آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          [تحميل] إمــا "شيطـــان" أو شـخـص مــهـزوز الـكـــيان/للكاتبة Miss Julian(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          جددي فيني حياتي باللقاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          زوجة مدفوعة الثمن (44) للكاتبة:Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          أشعلي جمر الرماد (4) للكاتبة الرائعة: jemmy *مميزة & كاملهــ* (الكاتـب : حنين - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          هل تغفر لي - باربرا مكماهون (الكاتـب : سيرينا - )           »          269 - قطار النسيان - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-07-22, 12:53 AM   #21

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الأول …..العودة

إلى ذاتك التي علمتني أن أستميت لأحيا، ووجهتني حين وعرت الدروب وتعثرت، ودفعتني نحو الفراق حين نفذ الوقت منا، إليك أيتها الخائنة أكتب،
ها قد حانت العودة….
سنعود حيث وقف الزمن رافضآ أن يتخطى الوداع،
سنعود حيث اقتصر العالم في أقدام فصلت بيننا،
سنعود حيث النهاية لنبدأ طريق أرفضه بكل وعي، ولكني منذ الأزل لا أعي لقراراتي منطق يحكمها.
إليك أيتها الموجعة….
أشد رحالي التي حطت في وحدتي دهر، وأقف أمام مرآتي لأتزين، لأتفنن في طمس ظلال الماضي في أحداقي، وتجميل الحقائق التي مازالت تكسرني،
وأتساءل بأي أعينك ستلاقيني.
إليك أيتها المهيبة فيما تخفيه
أبوح رغم كتماني، وأنثر من ركام الشوق على دربك أكواما،
وأتلظى بصمت لست أعنيه، جموع الذكرى التي طافت تحاوطني تذكرني ببسمة ثغرك في تجليه، وتحيل سكون النفس لحروب شائكة بلا سلم ولا راحة.
إليك أيتها التي كسرت كل القواعد وتمردت أنسب نفسي التي كانت كصلصال لين شكلتها بهوادة، أنسب ضعفي وخيباتي ويقيني الذي لم يهتز، أنسب أنفاسي التي زفرتها قهرآ حين رحلت، وأنسب كل قرار أحمق سآخذه منذ الآن.
إليك يا ذات عبرت في نسيانها الأزمان ولم أنسى.
لا أصدق أننا سنلتقي.
وأدرك أني حتى حين تركت يدي لم أقبل، فصمدت أمام الخذلان بإصرار مغلقة أبواب المنطق رافضة أبدآ أن أسأل، ومضيت نحوك يدفعني نبض بالوصل يتوسل، لكنك أبدآ لم تقبل أن تتركني لأظل الضلع الأجهل.
…………………….
مرت ساعات ما بين مراجعتها للكاميرات لتتأكد من هوية السارقة التي كانت تعلم هويتها لكنها رغم ذلك تفضل دومآ قطع أحبال الشك باليقين وما بين متابعة أمور الفتيات التي تداوم على الإهتمام بها شخصيآ رغم وجود الكثير من الأخصائيات بالدار واللاتي حرصت أن يكن متمرسات في مجالهن وحنونات على المستوى الشخصي لكي تحيط الفتيات بجو صحي خالي من المشاعر السلبية، حملت الكشف التي أحضرته دولت ومعه كشف آخر بالأدوية التي نفذت وكشف ثالث بالأغراض الشخصية التي تحتاجها الفتيات وانسحبت عائدة إلى مكتبها تنشد لحظات من الراحة قبل متابعة يومها الحافل وهي تفكر أنها تواجه صعوبات مادية للشهر الخامس على التوالي وعليها أن تجد حل في أسرع وقت، دلفت إلى مكتبها وأغلقت الباب خلفها بهدوء ثم وضعت الأوراق التي بيدها على المكتب وجلست بإنهاك فوق المقعد الدوار تفرد ذراعيها على جانبيه وهي تنظر للسقف وتدفع قدمها في الأرض بخفة فيدور بها المقعد بهوادة، لم يكن من حولها صوت ولا صدى إلا لأفكارها التي لا تملك أن تقيدها بزمام حازم كذلك الذي فرضته على نفسها، كان عقلها كممرات زمنية تتقافز الأفكار بينها حتى وصلت إلى تلك الذكرى التي رسمت ابتسامة مخذولة على شفتيها قبل أن تهمس بخفوت مع ذلك الصوت الحي الذي عاد بأصدائه داخلها " لا تيأسين من معاندتي ….لا تملين من إثارة غضبي ….لا تتراجعين عن إخراج شياطيني ….ماذا بعد زيديني " أغمضت عينيها وقد اضطربت نبضات قلبها فضمت نفسها كأنها تدعمها لينطلق آذان الظهر دافعآ إياها لتضع حد لتلك الدوامة وتتحرك نحو الحمام لتتوضأ ناشدة الراحة والثبات في سجود يكمن فيه راحة لا توصف.
_________________
أنهت صلاتها ووقفت تضبط حجابها الذي تتخلى عنه أغلب الوقت داخل الدار لعدم وجود رجال إلا حارس الأمن والذي غير مسموح له بالدخول إطلاقآ أو فتح باب الدار الذي يكون على الدوام مغلق، طرقات هادئة على الباب جعلتها تتحرك لتجلس خلف مكتبها وهي تقول " تفضل " فدخلت عاملة الاستقبال تقول بابتسامة لطيفة " أنسة كيان السيد فارس وصل " سألتها كيان باستغراب " أهو بمفرده " فأجابتها " نعم آنستي، هل أدعه يدخل " وقفت كيان وقد بدا على وجهها التوتر وقالت "بالطبع ...واطلبي من دولت أن ترسل الضيافة لشخص واحد" حركت الفتاة رأسها بطاعة وانسحبت لتمر لحظة قبل أن يظهر فارس قائلا بمرح " لقد جئت في موعدي تماما " ابتسمت له كيان وقالت " أنت دومآ مرحب بك فارس ...تفضل " جلس فارس دون أن يمد يده للسلام محافظآ على حدودها في التعامل والذي يحترمها كثيرآ، كان يراقبها بعيون متورطة فيها وهي تجلس وتسأله بخجل " لم أتوقع قدومك بمفردك ...ألم تسر الأمور كما أردنا " ابتسم لها مقدرآ حساسيتها تجاه كل ما يخص الفتيات ثم وضع أمامها بطاقة بنكية وقال " بالعكس كل شيء على ما يرام ولكني شعرت بتوترك من هذا اللقاء فحللت الأمر بنفسي، في النهاية من يفعل الخير يكون مقصده رضاء الله لا أكثر " نظرت للبطاقة بتردد وقالت " أنا لا أفهم، كيف حللت الأمر بمفردك، من سيساعد دار مثل داري قامت على الجهود الذاتية وليست ذات صدى واسع في وسط المجال الخيري، من سيثق في لدرجة أن يمنحني أمواله بدون أن يأتي ويتأكد مما يحدث هنا ...فارس أنا لن أقبل منك أكثر مما تفعله بالفعل، والفتيات أنا المسؤولة عنهن وسأستطيع حل مشكلتي في القريب العاجل باذن الله " نظر لها بيأس وقال" لو أنك تفصحين عن سبب إصرارك في جعل الدار مغمورة إلى هذا الحد، أنت هنا تصنعين مجتمع مثالي، على الكل أن يكتشف وجوده ويشارك في تنميته ويقتدي بك، أنا متأكد أن فرصتك في الفوز بداعمين ستكون قوية خاصة مع مجهودك الجبار في جعل الدار منزل دافيء يحتوي فتياته " عبست برفض وقالت " لن نتجادل في هذا الأمر ثانية، فارس أنا لن أعرض الفتيات لهذا الوضع، لن أجعل الدار مزار لأثرياء القوم ليأتوا وينظروا لفتياتي بشفقة ثم يلقون بالأموال لي منتظرين مني ومنهن الإمتنان والشكر الذي يشعرنا بالمهانة والدنيوية، من يريد فعل الخير يفعله لوجه الله كما قلت وليس لسد احتياجات روحه التي ترتفع على حساب غيره من المحتاجين، لو أن كل إنسان أدرك أن الله لم يعطيه القدرة للإنفاق إلا ليكون سبب في إعالة شخص غير مقتدر لحُل الأمر " تأملها قليلا ثم قال " كيان أنت هكذا تحملين نفسك مسؤولية ثقيلة، الفتيات لم تعدن صغيرات، هناك أربعة منهن على وشك الالتحاق بالجامعة بعد عام، وستة قد قررت لهن عمليات مكلفة، هذا غير احتياجات البقية التي لا تنتهي " ضمت قبضتها يكبلها العجز وقالت " أعلم فارس، كل هذا أعلمه جيدآ ولكني لها بإذن الله، في النهاية هناك من يساعدنا من وقت لأخر، الله لا يترك عباده، اطمئن " قال لها " ونعمة بالله، البطاقة ليست مني كيان، إنها من جيجي وضعت بها مبلغ لم تخبرني عنه وأخبرتني أنها ستضع مثله بالحساب كل أول شهر، كما أنها تفهمت رفضي لقدومها معي حين شرحت لها خوفك الشديد على مشاعر الفتيات لكنها طلبت مني أن أدعوك للغداء خلال هذا الأسبوع لتتعارفا، إنها متلهفة للتعرف عليك " غزا الاحمرار الشديد وجه كيان التي هربت بعينيها من عيون فارس الذي انتظر إجابتها بلهفة لتقول بصوت أوهنه الخجل " فارس أنت لا تريد وضعي أمام الأمر الواقع بتعريفي إلى أهلك " زفر أنفاسه المحبطة وقال " أبدآ كيان أنا فقط أريد أن أعرفك إلى خالتي فهي دومآ تسألني عنك، أما عن طلبي في الارتباط منك فأنا أنتظر موافقتك بصبر لا تقلقي " ضمت شفتيها لا تدري كيف تتعامل مع الموقف ففارس منذ التقت به منذ ثلاثة سنوات حين وجدت فتاة صغيرة أرادت ضمها للدار فتعسرت الإجراءات وأصبح الأمر مستحيل لولا تدخله الذي ابتدا يومها ولم ينتهي حتى الآن وهو يحاوطها بحمايته وشهامته ومشاعره الواضحة كوضوح الشمس، طال صمتها فناداها فارس بأمل " كيان " رفعت عينيها إليه فسألها " لما الصمت " قبل أن تجيبه تعالى صوت طرقات هادئة على الباب جعلتها تقول براحة " تفضل " فدلفت عاملة الاستقبال وهي تحمل ظرف وتقول " أسفة على المقاطعة ولكن هناك طرد وصل من أجلك آنسة كيان " التقطت كيان الظرف من يدها فانسحبت الفتاة ليسألها فارس " هل هو أمر يخص الدار " نظرت كيان للدعوة التي ظهرت أمامها وقالت " بل دعوة إلى حفل خيري، غريبة ...ليس هناك أي معلومات عن المرسل، هل لك علاقة بالأمر" ابتسم فارس وقال " يسعدني أن تشعري أن العالم يدور من حولي لكن للأسف ليس لي علاقة بالأمر آنسة كيان " قطبت حاجبيها تنظر للدعوة بريبة فأكمل فارس حديثه " كيان أنا أعرف بعض رجال الأعمال الذين تربطنا بهم علاقة طيبة، إنهم شركاء إياد ابن جيجي يمكنني عرض أمر الدار عليهم وواثق أنهم سيدعمون المكان لكن ربما يطلبون مقابلتك، وأتمنى أن تفكري في أمر الدعوة ربما تجدين من يدعمك فهناك فتاة صغيرة كنت أريد عرض أمرها عليكي ولكني أري أن ظروفك لا تسمح، خذي وقتك في التفكير واعلمي أنك تحملت هذه المسؤولية بإرادتك إذآ عليكِ أن تكوني على قدرها، وربما هذا يستلزم منك بعض التنازلات " سألته بلهفة " أخبرني عن الفتاة " وقف فارس وهو يقول " أنت لا ينقصك ضغط، سأنتظر منك مكالمة كيان لتخبريني بقرارك فيما أخبرتك به وربما …..في لقائك بجيجي " هزت رأسها بهم وهي تقول " شكرآ فارس، دومآ ما أتعبتك معي " ابتسم لها بلطف وقال " لا أريدك أن تفكري في تعبي، ربما سأصبح أسعد إنسان لو فكرتي أن تريحيني كيان " تاهت في كلماته لتطرق دولت الباب و تدلف إلى الغرفة بدون أن تنتظر الإذن تحمل صينية عليها فنجان من القهوة وبجانبه بعض المعجنات وتقول " عذرآ على التأخير يا سيد فارس أنرت الدار " ابتسم فارس وقال لها " الدار لا ينقصه نور يا دولت يكفيه نور أصحابه، للأسف أنا مغادر، سيبقي لي في عنقك فنجان قهوة ….قطع حديثه ينظر لوجه كيان ثم الصينية و أكمل قائلا " ومعجنات، وداعآ " ودعته كيان بضياع وهي تراه يرحل قبل أن تجلس على مقعدها شاردة فلم تنتبه لدولت التي حملت الدعوة تنظر لها بسعادة قبل أن تسأل" هل هي دعوة زفاف " حادت كيان بعينيها نحو الدعوة المحمولة بكف دولت وقد انعكس عليها ضوء الشمس العابر من النافذة لتتوسع عينيها بصدمة حين شكل الضوء الساطع انعكاس جعلها تفز واقفة تجذب الدعوة من كف دولت وتعدو في ممرات الدار حتى وصلت إلى غرفتها وأغلقت خلفها الباب ثم إقتربت من النافذة لتكتشف ما عميت عينيها عنه حين رأت البطاقة لأول مرة.
…………………….
دعنا لا نخطط للغد، ولا نحمل اليوم أواز أمس، ولتبقى الأمنيات صامدة في مكمنها دون يأس، ولتنجلي الوحشة المسيطرة على أرواحنا لبرهة، فربما حينها تطفو على السطح خبايا النفس.
_________________
تسير بين أروقة ذلك الصرح الذي كأنما أنشأت بينهما السنوات التي قضتها داخله رابط متين من الانتماء يجذبها دائمآ لتعود إليه كأنها لا تكتفي، فبعدما أنهت سنوات دراستها الأربعة هاهي تجتهد لتكمل الطريق الذي تأمل أن ينتهي بها داخل أحد المكاتب التي تمر من أمامها بعيون تلمع بالأمل،
متوجهة نحو الخارج، خطواتها كانت متأنية هادئة وملامحها تشوبها حمرة ربانية وقد برزت وجنتاها بشكل ملفت فتستشعر النظرات من حولها ولكنها تعول ذلك لجسدها الممتلئ وثيابها المحتشمة بعكس أغلب الإناث في تلك الجامعة، تستمر بطريقها وهي تضع نظارتها الشمسية ليس لتحمي عينيها الواسعة ولكن لتضع عازل ما بين نظراتها الشاردة أغلب الوقت وبين الفضول الذي لا يرحم البعض نحوها، عبرت خارج بوابة الجامعة نحو المطعم القريب وهي تتفقد هاتفها فلا تجد رسالة قد وصلتها لتأكيد الموعد ورغم ذلك تكمل طريقها بأمل فلا يدفعها للاستيقاظ يومآ سوى بقايا أمل مازالت عالقة بروحها، ولجت إلى المطعم الهاديء وبتوتر تقدمت بين الطاولات تبحث بعينيها عن السبب الذي أتى بها إلى هنا، لتسترخي ملامحها وهي تلمح تلك الهيئة التي تبدو لمراهق شاب يجلس في ركن بعيد فاقتربت تقول بتوبيخ " لم تؤكدي عليا أنك وصلت، لقد ظننت أنك ربما لن تأتي لكني جئت رغم ذلك " نظرت لها الجالسة بلا مبالاة ثم عادت بنظرها إلى الحاسوب المحمول الذي أمامها وقالت " لا تضيعي وقتنا واطلبي لنا شيء لنأكله فأنا جائعة " عبست فاطمة وقالت بلوم " لم نلتقي منذ شهرين، وهكذا تستقبليني " أغمضت يهدين عينيها للحظة تحاول فصل عقلها عما يدور أمامها في شاشة الحاسوب ثم وقفت تضم فاطمة بقوة وهي تقول بصدق " اشتقت إليك، لا أحب أن أشعر أن الوقت الذي يمر بدون أن نرى بعضنا يكون طويل، اشتقت إليك حبيبتي " ضمتها فاطمة بلطف وقالت " كنت سأحزن لو لم تأتي، فأنا أيضا اشتقت إليك" ابتعدت يهدين عنها وقالت " هل يمكننا أن نطلب الطعام الآن" ابتسمت فاطمة وقالت " طبعآ لماذا نحن هنا إذآ، وعلى حسابي أيضآ، إدعي للحاج اسماعيل بالرحمة " تأملت يهدين صديقتها بعمق مدركة لما تعانيه من تمزق ووحشة بعد فراق والدها وقالت " تغمده الله برحمته الواسعة، لكن ليكن على حسابي هذه المرة فقد بعت التطبيق الأمني " توسعت أعين فاطمة بحماس وسألتها " حقا ...لمن وكيف ومتى، ولماذا لم ينتشر الخبر حتى الآن ….. يهدين أنت لم تسلمي التطبيق لحكم " ابتسمت يهدين وقالت بخفوت " بل فعلت " عبست فاطمة بغضب وسألتها " ولكن لماذا، ألم نتكلم سويآ، أي مستقبل أفضل تنتظرين وأنت على هذا الحال " سحبت يهدين قلنسوة السترة الشبابية الفضفاضة التي ترتديها على وجهها أكثر وهي تقول برجاء " فاطمة أرجوك دعينا نقضي بعض الوقت سويآ، لن نخوض ذلك النقاش كلما التقينا " ردت فاطمة بإصرار " بلى سنفعل أنت جئت وتدركين أننا سنفعل، حكم يستغلك بصمته عن أسلوب حياتك المريب، أنت تحتاجين لطبيب نفسي ليساعدك على تقبل ذاتك، متى ستشعرين أنك تبالغين، وتحكمين على نفسك بالعيش داخل فقاعة خاوية ليس بها سوى شاشة حاسوب وحكم " أدمعت أعين يهدين فصمتت فاطمة تحاول أن تلجم لسانها بينما يقترب منهما النادل قائلا " مساء الخير، ماهو طلبكما " أجابته فاطمة بينما يهدين ظلت خافضة رأسها حريصة على ألا تظهر ملامحها وحين انصرف النادل نظرت يهدين لفاطمة وقالت " لم تسأليني بكم باع حكم التطبيق " أجابتها فاطمة بتهكم " لن أسأل ...المال ليس كل شيء في مثل حالتك، ما يحزنني أن تطبيق مثل هذا كان بإمكانه أن يفتح لك أبواب النجاح والشهرة، لماذا ترضين لنفسك أن تبقي طيف فأنتِ تملكين من المهارة والذكاء ما يؤهلك لتشغلي مناصب قيادية ولكنك تتخلين عن ذلك لأجل ماذا! " فأجابتها يهدين بحرقة " لأجل أن لا أحد يتقبل الاختلاف، لذلك لن أفرض نفسي على أحد " اعترضت فاطمة بغضب " توقفي عن التحدث هكذا عن نفس، لماذا كلما التقينا تحول لقاءنا لشجار من بدايته لنهايته" تنهدت يهدين وقالت " هذا لأنك صارمة معي " عبست صديقتها وقالت " تستحقين ذلك، لقد أضعتِ عليك فرصة لا تعوض، أنت غبية ومغيبة " أخرجت يهدين من جيب سترتها ورقة وهي تقول " توقفي عن توبيخي وانظري إلى هذا " سحبت فاطمة الورقة ونظرت لها ثم سألتها " ما هذا؟ " أجابتها يهدين " نصيبك من الصفقة، أنت شريكتي في هذا " دفعت فاطمة الشيك نحوها بغضب وقالت " توقفي عن استفزازي، مزاحك ليس مقبول " نظرت لها يهدين بثبات وقالت " أنا لا أمزح، أنت تستحقين ذلك، تعملين لي مساعدة ومرشدة وطبيبة نفسية وصديقة في وقت فراغك، وموبخة حين يتطلب الأمر وفي النهاية أحظى بالمال بمفردي ليس عدلآ ثم لماذا لا أرى في عينيك انبهارآ بالمبلغ ثباتك الانفعالي هذا سيصيب أحدهم كمدآ يوما ما " تنهدت فاطمة وقالت " أنا أفعل كل ذلك لأن هذا الطبيعي بيننا، لا أنتظر منك مقابل أبدآ وأدرك أنك ستكونين بجواري حين أحتاج إليك، قد تكون صداقتنا ليست قديمة لكن الثلاثة سنوات التي جمعتنا أحيانآ أشعر بها دهرآ، حين كنت تبحثين عن طالبة في قسمي لتساعدك وكان ذلك التطبيق محض فكرة خيالية أخدت منا سنوات لتتحول إلى واقع ملموس، كنت أنا أيضآ أبحث عن شخص يشاطرني وحدتي والتقينا " هزت يهدين رأسها وقالت " نعم التقينا فزادت مسؤولياتك بصديقة معقدة كانت سبب واضح ومباشر في تعطيلك الدائم عن مسيرتك العلمية، سامحيني " مالت فاطمة للأمام تقول لها " ترهات….حديثك أفكارك ….واستنتاجاتك ، كيف لمثلك أن تصنع شيء رائع كذلك التطبيق " ضغطت يهدين باصبعها زر في لوحة حاسوبها ليرتفع صوت إشعار بهاتف فاطمة التي تسألها باستغراب " ما هذا " فتجيبها الأخري " نسخة من التطبيق كنت مدركة أنك سترفضين المال، لذلك يمكنك الاحتفاظ به لعلك تحتاجين إليه يومآ " رفضت فاطمة قائلة " لكنه لم يعد ملكك لتمنحيني نسخة منه " هزت يهدين رأسها بملل وقالت " يبقى التطبيق تحت متابعتي الدائمة لتقييم مستوى كفائته دائما وأنت شريكتي لذلك يمكنك أن تملكي نسخة لا تعقدي الأمور " نظرت فاطمة لهاتفها وسألتها باستغراب " في ماذا قد أستخدم تطبيق كهذا وكل ما يحويه هاتفي وحاسوبي مقالات علميه " ابتسمت يهدين وقالت " ربما تملكين يومآ ما ما تريدين إخفائه …..لا أحد يدري " همت فاطمة بالرد لكن وصول الطعام جعلها تصمت وهي تعيد هاتفها إلى حقيبتها بسلاسة غير عابئة أنها أضحت تملك بين يديها تطبيق آمني تنازعت عليه رجال ذو بأس شديد وبيع بملايين الدولارات.
________________
ماذا لو أني محض انعكاس لشخص آخر قد تحطم، شخص لم يدرك كم أن العالم مخيف، شخص حين شاهد النيران لأول مرة كانت حينها تلتهم جوفه وتفقده كيانه وتحيله إلى بقايا ركام.
_________________
تبتسم لا تدري لما ولكن رؤيتها لذلك الكتاب الذي اختفى منذ أشهر وبحثت عنه كثيرا حتى فقدت الأمل وملت جعل شعور بالراحة يتسلل إلى نفسها فكم من الصعب في هذا العالم أن نسترد ما نفقده أو نجده، انحنت تحمل الكتاب و تضعه في الصندوق وهي تجمع كل ما يخصها لتنقله إلى الملحق استعدادآ لزفاف زوجها، لم تفكر لم تتعمق في تفاصيل ما تعايشه وهي تحمل كل ما ينتمي إليها بهدوء ثم التفتت إلى الخادمة تقول لها " صفاء لقد امتلأ هذا الصندوق أخرجيه لحمد وأحضري واحدآ آخر " نظرت لها الخادمة التي تصغرها بعدة سنوات بشفقة ثم تقدمت تحمل الصندوق وتوجهت خارج الغرفة قبل أن تتردد خطواتها فتلمحها شيراز وتسألها وهي تتحرك نحو غرفة الملابس المتصلة بغرفة النوم " ما الأمر لماذا تقفين هكذا " التفتت إليها صفاء ونظرت لها بتوتر لكنها لم تتكلم فيما عادت شيراز تحمل بعض الملابس وتلقي بها على السرير بإهمال قبل أن تدقق النظر إليها وتسألها بنفاذ صبر " لماذا لا تتكلمين، ماذا بك "
تقدمت صفاء نحوها خطوتين وفتحت فهمها ثم أغلقته بتردد قبل أن تأخذ نفس قوي وتسألها بحرقة " لماذا تقبلين هذا الوضع، أنت لست مجبرة، أنت تستطيعين ...صمتت صفاء فحركت شيراز رأسها قائلة " هذا إذا الأمر، هل تعبسين في وجهي يا صفاء لأنك ترين أني إمرأة تخلت عن زوجها لأخرى " سارعت صفاء تقول بغضب " هذا ما حدث بالفعل"
اقترب منها شيراز وقالت " حتى لو فعلت، هذا لا يعطيك الحق بالعبوس في وجهي بينما أنا رائقة المزاج وهادئة ارسلي لي شاشتي لتساعدني وابدأي أنت في تجهيز الطعام لأني أشتهي طاجن السمك الذي أفضله منذ الأمس، وزيدي عليه النوع المفضل لـ بلال فهو سيتناول الغذاء هنا اليوم " نظرت لها صفاء بضياع يتخلله رفض قبل أن تقول لها بطاعة " أمرك " لتدخل عليهما شاشتي تقول بعربية غير سليمة " سيدتي، السيدة دينا بالأسفل وتريد مقابلتك " ابتسمت لها شيراز قائلة " جئت بوقتك شاشتي فلتأخذين هذا الصندوق وأنا سأذهب للقاء السيدة، وأنت صفاء تعالي معي " تقدمت شاشتي داخل الغرفة بينما تبعت صفاء شيراز التي تتحرك بحيوية كأنها ليست مقبلة على نكبة قد تذهب عقل أي أنثى غيرها.
_________________
اقتربت شيراز من البهو حيث دينا تجلس بأناقة وهي تتأمل المكان من حولها، عيناها تجوبان الأرجاء بشرود فترى طيف من الأمنيات يلمع في أحداقها، كانت راقية بشكل فطري بشكل يلائم بلال للغاية، اقتربت منها تستقبلها بحفاوة قائلة " أهلآ دينا ظننتك ستأتين مع بلال لكن من الجيد أنك أتيت باكرآ قبل أن تحضر صفاء الغذاء لتخبريها عن نوع السمك الذي تفضلينه لأنك مؤكد ستتناولين طعامك معنا اليوم " وقفت دينا تنظر لها بابتسامة تخفي خلفها مشاعر متضاربة فدائمآ ما أثارت شيراز في قلب دينا قلق وخوف، فمن تلك التي توضع في مثل موقفها وتكون بمثل ذلك الهدوء وبكل هذه الصلابة، إنها إمرأة مريبة تأملتها دينا بحرقة من أعلى رأسها ذات الشعر الأحمر المتوهج المجموع بعبث، نزولا إلى جسدها الأبيض المرسوم بفتنة أثارت غيرتها على رجل تعشقه إلى حد جعلها تتخلى عن مبادئها وتستسلم له رغم كونه متزوج، لتعبس حين تقع عينيها على ما ترتديه شيراز، حيث كانت ملابس لا تناسب سوى غرفة النوم المغلقة فهدرت دقات قلبها حسرة قبل أن تتحكم في انفعالاتها التي ظهرت جلية لشيراز لكنها لم تبال وقالت " مؤكد تأكلين السمك، يمكننا تغيير الأصناف لو تفضلين شيء معين " سارعت دينا تقول " بل أفضل النوع الذي يفضله بلال لكني لن أستطيع البقاء للغذاء حقآ، لقد كنت أريد التحدث معك قليلآ والعودة إلى العمل قبل أن يلاحظ بلال غيابي " قالت شيراز وهي تتحرك نحو أريكة منفردة مقابلة لدينا وتجلس عليها واضعة ساق فوق الأخرى " لا بأس لكن على الأقل لتشربي شيئا، سنتناول الطعام معآ فيما بعد كثيرآ أليس كذلك" جلست دينا وهي تقول " أظن ذلك، ليكن شاي أخضر بدون سكر إذآ " التفتت شيراز إلى صفاء وقالت " شاي أخضر للسيدة دينا، وقطعة كيكة بالشيكولاته من التي أحضرتها بالأمس لأجلي " رمقتها صفاء بغيظ قبل أن تهز رأسها بطاعة وتنسحب فتنظر شيراز نحو دينا التي بدت متوترة قبل أن تقول " لهو من الغريب أن ألجأ إليك وخاصة في أمر يخص الزفاف لكن هذا الأمر تحديدآ ليس بيد أحد سواكِ حتى بلال " قطبت شيراز حاجبيها وقالت " بالعكس لقد طلبت من بلال أن يخبرك أني سأتفرغ لأساعدك في ترتيبات الزفاف لكن ما هو تحديدآ الأمر الذي تقصدينه "
ترددت دينا لحظات قبل أن تقول " لن أخفي عليك أن زواجي من بلال يواجه رفض شديد من عائلتي، أنا أتعرض لضغط شديد أكاد معه لا أشعر بالسعادة كأي عروس مقبلة على الزواج من رجل تحبه و اختارته بمحض إرادتها رغم كل شيء " صمتت دينا تراقب ملامح شيراز الهادئة التي لم تهتز فأكملت " وضعي مربك لَهُم أعلم، فليس هناك إنسانة عاقلة تضع نفسها في هذا الموقف لكن هذا ما حدث، وهم كالعادة تركوا لي حرية القرار معلنين أن عليّ تحمل النتائج خاصة وأن عائلتك منذ انتشار خبر ارتباطي ببلال أعلنت عداوتها الواضحة لهم وأصبحت تهاجمهم بشراسة في سوق العمل، ومع ذلك لم يحملوني الذنب أو يقفوا في وجه سعادتي بل استقبلوا بلال بحفاوة ووضعوا يدهم بيده ولم يكسروني للحظة أمامه رغم كل شيء " اهتزت ابتسامة شيراز لوهلة حتى ظنت دينا أنها تخيلت ذلك قبل أن تكمل " لذلك لن أستطيع كسرهم ولهذا جئت إليك " قالت شيراز بجدية " لم أفهم " استفاضت دينا قائلة " بلال أصر على إقامة الزفاف هنا لأن والدته اشترطت حضورك وأنت ترفضين العودة إلى مصر، حاولت أن أشرح له أن عائلتي لن تقبل بذلك لأن هذا الأمر سيظهرهم بمظهر الضعفاء الذين لم يستطيعوا إقامة زفاف ابنتهم على أرضهم خوفا من بطش الشافعية، لكنه لم يتفهم سوى أن الزفاف بأكمله هو ضغط نفسي لك وأنه لن يستطيع الضغط عليك أكثر من ذلك وأنا أتفهم هذا لكن عائلتي لن تتفهم الأمر أبدا، بل ستراه خذلان جديد لهم مني رغم كل ما يواجهونه من عائلتك لأجل زواج مرفوض تمامآ بالنسبة إليهم، أرجوك تفهمي موقف عائلتي هي الكيان الكبير الذي سأظل جزء منه يحميني ويحتويني رغم كل عيوبي وقرارتي الطائشة، إنهم سندي وقوتي وجيشي ….قاطعتها شيراز تقول " لكن ...لتسارع دينا قائلة " أنت مؤكد تدركين معنى العائلة في النهاية أنت فتاة مثلي وتفهمين أننا لا نقوى على خذلان أهلنا كما لم يخذلونا قط، أنا لا أعلم سبب رفضك للعودة إلى مصر لكن يمكنك الوصول يوم الزفاف وبعد انتهاء الحفل يمكنك المغادرة، أرجوك أنا أحب بلال ولا أريد أن أقف في موضع إختيار بينه وبين عائلتي " رفعت شيراز كفها إلى عنقها فبدت كأنها تتحسسه بخفة وقد عمّ الصمت بينما دينا تناظرها بعيون راجية لتقول شيراز أخيرا " لا تقلقي سأحدث بلال وأنهي معه الأمر، استعدي أنت للزفاف دون توتر فتلك اللحظات لا تُعاش بالعمر سوى مرة " سارعت دينا تقول " شكرآ شيراز كنت مدركة أنك ستتفهمين، سأرحل أنا لأني جئتك دون علم بلال ولا أريده أن يغضب " وقفت شيراز تراقب دينا التي سارعت نحو الخارج بخفة كأنها عصفور كان مقيد بحجر ضخم من الهموم يثقل كاهله ويكبله ثم أزاحه أحدهم فانطلق، لتقول بصوت خافت " ليس لأجلك ولكني لا أستطيع تحمل ذنب تعاسة شخص آخر، سأعود... فليست سوى ساعات وستمر وقد مررت بالأسوء " ثم تحركت نحو غرفتها لتجد شاشتي قد أنجزت أغلب العمل فتناست كل ما يحدث كأنه لم يكن وفصلت عقلها عن العالم تدندن بلحن غربي غير عابئة بما يحمله الغد.
_________________
لن أجنح للسلم حتى تنقطع أنفاسي، وتنطفيء نيران الثأر التي تجتاحني حيثما وليت خطواتي، وتلفظ ذاكرتي المقيدة
كل ما ولى وتحررني من غضبي الذي أسكنني في حيز من الظلمات.
_________________
جحيم كسقر نشب بين أضلعه مفجرآ غضبآ لا قِبْل لأحد بعواقبه، فنهب الطريق وقد حشد من الرجال والسلاح كل ما استطاع يكاد لا يرى أمامه إلا دماء الشافعية تسيل على يديه، المسافات من حوله تطوى وكلما اقتربت وجهته زادت مراجل الثأر في عروقه حدة حتى حولته إلى جسد مندفع بلا عقل ولا روح، أوقف سيارته بعنف صاخب أفزع طاقم الحراسة المرابض على مدخل مزرعة الخيول ومن خلفه سيارات رجاله يتقافز منها جدران بشرية ذو هيئة تدعو إلى الرهبة ليتقدم نحو البوابة وهو يرأسهم رافعا سلاحه بتهديد نحو أحد الحراس قائلا " دعنا نمر حالا " رفع الحارس كفيه بهدوء وقال " سيدي بدون تهور ، لقد وصلنا خبر بقدومك لذا تفضل" أشار الحارس لفريقه ليفتحوا البوابة فيعبرها شاهين عدوآ هو ورجاله يقودهم إلى غايتهم صوت الصراع الدائر، وحين اقتربوا وجدوا حربآ طاحنة تدور ما بين زكريا ونصار وشباب الشافعية كانت الغلبة فيها للكثرة لكن وصول شاهين قلب الموازين وجعل الأمر أكثر وعورة وخطورة.
تقدم شاهين يجذب زكريا الذي كان قد خارت قواه فسقط أرضآ أمام عابد الشافعي الذي ظل يسدد إليه الركلات ليجعله يتلوى ألمآ تحت أقدامه فرفع ساقه يدفع بها عابد بعنف وهو يصرخ بأخيه بغضب " قف على قدميك، قف على قدميك حالآ لأني سأضع ذلك القذر تحتها حيث ينتمي وحيث عليه أن يبقى " جاهد زكريا ليقف وهو ينظر لشاهين الذي اشتبك مع عابد في صراع عنيف كانت الغلبة به لشاهين الذي كان يضرب بلا رحمة وظل يسدد اللكمات لوجه عابد الذي كاد أن يفقد وعيه فيصرخ به شاهين " لن تفقد وعيك الآن، انتظر حتى أضعك في مكانك أنت وسلالتك " كان يجذبه من شعره بعنف والدماء تتساقط من وجهه بغزاره تجاه زكريا الذي تُغطي الدماء كل ملامحه فلا يظهر من وجهه سوى عين واحدة وقد أغلقت الثانية من شدة الضرب ثم ألقاه تحت قدمي أخيه وهو يبصق عليه قائلا " سلالتكم لم تأتِ برجال بعد لتقف في وجوهنا، متى ستدركون هذه الحقيقة " نظر شاهين لما يدور حوله ثم أكمل حديثه قائلا " دائمآ ما تضرمون نيرانآ لا تعلمون كيف تُطفيء " ثم أخرج مدية من جيب بنطاله وابتسم بشراسه وهو ينحني نحو عابد قائلا " سأترك بوجهك ذكرى لطيفة ستجعلك كلما رأيت خيال لشخص ينتمي لآل الجوهري تنحني بل وتركع لأسيادك " عافر عابد ليبتعد ولكن عظامه التي أيقن أنها كسرت كبلته صارخآ مستغيثا ليشهر شاهين مديته بوجهه ثم بخفة محترفة شق بها جانب وجهه في علامة مميزه وقد اتسعت ابتسامته ليعم الصمت من حولهما فجأة حين دوى صوت الرصاص فيلتفت شاهين بصدمة ينظر لما خلفه فيجد نصار يحمل مسدسآ بينما شاب أحمر الشعر قد سقط أمامه سقوط يعلن عن نكبة.
_________________
في تلك الأثناء كان مؤيد يجلس داخل فيلا آل الجوهري في حضرة أعمامه الذين بدا التصميم جلي على وجوههم بعكس وجهه المتجهم بشدة، كان ينظر لهم لاجمآ غضبه محاولآ قدر الإمكان التحلي بالصبر حتى يدرك سبب تلك الزيارة المفاجئة، ليتكلم عمه الكبير قائلا " أين أخيك يا مؤيد " أجابه مؤيد " لقد ذهب عمر ليقضي الليلة مع كنزي " وبخه عمه قائلا " وما نهاية هذا الحال المائل يا ابن أخي، لقد جمعت أعمامك وأتيت لك اليوم لنجد حلآ لهذا الوضع " سأله مؤيد بحدة " أي وضع تقصد يا عمي " ليجيبه عمه شاكر " وضع تلك الفتاة التي فرقت بينك وبيننا، وجعلتك تضع يدك بيد الشافعية مدير ظهرك لعائلتك و متناسيآ ثأرك " هم مؤيد بالرد وقد برقت عينيه بعنف لكن عمه الكبير لم يعطه الفرصة وهو يقول " أبناء عمومتك جميعآ غاضبون مما فعلت أنت هكذا تصغر بنا وتجعل الفرقة تجتاح صفوفنا، عُد لرشدك يا مؤيد وانظر لما يحدث جيدآ " تعالى صوته وهو يسأل بحدة " وما الذي يحدث ولا أراه غير أنكم تريدون مني أن ألقي أختي لهؤلاء الكلاب لمجرد أنها تحمل دمائهم متناسين أنها وإن كانت تحمل دمائهم فهي عرضكم الذي لن يكون بأمان في يدهم أبدآ، ستظل كنزي رغم رفضكم ابنة الجوهري ولن يتغير هذا مهما حدث " هدر عمه عاطف الصامت منذ بداية الجلسة " تعلقك بهذه الفتاة يعمي عينيك عن كونها السم الذي يدسه الشافعية بين قلوبنا التي ستتفرق منهية عصبتنا فنصبح جميعآ هدفآ سهل إبادته، أهذا ما تريده " التفت إلى عمه صارخآ " لماذا تدفعون بها إلى تلك المعمعة بدون وجه حق، لقد رفضها الجميع فلم أعترض وجعلت بينها وبينكم ألف سد ،أما عاد يكفيكم ذلك فتريدون مني أن أرفضها أنا أيضآ أين منطقكم بالله عليكم؟ فلو رميت بأختي هل سأبقى عليكم" توسعت الأعين حوله بصدمة وظلوا يناظرون بعضهم بصمت مشحون ليكمل مؤيد حديثه قائلا " ألا تدركون الوضع الذي تحياه بسبب تلك العداوة، إنها مهددة منبوذة وغير آمنة على الدوام، لا تحيا حياة طبيعية بين أهل يرفضون ويعادون وأهل يهددون ويأذون، وليس لديها سواي ...أنا من لن أستطيع أن أحيا حياة طبيعية أنا الآخر بسب ذلك الثأر اللعين، لذلك ها أنا أقولها صريحة أمامكم إذا وضعتوني تحت الضغط أكثر من ذلك محاولين اسقاطي في فخ الاختيار سأختارها هي فربما يومآ ما حين تقررون نبذي أنا الآخر تكون هي من تتمسك بي ولا تظنوا أني غافل عن ما يحدث منكم " صاح به شاكر بصدمة " ماذا تقول أنت هل جننت، ألا ترى ماذا نفعل لأجلك، نحن نخشى عليك منهم وقد ألصقوا بك نقطة ضعف ستظل تكبلك مدى الحياة، انظر إلى نفسك يا بني العمر يمر بك ولا تشعر لأنك غارق في دوامة تلك الفتاة حتى أذنيك، متى ستستقر وتتزوج وتحيا في هدوء وترى أطفالك " أغمض مؤيد عينيه بألم وقد هدر قلبه وتقطعت أنفاسه وأطبق قبضته بغضب شديد يشعر أنه كمن يقبض على الجمر ليقول عمه الكبير بهدوء " حزننا عليك يتضاعف كلما سارع أحد أبنائنا لينشيء عائلته وأنت الكبير مازلت تقف مكانك، تصارع في جميع الجهات حتى صار الصراع عادتك التي أصبحت تواجهنا بها فتجعل نفسك في موقف لا تحسد عليه مع العائلة " قال له مؤيد بحرقة " إذآ لا تشعروني أني معاقب منكم لأني في ذلك الموقف، فهي تبقى أختي حتى لو كانت دمائها لألد أعدائي " تنهد عمه عاطف بشفقة على حاله وقال " لقد أزمت موقفك بسعيك للصلح معهم متخطيآ الجميع ، يا بني أنت تفقد سطوتك ومكانتك بيننا " تهكم مؤيد وسأله " ومن يكسبها ….شاهين ؟؟؟ أتظنون أن غضب شاهين و نيرانه ستتوقف عند الشافعية، النار حين تضرم لا تجيد سوى التهام كل ما يواجهها دون أن تفرق بين من أضرمها ومن يطفئها، غضب شاهين الذي تغذونه بحقدكم سيكون له عواقب وخيمة " لم يلاقِ حديثه صدى في عقولهم المتحجرة فعم الصمت لحظة قبل أن يقطعه دخول عمر عليهم ممتقع الوجه نظراته يشوبها الفزع فوقف مؤيد وأقبل نحوه بارتياب يسأله " ما بك ؟؟ ماذا حدث، لماذا لم تذهب لأختك، هل أصابك شيء " نظر عمر لأعمامه الجالسين ثم عاد بعينيه لوجه أخيه وقال " لقد قامت معركة بين زكريا ونصار وشباب الشافعية في مزرعة خيول على الطريق الصحراوي وتدخل شاهين ورجاله ويقال أن شاهين قتل شاب من الشافعية، الوضع كارثي والشافعية قد ثاروا يضرمون النيران في كل ما هو لنا، ويبدوا أنهم لن يتراجعوا قبل أن يأخذوا من أرواحنا ما يبرد نيران قلوبهم " صرخ به مؤيد " أين أختك الآن، أين هي " قال له عمر وهو يكاد يرتجف " لا أعلم، كنت في طريقي إليها ولكن الخبر جعلني أعود إليك، لقد خشيت أن تكون أنت وجهتهم الأولى الجميع سيظن أنك ما سعيت للصلح إلا لتشتيت انتباههم عن ضربة انتقام جديدة" تصلب جسد مؤيد كأنه قد صدمته شاحنة منطلقة على أقوى سرعتها ثم استدار ينظر لأعمامه الذين يقفون خلفه وقال " أهذا ما تريدون ؟؟ ولم ينتظر الإجابة وهو يرفع ذراعه بطوله الفارع محتويا عمر تحته يدفعه نحو الخارج بخطوات سريعة وهو يقول " لنجد أختك وبعدها كل شيء هين " اندفع عمر خلف عجلة القيادة فيما أخرج مؤيد هاتفه من جيب سترته محاولا التواصل معها فاستمر رنين يدوي بأذنه لحظات ثم انقطع ولكنها لم ترد.
_________________
أسألك بربي وربك أن تعد لترتكز في حضرتك مواطني التي زلزلها فقدك، وتعود أنفاسي الأمنة التي ولت هاربة من الزعر إلى ذلك الصدر التي يتأكله الخوف عليك ولا يملك سوى أن يودعك في حفظ من لا تضيع ودائعه.
________________
الهدوء المحيط بها يكاد يخنقها، هناك همس خفي يصلها رغم يقينها أن لا أحد بالغرفة، إنها أفكارها تتهامس بحدة وتتضارب فلا تستطيع الوصول إلى قرار، كل شيء كان يبدو على مايرام بعد سنوات مرهقة من هروب شاق تبعها نجاة من فخ أسود لينقلب كل شيء في لمح البصر وتبتلعها دوامة غامضة لا تدري ما بدايتها وتخشى مما ستكون عليه النهاية، أحنت بتول راسها بعجز تتوسل الله أن يلهمها الصواب قبل أن تقف بإصرار مقتربة من هاتفها تنظر له للحظات دون أن تجرؤ على التقاطه وبعقلها تدور حرب طاحنة تشعرها بالضياع والضعف فترفع عينيها نحو الأعلى قبل أن تتراجع للخلف جاذبة سجادة الصلاة الموضوعة على طرف سريرها وبعد دقائق كانت تدعوا الله في خشوع " اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولاأقدر، وتعلم ولاأعلم فإنك أنت علام الغيوب، اللهم تقفلت الأبواب في وجهي وأثقلت الأمانة أكتافي، وأرهبتني الدنيا بعدما ظننت أني وجدت الملاذ، فاللهم ارشدني فأنت خير مرشد، وآمني من كل مكروه وسوء، واحفظ عبدك فاروق وأنر ظلمة قلبه أينما كان فأنت القادر على كل شيء " أنهت دعائها ثم انفجرت في بكاء عنيف لم يكن بكاء فقد وخوف فقط بل زاده حدة ذلك الوجع العالق في روحها منذ زمن، كانت تخرج من داخلها ثقل جعلها تنحني نحو الأرض أكثر غير قادرة على الوقوف لينتشلها من غرقها رنين هاتفها الذي حين وصلها صوته شهقت بعنف كأنما استفاقت من حالة انهيار آلمت بها وتحركت نحوه بلهفة لتجد رقم غريب فأجابت مسرعة " فيلو" ليأتيها صوت السيد فيرينيل قائلا " عذرآ سيدتي على إزعاجك في هذا الوقت لكن ...لقد وجدت رسالة خاصة بك على مكتبك حال وصولي ففكرت في إبلاغك " التقطت أنفاسها لتستعيد توازنها وتتحكم في صوتها الذي لازمته بحة حزينة ثم سألته بخيبة " هل هي رسالة مهمة، أم شيء يخص العمل ...إن كان كذلك اعفني من التفاصيل وسأطلع عليها فور وصولي " صمت السيد فيرينيل للحظة ثم قال " إنها من المحامي المسؤول عن قضايا الشركة يبلغك بها أنه اضطر أن يسافر بشكل عاجل جدآ تاركآ لك عنوان ورقم هاتف بدون إسم أو توضيح متبعآ أن هذا كل ما يستطع فعله لأجلك " صمتت بدورها للحظات طالت قبل أن تقول بعربية لم يفهمها فيرينيل " يفعل الله ما يشاء " ثم أتبعت سائلة " هل العنوان بعيد سيد فيرينيل " فأجابها " لا أظن ذلك " فقالت أعطني رقم الهاتف وتدبر لي سائق ماهر وثقة " سألها بتوجس " الآن سيدتي " أجابته " نعم الآن من فضلك " ثم أغلقت الهاتف وأسرعت نحو خزانتها تبدل ثيابها وكلها يقين أن الله سوف يكون مرشدها نحو الخير.

