية
https://www.rewity.com/forum/t487212...l#post15999082
🌹مقدمة أرض السيد :



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 06-07-22 الساعة 02:43 AM
شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-07-22, 08:03 PM   #20

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

المقدمة …..السباع السبعة

أتسمعُ صوتَ ذاك الرعدِ المُقبض؟

إنهم سباع أرضِ السيد تزأر

أباطرة الأرض التي لا وصول لها

يأمرون الحكاية السبيّة أن تتحرر

فتُدكّ من شدة صولاتهم الأسوار

وتبدأ الأسرار المأثورة تتجلى وتتبلور

قلاع الخفايا المظلمة تتزلزل

وتُعلن عن ديكتاتورية الحكم

أن نفِّذ ولا تعترض حين تُؤمر

وتلتحف الوديان من حولهم بالصمت

وهي تدرك أن معركة الحاضر ستُقَرَّر

الزمن يعيد نفسه ويتبنى سباعآ أعلنت الثورة على من تجبّر

وزئير الرفض كبطش أسود له الأبدان ستقشعر

الحُكم اليوم غيابي والكل بلا استثناء سيتضرر

والوميض الخافت في الأعين كالبرق سيضرب ويُدمِر

فجحافل أطياف الماضي ما ظنت أحدآ يتذكر

ما شكت أن يُنبش قبرٌ

ما خافت أن يشرد شبلٌ

ما فطنت أن الأحوال ستتغير

وها قد حُسم الموقف فمن كان يومآ يتصور

قد صدر قرار للزمرة أنّ الملحمةَ ستتكرر

وسيخرج من أرض السيد أسودٌ ستجعل كلَّ عدوٍّ يتحسّر
……………………….

حين تفرض عليك الحياة أن تحيا كسبع إذا لابد أن يكون قانون الغابة هو السيد ولا سيادة إلا للسباع .
………..
الهواء الطلق مائل للبروده وقد بدأ سواد الليل يندثر بهوادة تاركآ من خلفه السماء رمادية تحيا لحظات الوحدة ما بين رحيل ظلامة وانبلاج شعاع الشمس فوق عينيه السارحة في براح السماء وقد خمدت الأصوات الصاخبة من حوله من بعد ليلة حافلة، هدوء لحظي غمره فارتخت ملامحه الحادة وقد عادت حدقتيه من علو السماء إلى الأرض يناظر ما حوله بلا مبالاة فاردآ ذراعيه على ظهر الأريكة كأنه نسر يستعد لأن يُحلق، العاملات يتحركن من حوله في هدوء تام لكي لا يبددوا لحظات سكونه يعملن على قدم وساق فقد طال العبث كل مكان، وقْع خطوات ثقيلة تقترب جعله يلتفت بهدوء ناظرآ للقادم ثم يقول بصوته ذى اللكنة الغريبة والنغمة الثقيلة " دومآ متأخر ماثيو، لقد انتهى الحفل، لا أعرف كيف نتوافق في العمل ونحن مختلفان في كل شيء" نظر ماثيو للمكان من حوله باستياء وقال " العمل لا يحتاج لتوافقنا بل يحتاج لمجهودي في مجاراة رئيس عمل مثلك، لقد بدأنا يومآ جديدآ وأنت لم تنتهي من الأمس بعد " تنفس الجالس أمامه بعمق ثم تحرك نحو الشرفة المُطلة على تلك المدينة المشعة وهو يقول " من ينتهي من الأمس ماثيو، الأمس باق ولو مر، إننا نعيش صداه كل شروق، أخبرني ماذا جاء بك في تلك الساعة دوامك لا يبدأ قبل التاسعة " أجاب ماثيو باستياء واضح " نعم أعلم وزوجتي التي بدأت تشك أن بحياتي امرأة أخرى تعلم أن دوامي لم يبدأ بعد لكن رسالتك كانت كافية لأترك فراشي وأذهب إلى الشركة لأحضر لك الطرد " التفت له بعبوس وعيون يلوح بها التحفز وسأله " أي طرد!، أنا لم …..قطع حديثه وهو يلمح ظرف أصفر ضخم في كف ماثو مغلف بالشمع الأحمر بختم انكتمت أنفاسه رهبة له رغم أنه لم يتحقق من رؤيته بعد، لكن عقله الموشوم به أدرك ماهيته فسارع يجذبه منه بشكل صدم الواقف أمامه ومزق الظرف بعنف ليظهر كتاب للكلمات المتقاطعة فيغمض عينيه وهو يدرك أن الأمر صدر فيصرخ بصوته الثقيل " فيلداااا" لتظهر فتاة ثلاثينية ترتدي ملابس رسمية تقول بتوتر " أمرك سيدي " تحرك نحوها وهو يقول باستعجال " أنا ذاهب لبيت المزرعة جهزي ما يلزم " جرت خلفه حتى وصلت للباب فالتقطت معطفه الرمادي ذو الفراء الطبيعي ووضعته على أكتافه ثم ناولته عصاه العاجية ذات رأس ذهبية منقوشة على شكل أسد يزأر وفي النهاية قبعته ذات التصميم الكلاسيكي ليصبح في هيئته كالساحر أوز ولكن بشراسة تجعله شرير الحكاية ثم التفت لها بحركة سريعة يقول بغضب " أريد قلم " توترت تنظر حولها بعيون سريعة الملاحظة لتلتقط عينيها قلم ماثيو الموضوع داخل سترته فتحركت تجذبه بخفه وتعود نحو سيدها ليصرخ ماثيو " ليس هذا القلم أرجوك، إنه هدية زوجتي لجلب الحظ السعيد، هكذا ستؤكد جميع شكوكها " لكنها لم تهتم وهي تناوله للآخر بسرعة كأنها تسارع في إنقاذ العالم فيجذبه منها ويتحرك نحو سيارته التي كان يجلس بها السائق والذي انطلق فورآ بدون أن يسأل عن الوجهة فيما نظر هو للكتاب بين يديه بصدمة ثم فتح أول صفحاته وهو يفكر " لما الآن " رفع حاجبه ينظر للأحجية الأولى بتركيز وظل يضع حرف بعد الآخر حتى استُنزف تمامآ ليجمع حروف أول كلمة في الرسالة " مصر "
……………………..
حين يُرسَم طريقك بالفحم المظلم ويسوقك القدر لتسير في ظلمته أطلق فُرشاتك واطلي الدروب كوّن من الظلمة نور لتحياه رغم يقينك بأن ما تخفيه لن ينمحي ……………….. …….
تتحرك بنعومة كفراشة ترفل في سرب منظم، تدور بانطلاق ثم تنحني بخفة كغصن بان لترتفع شامخة بابتسامة مشرقة محلقة بذراعيها فتسلط من حولها الأضواء وتنحني القامات مشكلين مشهد النهاية لهذا العرض الممتع فيدوي التصفيق الحار من المتابعين ويُسدَل الستار في بطء كأنه يأبى لهذا العرض أن ينتهي فتزفر براحة وهي تتحرك مسرعة فتناديها صديقتها " نيلوفر إلى أين، ألن تحتفلي معنا " التفتت لها وهي تحرر خصلاتها من عقدتها الأنيقة وقالت " ليس اليوم مي، لن أستطيع التأخر عليه، هاتفيني حين تنتهي من الاحتفال " كانت قد وصلت لباب غرفتها فدفعته مسرعة فدخلت صديقتها من خلفها ثم أغلقت الباب وهي تسألها بتعجب " ألم يأت اليوم أيضا " ردت نيلوفر وهي تقف خلف ساتر لتغير ملابسها " لا لقد إنشغل بلوحة جديدة وأغلق على نفسه المرسم منذ الأمس فلم يتذكر أنه إفتتاح العرض الجديد، وأنا لم أشأ أن أقطع عليه خلوته فأخر مرة فعلتها لم يستطع إنهاء لوحته وضاع تعب أيام " حركت مي رأسها برفض وقالت " هذه ليست حياة نيلوفر، أعلم أنه زوجك لكن عليك التفكير في نمط حياتكما معآ، إنك تبذلين الكثير من أجل هذه العلاقة وفي المقابل هو لا يفعل شيء " انتهت نيلوفر من ارتداء ملابسها وتحركت تلتقط حذائها الغريب والذي يشبه الحذاء العسكري لقوات الأمن وهي تقول " بل يفعل الكثير يا مي، إنه يحبني بصدق وأنا سعيدة معه جدآ وهذا كل ما أريده منه " ابتسمت مي بسخرية وقالت " منذ عَرفتِه وأنتِ مُغيبة تمامآ، وقفتِ بوجه الكل لأجله، رغم أن تصرفاته تجاهك تدفعك إلى الشك بأنه ربما يعرف أخرى ….قاطعتها نيلوفر بصرامة " مستحيل أن أشك به، فهو لا يكذب ..لا يخدع ….لا يخون، أنتِ لا تعرفينه مثلي …ثلاثة سنوات وأكثر منذ تزوجنا ومازلت تغارين منه كأني عرفته بالأمس " عبست مي وقالت بصدق " لقد أخذك مني " ابتسمت نيلوفر واقتربت منها تقبل وجنتها بخفة وهي تقول " لم يأخذني منك يومآ، أنتِ فقط الغيورة " اهتزاز هاتفها أنذرها بوصول رسالة فابتسمت وعينيها تجري بين الكلمات ثم قالت " لقد تأخرت فهناك طرد يخصه عليّ إحضاره قبل العودة للمنزل " هزت مي رأسها بقلة حيلة وقالت " أبلغي سلامي لعدوي اللدود، سأهاتفك حين أعود للمنزل " تحركت نيلوفر مسرعة تفكر أن رسالته معناها أنه أنهى لوحته فماذا ستهديه هذه المرة.
……………………..
يطلق فرشاته في براح اللون الأبيض أمامه مضيقآ عينيه ضائعآ في فلك أفكاره، أنفاسه متسارعة وهناك رهبة للون الأحمر الذي دخل مداره كانفجار ألم ببراءة الأبيض من حوله، الأطياف السوداء حامت كضي بعيد في خلفية المشهد والأصفر أريق في المنتصف ثم تشتت مدمجآ في هيئة لهب انبثق من العدم فتسرح عينيه في تفاوت اللون فكأنما إشتعلت النيران داخله حقآ ودفعت بيده لتخرج من بين النيران وجه لأسد يزأر ناظرآ في عينيه بطريقة جمدت الدماء بعروقه وصلبت ملامحه فانفصل عن العالم يعيش الفزع، ليسحبه من ضياعه صوت نيلوفر تقول بانبهار " أنها رائعة " التقط أنفاسه بقوة ثم التفت بعبوس لها يسألها " هل حدث شيء " حركت رأسها وهي تقترب من اللوحة أكثر ترفع أصابعها تمررها عليها بدون أن تلمسها وهي تقول " نعم لقد فوتَّ افتتاح العرض الجديد لكن يبدو أن الأمر كان يستحق "
أغمض عينيه بضيق واضعآ كفه الملطخ بالألوان فوق وجهه وهو يقول بندم " كيف نسيت، لماذا لم تذكريني نيلوفر، لقد اندمجت كما العادة ،أنا أسف " التفتت تنظر له لتتفاجيء أنه قد لطخ وجهه بالألوان فمدت كفها ترفع شعره المتدلي على جبينه تعيده إلى الخلف وهي تقول " لا عليك المهم أنك انتهيت من اللوحة في وقت قياسي فأنا لم أكن لأحتمل أن تظل في إعتكافك هذا يومآ آخر " ضيق بين حاجبيه وهو يقول " لكني لم أنتهي بعد لقد ظننت أنك قاطعتني لأنك غاضبة مني" قالت بإحباط " أنا لا أغضب منك أبدآ لكني ظننت حين أرسلت لي الرسالة لأستلم الطرد بدلآ منك أنك إنتهيت " سألها بعدم فهم " أي طرد، لا أذكر أني راسلتك" تحركت نحو طاولة تتوسط المرسم وهي تقول " لن أستغرب أبدآ أن تنسى شيء كهذا فحين تغلق عليك هذا الباب تصبح بدون عقل " تحرك خلفها ليجدها تفتح ظرف أصفر ذو ختم أرسل في جسده رعدة عنيفة سرت على إثرها برودة في أوصاله وهي تقول " لا أصدق أنك لم تقطع عزلتك لأجلي وفعلتها من أجل كتاب من الأحجيات، أنا منبهرة " حادت عينيه إلى عينيها وعمّ الصمت لحظات قبل أن يقول بصوت شعرت أنه يكبت خلفه شيء تجهله " أنا لم أنهي اللوحة نيلو، لم يبق أمامي الكثير، هل يمكنك أن تمنحيني بعض الوقت، وبعدها ….قاطعته بتفهم " خذ وقتك كاملآ سأنتظرك " أحاط رأسها بكفيه ثم انحنى يقبل جانب وجهها وبقيت رأسه تميل إليها كأنه لا يريد أن يبتعد وبمجرد أن إنسحبت تبدلت ملامحه من قمة الهدوء إلى قمة التحفز وسحب الكتاب بسرعة ينظر للصفحة الأولى بتركيز شديد لتمر خمسة عشر دقيقة كاملة قبل أن يقول " مصر ؟؟ لماذا الآن!!! "
………. …………….
غريب أن تتجسد المشاعر لديك في مذاق عاجز أنت عن تغييره رغم أنك وحدك المتحكم به، مذاق لعلك لا تفضله لكنه المتاح رغم كل المتاح.
مذاق باق مهما تذوقت.
مذاق يعيدك متى شاء إلى حيث بدأ كل شيء.
…………………