بعد قليل…
في شوارع باريس كانت هناك سيارة فارهة تنطلق كالسهم الموجه بدون أن يعوق دربها أي حواجز وقد خلت الطرق في ساعات الصباح الباكرة حتى توقفت أمام منزل راقي ذات تصميم مميز فترجلت بتول من السيارة لتجد في استقبالها رجال حراسة أدركت من ملامحهم أنهم جميعآ عرب كما أدركوا هم أنها عربية فتقدمت قائلة بصلابة تعاكس الانهيار الذي كانت تحياه بين جدران غرفتها " السلام عليكم ورحمه الله وبركاته " كأنها تبحث عن الأمان بإلقاء السلام فتقدم نحوها أضخمهم مجيبا بهدوء " وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته، تفضلي السيد ماثيو في انتظارك " تحركت عابرة من البوابة بمفردها حيث أتت وحيدة إلى مملكة لا تدري عن ملكها شيء، أتت بقدميها إلى عالم لا تدرك عن أبعاده شيء، ولم يعد من المنطق الآن أن تبحث خلف شيء إلا من لأجله ساقها القدر إلى هنا، سارت في ممر يقف في نهايته رجل بملامح غربية يبتسم بلطف وهو يمد كفه نحوها و يقول " أهلا سيدتي تفضلي، أعرفك بنفسي أنا ماثيو " نظرت بتول لكفه قالت " سعيدة بلقائك سيد ماثيو ولكن اعذرني أنا لا أصافح الرجال " سحب ماثيو كفه وقال بتلقائية " لا بأس أنا متفهم لقد تعاملت مع نساء كثيرات من أصول عربية وأحترم عاداتكم " عبرت بتول نحو مجلس يطل على الحديقة الخارجية لكنه يمتاز بتصميمه الإسلامي العتيق الذي يشعرك أنك تجلس في مكان أثري فدارت بعينيها تتفحص المكان ليقول ماثيو " ماذا تشربين " أجابته بتول بجدية " لا شيء أنا أريد مقابلة سيدك لأمر هام قد يكون حياة أو موت لأحدهم ولم يكن بامكاني تأجيل هذا اللقاء أكثر لذلك لم أفكر هل الوقت مناسب أم لا قبل أن أهاتفك وأخبرك بقدومي " نظر لها ماثيو بقلق وقال " حسنا اهدئي لا بأس بقدومك بأي وقت فهذا المنزل لا يغلق بوجه أحد خاصة العرب، سيدي للأسف ليس موجود لقد قضى ليلته بمنزل المزعة اسمحيلي أن أخبره بأمرك وأنا واثق أنه سيأتي في أسرع وقت " هزت بتول رأسها بطاعة فانسحب ماثيو مبتعدآ خارج الغرفة يفصلهما جدار زجاجي ظلت تراقبه من خلفه وهو يتحدث في هاتفه وتتعاقب على وجهه الانفعالات فيزداد توترها الذي تكبحه قدر استطاعتها ليعود إليها ماثيو وعلى وجهه نظرة عاجزة وهو يقول " لقد حاولت الوصول لسيدي لكن يبدو أنه قرر بشكل مفاجيء السفر وقد توجه للمطار بدون إبلاغي وأصبح هاتفه خارج التغطية، لذلك للأسف لن تستطيعي مقابلته الأن، لكن ربما لو أخبرتني بمشكلتك أستطيع مساعدتك قدر استطاعتي حتى عودته " هزت بتول رأسها قائلة " لن أستطيع، ألا تعرف كم سيغيب سيدك " أجابها ماثيو " للأسف لا أعرف، فأمر سفره بأكمله صدمني، فليس من شيمه الإقدام على شيء ليس مخطط له، مؤكد خلف هذا السفر المفاجيء أمر جلل" أغمضت بتول عينيها للحظة ثم قالت له " حين يعود أخبره أني أتيت إليه، لا تنسى من فضلك " ثم تحركت خارج الغرفة نحو الممر المؤدي إلى البوابة وهي تفكر أن الأمور تزداد سوءآ فها هو المحامي تركها ورحل والشرطة قد رفعت يدها عن القضية بينما الأمل الوحيد الذي كانت ستتمسك به اختفى، فماذا عليها أن تفعل الآن ؟
_________________
كم مللت أن أجد نفسي بلا مقدمات داخل الصراع، أقف في جبهة بمفردي حيث يراني الجميع عدوآ له، مللت حتى طاقتي على الصمود ومحاولاتي اليائسة أن أبدأ من جديد رغم إستحالة الأمر.
الوجوم يسيطر على الجميع، والعمل الذي كان من الممكن أن ينقضي في ساعة واحدة ها قد مرت ثلاثة ساعات وهي والفتيات يدرن حول بعضهن فلا شيء ينجز أو ينتهي، الملفات تكدست فوق المكاتب والعاملين قد رحل معظمهم وهن الثلاثة باقيات بعد رحيل تولين التي أفزعتهم حين علا صوتها بهياج جعل المحامي الذي كانت مجتمعة به في حضرة زوجها ينصرف بسرعة غيرعابيء بردة فعلها العنيفة ليدخلن لها محاولات فهم ما يحدث فيزداد فزعهم بمشهد انهيارها الذي ظنوا جميعآ أن أيامه قد ولت وانتهت.
أغلقت كنزي الملف الذي أمامهم بعنف وقالت بغضب " هل لي أن أفهم لماذا نحن هنا حتى الآن " أجابتها ملاك بتوتر " نحاول أن ننهي العمل " قالت كنزي بسخرية " حقآ! لماذا إذآ لا أستطيع النظر لتلك الأوراق حتى، هل أنجزت إحداكما أي شيء يذكر " أغلقت سارة حاسوبها المحمول ووقفت تقترب من كنزي وقالت " لم أستطع العمل بعد ما حدث، لكني أحاول " سألتها كنزي بغضب " أليس علينا أن نكون بجوار حور الآن، نحن حتى الآن لا نفهم أبعاد الأمر " وافقتها سارة قائلة " أنت محقة لكن ….الأمر الآن لم يعد مثل السابق يا كنزي، فتدخلنا السريع قد لا يمنح حور وزوجها مساحتهما اللازمة لذلك أظن أننا في تضامن غير معلن قررنا تركهما لبعض الوقت " هزت ملاك رأسها باعتراف قائلة " لقد خجلت أن أقترب منها بينما زوجها يحتويها ويهمس لها بكلمات خفية، لقد تجمدت مكاني بصمت " اعترفت سارة " وهذا حالي أيضا شعرت أنه ليس من اللائق أن أتدخل " تجهم وجه كنزي وقالت " أنا أيضا شعرت بها تحتاج إليه أكثر من أي منا فصمت وصبرت لكن لقد مرت بضعة ساعات وأظن هذا أكثر من كافي دعونا نرحل " نظرت سارة إلى الساعة الفضية التي تزين معصمها وقالت " لا بأس لنرحل، هيا بنا " أسرعت كنزي خارج الغرفة لتتبعها سارة التي حملت حاسوبها وحقيبتها لتسارع ملاك تجمع الملفات بخفة لتضعهم في درج المكتب حين اهتز هاتفها معلنا عن وصول رسالة تدرك جيدآ أن للرد عليها عواقب.
_________________
وقفت كنزي بجوار سيارتها التي يجلس خلف عجلة قيادتها حارسها الضخم الصامت تهز ساقها بتوتر وهي تنظر لمدخل الxxxx حيث ظهرت سارة فتقول لها بعصبية " تحركي قليلا، أين ملاك " أجابتها سارة التي اقتربت منها " كانت تضع الملفات في درج المكتب، دقيقة وستكون أمامنا اهدئي "
سألتها سارة بتردد " هل لديك فكرة عن الأمر الذي أبلغه ذلك المحامي لحور فأوصلها لهذا الحال " هزت سارة راسها وقالت " لا فكرة لدي أبدآ، لكن مؤكد سيكون الأمر بسيط بإذن الله، ها قد وصلت ملاك " فتحت سارة الباب الخلفي للسيارة وصعدت تشير لملاك بالانضمام إليها بينما أخذت كنزي مكانها بجوار السائق لتقف ملاك بتوتر وتقول " لن أستطيع العودة معكما فلدي أمر مهم عليّ قضائه أولآ " نظرت لها سارة باستنكار وقالت " أمر ماذا في هذه الساعة، اصعدي للسيارة يا ملاك ودعينا نعود للمنزل " نظرت ملاك لمكانها الشاغر بجوار سارة بتردد ثم ابتعدت للخلف خطوة ودفعت باب السيارة بيدها لينغلق وهي تقول بخفوت ونظرات راجية " لن أتأخر، وسأخبركما بكل شيء عند عودتي، إذا سألت أمي عني أخبراها أني أنهي شيء يخص العمل لكي لا تقلق " تجهمت سارة وقالت " هل تطلبين منا أن نكذب لأجلك، لن يحدث خاصة وأن أحوالك تقلقني منذ مدة، اصعدي يا ملاك وسنتحدث في المنزل " تصلب جسد ملاك برفض لأمر سارة ونظرت لكنزي بعيون راجية أن تتفهم طلبها وتساندها فتدخلت كنزي قائلة " أمامك ساعة واحدة إذا تأخرت عنها سأطلق خلفك أكثر شخص لديه قدرة على هدم اللذات وإرهاب الفاتنات وتعنيف المتغيبات بلا أسباب واضحة، هل فهمتي من أقصد " هزت ملاك رأسها بطاعة فقالت كنزي للسائق " دعنا ننطلق " تحركت السيارة فقالت سارة بغضب " لا تتحدثين هكذا مطلقآ عن أخي ثم كيف تسمحين لها بالذهاب إلى مكان لا نعلمه، أنت تدركين أن حالها منذ ….قاطعتها كنزي قائلة وهي تستدير لتنظر لها " أفهم تمامآ ما يقلقك لكن آخر مرة تعاملنا معها بأسلوب المنع ظنآ منا أننا نحميها كانت النتيجة أنها أصرت أكثر، ملاك شخصية هشة جدآ وخوفنا عليها يزيد الأمر سوءآ " همت سارة بالرد عليها لتصرخ فجأة حين رأت سيارة تقطع طريقهم قائلة " انتبه " اصدمت سيارتهم بالسيارة الأخرى بعنف انتفضت له أجسادهم ليقول الحارس بقوة " اربطوا أحزمة الأمان و أغلقوا أقفال الأبواب " سألت كنزي بفزع " ماذا يحدث، هل هو حادث عابر، ربما أصيب السائق " أجابها الحارس حين ترجل أربعة رجال من السيارة التي تهشم جانبها من الاصطدام قائلا " لا أظن تمسّكْن جيدآ " كانت عيناه تدرس الموقف بدقة وهو يتراجع بالسيارة للخلف لتظهر سيارة من شارع جانبي تقطع طريقه فيصبح محاصرآ بين السيارتين صرخت سارة " ما هذا، ماذا يحدث " أجابتها كنزي وهي ترى الأسلحة التي أشهرها الرجال وهم يقتربون نحوهم " لا أعلم، لا أعلم ...ماذا يريدون منا " دفع نحوها الحارس سلاح فتوسعت عيناها برعب وهى تسأله " ما هذا " أجابها بجدية وهو يمسك يدها ويطبقها على السلاح " إذا اقترب منك أحدهم لا تفكري وجهي نحوه السلاح واضغطي الزناد بلا تردد " هزت رأسها برفض فهدر بها " لا تدعي يد تلمسك، سأترجل من السيارة محاولآ تشتيتهم فلتأخذ سارة مكاني وحين أعطيكما الإشارة اندفعي بالسيارة عابرة فوق أي شيء أو شخص يقف في طريقك، مفهوم " نظرت سارة لكنزي بعيون متسعة ثم التفتت له وقالت " مفهوم...مفهوم " أشهر سلاحه وترجل من السيارة مخططآ أن يفسح لهما الطريق الأمامي فقفزت سارة تأخذ مكانه وهي تسرع لتغلق قفل الباب ثم تمسكت بعجلة القيادة بقوة محاولة السيطرة على انتفاضة جسدها لتكتم صرختها حين أسقط الحارس رجلين أمامها فبدأ إطلاق النار من الأمام ومن الخلف للحظة أشعرتها أنها في حلم مفزع لا يمت للواقع بأي صلة فصرخت كنزي حين أسرع الرجلين الآخرين نحو حارسها الذي فرغ سلاحه من الطلقات واشتبكوا معه قائلة " سيقتلونه ….لا " لم تجبها سارة وعيونها مثبته على الحارس بجمود تنتظر منه الإشارة لتنطلق ليصرخ فجأة حين لمح باقي الرجال يقتربون من السيارة " تحركي " انطلقت سارة نحو الأمام مصطدمة مرة أخرى بالسيارة التي تقطع الطريق محاولة إزاحتها لتعبر ليتهشم فجأة زجاج النافذة المجاورة لها وتمتد منه زراعان قويتان تحاول سحبها من حجابها الذي ارتفع نحو وجهها مانعها عنها الرؤية بينما كان شعرها الذي ثبتت به الحجاب بدبابيس لكي لا ينزلق يتمزق فصرخت ومازالت قدمها تدعس على دواسة البنزين بكل قوتها فنظرت كنزي بكره نحو الرجل الذي يبتسم لها بسماجة مستمتعآ بما يفعله ورفعت السلاح بكفين يرتعشان وأغمضت عينيها ثم أطلقت النار نحوه ليزداد صراخ سارة وهي تقول " كنزي ماذا يحدث، هل حدث لك شيء، كنزي أجيبيني " فتحت كنزي عينيها لترى الرجل وهو يسقط ساحبا حجاب سارة بالكامل كاشفآ عن وجهها الذي أدماه زجاج النافذة وشعرها الذي تمزق في يديه فتنظر لها سارة بعيون تلمع بها الدموع قبل أن تصرخ بقوة " خلفك " استدارت كنزي بسرعة مغمضة عينيها وضغطت على الزناد مطلقة كافة الطلقات التي كانت بالمسدس بينما سارة تجاهد مع السيارة التي تحركت قليلا لتعود إلى الخلف ثم تصرخ بغضب وهي تنطلق هذه المرة مزيحة إياها بالكامل عابرة من ذلك الفخ بسرعة جنونية بينما كنزي ترتجف بعنف وهي تنظر في المرآة الأمامية لجسد حارسها المسجي أرضآ يجاوره أجساد من قتلتهم بيدها.
_________________
مازلت عالقة فوق غيم الأمنيات لم تكن دفعة الواقع القاسية كافية أبدآ لأسقط، سأظل أتشبث حتى تحط غيمتي بأمان، وتترقرق كغيث جاء بعد غياب ليحيى في جوفي ذلك العزيز الأبي الذي يجعلني امرأة لا تقبل سوى بما يناسب قدرها.
________________
تعبس بتركيز وهي تنظر للأوراق بين يديها ثم تنتقل عينيها نحو شاشة الحاسوب لتزفر بقنوط وهي تلقي بالورق بغضب معيدة ظهرها إلى الخلف تنظر للسماء الذي انسحبت منها آخر خطوط النهار رويدآ رويدآ لتنجلي خلف عتمة الليل الموحشة التي بقدر ما أصبحت أنيسها الوحيد في لياليها الطويلة بقدر ما تمقتها لأنها تكشف لها عن أنثى أخرى بداخلها تخجل أن تتمكن من روحها يومآ وتطفو إلى السطح فجأة مغيرة معالمها لتجعلها تتخلى عن كل ما يجعلها متماسكة صلبة كما عهدت وكما تريد أن تبقى، التفتت أسمهان خلفها نحو سمراء وليل اللذان يتهامسان بطريقة توحي أن سمراء توبخه بينما هو يخفض رأسه راسمآ على ملامحه نظرات لا تلائم سوى طفل لم يتخطى العاشرة فابتسمت ابتسامة لم تصل قلبها وقالت محدثة نفسها بيأس " ماذا أفعل الآن " ليأتيها سؤال فخر الذي اقترب وهو يحمل حقيبة لمحل حلويات شهير يجلس أمامها على الطاولة التي تتوسط حديقة منزل سمراء " في ماذا يا سوما، ما الذي أوصلك للتحدث مع نفسك بعد ما فعلتيه بنا في الشركة اليوم " نظرت له بغضب وقالت " ألا تستحقون، فلتحمد الله أن بشر غادر مبكرآ من أجل الفتيات، وأخيك طوال اليوم لاهي في أمر أظنه يوبخ عليه في النهاية وإلا كان أصغر عامل في الشركة كلما رآكما سقط أرضآ وهو يتذكر مناظركم وانتما معلقين من أرجلكم، هذا ما كان ينقصني " ابتسم فخر وقال " أنت لم تدركي أبعاد الموقف، أمير هو السبب لا أنا " نظرت له بعدم تصديق وقالت " حقا! أتعرف ما صدمني؟ أني لم أرك يومآ شابآ عابثآ، شعرتك دومآ نسخة من ليل سوف تحب بصدق وتتمسك بحبك مهما حدث " سارع فخر يرفع كفيه قائلا بصوت مرتفع " لا لا لا ، اسمحي لي أن أصحح نظرتك وأخبرك أني لست هذا الرجل، واعتذارآ مني على ما حدث أتيت لكم بهذه الحلوى " ارتفع صوت سمراء الغاضب تقول " الحلوى بعد الأكل، سنأكل جميعنا عند بشر " نظر فخر لعلبة الحلوى وقال " لم يخبرني أحد، هكذا سنحتاج لمتجر حلوى لا علبة، ليل أعطني بطاقتك " نطقت سمراء وليل في وقت واحد " لا " ليعبس فخر وينظر لأسمهان قائلا بخفوت " أختك توتر علاقتي بأخي، الرجل أصبح كلما رأني يصيح كمن فقد عقله " عادت أسمهان تنظر نحو أختها لتجدها صمتت وقد بدأ ليل يهادنها محاوطها بذراعه الضخم لتقول " المهم أن ينتهيا قبل أن يبرد الطعام، أخيك بدأ بالتحدث إذآ الأمر تحت السيطرة " وقف فخر وهو يقول " سأطلب المزيد من الحلوى أتريدين شيء معين " جمعت أسمهان الأوراق ثم وقفت متوجهة إلى الداخل وهي تقول " لا ...شكرآ فخر " تحرك فخر فيما تحركت هي واضعة هاتفها على أذنها مضطرة وقد أوصلها منذر لوضع سيضع كلاهما في مأزق لترد بمجاملة جوفاء حين أتاها صوت بهية الناعم تقول " السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، كيف حالك أسمهان " فتقول" وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته يا بهية، أنا بخير كيف حالك أنت وكيف حال العمل هذا يومك الاول أليس كذلك " أجابتها بهية " مر والحمد لله، كنت متوترة والتعامل مع جميع من حولي كان مُربك لكني مدركة أنها البداية فقط وسأتخطاها باذن الله، أنا تنقصني الثقة لكني أستمدها من التفكير فيك أنت والفتيات ومتيقنة أن الأمور ستصبح قريبآ بأحسن حال " عم الصمت للحظة قبل أن تقول أسمهان " أنت لا ينقصك شيء يا بهية لتصبحي مثلنا وأكثر، كلنا حولك وبجوارك لا تنسي ذلك " تنهدت بهية براحة وقالت " صدقيني أعلم ومدركة أنه لو لم يكن منذر معرض لضغط العمل الذي يعاني منه منذ فترة لم يكن ليتركني اليوم، لقد أصبحت أشفق عليه فهولا ينام ويعود للمنزل مع شروق الشمس، فكرت حين تحدثيني أن أطلب منك أن تحدثي بشرعن وضعه ليرسل أحدآ لمساعدته " صمتت أسمهان وقد ضاع الحديث عن شفتيها فقد ظنت أنها بمهاتفة بهية قد تضعه أمام الأمر الواقع ليرسل لها الملفات التي طلبتها لكنه لم يرسلها واضعآ إياها في موقف محرج أمام بشر الذي سيجتمع بأعضاء الشركة التي لم تحصل على أوراق معاملاتهم بعد، والعجيب أن الجميع يشتكي من تقاعص منذر في إدارة فرع المدينة الساحلية وهي من تحاول تغطية الأمر بكامل قوتها لكي لا يتخذ بشر قراره الحاسم بإعادته إلى العاصمة فتعود هي وخذلانها الموجع وجهآ لوجه فقالت بغضب تلجمه مدركة أن منذر ألبس بهية عباءة الخداع مبكرآ " سأحدث بشر لأجله لا تقلقي، فيبدو أن هذا هو الحل الوحيد ليرفع هذا العبء عنه فيبدو أنه من ضغط العمل غير منتبه لرسائلي ومكالماتي فقد كنت أحتاج منه ملف مهم جدآ وقد ظننته عاد للمنزل " أجابتها بهية بطيبة يتردد صداها في كلماتها الهادئة " للأسف هو لم يعد للمنزل بعد، وبالأمس عاد فجرآ كنت أفكر اليوم لوعاد مبكرآ أن أحدثه بشأن محسن الصغير أعذرك لو كنتي غاضبة منه فقد مر شهر منذ آخر مرة زاره لكن الأمر ليس بيده صدقيني " أغمضت أسمهان عينيها بقهر توقف جموح أفكارها الذي يجعلها على وشك الصراخ ببهية أن مدير مكتب زوجها كلما هاتفته تطلب منه بغضب الالتزام بمتطلبات العمل يرتعد بخوف شديد من أن يفقد وظيفته ويخبرها أن كل التأخير سببه غياب منذر المستمر عن الشركة، تريد أن تصرخ بها أنه مازال على غيه مازالت ترى ذلك التمرد يلمع بحدقيته مشعرآ إياها بأنها كانت ….أوقفت أفكارها وقالت " شكرآ لأنك تفكرين دومآ بعلاقة محسن ومنذر ذلك لطف بالغ منك، ولا تقلقي فغضبي من منذر لم يعد شيء ملائم اطلاقآ، أتمنى أن تبلغيه حين يعود أن الاجتماع في الحادية عشر ويجب أن يصلني الملف قبلها بساعتين على الأقل، ابلغيه أني سأخبر بشر بضغط عمله وبمواعيد عودته للمنزل ليتخذ قراره الحاسم في أسرع وقت " قالت بهية بابتهاح " شكرا لك" ودعتها أسمهان وهي تتمنى أن تصل رسالة تحذيرها الأخيرة لمنذر ليدرك أنها تدرك جيدآ ما يفعله وقد نفذ صبرها من إصراره على توجيه غضبه ومقته نحوها بينما هو يكمل في درب نزواته، صوت اصطدام مدوي جعلها تلتفت بفزع وهي تتحرك عائدة نحو الحديقة لتجد سيارة كنزي قد عبرت السور الخشبي مندفعة نحو باب المدخل داهسة في طريقها كل شيء لتتوقف حين اصطدمت بالجدار لينفتح الباب وتنزلق

سارة تسقط أرضآ بوجهها الدامي وشعرها المكشوف فتجري نحوها بينما ليل يحاول بهلع فتح الباب الآخر ليتفقد كنزي التي كانت فاقدة للوعي.
_________________
لترقد حيث رقدت كل أحلامي البعيدة التي أصرت على الصمود رغم سطوة المستحيل، لترقد في مسواك الاخير داخلي حيث المكان الوحيد الآمن الذي قد آمنه عليك لترقد ما بقى لك من الوقت قبل أن تتلاشى غيماتك راحلة عني.
________________
تعجزها تلك التفاصيل النمطية للحياة والتي ليس مقدرآ لها أن تعيشها، تشعرها أكثر بالنقص الذي أصبح جزء منها منذ أن كانت مجرد طفلة صغيرة تقف أمام المرآة بالساعات محاولة إيجاد إجابة مناسبة لسبب الاختلاف الذي يجعل كل من يراها يتجنبها كأن ما بها وباء وليس اختلاف حتى مرت الأيام سريعآ وبعدما كانت الوحدة مفروضة أصبحت ضرورة لا غنى عنها وها هي تعود لمركز كونها الذي تضمن ألا ينفذ من خلاله نحوها أي بشر، تسللت يهدين كما العادة من فتحة غير مرئية بين أشجار السياج الخلفي لتلك المزرعة الضخمة المعزولة محاولة ألا تلتقطها عيون الحراسة أو كاميرات المراقبة المنثورة بكل مكان، تحركت نحو باب خلفي ثم ولجت إلى ممر انتهى بباب يعقبه أخر فتحته بهدوء ليتحرك كأنه جزء من الحائط لا تستطيع العيون التقاطه بسهولة فتنظر حولها وهي تتنهد براحة مزيلة قلنسوة سترتها عن شعرها الحريري الابيض ثم خلعت حذائها تحمله بيدها وهي تغلق الباب بهدوء وتتحرك تجاه السلم ليأتيها صوته العميق قائلا " لا أعلم حقآ السبب الذي يدفعك للتسلل إلى منزلك كأنك متسلل جاء ليسرق المكان، متى ستكفين عن ذلك " تجمدت للحظة قبل أن تضع حذائها على جانب درجة من درجات السلم وتستدير واضعة يديها في جيبي سترتها و تسأله " متى عدت، أليس مبكرآ قليلآ على عودتك " رفع حاجبه فتزداد هالته سطوة وهو يقول " ليست الإجابة التي أنتظرها يهدين "
اقتربت منه وهي تقول بخفوت " تعلم أن الإجابة التي تنتظرها لن تعجبك وأنا لا أريد اغضابك أو الدخول معك في نقاش يخرجك عن أعصابك فأنا مرهقة ومستنزفة من شهور عمل طويلة واليوم هو يومي الأول داخل وقتي المستقطع لذلك أرجوك حكم لا تجرنا إلى ذلك " كانت كما العادة تنتظر منه التفهم الذي لم يبخل به عليها يومآ لكنه يخشى عليها من القادم، فإنسانة لا تستطيع مواجهة العالم باختلافها كيف ستواجههم بحقيقتها، تصلب فكه حتى ظنته لن يتنازل عن قراره كما دومآ، لكنه سألها " إلى متى سيظل هذا الوضع " اقتربت حتى جلست مقابلا له على كرسي ضخم يكاد يبتلعها كما الطفلة وهي تجيبه " توقفت عن هذا السؤال منذ سنوات، أظن أن عدم التفكير به مريح أكثر، في النهاية لا أحد ينتظر مني شيء يجعلني أسعى لتغيير أي شيء " أمال رأسه يناظرها من علوه وعيناه كما العادة تتحدث بحديث أدركته فقالت " أنت لا يمكنك أن تفرض عليّ شيء لست بقبلآ له، حكم المسيطر الذي لا يرحم في عالم رجال الأعمال ليس في عيني سوى عالمي الأمن " نظر للسقف وقال بابتسامة نادرآ ما تطفو إلى ملامحه المشدودة على الدوام " أنت تحاولين تأجيل المحتوم لا أكثر يهدين، على أي حال خذي من الوقت ما شئت مادام متاح، لكن حينما يتحتم عليّ تغيير الوضع أنتظر منك التفهم والدعم لأننا أسرة واحدة " اهتزت حدقتيها بتوتر تخشى أن تفصح عما يدور بداخلها ثم قالت بصدق " أتمنى ألا يأتي ذلك اليوم أبدآ حكم " تنهد قائلا " ليت كل أحلامنا مقدر لها التحقيق، ليت ذلك " اعتدل منحني للأمام يناظرها بنظره أعلمتها أن الجزء الجدي من حديثهما قد بدأ، وقال " وصلك رسالة بالمبلغ الذي أضيف لحسابك " أجابته " نعم لقد صدمت، ماذا سأفعل بكل هذا المبلغ ...حكم أنا " قاطعها قائلآ " أنت تتخلين عن الكثير باصرارك على التخلي عن مكانك الطبيعي بجواري وهذا أقل ما أستطيع فعله لأجلك، لكني أريد منك تقرير مفصل بكل شيء أنتي عيون الصقر خاصتي " ابتسمت كأنما كونها بأكمله يؤكد لها أنها عينيه ليتبع قائلآ " أردت إخبارك أني سأقيم حفل خيري ضخم هنا خلال أيام، أليس هناك أمل في أن تحضريه على الأقل " وقفت قائلة " ليس هناك أمل وأنت تعلم لكني سأشرف على كل صغيرة وكبيرة لا تحمل هم ورائك صقر صغير يستطيع فعل أي شيء، وبما انك قد أمسكت بي متلبسة بتهمة التسلل لا داعي إذآ لادعائي النوم وتركك لتأكل بمفردك، دعنا نحضر شيء للعشاء فأنا جائعة " وقف بطوله الذي يشعرها أي قصيرة نحيلة هي وقال " أجزم أنها المرة الخامسة على الأقل التي تتناولين فيها طعامك اليوم، كلمة جائعة هذه وحدي أدرك ما خلفها " قالت وهي تندفع تجاه المطبخ بعبث حافية الاقدام " لا يهم الآن سوى ماذا سنحضر، أفكر في شرائح من اللحم البارد وبجانبه …….هدر فيها " كفي...هذا عشاء، الوجبة التي تسبق النوم والتي يجب أن تكون صحية خفيفة " نظرت له باستخاف وقالت " هذه التعليمات للمهوسون بلياقة أجسامهم أمثالك وليس لي، على كل حال لقد كنت مستعدة تمامآ " تحركت تجاه المبرد وأخرجت منه طاجن ثم وضعته في جهاز التسخين وقالت " طاجن أسماك لا يقاوم يمكنك أن تأكله بخبز صحي بينما أنا سأكل بجواره أرز أحمر وبعض السلطة يمكن أن أزيد الزيتون ولا ننسى الليمون " كانت تتحرك بحماس تعد كل شيء فلم يملك سوى الطاعة لتمر الدقائق قبل أن يشاركها وجبة دافئه في جو هادئ ساكن بعيد عن ضخب الحياة التي حكمت عليها بماضي أسود وحاضر مبهم ومستقبل مجهول.
_________________
أنا هنا ….بلا أسباب ولا منطق، ولا حذر يحاوطني وأنا خير من يدرك، تدفعني حاجة مبهمة لقربك المنهك، وفضول لا قبل لي به وكم من فضول قد يهلك.
_________________
ترجلت ملاك من سيارة الأجرة التي استقلتها أمام مطعم رائف والذي أصبحت كثيرة التردد عليه مع الفتيات منذ أن تولت تولين أمر إدارته فهي لا تمتلك من الشجاعة ما يجعلها تقابل شاب لا تدري عنه شيء في مكان لا تعلمه حتى وإن كان مكان عام به المئات من حولهم، خطواتها كانت متوترة مترددة تكاد تشعرها تتراجع للخلف رهبة من نوبة الاندفاع التي تحياها منذ أن اخترق يونس محيطها لكن في المقابل هناك روح هوجاء تلبستها وسيطرت عليها لتتقدم أكثر وتدفع الباب بهدوء وتتقدم داخل المطعم تدورعينيها بتوتر حتى وقعت عليه يجلس في أقصى المكان، شعره الكث المشعت يداري ملامحه بينما هو منكب بفعل شيء لم تتبينه وهي تقترب أكثر وقد تملكها فزع طفى بأحداقها ليرفع عينيه فجأة كأنما التقط وجودها فتتجمد خطواتها للحظة وهي تتمسك بحقيبتها بكف مرتعش فتراه ينفض من بين أصابعه ورقة حرص على تمزيقها إلى قطع صغيرة حتى أنت مستغيثة، فقرر رحمتها أخيرآ ووقف ….دارت عينيها عليه ببطء كأنها تستشف مدى خطورته غافلة أنها أقل من أن تملك نظرات ثاقبة واعية ليرفع حاجبه بعبوس فلا تجد بدآ من الاقتراب أكثر قائلة بصوت خرج ضعيف مهتز " مساء الخير، لقد أتيت " لم يأتيها رد للحظات كانت كفيلة بدفعها إلى أقصى درجات التوتر حتى شعرت أن المكان يدور من حولها ليأتيها الرد جاف يحمل في طياته جمود " لاحظت ذلك، اجلسي " امتقع وجهها وهي تسحب المقعد تجلس عليه تنظر من حولها مستشعرة أن جميع العيون تراقبها فهي لأول مرة تجلس مع شاب بمكان عام، عادت بعينيها نحوه لتجده ينظر لها بتدقيق ثم قال " تهتمين لأمر يونس كثيرآ على ما يبدو " لم تدري بما تجيب، وما هي الإجابة الصحيحة لفتاة تهتم بنظرة الآخرين إليها وإلى نشأتها السوية، ساد الصمت الذي يعلن عن رفضه لما يحدث لكنها قالت " كنت أتمنى أن يظل في كنف طاهر ليكمل رحلة علاجه، ما هي أخباره ...هل هو بخير، وحالته هل تشهد تقدم ملحوظ، أهناك من يهتم بوضعه فهو يحتاج لمعاملة خاصة، أقصد أنه أحيانا …..صمتت تحاول أن تنظم الكلمات لتبدو لائقة لكن الضغط الذي تعانيه جعلها تكمل بلا تفكير " ينسى نفسه بلا طعام أحيانآ، وأحيانآ لا يرتاح في الأصناف المقدمة له فيمتنع عن الأكل بلا توضيح، أحيانآ يفرط في الاستيقاظ حتى تنتابه هلاوس من قلة النوم، وأحيانا يظل يكتب أشياء غريبة حتى ينهك نفسه ويسقط مغشي عليه، أيضا يحتاج دومآ لتذكيره بتفريش أسنانه ولكن بلطف ويحب الملابس الأنيقة ذات الألوان المميزة إنها تسعده " صمتت تبتلع باقي كلماتها حين فطنت لكم الحديث الذي خرج منها وقد تلون وجهها بحمرة قانية فيقول الجالس أمامها بإدراك " تهتمين إذآ وهذا ما ساقك إليّ، لذلك وقبل أن أبدأ حديثي لا تنسي يوما أنك من أراد ومن أتى ومن أصر رغم أن الخيار كان بيديك " شعرت به يحملها أمر لا تعلمه فقالت " أنا أريد المساعدة، لماذا تشعرني أن أُقْدم على فعل شيء خاطيء " أجابها بلا مبالاة " أنا أذكرك بشيء ربما تحتاجين إلى تذكره يومآ ما …. والآن لنتحدث فيما أتيت لأجله، يونس " سألته بتوتر " أنت أخيه " أجابها " الأكبر ..أخيه الأكبر، يونس أخي من الأب فقط وحين توفى والدي لم يطالب أحد من العائلة بميراثه بل استقل بذاته بعيدآ عنا وتزوج وأنجب طفلة واستقر بحياته لسنوات " سألته بخفوت متردد " ماذا كان يعمل، وأين كان يسكن قبل أن يأتي إلى الحارة " أجابها شاردا " مهندس برمجيات، كان شديد الذكاء في مجاله، سافر كثيرآ وحصل على شهادات لا حصر لها، لم نكن يومآ قريبين كأخوة لكن بقينا على تواصل هو يجوب العالم محققآ أحلامه برفقة زوجته وطفلته الجميلة وأنا عالق هنا في براثن عائلة لم يكن الوجود بينهم سهلآ مطلقآ حتى جائني منه اتصال في يوم يطلب نجدتي وهو يخبرني أن هناك من يسعى لقتله " شهقت ملاك بعنف وشحب وجهها ليكمل هو قائلا كأنه يفرد أمامها ستار الحقائق " ساعدته بكل قوتي ليعود للوطن، ليجد مكان آمن ولكن ……...صمت غير قادر على تذكر ما حدث لكنه التقط أنفاسه وأكمل " بمجرد وصوله ذلك المكان وقبل أن يتيح لنا الوقت لنتحدث وأدرك أبعاد ما يحدث معه وصلني خبر الحريق الذي أخذ منه زوجته وطفلته وعقله بعدما نجا بأعجوبة " سألته وقد داهمتها نوبة بكاء عنيفة " من الذي فعل به هذا، هو مؤكد لم يؤذي أحد، يونس لا يمكنه أن يؤذي أحد، ثم لماذا وجدناه شاردآ هائمآ كالمجاذيب في الحارة وهو يملك عائلة بكل هذا الثقل " أجابها بدون تردد " مازلت لا أعلم من أو لماذا، لكن ما أنا مدركه الآن أن أخي مازال في خطر، مازال هناك من يسعى خلف موته ويترصد له، ولكن هذه المرة اتبع الطريقة الصحيحة لفعل ذلك ووضع يده بيد أعمامي الذين يريدون التخلص منه " نظرت له ملاك بصدمة وقالت " أعمامه يريدون التخلص منه، لماذا ….ألهذا ألقوه في الحارة بلا اهتمام كأنه نكرة " أظلمت ملامحه وهو يقول " بل أنا من ألقاه هناك بذلك المنزل المهجور بعيدآ عن أعينهم، وقد ظننته بأمان ولكنه لم يكن كذلك يومآ " أغمضت ملاك عينيها محاولة استيعاب ما تسمعه ليأتيها صوته قائلا " ما عاد اغلاق عينيك سيفيد بشيء، أنت هنا الآن " فتحت عينيها تسأله بضياع " ماذا يعني ذلك" أجابها بإصرار لا يجد بديلا عنه " أنت أصبحت جزءآ من هذا " صمت وصمتت ليقطع الصمت رنين هاتفها الملح فأخرجته من الحقيبة تجيب بتخبط على فرحة لتتوسع عينيها وتلتقط حقيبتها وتعدو خارجة من المطعم لا تدرك هل هي تفر من الهوة التي ألقت بها نفسها أم تفر نحو من تركتهما في أحسن حال لينقلب كل شيء في لحظة.
_________________
لا أحد منا بلا أثقال، بلا أمنيات عالقة بالأحداق، بلا حكايا ملهمة ذات آثر، بلا فكر شديد العمق والمنطق، جميعنا نملك ذات التفاصيل التي تدفعنا نحو التعنت وإن اختلفت الأسباب.
_________________
عادت إلى منزلها ككل يوم لا جديد، ها هي البوابة الحديدية في انتظارها وقد أوهنها الزمن حين ترك عليها أثاره التي لا ترحم، فدفعتها بلطف ومرت تجاه حديقتها الصغيرة تتفقدها بعينيها وهي تصعد الدرج تجاه باب المنزل لتلج نحو سكون ألفته كما مصيرها الساكن منذ رحيل من رحلوا، توجهت لغرفتها تفرغ حقائب المشتريات التي تحملها لتضع كل شيء في مكانه بنظام تعودت عليه ثم أبدلت ملابسها بملابس منزلية مريحة ومحتشمة وأسرعت نحو المطبخ مدركة أنها تأخرت وعليها الإسراع بتجهيز الطعام لتلتقطت أذنيها صوت خالها الذي يبتهل في صلاته فتتجمد خطواتها بقلق فليس من عادته تأدية فروضه في المنزل أو التأخرعنها فخشيت أن يكون مريض أو أصابه شيء في غيابها واقتربت من غرفته للتتفقده.
كان خلف يجلس بين يدي الله يشكوه عجزه الذي ألم به، يتضرع إلى الله أن يلهمه الصواب وقد تعقدت كل الأمور بما حدث صباح اليوم بينه وبين الحاج مصباح، وفاطمة لا تهون عليه القرار، لكنها لا تعي لمخاوفه، لا تعي لثقل الأمانة وكم يخشى من قرب الأجل، لقد انتظر منها المدد وترك لها المساحة لتأتيه بقرارها ولكنها من أبت لذلك، رفع رأسه يناجي خالقه قائلا " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرآ فقدره، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرا اصرفني عنه " مرر خلف كفيه على وجهه ليقاطعه طرق هاديء على الباب وصوت فاطمة القلق يأتيه تقول " خالي هل أنت بخير " وقف خلف واقترب من الباب يفتحه حتى ظهر أمامه وجهها الصبوح الذي يرى فيه اكتمال القمر قبل تمامه وقال " بخير حال الحمد لله، من يرى وجهك ولا يأتيه الخير، متى عدت يا فاطمة " أجابته ومازال القلق يساورها " منذ ربع ساعة تقريبآ، لقد ظننتك بالمسجد حينما وجدت البيت ساكنآ فأحيانآ حين أتأخر تصر بنفسك على تجهيز الطعام " التقط سبحته المعلقة بجيب جلبابه وتحرك نحو الصالة وهو يقول " لقد انتهيت من تجهيز الطعام بالفعل وحين تأخرت فكرت أن أريح عقلي بالصلاة، فمنذ فترة والأفكار تتقاذفني ولا سبيل لي للراحة سوى بالسجود والركوع " قالت فاطمة وهي تتحرك خلفه " لم يكن عليك إرهاق نفسك يا خالي، أنت هكذا تحملني ذنبك، لما لم تكتف بالصلاة والاعتكاف في خلوتك حتى عودتي، لم أتأخر كثيرآ " ولج إلى المطبخ متجهآ نحو المبرد وهو يقول " ما يرهقني حقآ هو صمتك عما تحدثنا عنه، الوقت يمر يا ابنتي " أشاحت بوجهها تقول بحزن " أرجوك يا خالي لا تدفعنا نحو ذلك الحديث الآن، لماذا كل ذلك الإصرار رغم إدراكك بمخاوفي وسبب رفضي، أهناك ما لا أعلمه " تنهد قائلا " هناك الكثير يا صغيرتي ولو أن اسماعيل رحمه الله حي يرزق ما كنت حملت لشيء هم، لكن الآن كل شيء اختلف وعليك تفهم ذلك، أنت لم تعودي صغيرة وتحتاجين لهم " هزت رأسها برفض وهي تتحرك بعصبية وتقول " لو كان بالأمر خير لي لكان فعله والدي قبل أن يفجعني برحيله، أنت تطلب مني أن ألقي نفسي بنيران قرار غير محسوب العواقب " اقترب منها خلف قائلا "لن أنكر هذا أبدآ، لكن ألم تفكري للحظة أنه ربما والدك الآن يشعر بأشد الندم، فربما كان يؤجل تلك الخطوة إلى وقت مناسب لكن انتهى الأجل به، الحق أحق أن يُتبع يا فاطمة وأنا واثق في رجاحة عقلك لا تدعي حزنك وآلمك من معرفتك الحقيقة يعميان بصيرتك عن الصواب، واجعليني أذهب إليهم وأنت راضية فلكم يؤلمني حالك ولكم يؤلمني ذلك الصمت الذي تلتزمين به منذ سنوات"
غزت ملامحها النقية حمرة وقد تحجرت الدموع بأحداقها تحاول كبت ما يعتريها من مشاعر تتمنى لو بإمكانها الإفصاح عنها لكنها لن تسمح بذلك وقالت " صمتي كان أفضل لي، بل لنا جميعآ، فإن تحدتث ماذا سأقول!
أن أبي ….صمتت غير قادرة على إكمال حديث رابض فوق شفاهها منذ سنوات ثم أغمضت عينيها بقهر لتسقط دمعة وحيدة وتتوارى بأهدابها الكثيفة قبل أن تقول " أرجوك يا خالي دعنا لا نفتح هذ النقاش لأنه لا أمل مطلقآ أن أرضى عن ما تريده، أنت هنا وكفى ماذا سأريد أكثر، أنا لا ينقصني شيء ولا أحتاج إلى أحد ومؤكد لست عبء عليك أليس كذلك " سارع خلف يحتويها بذراعه وهو يقول بصدق " ماذا تقولين يا بنت الغوالي ...عبء! كيف تكون قناديل القلوب عبء ؟ فأنت ومن قبلك والدتك كنتما نورهذا القلب وهذا البيت، وأبيك كان الأخ والصاحب والسند رحمهما الله برحمته، وقدرني على حفظ الأمانة " ساد الصمت للحظات قبل أن يقول خلف بمحبة " اخرجي واستريحي يا ست البنات وأنا من سيضع الطعام " رفعت فاطمة عينيها الصارختان برفض فقال " لا تتعبيني بالمجادلة، أعلم أنك حين تحزنين تستثقلين القيام بأي شيء " هزت رأسها وقالت " أنا لست حزينة " لم يجبها سوى بكفه التي احتوت وجهها وهو ينحني ليقبل قمة رأسها المنحني فأغمضت عينيها للحظة ثم انسحبت إلى خارج المطبخ تقودها أقدامها نحو أقصى مكان بالمنزل لتستطيع ولو لدقيقة أن تبكي بحرية بدون أن تضطر أن تعلن عن دموعها أو أسبابها.
_________________
لا أقسى من شد الرحال قسرآ ونحن نعي أنّا ربضنا في أسر الوهم عمرآ، وأن الوطن ليس حيث استكانت أجوافنا أو حيث مهدت لنا السبل دوما، لا أقسى من الترحال خوفآ من الاستسلام للمجهول وقد رأينا فيه عن المعلوم هونا.
_________________
عتمة الليل لم تتلاشى بعد بينما هو يتسلل في شوراع لأول مرة تطأها قدماه وقد أسهده الفكر الذي لا يرحمه ليلآ ولا نهار، لم تكن الشوارع هادئة كما اعتادها في ذلك الوقت حيث المكان الذي ظنه الوطن و لكم خابت له من الأحلام والظنون حتى لا يكاد يجد من خيبته شظايا يلملمها مقنعة نفسه أنها بقايا باقية داخله، وضع كفيه بداخل سترته الخفيفة جارفآ خطواته إلى جانب الطريق وقد مرت بجواره أربعة فتيات يثرثن بحماس عن ليلتهم الصاخبة فلوحت له احداهن لكنه لم يهتم وهو يُكمّل طريقه بخفة فهد وقد وضع بأذنية سماعات تبث إلى روحه ترتيل القرآن الذي أيقن أنه ونسه حين وحدته ...وسكون قلبه حين الضجيج ...وراحة باله حين يقف على حافة الجنون ...ودواء روحه العليلة التي ما عاد متيقن أن لها دواء، مرت دقائق قبل أن يعبر ممشى بحري ضيق ثم يمر عبر عدة أزقة حتى وقف أمام منزل يدرس موقعه بعيون ثاقبة ويستشف الحركة من حولة ويدرس إمكانية التسلل إليه كل هذا من موقعه الخفي للأعين الكثيرة التي تتربص بنفس المكان.
________________
مرت ثلاثة ساعات قبل أن يبدأ المكان من حوله بالضجيج والحركة خاصة المقاهي التي تكتدست بالموظفين الذين لا يبدؤون يومهم سوى بشرب القهوة في ظاهرة تدعوه للإستغراب ورغم ذلك لم يتحرك من مكانه أو تحيد عينيه عن هدفها ليأتيه صوت غاضب من خلفه هامسا " كنت واثق أنك ستفعل ذلك، في ماذا تفكر تحديدآ هل تظن نفسك حر لتتصرف كما شئت " أجابه رائف دون أن يستدير له " ماذا كنت تنتظر مني بعدما قلته " أجابه الواقف بجواره " أن تظهر مهارتك حين نحتاج إليها وتلتزم بالتعليمات التي وصلتنا ولا تحاول التدخل فيما لا يعنيك فما دمت رجل من رجال السيد أنت رهن أوامره وليس أهوائك" قال رائف بغضب " أنت تدرك ما سيحدث للفتاة ومع ذلك لا تهتم " قال الآخر بعنف " لأنها ليست مسؤوليتي، ثم لماذا قد أهتم وأخيها لم يفعل ملقيآ إياها في تلك الدوامة " صمت للحظة ثم قال بواقعية " ثم أنت تدرك أنهم لن يقتلوها " التفت إليه رائف بوجه ممتقع وقال " نعم أعلم... لأنها أكثر فائدة وهي حية حينها ستأتي لهم بمبلغ لا بأس به حين تباع في سوق النخاسة " أشاح محدثه وجهه يزفر بغضب وقال " شأنها لا يعنينني نحن هنا في مهمة محددة ولا تنسى أنها أول مهمة لك لا تجعل تلك الأفكار تسيطر عليك وتضعك في مأزق " همّ رائف بالرد عليه لكنه صمت يدقق النظر في الفتاة اليافعة التي ظهرت ترتدي عباءة رمادية يتداخل بها اللون الأسود وتغطي شعرها بحجابها الاسود كلون حذائها الرياضي المريح تحمل طفل صغيرلا يتعدى عمره العامين والذي يحاول جذب نظارتها الطبية الضخمة وهو يبكي بشدة فتحاول منعه بلطف وهي تنظر حولها بنظرات تائهة خائفة يائسة حد البؤس تلجم دموعها كي لا تلفت النظر بينما خطواتها غير متزنة ولا ثابتة كأنها خرقاء لا تعرف كيف تسير بمفردها.
كانت أصالة تحمل آدم الجائع بقهر لا تعرف كيف تتصرف معه أو ماذا تطعمه وقد نفذ كل طعام الأطفال الذي كان بالمنزل فاضطرت للخروج للبحث عن مكان تبتاع منه، تنظر للوجوه حولها فيملأها الغربة والوحشة والخوف والكره الشديد تجاه ظافر الذي قادها لهذا المنفى، عاد آدم ليجذب النظارة وهو يحاول الفكاك منها فنظرت له بقلة حيلة قائلة " أنا أفعل ما باستطاعتي، ساعدني أرجوك، أعلم أنك قليل الحيلة مثلي وقد وضعت في هذا الوضع غصبا عنك لكني لم أعد أحتمل " زاد صراخ الصغير حتى جذب نحوها الأنظار فحاولت السيطرة عليه وقد سقطت نظارتها أرضآ فانحنت لتلتقطها لتشعر بنفسها تدفع بعنف إلى الخلف وقد أحاطت ذراعين قويتين خصرها تسحبها فصرخت بعنف وقد تشوشت الرؤية من حولها وهى تقول " اتركني ….من أنت، ساعدوني أرجوكم " لترتد بعنف للأمام في لحظة فتسقط أرضآ بعنف وآدم الصارخ مازال بين ذراعيها وقد شاركها سقوطها المؤلم لترتطم رأسها بحافة الرصيف مخلفة جرح عميق ورغم ذلك رفعت نفسها تتحامل على ذراعيها جاذبة آدم الذي يتلوى ألمآ إلى أحضانها وهي تنكمش بجوار الحائط تشاهد الخيال الذي يقترب نحوها بفزع فترتجف أكثر حتى وصل أذنيها صوته الغاضب قائلآ وهو ينحني نحوها فتتبين ملامحه بصعوبة " أعطني الطفل " اللغة العربية التي وصلت أذنيها جعلتها بلا وعي تندفع هي وآدم نحوه تتشبث في كفه الممدودة وهي تقول " ساعدني أرجوك " صمت رائف ينظر لكفها التي تتمسك به باستماتة كأنما وجدت ضالتها وهو يفكر أنه تمنى كف أخرى تحمل نفس الدماء أن تتمسك به بتلك القوة، أغمض عينيه بعنف يوقف تيار أفكاره غير واعيآ أنه قد أطبق يده بشدة جاذبآ إياها لتقف على أقدامها غير مدرك أنها شعرت أن في ذلك الإطباق القوي إقرار قاطع منه أنه سيفعل.
_________________
متى ستصبح أوجاعنا تكفي ونتوقف عن تلقي المزيد، فليس من العدل أن نتحامل ونستقيم رغم كل الآلم متمسكين بأمل واهٍ في غدٍ مجهول فتسخر منا الحياة حين تجعل استقامتنا ليست سوى استقبال أبى للمزيد.
_________________
مرت الساعات منذ عودتها مع بشر إلى ذلك المنزل الذي ظنت أنه نهاية المطاف وقد انتهت على أعتابه كل أعباء الماضي الحافل بما لا تريد تذكره، حررت شعرها لينسدل بغوغائية من حولها بينما تجلس على الأريكة تضم ساقيها إلى صدرها تهتز للأمام وإلى الخلف، عينيها شاخصة في مدى بعيد لا ترى ذلك الذي يدور من حولها وهو يقطع المسافات ذهابآ وإيابآ عاجزعن التعامل مع ذلك الصمت الذي تتمسك به منذ أن ألقى المحامي في وجههم كارثته وانصرف، يراقبها بتمعن بينما يتملكه غضب وتوجس وخوف وضيق كأنما رحاب الكون تنحصر حتى تكاد تنطبق عليه قاطعة أنفاسه، فيلتقط أنفاسه بعمق ثم يقترب منها يجلس بجوارها وهو يقول بصوته الذي يدفيء سقيع قلبها " إذا كنت أخذت كفايتك من الصمت دعينا نتحدث يا تولين، لا أريد أن أضغط عليك لكن وضعك منذ عودتنا لا يريحني " أنهى حديثه يزفر بانفعال من ذلك الأمر الذي لم يكن بالحسبان، التفت لها يناظرها بعينين تسكنهما منذ الأبد ومد ذراعه يجذبها رافعآ إياها بهدوء حتى اعتلت قدميه يضمها إلى صدره مطبقا ذراعيه حولها وهو يقول " لماذا كل هذا الخوف يسكنك وأنت تدركين أني سأتعامل مع الموقف كما يجب وأنك لست بمفردك بهذا، وأننا إن احتجنا إلى الدعم سنجد ألف يد تمتد بالسند، ولن نتركها أبدآ " رفعت تولين رأسها نحوه تقول برهبة " أنا أخشى الفراق يا بشر، كل فراق حدث بيني وبين شخص أحبه استلزمني أعوام من الألم لينتهي، أخشى الخذلان بشدة وأخشى المجهول بشكل أشد، حديث ذلك المحامي أشعرني أن ما جعله يتنازل بالقدوم أن الشخص الآخر من ذلك الأمر تهتز له أعتى الرجال بالطاعة، ماذا لو كان باب شر جديد يفتح علينا بمن عليّ أن أضُحي؟ رفعت يدها المرتعشة تتحسس ملامحه بقلب يهدر بعشق مُحال أن يخبو ثم أكملت " بك وأنا أزجك في صراع لست طرفا به إذ أن رحيل ليست ابنتك وليس من المنطق أن تحارب لأجلها، أم بها خاذلة إياها حين ألقيها في يد رجل مجهول سالبة إياها عائلتها التي لا تعرف سواها " مال بوجهه نحو كفها يستشعر لمستها بقلب يسكنه القرب ويداويه وقال بخفوت لا يريد أن يبدد لحظات سكونهما " من قال أنها ليست ابنتي وأن حقها أن أقف بينها وبين كل ما يؤذيها؟
تولين منذ تزوجتك وأنا موقن أنك بعد فراق موجع عدتي لي بعزوتك التي أصبحوا عزوتي، وحمّلوني دين كما القيود في عنقي بكل ما فعلوه لأجلك وبكل محبة خالصة يحملوها لك، فأنا أحبك وأحب من يحبك وأحب من تحبينهم يا ضي القمر " همست برهبة " لكن الأمر يبدو مخيفا يا بشر، أتدرك ماذا يعني أن هناك من يطالب بحضانة رحيل، ربما ...يكون والدها ...أتظن الفتاة كانت مختطفة، لا رائف ليس بمجرم أنا أدرك ذلك، ربما عليّ أن أبحث عنه، وحده من يعلم الحقيقة، الفتاة ستضيع مني ….يا إلهي " علا نشيجها فألبث قلبه وهنآ على وهن ورغم ذلك قال بهدوء" ها أنت قلتها بنفسك رحيل من المستحيل أن تكون مختطفة ومؤكد أن من وراء الأمر يسعى نحو شيء آخر، وإلا كان منزلنا أقرب له من مكتب المحاماة كأي إنسان طبيعي يبحث عن قطعة منه مدركآ حقه فيها فلا يتأخرعن المطالبة بها بمجرد معرفة مكانها " سارعت تقول " لو أن هدفه المال سأعطيه ما يريد ليترك الفتاة وشأنها ويبتعد أنا لن أتخلى عن ابنتي أبدآ ولن أسمح لأحد أن ينتزع حضانتها مني أو يهدم عالمها الصغير المطمئن " قبل جانب وجهها بعمق وقال " وأنا لن أسمح لأحد قط أن يقترب منك أو من أي شيء يخصك أو ينزع منك سلام نفسك وراحة بالك وابتسامتك التي أصبحت بوصلتي في القادم من العمر ، تيقني من ذلك " أغمضت عينيها وهي ترفع ذراعيها لتحيط عنقه تطبق كفوفها على طيات قميصه بقوة مستمدة منه كل القوة التي تحتاجها لتطمئن، وكل الدفيء الذي تريده لتستكين، وكل المشاعر التي لا تمل من الغوص فيها منتشية بوجوده الذي عجزت دومآ عن وصف سطوته على خافقها وهي تقول " أحبك جدا جدا، واشتقت إليك دهرآ بأكمله " قابل العناق بأشد منه حرارة وقوة وهو يقول " مازلت لا أصدق أنك هنا، داخلي يا تولين أنت داخلي "عمّ الصمت والسكون من حولهما وكلا يلتجيء إلى الآخر كأنه ملاذه الأوحد ليستفيقا على صوت اصطدام بالخارج فانتفضت تولين بفزع تقول " الفتيات بالخارج ما هذا الصوت " أزاحها بشر برفق وهو يتحرك نحو باب المنزل بسرعة وفزع ليتجمد على مشهد سيارة كنزي التي دمرت واجهة منزل ليل بينما سارة ساقطة أرضآ بدون حجابها يظهر عليها آثر اعتداء واضح وليل يصرخ بسمراء " إنها فاقدة للوعي تمامآ يجب أن أحملها " تقدم مهرولا لكنه لم يسبق تلك التي لا يعلم متى أخفت شعرها واندفعت نحو صديقتيها تصرخ بفزع.
_________________
ما هو لون الأسرار؟؟ صفه لي و استفض، ولا تدعني أكثر لحيرة تجعل الفؤاد منقبض، تخبرني أنك رجل بلا لون مشرق كما كنت أعتقد، تأسرني في موجة من الخوف لها العيون تتقد.
………….
يقف أمام حائط منزله الذي أسس أركانه بيده رافضآ وجود أي لمسة جمالية لا تنتمي له وقد تلطخت كفاه بألوان متداخلة جعلت منظرها بشعآ مقارنة بالحائط الذي تحول للوحة فنية خرجت من يد مبدع موهوب، عيناه تضيقان بتدقيق في تلك التفاصيل الخفية التي يصعب على الإنسان العادي إلتقاطها ساعيآ لأن تكون مفاجأته لها على درجة مرضية من الكمال
كذلك الكمال الذي يَشعُر به منذ التقاها ووقع في فلكها يدور كما تدور هي حين تنطلق على أطراف أصابعها تحلق راقصة غير عابئة بالعالم من حولها، تنهد براحة حين تأكد من رضاه التام عما فعل ثم جذب قماشة لا تقل بشاعة عن يده ومسح فيها كفيه بقوة ثم تحرك يدخل المنزل من الباب الخلفي وهو ينادي " نيلوفر ...أين أنت " لم يأته إجابة فتقدم أكثر ينادي " نيلو …. أريدك حالا " لكن لا من مجيب، فتفقد المكان حوله حتى شاهدها تجلس على أريكة مريحة في غرفة الاستقبال وهي تضع حاسوبها المحمول على قدميها تشاهد عرض باليه راقص لفرقة شهيرة بينما تضع السماعات بأذنيها كما اعتادت أن تفعل حين تراه مندمج بعمله خشية أن يشتت الصوت المرتفع تركيزه، فابتسم وعيونه اللامعة تتأملها بحب ليقترب منها جاذبآ السماعات بلا إنذار ثم حملها بين ذراعيه ليسقط الحاسوب على الأريكة بينما تصرخ هي " طايع ماذا تفعل، أنزلني، واحذر إن كنت ستفعل بي شيئا سخيفآ لن أمررها كالمرة السابقة " ضحك بانطلاق وهو يقول " كل مرة تقولين نفس التحذير ولا يحدث شيء، خذي موقف جدي لمرة " ابتسمت وهي تقول " لا أستطيع فالوقت الذي أقضيه معك لا يكفي أبدآ لأفعل بك كل ما أريده، أنت لا تعطني فرصة لإطلاق هرموناتي الغير مستقرة عليك لأنك حين الولوج إلى المرسم تنعزل عني كليآ فيصبح كل أملي أن تنهي عملك وتعود لي " توقفت قدميه قبل أن يعبر بها الباب نحو الخارج وأخفض وجهه نحوها يناظرها بشوق جارف حتى تعانقت أنفاسهما وقال " أنا أسف على كل لحظة تمر وأنا أزداد إخفاقآ في منحك السعادة التي تستحقيها، دوما سامحيني نيلوفر واعلمي أني أحبك " ابتسمت له وقالت بصدق لمس روحه " لا تعتذر، أنا لا أغضب منك أبدآ تذكر هذا دومآ ومهما كانت قوة ذلك الإلهام الذي يأخذك مني، أنهه وعد لي وستجدني دومآ هنا أنتظرك في عالمنا الصغير " اقترب منها أكثر وهو يهمس " لا شيء صغير هنا سوى أعذاري التي لا تنتهي أمام تفهمك الذي لا ينضب..حبيبتي"
تاهت في صدقه ونقاء مشاعره نحوها وهي تسأله بضياع " لما نحن متوجهان خارج المنزل " رفع رأسه مستفيقآ من دوامة مشاعره وقال " لأني أعددت لك مفاجئة بمناسبة افتتاح العرض الجديد والذي فوته كما الأبله" ضحكت وهي تسأله بحماس" حقآ " أجابها " سترين بنفسك ولكن لكي لا تفسدي اللحظة أغمضي عينيك حتى أطلب منك فتحها " وضعت كفيها على عينيها ببهجة وهو تقول " دعني أتوقع ...لا لا أريد التوقع فلتفاجئني " دغدغت مشاعرها ضحكته الصاخبة التي انطلقت وهو يتحرك بها حتى توقف وأنزلها أرضآ ثم وقف خلفها يضم خصرها وهو يميل برأسه على كتفها الأيمن ثم قال " أتمنى أن تعجبك ...افتحي عينيك حبيبتي " بهدوء انفرجت أهداب نيلوفر لتصرخ بسعادة حين وجدت أنه قد رسم صورة لها بزي الباليه بطول الجدار الجانبي للمنزل والمواجه للطريق العام، كانت الصورة تشع حياة كأن لها روح تنبض حيث ملامحها مجسدة بأدق التفاصيل ترفع ذراعيها للأعلى محلقة بينما تثني ساق وتقف على أطراف ساقها الأخرى وخصرها يميل بحركة تخصها جعلتها تضحك وتبكي في نفس الوقت بينما هو يهمس بجوار أذنها " آسف لأنني فوت العرض " قالت بثأثر " لا عليك أنا مقدرة لظروف عملك لا تلوم نفسك كثيرآ " سألها " هل أعجبتك " أجابته " كثيرآ كثيرآ ...إنها أروع شيء أهديتني إياه طايع " ابتسم قائلآ " هكذا لن يفوت عملاء توصيل الطرود منزلنا حين يأتون حاملين الهدايا للفنانة " هزت رأسها وقالت بسعادة " نعم لن يفعلوا، ولو أنهم علموا أن زوجي رسام تباع لوحاته بالملايين لأتوا لأجله ولم يتذكروني " ارتخت ملامحه إلا من عينين تجوبان وجهها تمسحان كل شبر منه ليبقى في الذاكرة دومآ " أنت من تستحقين كل الثناء على ما وصلت له" استدارت تضع إصبعها على شفتيه وتقول " لا تقل هذا الكلام مجددآ، أنت فنان موهوب وأنا خير من يعرف " تنهد بتثاقل وقال " حديثك هذا يشجعني لأخبرك بشيء يخص عملي "ضيقت عينيها وسألته " هل هناك مشكلة " أحاط وجهها بكفيه وقال " أنا مدعو على حفل خيري ستعرض به ثلاثة لوحات لي للبيع ويجب أن أذهب " توترت نظراتها للحظة ثم سألته " تذهب إلى أين " أجابها وقد وجدت ملامحه فجأة قائلا " مصر ".
_________________
في نفس الوقت …
كان رائف يقف في غرفة المشفى الخاصة يحمل آدم الذي غفى على كتفه بعد الموقف العصيب الذي تعرض له يشاهد الطبيب الذي انتهى من تقطيب الجرح برأس أصالة وهو يسألها " هل هذا حادث عرضي أم اعتداء، هذه مسؤولية وعليّ إخبارك أنه يجب أن تبلغي الشرطة في حالة تعرض لك أي شخص بما يؤذيك " رفعت أصالة عينيها نحو الطبيب تجيبه بانجليزية يحدثها بها تسهيلا للغة التواصل " أنا لا أدري ماذا حدث لكن منقذي أخبرني أنه مجرد شاب متنمر هاجمني فسقطت بقوة أنا والطفل وبعدها أصبحت الرؤية مشوشة فأنا نظري ضعيف جدآ، ماذا تظن أنه التصرف الأمثل " أجابها الطبيب وهو ينهي عمله " إبلاغ الشرطة طبعآ وإن لم تكوني قد رأيت مهاجمك بصورة واضحة فالشاب الذي أنقذك قد فعل، لا يجب أن تتعرضي لهذا العنف مرة أخرى " أحنت أصالة رأسها بضعف وقهر وقالت " أنت محق" دخلت الممرضة تقول بلطف " لقد وضعنا لنظارتك إطار جديد يمكنك الآن وضعها " التقطت أصالة النظارة بخجل تضعها أمام عينيها لتصبح الرؤية أفضل بكثير لتستدير نحو الخيال الصامت وهي تقول " لا أعرف كيف أشكرك " اقترب رائف يحدثها بهدوء خائفآ من استيقاظ آدم الذي قد غفي بشق الأنفس " لاعليك هل تشعرين أنك بخير، هل تأذى شيء غير رأسك والنظارة " رفعت وجهها لتجيبه لتصمت للحظة بذهول ثم تقول بعدم تصديق " بشر ".