تلمع الأعين من حوله بانبهار لموهبته الفذة والذي هو بدونها لا شيء، مجرد عابر سبيل ضل وطنه، مُشتت الهوية بين عرقه وأرضه، إنسان لا يعرف حقيقته فكيف إذآ سيتقبله من حوله، يقف بضخامته في مطبخ ذى مساحة مهولة مجهز على أعلى مستوى ومن أمامه طاولة ممتدة يقف على جانبيها عدد من الشباب والفتيات فتهمس إحداهن للواقفة بجوارها قائلة " لقد تخطى عدد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي الأربعة مليون متابع، هل تظني أن لي فرصة معه " فتجيبها الأخرى بخفوت" لا تحاولي حتى فهو عربي مسلم لا يؤمن بالعلاقات سوى في إطار الزواج، ستتسببين لنفسك بالاحراج مثل من سبقنك وحاولن وكل هذا لأجل ماذا ...لا تقولي أنك معجبة به " نفت الأخرى بسرعة "بالطبع لا لكني أحتاج إلى رفع عدد المتابعين لدي، ثم كيف عربي مسلم لقد ظننته من زنوج المدينة " زغرتها الأخرى قائلة " أخفضي صوتك أنه يملك حاسة سمع قوية، كحاسة الشم لديه تماما، انظري " حادت بعينيها نحوه لتجده مندمج في تقطيع اللحم بطريقة احترافية ليرفع عينيه نحوها فجأة فتنسحب الدماء من وجهها لكن عينيه لم تتوقف عليها ودارت بين الجمع قبل أن تعود لقطعة اللحم فتزفر بتوتر قائلة " إنه مخيف ".
بينما هو كان يعيش لحظات الشغف من أقصاها لأدناها، فيندفع الأدرينالين بأوردته مفجرآ حماسه تجاه قطعة اللحم الملهمة بين يديه، التوابل من حوله تفوح بعظمة تدركها حواسه المتيقظة فيبدأ عقله في تركيب بهار فريد يلائم الطبق الذي يعده كأنه يقوم بخلطة سحرية تجعل المتابعين مشدوهين من الطريقة التي يتبعها دومآ والتي رغم بساطتها معقدة جدآ كأنها لغز استعصى على العقول إدراكه، صوت الصدمة الأولى لقطعة اللحم كان كسمفونية لا يُمل منها، سمفونية تَعِده بمذاق خاص له رونق ورغم ذلك لن يمحي ذلك المذاق الباق بحلقه والذي تأجج حين التقطت أذنيه شديدة الحساسية تجاه الأصوات ذلك الهمس الخافت الذي جائه في تلك اللحظة ليوقظه ويحط به على أرض الواقع مواجهآ لقدره،
فيبتسم للأوجه المحيطة به مدركآ أن لا أحد منها سيدرك أنها بسمة قهر ثم يقول " لكل شخص منا نوع بهار مفضل يحتل المساحة الأكبر من تفكيره حين يقرر البدء بإعداد طبق مميز، بهار يلمس روحك وتشعر أنه يشبهك في تفاصيله، بهار له رائحة ومذاق عالقان دائما بالذاكرة، متسيدان اللحظة حين تهم بتنحية فكرك لنوع آخر فتشعر بالتردد والتذبذب كأنك سترتكب خيانة عظمىى، وهذا أكبر خطأ قد نقع به….. قاطعه صوت طالبة دخلت المطبخ على عجل تقول " أسفة للمقاطعة سيدي، لكن هناك عامل توصيل يريدك بالخارج " قال لها بلطف " أنا لم أنتهي يا آشي، أيآ كان ما جاء به يمكنك استلامه ووضعه بمكتبي من فضلك " نظرت له بقلة حيلة وهي تقترب منه ثم قالت " لقد حاولت أن أستلمه كالعادة لكنه رفض مبررآ أنك بنفسك أكدت على مكتب التوصيل أنه طرد خاص ولا يجب تسليمه لسواك" زم شفتيه الغليظة بتفكير ثم نظر للطلاب أمامه قائلا " دقائق وسأعود، آشي ستتولى الأمر حتى عودتي " تحرك خارج المطبخ مارآ بقاعة مفتوحة يلقي التحية على كل من يمر به لافتآ النظر بملامحه الخشنة وسواده الفاحم وضخامته المميزه حتى وقف أمام عامل التوصيل يسأله بأريحة " لما لم تُسلم آشي الطرد كما العادة، حين أخبرتني أنها أوامري فكرت أنك لم تكن لتخدعها إلا لسبب هام، ما الأمر هل تحتاج إلى شيء ..هل ينقصك شيء" نفى الشاب سريعآ " شكرآ سيدي، أنا لا ينقصني شيء بفضلك، والدتي تدعو لك دومآ وتخبرني أنك شخص صالح لذلك سخرك الرب لمساعدة عباده، لكن هذه أوامرك فعلا ...انظر مقيد لدي أنه طرد خاص لا يُسلّم إلا في يدك، أريد توقيعك من أجل الاستلام " وضع توقيعه بتردد ليتحرك الشاب نحو سيارة خاصة بمكتب الشحن ويخرج ظرف ضخم يحمل شعارهم ثم يقول " تفضل هذا هو " أخذ الظرف منه مودعآ إياه بلطف قبل أن يفتحه بهدوء وهو يتحرك عائدآ لتتسمر قدميه حين ظهر الظرف الأصفر ذو الختم المعروف لعينيه فيخمد في خلاياه كل شعور بالحياة وتتجمد نظراته للحظة قبل أن يقترب من باب المخرج فيعبره مغلقا إياه من خلفه ثم يجلس على الدرج يفض الظرف الأصفر بهدوء كأنه ليس متعجلآ إطلاقا في إدراك ما يجري، سحب قلمه من جيب ردائه الأبيض وانعزل مع الألغاز لمدة لا يدركها لتنتهي بثلاثة حروف جعلته يقول برهبة " ليس ثانية ".
………………………….
رغم أن البدايات لا تُعلن عن نفسها متلحفة بالصمت حتى يحين وقتها هناك شذى هارب من ثناياها يبحث عنك حتى يصلك ويظل يدور في فلكك محاولآ رغم قلة حيلته أن يجعل أنفاسك تلتقطه وتستعد للقادم.
…………….
يجلس برجولة دومآ ما اتصف بها وبملامح جادة لا لشيء سوي أنه اعتاد الجدية وتحمل المسؤولية منذ نعومة أظافره وحتى أصبح كفه ضخمآ خشنآ قويآ، ملابسه بسيطة عملية وأنيقة لكن ليس بتكلف لتناسب مجال عمله والأشخاص الذين يختلط بهم، نظراته شاخصة نحو الأسفل فلا يستهويه تأمل المكان من حوله ولا فعل شيء يهون عليه دقائق الانتظار سوى التفكير في سبب قدومه إلى هنا والخطوة الكبيرة التي قرر أن يخطوها وحده كما دأب أن يفعل طوال عمره، انفتح باب المكتب فجأة قاطعآ عليه استرسال أفكاره فوقف يستقبل مؤيد الذي خطا إلى المكتب مسرعآ وهو يقول " أسف لجعلك تنتظر يا سلطان كان لدي عميل مهم لم أستطع التركيز معه وقد وترني حضورك المفاجيء للشركة وأنت الذي لم تفعلها من قبل سوى لسبب قوي فأنهيت الإجتماع بأسرع ما يكون وأتيت إليك، هل الجميع بخير" رد عليه سلطان الذي تفاجيء من وقع حضوره على نفس مؤيد قائلآ بتجهم " لم أقصد أن آتي بدون موعد لكني كنت بالقرب وأريدك في أمر هام ففكرت في القدوم، اعذرني مؤيد أنا هذه الفترة مشوش إن لم تكن متفرغ يمكنني ...قاطعه مؤيد قائلا وملامحه تسترخي " سلطان لا داعي لاستحضار نزعة الكبرياء خاصتك فقد خفت أن يكون هناك ما حدث للفتيات بينما أنا هنا غارق في مشكلة تسرق من عيني النوم منذ أيام، تفضل يا سلطان المكان مكانك " دار مؤيد ليجلس خلف المكتب بينما بقى سلطان واقفآ كوتد لم تلين ملامحه فيقول مؤيد بمهادنة " تفضل يا سلطان وأخبرني ماذا تشرب " مرت لحظة من الصمت قبل أن يجلس سلطان وهو يقول " لا شيء، لا أريد تأخيرك أكثر لذلك دعني أحدثك عن سبب قدومي، أنا أحتاج منك خدمة فأنا لا أعرف لمن عليّ اللجوء " نظر له مؤيد وقال " تلجأ إلي يا سلطان، كما لجأت أنا إليك منذ سنوات ومازلت أفعل كلما احتجت إليك أنت رجل لديك من الرصيد لدى الكثيرين ما يجعلهم ينتظرون هذه اللحظة ليفزعوا إليك، ورغم ذلك لن نتحدث قبل أن أطلب لنا شيئا لنشربه " رفع مؤيد هاتف المكتب الداخلي وقال " فنجان من قهوتي المعتادة ومشروب غازي للضيف بسرعة " رف سلطان بعينه فابتسم مؤيد قائلا " مازلت أتذكر أنك تفضل المشروبات الغازية، والآن أخبرني عما يشغلك " ضيق سلطان بين حاجبيه قائلا " لقد قررت افتتاح شركة نقل بري فأنا أفكر في الأمر منذ فترة طويلة وأظن أن الوقت قد حان للترتيب للأمر " هز مؤيد رأسه بتفهم وقال " على بركة الله، قرار صائب فالتوسع سيعود عليك بالخير باذن الله، ما الذي يوترك حاليا، الإجراءات القانونية أمرها بسيط وإذا كنت تحتاج إلى تمويل مادي أعطني الرقم فقط " سارع سلطان يقول " لا الأمر ليس هكذا الخير كثير والحمد لله على كرمه، وحتى لو تعثرت أبناء العطار سيقومون بالواجب وأكثر " أكد مؤيد كلامه " أعلم يا سلطان أدامكم الله عصبة، إذآ أين المشكلة " زفر سلطان بارهاق وقال " أريد أن أشتري قطعة أرض قريبة من الحدود لتكون مركز صيانة واستراحة للسيارات المسافرة والعائدة، وموقف للحمولات الثقيلة لتوفر علي وقت انتظار عودة السيارات المسافرة للعاصمة، يمكن أن تعتبرها نقطة شحن ومتابعة وآمان، فالطريق أصبح أكثر وعورة عن السابق " قال مؤيد بحماس " قرار مدروس، هل تريدني أن أبحث لك عن أرض مناسبه " هم سلطان بالرد لكن طرقات هادئه على الباب جعلته يصمت حتى وضع الساعي القهوة والمشروب الغازي وانسحب بهدوء ثم قال " لقد وجدت قطعة أرض مناسبة حاولت أن أستعلم عن مالكها لكني وجدت تكتم عن المعلومة بشكل أقلقني ورغم ذلك القلق أنا متمسك بهذه الأرض جدآ فموقعها سيخدمني كثيرآ، لذلك أريد منك أن تجد المالك وتتوسط بيني وبينه من أجل البيع " ابتسم مؤيد وقال " بسيطة باذن الله، أعطني أسبوع وسأنهي الأمر، لا تحمل همآ و اعتبر الأمر منهي " تنفس سلطان بعمق وقال بود " هذا عشمي بك، لقد جئتك وأنا أعلم أنك أهل لها" عاد مؤيد بظهره للخلف يقول " دام العشم وصاحبه، أخبرني هل ستستعين بمحاسب من أجل الأمور المالية أم سارة من ستتولاها " أجابه سلطان " لا أريد أن تتدخل ساره في عملي فأغلب المعاملات ستكون مع رجال وهذا الأمر لن يكون مريح بالنسبة لي، لذلك سأستعين بمحاسب شاب حديث التخرج من الحارة يحتاج إلى العمل وكلي يقين أن الأمور ستكون بخير، سأنصرف أنا لكي تباشر عملك وسأنتظر منك مكالمة قريبا " هم سلطان بالوقوف فسارع مؤيد يقول " لن تنصرف قبل أن تنهي مشروبك، فحديثنا لم ينته بعد " نظر سلطان في ساعة يده وقال " الوقت يجري ولدي الكثير من الأمور علي القيام بها، ثم أنا انهيت حديثي " ابتسم مؤيد وهو يرتشف قهوته ثم قال " لكن أنا لم أفعل، فمنذ مدة وأنا أريد أن أفاتحك في أمر ولكن لم تأت فرصة لذلك وها قد أتت " رفع سلطان المشروب نحو فمه ينظر لمؤيد باهتمام فأكمل مؤيد حديثه سائلا " لماذا لم تتزوج حتى الآن يا سلطان" رفع سلطان حاجبه باستغراب وهو يجيبه " أظنك تعلم يا مؤيد فالحال من بعضه، لكن لماذا السؤال! " تنحنح مؤيد بتردد التقطه سلطان الذي تحفز داخليا ثم قال " أنا كنت أريدك أن تفكر في الزواج أولا لأنك تخطيت الثلاثين وعزوفك حتى هذا السن ليس له مبرر، ثانيآ لأن لدي عروس أظن أنها تناسبك " وضع سلطان ما بيده على المكتب بعنف غير مقصود ولكن الصدمة جعلته يتصرف بعصبية وهو يسأل بفزع " مؤيد أنت لا تقصد أختك أليس كذلك، من فضلك لا تضعني في هذا الموقف لأنك لو فعلت سأرفضها بدون تفكير ولن أبالي بموقفك " ضحك مؤيد بقوة ثم قال " أهدأ يا سلطان، أختي لا تطيق رؤيتك حتى فكيف أزوجها لك، فزعك مبالغ به هل أنت معقد، هل هناك من تنتظرها " تجهمت ملامح سلطان بقوة وقال " أنا لا أنتظر أحد ثم أختك هذه كارثة الحمد لله أنك لا تخطط لتبليني بها ولأكن واضحا معك ….وقف سلطان ثم أكمل حديثه قائلا " أنا لن أفكر في الزواج قبل أن تتزوج ساره وأطمئن عليها في كنف رجل ثقة يحملها في عينه وقلبه لذلك جد غيري للعروس " تحرك سلطان ليوقفه صوت مؤيد الجاد " أنا أقصد ملاك يا سلطان، إنها فتاة هادئة مطيعة على خلق كبرت تحت عينك، تعلم عنها كل شيء وتعلم أنها وأختيها بلا رجل يقف لهن ويحميهن، أنت تحتاج لفتاة مثلها لتحمل إسمك وتكون لك سكن وهي تحتاج لرجل مثلك ليقف بينها وبين الحياة وأفضل ما في الأمر أنها وسارة قريبتان من بعضهما فلن تعاني من علاقتهما، الفتاة كعملة نادرة فلا تضيعها من يدك وفكر بالأمر، العمر قد مضى بك وحيدآ فلا تكمل طريقك بلا شريك " لم يرد سلطان بل تحرك خارج المكتب وحديث مؤيد قد ترك أثرآ في نفسه، بينما مؤيد قد أغمض عينيه بأسى يتذكر من رحلت عنه كرهآ فرحلت معها كل المشاعر.
………………….
عيناك مدائن ومدى، ووطن مترامي الأطراف، وجبال عالية القمم، وآبار من ماء صافٍ، وهواء يسكن في قلبي مستوطن حد الاجحاف، وشروق لا يوم يغرب بأمر خفي الألطاف.
………………………
لو أنها أدركت يومآ أنه مازال بأعماقها براح لما تحياه الآن لكان الانتظار يكفي لكن الخوف من أن تستمر دوامة الانكسار والفراق إلى ما لا نهاية جعلاها تثور على واقع ظلمها وأوجعها، تنهدت تولين براحة تنظر لشاشة الحاسوب تحاول إنهاء التصميم الذي تعمل عليه وهي تستشعر سكون جوارحها برضا وتَنعُم، تشع من قسماتها سعادة رسمت ابتسامة طبيعية فوق شفاهها المنفرجة وزادتها تألقآ، حادت بعينيها نحو الساعة الرقمية بهاتفها تفكر أنه قد مر ساعة كاملة منذ آخر مرة هاتفها بشر، لقد اعتادت على أن تراقب الوقت في غيابه، أن تهرب من هواجس الماضي بتهوين الحاضر، فغيابه ساعة ليس بالشيء المقلق لم يعد هناك شيء مقلق وحتى إذا كان هي لها مادامت بجواره، ساعة وخمس دقائق قد مرو فهل تهاتفه الآن أم ربما سيكون مشغول، شعرت بتشتت تركيزها عما تفعل فوضعت الحاسوب بجوارها وأمسكت الهاتف تراسله بلهفة " بشر أين أنت عني"
ليأتيها الرد سريعا " لقد مر ساعة وخمس دقائق، أنا أيضا أحسب الوقت تولين، لا تقلقي أنا هنا معك لدي عمل سأنهيه وأمر لإحضار الفتيات ثم سنأتي إليك د، أنهي عملك أرجوك فايقاظي بجوارك طوال الليل لأتحدث بينما تنهيه يجعلني أشعر بالنعاس طوال اليوم، لا أستطيع التركيز ولا أتخلص من سماجة لسان الأخوة هنا " زمت شفتيها بدلال تعلم أنها تزيده عليه ويحلو لها أن تتدلل، فإن سرقه العمل منها نهار لما يسرقه النوم ليلا، قررت أن تعلن رفضها القاطع وحين همت بكتابة ردها وصلتها رسالته " أعدك إذا أنهيته سأحضر اليوم وجبات سريعة للغذاء ومثلجات وكل ما يخطر على بالك في تلك اللحظة من جنون " ابتسمت... يهادنها ويعلم أنها تتدلل ولا يعاني منها مهما بالغت، مهما ضعفت في لحظات وسيطرت عليها أشباح الماضي، متفهم ...مراعي ...محب فكتبت له " أتعدني " لم تكن كلمة عابرة فهو وحده من يستطيع أن يفهم كيف لكلمة كهذه أن تحمل أكثر بكثير مما تبدي، فيأتيها رده " أعدك بروحي " اتسعت ابتسامتها وأغمضت عينيها تضم الهاتف لصدرها للحظة ثم أرسلت له بحماس " جاري تنفيذ طلبك " وضعت الهاتف بجوارها ثم عادت للحاسوب تصب تركيزها على العمل لتنهيه كما وعدته.

بعد ساعتين …
دخلت كنزي المكتب تقول بغضب " مازلت لا أفهم كيف تريدون مني أن أنهي كل هذا العمل ونفسيتي ليست على ما يرام " رفعت تولين عينيها تنظر لها ثم أغلقت الحاسوب ووقفت تسألها بابتسامة " ولماذا لستِ على ما يرام آنسة كنزي " تنهدت كنزي بملل وهي تجلس على الكرسي المقابل للمكتب ثم قالت " أشعر أن مؤيد ورطنا مع ذلك المتبجح رغم رفضي الصريح للتعامل معه ثانية، لقد اتهمني بعدم المهنية وبأن أسلوبي يجب أن يتمتع بالنضج وأن علي أن أكون دبلوماسية أكثر فيما يخص العملاء، لقد كرهته أكثر بعد هذا الكلام " جلست تولين ثم مالت للأمام تقول لصديقتها بمرح " أولآ مؤيد لم يورطنا جميعا لقد ورطك تحديدآ وبناء عليه سأحاول دعمك بكل ما أوتيت من قوة لكن بدون أن يجمعني مكان واحد بالسيد آصف فبشر وضعه في قائمة الأشخاص الذي يجب ألا أتعامل معهم تحت أي ظرف من الظروف وبدون إبداء أسباب " تهكمت كنزي قائلة " وطبعا أنت لم تسأليه عن الأسباب، لأنك وجدتها فرصة لتتهربي من الموقف بأكمله وتضعيني في وجه المدفع، لقد تغيرت كثيرآ منذ زواجك، أصبحت نذلة لا يوجد بداخلها شعور بالمسؤولية تجاه أي شخص سوى زوجك، لو أني كنت أعلم لمنعت تلك الزيجة " ضحكت تولين قائلة وهي تدفع بشعراتها الهاربة إلى أسفل الحجاب " زواجنا لم يكن يحتاج لتدخلك ليمنع فأنا كنت أشعر أن البشرية بأكملها تحاول منعه حفاظآ على الحياة على كوكب الأرض لدرجة أني تضامنت معهم وأصبحت عنيدة بشكل لا يطاق، الأمر ليس هكذا يا كنزي لكني شعرت أن بشر يغار من آصف لسبب لا أعلمه ففضلت أن أحول بينه وبين هذا الشعور فالغيرة شيء مؤلم لا أريده أن يعكر صفو حياتنا، ثم لتعلمي أن بشر أصبح ركن مهم في تدعيم صداقتنا لقد أخبرني أنه سيحضر اليوم وجبات سريعة من أجل الغذاء " سارعت كنزي تقول " إذا فلترسلي له رسالة بالأصناف التي أفضلها أو سأرسلها أنا ليدرك أنه لم يتزوجك بمفردك لقد تزوجك ومعك صديقاتك " أمسكت تولين كفها تشد عليه بمحبة وقالت " صدقيني هو يعلم، ويعلم بكل الأصناف التي تفضلينها فمنذ احتللتن منزلي أصبح يدرك أننا لا نعيش بمفردنا وعليه مراعاة المحتلين من أكل وشرب وعدم اظهار عبوسه أو التعليق على أي موقف يحدث أمامه " زمت كنزي شفتيها بامتعاض وسحبت كفها تقول " تولين توقفي عن تزكيري كلما تناسيت، لم يكن على زوجك القدوم مبكرآ ليسمعني وأنا أحاول أن أحفزك ضده، هو المخطيء لا أنا، أين الالتزام بمواعيد العودة للمنزل! " انطلقت ضحكة تولين في براح المكتب الواسع ليفتح الباب ويظهر بشر عابس يقول " الصوت يا مدام، الصوت " اعتدلت تولين تنظر لبشر باشراق فكأنما منها يشع دفيء كونه وكأنما منه يشع دفيء قلبها فتقول " عذرا بشر لكني كنت أحاول تعديل صورتك السلبية أمام كنزي التي تراك غير ملتزم بمواعيد العودة للمنزل " أزاح بشر حقيبة مدرسية كانت معلقة بذراعه واقترب من تولين بعدما أغلق الباب ينحني مقبلآ رأسها فتتعلق بذراعه تلقائيا كأنها تخمد بتلك اللمسة هواجس الدقائق التي تفوت ثم قال " لقد اعتذرت بنفسي آنسة كنزي ألم يكفك هذا " تورد وجه كنزي بخجل فنظرت لتولين بلوم ثم قالت مكابرة " صدقني لو كان يكفي لما كانت زوجتك ضيعت وقتنا في تعديل صورتك، سأنصرف أنا فلدي الكثير من العمل لذلك ليكن الغذاء في الرابعة عصرآ " تحركت كنزي لتسأل تولين بشر " أين الفتيات " فيجيبها وهو ينظر لها براحة تنعكس دومآ على قسماته حين يكون في محيطها " بالخارج مع سارة تراجع معهم إجابات اختبار اليوم " همت كنزي بفتح الباب لتظهر ملاك أمامها تقول " هناك رجل يريد مقابلة حور ولم يعرف عن نفسه لكنه أعطاني هذه البطاقة وأخبرني أن الأمر مهم جدآ " نظرت تولين لبشر بتوتر أصبح رد فعلها الطبيعي تجاه أي شخص غريب ليطمئنها بنظراته وهو يمد كفه يلامس وجنتها بلطف كأنه يقول بصمت أنا هنا ثم تحرك تجاه ملاك وأخذ البطاقة ينظر إلى الاسم بتمعن لتنقبض كفه لكن لم يظهر على ملامحه أي شيء وهو يقول بلطف " عشر دقائق وأدخليه من فضلك يا ملاك، وأخبري سارة وإخوتك أن الغذاء اليوم وجبات سريعة وسيكون في حين عودتكم " هزت ملاك رأسها بخجل وانسحبت لتنظر له كنزي ببرود وتتبعها مغلقة الباب فيستدير هو للجالسة خلف مكتبها تنظر له بامتنان على كل ما يحاول فعله لأجلها ويقول " اشتقت اليك ".

بعد عشرة دقائق…..