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-22, 12:38 PM   #22

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي ارض السيد

سلام ننتظر الجزء التاني من زمان سنتابع بالتأكيد لكن احب اسأل ليه هيدا الاسم الي اخترتي لهذا الجزء حسبتو كتير بعيد ما بعرف اشتقنا للأبطال في نا س نسيناهم بس مع القراءة سنتذكر اكيد وشكرا

سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-22, 07:04 PM   #23

بنت سعاد38

? العضوٌ??? » 403742
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 524
?  نُقآطِيْ » بنت سعاد38 is on a distinguished road
افتراضي

جميييل جدااااا هي ليها جزء اول

بنت سعاد38 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-07-22, 02:55 PM   #24

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني ...

لن نسعى لتغيير العالم اليوم
ربما غدآ أو بعد غد.
ربما حين نستطيع المُضي قدمآ
متحررين من سطوة الرصد.
ربما حين تنادينا الأوطان
بصخب من جحيم الماضي أشد،
لكنه ليس اليوم فدع اثقالنا للغد.
إنا من وضعنا فوق الهوامش عُراه من حرية سُلبت منا في المهد،
من رجونا أبسط الأحلام رجوآ
وسيمتد رجاءنا للحد،
فلا تبتأس لحظة حين أرجوك هدنة، لا راحة فيها ولا وسن حتى تشرق شمس الغد.
دعنا لا نقاتل في عوالمنا الخفية اليوم، وارخي عينيك المشهرة كنصل من السيوف أحد،
كن آخرا ودع الأحباب دهرآ
نازح الأوطان قهرآ وفرت منه السنوات عمرآ
ليس يعاش ولكن يعد.
لنرخي حصوننا للغد
فاليوم جارف كسطوة بالأبدان تستبد،ىوكمعركة حامية للنزال تستعد.
ولأن المنطق لوهلة قد غاب عنا فلنحتشد، تاركين الغد للغد.
________________

لا عودة وقد عدنا على رهبة القادم نتفق، ما عادت الأحلام ستجرؤ أن تروادنا، ونحن من جبلنا على المآسي نفق.
ولت صواعق الماضي وعادت لنعود، مزلزلة كل حلم بالفؤاد قد خفق.
………..
نيران الثار قد إشتعلت بالأجواف بعدما كانت مجرد جمر يحترق عليه الجميع لسنوات بصمت، لم يعد أحد مطالب بكبت ما يعتريه من عنف تجاه أشخاص يكن لهم العداوة والبغضاء والثأر، الوضع إنقلب من مد وجذر إلى فيضان ناري إبتلع الكل ولا سبيل للنجاة، سيارة شاهين تنطلق في طريق مظلم نحو إحدى المخازن الخاصة بعائلته لا يسمع لمن يجاورونه بالسيارة حسيس وهو يراقب سيارات رجاله الذين انسحبوا يحاوطونه دافعين إياه للفرار من تلك الكارثة بمجرد سقوط ذلك الشاب فأسرع يسحب أخيه ونصار مدركآ أن ذلك العيار الناري الذي أنطلق لم يسرق حياة شاب منهم بل هو بوق حرب أُجْلت بما فيه الكفاية والشافعية لن يتهاونوا أبدآ في نزالهم.
اصطفت السيارات ليقفز شاهين من السيارة يتبعه زكريا ونصار الذي يداري رعشة يديه وزلزلت نبضه محاولآ الثباث برجولة قد أخفق في إدراك معانيها ليسرع نحوهم عمه منصور يتمسك بأكتاف شاهين يناظره بفخر قائلا " الحمد لله الحمد لله أنكم بخير، رجل وابن رجل يا صقر آل جوهري ذهبت وعدت بأخويك من فك السباع " قال شاهين بغضب " لم يكن الأمر ليتطرف إلى هذا الحد لولا أن ذلك الأرعن أشهر سلاحه في ظهري " سارع نصار يقول " لم أقصد قتله، كنت أحمي ظهر شاهين " اقترب أبيه منه قائلآ " ما بك تنتفض هكذا، اثبت. لقد فعلت ما وجب عليك فعله ودافعت عن عائلتك، لم نكن لنتحمل خسارة واحد منكم " قال شاهين بعنف " الشافعية لن يمرروا ما حدث، سوف تهيج حشودهم وستكون العواقب وخيمة إذا ما كنا لها " تقدم عمه شاكر يقول بعجرفة " على ماذا!! ليس أول شاب يقتل، فليأخذوا ديته وننتهي لن يكون أغلى من بناتهم اللاتي تُباع في زيجات من أجل تجميع المال وشراكة الأعمال، لا تهول الأمر " التفت له عاطف يقول " لا أظن ذلك، أنهم ينشدون الثأر ولن يتراجعوا هذه المرة، فمنذ تفشى الخبر وهم يخربون كل ما يحمل إسم الجوهري مشعلين النار في كل ما يمت لنا بصلة، حتي الشرطة دفعوا بها طرفآ بالأمر " هاج شاهين قائلا " لماذا لم يخبرني أحد بما يحدث، أين شباب العائلة ورجال الحراسة، هل اقترب أحد من المصانع أوالمنازل " تنهد والده قائلآ " اطمئن هم حاليآ يحاولون بث الذعر في قلوبنا بتلك الحركات الرعناء التي تصدر عنهم، لكنهم يدركون في قرارة نفوسهم أن اختراق أي مكان في صرحنا أبعد من أنوفهم، بضعة مخازن ومعارض ومنازل خالية وكلها مأمن عليها، لا شيء نهتز أو نلتفت له، المهم الآن أني أريدك وأخيك وابن عمك أن تختفوا لفترة حتى تستقر الأمور ونرى ماذا هم بفاعلون " صاح شاهين باستنكار " اختفي وهما مثل العجزة ...ولماذا؟
ليفسروا اختفائي هربآ أو زعرآ، أبي أنا عائد معكم إلى منزلي لأنام بفراشي قرير العين. " اعترض والده بهدوء أشعله أكثر قائلآ " لن تسير الأمور هكذا وقد أصبحت مطالب من قبل العدالة " ضيق شاهين بين عينيه وهو يسأله " مطالب بجريمة ماذا؟؟ افتعال شجار، هل أوصل الشافعية يأسهم أن يحرروا محضر ضدي، هذا جيد " نظر منصور لوجه زكريا المتورم بشكل بشع كأنما قد سحقت عظامه ثم عاد لوجه شاهين قائلا" بل بتهمة القتل، لقد وجهوا لك التهمة وأظن جميعنا نعلم السبب " سارع عمه عاطف يقول " لكن لا تقلق أبدآ، كل أفعالهم تعكس قلة حيلتهم في أخذ موقف قوي بوجودك لذلك يحاولون إزاحتك، نحن سنثبت أنك لست الفاعل ولكن بعد أن يغادر نصار البلاد ويكون بأمان " صاح نصار " أنا لن أهرب " قال زكريا بوهن " طبعآ سيحاولون إزاحته فهو أصبح العقبة الأقوى بعدما لفوا حبالهم حول عنق كبيرنا ليضع يده بيدهم " قال شاكر بجمود " الأمر لم يعد يأخذ هذا المسار، فبعد ما حدث مؤكد ظن الشافعية أن مؤيد ما وضع يده بيدهم إلا لتشتيت انتباهههم عن ضربتنا، وعابد محال أن يعترف لهم بما فعله وما حدث " صاح زكريا بصوت مكتوم من شدة الألم " لكن الحقيقة أنه من بدأ بالشر " سألهم شاهين بتوتر " هل مؤيد بخير، هل أوضحتم له حقيقة ما حدث " أجابه عمه عاطف " كنا جميعآ معه حين وصلنا الخبر مع عمر، وقد احتد النقاش بيننا وتركنا مسرعآ يبحث عن تلك الهجينة القذرة، بينما نحن كنا مشدودي الأعصاب عليك وعلى أخويك، بدلا أن يؤازرنا ذهب يبحث عن دمائهم، عليه العوض ومنه العوض في من كنا نراه كبيركم " لم يهتم شاهين بحديث عمه وهو ينظر لأبيه ويسأله " هل مؤيد بخير يا أبي " توترت نظرات والده ليأتيه الرد من عمه عاطف " هو بخير لا تقلق لكن وصلنا خبر ونحن بالطريق أن شباب الشافعية حاولوا خطف تلك التي يعادينا من أجلها وأدى ذلك لإصابة حارسها إصابة بالغة، بينما هي وصديقة لها تعرضتا لبعض العنف قبل فرارهما، قد يخيل الأمر على ابن عمك ويفزع لكني مدرك أنه مجرد أمر مرتب ليزيدوا انقلابه نحونا ولتبقى تلك اللقيطة في عينيه بريئة فتزداد سطوتها عليه " قال منصور بحدة " وابن عمك منساق بلا تفكير " هدر شاهين " كان عليكم أن توضحوا له الأمر، سيظن الآن أن ما حدث لتلك الدخيلة بسببي وستزداد الفجوة بيننا اتساعآ، لماذا لم يحاول أحدكم التواصل معه، أنتم هكذا تسهلون للشافعية طرق فرقتنا، كل ما حدث في السابق منه سيكون لا شيء أمام غضبه منا هذه المرة، لابد أن أذهب إليه " اعترض زكريا قائلا " أنت الآن مرصود، المئات يبحثون عندك، مؤكد لن تغامر بنفسك لأجل مؤيد الذي يتفنن في غلق عينيه عن الحقائق " تحرك شاهين وهو يقول بإصرار " بل سأفعل ولن أسمح لهم بسلبي إياه، مؤيد لن يكون رياض الجوهري الجديد الماضي لن يعاد، وأنا لن أختبيء في جحر كما الفئران " سارع والده خلفه يقول " شاهين تعقل الوضع بالخارج جنوني، والشافعية والشرطة يبحثون عنك، لا تندفع ودع مؤيد لي " أجابه شاهين بحدة وهو يجلس خلف مقود سيارته " أنا لم أقتل أحد لأبحث عن مكان أختفي به وكلي يرتجف مثل النساء، اهتم بزكريا ونصار يا أبي وشدد الحراسة على منشآت العائلة، اجعل الشباب يلتزمون بحراسة المنازل لكي لا ترهب نساء العائلة والأطفال وابقى على تواصل معي لو حدث أي جديد " أمسك والده ذراعه قائلا " بحثك عن مؤيد لن يغير شيء لقد أثبت اليوم لما لا يقبل الشك أنه لن يتخلى عن جانبهم، وجودك بجوارنا سيكون أأمن للجميع في هذا الوقت " أجابه شاهين بحدة " أنا أكثركم غضبآ منه صدقني، لكني لن أتحمل وز غضبآ لم يكن لي يد به، ذلك اليوم الذي تطاولت فيه على تلك الدخيلة وانتهى بتخريب مؤيد لصومعتي الخاصة جعل علاقتنا متوترة لكن كان الأمر واضح لنا ومفهوم، وعليه يجب أن يدرك أني محال أن أسبب الاذى لشخصه، فأنا واثق أن الشافعية حاليآ سيتخذون ما يحدث ذريعة للتخلص منه كما قتلوا والده من قبل " انتفخت أوداج منصور بقهر وتراجع سامح لولده أن يغلق باب السيارة وهو يقول " لا تدعهم يحرقون قلوبنا على عزيز آخر " قاطع حديثهما خروج الجميع من المخزن باندفاع بينما يصرخ زكريا " شاهين الشافعية يحاوطون منزلنا بالنيران، أمي وجويريه " اشتعل جحيم كسقر بعيون شاهين الذي سمح لأخيه أن يستقل السيارة بجواره ثم نهب الطريق بسرعة تمناها لو كانت كافية لكن الطريق الممتد بدى كأنه لا يطوى.
…….
في نفس الوقت كان آصف يفرك عينيه بهلع وهو يعدو خارج غرفته يرتدي طقم منزلي مريح وفي قدميه خف وهو يضع الهاتف على أذنه قائلا بصوت متحشرج " شاهين أين أنت وما هذا الذي سمعته، من قتل من " أجابه شاهين بغضب " ليس وقت توضيح آصف، الشافعية يحاوطون منزلي وأنا أنهب الطريق لكني مازلت بعيدا، خذ ما تستطيع جمعه من الرجال وأخرج أهل البيت واترك الباقي لي حتى أصل " صاح به آصف " ألن تنتهي تلك المهاترات أبدآ، شاهين أطلب من الشرطة التدخل فورآ " احتد عليه شاهين قائلا " الشرطة لم ولن تكن يومآ طرفآ في هذا، نفذ ما أطلبه منك وانسحب لا تحاول الاشتباك أوالتدخل، لا أريد توريطك بالأمر " صرخ به آصف وهو يعبر خارج القصر " ما دمت أعرفك فأنا متورط، حسبي الله ونعم الوكيل بك وبهم واليوم الأسود الذي عرفتك فيه، أشعر أن نهايتي ستكون على يديك" أغلق آصف الخط بوجه شاهين الذي عربد به الغضب ثم أسرع تجاه رجال الحراسة المرابضين أمام القصر يصرخ بهم " أريد كل الرجال الموجودة معي بأمر هام، جهزوا السيارات بسرعة واحضروا السلاح " فزعوا جميعا ينفذون الأوامر بينما هو غير منتبها لما يرتديه استقل سيارة الدفع الرباعي خاصته وتوجه نحو منزل شاهين يدعوا الله أن يستطيع اخراج أهل بيته والانسحاب دون التورط في تلك الكارثة والا سيكون جده من سيقتله ويتخلص منه.
……………

اقترب آصف من منزل شاهين ليصدم من المشهد الماثل أمامه، متعجبا لعدم وصول الأمن المركزي حتى الآن ليحتوي ذلك الجنون الذي يحدث، المشهد أمامه يؤكد صعوبة تنفيذ أي مما أتى به إلى هنا لذلك أسرع يهاتف شاهين قائلآ بغل " أيها البغل الوضع هنا كارثي، أهل منزلك بخطر، إشتباكي معهم سيزيد الأمر سوء بينما لن ينجوا أحد من الداخل، ماذا عليّ أن أفعل ألم يبلغ أحد من الجيران الشرطة " صرخ شاهين " مؤكد فعلوا لكن الشافعية بعلاقتهم احتوو الأمر حتى يتمكنوا مما جاءوا له، استدر للشارع الخلفي ستجد أمي تمكن الخدم وشباب العائلة من إخراجها خذها وارحل إلى المنزل الهاديء، فشباب العائلة لن يستطيعوا الانسحاب الآن، لقد أوشكت على الوصول " احتج آصف بغضب " لا تأت، وجودك سيزيد الأمور سوءا، هل قتلت شابآ منهم حقآ " لم تأتيه إجابة من صديقه بينما هو يراقب الحشد الذي بدأ بالتفرق وكأنهم علموا أن هناك من يحاول الفرار فاستدار بسيارته يحمد الله أنه توقف بمكان أمن له تغطية بعيدآ عن عيون الشافعية ليأتيه صوت شاهين " لم أفعل ولكن هناك من فعل، أسرع أصف وأخرج أهل بيتي من هذا المكان " ألقى آصف هاتفه بعنف وهو يسرع محاولآ أخذ العبور للشارع الخلفي وقد أصبح ظاهرآ للواقفبن مكشوفآ فيما يحاول فعله ليتحرك مجموعة منهم بسيارتهم خلفه بينما رجاله يمسحون جانبي الطريق شبرآ شبرآ فلا يظهر للسيدة عليا والدة شاهين أثر لتتوقف سيارته بحدة حينما وجد أن الشافعية قد سيطروا على المكان وعقله يصور أنهم قد أذوها، فأشهر سلاحه الذي لم يستخدمه مطلقآ وهو يسب شاهين بأبشع الالفاظ بينما رجاله ينتظرون منه الإشارة للتدخل، لينفتح باب السيارة المقابل له ويجد صوت أنثوى يقول بغضب " أسرع ....لقد نجونا " التفت آصف بوجه غاضب ليجد فتاة لم يتبين ملامحها تنظر للخلف وتقول " أنطلق هيا ماذا تنتظر " لم يكن الوضع يحتمل ضغط أوامر من أي أحد لكن كان عليه التحرك وقد أصبح بوضع لا يحسد عليه فاندفع للأمام ليصرخ به ذالك الصوت الصارم " خذ الشارع الجانبي فمؤكد أغلقوا هذا الشارع ظنا منهم أنه المنفذ الوحيد" أسرع آصف ينفذ بينما يراقب رجاله الذين يحاولون دفع السيارات التي تتعقبه بعيدآ ليستطيع الفرار وحين أصبح الوضع أكثر أمانآ نظر في المرآة إلى الخلف قائلآ " سيدة عاليا هل أنت بخير " كان وجهها شاحب يحاكي شحوب الموتى وهي تجلس على المقعد الخلفي برقيها الفطري كسيدة مجتمع بارزة فأجابته " لا شيء بخير، أين شاهين وزكريا أين منصور، ماذا حدث فليخبرني أحدكم " تنفس يحاول كبت غضبه لتندفع الجالسة بجواره تأمره بصرامة " لماذا الصمت، أنت هكذا توترها ...أخبرها يا آصف أن اخوتي بخير " زمجر معترضآ " آصف هكذا ...من أنت " وقد انعكست إضاءة الشارع الذي ولج إليه على وجهها لتجيبه بحاجبين قد عقدا بغضب ذكراه بآخر سيموت قهرآ ليفتك به " أنا سيدرا " تلبسته عنجهيته ليقول ببرود مستنكر" ماذا أفهم من ذلك، هل تظنين اسمك علامة مسجلة سهل التعرف عليها " جاءه صوت عاليا تتنفس بعمق وهي تقول " ما دمت تتكلم بهدوئك المعتاد إذآ الجميع بخير ...الحمد لله " فيجيبها بلباقة صعب أن يلتزم بها " اطمئني سيدتي " ثم استدار يسلط أنظاره على كتلة النار الماثلة جواره والتي هبت قائلة " سبحان الله تملك جسد فيل وعقل نملة، ألم تلفت كلمة اخوتي نظرك، مادمت تدخل منزلنا من سنوات لا حصر لها ولا تعلم عن ساكنيه، أنا سيدرا منصور الجوهري يا أخ " برقت أعين آصف وأوقف السيارة بشكل جعل أجسادهم ترتد بعنف وهو يقول " ألذلك البغل أخت.... حقا "
_________________
منذ رحلت وكل شيء يهتز بلاهوادة، ما عاد ثابتا في ذلك العالم سوى رحيلك الذي فجع الفؤاد وترك الحقيقة بكل ثقلها في مواجهتي، وأنا لم أكن بتلك القوة لأحتمل أو لأسامح.
_______________

القرار لم يكن هينا أبدا لكن العمر الذي يمضي كقطار كلما مر الوقت اقترب من محطته الأخيرة حتم عليه أن تسوقه قدماه إلى هنا، منهك مثقل من الأفكار والأمانة الغالية المتروكة بعنقه دخل خلف الحارة التي لم يطأها منذ سنوات، تسوقه قدماه بعكس عقله الغائب في مغبة اللقاء الذي أجله قدر ما استطاع لكن لم يعد بإمكانه فعل ذلك بعد الآن، تنهد بحزن عميق وهو يناظر منزل الحاج اسماعيل القديم ويترحم عليه ليصدم حين وجد تلك اللافتة الضخمة التي تشير إلى أنه قد تحول إلى عيادة خيرية لخدمة المحتاجين، فاقترب منها وتوقف للحظة يتأمل المكان من حوله بضياع ثم قال بفزع ووهن " هل غادروا الحارة ...يا ويلك يا خلف " ظل يتلفت حوله بينما طاهر كان يخرج مندفعا وقد وصلته أخبار عما حدث لسارة وكنزي فاصتدم بخلف الذي كان يقف أمام المدخل ليتمسك به قائلآ باعتذار " اعذرني يا حاج ...تفضل، العيادة مازالت مفتوحة، هل أنت بخير " ظهر الإرهاق جليا على وجه خلف الذي سأله " أليس هذا منزل الحاج اسماعيل العطار رحمه الله " أجابه طاهر بسرعة وقد ظهر عليه الاستعجال "هذا منزله القديم يا حاج، لكن المنزل الجديد ستجده في الجهة المقابلة لنا تمامآ " سأله خلف بلهفة " أين يا بني، دلني " نظر طاهر حوله ثم نادى طفل يمر من بعيد قائلآ " ياقوت، تعال أريدك " أقبل عليهما شاب يافع يقول ببشاشة " أمرك يا أبو هنا " ضرب طاهر على كتف الشاب قالآ" خذ عمك الحاج إلى محل رضا العطار، أو ورشة كرم وضايفه على حسابي " أشار له الشاب بحركة تدل على الطاعة وقال " من عيناي ...تفضل يا حاج" ربت خلف على ذراع طاهر الذي سارع بالتحرك وهو يقول " شكرآ يا بني " ثم تنفس الصعداء تابعآ الصبي يحمد الله أنه وجدهم فحاليآ بداخله يدرك أن صدمة لقائهم أهون بكثير من صدمة فقدهم.
…………
سار خلف خلف ياقوت الذي عبر به الشارع إلى الجهة المقابلة ليتوقف أمام منزل يظهر عليه الحداثه والفخامة مقارنة بباقي بيوت الحارة، وجهته الأمامية قسمت ما بين محل عطارة ذات ديكور ملفت، وورشة ميكانيكا يصدح منها صوت أغاني منخفض ليلتفت له ياقوت سائلآ " من تريد تحديدآ يا حاج ....الحاج رضا، أم الاسطى كرم " أجابه خلف " الحاج رضا بإذن الله " أشار له ياقوت ليتقدم قائلآ " تفضل إذآ ستجده بالمحل هنا، وأخبرني ماذا تشرب حتى أجلبه لك " ربت خلف على ذراعه قائلآ " شكرآ يا بني لا داعي " ليقول ياقوت معترضآ " مستحيل دقيقة وسأجلب لك فنجان قهوه خاص بضيوف أبو هنا " غادر الشاب فيما تقدم خلف تجاه محل العطارة وهو يترحم بحرقة علة اسماعيل الذي يشعر أن روحه حضرت الأن جاءت لتشهد هذا اللقاء، كان المحل يعج بالزبائن من حوله لكن عينيه تعلقت بصورة صديقه التي تصدرت الحائط يجلس أسفلها على مقعد عريض شاب طويل قد غزا الشيب فوديه منكفيء للأمام سارحآ في ملكوت آخر بينما حبات المسبحة الطويلة التي بين أصابعه تمر واحده تلو الأخرى، تقدم منه لا يدري تفسير لشعوره الذي يتمنى أن يرضخ له ويستدير موليآ ظهره لهذا القرار مغادرآ بلا عودة لكنه رغم ذلك وقف يقول " السلام عليكم ورحمه الله وبركاته " رفع رضا وجهه وقد بدا أن صوت خلف جذبه من شرود عميق ليقول " وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته ...تفضل " نظر له خلف بتدقيق يبحث فيه عن ملامح أبيه ثم قال " زادك الله من فضله، أنا أريدك واخوتك في أمر هام يا حاج رضا، ومن الأفضل أن نكون بمفردنا "
نظر له رضا ثم قال " تفضل يا حاج ..اجلس ووضح لي ماذا تريد تحديدآ وانا تحت أمرك " لم يرضخ خلف لطلبه وقال " لن أستطيع التحدث هنا، أريدك أنت واخوتك في أمر يخص الحاج اسماعيل رحمه الله ويجب أن نكون بمفردنا " وقف رضا وقد استشعر جدية الرجل وقال " لو أمر يخص مال أو عمل أو أمانة فأنا من توليت أمر العطارة عن والدي رحمه الله، وإن كان لك حق فهو في الحفظ والصون، وضّح لي فقط ماذا تريد وستجد ما يسرك بإذن الله " ظهر على وجه خلف الجمود وقال " إنها أمانة ثقيلة وغالية حملني إياها والدك وقد حان الوقت لتعرفوا بها وهذا ليس المكان المناسب للتحدث، اجمع اخوتك ودعني أفضي بما عندى لأرتاح، العمر لم يعد به الكثير للكتمان " حديث خلف دب في قلب رضا التوجس ولكنه نادى أحد صبيانه وطلب منه أن يأمر كرم بجمع إخوته حالآ لأمر لا يحتمل التأجيل.

بعد دقائق…
كانت ورشة كرم قد أغلق بابها والأربعة إخوة يناظرون بعضهم بتساؤل لا يجد أحدهم إجابة له، تنحنح كرم قائلآ لأخيه " خير يا حاج رضا، ألن تخبرنا بما جمعتنا لأجله وتعرفنا على الحاج " أجابه رضا وهو ينظر تجاه خلف الذي مازال يستوعب أنه قد وصل إلى هنا وبقى بينه وبين ما أسهد ليله لحظة " الحاج قد جائني بالمحل قائلآ أن والدك حمله أمانه ثقيلة وغاليه وعليه أن يسلمنا إياها وأصر أن نجتمع "
قال عيسى بحماس " إذا كانت نقود فأنا أصغركم وأفكر بالارتباط .... ساعدوا أخيكم " نغزه هلال قائلا " توقف عن سماجتك، أنا أكبر منك ولا أنوي الترهبن مثل ذاك الأخ " كان يشير لكرم الذي ناظرهما بغضب قائلآ " نحن لسنا وحدنا هنا، احكما ألسنتكما قليلآ " خبط رضا على ساقه بتحذير للجميع وهو يقول " تفضل يا حاج ...ها هم إخوتي ولن يشهد حديثك سوى رب العزه ونحن " دارت عينا خلف في الأربعة وجوه ثم بدون تفكير قال " أنا وإسماعيل رحمه الله نعرف بعضنا منذ أن كنا صغارآ، أعرفه من قبل أن تطأ قدميه هو وأخيه العاصمة باحثين عن الرزق، وظلت علاقتنا متينة كأخوين حتى وفاته " صمت خلف ومازال يبحث بداخله عن أفضل وسيلة لابلاغهم ولكنه كان مشتت جدآ وهذا جعله يكمل بدون تفكير " جمعتنا محبة في الله وإخوة ثم نسب، لقد كان والدكم زوج أختي " عم الصمت للحظات ليسأل كرم بعدم فهم " زوج أختك كيف، والدتي لم يكن لها سوى أخت واحدة وتوفت منذ سنوات طويلة " أجابه خلف بهدوء " لا أقصد الحاجة نوارة رحمها الله " سأله رضا بتوجس " من تقصد إذآ يا حاج، لقد وتر حديثك أعصابنا كن واضحا من فضلك " تنفس خلف بقوة كأنما يزيح سرآ جثم على أنفاسه دهرآ " الحاجة نوارة والدتكم لم تكن زوجة الحاج اسماعيل الوحيدة، وأنتم لستم أبنائه الوحيدين كذلك " تدلى فك عيسى بينما توسعت أعين هلال بعكس كرم الذي قفز واقفآ من وقع الصدمة لكن لم يصدر عن أحدهم صوتآ سوى لرضا الذي هدر باستنكار " هل جننت " أجابه خلف بصرامة " تأدب في حديثك والا لن يكون للحديث بقية " قال كرم بغضب " وهل سيكون لذلك الجنون بقية، لتخبرنا حالآ من أنت وماذا تريد بالظبط بدلآ من أن تلف وتدور حولنا، إذا كان غرضك حفنة من الأموال فلتطلبها مباشرة فخير الله كثير ولم نكن لنرد سائل لكن أن تأتي لتفتري بالحديث على رجل لا تعرف قدره حتى هذا لن نتهاون به " وقف خلف هادرآ فيهم " أنا الحاج خلف خال أختكم الوحيدة فاطمة والتي هي سبب قدومي إلى هنا اليوم، ولولاها ما كنت كشفت سر صاحب عمري وواريته معه تحت الثرى حين رحل، أختكم تحتاج إليكم " وقف عيسى يسأله بذهول " نحن لدينا أخت، فتاة " أجابه خلف وبداخله خوف " فاطمة العطار، ابنة الحاج اسماعيل العطار " نظر له كرم باذدراء وقال " لا تنتظر من أحدٍ هنا أن يصدقكك، أمور النصب هذه حُرقت منذ أفلام الأبيض والأسود وحاليآ أنا لن أطلب منك أن تفضي بالحقيقة إذ أن لدي الحل الذي يجعلك تنسى اسم أبي الذي تسعى لتشويه سمعته وتخريب ذكراه " همّ كرم بجذب خلف من جلبابه لتوقفه يد هلال الذي قال وهو مازال غارق بصدمته " الرجل ببيتنا يا كرم تعقل " نظر لهم خلف بخيبة أمل وغضب ثم أخرج من جيب جلبابه ورقة ألقاها تحت أقدامهم قائلآ " هذه شهادة ميلادها، والدك أيضآ وضع باسمها وديعة بالبنك يمكنكم أن تتأكدوا من ذلك، كما أن قريتنا بأكملها تعرف والدكم الذي كان يدوام على القدوم لابنته، لا شيء يدفعني لوضع نفسي في هذا الوضع سوى فاطمة نفسها فكما قلت أختكم تحتاج إليكم " إنحني عيسى يلتقط الورقة ينظر لها ثم قال بصدمة جليه " إنها أصغر مني بعام " التقط هلال الورقه من يده ينظر لها ليجذبها منه كرم الذي كمشها بعنف وقال " ورقة مزورة لا تعني أي شيء " حينها وقف رضا قائلا بغضب بلغ منتهاه " إلى هنا وكفى فليطلب أحدكم الشرطة ".
_________________
أين مدن الضجيج مني مالها صارت خواء مقفر، حتى إذا وضعت يدي على خافقي أكاد بالنبض لا أشعر، أسير بين الأحياء شامخة وبداخلي فؤاد يضمر، يرجف بدني صقيع الحياة وداخلي يتلوى على مجمر.
………..
لا أعظم من تلك اللحظة التي تنشطر فيها روحا من روحك،
فتجد نفسك تنظر إلى كيان صغير انشق منك وجاء إلى هذا العالم ماحيآ وحدتك... ناصرآ لروحك رغم كل الهزيمة النكراء التي عشتها من قبل ...مضمدآ بوجع قدومه كافة الجروح لأنه وحده من يفتح آفاقك ويجعلك تدرك أن ليس كل الآلام سواسية، فهناك ألم يكسر وهناك آخر يبني ويمهد البداية. سقطت دموع سيادة وبدأ صوت شهقاتها يزداد حين أرتجف قلبها وقرع النبض في صدرها بقوة كأنه ضرب دفوف تزف لها تلك اللفافة الناعمة التي تحملها الممرضة وتقترب منها وهي تقول " حمد لله على سلامتك، الطبيب سيمر عليك صباحآ ثم سيأذن لك بالخروج فأنت أفضل بكثير، كانت ولادة شاقة لكن النظر في وجه تلك الصغيرة بالعالم وما فيه، مدي يدك وسمي الله لترضعيها " ارتفع كفي سيادة يرتجفان برهبة وهي تقول بتلعثم " بسم الله الرحمن الرحيم...يا إلهي...إنها صغيرة للغاية أشعر أنها ستسقط مني " زاد ارتجاف ذراعيها وهي تقرب الصغيرة نحوها ببطء لتقول الممرضة بثقة " لا تقلقي، فالأم لا تسقط صغيرها أبدآ أنت مرهقة ومستنزفة لكن لا تسمحي لذلك أن يحرمك من ضم صغيرتك إلى صدرك لتتشمم رائحتك وتتعرف عليك فتهدأ وتستكين وتمنحك السكينة حين يتضفق في قلبك حنان الأمومة " قربت سيادة الصغيرة من صدرها تضمها بضياع كأنها تتعلق بها، ترجوها لتكون رفيقتها ومرشدتها في العمر القادم، تتأملها بانبهار ينبع من خافقها الذي أدركت أنه هاج من ثباته بعد طول سكون وانكسار وقالت " إنها جميلة للغاية ...ناعمة ووردية ..يا إلهي شعرها الزغبي ذهبي لامع، تبدو خيالية " ابتسمت الممرضة وقالت " السيدة جارتك ظلت تقرأ عليها آيات التحصين خوفآ من الحسد حين لاحظت انبهار العاملات بجمالها، لكن الحقيقة أن الكل تعاطف معها حين علم أنها يتيمة ...والله لا أحد مرتاح أعانك الله على تربيتها، ماذا نويت أن تسميها " زاد ضم سيادة لابنتها تحاول بتلك الضمة أن تمحي ذلك الفزع الذي عاشته في مخاضها المرعب، أن تتمسك بها بكفين كانا ينازعان آلام مبرحة فلا يجدا دفئ كف يطبق عليهما مهونآ، كانت تتخيل أنه بطوله الفارع وملامحه الجدية كان يحتويها في كل لحظة بين ذراعيه فلم يفارقها أو يتخلى عنها، انحنت تشم مولودتها تبحث عن عبقه فيها وهي تجيب الممرضة " أبوها دومآ ما رأى في كل ما انشق منه شيء ثمين خاصة الإناث، كان يلقب أخته بالجوهرة لكثرة ما يراها غالية، ولكثرة ما كان يحبها، وصغيرتي أيضآ انشقت منه لذا سوف تكون أغلى كدرة نادرة. سأسميها ماسة " ابتسمت الممرضة وقالت بتأثر " رحمه الله برحمته، يليق بها الاسم، والآن يا أم ماسة تولي أولى مهامك كأم وارضعي تلك الأميرة النائمة فهذا النوم المستمر ليس مفيد إذ يمنعها من الرضاعة بشكل يساعدها على النمو " ساعدت الممرضة سيادة في أخذ أولى خطواتها في عالم كبير دفعت نحوه بلا سابق إنذار ثم قالت " سأتركك الآن لأن لدي مرور بذلك الطابق وسأعود لك بعد ساعتين، حاولي بعدما تنتهي من رضاعتها أن تنالي قسط من الراحة فبمجرد شروق الشمس سوف يبدأ الضجيج من حولك وسيكون من الصعب أن تغفو عيناك " هزت سيادة رأسها بطاعة وهي غارقة من قدمها حتى أذنيها في ذلك الشعور الغريب الذي نزعها من نفسها التي كانتها لشهور ثم أضرم بها نيران قوة كادت أن تنطفئ فلا يبقى لها أثر، رفعت سيادة عينيها تدور في ذلك المكان التي تكدست به الأسرة تحمل أجسادآ ما بين رقود ونيام لعل هناك من يهديها نظرة سعادة يشاركها تلك اللحظة الاستثنائية لكنها لم تجد سوى عيون صغيرتها التي بدأت في تحريك أجفانها ببطء فتشاركها لحظتها فيزداد بكاء سيادة شدة وهي تهمس بخفوت " لا أدري كيف سيكون القادم لكني أنوي الرحيل بعيدآ عن هنا، لم أستطع فعلها وحدي ماسة فهل تكونين عوني ورفقتي، فلم يعد من الممكن أن يجمعني به وطن واحد " ثم تراجعت للخلف بوهن تجذب الغطاء الخفيف وهي تضم صغيرتها لصدرها لتسقط في نوم عميق وهي مازالت تنهت من أثر البكاء.
_________________
على مشارف عينيك أقف لست أنوي الإقدام أبدا، لست أنوي التورط في ذلك الفخ مجددا، فأنا أريد أن أتحرر من هيمنة تلك الدماء على نبضي مهما كان الثمن.
……….
يسير رائف على رصيف ممتد وهو يحمل آدم بينما تسير بجانبه أصالة التي تعرضه لضغط شديد بقربها الذي يجعل ذلك الحاجز الهش الذي يحول بينه وبين اشتياق موجع لتلك التي حرم على نفسه لفظ اسمها ولو سرآ يتلاشى ويدفع به نحو أفكار مجنونة تجعله يشمئز من حاله ومن علة روحه ومن شيء يسكن القلب كأنما زرعه الله فيه فلا سبيل لوئده أوإنهائه، كان يراقبها تقترب منه دون قصد ترجوه حماية لم تطلبها متمسكة بعرق كرامة يمتد في سلسالها منذ الجدود.
كانت هشة تتخبط وقدرها أوقع بها في قبضة أخ حسب عار على عالم الرجال، كان رائف ينغمس في أفكاره واضعآ كل ما ينتظره من مشاكل معقدة في أقصى عقله حتى يعيدها لمنزلها، ارتفع زامور سيارة تعبر بجوارهما ليجدها تقفز بفزع كما الأطفال حتى كادت أن تسقط على وجهها فتمسك بها بقبضته القوية يحول بينها وبين السقوط وهو يسألها " هل أنت بخير، كان من الأفضل أن نأخذ سيارة حتى منزلك، تبدين متعبة ومرتعبة " صمتت أصالة توازن نفسها للحظة ثم قالت بصوت مهتز " أسفة أتعبتك معي وأضعت يومك لكني كنت أعطي نفسي بعض الوقت لأستطيع أن أتخلى عن ترددي واطلب منك أن نتحدث قليلآ، أتمنى ألا يكون لديك مانع " حدق رائف في وجهها الشاحب وقد بدأت ملامحها الناعمة تختلط بأخرى لا تغادره حتى تجسدت أمامه رؤية العين فأغمض عينيه يسألها كأنه يسأل أخرى يشعر بها قبل أن تتحدث " أنت جائعة " غصت أصالة في خجلها وقد تلون وجهها بحرج بالغ تستشعر ضيقه الجلي من طلبها لكن قلة حيلتها جعلتها تعترف بوهن " في الحقيقة جدآ " ابتسم باتساع كأنما تبدلت روحه واشرقت عيناه ليقول بشيء من الحسرة " كنت أعلم ...دعينا نأكل شيء ونتحدث، تفضلي إلى الجانب الآخر من الرصيف حتي تكوني بأمان، أعتقد هناك مطعم بعد شارعين نكاد نصل، سيري بهدوء سأجاري خطوتك لا تقلقي تبدين دائخة " أجابته بلا تفكير " جدآ جدآ " قال بخفوت لا تدري سببه " كنت أعلم " عم الصمت للحظات قبل أن تسأله بضياع " أيوجد بالمطعم ما قد يناسب آدم، أنا لا أعلم ما المسموح لي باطعامه في هذا السن " ربت رائف على ظهر آدم الذي كان هادئآ وعلى وجهه علامات الفزع " لا تقلقي سأتصرف وسأخبرك بكل ما تحتاجين إليه بخصوص الاطفال في هذا السن " تنهدت براحة وهي تقول " شكرآ " كم يمقت تلك الكلمة، كانت دومآ تشهرها في وجه عندما تريد منه تحجيم أفعاله، عندما تريد منه أن يقف، ليته ما اندفع وليتها ما احتاجت لقولها ليزفر بصوت مسموع وهو يقول لأصالة " لا عليك ".

بعد دقائق……

كانت أصالة تجلس أمامه في مطعم تفوح منه رائحة شهية جعلت حاجتها إلى الطعام تزداد بينما هي تراقبه كيف يهدهد آدم الذي استكان على ساقه والشبه الكبير بينه وبين بشر العزايزي يجعلها تواجه صعوبة شديدة في التحلي ببعض الأدب وخفض عيناها عنه تفكر بأمل ربما ذلك الشبه إشارة من الله ليجعلها تندفع نحوه طالبة منه العون في العودة إلى وطنها، أم ستكون ورطت نفسها مع رجل لا تدري عنه شيء ولا عن الشر الذي قد يلحقه بها، تنازع كلا الطرفين بداخلها وقد ظهر ذلك جليآ على ملامحها الشفافة ليسألها رائف بهدوء ينحره " أمازال شبهي بابن عمك يقلقك " أفاقت أصالة على سؤاله لتكتشف غوصها في تأمله وتجيب بخجل " إنه مطمئن لعيني وسط هذه الغربة، لكن من هي مثلي ليس من السهل أن تطلب من رجل غريب الحديث، أتمنى أن تتفهم أني طلبت ذلك من شدة يأسي وحاجتي للمساعدة لكني لم أكن أفعالها أبدآ لو أن الظروف غير الظروف، هل تفهمني " أجابها رائف وعيناه معلقة بآدم " أكثر مما تتخيلين، لتأكلي أولآ وبعدها سنتحدث " قالت أصالة باندفاع " قلة الطعام لن تضر بي، لكن وجودي هنا أكثر سيفعل، أنا أحتاج منك خدمة صعبة جدآ هل أجد فيك العون، وإن اعتذرت سأتفهم فليس عليك التورط بما لا يخصك لكني أشعر أن الله دبر لقاءنا لسبب " إبتلع رائف غصة مؤلمة كاتمآ بداخله رد أنه يدرك جيدآ وقع التدبير على مصائر البشر، ثم قال " كل شيء له سبب آنستي لكن سامحيني لا تنتظري مني وعدآ بشيء " ظهرت الخيبة على وجهها فألمت قلبه قبل أن تقول " إذا سأكتفي بشرف المحاولة " صمتت للحظات قبل أن تقول " أنا لدي عائلة يهتز لإسمها مجالس بها أعتى الرجال، لدي أرض وإخوة وطالبة بجامعة تصنف من ضمن جامعات القمة في الوطن كان كل شيء بخير داخل عالمي حتى استيقظت ذلك اليوم لأجد أختي الوحيدة وزوجة الشيخ يوسف العزايزي تخبرني أن نساء العائلة تقودهم ابنة عم لي اختفت منذ سنوات وقد ظن الجميع أنها توفت جاءوا من كل حدب وصوب ليطالبوا بإنهاء عادة عقيمة تخص الزواج بعائلتنا وعلى رأسهم أختي التي طالبت بالطلاق ونالته مُطلقة وحش زوجها لينتقم من الجميع " كانت تسرد البداية من قبل أولها كنوع من التحذير الخفي له ألا يبخسها قدرها أو يفكر بالتلاعب بها، كانت بسذاجة وقلة حيلة تؤمن نفسها وهذا أقصى ما تستطيع فعله غير واعية لذلك الذي كان يعيش معها تلك التفاصيل التي غاب عنها بقلب مكلوم لتكمل " تسارعت الأحداث بعد طلاق أختي حين وجدت زوجها يبتز أخي الذي يبدو أنه ورط نفسه بأمر أكبر منه وقد أصبحت جزء من الأمر حين استمعت لهما، بعدها لا أدري ما حدث " صمتت تكتم نوبة بكاء تجتاجها لتكمل " والدي ضحى بي على ما يبدو لأجل أخي، يبقى للذكر أفضلية في مجتمعنا كما تعرف " كانت تهدم الخطبة العصماء التي بدأت بها حديثها لكنها كانت غير واعية لما تقول وهي تكمل " دفعني والدي لترك كل شيء خلفي ....بيتي وجامعتي وأرضي ومصاحبة أخي في رحلة غريبة لينقذ نفسه من أشخاص أشرار يطاردونه، لينتهي بي الأمر سجينة تلك المدينة برفقة ذلك الطفل الذي لا أعلم ما مصيره وحفنة من الأموال، لاأستطيع العودة إلى وطني لأن جواز سفري ليس معي ...ولا حتى هاتف لأطلب النجدة، ولا أستطيع المجازفة وطلب المساعدة من شخص غريب لا أعرف ماذا يضمر لي داخله، أنا هنا عاجزه ومكبلة وخائفة لم أستطع حتى التبضع حين نفذ طعام الصغير " لتنفجر غير قادرة على المقاومة أكثر، تبكي على عالمها الذي انقلب رأسآ على عقب لتصبح ضائعة تتلمس النجدة في نخوة الغرباء، جذب رائف حفنة من المناديل الورقية ودفعها نحوها يناظرها بآلم قائلآ " توقفي عن البكاء، إنه لا يحل الأمور، جففي نظارتك حتى تستطيعين الرؤية بوضوح " خلعت نظارتها وهي تقول " كان هناك عملية لتصحيح النظر مقررة لي لكنها أيضآ تأجلت مثل أحلامي الراقدة بالوطن تنتظر " تنهد رائف وهو يجذب منها النظارة يجففها من دموعها بحرص ويقول " كل الاحلام تبقى بالوطن والغريب أننا من نغادر، لكني لا أظن أن والدك يدرك الوضع الذي وضعك أخيك فيه، لا أظنه يعلم عظم الكارثة التي تدفع أخ يحمل دماء حامية بعروقه لترك أخته الصغيرة ومعها طفل عرضة لكل هذا بمفردها " قرب النظارة من كفها لتلتقطها وتضعها أمام عينيها وهي تقول " أعلم هذا جيدآ فلعل ظافر يوهم أبي الآن أني برفقته وطبعآ والدي لن يشك به ولن يطلب محادثتي وأمي الآن من تتلوع على فراقي بلا حيلة " سألها رائف وكله حرص ألا ينجرف لفخ أرض العزايزه مجددآ " وأختك هل تظنين أنها لن تبحث عنك أو تسال عن سر غيابك المريب " رفعت أصالة عينيها لتكون في مواجهة عينيه تمامآ وقالت " أظن أبي سوف يكذب عليها فيما يخصني، أو سوف يعنفها إذا زادت أسألتها وحينها سيبقى كل ما تستطيع فعله الدعاء لي والاشتياق ."
صمتت وهي تسمع خطوات النادلة التي ضجت في هدوء المكان تقترب لتضع أمامها أصناف عديدة من الطعام ثم قالت " هذا طعام الصغير، إذا احتجتما أي شيء يمكنكما مناداتي".
بدأ رائف في إطعام آدم غارقآ في ذكرياته الهادئة مع رحيل التي اشتاقها بقوة ليلاحظ أن أصالة لم تقدم على تناول طعامها كأنها تنتظر منه ردآ فنظر لها بحنان يقول " فلتأكلي وبعدها سنذهب لنتبضع كل ما ينقصك وسأشتري لك هاتف وسأعيدك آمنة لمنزلك، وهذا كل ما أستطيع أن أعدك به الآن " ارتعش فك أصالة بخيبة من أملها الذي علقته على شعور مبهم نبع بداخلها نحو ذلك الذي يذكرها بأهلها كأنه شخص منهم ونظرت له نظرت لوم لم يكن بداخلها لها تفسير فتعلقت عيناهما للحظة قبل أن تخفض عيناها للطعام ويغلق هو عينيه وقد رأى في أحداقها ملامة أخرى تؤلمه، ذلك الفلك الذي يدور به فلا يستطيع الفكاك لتنتشله أصالة بقولها الغاضب " ألن تأكل أنت أيضا؟ إذا كنت سأكل بمفردي سيتحتم عليّ دفع الحساب، فأنت لن تتمنن عليّ باطعامي ."
عبس رائف بشدة وبدأ بمشاركتها الطعام الذي لم يشاركه لبشر يومآ، لتسأله أصاله باستغراب " من كثرة ما شعرت أني أعرفك نسيت أن أسألك عن اسمك ...أنا أصالة العزايزي" رفع كفه بلباقه عبر الطاولة وهو يقول " وأنا رائف ....رائف فقط ".
_________________
قسوة من الحياة أن تكون هناك رجالٍ لا تدرك الروعة في الألوان، لا تعلم أبدآ عن شجن النغمات في الألحان، لا تفقه في الغزل ولا تحلم أن تمتطي يومآ جواد العشق لتلحق من سبقها من الفرسان.
…………
من يراه لا يظنه مالك ذلك المكان الذي يجري به العمل على قدم وساق وقد أصرت أخته أن يتولى مكتبها أمر تجهيزه الذي بذلت هي وصديقاتها جهدهن لينتهي في أقرب وقت وأفضل حال، يده بيد العمال الذين يعملون في مناوبات متواصلة لأنهم ملتزمون بموعد لا يمكنهم تخطيه، يساعد في كل شيء مهما كانت خلفيته عنه وحين يعجزعن المساعدة يبدأ في تحضير الشاي والقهوة واحضار الطعام، لا يفقه كيف يعامل البشر من حوله كرئيس ومرؤس وهذا يجعل علاقته بالجميع طيبة كما أن نزعت الشهامة والحماية داخله ذاع لها الصيت وجعلته قريب من القلوب، وقف سلطان يزيح العرق عن جبهته بظهر كفه وهو يقول بصوت ينهت من التعب " ما شاء الله، سلمت أيادي الرجال " ليقول له صبي بمرح " نستحق اليوم عزومة دسمة، فغدآ بإذن الله سيكون يومنا الأخير. " قال شاب ثاني بحماس " هذا حقنا يا معلم سلطان وأنت أبو الكرم " ابتسم سلطان تلك الابتسامة التي تفتر عن عيناه لا شفتيه وقال " هذا على أساس أن عزومة كل يوم ليست دسمة، احضرنا يا سيد " اقترب سيد يبتسم بسعادة وهو يربت على ظهر سلطان بمودة ويقول " مبارك عليك يا سلطان، تستحق كل الخير، ما شاء الله يبدو أن ابنة العطار وصديقاتها قاموا معك بالواجب، المكان يلفت أنظار المارة من روعة التصاميم " شعت عيون سلطان فخرآ بتلك التي منذ علمت بما ينتويه وهي تشعره أن له شقآ بمئة رجل يسند عليه في الصعاب، أصرت أن تتدخل في أدق التفاصيل رغم رفضه القاطع لوجودها في محيط عمله الذي يضج بالرجال وبمنتهى التحايل كانت معه خطوة بخطوة دون أن تظهر في الصورة أو تثير غضبه منها، فالتفت إلى سيد قائلا " أتمنى من الله أن تكون فتحة خيرعلينا جميعآ، مبارك علينا يا سيد، هذا المكان ما كان ليكون لولا وجودك والشباب " ثم التفت إلى العاملين معه والذين أصروا على مساعدة العمال ليكونوا معه خطوة بخطوة وقال بصوت مرتفع صارم في بحته لكن يحمل في طياته مزاح لمن يدرك طيبة قلب صاحبه " ولتأخذ يا أبو إبراهيم طلبات الشباب كل واحد على حدى لكي لا نتهم بالتقصير، وهذا يقل من شأننا ".
ضحك سيد حين هلل الشباب والعاملين معآ وقال " جميعهم على رأسي، لا تقلق لكن لماذا لا تعود لمنزلك لترتاح وتبدل ملابسك وتأكل لقمة ساخنة، أنت هنا منذ يومين وتظلم نفسك بعدم النوم وقلة الأكل الجميع يدرك أنك تكره أكل المطاعم ."
نظر سلطان للسماء الحالكة بليلها وقال " سأصلي معكم الفجر جماعة وبعدها سأرحل لكني لن أغيب، بضع ساعات وسأعود فغدآ آخر يوم للعمال والجميع يتعشم بأن ينال ما يرضيه ولابد أن أكون حاضرآ " قال سيد برفض " مازال على صلاة الفجرعدة ساعات، لماذا لا تستغلها وأنا هنا سأسد مكانك لا تقلق " تراجع سلطان وسيد للخلف حين خرج العمال يحملون باقي أجزاء من واجهة المحل صممت بطريقة ثلاثية الأبعاد ليكتمل بعدها إسم العطار الذي كتب بجواره للنقل البري والسياحة فقال سلطان " ما شاء الله " ثم التفت إلى سيد قائلآ " لست قلق أبدآ لكني أرتاح لتواجدي بالعمل " ربت سيد على كتفه مجددآ وقال " على راحتك، سأذهب لأرى طلبات الشباب قبل أن يتأخر الوقت أكثر " ابتعد سيد فنفض سلطان كفيه المتسخة ببعضها قبل أن يخرج الهاتف من جيبه ليهاتف سارة الوحيدة التي تمنى لو بإمكانه أن يجعلها تشاركه تلك اللحظات فهو لا يملك سواها ليشعره أن للحياة جانب آخر دافيء يسمي البيت.
……………..