دخل رجل خمسيني ذو هيبة ووقار مكتب تولين ليجد تولين تجلس خلف مكتبها فيما وقف بشر يستقبله وهو يقول بوجوم " أهلا سيد مدحت أنا بشر العزايزي زوج السيدة تولين العزايزي، خيرآ….. ما هو الأمر المهم الذي آتى بسيادتك، فأنا أعلم أنك لا تخرج من مكتبك إلا لأمر جلل " ابتسم الرجل بهدوء وهو يصافح بشر وأجابه " أعتذر عن التوتر الذي تسبب به قدومي المفاجيء لكني فضلت القدوم لعل حل الأمر الذي جاء بي يكون ودي " تحفز بشر برهبة فيما تمسكت تولين بيد مقعدها تشاهد ما يحدث أمامها بصمت ليلتفت لها مدحت قائلا بلطف وهو يدقق النظر إليها " كيف حالك مدام تولين، لقد سمعت عنك الكثير وكنت متشوق لمقابلتك " وقفت تولين وقد استجمعت شتات نفسها تقول " أهلا وسهلا سيد مدحت، تفضل ...ما هي قهوتك " جلس مدحت بهدوء وقال " لا داعي أنا لدي موعد وعلي اللحاق به فكما قال زوجك أنا لا أخرج من مكتبي لكني أتيت إليك لأني منذ فترة قد استلمت قضية كدت أرفضها لأنها ليست من تخصصي كما أنها بسيطة ولا يمكنني ترك أكبر قضايا لدي من أجلها لكن العميل أصر بشكل غريب على أن يتولي مكتبي القضية وحين استلمت الأوراق وبدأت أبحث عن الطرف الآخر في القضية وجدت أنه ربما يمكننا حل الموضوع بشكل ودي دون اللجوء للقضاء " سأله بشر بجمود " أتقصد أننا الطرف الآخر في القضية " أجابه الرجل بابتسامة تداري في طياتها الكثير " بل مدام تولين العزايزي ".
………. ……………
حين تعتمد بشكل كامل على الغد في تحقيق أحلامك إذآ أنت تحمل المجهول ثمن حاضرك الضائع في التمني، ربما كان بإمكانك أن تعيش كل ما تمنيته لكنك من انتظرت حين كان الانتظار لا يجدي.
………………………
تواشيح الفجر تنطلق من مئذنة الجامع القريب ناثرة في طرقات قريتها روحانية جعلتها تسترخي خلف نافذتها وهي تشاهد الرياح الباردة المحملة بعبق زهور حديقتها الصغيرة تشتد فيميل الزرع الأخضر على مد بصرها فكأنما ينحني راكعآ لله الواحد القهار تمتمت بخفوت " أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله، اللهم إني توكلت عليك وسلمت أمري إليك لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك " صمتت عن همس شفتيها لكنها استفاضت بحديث النفس وعيناها شاخصة نحو السماء تناجي من في نجواه تجد السلوى وراحة البال فالفكر حين يتمكن منها يكمد روحها التي اعتادت السلام لتنتهي لحظات الصمت حين طرق باب غرفتها المفتوح ثم دخل خالها بخطواته البطيئة يحمل المصلية ويقول " صباح الخير يا فاطمة، أنا سأذهب للصلاة وسأحضر الفطور وأنا عائد هل ينقصك أو ينقص المنزل شيء " التفتت تقترب بضع خطوات من الباب الذي التزم خالها حدوده كما اعتادت منه لتجيبه بابتسامة هادئة " صباح الخير يا خالي، في الحقيقة أنا أحتاج لشراء بعض النواقص التي تلزمني لذلك سأذهب للمجمع التجاري القريب من الجامعة بعد إنتهاء الدوام وهذا قد يؤخرني عن السيارة التي ستعود بي لذلك فكرت ربما….
قاطعها خالها مدركا لمقصدها وقال " رجوعك بمفردك غير مقبول فلم يكن الحاج إسماعيل ليرضى أبدآ، سأحدث سامي لينتظرك لكن لا تتأخري عليه فتأخيرك سيتسبب في تأخير باقي الفتيات لا نريد لأحد أن يتأذى منا يا بنيتي" رغم إعتراضها الواضح قالت بهدوء " لن أتأخرعليه باذن الله لا تقلق " تحرك خلف بعض خطوات قبل أن يتوقف بتردد ويسألها دون أن ينظر لها " هل فكرت بما تحدثنا به يا فاطمة، مر يومان ولم تجيبيني " أغمضت عينيها تحاول كبح الرد على طرف شفتيها فهي تتفهم مخاوف خالها لكنها لا تتفهم أسباب والدها الذي رحل عن عالمها فجأة حارقآ قلبها بنيران فقده بدون أن يخبرها أسبابه، فلعل قرار منها يريح قلب خالها تكون عواقبه غير معلومة.
ارتفع صوت الأذان منقذآ إياها من إجابة لم تجدها بعد، لتقول براحة " الصلاة يا خالي، أسرع ".
……………..
بعد الصلاة خرج الحاج خلف من المسجد يسير في الطرقات الهادئة محني الرأس يكاد لا يرى أمامه والأفكار تتقاذفه، المصلية تحت ذراعه الأيسر والمسبحة في كفه اليمنى تمر حباتها ما بين السبابة والإبهام في حركة رتيبة، يدور في فلك قرار لا تعينه ابنة أخته عليه فماذا هو بفاعل؟ لوأنه فعل ما يراه صحيح يخشى العواقب، ولو أنه فعل ما تراه صحيح أيضآ يخشى العواقب إذآ أين الحل، نظر خلف حوله ليجد نفسه قد سار هائما حتى تجاوز محل الفول والفلافل فتنهد قائلا " لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم " ثم استدار عائدآ ليجد الحاج مصباح يقترب منه قائلا ببشاشة " صباح الخير يا حاج خلف، هل كنت قادم لنا ...تفضل " تلجلج خلف بإحراج ثم قال منقذنا للموقف " صباح الخير يا حاج، لقد كنت ذاهب لسامي لأطلب منه أن يمر بفاطمة على المجمع التجاري عند عودتهم، فكرت أن عليّ إخباره لكي لا يواجه مشكلة مع باقي الأهالي لو تأخرت فتياتهم" بدت الخيبة جلية على وجه الحاج مصباح لكنه قال " ليس هناك داعي لتسير كل هذه المسافة فلتهاتفه يا حاج " ارتبك خلف وقال " كنت سأفعل لكني بعد أن أنهيت صلاتي ساقتني قدماي إلى الطريق " نظر له صديقه بتدقيق وسأله " هناك ما يشغل بالك يا خلف " جرت عينا خلف تفر من نظرات صديقه وقال " وهل كتبت لنا الراحة في هذه الحياة يا حاج مصباح، سأتركك أنا لتلحق الفطور وأذهب لأحضر فطور المنزل، السلام عليكم " هم خلف بالتحرك ليوقفه صوت مصباح الذي سأله بخفوت ولهفة "أليس هناك جديد فيما حدثتك به يا خلف، الحاجة سألتني أكثر من مرة وعماد يلح بشكل يوترالأجواء لقد مر أسبوع، أنا والله لا أريد الضغط عليك لكن الولد حاله لا يسر فالانتظار صعب وكلما قابلتك لا أجد منك بوادر رفض أو قبول، لو أن طلبنا مرفوض ومتحرج من إخباري أقسم لك أني سأكون متفهم فهذا زواج وأساسه القبول " سارع خلف يقول " وأين سنجد مثل عماد يا حاج، صحيح فاطمة رفضت الكثيرين لكن عماد لا يُرفض، كل ما في الأمر أن الفتاة تحتاج بعض الوقت وأنا لا أريد الضغط عليها فهذا وقتها لتتدلل " تنهد مصباح براحة وقال " أرحت قلبي والله، فالولد متعلق بها بشكل يجعل الحاجة يوميآ تطلب مني الذهاب إليها بنفسها ولكني أمنعها لكي لا تفهم زيارتها بشكل خاطيء، إذا كان التأخير من باب الدلال فلتأخذ وقتها بنت الحاج إسماعيل رحمه الله ونحن تحت أمرها " هز خلف رأسه وقد بلغ التوتر ذروته فالأمور تتعقد أكثر كلما مر الوقت ليرى عماد يخرج ببدلة عمله العسكرية وحين رآه يقف مع والده ابتسم باتساع وسارع نحوهما يقول " لماذا تقفا هكذا يا حاج تفضلا، الحاجة أرسلتني لأناديك من أجل الفطور لكن يبدو أننا لن نفطر اليوم بمفردنا، تفضل يا حاج خلف " رفع مصباح ذراعه يحيط كتفي ابنه بفخر وهو يجيبه " لا تحاول فعمك خلف لا يأكل بدون ست البنات، لذلك لنؤجل الفطور إلى اليوم الذي ستنير به منزلنا " سأل عماد بصدمة " حقا يا أبي، هل وافقت " وبدون أن ينتظر ردآ قبّل كف والده ورأسه ثم التفت إلى خلف وقال " بشرك الله بالخير يا حاج خلف، منذ رأيتك واقفآ مع والدي وأنا مستبشر أن الله أرسل فرجه، سأدخل لأبشر الحاجة " ضحك مصباح بسعادة حين عاد ابنه يقبل رأسه وكفه قبل أن يركض ببدلته العسكرية تجاه المنزل كأنه طفل أتاه العيد قبل موعده ويقول " رددت روح الولد يا خلف " انطلق صوت زغرودة ضعيفة فيما تجمد خلف ينظر لما يحدث بذهول فمصباح قرر أن الموافقة صدرت من عروس لا تعرف حتى أن هناك من طلبها للزواج.
………………………
نحن لسنا محض ملامح تنضج حتى تشيخ، لسنا محض حكاية تروى حتى تنتهي، لسنا محض عمر يمر حتى يفني، إنما نحن تلك التفاصيل الباقية، تلك الرحلة الحافلة بين هذا وذاك.
………………..
كشهاب حارق يخطف الأبصار أينما ولى ويأجج في الصدور الفتنة كانت هي بكل قوة تضرب الكرة المنطلقة نحوها ثم تقف لالتقاط أنفاسها وهي تشير بيدها قائلة " لقد تأخرت ..علي المغادرة الآن " انحنت زميلتها تلتقط الكرة التي فشلت في صدها وهي تقول بتزمر " ليس مجددآ لقد كنت على وشك هزيمتك هذه المرة " ضحكت بانطلاق جذب لها العيون أكثر وهي تسحب الرابط المطاطي الذي يجمع شعرها فانسدل بوهجه الأحمر على ظهرها ثم قالت " تحلمين... نلتقي غدا ".
تحركت تلوح بمضربها و تسير بغنج متجاهلة النظرات التي تخترقها من كل إتجاه، تتجاهل الهمس الخافت الذي يملأ طاولات سيدات المجتمع من حولها واللاتي تنقسمن بين ثلاثة جبهات الأولى يطعن فيها إرضاء لأنوثتهن الغير كافية، والثانية إرضاء لحماتها التي تعلن رفضها لها أينما ولت، والثالثة والتي تضم الأغلبية تطعن فيها انتقامآ لأنها شيراز الشافعي.
أوقفت سيارتها الرياضية بطريقة استعراضية محترفة أمام بوابة منزلها ثم ترجلت منها بملابسها الشبابية ذات الطابع الجريء تنادي بصوت مرتفع " حمد .. حمد ...أين أنت " ظهر شاب هندي يقول بأدب وعربية ضعيفة " أنا هنا مدام شيراز، هل تريدين شيء " ابتسمت شيراز باتساع وهزت رأسها تقلده وهي تجيبه " السيارة تحتاج للغسيل يا حمد، ولا ترسلها للمغسلة، اغسلها بنفسك وبتأني إنها فردآ من أفراد هذا المنزل " عبس الشاب من طريقتها في تقليده ومن أوامرها التي رغم مزاحها حين تطلبها تكون صارمة إن لم تُنفذ وبدأ بغضب يحدث نفسه بخفوت وهو يتجه للبوابة ليفتحها على مصراعيها فتُلقي شيراز له المفتاح وهي تجري كطفلة لا تحمل للحياة همآ وتمر من البوابة قائلة " توقف عن الامتعاض فأنا أسمعك حمد، بل كل من بالحي يسمعونك " زم الشاب شفتيه بينما هي استمرت في ركضها وهي تضحك بانطلاق.
دخلت من باب المنزل الذي لا يُذكّرها بقصر الشافعية رغم فخامته لتجد الخادمة في انتظارها فتحيها " مرحبا شاشتي لقد عُدت " حملت عنها الخادمة حقيبتها وقالت " السيد هنا منذ نصف ساعة " اهتزت ابتسامة شيراز للحظة خاطفة ثم تقدمت تعبر البهو الواسع حتى وصلت غرفة المكتب فطرقت الباب ثم دلفت تقول " مرحبا ...لماذا لم تهاتفني لأعود مبكرآ " وقف الجالس خلف المكتب مغلقآ الكتاب الذي بيده وهو ينظر لما ترتديه بيأس ويقول " مرحبآ شيراز لقد فضلت انتظارك….صمت فجأة كأنه يحاول منع نفسه عما سيقول لكنه رفع يديه مستسلمآ وقال " ألم أطلب منك التوقف عن ارتداء هذه الملابس ...شيراز من فضلك أنا أحاول هنا بكل جهدي لأجلك لذلك هلا ساعدتني " نظرت لعينيه وقالت بصدق " صدقني أنا أفعل " ضم قبضته يحاول كبت غضبه وقال " ليس هذا ما يبدو لي ...بربك لماذا تفعلين ذلك " أجابته بصدق أكبر " لأجلك " صرخ بها " كيف لأجلي، وكل ما تقومين به ينتقص من كرامتي ويقل من شأني، ليتك تحترمين ما بيننا كما أفعل، لقد تعبت " بثبات مغيظ لأعصابه قالت " أنا أدرك ذلك وأراه منذ زمن، لم أكن أنتظر تصريحك هذا صدقني، وتغيري لن يضيف لحياتنا أي شيء، لن يجعلنا أقرب ...لن يجعل والدتك تحبني ...لن يجعل عائلتك تتقبلني ...لن يجعل الناس تنسى ...لن يرزقنا بطفل " هادنها بعجز " أنت تكبليني هكذا ...هذه ليست طريقة لقد تعبت " ارتعشت ذقنها لكنها جمدت تلك الرعشة وقالت " يتعبني تعبك وتعز عليّ أنت، ليت بيدي شيء لأفعله لك، أن أتخلى عن المتبقي لي من نفسي لهو صعب، لقد تهشمت وما بقي لي مني سوى الحطام فكيف بربك أتخلى عنه، أخشى أن أستيقظ يومآ ولا أعرفني بلال فهلا قدرت " اقترب منها يضمها بحنان ويقول " أنت تعادين الكل شيراز، لا تتعلمين من الماضي، أنا خائف عليك " سرحت عيناها تخترق الجدارن وتكسر الوقت وتقفز حواجزه وتعيدها إلى حيث بدأ كل شيء فتنهر نفسها بصرامة وتعود لواقعها سريعا تقول بجمود " لا تخف علي ...لن يحدث لي أكثر مما حدث، لكن لماذا أشعر أنك تريد أن تخبرني بشيء " زفر بتوتر فابتعدت عنه تنظر لعينيه وتقول " لما كل هذا التردد ...هل حدث شيء" رفع كفيه يمررهما على ذراعيها كأنه يبث فيها دفيء تحتاجة لتصمد أمام ما سيقوله، وهي انتظرته بصبر أن يتحدث ليقول " لقد حددت أنا ودينا موعد الزفاف " رسمت ابتسامة لطيفة على شفتيها وقالت " مبارك بلال ...مبارك،أخبر دينا أني سأتفرغ أسبوع بأكمله لمساعدتها في تجهيز كل شيء، سأترك لكما الطابق العلوي وسأنتقل للملحق " عارضها وقد أصبح الموقف ضاغطآ للغاية " شيراز دينا لن توافق، لقد أرادت أن تأتي معي لتخبرك لكني فضلت أن نتحدث بمفردنا أولآ " ابتعدت عن كفيه بخفة لم يلحظها وقالت " لا تعقد الأمر بلال، بدون حساسيات أنا أريد مساحتي ودينا كذلك وهذا حل مناسب جدآ، كنت أفكر في الانتقال كليآ لكن والدتك ….قاطعها قائلا " شيراز أعلم أن والدتي تبالغ في أفعالها تجاهك لكنها ...صمت فلم يسعفه تعبير واحد يبرر به الأمر فتقول بتفهم " لكنها معذورة ...أنا مدركة لذلك وها أنا أتقبل بصمت وأتأقلم مع الممنوح لي، لكن هل لي بطلب بسيط" أجابها " لك ما شئت، اطلبي وأنا أنفذ " قالت برجاء بطن حروفها فلم تعلنه " سفرة تركيا التي تحدثنا عنها هلا جعلتها قبل الزفاف، أظن رحيلي أفضل في ذلك الوقت " أحنى رأسه للحظات ثم قال " شيراز حضورك الزفاف مهم جدآ جدآ، أرجوك الأمور ستتعقد بغيابك، أعدك أني سأحجز لك في نفس اليوم لكن لينتهي الزفاف وسأوصلك بنفسي للمطار وهذا سيكون أأمن " صمتت موضوعة أمام الأمر الواقع ولا سبيل للرفض فهي لن تعرضه للأذى مجددآ يكفيه ما ناله بسبب وجودها في حياته لذلك مستسلمة سألت " متى الزفاف؟ " ليجيبها وهو عاجز عن التعامل مع الموقف " بعد أسبوع " أمسكت كفه تخلع منها خاتم زواجهما الفضي وهي تقول " من غير اللائق أن تحضر زفافك بخاتم زفاف ..سأهاتف دينا لأبارك لها وأسألها عن تفاصيل الحفل " انسحبت خارج الغرفة بخطوات ثابتة ليتهاوى هو على أقرب مقعد يلوم نفسه على الوضع الذي يحياه لكن لم يكن أمامه سبيل آخر ليحب ويتزوج ويعيش حياة طبيعية إلا بهذه الطريقة.
…………………..
عجيب جدا مصطلح الأحلام الوردية، كأن الأحلام انحازت في جوهرها للنساء، كأنها وجدت لأجل نصرتهن على واقع يضطهد نون النسوة، وكأنها تعلن بكل انكسار أن الوردي سيظل محض حلم للحالمات رغم أنف الظروف.
…………………..
صوت الموج المتلاطم طرق مسامعها ساحبآ إياها من غفوتها لتنفرج أهدابها تنظر لما حولها بضياع لحظي قبل أن تسترخي ملامحها وتعتدل ناظرة للجانب الآخر من السرير فتجد مكان زوجها مازال خالي فتتحرك تجاه الباب الزجاجي الضخم المطل على البحر مباشرة تزيل عنه الستارة لتجد الليل مازال هو الآخر يطلق دجاه في عنان السماء والنجوم تضوي كأنها لا تنوي الرحيل، تنهدت تفكر أنها حتى الآن لا تصدق أنها قد حطمت جدران سجنها وعبرت، لا تصدق أنها غدآ ستتولى وظيفتها الأولى بعدما فقدت الأمل في أن تكون يومآ امرأة طموحة لديها كيان وهدف فقد قتلت كل أحلامها بالسابق على عتبة منزل يوسف العزايزي ...حين وصلت أفكارها إليه توقفت أنفاسها كأنما نفذت بالذكرى إلى كرامتها طعنة جديدة جعلتها تبطر حبل الذكريات وما يحمله من وجع واستدارت تجاه خزانة ملابسها بحماس طفلة ستحظى بيومها الدراسي الأول بعد ساعات.
وقفت تتأمل ملابسها بحيرة امتدت حتى تحولت إلى حزن أعادها جالسة على طرف السرير بأعين شاخصة نحو اللا شيء.
…………
في نفس الوقت دخل منذر منزله وهو يحاول كتم صوت الهاتف الذي لا يتوقف عن الرنين ثم خلع سترته الشبابية ملقيا إياها فوق الأريكة قبل أن ينظر حوله باحثا عن زوجته وحين لم تظهر تحرك نحو غرفتهما ليتفاجيء بها تجلس بملامح حزينة على طرف السرير فتجمد في مكانه للحظات قبل أن يقترب منها قائلا " بهية ...لماذا أنت مستيقظة ...إنها الثالثة صباحا " شهقت بهية بفزع وسألته " متى جئت " نظر لها بملل وقال " منذ دقائق " ثم تابع خلع ملابسه ملقيآ إياها بعصبية فتحركت تجمعها خلفه بهدوء وهي تسأله بخفوت " كيف كان يومك " أجابها باقتضاب " جيد " وجدته يستعد للنوم فسارعت تسأله " ألا تريد تناول أي شيء قبل أن تنام " تمدد ناظرآ لسقف الغرفة ثم أجابها " لا... أريد أن أنام ...لا توقظيني حتى أستيقظ بمفردي " أغمض عينيه فنظرت إليه بعجز كبل الكلمات على طرف شفتيها للحظات قبل أن تنطق مضطرة تناديه " منذر " فتح عينيه يتأملها مليآ قبل أن يسألها " ماذا هناك " زاغت نظراتها كأنها تبحث عن كلمات وبدأت أصابعها تفرك قميصه الذي بين يديها قبل أن تقول " أعلم أنك مرهق جدآ وتحتاج إلى الراحة لكن غدآ هو يومي الأول بالعمل وكنت آمل أن ترافقني " التفت لها يسألها بتعجب " أرافقك إلى أين " اقتربت من السرير أكثر وهي تجيبه " إلى المشفى ...فأنا أشعر بالرهبة ولا أظن أني سأتخطى ذلك الشعور بمفردي ...وجودك يشعرني بالأمان " كلماتها الصادقة ...نظراتها المترجية ….هشاشتها الواضحة كانوا كل ما افتقده و كل ما يحتاج إليه لماذا إذا لم يتغير شيء بداخله، لماذا مازال رغم كل ما حدث يسلك نفس الطريق كأنه أدمنه، ولماذا يريدها بكل ما تمنحه إياه أن تصبح أنثى غيرها … ثائرة ...متمردة ...واثقة ….لكنها خاضعة له.
لمعت عينيه وقال لها " اقتربي " صعدت بهية على السرير تزحف على ركبتيها حتى وصلت أمامه تمامآ واستكانت تنظر له فجمع شعرها الأسود الذي انسدل على وجهها وقال " أنت تريدين بداية جديدة ...تريدين أن تصبحي أخرى أليس كذلك"
هزت رأسها مسحورة بالكلمات فأكمل قائلا " إذآ سيكون عليك أن تملكي الإرادة لذلك ...أنا يمكنني مرافقتك غدآ لكن وجودي سيكون حاجز بينك وبين أول خطوة حرة عليك أن تأخذينها بمفردك ...لقد اتفقت مع سائق خاص سيتولى أمر ذهابك وعودتك وجهزي نفسك خلال أسبوع لتعلم القيادة " كانت مأخوذة بكل ما تُمنح فقالت له "لا أصدق " ابتسم مؤكدآ " بل صدقي هذه مجرد البداية بهية ...أنا سأمنحك كل ما تصبو إليه أحلامك وعديني أن تمنحيني بالمثل " ابتسمت باتساع فشعت فتنتها وهي تقول " أعدك ...أعدك " اقترب منها أكثر ليتعالى رنين هاتفه مجددآ فقال لها " لقد رحل النوم عني ...ما رأيك أن تحضري لنا الجلسة الخارجية ..سأجيب على الهاتف وأتي إليك " أمسكت كفه تشد عليها من فرط السعادة وهي تقول " حالآ سأعدها " ثم انسحبت بخفة يكاد الحماس في أوردتها يجعلها قادرة على نسيان كل ما مضى والاستعداد لكل ما هو آت وبمجرد خروجها أجاب منذر على الهاتف بغضب " نعم جيلان ...ماذا تريدين الآن " صمت مذهول مما يسمعه ثم زعق بصوت مكتوم " هل تراقبيني ...هل جننت " تعالى النواح الهستيري من محدثته تبعها بعض الكلمات التي جعلته يقول بقسوة شديدة " أنت ومن رأيتني معها اليوم لستما سوى وقت أمضيه وإذا لم تقتنعي بذلك بعد فأنا مستعد أن أثبت لك وأستبدلكما بثالثة غدآ " أغلق هاتفه هذه المرة تماما ثم تنفس بهدوء يسترخي قبل أن يبتسم منتشيآ من ذلك الشعور الذي يعيشه كأنه شهريار وعلى بابه تنهار النساء ….ولكن أهناك شهريار قد يُرفض ويُنبذ أعتمت أحداقه وطيف من لفظته كنفس لا يسعه صدرها يحضر فتتغير ملامحه وتتصدع نشوته مكملآ سقوطه ولكن هذه المرة لم يكن بمفرده فهناك كف شد على كفه وقد إرتبط مصيرهما قد يسقط معه.
……………………..
جدير بالذكر أني ما فنت بداخلي حشود الغضب، جميعها مازالت على ثورتها تحتشد وتطالبني أن أتمادى فيا للعجب.
جميعها مازالت حُرقتها منك نار تشتعل، والخذلان غول ينهشها بلا تعب، ومازالت الأوجاع على حدتها لا تكتفي مهما استبد بها التعب، ومازال ثأر القلوب قائمآ فلعل عقلك يستعب.
……………….
الطريق الممتد على جانبي تلك السيارة الضخمة المنطلقة تسابق الريح إلى وجهتها كان يسبي النظر، السماء صافية والهواء البارد كأنما تجرد من دفء الشمس الساطعة وعبر من نافذة السيارة حين أخفض زجاجها الأسود يلفح الجالسين بداخلها فيقول نصار وهو يخفض صوت الموسيقى الغربية المرتفع جدا " زكريا ….جهاز تحديد المواقع يوضح أننا وصلنا، هديء سرعتك " أخفض زكريا زجاج النافذة المجاورة له يبتسم باتساع حين ظهرت له أسوار بيضاء عملاقة وقال " نحن بالفعل وصلنا ...أنا متحمس للغاية "