قبل ذلك بقليل…
احتشد الجميع بمنزل بشر على أثر ما حدث، الفتيات تحاوطن سارة التي كانت في حالة يرثى لها وكنزي التي منذ أفاقت وهي تبكي بانهيار شديد، والشباب يقفون بجوار بعضهم البعض عاجزين عن التصرف وقد امتلأت نظراتهم بالغضب الشديد وخاصة ليل الذي قال " هل هاتف أحدكم مؤيد ليخبره بما حدث " أجابه فخر " لقد هاتفت عمر، وأخبرني أنه سيكون هنا خلال دقائق، أرى أن نبلغ الشرطة بما حدث، هذا يعد شروع في قتل " قال بشر الذي يقف بجسد مشدود كالوتر ووجه واجم " لننتظر وصول مؤيد لنفهم ماذا يحدث وعلى أساسه نتصرف، هل هاتف أحدكما مؤمن ليأتي لفحص الفتاة، الجرح يبدو عميق ويحتاج للتدخل " قال ليل " لقد حاولت التواصل معه لكن هاتفه مغلق، لكني هاتفت حذيفة وأخبرته بما حدث وطلبت منه إحضار مؤمن أو طبيب مختص، لكن لعل الذهاب للمشفى يكون أفضل بكثير " لم يجيبه بشر وهو ينظر لتولين التي كانت تضم كنزي لصدرها مطبقة ذراعيها حولها بقوة بينما انفتح الباب بعنف لتندفع منه ملاك تسأل بفزع وهي ترتجف " ماذا حدث لكما ... ياإلهي " أنهت حديثها وهي تمر من بين الفتيات لتتعلق بعنق سارة تضمها فقالت أسمهان بتوتر " ألن تخبرنا إحداكما عما حدث، لعل الوضع يستعدي تدخل الرجال أو إبلاغ الشرطة، أنا مقدرة صدمتكما لكنه ليس وقت الصمت وخاصة أن كنزي تتحدث عن قتيل منذ وصولها " قالت سمراء " من سيتجرأ ليفعل بهما هذا، أنا لا أفهم " اندفعت سما تقول " مؤكد أهل والدة كنزي إنهم يريدون موتها اليوم قبل غد " سارعت فرحة تقول " حسبي الله ونعم الوكيل فيهم قساة القلب الجبابرة، أغلق الله في وجوههم طرق الخير " ابتعدت تولين تنظر إلى وجه كنزي وتسألها " الشافعية من فعلوا بك هذا " أغمضت كنزي عينيها وهي تبكي بانهيار ليرن هاتف سارة القابع بين كفيها باسم سلطان فنظرت للهاتف بعيون دامعة وكلها يئن ألمآ ثم وقفت تبتعد عن ذلك الجمع بخطوات عرجاء بشكل واضح تشير لهم أن يخفضوا صوتهم قبل أن تجيب بهدوء " أهلآ سلطان ...توآ تذكرت أختك، لم تصبح صاحب أعمال بعد لتنشغل عني لثلاثة ساعات ونصف " لم يأتيها رد للحظة قبل أن يصلها صوت سلطان الذي سألها " ما به صوتك " سارعت تجيبه " لا شيء كنت أتعارك مع الفتيات حتى بحت أوتاري من كثرة ما صرخت، كنت أحاول أن أبدو مسيطرة" هدر بها بغضب " ألن تتوقفي عن تلك التصرفات، ألم أشدد عليك فيما يخص تصرفاتك، سارة أنا أتركك بذلك المكان لأنك ترتاحين هناك لكن هذا لا يعني أن تاخذي راحتك في الأفعال غير المحسوبة خاصة وقد أصبح محيطك يضج بالرجال وهذا يحتم عليك الحرص " انزلقت سارة تجلس على المقعد المجاور لها وقد أصبحت ساقها رخوة كالهلام من شدة الآلم وهي تقول " لا تقلق كنا فتيات فقط، وأنا أنفذ تعليماتك بحذافيرها، لكن هذا لا يعني أن تضيق علي الخناق أكثر من هذا " هدر باستنكار " ابلعي لسانك واستمعي إلي " انزلقت دمعة من طرف عينيها جعلت تولين تسرع نحوها وهي تشعر أنها ما عادت قادرة على إدعاء التماسك فترتخي رأس سارة على خصر تولين وهي تجيب سلطان " سمعآ وطاعة يا سلطان ...لعلمك أنا ابتلع منك الكثير بدون شجار لأني أدرك أنك مضغوط هذه الفترة لكنك ستكون مطالب بتعويضي عن كل هذا في القريب العاجل " زفر بيأس وهو يقول بصوت أجش " ألا يمكنك الاستماع إلي بدون مقاطعتي بثرثرتك الفارغة ...كنت أريدك أن تقابليني في الحارة قبل ذهابك للعمل لنتناول الفطور سويآ ونتحدث، فأنا لم أراك منذ يومين " ربتت تولين على ظهرها لتنكمش سارة بألم فترفع تلوين يدها كالملسوعة وهي تسمعها تقول " حسنا يبدو أنك جائع وتريدني أن أحضر لك طعام، لا بأس يا سيد سلطان ...أنا دومآ في الخدمة ...سأكون أمامك في الصباح الباكر " زفر بحنق وقال " صوتك لا يعجبني، حين نلتقي سأفهم ما بك، لا تقودي بمفردك اجعلي السائق يوصلك " ثم أغلق الخط ليسقط هاتف سارة من يدها والجميع متفهم لوجهة نظرها في عدم إخبار سلطان بما حدث. _________________
الليل في ظلمته ليس بحالك، وحلكة الأوطان لها السبق.
لكل على حافة الهاوية لا غائب الجميع لنفس المصير قد استبق والدلائل حولنا كطلاسم عصية .تدعونا نحو أرض ٱختفت خلف الشفق.
…………
تجلس على سريرها الضخم داخل صومعتها غريبة التصميم والمحتوى تحاوطها العديد من شاشات المراقبة عالية التقنية بينما تضع على ساقها حاسوب تتناقل أصابعها على أزراره بسرعة ومهارة عالية، لينطلق صوت جذب انتباهها نحو شاشة تغيرت الصورة العاكسة بها لتظهر بوابة المزرعة وقد وقف عليها العديد من سيارات الشرطة فازاحت الحاسوب جانبآ تقترب من الشاشة ترفع الصوت لتقول برفض " ها هو وجع الرأس قد وصل، إلى ماذا تخطط يا حكم " ثم رفعت سماعة هاتف داخلي ليجيبها حكم الجالس بغرفة مكتبه منكب على ملف يسرق كامل تركيزه منذ ساعات قائلآ " ماذا هناك يهدين " قالت بتهكم عبّرعن رفضها لما يخطط له " الشرطة وصلت عند باب المزرعة جاءت من أجل ما حدث، الأمر بأكمله في يدك الآن، تصرف كما شئت ولكن احذر أنت لأول مرة تسلك هذا الدرب " تنهد بضيق ثم قال " لا تقلقي وركزي على الحفل وخاصة التأمين ولا تنسي موعدك مع الطبيب " وضع حكم سماعة الهاتف ثم وقف يغلق الملف الذي أمامه سريعآ ثم وضعه بالخزنة الالكترونيه الخاصه به وتحرك نحو الخارج.
خرج بمنتهى الثقة يحاوطه رجاله لتنفتح البوابة الضخمة بهدوء فيلج من خلالها فارس الذي قال بقوة " عذرآ سيد حكم على الازعاج ولكن وصلتنا أوامر بوجوب وجودنا هنا ومعنا فريق البحث الجنائي لأن جزء من مزرعتك يعد ساحة جريمة علينا تفقدها " أجابه حكم بعيون ترصده بشكل موتى " ليس هناك إزعاج يا حضرة الضابط لكن الجريمة حدثت منذ ساعات ...ألا يعد وصولكم هذا متأخرآ قليلآ " أشار سيف للسيارات من خلفه أن تتقدم وهو يجيبه " هذا صحيح فالعائلتين حاولا إخفاء الأمر عن الشرطة ليحولوا الجريمة لثأر شخصي لا يحق للشرطة التدخل به لكن في النهاية يبدو أن الخبر تسرب وها نحن أتينا لنؤدي واجبنا أرجو ألا يكون هناك من عبث بمسرح الجريمة " قال حكم بنوع من الاستخفاف " مجرد تحريك الجثة أفسد مسرحكم ورغم ذلك المزرعة بأكملها تحت أمرك، ورجالي هنا للمساعدة تفضل " دارت عيون فارس على الكاميرات المنثورة بشكل يعكس التأمين الخاص والقوي للمكان وقال " نحتاج تفريغ الكاميرات سيد حكم، وايضآ استجواب جميع العاملين فنحن ندرك أن سيادتك لم تكن متواجد وقت حدوث الجريمة " نظر حكم بعيون فارس يتفرس بها وهو يقول " هذا صحيح لكني والعاملين لدي سنقدم لكم ما نستطيع من العون وللأسف الكاميرات المسؤولة عن الجزء الغربي للمزرعة كانت في حالة صيانة ومازالت، يمكنك تفقد باقي الكاميرات إذا رغبت، سأكون بالداخل إذا احتجت إلى أي شيء خذ راحتك فالمكان مكانك " لم يرتح فارس إلى الحديث بل لم يصدق منه حرف، فأي صدفة قدرية عجيبة تجعل رجل مثل حكم لا يتهاون في تأمين منزله يترك مراقبة الجزء الغربي من مزرعته بشكل كامل مهملة لأيام ...لتقوم جريمة قتل في نفس الجزء بلا دليل واحد على فاعلها سوى رويات تتداول لا يدرك أحد صدقها من عدمه.....شاهين الجوهري متهم بجريمة قتل شهد عليها العديد ممن يدينونه بدون دليل واحد على نجاته وما يحدث يؤكد له أنه فخ وسقط به الصقر.
________________
حربنا لم تنتهِ يومآ، لم تعبرنا ولم نعبرها، وان ادعينا الصمود جميعنا بالفرار قد خفق، وها هي العودة بدأت تخط أولى حكاياها.
………….
يجلس في مقعده بالطائرة وقد انتابته ارتجافة رهبة حين ارتفع صوت الطيار مخبرآ الركاب أنهم قد وصلوا أرض الوطن وانتهت رحلتهم التي كانت تمثل للبعض ساعات وللبعض سنوات من غربة وتيه، نظر من النافذة المجاورة له يتأمل أراضي ذلك الوطن الذي لم يعترف به حين كان فردآ منه ولم يعترف به حين ولى هاربآ من مصيره الأسود يبحث عن البداية بعيدآ عن هنا، بداية لم يجد فيها فرحة تضيء عالمه المقفر يبدو أن فراره لم يكن موفقآ كما آمل دومآ، أراح جبهته على حافة النافذة يشاهد المسافات التي بينه وبين تلك الأرض تتلاشى حتى قطع تأمله صوت المضيفة تقول " أنرت مصر سيد سيرجو، حضرتك من أصول أفريقية إذآ يمكنك إعتبار نفسك بالوطن.
هل يمكنني التقاط صورة معك فأنا من أشد المعجبات بك وأفكر بالالتحاق بمدرسة الطهي في أوقات فراغي " ابتسم يقف بضخامته وهو يقول " مؤكد أشعرأني بالوطن شكرآ للطفك، سأكون سعيدآ أن تلتقط لنا صورة جميلة آنستي " رفعت الفتاة ذراعها تلتقط الصور بينما أنحنى هو ماحيآ فرق المسافة بينهما يبتسم للكاميرا بلطف دون أن يقترب منها لتقترب زميلتها قائلة " وأنا أيضآ سيد سيرجو، المطار أخبرنا أن متابعينك جاءوا لاستقبالك ويبدوعددهم كبير، هل زيارتك لمصر تعد عمل أو سياحة " ابتسم لها بلطف وقال " مازلت لا أعلم لكني أتمنى أن تكون زيارة لطيفة " أجابته المضيفة " مؤكد بإذن الله فمصر ترحب بالجميع " التقط سراج معها الصورة ثم خرج من الطائرة يحيي كل من يتعرف عليه بابتسامة مشرقة ثم بدأ في إنهاء إجراءات دخوله للبلد قبل أن يرفع هاتفه ينشر بث مباشر للحظات وصوله مصر وهو يقول " لقد وصلت مصر الأن، ولا أصدق أن هناك من ينتظرني، الأصوات التي تصلني زادت من سعادتي وحماسي لتلك الزيارة التي لم أعلن عن أسبابها في الوقت الحالي لكني أردت أن يشاركني كل المتابعين تلك اللحظات " أغلق هاتفه ثم سحب حقيبته الضخمة يسير في ممر طويل ينتهي بسلم كهربي يصل به إلى صالة الاستقبال ليستمع لفتاة تقول لرفيقتها " هل تعلمين من هذا؟ أنه الطباخ سيرجو، يملك مدرسة للطهي وقناة على أحد التطبيقات يشترك بها الملايين، دعينا تلتقط صورة معه " لتوبخها الثانية قائلة " هل تريدين منا ايقاف رجل غريب لنلتقط لنا صور برفقته، ماذا سأستفيد حين أخذ صورة مع طباخ، هل ستنتقل مهارته عبر الإشعاع وتصلني" سكنت نفسه بهواده وتلك الروح التي تغلف الأجواء من حوله بدأت تتغلغل إليه ليهتز الهاتف بيده منبها بوصول رسالة، كان قد اقترب من معجبيه يحييهم وهو ينظر بشكل سريع إلى الهاتف ليجد أمامه رمزين قد وصلا إليه من رقم مشفر لا يمكن لأحد إدراك معناهم سواه فالأول يعني مرحبا والثاني يعني سراج.
_________________
أين السلم منا، من يحول بيننا وبينه!
ولماذا دومآ نضل الطريق إليه؟ لماذا لا نكف عن السعي نحوه بلا طائل؟
فكلما قطعنا المسافات تعاظمت، وكم نحشي أن يدركنا اليأس.
……………….
هل يعلم أحدكم معني أن يكون الكيان مبعثر، والهوية ليست حق، والطموح مجرد طيش أفكار لا يمكنك الاقتراب منها، كان هذا الحال قديمآ فبهية اليوم ما زالت لا تصدق أنها قد نالت فرصتها العادلة في حياة رجل يراها أنثى لها حقوق وكرامة وكيان لن ينتقص من قدره شيء إذا طالب باستقلاله، رجل يدعمها بكل ما يستطيع ولا يمانع أبدآ بدفعها لتشق طريقها بمفردها لكي تعتمد على نفسها وتصبح إنسانآ أقوى وأكثر ثقة، رجل هاديء الطباع سهل المعشر لين القلب، حلو اللسان. ابتسمت بهية من أفكارها التي انطلقت تتغزل في منذر وهي تتوجه نحو غرفة الأطباء تنشد بعض الخصوصية لمهاتفته وهي تقضي ليلتها الأولى خارج المنزل حيث اقتضى جدول العمل بأن تستلم المناوبة الليلية،
ولجت إلى الغرفة ثم رفعت نقابها كاشفة عن وجهها الذي اضائته الراحة وهي تستمع إلى رنين الهاتف حتى أتاها صوت منذر يقول " أهلا بأبهي الطبيبات " ابتسمت بخجل وهي تجيبه بسعادة " أهلا بك يا منذر، أين أنت الآن، ومتى ستعود للمنزل " أجابها قائلآ " مازال لدي الكثير من العمل، ربما سأنتهي منه فجرآ، إذا أردت يمكنني المرور لأخذك من المشفى لنعود للمنزل سويآ " ردت بحماس قائلة " سأنتظرك إذا، لكن لا تنغمس في العمل وتترك حالك بلا طعام، ولا تكثر من شرب القهوة التي تجعل الصداع يصيبك باستمرار " قال لها وبدا أنه يقترب من مكان ترتفع به الأصوات " لا تقلقي أبدآ، اهتمي أنت فقط بنفسك حتى نلتقي، فربما لن أستطيع محادثتك بعد الآن لأن لدي مقابلة خارجية مع عميل مهم وبيننا نقاش سيمتد ربما لساعات" رق صوتها الحنون بفطرته وهي تقول " أعانك الله وبارك في رزقك ووفقك إلى ما يحبه ويرضاه ...منذر استغفر بكثرة لكي يرزقك الله صلاح الحال وييسر لك كل عسير" لم يأتيها رد للحظات لتسمع صوت أنفاسه التي اختلطت مع الصخب من حوله قبل أن يقول " سأفعل... أراك على خير يا طبيبة " ثم أغلق الخط لتقترب من حقيبتها تخرج منها حافظة القهوة الخاصة بها وهي تفتح تطبيق القرآن الكريم على هاتفها فينطلق صوت قارئها المفضل ناشرآ من حولها بصوته العذب وعظمة الآيات سكينة زادتها يقينآ أن الله لن يضيعها أبدآ، جلست على أريكة جانبية ترتشف قهوتها على مهل وعقلها يلح عليها أن تعاود المحاولة مع أمها مجددآ لعلها تريح قلبها فيما يخص أصالة التي لا تعرف كيف استطاعت أن تسافر دون أن تودعها ثم تنقطع عنها لشهور كاملة تاركة إياها لإحساس موحش، تنهدت بعمق قبل أن تتنبه أن هناك من يطرق الباب فتسدل نقابها وهي تقول " تفضل " فيفتح الباب وتظهر منه إحدى الممرضات وهي تقول " أيتها الطبيبة .... هناك من يسأل عليك بالاستقبال ..وقد تردد اسمك على مكبر الصوت أكثر من مرة لكن يبدو أنك لم تسمعيه " ابتسمت بهية وهي تقول " صدق الله العظيم " ثم أغلقت الهاتف واقتربت من الممرضة قائلة " شكرآ لك أنا بالفعل لم أسمع النداء، يبدو أن صوت القرآن كان مرتفع أو أني من كنت شاردة " ابتسمت لها الممرضة وهي تسير بجوارها تجاه مكتب الاستقبال " لا عليك .مؤكد ستأخذين فترة لتتأقلمي مع المناوبات الليلية، ونصيحة من مناوبة قديمة دومآ تواجدي وسط الضجيج كي لا يصطادك الوسن وعندها ستكون الحركة بالنسبة إليك شيء شاق ومجهد " هزت بهية رأسها وقالت بلطف زائد " أنا أحتاج لتلك النصائح فعلآ لذلك سأنتهي من هذا الأمر وسأبحث عنك لنكمل حديثنا " ابتسمت لها الممرضة وهي تبتعد تجاه المصعد بينما طرقت بهية الباب بخفة ثم فتحته قائلة " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...هناك من طلبني"
لكنها لم تجد أحد يجلس خلف المكتب، فضيقت عينيها بتفكير وهي تستدير لتخرج من الغرفة لكنها لم تكد تتحرك حين اندفع الباب بلا سبب ينغلق ليظهر من خلفه ذلك الوجه الذي يبث في أوردتها فزع ظنت أنها قد تخطته، يوسف، شيخ العزايزة ...طليقها السابق عضو مجلس الشعب المحترم كان يقف أمامها بملابس شبابية متخليآ عن جلبابه وعبائته وقد أطلق لحيته ينظر لها بعيون شديدة الإحمرار متسعة كأنه ثور لوح في وجهه برداء أحمر فتأخذ خطوتين للخلف وهي تقول بصدمة جليه وفزع " يوسف " هز رأسه بعنف وهو يغلق عينيه في حركة تذكرها جيدا وتدرك ما يأتي بعدها ليتصلب فكه وتنفرج شفتاه بابتسامة قبل أن تنفرج عينيه وينظر لها قائلآ باستهزاء " هل اكتفيت من اللعب "
_________________
تلك الثقوب السوداء التي تنفذ منها سموم البشر نحوك لابد أن ترممها قبل أن تزداد بالاتساع، قبل أن تعريك أمامهم من الحواجز وتجعلك هدفآ سهل التوغل إليه، قبل أن تخدعك بأنها حصنك الحصين بينما هي فخك المحكم.
………….
توقفت سيارة حذيفة أمام منزل تولين وبشر فيترجل منها على عجل وهو يحمل بيده حقيبة طبية ويسرع نحو الداخل في نفس الوقت الذي توقفت به سيارة طاهر الذي أسرع خلفه بلا تفكير وأفكاره تتقاذفه، فسما التي هاتفته جزعة لم تعطه تفاصيل ما حدث، مجرد كلمات هلعة أكدت له أن هناك كارثة حدثت ليدخل إلى المنزل قائلآ " السلام عليكم...ماذا حدث " اقترب منه ليل يقول " ألم تحضر طبيب معك لفحص الفتاة، كان علينا الذهاب للمشفى منذ وصولهما " نظر طاهر لسارة التي أزاح حذيفة حجابها عن جبهتها وبدأ يتعامل مع الجرح كمحترف وسأل بصدمة " من فعل بها هذا ...هل علم سلطان ...هل أبلغتم الشرطة ...أهي بخير " أمسكه بشر من ذراعه يسحبه للخلف وهو يهمس له مشيرآ بعينيه تجاه كنزي " الأمر يخص كنزي، سارة تورطت به لا أكثر، كنزي منذ قدومها في حالة صدمة كانت تمسك بيدها سلاح فارغ من الطلقات وتصرخ أنها قتلت شخص ما " سأل طاهر بعصبية " أين مؤيد وعمر، ألم يخبرهما أحد بما حدث " أجابه ليل " لا أعرف لما تأخرا هكذا لكنهما على وصول، من فضلك ساعد الفتاة تبدو في حالة صدمة شديدة، ثم هل حذيفة لديه خبرة بتقطيب الجروح " التفت طاهر عابس الوجه تجاه حذيفة الذي بدا في تلك اللحظة شخص آخر بملامحه المبهمة ويديه الماهرة في تقطيب الجرح كأنه طبيب جراح منذ قديم الأزل وهمسه الخافت لسارة التي بدا أنها تكتم صراخها بشق الأنفس فاقترب منه يقول " ماذا تفعل " ارتجف كف حذيفة لثانية قبل أن يستعيد توازنه ويقول " أساعد كما ترى، لم أستطع الوصول لمؤمن وبشر أخبرني أنه لا يمكنه نقلها للمشفى حتى يفهم ماذا يحدث لكي لا يعرضها للخطر، لا تقلق أنا أدرك ما أفعله " نظر له طاهر مجيبآ بعينيه أن هذا ما يقلقه تحديدآ ليسمع سما تقول " سأذهب أنا وفرحة لنطمئن على الأطفال، ونحضر للجميع شيء ليهدأ أعصابهم حتى وصول مؤيد " تحركت سما نحو طاهر الذي حرك كفه على طول ذراعها بخفه يطمئنها فالتفتت بوجهها تجاهه تهز رأسها براحة لوجوده ليوقفهما صوت سارة التي قالت " فرحة لا أريد لسيد أن يعلم عما حدث شيء لكي لا يخبر سلطان، لا أريد لاخي أن يتورط في تلك المعمعة، أنت تدركين ما أقصد " قالت فرحة " أدرك يا حبيبتي، فسلطان لن يرضى حتى يزلزل الأرض تحت أقدامهم لأجلك وسندخل في متاهات " أكدت سمراء " فعلا، فلقد لاحظت أنه لا يتفاهم حين يغضب ويصبح عصبي ومندفع " عاد حذيفة ليكمل ما يفعله لتنطلق صرخة آلم من سارة التي قالت " لا تتحدثي عن أخي هكذا " فربتت ملاك على كفها بصمت بينما تولين تمسك كفها الاخر وهي تسأل حذيفة " هل خدرتها بما يكفي ...لماذا مازالت تتوجع هكذا ...وهل سيترك ذلك الجرح أثر " اقتربت منها أسمهان تقول " أظن حذيفة يحاول التعامل بما يناسب الوقت الراهن لكن بعد حضور مؤيد يجب أن تذهب هي وكنزي للمشفى ليحصلا على فحص شامل " شدت تولين على كف سارة التي كانت ملامحها مكدومة بشكل يوجع القلب وعقلها مع تلك الساكنة كأنها مفصولة عن كل ما حولها لترفع عينيها نحو بشر بتشتت فيهديها نظرة تربط على قلبها قبل أن تلمح طاهر الذي تحرك تجاه كنزي.
…………..
كانت منعزلة عن الجميع في شرنقتها بعدما استوعبت ما حدث جيدآ وأدركت أن النبذ الذي كانت تتوجع منه لن يكون شيء يذكر أمام القادم، فها هم الشافعية أخذوا قرارهم بإهدار دمها كأنها شيء مشين يلتصق بهم وعليهم الخلاص منه، حتى متى سيظل كل من يشاركها الدماء ينتقص منها ويساويها بالحشرة التي من السهل دهسها والعبور، حتى متى ستظل في نظر الجميع دخيلة هجينة الدماء ابنة العدو، حتى متى ستظل مهددة مهانة معذبة في فلك ذاك الثأر البائت، أغمضت كنزي عينيها تبكي بقوة ليأتيها صوت طاهر الهادئ يقول " كنزي، افتحي عينيك واهدئي، وتذكري أي كان ما حدث لقد نجوت منه بفضل الله وأنت هنا بآمان ...اذكري الله "
فتحت كنزي عينيها وهي تقول بلوعة " الحمد لله ..الحمد لله، حتي الآن لا أصدق أني وسارة تعرضنا لما حدث ..انظر ماذا حدث لها بسببي " كان حذيفة يضع اللاصق الطبي على جرح سارة التي قالت بصوت مهتز " كنزي لا تجعلي أفكارك تجرفك لتلك النقطة، تدركين أن ما حدث قضاء وقدر والحمد لله أنها مرت على هذا ...أنا لم أكن المقصودة على أية حال وهذا ما يجب أن نركز عليه " نظر حذيفة لملاك وقال " احضري لسارة أي نوع عصير و ضاعفي كمية السكر به " وقفت ملاك تسرع بطاعة نحو المطبخ لتقول تولين وهي تتحرك لتجلس بجوار كنزي تحتويها " كنزي تماسكي، جميعنا نعلم أنه ليس لك يد بما حدث وأنك ضحية مثلها لا تستسلمي لتلك الأفكار المؤلمة " ارتمت كنزي بأحضانها تقول بانهيار " الجميع تأذى اليوم بسببي، لقد قتلت شخصين والثالث مات دفاعآ عني، إذا كان موتي سيحقن كل تلك الدماء فل....وضعت تولين كفها تغلق فم كنزي وهي تهدر بها " فلتمت الشافعية فردآ فردآ وفوقهم آل الجوهري وثأرهم العفن ولا يمسك سوء أو أرى فيك أنت أو سارة ما يفجعني "
قال طاهر لكنزي " أنت لن تزج بنفسك في تلك الدائرة، مهما حاولوا جعلك نقطة سوداء في تاريخ نزاعهم تيقني أنك أبعد ما يكون عن ذلك ...أنت حرة من روابطهم وأفكارهم "
قالت كنزي بحرقة " لقد حاولت لكنهم لا يدركون ذلك أبدآ، أنهم مصرون على وضعي بينهم والفتك بي ولأجل ماذا " أجابتها سمراء التي اقتربت تربت على رأسها بهدوء " لأجل ضلال لا ينبغي لك أن تقتربي منه، تعاملي مع ما حدث كأنه حدث قدري ومر وصدقيني جميع من حولك سيحرصون على عدم تكراره مستقبلآ " قال لها طاهر " أنت لست بمفردك في مواجهة ذلك ....دومآ تذكري ذلك " هزت رأسها بطاعة لتخرج أسمهان وخلفها ملاك من المطبخ كل واحدة منهما تحمل صينية يتراص فوقها أكواب العصير ليقول حذيفة " أريد كيس من الثلج ليساعدها على تخفيف الورم " نظرت له سارة وقالت " لماذا لا أشعر بملامحي كأن وجهي ليس هنا، هل كل شيء في مكانه " ناولها حذيفة كوب العصير وقال " هذا مفعول البنج الموضعي والمسكن القوي والإرهاق الذي ألم بك، اشربي هذا واسترخي واحكي لنا بالتفصيل ما حدث " ارتشفت سارة العصير تكاد لا تشعر بشفتيها المتورمة تنظر إلى الشباب الذي اقتربوا كلآ يحمل كوب من العصير وينظرون لها بترقب فلم يكن أمامها سوى التحدث.
………..
أوقف مؤيد سيارته بحدة ينظر إلى سيارة أختة التي مازالت في باحة منزل ليل الذي تحطمت تمامآ وهو يقفز من السيارة قائلا " سترك يا رب ...ماذا حدث بحق الله " اندفع عمر خلفه ينظر للسيارة بذهول وهو يسأل " أكان هناك من يلاحقها " لم يجبه مؤيد وهو يندفع إلى تلك الجلسة مقاطعآ سارة التي كانت تقول " حين تزحزت السيارة بأعجوبة لم أفكر قبل أن أنطلق هربآ من ذلك الرعب لكن قواي قد خارت حين وصلت إلى هنا وحدث ما حدث " وقف الجميع ماعدا سارة فيما اندفعت كنزي نحوه تصرخ بانهيار " أخي لماذا تأخرت، لقد كانوا يريدون قتلي أنا وسارة " ضمها مؤيد بقوة فيما وقف عمر خلفها يتحسسها بلهفة ليتأكد أنها بخير وهو يقول " الحمد لله أنك سالمة " أبعدها مؤيد عن ذراعيه ينظر لوجهها كأنه يتأكد أنها لم تتأذى ثم عاد يضمها قبل أن يرتخي بطوله الفارع على الأريكة من خلفه فتسقط كنزي جالسة بجواره وبين ذراعيه فيزفر بإرهاق وهو يقول " لقد قتلتني هواجسي، الحمد لله أنك بخير " سأله ليل بعصبية " هل لك أن تخبرنا عما يحدث وعرّض الفتاتين لهذا الاعتداء ...سارة كادت أن تفقد روحها وأختك اضطرت لاستخدام السلاح " اعتدل مؤيد ينظر لوجه سارة التي تضع عليه كيس من الثلج يخفي خلفه لوحة سريالية من الألوان وقال بصدمة " ماذا حدث بالضبط"
سرد عليه طاهر ما قالته سارة ليعم الصمت للحظات قبل أن يندفع عمر صارخآ " أختي كانت ستموت بسبب ذلك اللعين، مؤيد عليك التصرف حتى لو كان النتيجة قطيعة لا تنتهي " سأله بشر الذي جلس بجوار تولين يأخذها تحت ذراعه بينما ترتاح إحدى كفيها على ساقه " من تقصد " ليجيبه مؤيد " شاهين الجوهري يقال أنه قتل منذ ساعات شاب من الشافعية، لتثور الشافعية منتقمة بإضرام النيران في أملاكنا وتخريب المنشآت والتعدي على المنازل، الوضع كارثي لكن حين تصبح أختي مهددة بذلك الشكل بسبب أمر لا يد لها فيه لن أصمت " ليقول بشر " ومعاهدة الصلح الذي كان الشيخ عبدالرحمن طرفآ فيها ماذا حدث لها ألا يجعلك هذا بعيدآ عن النزاع " قال مؤيد بغضب " أظن أنهم كما قال عمر، قد ظنوا أن تلك المعاهدة مجرد تمويه مني حتى يخطط آل الجوهري لضربتهم القادمة " قال حذيفة " أنت هكذا في موقف صعب جدآ " أكد مؤيد " أعلم وأريد أن أصفي ذهني لكي أقرر ماذا ستكون خطوتي القادمة " سأله ليل " ما موقف عائلتك مما حدث " زفر مؤيد وقال " مازالوا مصرين على موقفهم لا يتوقفون عن الضغط عليّ حتى وضعوني في هذا الموقف الذي أصبحت فيه أنا أيضا مهدد " طمأنه بشر قائلا " أزمة وستمر مثل ما سبقها، الأمور مشتعلة الآن لكن بعد فترة ستصبح الأمور أهدأ أكيد، ولا تنسى أنهم ملزمون أمامك بعهد وبما أنهم أخلفوه ستكون مشكلتهم كبيرة مع شيخ العزايزه " قال فخر " ما أريد معرفته هو ماذا سيستفيد الشافعية إذا أصبحت كنزي بين أيديهم " ضم مؤيد أخته لصدره وقال " الكثير ...لا يمكنك التخيل حتى ...الحمد لله أنها عادت سالمة " التفت إلى سارة ثم قال " لا أجد ما قد أقوله لأصف غضبي من الأذى الذي قد تعرضت له يا سارة، وأعدك أن هذا لن يكرر أبدآ ومن فعل بك هذا سينال عقابه، لكني لا أريد منك أن تخبري سلطان بما حدث لكي لا تتعقد الأمور أكثر، الآن عليّ التركيز في أمر الرجال الذين تعرضوا لكم والحارس الذي لم يصلني منه خبر بعد وبعدها لكل حادث حديث " قالت سارة " بدون أن تطلب، هذا ما كنت أنويه، فأنا أدرك غضب أخي كيف يكون ، وأدرك أيضا شر تلك العائلة كيف يكون، لكن عليّ الذهاب له في الصباح الباكر لأن عدم حضوري سيثير قلقه " سألتها ملاك " ستذهبين إليه بهذا الشكل" قالت سارة " سأبرر له الأمر أنه حادث عرضي، ذهابي له سيكون أفضل من جعله يقلق ويشك أن هناك ما أخفيه لكن أريد من أحدكم أن يوصلني مبكرآ " دفع مؤيد مفاتيح السيارة تجاه عمر وقال " أوصل سارة للحارة وانتظرها لتعودا سويآ فليس هناك عمل حتى تتعافي " وقف ليل يقول " سننصرف نحن لتستطيعون النوم ولو لساعة قبل صلاة الفجر، هيا يا سمراء " وقفت سمراء تقترب من زوجها لتدخل في تلك اللحظة فرحة تحمل صينية كبيرة تتبعها سما بخطوات مترددة تحمل حافظات طعام فأسرع طاهر يحملهم عنها وهو يقول " لن يرحل أحد قبل أن نأكل سويآ ...فمن الأفضل لنا جميعآ أن نصلي وبعدها نستسلم للنوم " قال حذيفة " أنا سأقضي باقي الأسبوع بمنزل فخر، لأبقى متواجد قريب من مؤمن وطاهر ومنكم إذا حدث أي أمر طاريء " اندفعت تولين تسأل وهي تساعد الفتيات في رص المائدة " هل وافق طاهر على اقتراحك " أجابها حذيفة " ليس بعد لكني لن أيأس " مال طاهرعلى بشر يقول " زوجتك تورطني في شيء أكبر مني " ابتسم بشر وهو يقول " جميعنا متورطون بشكل أو بآخر ليس هناك جديد " اجتمع الرجال حول المائدة بينما أعدت الفتيات جلسة أرضية تتوسطها صينية فرحة الضخمة يأكلون بنهم لا يخلو من أحاديث ودية يحاولون بها تخطي ما حدث.

بعد ساعتين…….

كان شاهين ينطلق بسرعة جنونية على الطريق يناور رجال الشافعية الذين يلاحقونه باحثآ عن ابن عمه بكل مكان قد يتواجد به لكنه لم يجده ولم يجيب على مكالماته هو أوعمر في إعلان صريح لأن الأمر بينهم تحول إلى عداء واضح
جعله يكاد يفقد أعصابه التي يتمسك بها حتى لا يفتك بهؤلاء الاوغاد فيتأخرعن توضيح ما حدث لابن عمه ويكون قد فات الأوان لرأب الصدع الذي تمادى هو في تركه يتسع، الطرق الخالية في الصباح الباكر كأنها مهدت له لم تساعده إطلاقآ بينما كلاب الشافعية يرصدونه، رفع هاتفه يطلب أحد رجاله قائلآ " أغلقوا عليهم الطريق تمامآ، إشتبكوا بضراوة إذا تطلب الأمر، أريد أن أتخلص منهم في الحال " أنهى حديثه ملقيآ الهاتف على المقعد المجاور له يراقب في المرآة الأمامية الطريق من خلفه فيرى سيارتين من سيارات رجاله تستديران متلاحمتين بحركة خطرة نظرآ للسرعة الجنونية التي يسيرون بها مغلقين الطريق بشكل مفاجيء لم تستوعبه سيارات الشافعية لتكون النتيجة اصطدام عنيف ارتفعت على آثره إحدى السيارت بالهواء قبل أن تندفع نحو الأرض مرتطمة بقوة مما أدى إلى إنفجارها ليلوذ هو بالفرار تجاه أخر محطتين متيقن أنه سيجد ابن عمه فيهما.

في نفس الوقت….

كانت سارة تحمل بعض الحقائب التي تحوي بداخلها حافظات طعام جهزت فيها فرحة فطور دسم من أجل سلطان نظرآ لحالة سارة التي تتحرك بصعوبة بالغة ولولا قلق الجميع من ردة فعل سلطان إذا جاء بنفسه واستشف شيئا مما حدث لم يكن أحد ليوافقها على الخروج وهي بهذه الحالة، أسرع عمر الذي بدأ النعاس الشديد يداهمه قائلآ " هل مازال بك قوة لتحملي شيء، أنت تحملين نفسك بشق الأنفس، أعطني الحقائب " ناولته ساره الحقائب بينما تلتفت لتولين التي خرجت خلفها تقول " دعيني أتي معك، مظهرك يوحي بانك تتحاملين على ألمك كأنما عظامك تئن " ضمت سارة جسدها المكدوم بأكمله تقول " هذا صحيح لكنك تعرفين سلطان، توبيخه لي على تهوري أرحم كثيرآ من أن يتهور ويشتبك مع هؤلاء المختلين، اذهبي أنت لتعدى الفتيات للمدرسة يكفي أنهم قضوا ليلتهما مع أم ملاك، وحاولي تهوين الأمرعلى كنزي لا تجعليها تشعر بالذنب على شيء ليس لها يد به "
قبلت تولين وجنة سارة المتورمة بخفة فتأوهت سارة مبتعدة لتقول تولين بأسف " لم أقصد إيلامك، سأنتظر عودتك لا تتأخري، سنذهب لإجراء فحص شامل لك ولكنزي " هزت سارة رأسها بطاعة بينما خرج بشر يقول لعمر " فلتأخذ سيارتي، سيكون هذا أأمن فلعل سيارة مؤيد هناك من يتعقبها " قذف بشر المفتاح تجاه عمر الذي التقطها بخفة وسارع بنقل الحقائب إلى سيارة بشر وفتح الباب المجاور للسائق قائلآ " هيا يا سارة ... وإلا لن ألحق الفطور مع عيسى وهلال " تقدمت سارة نحوه تركب ببطء فأغلق الباب واستدار يلوح لبشر وتولين التي قالت له " أرسل سلامي للجميع " ليجيبها وهو يأخذ مكانه خلف عجلة القيادة " يصل إن شاء الله" ولم ينتبه أحد منهم إلى شاهين الذي قد وصل في التو ورأى عمر وهو يركب السيارة فظن أنه ومؤيد بدلا السيارة بأخرى لا يملكونها من باب التمويه فأسرع يتبعه غافلا هو الآخر عن عيون عابد الشافعي التي كانت تترصد مؤيد يتحين لحظة خروجه من هنا لينفرد به بعيدآ عن الاشتباك مع العزايزه من قريب أومن بعيد والذي سارع يهاتف أبناء عمومته قائلآ " شاهين الجوهري جاءني بقدميه، أريدكم جميعا حولي لنأخذ ثأرنا البائت مرة واحدة، فهذه الفرصة لن تكرر، شاهين وعمر الجوهري بلا حماية ".
…………

أراحت ساره رأسها على الزجاج المعتم لسيارة بشر وهي تحاول جمع تفاصيل كذبة محبكة قد تنطلي على أخيها شديد الملاحظة، صارم التعامل، والذي قد يجعلها بنظرة محذرة منه تدلو بدلوها كاملآ ليقع حينها ما تخشاه، آنت بخفوت وهي تقول لعمر " إذا حاول سلطان التقصي منك حول مع حدث لي أخبره أنك لا تعلم التفاصيل، لا تحاول أن تدخل معه في حوار فتتضارب أقوالنا وحينها سيعلقنا من أقدامنا "
ابتسم عمر وقال " حدثى ينبئني أنك من ستعترفين بكل شيء، انظري لنفسك ...هل الكذب على سلطان صعب لهذه الدرجة " عبست وهي تقول " لقد حاولت فعلها لمرات بالماضي ولم أفلح يومآ، واليوم أنا أعتمد في كذبتي على حالتي المزرية التي ربما شتتت تركيزه فأنفذ بجلدي ..لكن هل حقا ابن عمك فعلها وقتل الشاب " لم يكد يجيبها عمر حين شعر بسيارة ترتطم بجانب السيارة التي يقودها ففتح الزجاج ليجد شاهين يصرخ به " أوقف السيارة لنتحدث " نظر عمر لجانب سيارة بشر الذي تضرروقال بغضب " ما هذا الغباء، هل جننت ...حسنا ...دعنا نجن " وأدار عجلة القيادة بعنف يصدم جانب سيارة شاهين بقوة بعجتها بشكل واضح لتنتفض سارة بألم شديد قائلة " عمر ماذا يحدث " أغلق عمر النافذة وهو يقول " أسف سارة، سأوصلك الحارة وبعدها سأرى ماذا يريد هذا الغبي " ضمت سارة جسدها تنحني للأمام وهي تقول " هل لن ترتاح عائلتكم الموقرة إلا حينما أصاب برهاب السيارات ...ارحموني " لم يجبها عمر وهو يراقب شاهين الذي كان ينطلق بسيارته وهو يصرخ بغضب بشيء لم يصل إلى أذنيه، أخذ عمر المنعطف نحو الشارع الرئيسي للحارة واستمر بالتقدم حتى أصبحت السيارة التي يقودها وسيارة شاهين التي توازيها تغلقان الشارع ولا سبيل للتقدم أكثر، فتوقف مكرهآ على ذلك وترجل من السيارة يهدر بعنف "ماذا تريد يا شاهين " قفز شاهين من سيارته العالية يدور حولها وهو يقول بغضب " لماذا لا تتوقف .... أريد التحدث مع أخيك، أخرج وواجهني يا مؤيد " وقف عمر بينه وبين السيارة يصيح به" عما تتحدث أنت ...هل رؤية الجثث أذهبت عقلك، ابتعد عنا يا شاهين بشرك وشر من تعاديهم " أمسكه شاهين من تلابيبه وصرخ به " حين أكون بتلك الحالة لا تقف في وجهي يا عمر ....ولا تطلق لسانك الأرعن هذا أفضل لك، ابتعد ودعني أتحدث مع أخيك " بادله عمر العنف بعنف وهو يلتحم معه هادرآ " لساني أبدا لن يكون برعونة عقلك الذي ستدفع العائلة بأكملها ثمنه، لماذا تركت حربك الدائرة وجئت لتلاحقنا " اشتدت المشادة بينهما بينما سارة ساكنة تشاهد ما يحدث بغضب وعجز عن إدراك التصرف الصحيح ليفاجأ الثلاثة بدخول سيارات الشافعية إلى الشارع الضيق نسبيآ عن شوارع العاصمة الواسعة بسرعة جنونية صنعت غمامة من التراب فأصبح عمر وشاهين محاصرين في المنتصف ما بين سيارتيهما وسيارات الشافعية، لينتفضا الإثنين من فورة غضبهما مدركين للموقف الذي اصبحا فيه فيستديرا مواجهين للسيارات التي قفز من إحداها عابد الشافعي يقول بسماجة " لم أكن أتوقع أن كل شيء سينتهي بهذه السرعة ...فلا تشرق الشمس إلا وقد أخذ ثأرنا والواحد منا باثنين منكم " قال له شاهين بناريته المعتادة " قبل التحدث بهذه الثقة عالج كدمات وجهك لعلي أصدق أنك قادر على فعل أي شيء، يبدو أن الأرض التي تمرغ وجهك في ترابها تحت أقدامي لم تكن نظيفة مثلك تماما " فارت الدماء في عروق أبناء الشافعية الذين جاءوا بأنفسهم وتقدموا بغضب نحو شاهين ليفتكون به وكالعادة كان عمر الضحية التي أخذت بالأقدام .
توسعت أعين سارة بهلع حين تطورت الأمور إلى نزاع دموي كانت الغلبة به للكثرة فأسرعت تفتح باب السيارة تعبر من ممر ضيق ما بين السيارة وأحد المحلات التي لم تفتح بعد لتجد ياقوت يندفع خارج القهوة ويبدو عليه الفزع والنعاس وحين رأها بوجهها المكدوم وما يحدث خلفها سألها بصدمة " أنسة سارة ...ماذا يحدث " صرخت به " انجدني يا ياقوت ...نادي على سلطان وأبناء عمي ورجال الحارة ...سيقتلوهما" اندفع الشاب ينفذ مطلبها بينما رفعت الهاتف لتتصل بسلطان غير عابئة بما قد يحدث فالوضع أصبح كارثي لتجد عمر قد سقط أرضآ بينما شاهين يجاهد للصمود وهناك شاب يندفع نحو ظهره حاملآ سلاح حاد فصرخت بقوة " انتبه " لمحة هي كل ما احتاجه شاهين ليدرك مصدر الصوت ويستدير متفاديآ تلك الطعنة الغادرة ثم يجذب السكين بسرعة وهو يلتف حول ذلك الشاب حتى أصبح النصل الحاد فوق عنقه وصرخ بجنون يعكس أنه لا يمزح " هل لم يكفيكم جثة واحدة تريدون الأخرى بهذه السرعة ...أنا لن أتردد في شق عنقه إذا لم تبتعدوا للخلف حالآ " كان شاهين يسحب الشاب الذي يكبله بذراعه وبتهديد السلاح للخلف فيما وقف الغاضبون أمامه يقيمون الوضع ليصرخ شاهين بعمر " تحرك بجواري " هم عمر بالتحرك لكن عابد الشافعي لم يكن بالهين إذ أنه لم يسمح لعمر بالحركة بل انحنى واضعآ نصل مماثل على عنقه بينما جعل إثنين من أبناء عمومته يكبلانه أرضآ وهو يقول " ليس يومك يا شاهين لتستعرض قوتك وجنونك، إنه يوم موتك ...اترك الفتي " نظر شاهين إلى عيون عمر الذي ينظر له بكره كأنه هو من يضع ذلك النصل على عنقه وأفلت الشاب الذي هرع نحو الباقين لكن وبحركة مفاجئة أمسك شاهين السلاح الحاد بخفه وعيونه تضع عابد هدفآ ثم أطلقه بقوة ليصيب ذراعه الذي يضع به النصل على عنق عمر فسقط منه السلاح وهو يعوي كذئب جريح ليلتقطه عمر ويطعن عابد في قدمه مستغلآ إنشغال من حوله به ثم تقدم نحو شاهين الذي جذبه بعنف يعبر به من بين السيارتين لكي يفرا من هذا الحصار لينطلق صوت جمدهما
وعابد الذي تسيل دمائه من ذراع وقدم يعرج نحوهما حاملآ سلاحه بكف يهتز ليبدأ شباب الشافعية في التوغل أكثر لكي يحكموا قبضتهم حول شاهين وعمر مجددآ وقد حاصروهما ينظرون إليهم بتشفي وقد وصل عابد إلى شاهين وألصق فوهة السلاح بجبهته يناظره بغل قائلآ " وداعا يا صقر أل جوهري " ناظره شاهين بعيون لم تهتز وقال " دع عمر يرحل " ابتسم عابد بشر وقال " أبدآ " سقط الهاتف من كف سارة التي كانت تحاول الاتصال بسلطان فلا تجد سوى صوت مسجل مزعج يجيبها، وعيناها مسلطة بانهيار على المشهد ....اصبع عابد الذي يضغط على الزناد ببطء وعمر الذي اندفع محاولآ إنقاذ ابن عمه فكبله بعض الشباب ليصرخ بحرقة محاولآ الفكاك منهم، وشاهين الذي كأنما يقول الشهادة بصمت فلم تفكر قبل أن تمد يدها داخل حقيبتها التي سقطت أرضآ تسحب بخاخ رذاذ الفلفل الذي وضعته في حقيبتها قبل الخروج وتسرع نحوهما تدفع شاهين بقوة بعيدآ قبل أن تفرغ البخاخ في عينا عابد وهي تقول بانهيار " لن يموت أحد هنا أيها الوغد " ثم صرخت بكل ما أوتيت من قوة " سلطاااااان " لتشعر خلفها بظهر قوي كما الحائط يحيط خصرها فترتخي بأكملها فاقدة للوعي تسمع من حولها أصوات متشابكة بدأت تخفت راحلة عنها بعيدآ لكن زئير أخيها الذي تدركه جيدآ هو ما جعلها تشعر بالأمان وهي تسقط موقنة أنها لن ترتطم بالأرض أبدآ.