اقتربت السيارة أكثر نحو البوابة فيخرج زكريا لرئيس فريق الحراسة بطاقة دعوته فيبتسم له الرجل بلباقة ويشير له بالمرور فتفتح البوابة لتعبر السيارة يسير أمامها مرشد ليكون دليلها نحو مكان وقوفها وسط الكثير من السيارات الفارهة ثم ينتظر الشابان ليترجلا منها ليقول " من هنا ...تفضلا " تبعاه ينظران حولهما بفضول ليقول نصار " لم أتخيل هذا المشهد، الآن لا أستغرب من الرقم الذي تحمله معك " نظر له زكريا بغرور ذكوري لا يفارقه " كل الأرقام هي صفر أمام شاهين الجوهري صقر آل الجوهري يستحق الأفضل " تهكم نصار وهما يعبران بهو ضخم نحو بوابة تنفذ بهم إلى داخل مزرعة الخيول " هل تتحدث عن شاهين الماضي، أم شاهين الحاضر لأن هناك فرق " أجابه زكريا بلا مبالاة وقد انتهى بهما المطاف جالسين على مقعدين في منصة لمشاهدة الخيول التي ستدخل المزاد " لا فرق صدقني، وإن كنت تقصد تأزم الوضع بينه وبين مؤيد فالأمر لا يتعدى خلاف بين إخوة سيأخذ وقته وسيمر،وشاهين لن يهدأ حتى يخرج من بيننا من تحمل دماء الأنذال والعائلة تدعمه في ذلك ويومآ ما سيتفهم مؤيد " اعترض نصار بسخط " سيتفهم ماذا ….إنها أخته لقد وضعها في كفه والعائلة في أخرى ورجح كفتها، وشاهيين لا ييأس كأن الشافعية انتصرو علينا حين اختلطت دمائهم بدمائنا ناسيآ أن مؤيد تصدى لهم وأخذ ميراث أخته غصبآ واقتدار حارقآ لقلوبهم مؤججا لغضبهم ومنكسآ لرؤسهم " صفق زكريا للفارس الذي ظهر يستعرض مهارات فرسه وهو يقول " كل هذا لا يكفي،ةجميل لكن لا يكفي، العائلة يساورها القلق أن تكون تلك الفتاة هي السبب الذي سيجعل مؤيد يتنازل ويرضخ ويضع يده بيد الشافعية خائنآ لنا جميعآ، ثورة شاهين لأجلنا ولأجل مؤيد وعمر، تلك الفتاة يمكنها أن تكون ثغرة في جدارنا ينفذ لنا من خلالها الكثير من الخسائر والدليل ما فعله مؤيد بشاهين منذ فترة، الأمر يتفاقم" صمت نصار يفكر في الحديث وصوت تشجيع المتابعين يعلو من حوله ليقول زكريا " لقد أعجبني هذا الفرس، ما رأيك " أتته الإجابة من صوت يمقته بشدة يقول " الفرس رائع لكن ماذا سيفعل الرعاع بفرس أصيل مثل هذا، فسلالته تعد ذات تاريخ بعكس سلالتكم يا آل الجوهري " وقف زكريا بغضب متحفزآ ينظر لعابد الشافعي ثم ابتسم بسخرية وأجابه "عجبا، انظروا من يدافع عن نقاء السلالات! كيف إذآ وأنتم من يقام مع كل صفقة لديكم زفاف حتى وإن كان الطرف الآخر كلب، بناتكم تباع فوق طاولة الاجتماعات وأشباه الرجال يقبضون الثمن " توسعت أعين عابد بغضب ينذر بالخطر وأخرج سلاحه يوجهه نحو زكريا وهو يهدر " عجلت بموتك" فصاح به نصار " أنزل سلاحك وابتعد فأنت لا تريد أن تتسبب في شجار دموي هنا وبين هؤلاء " حاد عابد بعينيه لنصار ليستغل زكريا تلك اللحظة وفي لمح البصر كان بيد واحدة يرفع الكرسي المجاور له وينزل به على رأس عابد وهو يقول " إذا كان يريد الشجار فأنا لها " وفي اللحظة التالية كان رجال عابد يقتربون ومعهم شباب من الشافعية وقد ملأ الشر العيون فسارع نصار يقف في ظهر زكريا بينما يرفع الهاتف إلى أذنه وهو يصرخ " شاهين ".
…………………………
يقف بعيون صقرية تملكت منها الحيرة ينظر لزجاجتي العطر أمامه متجاهلآ كل ما حوله وعازلآ نفسه عما يسهل إدراكه في عيون الواقفة أمامه ليأتيه صوتها مبددآ لتركيز حاول أن يستدعيه " لما لا تدعني أساعدك " ابتسم الواقف جواره بخبث وقال " لما لا تدعها تساعدك شاهين، فطقوسك في إختيار عطرك هذه المرة قد تكون غير مجدية " التفت ينظر لآصف بعيون غاضبة ثم تجاهله وهو يلتقط إحدى الزجاجتين ويرفع قطعة ورق مقوى لإختبار الرائحة ثم ينثر عليها من العطر ويحركها من حوله وبعدها أغمض عينيه وسار عدة خطوات يتنفس بعمق كأنه ينتظر من العطر أن يلمس روحه وقد أصبح محط أنظار جميع من بالمكان الذي يعج بالنساء تحديدآ بينما آصف ينظر له باستمتاع وهو مدرك لما سيحدث.
وبعد ثانية واحدة صاح شاهين بغضب " ليس بالقوة الكافية … لماذا يحظى عطر رديء كهذا بكل تلك الضجة ويدفع به هذا الثمن، هذا يعد نصب " تجمدت الفتاة التي حملتها رياح الإعجاب للحظات لتحط على الأرض بقوة صادمة وهي تقول " أخفض صوتك من فضلك، هناك زبائن بالمحل وعطورنا جميعها أصليه أؤكد لك " رماها شاهين بنظرة قاتلة قبل أن يقول لآصف " إنه لا يقترب ولا بمقدار شعره من عطري الخاص، الهرم العطري هنا مختلف المستويات أقل بكثير مما تبدو، يطغى العطر الخشبي لكن هذا لم يخدعني" ابتسم آصف وقال " حسنا، لما لا تجرب الآخر".
عبس شاهين وقال " أنا لا أريد تغيير عطري، يصعب أن أجد ما هو أفضل منه " رفع آصف حاجبه وقال ببرود " ولكن هذه العطور تعتبر الأفضل عالميا، ثمن الزجاجة يعد ثورة مؤكد هناك سبب لذلك " لم يبدو الاقتناع على شاهين الذي قال " الأمر ليس سوى خدعة، ربط العطر بمستوى طبقي معين يجعل المشتري نوعآ ما متساهل مع مستوى المنتج منحاز للطبقة التي ينتمي إليها، إنه نظام تسويق عنصري أنا أرفضه وأرفض المنتج وأرفض نظراتك المستمتعة بما تراه ، آصف لماذا نحن هنا؟ " ارتفعت ضحكة آصف الصاخبة حاصدة من نظرات الإعجاب الكثير قبل أن يضع ذراعه على كتف صاحبه يجذبه خارج المحل حيث يقف العمال ليغيروا اللافتة ويضعوا أخرى تبدو شديدة الفخامة تحمل صورة صقر محلق بجناحيه بينما كتب إسم شاهين بشكل زخرفي يلمع باللون الذهبي وقال " أردت أن أهديك شيء مميز، الآن يمكنك أن تمارس هوايتك الغريبة متى شئت، المحل به مختبر يديره فريق من الشباب على رأسهم كيميائي متخصص في العطور سيساعدك في تعلم المزيد " لم يبدي شاهين أي ردة فعل فأكمل آصف قائلا " المكان هنا متخصص في صنع العطور الخاصة، كما يوجد قسم للعطور الجاهزة بمستوياتها، أرجوك فقط ابق على الفتيات العاملات فلن يكون من اللطيف قطع رزقهم لأنك أصبحت مالك المكان " لم يصدر من شاهين صوت أو حركة فزفر آصف بملل وقال " إن كنت تستعد لنتشاجر فأنا لن أسمح لك، سأرحل ولنتقابل ليلا، قبل أن ترحل أتمنى أن تعلم الفتاة التي بالداخل أن غريب الأطوار الذي كان يقف أمامها هو مديرها الجديد" لوح له آصف مبتعدآ نحو سيارته بينما شاهين ظل يناظر اللافتة وهو يتذكر ذلك الحلم البعيد الذي كان قد نسيه في دوامات غضبه الذي اشتعل منذ سنوات وهيهات أن يجد ما قد يطفئه ويثلج صدره، حلمه الذي وأده الغضب الذي نبت في شريانه ثم نما فيه وتوغل
حتى تملك منه وغير خارطة روحه وفكره تاركا إياه وقهره وجهآ لوجه على الدوام، تنفس بعمق يحاول تهدأت مراجل الغضب التي تعيد عليه ما يتمنى أن ينساه فلا تسمح له ولا تدعه ليسكن لحظات ليتعالى رنين هاتفه فيرفعه بذهن غائب ويضعه على أذنه ليصله صراخ نصار الذي جعله يترك العنان لما بداخله فيعدو نحو سيارته وينطلق ومن خلفه رجاله متوجهين نحو تلك الحرب الطاحنة.
……………..
أترين ذلك العالم الممتد بكل بقاعه ما دروبه التي تفرين إليها مني إلا خطوط كفي المطبق حولك، ما ظلمته الحالكة في عينيك إلا قراري الذي ما فتأ يصارعني مفرقا أصابعي كي يمر شعاع الأمل نحوك، ما قسوته العاتيه إلا غضبي الذي إشتدت أناملي له منذ أشعلت مراجله بفضولك وجهلك.
…………………
ما أقسى أن تمر بكل عثراتك وحدك، أن تقع وتتحامل على نفسك لتقف ليس قوة منك ولكن يقينا أن لا أحد سيمد لك يده لا أحد سيهتم وهو رغم كل غرابته وعيوبه وظلامه كان يهتم.
كان به جانب مضيء مهما أنكر، كان يحارب بضراوة مهما تنكر وارتدى قناع الجمود والغموض والسخرية واللامبالاة.
هي الآن متيقنة أنه استحق منها أن تقف وتتخلى عن هروبها الذي لم ينتهي سوى على بابه، متيقنة أنه يستحق ألا تفلت حبال صمودها الواهية ضاربة بكل ما قد تحمله من ماض عرض الحائط لتعدو كفرس في سباق غاشم دفعت دفعا إليه، هو أنقذها من مصير البؤساء دون ثمن وهى لن تستسلم حتى تجده وتنقذه مما لا تعلمه مهما كان الثمن، حاليآ هي تدرك أنها تقف على حافة النهاية وعليها ألا تخاف، فإذا كان السقوط قادم لا محالة لن تسقط وهي خائفة أبدا، لن تنتظر أن تدفع للهلاك وتعيش الفزع مجددا بل ستقفز وحدها منهية القصة بالطريقة التي تريدها، ولكن بعد أن تجده، نظرت بتول حولها بتوتر وقد استرعى انتباهها وقوف الجميع فوقفت بدورها احترامآ للقاضي الذي ينسحب من قاعة المحكمة ويبدو أنه قد أنهى الجلسة فاقترب منها المحامي الخاص بها وهو يقول " كل شيء سار تمامآ كما توقعت، لقد رفضت المحكمة الدعوة المرفوعة لأنها غير مدعومة بوثائق قوية وتبقين سيادتك حاليآ المدير التنفيذي الوحيد لكل ما يعود ملكيته للسيد فيلو حتى يظهر أو تعلن الشرطة عن وجود جثته " انقبض قلب بتول وقالت بغضب " أنه حي وسيعود ليجدني على مقدار الثقة التي حملها نحوي، هل هكذا بامكاني الآن اخراج هؤلاء المتطفلين من شركتي " ابتسم لها بلطف وقال " سيتم اخطارهم وإن لم ينفذوا أمر المحكمة ستقوم قوة من الشرطة بتنفيذ الحكم لا تقلقي " هزت رأسها وهي تقول بحرقة " علي أن أقلق فما يحدث لا تفسير له، اختفاء فيلو الغامض ثم ظهور هؤلاء الرجال وما حدث بعدها، الوضع يتفاقم وأنا وحدي وكل ما تركه لي أمانه لن أفرط بها لبشر، لذلك أريد منك في أسرع وقت أن تحصي كل أملاكه ما أعلمه وما أجهله لكي أضع خطة جيدة لتحصينها " قال بطاعة " أمرك سيدتي " أشارت لمساعدتها التي تقف على باب القاعة تنتظر أمرها وهي تسأله " ألا يوجد جديد بخصوص القضية، كيف حتى الآن لم تصل الشرطة إلى شيء، أريد دليل واحد فقط حتى وإن كان ضعيفا لكي أسير خلفه " صمت المحامي لحظات قبل أن يقترب منها ويقول بخفوت " نصيحة مني لا تعتمدي على الشرطة بعد ما حدث، موقفهم منك وما يظهر لي حاليا يشير أنهم يخططون لإغلاق القضية في أقرب وقت، إذا أردت إيجاد زوجك عليك الخوض في غمار ذلك بمفردك فمن الواضح لي أنه قد رُفع عنك الدعم عمدآ " حديثه جعل الخناق يضيق حول عنقها أكثر فسألته بصوت خرج منها مستجيرآ " كيف أفعل ذلك " نظر حوله ثم أجابها بصدق " أنت عربية لذلك الفرص أمامك محدودة جدآ، فكري وأخبريني بقرارك وأنا سأوجهك لكن لتعلمي أني لا أدخل في تلك الدهاليز بل أضعك على بدايتها فقط وما دفعني لذلك إلا يقيني أن هناك يد خفية تسعى خلفك، ألم تسألي نفسك لما قد يقدم شخص وثائق بهذا الضعف إلى المحكمة، ويرفع ضدك دعوى يعلم أنه من أول جلسة سيخسرها! " حبست أنفاسها وهي تسأله برهبه تملكتها غصبآ عنها " لما قد يفعل شخص ذلك؟ " نظر لها نظرة ثاقبة تأمرها أن تزيل غشاوة عينيها وقال " تمويه، يريدك مشغولة فلا ترين ما يحدث " توسعت عينيها فأكمل قائلا " سأنتظر قرارك " تحرك نحو باب القاعة لتقترب مساعدتها أكثر تنظر لها بحيرة وهي تقول " ظننت أنه بعد سماعك للحكم ستكونين أكثر راحة، لقد هاتفني السيد فيرينيل وأخبرني أنه بمجرد صدور الحكم انسحب الدخلاء بهدوء وبدون اعتراض أو غضب، الآن يمككنا متابعة عملنا فقد تكبدنا ما يكفي من الخسائر بالفترة الأخيرة " بدت بتول غير منتبهة لما تقوله شاردة الذهن فقالت لها بقلق " سيدتي ...أنت بخير " التفتت لها بتول وقالت " أخبري العاملين أننا اليوم سنعمل أكثر من الساعات الرسمية أريد أن أجد السبب الذي لأجله اقتحموا الشركة دون غيرها من أملاك فيلو، أريد أن أصل لما كانوا يشتتوا رؤيتي عنه" أسرعت بتول وخلفها مساعدتها لينضم إليها فريق حراستها المرابض في الرواق ينتظرها وقد أحاطوها بشكل جيد يدعموها في رحلة خروجها من المحكمة أمام العشرات من الصحافيين الذين مازالت قضية فيلو مادة دسمة لأقلامهم.
…………………
بعد جهد مضني ألقت بتول جسدها بتعب فاستقرت رأسها على ذراع الأريكة فيما تمدد جسدها بسكون تنظر نحو النافذة الزجاجية الضخمة بضياع وخوف لتجد ذهبية الشمس تخفت وقد إمتلأت السماء بمسحات برتقالية وقرصها الدائري يغيب رويدا ...رويدا، ظلت تتابع الغروب وقد تثاقلت جفونها ووعيها يتداعى في سبات عميق لتجد نفسها تقف على بداية طريق ضيق مرصوف بالحصى فتحركت تسير عليه ببطء وهي تشعر بوخز الحصى لقدميها الحافية، الرياح كانت هادئة والسكون يملأ دربها الضيق الذي إنتهى بباب تمَلكها الفزع لوقوفها أمامه، حاولت أن تستدير لتعود من حيث أتت ولكن الباب الخشبي العتيق الذي فُتح على مصرعيه دون أن تقربه شل حركتها لتشعر بيد خفية تدفع بها إلى الداخل، قاومت بشراسة لكن مقاومتها كانت كفعل واهي أمام ذلك الظلام الذي ابتلعها، ارتجف جسدها بشدة، كانت تختض وهي تنكمش حول نفسها فيصل إلى أذنيها صوت خطوات تقترب فتهز رأسها رفضآ وهي تسقط على الأرض تزحف في تلك الظلمة الموحشة هربآ وقد مزق الحصا كفيها حتى شعرت أن ذلك الكيان المُفزع قد أصبح أمامها فصرخت بانهيار " اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا...ولا يرحمنا ...ولا يرحمنا " لتظهر ملامحه فكأنما أنار الظلمة لهيب شمعة أعطته ظلا قذف في قلبها الرعب ليقول بنبرة صوته التي سكنت مسامعها كموطن فلا هي تغادر ولا هي تنسى " كرريها لعل بها نجاتك " فتحت بتول عينيها تنظر لسقف المكتب بارتعاش وقد مرت لحظات قبل أن تعتدل جالسة وهي تضع كفيها على جانب رأسها وتهمس بخفوت " مجرد كابوس ….مجرد كابوس، استغفر الله العظيم ….أنا منهكة وخائفة ومتوترة وهذا ليس جيد " وقفت تلف وشاح قطني حول رقبتها وتحمل حقيبتها وتسير تجاه الباب بتثاقل لتهاجمها تلك الملامح فتسري رعدة بجسدها تجعلها تقول بدون شعور " اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك، ولا يخشاك، ولا يرحمنا " كانت تنطق الكلمات برجاء كأنها تستعيذ برب الناس من شر شياطين الإنس وتعوذ بعظمته من أن يحضرون.
…………………..
إلى أولئك الذين بترت أوصالهم حين الولوج إلى العوالم الخفية، إلى أولئك العابرين قصرآ بين الهاوية والهوية، إلى المشتتين في البقاع وقد نحرت أرواحهم الأبية، إلى الذين مازالوا رغم كل ما مضى يؤمنون بالإنسانية، لستم وحدكم في هذا فهناك قصص كثيرة لم تروى بعد.
…………….
الأصوات المتداخلة في تلك القاعة رغم عدد المتواجدين الكبير كانت كهمس خافت يكاد لا يُسمع، الترقب كان يومض بالأحداق التي تدور بتقيم لمن حولها وكلا يحدد عدد أخصامه ويعيد ترتيب خطته قبلما يبدأ العد التنازلي لانتهاء الوقت، الوجوه مغطاة بأقنعة صلبة فلا تشي لمن ينظر إليها بشيء سوى الثقة بينما الجميع من الداخل بلغوا قمة توترهم، والانتظار أصبح لا يطاق.
أبواب القاعة التي بدأت في الانغلاق نبهت المتواجدين أن لحظات الانتظار الصعبة قد ولت لتخفت الإضاءة إلا من شاشة عرض ضخمة ظهرعليها شعار أكبر شركة حراسات أمنية في الشرق الأوسط فيما وقف رجال الحراسة على الأبواب كنوع من التشديد الأمني، ثم بدأ العرض…
في غرفة داخلية بنفس القاعة جلس رجل مهيب الطلة بهدوء ينفث سيجاره الكوبي بينما يشاهد ما يحدث في الخارج يدرس بعينيه الوجوه وردود الأفعال قبلما يغلق الشاشة أمامه ويقول للواقف بجواره " ارفع السعر أكثر فهناك وجوه يعلوها التصميم وستدفع مهما بلغ السعر فما يريدون إخفاءه وحمايته لا يقدر بثمن " حرك الواقف رأسه بطاعة ثم تحرك لينفذ الأمر فيما كان فريق كامل في أقصى الغرفة يعملون بصمت، أمسك هاتفه ينظر له بحيره منتظرآ رسالة لم يعرف لما لم تصله حتى الآن لتمر الدقائق قبل أن يعود الرجل إلى الغرفة قائلا " سيد حكم الشركة التي قدمت أفضل عرض يريدون مقابلتك لإنهاء الأمر " أطفأ حكم سيجاره فيما تحرك فريقه خارج الغرفة بهدوء ليقول بصوته الذي يحوي في طياته سلطة ونفوذ " دعهم يدخلون " استقبل حكم الوجوه التي أطلت عليه بجمود يعرف به فلم يرحب ولم يملك من اللباقة ما يجعله يمد جسور الود بينه وبين أشخاص ألقوا تحت قدميه ملايين الدولارات منذ لحظات فهو يؤمن أن لكل شيء ثمن فهم دفعوا وسيحصلون في المقابل على ما يوازي مالهم أما لطفه ووده فلا أحد منهم قد دفع لأجله، لم يترك المجال لأحد ليتحدث وهو يقول " العقد موضح به كل البنود التي سيلتزم بها الطرفين أي إخلال ببند واحد سيكون من حقي استرداد ما هو لي وبدون الرجوع إليكم وبالطبع هذا لن يكون في صالحكم أبدآ " أشار لمساعده ليضع العقود أمام المشتري وهو يكمل " هناك التزام سنوي يتغير حسب تقيمنا لكثافة المجهود المبذول منا على البرنامج الخاص بكم فكما تعلمون
نظام أمني بهذه القوة سيتعرض لهجوم قوي بمجرد ظهوره، البعض سيهاجمه بحثآ عن ثغرة تسقط لها أسهم شركتنا، والبعض سيهاجمه بحثآ عما تريدون إخفاءه وهذا سيتطلب مجهود جبار، رغم استحالة الأمر " نظر المشتري لمرافقيه بعيون غير راضية فبادلوه النظر بوجوه كساها الرفض ليقول " سيد حكم أنا سأدفع مقابل برنامج الحماية المقدم من شركتك مبلغ مهول، لكن هذا العقد مجحف في بنوده، فهناك بند فحواه أني ليس لي الحق بمعرفة المهندس الذي ابتكر ذلك النظام أو التعامل معه أو السؤال عنه وأن تعاملي محصور في التعامل مع كيان شركتك التي هي المالك الوحيد، هل تتصور مني أن أدفع ملايين طائلة في برنامج أمني قد يكون ابتكره غر لايستطيع حمايتي حين يستدعى الأمر، وجود المهندس شرط أساسي لإتمام تلك الصفقة أو حتى الإعلان عن هويته " أشار حكم لمساعده فسحب العقد بدون تفكير ليبهت المشتري ويقول بتوتر " أنا مستعد لدفع الضعف إذا أفصحت عن هوية المبتكر " وقف حكم يقول بحسم " أنت هنا لا سلطة لديك لتملي شروطك، أنا لدي برنامج أمني سأتلقى خلال ساعتين لأجله عروض تفوق عرضك بأضعاف وسيقبلون بكامل شروطي وبدون نقاش، فكيان الحكم يعرف في الأوساط المخملية بالمنقذ، أنت تعرف جيدآ أن اللجوء إليّ يعني أن القادم لديه من الأسرار ما يجعل عنقه على حد السيف وأنا وحدي من سيقف بينه وبين النحر، وإن استدعى الأمر أن ينحر فأنا من يعيد له الحياة مرة أخرى وأنت تدرك ما أعنيه جيدآ " وقف المشتري يقول برهبة " سيد حكم أنا فقط أحاول أن أضمن أني سأجد الحماية الكاملة مقابل ما سأدفعه " نظر له حكم بتجبر وقال " وأنا من حقي أن أرفض التعامل مع شركتك نهائيآ ومن اليوم أنا سأرفع يدي عن كل ما يخصكم، فإن كنت لا تثق أني وحدي من يستطيع منع كل الأيادي التي تبحث عن عنقك لتبحث عن آخر يفعل ويستطيع حمايتك " تحرك حكم خارج الغرفة ليحاول الرجل اللحاق به وهو يهتف بخوف " سيد حكم سأدفع ما ستطلبه لكن لا تصعد الأمر لهذا الحد ...سيد حكم من فضلك ….أرجوك " وقف رجال حكم يحولون بينه وبين حكم الذي سار في الممر متجها إلى خارج الفندق لكن من الأبواب الخلفية وهو يقول لمساعده " نصف ساعة لا أكثر تكون بها أنهيت كل شيء، ارفع عنه الحماية بالكامل " سأل مساعده بصدمة " بالكامل ...حتى نظام المعلومات " أجابه حكم بخفوت صارم " قلت بالكامل ...وأعلن عن أن التطبيق لم يباع لكن ضاعف السعر وشدد بنود العقد أكثر فأنا واثق أن من رحلوا مترددين يعضون الآن على أناملهم ندمآ وينتظرون هذا الخبر " قال مساعده " أمرك سيدي " ثم انحني يفتح له باب السيارة وهو يقول " مع السلامة سيد حكم " انطلقت السياره بحكم الذي أغلق الحاجز الزجاجي بينه وبين السائق ثم خلع سترته وفرك بيديه وجهه بقوة قبل أن يلقي برأسه للخلف ثم يرفع الهاتف وينظر إليه بعيون غاضبة ظلت تحدق في الشاشة لدقائق قبل أن تتخذ القرار الصعب وتبادر بالإرسال ليقطع رسالته رنين الهاتف فينتظر لحظة قبل أن يجيب بهدوء " لقد سار الأمر أفضل مما توقعت وخلال ساعات سيكون في حسابك مبلغ ضخم، هل أنهيتي ما طلبته منك؟ جاءه الرد كما يتوقع تمامآ لكن كان بداخله شعور مقبض أنه ربما هناك شيء لم يتوقعه أبدآ قادم في الطريق إليه.
……………………
أنا لست بالشيء الذي يذكر، أنا المرصود في ظلام الليل لاأكثر. من فاتته مواكب العمرغلابا فمضى في وحدته على الذكرى يقتات ويتحسر ويحشد الأسباب التي استنكرت حشدها من أجل أن يتريث وأن يصبر، أنا المهزوم لا أنكر من غاب طويلآ في وهمٍ وانصاع قبل أن يؤمر، فأنا ذلك المنبوذ الذي ظن أنه الأمكر.
……………
معزولآ عن كل ما حوله مندمجآ بكل كيانه مع صديقه الوفي الوحيد الذي تمكن من انتشاله من معركة الماضي واضعآ إياه بحقيبة سفره التي لم يجد هو أو هي وطنآ ومستقرآ لهما حتى الآن، يبحر بين الكلمات التي كان موجها مندفع ومتقلب وقاعها عميق لا نهاية له.
أنفاسه الهادئه ليست ساكنة ولكنها مرهقة مما تعايشه وهي تغوص في جنون هذه الأفكار، عيناه تجاهد لترتخي وتتوقف ولكنها لم تتمكن إلا من العبور بين السطور وقد كبلت إرادتها بعقل لايستسلم حتى انفصل فجأة عن مداره حين امتدت يد تجذب الكتاب من بين يديه ووصله صوت طاهر يقول " لم أكن متحمس للقائنا ويبدو أني كنت محق " وقف حذيفة مبتسمآ يستقبله لكن ابتسامته لم تخف اهتزاز نظراته التي جاهد ليعيدها متزنة وهو يقول " تأخرت ففكرت أن أضيع الوقت بقراءة كتاب " قلب طاهر الكتاب بين كفيه وقال " بربك لم تجد سوى هذا الكتاب، ذكرني ألا أتأخر عليك مجددآ " أجابه حذيفة " سأفعل لأني لا أطيق الانتظار ...تفضل طاهر " وضع طاهر الكتاب على الطاولة بينهما لكنه لم يرفع كفه عنه كأنه شعر برغبة حذيفة في أخذه وإخفائه فسأله حذيفة الذي استعاد هيمنته الكاملة على جوارحه " دعنا نطلب لنا شيء ...ماذا تشرب " أجابه طاهر وأصابعه تنقر فوق الكتاب مخلفة صوت أشبه بدقات الساعة " لقد اكتفيت اليوم من القهوة فليكن عصير ليمون " أشار حذيفة للنادل الذي سارع بالاقتراب وقال له " قهوتي المسائية وعصير ليمون للسيد طاهر " حرك النادل رأسه بطاعة وانصرف فالتفت حذيفة بعيون تتحين الفرصة لسحب الكتاب من أمام طاهر بطريقة تبدو عفوية وطبيعية لكن أصابع طاهر التي تنقر فوق الكتاب أنبأته أن طاهر يصب تركيزه على قراءة لغة جسده فحاول الاسترخاء أكثر دافعآ ظهره للخلف وهو يقول " أعلم أن تولين ضغطت عليك لمقابلتي لكني فكرت أنه إذا تحدثنا وجهآ لوجه ربما توافقت نظرتنا لهذا الأمر " عاد طاهر بظهره للخلف لكن كفه لم تتخلى عن الكتاب وهو يقول " أنا أيضا فكرت أن علي أن ألتقيك لأوضح سبب رفضي لعملنا سويآ ...أنا متيقن أن خبرتك وتمكنك بالمجال قد يتيحا أمامنا الطريق لما هوأفضل، لكن أنا لدي من المسؤوليات ما يجعلني أدرك أني لن أستطيع أن أعطي المصحة المجهود الذي تحتاجه وهذا سيؤثر علي وعليك، وأنا لن أقبل بهذا لك " نظر حذيفة لعينيه عاكسآ له ثقته فيما يقول وتصميمه ثم قال " طاهر أنا أدرك حجم مسؤولياتك بل وأحترم التزامك بها لكن منذ بدأ مؤمن بأخذ أول خطوة في تجهيز فرع المركز الطبي بالعاصمة وأنا جديا افكر في تخصيص مبني خاص للعلاج النفسي كنوع من الاستقلال المادي والاستقرار المعنوي الذي أحتاجه وبشدة لذلك تحدثت معه في الأمر ووافق على شراكتنا وبدأ فعلآ في تجهيز مصحة نفسية تابعة للمركزالطبي سأكون المسؤول عنها لكني أحتاج حولي من أثق بهم كأشخاص وككفاءة مهنية وكنت أنت على رأس القائمة لكن تولين جعلتك خارج القائمة ودفعت بهذا العرض لي " تنهد طاهر بقلة حيلة ثم قال " لم يكن عليك أن تأخذ بحديثها فأنت تدرك أن شعورها بالامتنان لكل من حولها يدفعها لتفعل أشياء كثيرة، وقد زاد الوضع عن حده في الآونة الأخيرة، تولين عليها أن تدرك أن الامتنان شعور جميل لكنه قابل جدآ لأن يصبح متطرف " مال حذيفة للأمام وقال " أعلم وتحدتث معها بهذا الشأن لكن هذا لا يمنع أني اقتنعت بحديثها وفكرت به جديآ وأريدك معي في هذا " حرك طاهر رأسه برفض وقال "هذا الأمر أكبر من قدرتي في الوقت الحالي فما بين عيادتي في الحارة التي تأخذ معظم وقتي وعيادتي بالمجمع السكني الجديد التي أعتمد عليها ماديآ في التكفل بالحالات التي أرعاها لا يوجد وقت، ما تطلبه لا يناسب ظروفي أبدآ فالأمر ماديآ مستحيل وعمليآ ربما أستطيع المداومة لكن لن أكون بالمستوى المطلوب أبدآ " صمت حذيفة قليلا وقد أراحه تشتت تركيز طاهر الذي كان منصبآ على الكتاب وعليه ثم قال " كل ما تقوله أعلمه جيدآ وفكرت به ووصلت إلى حل سيرضينا معا، ففي النهاية أنا أريد لهذا الأمر أن ينجح ولن يحدث ذلك إلا ومعي عقل فذ يساندني أثق به وفيه " ضيق طاهر عينيه وقال " كأنك تعاني من مشكلة في الثقة " رفع حذيفة كفه بمرح وقال " على الإطلاق لكن الثقة مطلوبة لما نحن مقبلين عليه " عاد طاهر بعينيه للكتاب ثم سأله " ما هو الحل إذآ " أجابه حذيفة بعملية " أغلب وقتك يضيع بعيادة الحارة والتي أغلب حالتها بحاجة لمصحة ورعاية مستمرة أليس كذلك " أجابه طاهر " هذا صحيح لكني أقدم المتاح قدر استطاعتي فأنا لا أدعم ماديآ من أي جهة، أحيانآ فقط أطلب من بعض الزملاء باختلاف التخصصات المساعدة بالكشف المجاني " قال حذيفة " وأنا وجدت حل أفضل، سنطلب الدعم المادي من رجال الأعمال الذين تربطنا بهم علاقة و غيرهم لتجهيز قسم يضم الحالات الخيرية وبهذا ستساعد أهل الحارة وتكون أغلب الوقت بالمصحة، فكر جديا بحديثي فاتجاهك الخيري لا يجب أن يؤثر على مستقبلك المهني وهذه فرصة لن تعوض " بدت الحيرة جلية على وجه طاهر الذي حرك بإبهامه طرف صفحات الكتاب وشردت عينيه للحظات قبل أن يقول " هذه مسؤولية كبيرة وأنا ...قاطعه حذيفة يقول بتصميم " كن سلس أكثر يا طاهر، أظن بهذا الحل لم يعد لديك حجة للرفض " تقدم منهما النادل فسارع حذيفة يسحب الكتاب ليبدو كأنه يفسح المجال لوضع القهوة والعصير ليجد النادل يضع أمامه ظرف أصفر ضخم مغلق بختم جعله يسأل النادل وكيانه يتأرجح في فورة هذيان خوفآ من أن يكون ما يحدث محض فكرة تجسدت " ما هذا " أجابه النادل بلطف " طرد لك، وصل حالآ " وقف حذيفة بسرعة يتساءل " من أحضره، أين هو " حرك الشاب أكتافه بحيرة وقال " أظنه رحل ...هل كل شيء بخير " تعلقت أنظار حذيفة بالباب للحظات ثم جلس بهدوء وهو يقول " نعم، كنت أتساءل فقط".
تحرك النادل مغادرآ فسأله طاهر " هل أنت بخير، تبدو وكأنك ….قاطعه حذيفة بمزاح " وكأني ماذا يا طبيب هل ستطبق مهاراتك علي، من فضلك ركز فيما قلته أفضل وأعطني موافقتك فلا داعي للتفكير " قال طاهر " أفضل أن أخذ وقتي في التفكير، فموافقتي ستكون بمثابة التزام كامل علي أن أقدم عليه وأنا واثق تمام الثقة أني سأكون بقدره " حاول حذيفة أن يكمل حديثه لإقناع طاهر لكن الظرف الموضوع أمامه كان كسور ضخم يقف بينه وبين ما حوله
حاصرت إياه فى زواياه التي تحمل الكثير مما لا ينساه مهما حاول التناسي لذلك رد عليه باستسلام " حسنا فكر لكن سأنتظر ردك في أقرب وقت، وحينها سيكون بيننا نقاش طويل أكثر دقة وأهمية " وقف طاهر قائلا " حسنا ...سأنصرف أنا وسأتواصل معك في أقرب وقت " وقف حذيفة ليودعه لكن عينيه لم تكن ثابتة تحيد نحو الظرف كأنها تتأكد من وجوده وهو يقول لطاهر " وأنا سأنتظر " مد له طاهر يده بسلام الوداع فالتقط حذيفة كفه ليقول طاهر " أيمكنني أن أستعير منك هذا الكتاب، قرأته مرة واحدة منذ سنوات ولكن حين رأيته معك فكرت في قرائته ثانية " قرأ طاهر في عيون حذيفة التردد الواضح قبل أن يقول " لم أنتهي منه بعد ربما في لقاءنا القادم " ابتسم طاهر ثم تحرك مغادرآ وهو يفكر أن حذيفة ليس كما يبدو حقا.
بينما بقى حذيفة للحظات يتأمل الظرف قبل أن يُقدم على فتحه فيجد بداخله كتاب للأحجيات لم يحتج لقلم ليحلها فذاكرته التي لا تفتأ تعيده إلى كل ما مر تكفلت بالأمر وهي تنبهه أنها أحاجيه الخاصة، هو من صنعها واحدة تلو الأخرى.
………. ………..
من أعلى قمم الثأر سقطت، زلت خطواتي منتكسة فهويت حتى خفت النبض، الشرخ الرابض في جوفي على وسع المدى يمتد، والحزن الحي في جثماني يلتحف قسرآ رداء الموت، ومن حولي لا أحد هنا، وحدي أنا في هوتي أرتد.
الاصطدام وشيك لا محالة وسيأتي مهما طال الوقت.
عبثآ أن أتمسك بحياة ظلت تلفظني فلكم من المرات قُتلت. وأريقت دمائي على أبواب حين طرقتها لم يجاوبني سوى الصمت.
…………………..
يشعر بداخله يضمر من شدة ما يعانيه، خطواته تحتك بالأرض كأنه يجاهد بكل قوته ليتقدم وصخب أفكاره لا يرحم فلا أصعب من كونك أعزل، هدف سهل، إنسان إذا طواه جوف الأرض لن يترك خلفه من يهتم أو يسأل، وحيد بشكل بائس ليس هناك لك ذكرى واحدة قد تشاركك ظلام الليل الذي دومآ ما حمل لك خفايا وأسرار تزلزل روحك التي ما استكانت أبدآ ولا كُتب عليها يومآ أن تستكين، الظلام من حوله يزيد من فزعه وجسده ينتفض وبداخله إحساس أن هناك من يرصده، يستشعر أن الظلام يحمل له أهوال ليس بقبلآ لها تحركت عيناه ببطء مميت وقد ازدادت ارتجافة جسده الذي حاول أن يتحكم بها لكنه فشل فسقط على ركبتيه منكمشا يغلق عيناه فلا تبصران سوى وجهها لتصيبه رجفة عنيفة جعله يشهق كمن قطعت أنفاسه وهو يعتدل جالسا يفتح عينيه على وسعهما ينظر للحائط أمامه بعيون جاحظة للحظات قبل أن يهديء به كل عرق نافر وكل نبض هادر وكل فكرسافر ينعكس على ملامحه التي سارعت تنغلق وهو يتحرك وقد تناهي إلى أذنيه همس يدور خارج غرفته التي يبدو أنه لم يغلق بابها جيدآ، اقترب بخطوات مكتومة يراقب رفيقه من شق الباب ليجده يقف أمام آخر ويحدثه بلغة لم يكن يجيدها لكنه يعرفها، حاول أن يستشف بعض الكلمات لكن عقله المشوش لم يسعفه وكذلك انتهاء الحديث وانصراف الرجل الغريب فجذب الباب يفتحه ويتقدم بعض خطوات ليأتيه صوت مرافقه قائلا " من الجيد أنك استيقظت ط، لقد وصل الطعام، لا أحد يأتي صقلية ولا يأكل هذه الأصناف، الفستق هنا مميز " سأله رائف بعيون متشككة " هل من كان هنا عامل التوصيل " أجابه رفيقه وهو يتحرك نحو أكياس الطعام " تستطيع إعتباره كذلك ...هل أنت جائع " عبس رائف وقال " أغلب العاملين في مهنة التوصيل يكون مستواهم المادي أقل بكثير من شراء حذاء كالذي يرتديه، ولا يتوفر لديهم من الوقت ما يكفي ليتمرنوا يوميا بمعدل يحافظ علي أجسادهم لتبقي في تلك الصورة التي لا يصل إليها سوى المحترفين، كما أن ساعته لم تكن مجرد ساعة عادية إنها جهاز إتصال ذكي عالي التقنية كما أن وشمه غير مريح، هل قدومنا هنا له علاقة بالمافيا " ارتفع حاجب الواقف أمام الطاولة يخرج الطعام من الاكياس ليقول " لم تبدو لي مستيقظ من وقت " اقترب رائف من الطاولة وسحب مقعد يجلس عليه بهدوء وهو يقول " لا أحتاج لوقت لأدرك أن هناك ما وصلك، هل حان الوقت لأفهم أي شيء مما يدور حولي " رمقه رفيقه بنظرة حذرة قبل أن يسأله " هل تتحدث الإيطالية " أعاد رائف رأسه للخلف يجيبه بوضوح وتحفز نبض في كل حرف خرج من فمه " ليست ضمن اللغات التي أجيدها، أظن أن من تحرى عني أجاد إختيارالمكان، هل لديك جديد " جلس مقابلآ له قبل أن يجيبه " لتأكل أولا وبعدها سنتحدث " رمقه رائف بعيون تنذر بالخطر قبل أن يسحب بعض الطعام المغلف نحوه ويتناوله بصمت وهو مدرك أن ما يقدم له يقدم بحرص ولغرض، لم يعترض على أن يتناول ما قد يكون وجبته التي لا يدرك متى سبحين موعد الوجبة التي بعدها، كانت لقيمات تقيه الوهن وهو في أشد الحاجة لقوته، لكن الصمت الذي ساد افترسه كما العادة واخترق وتر النبض الذي لم يستقر بعد ملاعبآ إياه على نغمة موجعة إجتمعت فيها كل الزلات …………
بعد قليل…
وقف رائف بجوار رفيقه في شرفة صغيرة تطل على ساحل البحر من يراهما قد يظنهما سائحان يتأملان سحر الجزيرة
ليقول رفيقه " ظافر العزايزي حاليآ يعتبر الجائزة الكبرى لن تصدق المبلغ الموضوع مقابل تسليمه …..أو قتله، لقد تورط في لعبة كبيرة مع أشخاص الخطأ لديهم لا يغفره سوى قبض الروح " سأله رائف وقد تركزت عيناه على طفلة صغيرة ذات شعر ذهبي تبني قلعة من الرمال " وهل نحن من سنسلمه أو نقتله " ضحك الآخر بتهكم وقال " الأمر أكبر من هذا، ظافرالآن مطارد من أكثر من جهة وهو يدرك ذلك جيدآ لذلك اختفى تمامآ ولا أحد يدرك له أثر " نظر له رائف بفضول وأسئلة كثيرة لم يفصح عنها ليكمل " لقد تملق ذلك الغبي واقترب من دبلوماسي معروف وقدم فروض الطاعة والولاء حتى أنه تزوج من ابنته وأنجب منها بدون علم عائلته، يبدوا أنه كان ينشد المنصب والجاه والعلاقات القوية لكنه تورط في منظمة عنيفة حماه أقوى أضلعها ويستغل منصبه لتسهيل الكثير من الأعمال المشبوهه وعلى رأسها تجارة الرقيق وبما أن ظافر أصبح جزء من عائلته زج به حماه في دائرته وفرض عليه قانون الصمت " قال رائف بإدراك " قانون عالم الإجرام الايطالي ميثاق الشرف، من يخالفه يعاقب " أكد محدثه قائلا " تماما، وظافر لم يكن شخصا قذرآ ليصمت لكن غبائه جعله ينكشف وحينها تحتم عليه أن يهرب بمفرده تاركا طفله أمانة لدى صديق لم يكن قبلآ لهذه الأمانة"
سأله رائف " فعاد إلى مصر " حرك رفيقه رأسه بموافقة ثم تحرك إلى الداخل فتبعه رائف متلهفآ ليدرك ما هو مقبل عليه ليقول الآخر وهو يفتح المبرد ليلتقط منه زجاجة مياه " لتكون العائلة في إستقباله متلهفين إتمام زواجه من بنت شيخ العائلة" ضيق رائف عينيه وذكر تلك الأرض يقرع في هواء نفسه طبول حنين محرم فيحارب رائف ليصرف شوقه الجارف عنها وهو يقول " لكنه لم يتزوج إبنه الشيخ " أجابه الآخر " نعم لأنه حين فشل في طلب الدعم من عائلته أخذ أخته وهرب خارج البلاد " بهت رائف قائلا بعدم تصديق " ماذا ...لماذا أخذها، ماذا فعل بها " أجابه رفيقه وهو يعود متجها نحو الشرفة " لقد أخذ الطفل من صديقه الذي قتل بعدما سلمه إياه بساعات وجاء بأخته إلى صقلية وترك معها الطفل ثم إختفى " سأل رائف بفزع " تركها بمفردها " أجابه " وبلا حماية لكي لا يلفت لها النظر، كما أنه أخذ لها مسكن في هذه المدينة التي تسيطرعليها عائلة إجرامية يخشى الكثيرون التورط معها لذلك أستطيع أن أقول أن الفتاة والطفل بأمان مؤقتآ، فمؤكد كما وصلنا لها هناك من وصل لكنه يخشي إثارة غضب المسيطرين على المكان، الفتاة مؤكد ستتعرض للاختطاف قريبا، هذا سيكون أنظف من قتلها ولفت الأنظار " سأله رائف بوجه جامد " وما دورنا نحن بكل هذا، هل علينا قتل ظافرالذي لا تدرك مكانه أم خطف الفتاة والطفل " اقترب منه الآخر ونظر لعينيه جيدآ ثم قال " نحن لسنا هنا لنقوم بعمل أحد، نحن الطرف الثالث الذي له مصلحة في كل ما يحدث " تسارعت أنفاس رائف برهبة تداركها وهو يستمع لمحدثة الذي قال له الكثير لكن ذلك الكثير لم يكن سوى أهوال.
………………..
لن أبارحكم حتى يعود الضوء، حتى تكشف مدن النورعن دروبها، فإذا اشتد البلاء وزاد الحمل قلوبنا قناديل نسير على نورها، وإذا لم تتلاق الكفوف فحبل الله يرشدها حين مدها، فلا أقسى من تيه الحياة وظلماء الروح إذا حادت عن درب ربها. ……………
تسير في الممر الطويل الذي يعم في جنباته السكون مرتدية حذاء مريح لا يصدر عن خطواتها صوت يعلوه بدلة عملية محتشمة لتكمل طلتها المعتادة وهي تجمع شعرها بطريقة حازمة ليبرز وجهها الأسمر النحيف ذو الأنف الناعمة والشفاه الممتلئة وطبق الحسن لمسة الجمال الوحيده التي تزين ذقنها وهي تراقب بعيون حريصة نظافة المكان من حولها، اقتربت من بعد المقاعد المتراصة على جانبي نهاية الممر فوقفت تجذب أحدهم لتتأكد أن عاملة النظافة تقوم بعملها كما يجب وحين تأكدت أعادته كما كان وتابعت طريقها إلى قاعة الطعام لتقف قليلا على المدخل تتأمل اللافتة التي كتب عليها قاعة الطعام بدار الإيمان للمكفوفات فتلمع عينيها قبل أن تمر بالقاعة لتتأكد أنها نظيفة ومرتبة باتقان يرتقي لينافس أرقى المطاعم رغم بساطة المكان ليغمرها الرضا وهي تكمل جولتها في باقي أنحاء الدار حتى وصلت إلى الجانب الخلفي من الحديقة حيث تجلس الفتيات بعد صلاة الفجر مع الأخصائية النفسية بالدار ومدرسة التربية الدينية ليتفكرو في أمور الدنيا والدين ويجدو الاجابات الصحيحة لكل سؤال قد يراود عقولهم البريئة التي سجنت في ظلام أخفى عنها حقيقة الحياة القاسية، ابتسمت بسعادة وقد وصلتها ضحكات الفتيات الهادئة لتلوح للأخصائية والمدرسة بهدوء وهي تأخد مكانها بين الفتيات بسكون لا تريد أن تقطع حديث إحدى الفتيات التي تسأل بخجل " ما هو الحب " ظهر الاهتمام على وجوه الفتيات لتبتسم مدرستهم وتجيب بتفهم " الحب هو شعور جميل وهو حقيقة ثابتة من حقائق الإيمان، فأنا حين أخبرك أني أحبك في الله تعني أني أحبك وقد تلاشت الأسباب ...حب لا يشوبه شعور بغيض قد يغير قلبي أو يصرفني عنك، حب صادق يمنعني من الانقياد لغيرك وهذا حال من أحبوا الله فأطاعوه وهذا يعتبر أنقى وأسمى أنواع الحب " سارعت نورسين تقول بعبث " هي لا تقصد هذا الحب " ابتسمت لمياء الأخصائية وسألتها بينما تعالى همس الفتيات الضاحك " لقد تعبت من أن أؤكد عليك يوميآ على عدم التدخل في حديث الآخرين، أنت تأخذين مساحتك كاملة حين يأتي دورك ومع ذلك لا تكفين عن مشاكسة الجميع " قالت نورسين بشقاوة " منى ستدعي الخجل ولن توضح سؤالها، لذلك هذه لا تعد مقاطعة بل مساعدة، وأنا أعلم أن أغلب الفتيات متلهفات لسماع الإجابة حتى أنا " قالتها بابتسامة واسعة أضاء لها وجهها المستدير جميل الملامح فقالت لمياء وهى تتحكم في صوتها ليخرج صارم " هذا لا يبررلك مقاطعة أخواتك يا نورسين، إن لم يكن لدى منى القوة لتوضح سؤالها مؤكد ستفعل المرة القادمة، هي قوية وواثقة مما تريد معرفته وتستطيع فعل ذلك بمفردها، أليس كذلك منى " هزت منى رأسها بخجل وقالت بصوت خافت " بالتأكيد " فقالت نورسين تشاكسها " ارفعي صوتك قليلا، لما كل ذلك الخجل أنه مجرد سؤال لم نتلقى إجابته حتى " شعرت نورسين بيد تضرب رأسها بخفة وصوت يقول بملل " أيتها المزعجة أنت تفسدين صباح الجميع " زمت نورسين شفتيها للحظة قبل أن تقول بمرح " عفوآ لم أعرف بوجودك يا كبيرة أعتذر منك " سألتها لمياء بعجب "ألا نستحق نحن أيضآ اعتذار يا أنسة، أم تعتقدين أن ازعاجنا واجب عليك تأديته " أجابتها نورسين بهدوء " من تريد الاعتذار ترفع يدها لكن لا تلجأ لي إذا احتاجت أي شيء وأنا أؤكد أي شيء " عم الصمت لحظة قبل أن تكمل حديثها سائلة " هل رفعت إحداهن يدها " قالت كيان بسخرية " ولا واحدة ...لأنهن يعلمن أنه ليس هناك سواك لا تفكر قبل الزج بنفسها في الكوارث، فيستغلوا حماقتك لتساعديهن على خرق القواعد " قالت نورسين " يا كبيرة لا يستحق أن يولد من عاش لنفسه فقط " شجعتها الفتيات بالتصفيق لتقول كيان " حسنا لكن أتمنى أن تدعمنها هكذا وقت العقاب حين تختفي كل واحدة منكن كأن الأرض شقت وابتلعتها تاركين لي تلك المزعجة لتحمل عواقب الأمور " اقتربت دولت مسؤولة المطبخ تقول بلطف " صباح الخير جميعآ " نطقن في نفس واحد " صباح الخير دولت " نظرت لهن دولت بسعادة قبل أن تقول " أنسة كيان لقد اختفى مخزون المطبخ من الفواكة المجففة والتسالي، أردت تحضير ضيافة من أجل الزوار لكني لم أجد شيء " نظرت كيان للفتيات لتجدهن دخلن في حالة من السكون وادعاء الجهل فقالت " لم تشرق الشمس بعد وها هي أولى كوارث اليوم، ستقفن جميعآ اليوم على الميزان ومن زاد وزنها باوند واحد ستدخل تحت قائمة الاكل الصحي حتى تعود إلى وزنها ولا يوجد فواكه مجففة ولا تسالي حتى نهاية الشهر إلا لو اعترفت إحداكن عن سارق هذه الأشياء " زمت الفتيات شفاههن بعدم رضا لكن لم تتفوه إحداهن بكلمة لتسأل كيان " أليس هناك واحدة منكن لديها ما تقوله " لم تجد إجابة فنظرت تجاه نورسين التي كانت ترفع وجهها نحو الاعلى كأنها ليس لها علاقة بما يدور وقالت " حتى أنت أنسة نورسين " رفعت نورسين كفيها وقالت " لما نورسين دونآ عن كل هؤلاء ...أنا لم أفعل شيء " وقفت كيان وقالت " حسنا كالعادة ستضطروني أن أعلم بطريقتي الخاصة، أكملن جلستكن ثم إذهبن إلى القاعة في موعد الافطار لا تتأخرن، لا أريد أن أجد أن هناك واحدة منكن لم تصلي فرضها أو تأخذ حمامها الصباحي وتغير ملابسها أو لم ترتب غرفتها وتأخذ جرعة الصباح من العلاج، كل هذا سأتأكد منه بنفسي بعدما أكتشف من السارق " أجبنها في نفس واحد " حاضر يا أمي " كان ردهن نوع من المزاح على أوامرها الصارمة لكن تلك الكلمة من أفواههن دومآ ما عبرت إلى قلبها وعلقته بقيود لا انفصام بكل واحدة منهن، ابتعدت عنهن بجوار دولت وهي تقول لها بصوت منخفض " الفتيات تبذلن مجهود كبير من أجل نظافة غرفهن لكن هذا لا يكفي أريد جميع الغرف أن يعاد ترتيبها وبدون أن تشعرن فلا أريدهن أن يعتمدن على أحد فيما يخص شؤونهم " أشارت دولت على عيناها وقالت " سأطلب من العاملات البدء من الآن وفي ظرف ساعتين سيكون كل العمل منتهي " هزت كيان رأسها برضا وقالت " أريد كشف كامل بكل ما ينقص المطبخ لأحضره اليوم " سألتها دولت " حتى الفواكه المجففه والتسالي " أجابتها " كل شيء ولا تنسي المنظفات، بعد إنتهاء الزيارة سأخرج لأحضرهم بنفسي " ابتسمت دولت وقالت لها " بارك الله فيكي وفي قلبك الطيب، سأذهب لأحضر الكشف قبل وضع الفطور " تركتها كيان وأكملت طريقها نحو مكتبها لتلتقط هاتفها الذي تركته موصول بالكهرباء قبل أن تقوم بجولتها، تحوي شاشته على عدة إشعارت فضغطت على إحداها لتجده من شركة شحن لم تتعامل معها من قبل تتأكد منها من عنوان الدار لأن لديهم طرد يخصها، لم تحاول أن تغرق في أفكار قد تشوشها بينما لديها زيارة مهمة فلعله تبرع من شخص لا يريد الإفصاح عن هويته ، كثيرآ ما قابلت أشخاص يفضلون فعل الخير من وراء حجاب لذلك أكدت عنوانها لهم قبل أن تضع الهاتف في جيب سترتها وتعود لتتابع عملها الذي لا تكل ولا تمل ولا تتقاعس عن تأديته على أكمل وجه.
………………….

ستظل وحدك ذلك الوطن الموجع الذي وأدني في سبيل استقلاله، الذي شن ملايين الثورات دوني وحين أتيت ندد بالسلم وعبرني مصرآ على إكماله، وطني الذي مهما هزمتني جيوش القسوة في عينيه لا أقوى على استبداله، ذلك الوطن الذي لن أعود إليه مهما حدث لكنه لا يبارحني رغم أن جوفي انصهر حين ذاق إشتعاله. …………..
تجلس على أريكة عتيقة الطراز ككل ما حولها تشعر بالألم يداهمها لكنها تتماسك وهي تؤدي صلاة الضحي بخشوع، مرت لحظات قبل أن تنهي صلاتها ثم تستند على ذراعي الأريكة تحاول رفع نفسها بكل قوتها لتعتدل واقفة ثم تسير بخطوات ثقيلة وهي تتلمس بطنها المرتفعة وتقول " ما بك هادئة اليوم، لا تركلين ولا تتصارعين مع أحلامك كأنك تشعرين بتعبي فترفقت بي ورحمتني، شكرا يا صغيرة فوالدك لم يفعلها " ابتسمت سيادة بحسرة وهي تتوجه نحو المطبخ الضيق فتكمل محدثة جنينها " أنقذني من الموت، ليقتلني بقسوته …..صمتت لحظات وقد فرت دمعة ساخنة من مآقيها فتنهدت بحزن عميق قبل أن تقول " مؤكد جائعة، أنا أيضا جائعة، لنرى ماذا لدينا " فتحت المبرد المتهالك بحرص فبابه قابل للسقوط في أي وقت لتجده فارغآ إلا من زجاجة لبن لم يتبقى بها سوى مقدار كوب فابتسمت وقالت " هنا لبن، تحبين اللبن مع الخبز، أعتقد هنا قطعة خبز، علي النزول إلى السوق فلم يعد بالمنزل أي شيء لكني متعبة جدآ " أغلقت باب المبرد لتداهمها موجة ألم عنيفة سقطت على إثرها زجاجة اللبن لينسكب أرضآ بينما تستند هي للمبرد تتمسك به بقوة خشية أن تسقط أرضآ فلا تستطيع القيام وحدها، بكت بحرقة متألمة حتى هدأ الوجع قليلا فنظرت إلى اللبن المسكوب بحسرة وقالت " ليس لي نصيب بك، يكفني الخبز " وبهدوء انحنت ترفع الزجاجة وتمسح اللبن وهي تنهت كأنها تقوم بمجهود لا قبل لها به ثم حملت كسرة خبز بيدها وتحركت خارج المطبخ لتتجمد فجأة وهي تشعر بمياه دافئة تتدفق منها على طول ساقيها فكتمت صرخة رعب كانت على أعتاب حلقها وهي تهز رأسها برفض وتقول " مازال الوقت مبكرا ….أنا لا ألد ….لا ألد ...لا أمر بهذا وحدي ...أنا لم يحدث لي كل هذا " لكن رفضها الواهي طار أدراج الرياح حين عاودها الألم فانطلقت صرختها قسرآ وهي تتحرك برعب تجاه باب الشقة تنزل سلالم العمارة المتهالكة كما تسمح لها حركتها فقدم تنزل وأخرى تلحقها وظهرها يحتك في الحائط ترمي بثقلها عليه وقد بدأت سيقانها ترتعش حتى وصلت إلى باب بالطابق الأرضي فظلت تطرقه بهستريا وهي تصرخ بتوسل قائلة " أنا ألد ….أنا ألد " مرت دقائق فقدت فيها قوتها على الصمود وكادت أن تهوى أرضآ قبل أن يفتح الباب ببطء وتطل من خلفه عجوز جزعة يبدو على وجهها أثار النوم فتقول سيادة بانهيار " أنا ألد ساعديني " توسعت أعين العجوز بإدراك وسارعت داخل شقتها تبحث عن مفتاحها وحافظة أموالها البسيطة وخمارها الاسود بسرعة قبل أن تقول لها " أنا معك تماسكي، علينا أن نصل إلى أول الشارع لنستطيع أخذ وسيلة نقل للمستشفى الحكومي القريبة ..حسنا " هزت سيادة رأسها بطاعة غير قادرة على الرد وقد هاجمها خاطر جعلها تزحف سيرآ على أقدامها رغم كل الألم ربما حانت ساعة موتها ….ربما اليوم هو النهاية.