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-07-22, 07:26 PM   #25

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث..

إني أهابك حد أن أسألك العتق فلا تجيب.
مهابة كشرارة أطلقتها في عمق الحشا، فأججت نزاع روحي في حروب لا تغيب، وأحالت سكون جوفي إلى ساحة معركة، وغيرت خارطة نفسي لشيء غريب، أحالني لنفس مترقبة بعينيك مهددة.
إني أرجوك خلاصآ أنتظره لتطيب تلك الجروح التي حفرت بداخلي كدروب ممهدة.
كل الأس.لح.ة التي شرعتها بوجهي مازلت تضعني تحت حصارها، باقية لا تبارحني مستوطننة كنيران موقدة.
ني أسألك الرحيل عني.
فداخلي مازال يضج بزحام ماضيك، والأيام وإن مرت لا تمرعلي.
عالقة أنا في خوف يزلزلني كعقوبة مشددة.
وعودي لسنوات كانت جنون انثى لا تدرك، أنها بكل صدها لا تقوى على أن تعاديك متمردة.
وأنك وحدك من تملك الحل في نهاية، لن تمنحنا إياها يومآ مستمرآ في ث.ورا.تك البائدة.
أرهقني أن أدّعي الصمود بينما،
لا صامد بيننا سوى الذكرى التي طافت لتستدعيك متوددة.
_________________

إن الن.زاع.ات حين تحتد، تجبر من يخوضها على التطرف، على كسر كل القواعد والإطاحة بكل المبادئ وتخطي كل الحواجز لكي يصبح الطرف الأشرس الذي لا يستهان به.
……..
الصباح قد حل على عيون لم يقاربها الوسن والأعصاب المتوترة لم يريحها سكون كاذب يملأ الأجواء فالغمة لم تنقشع
وثورات النفوس الحاقدة مازالت مقامة إلى أجل غير مسمى،
انسحبت كنزي بهدوء من جوار أخيها الذي قد غفا بعد ليلة طويلة من الأحداث تدثره بغطاء خفيف قبل أن تفعل هاتفه على الوضع الصامت وتخرج مغلقة باب الغرفة خلفها تجمع شعرها للأعلي بحركة نزقة وهي تخرج من منزلها عابرة نحو منزل أم ملاك الذي توقفت أمامه حافلة المدرسة فيخرج الصغار بصخب و كل واحد منهم مازال يحمل شطيرة يأكلها بنهم ومن خلفهم تخرج فرحة وهي تقول بعصبية " اخفضوا أصواتكم لن نوقظ الحي بصراخنا كل صباح " ابتسمت سما التي خرجت خلفها تقول " الحي حينا نفعل ما نريد، هل سنكبت صراخ الأطفال الذي يعبر عن سعادتهم لأجل مظاهر فارغة، إذا حاولت تلك السوداء مضايقتك ثانية سيكون علينا التصرف " ليأتيهما صوت كنزي الذي صاحبته بحة واضحة " من التي تضايق فرحة " نظرت لها فرحة بعبوس بينما وقفت كنزي تضرب كفها بكف صغار فرحة ماعدا إبراهيم الذي يصر أن يعامل كشاب ناضج وهنا ابنة طاهر ومحسن ابن أسمهان وطيف ورهف أختي ملاك لتجيبها تولين التي خرجت خلف رحيل وتولين الصغيرة تقول بغضب " مالكة المنزل الذي بنهاية الحي، جاءت لفرحة لتطلب منها أن تحجم إزعاج الصغار، وحين تعاملت معها فرحة ببساطة كان ردها قمة في التعجرف " هزت تولين رأسها لكنزي التي أدركت أن تلك المرأة عاملت فرحة بتعالي جرحها لتقول تولين الصغيرة بحقد " لقد علمنا ما حدث وسنذهب لنقذف عليها وابل من البيض حين نعود من المدرسة اليوم فليس لدينا تدريب " شهقت تولين ثم سألتها بحزم " هل هذا ما كنت تخططين له مع الاطفال بالأمس " ضيقت تولين الصغيرة عينيها تحاول أن تستشف رد فعلها وهي تقول " رحيل ستشاركني " نظرت تولين لرحيل التي توترت تحرك عينيها بينهما بعجز لتقول تولين بحزم " لن يشارك أحد في هذا، أنا سأذهب لأحل الأمر، أمور الكبار للكبار والصغار لديهم مدرسة " انحنت تقبل الفتاتين اللتان أسرعتا نحو الحافلة ليجلسا في مقعدين متجاورين ثم بدأت تولين تحدث رحيل التي كانت تستمع لها بطاعة وصمت فقالت تولين " لقد تعبت من هذا الوضع، أخاف على تولين من تهورها وعلى رحيل من طاعتها العمياء " قالت كنزي وهي تتحرك نحو فرحة تسحبها للداخل " سأظل كلما رأيتهما أسأل عن سرهما إنهما التناقض حين يجتمع على قلب رجل واحد " ضحكت سما فيما أكملت كنزي قائلة لفرحة " إذا صدر من تلك المرأة تجاهك أي شيء قد يضايقكك اعملي بنصيحة تلك القصيرة واقذفي في وجهها كل ما يحويه المبرد من بيض فلا ينقصنا سماجة، حياتنا لا تحتمل " ضحكت تولين وهي تتقدم تجاه الطاولة العامرة تسحب مقعدها وتقول " حتى الآن لا أعلم من أين تأتي بأفكارها، تصيبني بالصدمة كلما استمعت لخطة جديدة قد أعدتها لأحدهم " جلست فرحة وهي تقول مبتسمة " الطيب أفضل، ثم هل تعلمين كم أصبح سعر البيضة الواحدة، الأمر لا يستحق " قالت سما " صدقت والله، بدلآ من أن نقذفها به نصنع قالب من الكيك لساعات العصاري ونتسامر، لا شيء يستحق فعلآ " خرجت ملاك العابسة من المطبخ تحمل باقي الأطباق وهي تسأل " ألن ننتظر سارة " أجابتها كنزي بخفوت " لقد رحلت مع عمر وربما تتناول الفطور مع سلطان، اجلسي أنت وحدثيني عن العمل الذي ذهبت لإنجازه بالأمس " وضعت ملاك الأطباق وهي تنظر تجاه المطبخ بفزع وتقول " ليس الأن كنزي، سأخبرك بكل شيء والدتي قادمة " لم تكد تنهي حديثها حين تعالى طرق على الباب فأسرعت فرحة لتفتحه لتجد سيد يقول لها باستعجال وقد ظهر عليه الفزع" أنا ذاهب للحارة فسلطان اشتبك في عراك، وعمر مصاب …..قاطعته كنزي التي فتحت الباب على مصرعيه فجأة تسأله بهلع تمكن منها " ماذا حدث لأخي، هل قتلوه هو أيضا ...عمر لا ...سأذهب لأوقظ مؤيد " سارع سيد يقول " لا تقلقي ف...قاطعه بشر الذي خرج مسرعآ يحمل هاتفه بيده يناديه " سيد هيا بنا " تحركت تولين نحو بشر تسأله بقلق " ماذا يحدث " لمها بذراعه قائلآ " لا أعلم التفاصيل بعد لكن بمجرد وصولي سأطمئنك، لا خروج لواحدة منكن اليوم حتى نرى إلى ماذا سينتهي هذا الأمر "هزت رأسها بطاعة ليظهر مؤيد يسرع بضياع ناحية سيارته وهو يسأل بشر " ماذا حدث ...هل أخي بخير " أجابه سيد الذي لمح زوجته وهي تساعد سما للتحرك نحو منزلها لتوقظ زوجها " ياقوت هاتفني وقال لي أن رجال الحارة وسلطان اشتبكوا مع بعض الرجال ذوي السيارات الفارهة لتعديهم على عمر وسارة وشاب آخر لا يعرفه " قال مؤيد وهو يجلس خلف عجلة القيادة " سترك يا رب " ليجاوره بشر ويركب سيد بالمقعد الخلفي وينطلقوا، فيما اقتربت سمراء وأسمهان التي تسأل بهلع " ماذا حدث مجددآ، لا حول ولا قوه إلا بالله" سألتها تولين " كيف عرفتما " أجابتها سمراء " بشر طلب من ليل وفخر الذهاب معه لأجل عمر فظهور العزايزة في المشهد قد يجعل الشافعية تتراجع عن جنونها حتى يتدخل الشيخ عبد الرحمن " تحركت تولين تضم كنزي التي ترتجف وهي تقول" إذكري الله وكل شيء سيكون بخير، الأمور ستحسم في أقرب وقت، العزايزه سيتدخلون والشرطة لن تمرر تلك النزاعات العلنية في النهاية هذا يهدد الأمن العام " أغمضت كنزي عينيها تبكي بحرقة وألم وهي تقول " كم أخشى من القادم " اقتربت منها ملاك تقول بخفوت " لن يأتينا سوى الخير، الله كريم بعباده، اهدئي واذكري الله لن يصيب عمر إلا العافية " اقتربت منها سمراء تدعمها قائلة " انظري ها هو ليل وفخر سيلحقان بهم " قالت تولين التي تنظر لحذيفة الذي يتبع فخر وليل " وحذيفة أيضا، دعونا ندخل لأن الفطور سيبرد، لنأكل الآن وندعنا من القلق والتوتر النفسي الذي نحياه منذ الأمس " في تلك اللحظة كان طاهر يسرع تجاه سيارة ليل يفتح الباب المجاور لحذيفة وهو يقول لليل " أسرع تجاه مشفى مؤمن أنهم جميعا هناك "
……….
دخلت الفتيات جميعآ يجلسن حول المائدة لتقول أسمهان محاولة تبديد التوتر المحاوط لهم "مخبوزات أم ملاك تملأ الحي برائحتها الشهية، سلمت يداها " أجابتها ملاك بتوتر " والدتي حين علمت بما حدث، دخلت لتصلي وتدعوا الله بصلاح الحال، إن شاء الله كل شيء سيكون بخير، دعوة والدتي لها العجب " قالت سما " صدقت والله يا ملاك، أرأيت يا كنزي جميعنا ندعو لك لذلك لا تقلقي فالله لن يدع السوء ليقترب من إخوتك أبدآ " حملت فرحة طبق تضع به عدة أصناف ثم وضعته أمام كنزي وهي تقول " الصيام عن الأكل لن يحل شيء، فلتأكلي بعض اللقيمات " سحبت تولين الطبق تقول بمرح " سأطعمها بنفسي، حضري لنا طبقآ آخر " أشارت فرحة على عينيها وهي تقول " من عيناي " صبت أسمهان فنجان من الشاي وهي تتنهد قائلة " لو لم يكن لدي عمل مهم اليوم لبقيت معكن لكن مع غياب الشباب علي التواجد لكني لن أتأخر " لتقول سمراء " وأنا أيضا لكن بمجرد أن ينتهي الاجتماع سأعود، هل يوجد قهوة " اندفعت ملاك تجاه المطبخ تحضر القهوة لتقول سمراء " كنزي ابقي قوية، لا يرسل الله المعارك إلا لعباده المحاربين، أليس كذلك " هزت كنزي رأسها تقول بإيمان " ونعم بالله، اللهم لا تفجعني في أحب الناس إلي " تعالى طرق على باب المنزل جعل وجوههن تشحب من التوتر لكن لم تظهر واحدة منهن ذلك لكنزي حيث تحركت فرحة وهي تقول بمرح " لعلها المرأة السوداء جاءت لتوبخني مجددآ " ثم فتحت الباب ببشاشة لتجد ثلاثة سيارات شرطة تقف أمام منزل كنزي بالجهة المقابلة فيما تتحرك فرقة أمنية تجاهها يرأسها شاب أيقنت أنه ضابط شرطة قال بلباقة " السلام عليكم" أجابته وخفقات قلبها قد بلغت الذروة " وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته، كيف أستطيع خدمتك " سألها الضابط وهو يشير نحو منزل كنزي " أنت جارة الآنسة كنزي الجوهري "
لم تجيبه بل انسحبت إلى الداخل بسرعة أمام أنظار فارس الذي يعاني من ضغط أوامر مشددة جعلته يأتي مندفعآ إلى هنا رغم يقينه أن هناك فخ ينصب للجميع، لتظهر أمامه سمراء ومن خلفها وجوه تعرف عليها جيدآ تقول بدهشة " سيد فارس ...ما الأمر " أجابها فارس بحرج " أسف على الازعاج ...ولا أعرف ماذا أقول لكني مضطر أن ألقي القبض على٣ الآنسة كنزي " نظرت الفتيات لبعضهن بفزع فيما سألته سمراء " بأي تهمة ...الفتاة تعرضت لاعتداء منذ ساعات وكان يتوجب علينا إبلاغ الشرطة لكنها كانت تخضع للرقابة الطبية وهذا ما أخرنا قليلا، لذلك أي بلاغ بالتعدي قد وصل إلى سيادتك فهو حتمآ بلاغ كيدي ويمكننا تأكيد ذلك لك ف...قاطعها فارس قائلا " مدام سمراء الأمر أكبر من ذلك بكثير، فالأنسة وحارسها الخاص متهمين بجريمتي قتل من الدرجة الأولى " صاحت تولين بغضب " هي لم تقتل أحد ...بل هم من تعدوا عليها " أجابها بتفهم للموقف " ليس هذا ما قاله عابد الشافعي الذي تقدم بالبلاغ و الذي يوجد اثنين من رجاله بالمشرحة وقد قتلا رميا بالرصاص، أعتذر جدآ عما سأضطر لفعله لكن عملي يحتم علي القبض على الآنسة كنزي " عم الصمت لوهلة قبل أن تقطعه سمراء قائلة " تحت أمرك، لكن اسمح لي أن أتبعك أنا وكنزي بسيارتي الخاصة، فأظنك تدرك أن بالأمر مكيدة وصعود كنزي إلى سيارة الشرطة ثم وضعها خلف القضبان هو الهدف " هز فارس رأسه قائلا " سأنتظركما " ثم انسحب مبتعدا لتغلق سمراء الباب وتستند عليه وهي تنظر لكنزي التي لم تستطع التحرك كأنما جمدتها الصدمة.
_________________

لن أعترف أبدآ أنه ما خذلني سوى نفسي التي أبت،ووضيقت علي فيض أفكاري الحصار وتعنتت، وأطلقت لدواخلي العنان فانقدت حيث أهوائي في الجموح تفننت، لن أعترف أني من سلمت لتلك البؤرة السوداء التي بداخلي توغلت.
………….

يقود سيارته عائدآ من سهرته الصاخبة وعلى شفتيه ابتسامة
مسترخية، هواء الصباح البارد يداعب ملامحه الساهمة في المشهد العجيب أمامه حيث الشمس قد نثرت أشعتها الذهبية على الموج الأزرق الذي لا ينتهي حيثما تنتهي سطوة البصر، والطريق الممتد أمامه خاليآ يشعره بالانطلاق فزاد سرعته إلى مستوى جنوني وهو يفتح النافذة أكثر لينفذ منها الهواء بقوة حتى شعر أنه تخلله وطفا بروحه بعيدآ عازلا إياه عن العالم إلى آخر موازي لا يحوي على منطق أو واقع يحمل بين طياته حقائق مؤلمة، ضغط مشغل الأغاني بالسيارة لينطلق لحن غربي أخذ يجاريه وهو يدندن محركآ أصابعه على عجلة القيادة بانسجام ليعلو رنين هاتفه دافعآ إياه ليستفيق و يخفض صوت الموسيقى قبل أن يلتقط هاتفه ظناطآ منه أنها بهية سوف تسأله عن موعد قدومه ليجده رقم غريب فأجاب " منذر العزايزي ...من معي " أتاه صوت بارد آلي دفع بقشعريرة فزع إلي جسده " سيد منذر هنا مشفى الساحل الدولية ...زوجة سيادتك دخلت الطوارئ منذ قليل وطلبت منا التواصل معك لتأتي إليها لأن حالتها حرجة " انقبض قلب منذر بقوة وتوسعت عيناه وهو يسأل بعنف " ماذا حدث لها ...هل هي بخير، ما حالتها الصحية " أجابه محدثه بهدوء أجج مراجل غضبه " سيدي أنا لست الجانب المختص بالإجابة عن هذا السؤال، مهنتي تلزمني بالتواصل مع ذوي المرضى فقط، لكن أؤكد لك أنه بمجرد وصولك سيكون طبيب زوجتك المختص في انتظارك للإجابة على كافة استفساراتك، صاحبتك السلامة " أغلق الخط بلا مقدمات ليشعر منذر أنه يهويطى من أبعد مدى للنشوة لينتهي أمره في عمق سحيق من التيه، ضم قبضته بغضب وصار يضرب بها مقدمة السيارة وهو يتذكر بهية التي حاولت أن تفسر له خوفها من المناوبات الليلية وبدلآ من تفهمها ظل يدفع بها لتتماسك وتؤدي عملها كما يتطلب منها غيرعابئ بهشاشتها التي أدركها جيدآ على مر الشهور الماضية، تلك الرقيقة الدافئة خذلها كما فعل من قبل ...ظهرت عيون أسمهان ذات النظرات المطعونة في صميمها أمامه لتنقطع أنفاسه للحظة وتتهدل كتفاه بأسى وتنقبض كفيه على عجلة القيادة ينطلق بجنون تجاه المشفى.
…………
المسافات كان تأبى ألا تتلاشى وتصل به إلى وجهته لكن بعد دقائق استعصىث عليه عدها كانت سيارته تعبر بوابة المشفى نحو مدخل الطواريء بسرعة جعلت اثنين من رجال الأمن يتبعونه يقول أحدهما " سيدي ممنوع دخول السيارات من هذه البوابة ….هذا المدخل لحالات الطوارئ فقط " قذف منذر مفاتيح السيارة تجاهه وهو يقول " زوجتي بالداخل " التقط رجل الأمن المفاتيح وركب خلف عجلة القيادة محركا السيارة تجاه المكان المخصص لوقوف السيارات فيما اندفع منذر بسرعة إلى المدخل يوقف ممرضة قائلآ بفزع " لقد هاتفتني المشفى لأن زوجتي بالطوارئ، أين يمكنني إيجادها " أشارت له الممرضة وهي تتحرك " اسأل بتلك الغرفة " اندفع منذر تجاه الغرفة التي كانت تضج بالحركة واقترب من شاب يجلس خلف جهاز حاسوب وقال له وهو ينهت " زوجتي ...لقد هاتفتني المشفى من أجل زوجتي " سارع الشاب يسأله " اسمها من فضلك " أجابه منذر وهو ينحني مستندآ بكفيه على طرف المكتب " بهية العزايزي " نظر الشاب أمامه عاقدآ لحاجبيه قبل أن يقول " لا يوجد لدينا حالة بهذا الاسم " صرخ به منذر " كيف لا يوجد لديك ..أنا أريد أن أطمئن على زوجتي حالآ " اقتربت طبيبة تقول " بما أن المشفى هنا قد تواصلت معه إذا هناك من أعطى بياناته، ابحث عن اسمه فمن الوارد أن يكون الأطباء اكتفوا ببعض المعلومات عن إحدى ذوي المريضة إلى حين التعامل مع حالتها " سارع منذر يقول " اسمي منذر العزايزي " أدخل الشاب اسمه ليقول بسرعة زوجة سيادتك في غرفة الفحص الثامنة ...هل يمكنك إيصاله أيتها الطبيبة " أجابته وهي تتحرك " بالطبع لا مشكلة " تبعها منذر والقلق الذي ينهش قلبه يتضخم حتى أطبق على صدره مهددآ إياه بالاختناق، توقف ملتقطآ أنفاسه خلف الطبيبة التي قالت له " هذه هي غرفة الفحص " هم بالتقدم لكنه توقف حين خرج الطبيب من الغرفة مغلقآ الباب من خلفه فقالت له الطبية " السيد منذر زوج الحالة يريد أن يطمئن عليها ويعرف تفاصيل الحالة " اقترب الطبيب يصافح منذر الذي سارع يسأله " ماذا حدث لها " ابتعدت الطبيبة حرصآ منها عليطى منحهما بعض الخصوصية ليقول الطبيب " الحالة الآن مستقرة الحمد لله، لكن إذا استمرت المدام في استهتارها بصحتها وصحة الجنين قد تتعرض للإجهاض في أي وقت ...يمكنك الاطمئنان عليها وبعدها سأنتظرك في غرفتي الخاصة لأبلغك عن المدة التي ستبقى بها السيدة معنا والعلاج الذي ستلتزم به الشهور القادمة" لم يجبه منذر الذي تمكنت منه صدمة أفقدته النطق، انسحب الطبيب ليشعر منذر بدوار عنيف يلفه وهو يفكر أن كل شيء يسير في الطريق المعاكس له، يسير بسرعة لا تساعده إطلاقآ على التعافي مما يعتريه، فراق لأسمهان ..زواجه ببهية ….والآن طفل يسارع بالقدوم، استند على مقبض الباب يحاول التوازن لينفتح الباب أيضآ سريعآ دافعآ إياه للتقدم للداخل وهو يغلقه من خلفه وقد نضبت الكلمات التي قد يحتاج إليها في مثل ذلك الموقف لكن الشعر الذهبي لذلك الجسد الأنثوي المتكوم بوضع الجنين جعله يتراجع للخلف خطوة لكنها لم تمهله الفرصة أكثر لإدراك ما يحدث وهي تستدير إليه بعيون متورمة من شدة البكاء وتقول " طفلنا كان سيموت يا منذر ...أسألك بالله أن تعود إلي فلا تتخلى عني أو عنه " توسعت أعين منذر بغضب وهدر بها " إلى أين أوصلك جنونك بملاحقتي جيلان، هل تظنين أن ألاعيبك ستنطلي علي مجددآ " تحركت نحوه فظهر بروز بطنها الضعيف وهي تقول " أنت هكذا تظلمني وتحكم علي بالموت، أبي إن علم بما جمعنا وبحملي سيقتلني، فأنا لم أتزوج قبلك
وغامرت حين ارتبطت بك وكلي أمل أن إصرارك على ارتباطنا السري ما هو إلا نتاج جرح سأستطيع أن أداويه وبعدها سنغدو معآ في العلن " هدر بها منذر " أنا لم أخدعك كما فعلت أنت حين أوهمتني أن زواجنا الخالي من الوعود لن يواجه مشاكل ….لأكتشف أنك تسعين لتوريطي في ارتباط دائم " انزلقت تسقط تحت قدميه وهي تتمسك بساقيه وتقول " سوف أقبل قدمك إن شئت لكن لا تدعني أواجه ذلك المصير، والدي رجل لا يتفاهم ...سوف يقتلني بلا تفكير وسيقتل ابنك الذي بداخلي، سيعاملني معاملة لا تنالها سوى معدومات الشرف وسينظر إلى ابنك أنه طفل أتى نتاج علاقة آثمة " نفضها منذر بعيدآ عن ساقيه وقال بحدة " هذه الخدعة لن تنطلي علي، أنا لا علاقة لي بذلك الشيء الذي تحملينه، ولن أسمح لك بتوريطي وحذاري أن تحاولي الاقتراب مني مجددا وإلا لا تلومي سوى نفسك يا إبنة خليل الحطاب " أسرع منذر مغادرآ الغرفه يسارع بالفرار تاركآ خلفه أنثى قد تصدع أخر حاجز يتحامل عليه كبريائها الذي سقط متهشمآ إلى شظايا تناثرت لتخترق قلبها المثقل بعشق موجع جعلها ترفع عينيها تجاه الباب بغضب وهي تقسم أنها إن ماتت لن تموت بمفردها وان عاشت لن تكون وحدها من يتحمل العواقب.
_________________
أما بعد….
فأنا من أطاحت به الأقدار فقد بعد فقد، ودمرته الحقائق التي انقشعت عنها الغيوم دون قصد، واهلكته التجارب ومثلت بروحه مرات ومرات لا تعد.
……….
سائر بسكونه الظاهري الذي لا يعكس الدمار الذي يضرب داخله، الأفكار كحقل ألغام لا يتوانى عن القفز إليه بمنتهى الغباء ليمزقه إربآ من شدة ما يحويه من إيلام يتفشى بروحه التي لا سبيل لها لتبرأ من الماضي، قلبه الذي أصابه الوهن والعلة يغوص في خواء مقفر يبحث عن دفيء محال أن يصل إليه وجسده الصامد يحاول التأقلم مع واقع أسود تورط به، كله مشتت لا شيء فيه قد اتفق، فالعقل في صراع والقلب في صراع والروح هائمة والجسد خاوي،
ثم ماذا بعد ...سأل رائف نفسه بصمت عن القادم الذي أصبح لا يملك حق اختياره، عن الحياة التي تتسرب من بين يديه مع كل شروق جديد للشمس ولا يستطيع أن يحياها ثم عن الورطة التي أوقع بها نفسه اليوم والتي ستفاقم متاعبه التي تكفيه وتزيد.
نظر حوله إلى أركان مدخل البناية التي لا يذكر متى وصل إليها وأسرع نحو المصعد محاولآ تهيئة نفسه لما ينتظره خلف باب تلك الشقة التي اقترب منها وهو يخرج المفتاح من جيبه ثم ولج إليها يتحرك بخفة باحثآ عن مرافقه الذي اختفى من أول لحظة لكسره الأوامر وإنقاذ تلك الفتاة، ستائر الشرفة التي يحركها الهواء جعلته يتحرك ناحيتها ليأتيه الصوت الحاد" أخيرآ أتيت، لم الاستعجال، كان يمكنك ألا تعود اليوم " سأله رائف بسخرية " إلى أين سأذهب، بديهي سأعود ما دمت عالق في تلك الدائرة " ابتسم الواقف أمامه بسخرية مبطنة بغضب شديد وقال " تتحدث كأنك ما سعيت نحو ذلك، كأنه هناك من دفع بك إلى السيد قصرآ " زفر رائف بتعب وقال " لما لا تفضي بما لديك بدلآ من استخدام ذلك الأسلوب الملتوي " هاج الواقف أمامه يسأله بغضب " أين كان عقلك حين فعلت ما فعلته وتدخلت في أمر قد يضعنا تحت الأعين كاشفآ لهويتنا، مدمرآ لمهمتنا " أجابه رائف بحده " ألم تر بعينيك الفتاة، إنها ضحية، صغيرة وخائفة من مجرد السير في شارع مزدحم بالبشر في وضح النهار، كيف تظن أني قد أستطيع رؤيتها تقع بين أيدي هؤلاء المرتزقة مدركآ ما سيؤول إليه مصيرها وأقف لأشاهد "اقترب منه محدثه ينظر لعينيه بتجبر قائلآ "أنت لم تعد تملك حرية إختيار قراراتك، أنت هنا لأجل أمر يجب عليك تنفيذه، تلك الفتاة لا تعنيني، ما سيحدث لها لا يعنيني، لكن مهمتي يجب أن تنفذ وبطريقة لا تسبب لنا المشاكل " نظر له رائف بازدراء وقال " هل مهمتك هذه ما جمدت في أوصالك دماء الرجال، ربما أنا لم أعد أملك حرية الخيار في التحرر من هذا الجنون لكن ستظل دمائي الحارة ترفض كل فعل مؤذي قد يطول شخص بريء خاصة لو وصل الأمر لإهدار الشرف " أمسكه الواقف أمامه من تلابيبه بقوة وقال له بوجه ينذر بالشر " اسمعني رائف جيدآ لأني في العمل لا أتهاون وحقآ أصبح مؤذي لأبعد حد، أنت الآن تحت امرتي إخفاقك سأحاسب عليه وهذا ما لن أسمح بحدوثه مهما حدث " نفض رائف كفه بحدة وقال " أسلوب التهديد لا يجدي معي، جد غيره وإلا أنت من سيتعب، ولينتهي هذا الحديث أنا سأنفذ الأوامر بطريقة أبسط كثيرآ مما تتخيلها ويمكننا العودة للوطن خلال أيام لكن بطريقتي " صمت الواقف أمامه يناظره برفض ثم سأله بفحيح " وماهي طريقتك أيها المستجد " أجابه رائف بصوت قوي قاطع " لن أغادر بدون الفتاة قدمها على قدمي، تأخذون أنتم ما تريدون وتعود هي لوطنها " ابتسم محدثه باستخفاف وقال " أنت هكذا تُعجّل بموتك، مازلت لا تدرك قوانين السيد، غباء منك أن تورط نفسك في مشكلة من أجل فتاة لا تعرفها لكن إذا كنت مصرآ لن أمنعك ومن الليلة سأرفع يدي عنك وأبلغ السيد بذلك ".
لم يجبه رائف الذي بقى على وقفته متحفزآ صامتآ ليكمل الآخر " سأخرج للتقصي عن الأحوال في الخارج بعد إحباطك محاولة اختطاف الفتاة اليوم وحين أعود أريد منك اجابة واضحة فإما معكم وإما عليكم وحينها سأقول لك وداعآ"
أنهى حديثه وتحرك يسحب سترته الزرقاء الأنيقة المعلقة على ظهر أحد المقاعد وخرج مغلقآ الباب خلفه بحدة، فسقط رائف جالسآ غارقآ بالتفكير في حل لتلك المعضلة، ليهتز بجيبه الهاتف الذي اقتناه منذ ساعات قليلة فأخرجه ينظر له بغضب وعجز والرقم الوحيد المسجل عليه يظهر أمامه يطالبه بالرد الذي يشعر أنه لا يقوى عليه في الوقت الحالي ورغم ذلك أجاب " السلام عليكم " ليأتيه صوتها غاضب به بحة بكاء كأن هذا ما كان ينقصه، تقول " وعليكم السلام والرحمة سيد رائف، أنا هاتفتك فقط لأسألك عن سبب شرائك هذا الهاتف لي أيمكنك شرح الأمر، لأن لو غرضك المساعدة فهذا لم يحدث وأنا لن أقبل بذلك " مرر رائف كفه على وجهه بخشونة لم تظهر في صوته الذي قال لها " لن تقبلين بماذا تحديدآ، أنت أخبرتني أنه ليس لديك هاتف فأحضرت لك واحدآ لعلك تستطيعين التواصل مع أي شخص من عائلتك، الأمر لايستدعي البكاء " أجابته بحدة " أنا لا أبكي، لكن هذه المساعدة لم تسفر عن شيء إذ أني لا أملك رقم الأشخاص الذين أستطيع اللجوء إليهم، أنت تحاول التملص من مساعدتي أنا أتفهم ذلك، لكن صدقني شراءك لهذا الهاتف لن يريح ضميرك حين يصيبني مكروه " زفر بضيق وهو يقول " لن يصيبك مكروه اطمئني، أنا كنت أحاول طمأنتك بوجود هاتف بين يديك، حتى لو لم تستطيعين التواصل مع أهلك، ربما تحتاجينه لطلب النجدة إذا حدث معك أي شيء مريب هذا طبعآ مع الالتزام بالتعليمات التي أعطيتها لك " بكت أصالة بحرقة استشعرها رغم أنها جاهدت لتخفي اهتزاز صوتها حين قالت " أنت تتخلى عني " أغمض رائف عينيه وقد مس سؤالها كل الأوتار الحساسة التي يجب ألا تُمس، فعم الصمت قبل أن بجيبها " لن أفعل، لكني أحتاج بعض الوقت لأستطيع تقييم الموقف فهل تسمحين لي " صدمته بقولها " لا لن أسمح لك، فتقيمك للموقف قد يسفر عن قرارك بالعدول عن مساعدتي ...وهذا لن أقبل به " احتد صوت رائف وهو يقول " ما شاء الله، الآن صرت لا تقبلين، ولا تسمحين ...أين كانت صرامتك هذه حين ورطك أخيك اللعين في هذا الوضع الشائك " أنهى رائف حديثه وهو يتنفس بقوة وغضب لكنها لم تجب، صوت أنفاسها المهتزة كان يصله بوضوح لكن بصمت لم تحاول كسره فقال بقلة حيلة " أصالة أنا ….لم تدع له الفرصة وهي تغلق الهاتف في وجهه بحركة صدمته أكثر، فوقف يدور حول نفسه محاولآ الاتصال بها مرة تلو الأخرى لكنها لم تٌجب، فتحرك تجاه غرفته بعنف يبدل ملابسه وحين تعدت اتصالاته عليها العشرون اتصال جلس على حافة السرير وكتب لها بغضب " قمة التواقح أن تغلقي الهاتف في وجه شخص تطلبين منه المساعدة " ظل ينظر لشاشة الهاتف كأنه يريد إختراقها والوصول إليها ليجبرها على الرد عليه، لتمر الدقائق بلا بادرة منها علي أنها ستجيبه، أراح جسده على السرير واضعآ ذراعه تحت رأسه وعينيه معلقة بالسقف وذراعه المستريح بجانبه مطبق الكف على الهاتف الذي اهتز بعد مدة ينبيء بوصول رسالة، فرفع الهاتف إلى مستوى عينيه يقرأ رسالتها " بل قمة التواقح أن تسخر من مَصاب شخص لجأ إليك، على كل حال إلى هنا وانتهى ولن أسمح بالمزيد سيد رائف " عقد حاجبيه يراسلها بجدية " ماذا يعني هذا " أجابته فورآ " لو كنت مهتم كنت ستدرك وحدك، لكنك أوضحت بما لا يقبل الشك عدم اهتمامك، أنا لا أحتاج إليك وسأتصرف بمشكلتي وحدي " اعتدل بعصبية يحدث نفسه بغضب قائلآ " ماذا يعني ذلك ...على ماذا تنوي " عاد لمهاتفتها لكنها لم تّجبْ فراسلها لكنها تجاهلت رسائله دافعة إياه للإسراع بارتداء ملابسه وهو كالثور الهائج يتحرك نحو المكان التي تسكن به.
_________________

دمتم كما أنتم ولا نبالي بأسبابكم ولا نبالي بأسمائكم ، ولا نبالي بأفكاركم فنحن من رسخنا فكرة كونكم ونحن من قررنا أن ننهي أمركم، أن نلوح بالوداع لظهوركم ، فلتعذرنا وجوهكم مَقتْناها لكثرة نفاقكم.
الآن حانت اللحظة لنوضح أن يوما لم نكن خلفكم، لكننا تواضعنا فتجاسرتم بأحلامكم
__________
قمة القسوة أن تدفعك عثرات الحياة للشعور بعجزك، لإدراك قلة حيلتك التي ستظل رفيقتك مهما بلغت من سلطة وسطوة ومال، أن تشعر أن كل ما فيك يخدعك بقوة كاذبة، أن تتيقن أن ذكائك يخونك وفراستك تتوارى منسحبة تاركة إياك لتواجه العالم مجردآ من كل شيء، كان هذا شعور مؤيد الذي ينطلق بسرعة جنونية جمدت الدماء بأوصال الجالسان معه بالسيارة لكن لم يعترض أحد منهما متفهمان لقلقه على أخيه والضغط الذي يتعرض له منذ الأمس، ليتنفس الجميع الصعداء حين وصلوا للمشفى فترجل مؤيد بسرعة ليتبعه بشر وسيد في نفس اللحظة التي وصلت بها سيارة ليل فيترجل منها الشباب مسرعيين يعدون عدوآ إلى الداخل.