توقف وسيلة المواصلات الشعبية التي استقلتها سيادة أمام المستشفى لينزل منها مراهق أسمر يصرخ نحو الممرضة التي تقف على المدخل تتحدث في الهاتف " معي حالة ولادة طارئة ...فليساعدنا أحد " أغلقت الممرضة هاتفها وجرت نحو الداخل قبل أن تظهر وبجوارها ممرض يدفع بكرسي متحرك فيما كان المراهق يساعد العجوز في إخراج سيادة لتصبح فجأة على الكرسي الذي طار بها في ممرات زاد في نفسها الرعب وفي روحها الوحشة وفي قلبها الانكسار قبل أن يصل بها الحال فوق طاولة الولادة تنازع الموت بينما تنشق روحآ من روحها يئن لها كل ضلع وجعآ وكل عصب تمزقا وكل نبض خللآ فتصرخ طالبة النجاة ممن له تكون النجوى فهو المُنْجي والمُنّجي ثم تتهالك وهي تستمع لبكاء خافت وهمسات تدور من حولها بينما وعيها يتأرجح ما بين الثبات والضياع فتهمس " هل طفلتي بخير " تجيبها الممرضة التي أشفقت عليها " بخير ...لا تقلقي، هل تريدين مني مهاتفة والدها أو أحد من أهلك " ارتخت حينها سيادة فاقدة لوعيها بعد كل ما عانته وهي تهمس بخفوت لم يصل أذن الممرضة حتى " لقد مات والدها ".
…………………..
أنا حر، كشهاب في عنان الفلك منطلق بلا قيد ولا مرسة ولا ذكرى تحيل النبض منقبض، أنا سبع لزئيري يعدو العدو منتفض، ولغضبي قرع خبيث حين يهيج يحيل عنق مجابهي منخفض. ……... ………

يقف بثبات وقوة واضعآ عازل الصوت فوق أذنيه بينما ترتخي الظلال فوق عينيه ذات اللون الغريب بسبب القبعة التي يرتديها والتي تحمل شعار مميز يدل على هويته، عيناه تطوي المسافة الطويلة التي بينه وبين هدفه مستدعية تركيزه لتحديد الوقت المناسب قبل أن تنطلق الرصاصات تباعآ في منتصف الهدف تماما، فيخفض سلاحه بهدوء وهو يتأمل الرقم القياسي الجديد الذي حطمه ويفكر أنه ربما ليس كافي، صوت تصفيق اخترق مساحته الهادئه فأزال عازل الصوت وهو يلتفت ليستقبل صديقه الذي اقترب منه يقول بمحرح " لا أصدق أنك فعلتها ...كم كانت المدة التي احتجتها هذه المرة " أجابه وهو يعيد حشو سلاحه " ثلاثة أشهر وأربعة عشر يومآ وسبع ساعات وواحد وعشرون دقيقة " رفع الآخر حاجبه وقال له " هوسك بالأرقام مازال يزيد من فضولي لأعلم سببه، على مدار سنوات معرفتي بك كم مرة سألتك ولكنك لم تجبني" تهكم سائلا صديقه " وهل صمتي كل هذه السنوات لم يوحي لك بشيء " أجابه صديقه الذي تحرك ليأخذ مكانه ويضع عازل الصوت " بلى أوحى بالكثير ولكني لن أيأس، أعطني السلاح " ابتسم بغرور واضح وقال " هذا المستوى لا يناسبك ...لا تسبب لنفسك الإحراج " تأفف الآخر قائلا " زوجتي أكدت عليّ صباحآ ألا أجعلك تفقدني ثقتي بنفسي، فأنا أستطيع فعل أي شيء حتى هزيمتك في عقر دارك وبسلاحك ….شاهدني " ارتفع صوت الطلقات المدوي قبل أن يجذب عازل الصوت من فوق أذنيه وهو يقول " هل ارتحت حين أفزعت الطيور في أعشاشها، يا صديقي لتقل لك زوجتك ما تشاء فالحقيقة أنه سيظل بيننا فرق ...وفرق كبير وعدم تقبلك لذلك يجعل الوضع أسوء " دفع صديقه السلاح نحوه وهو يقول بحنق " لا أسوء من كونك صديقي، أنت لا تطاق " لم يبالي به وهو يجمع باقي الذخيره ثم يتحرك خارج ملعب الرماية كطاووس مزهو يقدر نفسه حق قدرها، العيون تتربص به يعلم وهذا ما يسعى إليه، جاراه صديقه في خطواته الواسعه وهو يسأله " هل ستعود للعمل الآن أم لديك ما تفعله " نظر له بطرف عينيه وقال " مازال لدي ساعتين أفكر في العوده للمنزل لأستريح قليلا فالأيام القادمة ستستهلكنا جميعا " أشاح الآخر بوجهه نحو بوابة النادي وهو يقول " لا تذكرني لقد أصرت وفاء على إقامة حفل عيد ميلاد الصغير اليوم حين أخبرتها أن لدي عمل قد أغيب به لوقت غير معلوم، منذ الصباح الباكر والمنزل منقلب إلى خلية نحل وكلما شرحت لها أني أحتاج للراحة والاسترخاء قبل رحيلي تصيح بغضب أنها لن تترك العمل يسرقني منها ومن أسرتي وأنها ستجعلني أشاركها كل شيء خاص حتى لو اضطرها ذلك للتحايل على التقويم الشهري وإقامة عيد ميلاد الصغير قبل موعده بأربعة أيام " تنهد بقلة حيلة ثم أكمل حديثه قائلا " بالمناسبة ….أنت مدعو على الحفل " كان يتحدث منغمسآ فيما يقوله غافلا عن مجاوره الذي شعت منه برودة كما الجليد غلفت جوارحه عن كم الدفيء الذي يشع من الكلمات ...برودة أوهنت تلك الشعلة الصغيرة بصدره التي تموت شوقآ لشرارته المفقودة بين طيات الماضي والتي بعدما فقدها كأنما فقد كل سبل الشعور، صار كما لم يكن ...أضحى كما لم يرد ….بات آخر يتعايش مع كل ما حوله باستقامة وجمود ليجيبه بلطف قليلا ما أظهره " إذآ أنت جئت لتورطني في هدية، لقد استغربت وجودك أمامي وأنت من تختفي تماما حين نكون خارج العمل " رد عليه صاحبه وهما يعبران إلى الخارج " ماذا أفعل وأنت مطلوب بالاسم، أشعر أن وفاء تدبر لك فخ جديده لعلك تقع هذه المرة " حرك رأسه بملل وقال " زوجتك لا تيأس مثلك، أكل هذا خوف عليك من عابث مثلي، لنبتعد سيكون هذا أرحم مما يحدث لي على يديها " هم مرافقه بالرد ليقاطعه صوت إحدى رجال الأمن الذين يعملون بالنادي يجري نحوهم وهو يقول " سيدي أسف على إزعاجك ولكن هناك من ترك طرد من أجلك وشدد على ضرورة تسليمه لك شخصيا " نظر بعيون حذره نحو الظرف الكامن بيد رجل الأمن قبل أن تقع عيناه على الختم الذي أطلق في برودة روحه عاصفة رعدية شعر كأنما كل البشر قد سمعوا صواعقها قبل أن يقول بخفوت كأنما يحدث نفسه " سبعة سنوات ودقيقة واحدة ...لقد مر سبعة سنوات ".
……………..
في نفس الوقت تحديدآ كان آخر طرد قد وصل بين يدي صاحبه والذي كان أكثرهم صدمة وغضبا ورفضا، فمن الذي آتى بعد سكون دام طويلآ ليأمره أن ينزل من برجه العاجي حيث النعيم ليقف مجددا على أرض تزلزلها حروب السباع ...من الذي أربك هدوء القيصر وتبجح مستدعيه إلى وجهة لا تفتح طرقها إلا لأجل المعارك، من الذي امتلك من الهيمنة ما يعطيه القدرة ليجمع السباع مجددآ فوق أرض واحدة، من الذي بكل غشامة طرق أبواب الجحيم.


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:33 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.