بالداخل…..

كان سلطان كمارد غاضب أطلق سراحه فما عاد هناك سبيل للسيطرة عليه يقف في مواجهة شاهين الذي كان مرهق لأبعد حد، مثقل بكل ما يحدث حوله، يحتاج إلى وقت مستقطع ليستعيد توازنه ورغم ذلك يقف كند لا يستهان به في مواجهة سلطان الذي هدر به " هل كنت تعلم أنك مرصود ورغم ذلك، تبعت عمر الذي كان يرافق نساء عرضتهم للخطر " رد شاهين العنف بعنف وهو يقول " من أين سأعلم ولماذا سأعرضه لما حدث، أنت من يرفض إدراك أبعاد الموقف" دفعه سلطان محيطآ عنقه بكف واحدة حتى التصق بالحائط وهو يقول " لأنك لست رجل بما يكفي لتعترف أنك المتسبب في هذه الكارثة، فمؤكد هؤلاء القتلة لم يرصدوا سيارة رجل لا يجمعهم به شيء إلا لأنك تبعت السيارة وعرضت عمر ومن معه للخطر " حاول شاهين أن يتملص من قبضة سلطان لكنه واجه صعوبة وقد خارت قواه، فدفع ذراعه من الأسفل نحو ذراع سلطان بحركة شهيرة في مجال الدفاع عن النفس ليفلته سلطان قصرآ وقال " كنت أظن أني تخلصت منهم، لماذا تظن أني سأقصد تعريض أختك للخطر " هجم عليه سلطان يثبته من ملابسه التي تمزقت ثم دفع رأسه ناحيته ينطحه بقوة جعلت دوار عنيف يلف شاهين بينما يستمع لصراخ سلطان " لا تحاول أن تشر نحوها بالحديث حتى، أيها الوغد عديم الرجولة " فارت الدماء بعروق شاهين الذي هجم عليه وهو يقول " اخرس " فاقترب مؤمن مسرعآ وخلفه بعض رجال الأمن يقول بصرامة " توقفا عن تلك الهمجية الآن، وإلا سأطلب من الأمن أن يتدخل " التفتا إليه الاثنان بعيون تبرق بالغضب رغم أنهما يأخذان وضعية الاشتباك فقال مؤمن بغضب " لدي حالات لأهتم بها، أم أتركها وأتفرغ لفض نزاعكما " في تلك اللحظة كان مؤيد قد وصل يعدو حتى توقف أمامهم يسأل بهلع " ماذا حدث، هل عمر وسارة بخير " دفع سلطان شاهين عنه بقوة كادت أن تسقطه أرضآ لولا تدخل سيد السريع الذي تلقفه وهو يقول " اسأل ذلك الوغد، لقد كان يتبع أخيك ومن خلفه يتبعه قتلة يريدون التخلص منه حتى نصبوا لهم فخ محكم بالشارع الخارجي للحارة، ولولا وصولي ورجال الحارة كان هناك رصاصة ستستقر في منتصف جبهته وعمر يليه هذا غير الذي حدث لسارة والذي رغم ما فعلته بهؤلاء الرجال لم تنطفيء ناري منه بعد " كان ليل وحذيفة وفخر وطاهر قد وصلا فقال مؤمن " عمر وسارة يحتاجان للعناية وأنا لن أترك واجبي لأحل نزاعات، من فضلكم تصرفوا في هذا الوضع"
سارع بشر تجاه مؤمن ليفهم منه حالة سارة وعمر فيما نظر مؤيد لشاهين بغضب وامسكه من تلابيب قميصه الممزق يقول" لم تكتفي بما حدث لكنزي التي نجت من الموت بأعجوبة منذ ساعات، فأوصلت هؤلاء الأوغاد ليأخذوا بثأرهم من أخي " رفع شاهين ذراعيه كأنه يخبر مؤيد أنه لن يشتبك معه وقد استنفرت عضلاته وقال " لقد كنت قادم إليك، رأيت عمر يركب السيارة فظننت أنك معه، أنا تخلصت من كلاب الشافعية الذين كانوا يتبعوني قبل الاقتراب من هذا المكان، أنتم كنتم المرصودون لا أنا وهذا ما يجب أن تدركه" هزه مؤيد بعنف وهو يقول " بسبب من نتعرض لكل هذا، أليس بطشك الذي لا نهاية له ...الشافعية ثارت لأنك قتلت أحد أبنائهم لانتقام أسود مهما سعيت لنهايته لن ينتهي "
توجهت الأنظار جميعها نحو شاهين بغضب ليمسك بساعد مؤيد بقوة يرجوه تفهما وتصديقا وقال " أنا لم أقتل أحد، لم أفعلها ….إنها مكيدة من عابد الشافعي لكي تشتعل النيران التي قد خفتت بعد الصلح الذي سعيت إليه، لقد أثرت حفيظته حين هدأت الأجواء فجأة بيننا وبينهم فخطط ودبر حتى أسقط نصار وزكريا في فخه وحدث ما حدث " سأله مؤيد " من الذي قتل " أجابه شاهين بصدق نفذ إلى روحه " نصار كان يحمي ظهري من طعنة غادرة فقتل الشاب، وحين علمت من أبي ما حدث لتلك التي مازلت تتمسك بها حتى أوشكت أن تخسرنا جميعآ، جئت إليك لأني لست مستعداً لخسارتك بعد " اقترب منهما ليل يفرقهما عن بعضهما وهو يقول " لنهدأ ...والحمد لله أن عمر والبقية بخير" تحرك سيد تجاه سلطان يقول " الحمد لله يا سلطان، اذكر الله واهدأ " جلس سلطان على مقعد جانبي يحني رأسه للأسفل فاقترب منه طاهر يسأله " هل سارة بخير " رفع سلطان وجهه الحزين رغم جموده يجيب طاهر " لقد فقدت وعيها بين ذراعي، إنها لا تبدو بخير أبدآ، مكدومة بشكل جعلني أكاد لا أرى أمامي وأنا أطيح بهؤلاء الأوغاد، هناك جرح قطعي بجبهتها و…..صمت سلطان وقد ظهر عرق نافر بقوة في جبهته ليناظر مؤيد شاهين بغضب وخيبة وهو يبتعد عنه كأنه يعلن القطيعة والتخلي في تلك الحركة واقترب من سلطان يقول " ستكون بخير إن شاء الله، إنها قوية تربيتك التي ندركها جيدآ ...اطمئن " ثم ربت على كتفه ليقول حذيفة " سأذهب لأطمئمن من مؤمن فبشر تأخر ولم يأتي بخبر ...خير باذن الله " اقترب فخر يقول لسلطان " أنسة سارة ليست مجرد فتاة يخشى عليها من بعض الكدمات، لقد أنقذت منذ ساعات نفسها وكنزي من الموت وعبرت من فخ نصب لهما ….سارع ليل يكمم فم أخيه وهو يناظره بغضب حين وقف سلطان ينظر بصدمة لطاهر ويسأله " أهناك ما حدث ولا أعلمه " حاول طاهر أن يجيبه بكلمات قد تبتلع غضبه تحت أعين شاهين التي تتابع الحديث باهتمام لكن اقتراب بشر الذي قال " سلطان سارة تريد رؤيتك " غير مسار الموقف، تحرك سلطان عابرآ بجوار بشر الذي ربت على كتفه وأخرج هاتفه ليطمئن تولين التي بمجرد أن أجابته كانت تنفجر في بكاء حاد يتخلله كلمات متقطعة جعلته ينظر لمؤيد بصدمة وهو يقول " ما بها كنزي ".
…………
وقف أمام باب الغرفة المفتوحة يشاهد مؤمن الذي يولي أخته رعاية فائقة ترافقه ممرضتان بينما حذيفة يقف لمتابعة ما يحدث باهتمام بالغ وهو يقول " سأذهب لأحضر لك شيء تأكلينه، فذلك الدوار يعود لقلة الأكل والنوم وشدة الإنهاك"
قال مؤمن الذي يدون بعض الملاحظات في ملف " فعلآ تحتاج للأكل والراحة وبعدها ستصبح بخير، المسكن الذي حقنت به يمكنك المداومة عليه لثلاثة أيام حتى يخف الألم، وهناك بعض الأدوية التي ستمنع التهاب جرحك وتساعد في سرعة التئامه كما ستخفف من تورم تلك الكدمات لكن بالمجمل أنت بخير " التفتت سارة تجاه سلطان الذي وقف على الباب تستشعر في وقفته قهر وغضب وقالت " هذا لأني صلبة، تربية سلطان العطار " تحرك حذيفة يقول بمرح " هذا ما قاله مؤيد ...سأذهب أنا لأحضر ما أخبرتك به " تحرك حذيفة بجوار سلطان وهمس له مطمئنا " لا داعي للقلق، إنها بخير" تنفس سلطان بقوة ارتفع لها صدره وأرخى عينيه بنظرة شاكرة لحذيفة الذي خرج من الغرفة تتبعه الممرضتان ليقول مؤمن " إن الآنسة بخير، ستبقى لدينا اليوم وغدآ يمكنها الرحيل " قال سلطان بصوت خرج مضغوطآ " مادامت بخير سنرحل الآن، فلا أحبذ فكرة بقائها بالمشفى، هذا إن لم يكن عليها ضرر " ابتسم له مؤمن بتفهم وقال " لا ضرر اطمئن، إن كانت هذه إرادتك فلا بأس " تحرك مؤمن خارج الغرفة فأغلق سلطان الباب من خلفه ووقف كالوتد بطوله وعرض منكبيه وقوة قبضتيه يتأمل أعظم إنجازاته وشعور بالإهمال يجلده على حالها لا يستطيع التقدم لأنه غاضب كالجحيم، ولا يستطيع البقاء بعيدآ لأنه قلق بشكل ينهش داخله ليتكلم أخيرا قائلا " لماذا أنا آخر من يعلم ما حدث معك، هل أنت بلا رجل يقف في وجه من أذاك لكي تغلقي الموضوع قبل أن يأتيك حقك " وضعت سارة كفيها تخفي وجهها وهي تسأله " من أخبرك " فأجابها بصلابة " هل هذا مهم " رفعت وجهها تنظر له وقالت " المهم لي هي ظنونك، هل ترى أني أنثى تشعر أنها بلا رجل يا سلطان لكي تظن أن هذا ما عناه صمتي " سألها بغضب " ما معناه إذآ " عبست قائلة " هل ستظل واقفآ عندك، هل نحن نتحدث أم نتشاجر يا سلطان ...وضح لي موقفك " اقترب منها أخيرآ مجيبا إياها بصمت عن سؤالها حتى أصبحت ساقيه ملاصقة لسريرها فقالت له " لست في حالة تسمح لي بخوض شجار معك قد ينتهي بي معلقة من قدمي فكلي يؤلمني يا سلطان " انحني نحوها وقد احمرت عينيه بشكل فزعها وقال " ألمتني ..حين تألمت في غيابي فلم أمنع عنك الألم، أشعرتني بالتقصير والإهمال، أشعرتني أني لست بقدر مسؤولية حمايتك " طفرت الدموع إلى عينيها التي لا تبكي بسهولة وقالت له " لم أقصد ...أنا فقط ...صمتت تزم شفتيها بقوة حتى غارت غمازتيها فنظر لها ثم قال " دعينا نغادر هذا المكان ...لا أطيق رؤيتك هنا ...جالسة على ذلك السرير " أسرعت تلبي مطلبه لعلها تخفف قليلا مما يعتريه ولا يفصح عنه لتطلق صرخة مكتومة حين آنت عظامها من سرعة تلك الحركة فتنهد بقوة أعلمتها أنه يلجم غضبه ثم انحنى يقول لها آمرآ " هيا " ارتعش فكها بتأثر وهي ترفع ذراعيها لتتعلق بعنقه فحملها كأنها طفلة بلا وزن يذكر يضمها لرحاب صدره فأمالت رأسها بضعف على كتفه مطوقة عنقه وكل وهنها يتطاير مع شعورها بظهرها المشدود بصلابة وجوده، وصلتها أصوات جدال يدور بين مؤيد وبشر تبعه صوت تحركهم بعيدآ فيما يعبر بها سلطان الممر نحو الخارج، لتتعلق عينيها بشاهين الذي يجلس بمفرده على مقعد جانبي بأكتفاف تهدلت ووجه مرهق ينظر تجاه باب الخروج الذي اندفع منه مؤيد يتبعه باقي الشباب لينتبه لسلطان الذي مر من أمامه يحمل جسدآ هشا أنقذ حياته وأصبح مدينا له، بمجرد أن عبره سلطان وجد نفسه يرفع عينيه تجاه عينيها ينظر إلى وجهها لكنها لم تترك له المساحة وهي تغلق عينيها برفض قوي له.
_________________
اعلم دومآ أن الحقيقة عملة ذات وجهان، ولكل وجه منهما عواقبه، وأن السعي تجاه الحقيقة قد يكون نقطة تحول فاصلة في شخص كنت عليه وشخص ستصبحه، فالحقيقة في مضمونها ثقل ولا شيء يبرز أسوأ ما في البشر سوى الضغط.
……..

الصدمات التي تأتي بلا سابق إنذار تكون أكثر قسوة وقدرة على الإطاحة بثباتنا، فلو أن بداخلنا ولو ترقب بسيط للقادم لحاولنا تهيئة أنفسنا على التقبل والتعامل بهدوء لكن دومآ ما وضعتنا الأقدار في فخ الأمر الواقع، دافعة ايانا لاتخاذ قرارات مصيرية في أكثر أوقاتنا تخبطآ ولا سبيل للفرار.
كان هذا شعور الأربعة إخوة وهم يجلسون في أحد غرف قسم الشرطة بينما يجلس خلف على مقعد فردي مقابلآ لهم وقد عم الصمت منذ نصف ساعة تقريبآ حين انسحب ضابط الشرطة ومعه الوثائق التي حملها خلف لتؤكد كلامه ليتأكد من صحتها قبل أن يحرر محضر بالواقعة، جميعهم كالراقدون على الجمر في انتظار ما سيؤكد تلك النكبة أو سينهيها، ارتفع صوت تمتمات خلف وهو يقول " لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم" ليصمت للحظات قبل أن يسألهم بغضب " هل أنتم راضون عما يحدث، كان بإمكانكم التحقق من صحة الوثائق ومن صحة حديثي أيضآ بدون أن تضعوني وتضعوا أنفسكم في هذا الموقف، ليلة بأكملها في القسم الداخل والخارج يسأل عن سبب تواجدكم هذا غير أطراف الحديث الذي التقطها أكثر من عامل هنا وكلها ساعات قبل أن تصبح سيرتنا على كل لسان " هب كرم يقول بحدة " وهل من مثلك يخاف من كلام الناس، أقسم بالله العظيم إذا ظهر بأن حديثك محض إدعاء غرضه النصب والتشهير باسم أبي لأجعلك تنسى نور الشمس المتبقي من عمرك " نظر له خلف بغضب وقال " وإذا ظهر العكس يا ابن الشيخ اسماعيل، ماذا ستفعل" صمت كرم يناظره بحقد فأكمل خلف قائلا " طبعآ ليس لديك أو لدى إخوتك إجابة، الحمد لله أني لم أخبر فاطمة أني قادم إليكم فهي ليست بحمل خيبة أمل جديدة بعدما اكتشفت أن إخوتها لا يعلمون بوجودها في هذه الحياة، وأن والدها التقي الصالح كان يخدعها بحكاياته عن الظروف التي تمنع إخوتها عنها مخفيآ إياها عن محيطه كأنها ابنة خطيئة " نفرت عروقهم من عنف المشاعر التي تعتريهم ليقول هلال " إذا كان ما تقوله صحيح لماذا لم تأتنا حين توفى والدي، لقد مرت سنوات لم يكن هناك مبرر لصمتك حينها ولا مبرر لحديثك الآن " أجابه خلف بصرامة " لا تطلق الأحكام ..فأنت لا تدري كيف كانت صدمتها بفقد والدها وهي يتيمة الأم التي كانت تقتات من حنانه بضع ساعات من كل أسبوع لتعوض إحتياجها لمنزل طبيعي تعيش به مثل أي فتاة، لتأتي صدمتها الاكبر حين ظلت تسأل عنكم لأشهر طويلة حتى اضطرتني لإخبارها بالحقيقة ومنذ حينها وهي رافضة أي نقاش فيما يخصكم، لقد تركت لها حرية القرار لكنها لم تقبل فجئتكم على أمل أن تصلحوا ما فعله والدكم " نظر عيسى لإخوته وقال برجاء " أظن أن علينا مقابلتها قبل إتخاذ أي موقف، مؤكد سنشعر بها لو كانت أختنا، مؤكد سنتعرف عليها " قال رضا الذي كان أكثرهم غضبآ وشعور بالفجع لكنه يلتزم الصمت حتى يقطع الشك باليقين " كلها دقائق و سندرك الحقيقة، وحينها نتصرف بما يتحتم علينا فعله " قال خلف بإقرار " لم يعد يهم أبدآ، فما رأيته منكم يجعلني أشعر أن قرار والدك كان هو الأفضل، أنا لن أزج بابنة أختي وسط أخوة يرفضون وجودها لاعتبارات مجتمعية تحظى باهتمامهم عن حقيقة وجودها " قال هلال " هذا الكلام سابق لأوانه يا حاج، حين نتأكد من صحة حديثك ما سنفعله سيكون قرارنا الخاص " قال رضا بحروف قاطعة " إن شاء الله " في تلك اللحظة انفتح باب الغرفة ودخل الضابط الذي كان على علاقة وثيقة بأبناء العطار وتحرك ليأخذ مكانه خلف المكتب قائلآ " حاج رضا الأوراق جميعها سليمة لا شيء يثير الشكوك تجاه أي تلاعب، الأمر الآن شخصي بحت ومنطوي بكم ومن الأفضل أن تحلوه في هدوء تام بعيدآ عن أي لغط قد يضر بسمعة الحاج اسماعيل أو بكم أو بالآنسة أختكم " وقف خلف وقال " شكرآ لك حضرت الضابط، هل أستطيع الانصراف " ناوله الضابط الاوراق وقال " بالطبع يا حاج خلف فلا سبب قانوني يدينك لكي تبقى هنا ….تفضل " أخذ خلف الأوراق يضعها في جيب جلبابه وبدون كلام أكثر وانسحب خارجآ ليكون عيسى أول من ينفض عنه غمار الصدمة ويقول " هل سندعه يرحل دون أن نعرف مكانها " وقف رضا الذي كأنما شلت الحقيقة تفكيره فتبعه إخوته يشكرون الضابط بكلمات متفرقة قبل أن ينسحبوا ليلحقوا بخلف الذي كان يسير من الهم يكاد لا يرى طريقه.

بعد قليل …

كانت قد انتهت من الاهتمام بحديقتها الصغيرة ووجهها العابس قد تفجرت فيه حمرة ربانيه دومآ ما زادتها فوق الجمال جمالآ، جمعت الخرطوم بنزق وتوجهت نحو المنزل وهي تفكر في غياب خالها المريب الذي لم يحدث من قبل، فلم يسبق أن تركها لتبيت بالمنزل بمفردها أو غاب عنها دون أن يعلن عن وجهته وموعد عودته كما أن المكالمات بينهما تكون منتظمة كل ساعتين على الاقل ليطمئن عليها حتى يعود، قلبها يحدثها أن هناك ما يحدث قلبها الذي زاد انقباضه حين تعالى رنين هاتفها فأسرعت نحو غرفتها لتجدها يهدين تهاتفها عبر مكالمة مرئية فجلست على السرير لتجيب عليها قائلة " ما الذي أيقظك مبكرآ، هل تعانين من الأرق أنت أيضآ " أجابتها يهدين بحماس " أنا لم أنم حتى الآن لأني أباشر تجهيزات الحفل، لن تتخيلي المبلغ الذي وضعه حكم تحت يدي من أجل إعداد المزرعة لقد صدمت "
قالت فاطمة بلا مبالاة " ربما الحفل مهم له لذلك يريده أن يكون أسطوري، وطبعآ سيادتك تديرين كل شيء من صومعتك التي لن تخرجي منها " تجهم وجه يهدين وقالت " أنا هكذا مرتاحة فأرجوك لا تحاولي تخريب حماسي بذلك النقاش العقيم، ودعيني أريك بعض العمل الذي أنجز بالأسفل" تحركت تربط الهاتف عبر وصلة بحاسوبها لتضاف عبر المحادثة خانة جانبية كأنها لمحادثة ثالثة تستعرض المزرعة التي تحولت لمكان أسطوري مازال العمال لم ينتهوا من تجهيزه بعد، فقالت فاطمة بانبهار " ما شاء الله، المكان يبدو ….لا أعرف لساني يعجز عن التعبير " سارعت يهدين تقول برجاء " لماذا لا تأتين للحفل، سنستمتع كثيرآ ونحن نراقب كل ما يحدث بالاسفل هذا غير أن صومعتي بها امتيازات يمكننا من خلالها أن نحظى بمتعة مضاعفة " نظرت فاطمة للمظاهر الساحرة التي مازالت تعرض أمامها وقالت " للأسف ما تطلبيه يعد مستحيل فأنت تدركين أنه ليس مسموح لي بزيارة صديقاتي بمنازلهن أو الخروج في الليل تحت أي ظرف، من المستحيل أن أقنع خالي بأن أذهب إلى مزرعة على طريق مقفر لزيارة صديقتي وأيضا بالليل، بل لن أحاول حتى لأن لا أمل " عبست يهدين وقالت" كما العادة ندلة لكن يمكنني أن أرسل لك بث مباشر بالحفل كامل " أجابتها فاطمة " سيكون أفضل ...سأحضر بعد التسالي وأقضي ليلتي في التنمر على أثرياء القوم " اهتزاز هاتف فاطمة أنبأها بأن هناك مكالمة واردة من خالها فأسرعت تقول ليهدين " يهدين سأجيب على خالي وسأعاود الاتصال بك " لوحت لها يهدين فيما أسرعت هي تجيب " خالي أين أنت، هل أنت بخير ...أنا لم أنم منذ الأمس في انتظار مكالمة واحدة من هاتفك المغلق، هل أنت عائد ...لا أخبرني أولآ أين كنت " جاءها صوت خلف الهاديء بشكل قبض قلبها بقوة يقول " اهدئي حبيبتي، أنا في طريقي عائد لكن معي ضيوف، فلتحضرين لنا الافطار لأننا على وشك الوصول، لن أوصيك بالكرم فأنت ابنة أبيك، لن أتأخر في حفظ الله" أغلق خلف الهاتف فنظرت له فاطمة بنظرة متشككة قبل أن تتحرك وهي تذكر الله لكي لا تسقط بدوامة أفكارها.
________________

داخلي ...إني أتوه بداخلي، كأن جوفي الفتي أصابه شيء جلي، أين أنا من نفسي التي كنتها وكانت تحلو إلي، أين إثمي الذي لأجله تكاتفت كل الظروف علي
أمازالت كل الإجابات عالقة تأباها مداخلي!
……………
تنفصل عن العالم وتفصل العالم المؤذي عن حدود كيانها المهدد بالتلاشي إذا تركته يواجه غمار موج الحقائق التي تتجاهلها لتستطيع الاستيقاظ كل يوم وتتابع حياتها التي رغم إدراكها أنها وقفت لكنها ما توقفت لأنها تهاب أن تموت قبل أن يحين أجلها ...الإنكار هو سلاحها الذي تواجه به كل ألم يلم بها، لكن ذلك السلاح تطور كثيرآ وفرض هيمنته عليها دافعآ إياها لتنكر واقعها في محاولة يائسة للحفاظ على بقايا ذاتها المحطمة، أمالت شيراز رأسها تنظر إلى بلال النائم بجوارها يدفن معظم ملامحه بالوسادة بينما كفه التي قد حررها أخيرآ من خاتم زواجهما ترتاح على ساقها فتضربها فكرة أفلتت من لجام أفكارها المحكم تواجهها بحقيقة الوضع الذي سيصبح واقع بعد أيام لكنها بسرعة البرق أوقفت عقلها عن التفكير تمامآ فأصاب داخلها صمت حاولت عبوره وهي تعود للكتاب المفتوح على قدميها تقرأ بتمعن " في أغلب الأوقات؛ حين لا نرى الأشياء التي طلبناها، فإننا نحبط ويخيب أملنا ونصير متشككين. يأتي الشك مع الشعور بخيبة الألم، خذ ذلك الشك وقم بتحويله، تعرف على ذلك الشعور واستبدله بإيمان لا يتزحزح " تنهدت تغلق عينيها تتوجع بصمت لم تقو يومآ أن تعلنه ثم أغلقت الكتاب واشاحت بوجهها تتأمل تذكرة السفر الموضوعة على الكومود المجاور لها لتجد نفسها تتحرك بهدوء لكي لا يشعر بلال بها، تلتقط مئزرها لترتديه بإحكام قبل أن تتسلل تجاه الفيلا التي حولتها دينا خلال أيام إلى مسكن الزوجية الخاص بها والخالي من أي لمسة جمالية تخص سواها ماحية لها أي أثر قد تكون تركته خلال سنوات مكوثها داخل تلك الجدران ...دخلت من باب المطبخ لا تعرف حتى ما هدفها من القدوم إلا رغبة في رؤية الاختلاف الذي حل على المكان ما بين امرأة حلت عليه يومآ تلتجئ وامرأة ستأتيه ممتلكه، أرادت أن ترى بعينيها كيف تكون المنازل التي تأسس بالمشاركة بين شخصين أرادا بمحض حريتهما التخلي عن تلك الحرية في سبيل البقاء دومآ معآ، كانت تدور حولها تتأمل التفاصيل وقد تغير كل شيء بشكل جذري، صعدت الدرج نحو الطابق العلوي حتى انتهى بها المطاف داخل غرفة النوم التي كانت مهيأة بشكل ساحر لإستقبال عاشقين سيبدأن حياتهما، ظلت تتحرك تتلمس المفارش الحريرة المزينة بأوراق الورد المنثور
لتجد نفسها بلا سابق إنذار تسقط على ركبتيها منفجرة في بكاء حاد لم تستطع أن تسيطر عليه أوعلى أنفاسها التي كانت تضيع في غمار حدته، كانت تنحني للأمام وعويلها يزلزل أقسى القلوب باعثآ فيها الشفقة، حتى لمست جبهتها الأرض فارتخت أهدابها تحيي في ظلمة العيون المطبقة ذكرى شرسة اندفعت لتنهش في مقاومتها وصوت تناسته لكنها لم تنساه يدوي من حولها كأنه هنا تجسد وأتى إليها يهدر بها " لا خيار لديك سوى القتل " كانت تلك الكلمات كفيلة بأن تدفعها لترتخي بأكملها ضائعة في غياهب وسن لجأت إليه حتى تنتهي تلك اللحظات المزلزلة وتستطيع السيطرة على نفسها من جديد.
_________________
عائد نحو مدن عينيك التي كانت ومازلت وستظل أبدآ موطني دمائي التي مازالت على يديك تناديني بالثأر فما عاد شيء عنك يثنيني، جمعت حقائبي وكل خيباتي، وعدت
أناشد المسافات البعيدة ألا تنطوي.
………….
العالم من وجهة نظره لا يتعدى حدود عينان يوقن أنهما ربوع موطنه، موطنه الذي لفظه خارج مداره تاركآ إياه
ثائرآ محمومآ يتلظى بنيران هائجة لو أطلقها خارجه لإبادة البشرية بأكملها وبقيت هي كالجحيم تتغذى على نفسها لتزداد سعيرآ غاضبآ لا سبيل لإنهائه، جوفه قطعة من سقر وعيناه ذو اللهيب الازرق الحاد تشعر كل من يراه بسطوة ذلك الاشتعال، إنه الخطر حين يتجسد في رجل ولكن تبقى قمة الخطورة أن يتورط ذلك الرجل بكيان يرفضه رفضآ قطع شريانه من الوريد إلى الوريد بمنتهى الهدوء كأنه لا يتمنى لو يملك من القدرة ما يجعله يبتر حبل الوقت الذي امتد لسبع سنوات ومازال سيمتد لساعة أخرى، ستون دقيقة كاملة
بستون طعنة نافذة من الانتظار المضني الذي لا يملك سلطة عليه، يقف أمام الشرفة المفتوحة والتي تطل على منظر ساحر يسبي النظر يضع يديه بجيبه مديرآ ظهره لذلك السرير الضخم داخل الجناح الملكي بأكبر فنادق العاصمة والذي وضعت عليه أبهى حلله ذو التصميم الفريد والعلامة الخاصة بأكبر دور الأزياء العالمية، تجاورها علبة مخملية وضع بها زران من الذهب الخالص الذي صنعا خصيصا على شكل أسد يزأر، تجاورها علبة أخرى بها ساعة تعد بثروة طائلة بينما ألقت زجاجة عطر لا تقل قيمة عما يجاورها بعبث لينتهي ذلك المنظر بعصاه المميزه التي لا يتخلى عنها تجاورها طقيته ذو التصميم الكلاسيكي، هب الهواء فاذدادت نظراته الشاردة حدة كأنما الهواء قد لفح جمرآ فأججه، ابتسامة مخيفة طفت على شفتيه بلا أسباب قبل أن يتحرك ملتقطآ هاتفه يجلس على مقعد ضخم في مواجهة الشرفة واضعآ ساق فوق ساق يطلب مدير أعماله الذي أتى صوته غاضبآ يقول " بت لا أدرك هل أنا مدير أعمالك أم عبد لديك، هذا الوضع بات فوق احتمالي " رد عليه بصوت بارد يعكس سخرية صاحبه " بل أنا من بات لا يدرك لما أتحملك، ماثيو ذلك المزاج العكر يدمر الصحة والحياة الزوجية " قال ماثيو " أنا أدرك هذا تمامآ فقد أصبحت علاقتي بزوجتي مهددة لأني أعمل لديك، هل تصدق هذا ..
جميع النساء يخفن دخول أزواجهم في نزوة مع فتاة ما، أوأن يصيبهم فتور في العلاقة وأنا زوجتي تخشى من علاقتي بمديري، أنا معك لن أفقد زوجتي فقط ولكن سمعتي أيضآ"
ضحكة صاخبة انطلقت منه قبل أن يقول لماثيو " لقد لاحظت شكوكها في أخر حفل حضرته معك، كانت تراقبنا بشكل يعكس كل أفكارها الغريبة عما بيننا، لقد كان الأمر ممتعا "
زفر ماثيو قائلآ " يؤسفني أن تكون شكوك زوجتي تجاهي ممتعة لك، أنت رب عمل متجبر لكن من الجيد أنك أخيرآ قررت التواصل معي لأني أكاد أجن من سفرك المفاجيء واختفائك بدون أسباب واضحة تاركآ كل شيء خلفك، ليس من عادتك أن تقدم على شيء بهذه السرعة، هل هناك ما يحدث " رفع عيناه تجاه السماء المظلمة التي كشفت عنها الشرفة وهو يجيب " مجرد شيء انتظرته كثيرآ وحين أتى زلزل ثباتي فهرعت إليه بدون تفكير، الفترة التي قطعت بها التواصل معك كنت أحتاج بها للإختلاء بنفسي ولكن بمجرد أن استعدت توازني هاتفتك، هل كل شيء على ما يرام" أجابه ماثيو " بالنسبة للأعمال كل شيء يسير كأنك موجود وتعليماتك تنفذ بحذافيرها، هناك تقارير يومية بكل معلومة مهما كانت بسيطة تجهز من أجلك، وكل من يلجأ لنا نضعه تحت حمايتنا حتى عودتك لكن …." صمت ماثيو فسأله بتوجس" لكن ماذا " أجابه ماثيو بصدق فهو يدرك أن رئيسه رجل لا تتوارى عنه الحقائق " منذ يومين وصلت سيدة عربية تطلب رؤيتك بشدة رافضة الإفصاح عن سبب زيارتها أو عن حاجتها، لكنك سافرت بشكل مفاجيء فتركت لك رسالة أنها تحتاج إلى مساعدتك بشدة ورحلت " هدر به بغضب " ولما تركتها ترحل، فلعل خلفها شيء جلل " أجابه ماثيو " فعلآ خلفها أمر شعرت أننا يجب أن نبعد عنه حتى تظل أمورنا المستترة بأمان، لكن كان عليّ أن أخبرك "
سأله بارتياب " من هي " أجابه ماثيو " إنها العربية التي تزوجها السيد فيلوبتير قبل أن تقتل مدبرة منزله في انفجار بشع ويختفي هو بدون أثر، أظنك تعلم عن الأمر " صمت قليلآ قبل أن يقول " نعم أعلم ...على كلٍ أريدك أن تضع عينيك عليها لكن من بعيد..بعيد جدآ وأطلعني على الوضع أولآ بأول، وإذا شعرت في أي لحظة أنها مهددة والأمر يستدعي تدخلنا ابحث خلف الأمر بأكمله وأتني بالخلاصة "
أجابه ماثيو بطاعة " سأفعل سيدي، لكن متى ستعود " أجابه وهو يتحرك تجاه السرير " لا أعلم ...لكني لن أتأخر، فقط تمني لي حظآ موفقآ " قال ماثيو " حظآ موفقآ سيد فياض " ابتسم وهو يغلق هاتفه ملقيآ إياه على السرير ثم بدأ في ارتداء ملابسه بتأني فهذه الليلة ظل سنوات يستعد لها ولابد من أن يثبت لنفسه قبل أي أحد أنه أحسن الاستعداد.
في نفس الوقت…..
كانت تقف أمام خزانتها بشرود حزين، من يراها قد يظن أنها حائرة في إختياراتها القليلة المتاحة لمثل ذلك الحفل الضخم لكن الحقيقة أنها قد اخترقت حدود خزانتها وعبرت إلى نطاق أوسع وأبعد وأكثر وعورة، كانت تعدو عكس الزمن متخطية كل الحواجز حتى وصلت إلى اللحظة الفاصلة بين ماضيها وحاضرها، حيث تقف شابة أصغر بسبع سنوات يعادلون سبع قرون من التجارب المضنية تعلن قرارها الذي كان لعنق أحدهم المقصلة، لم تكن تدرك مغبة ذلك القرار إلا حينما انطلقت رصاصة طائشة لتستقر بعيدآ عن قلبها بأقل من إنش فتسقط فاقدة لوعيها وحينما تستيقظ تجد واقعها قد تبدل بأكمله، كأنها انتقلت عبر ثقب أسود إلى كوكب آخر تعيش الفرصة الثانية بأفضل مما تمنت لكن وبداخلها ندبة باقية لا تزول إصابتها بالعطب، دمعة حارقة ألهبت جفونها الساهدة منذ وصول تلك الدعوة ترافقت مع نبضة منفعلة ألمت صدرها جعلاها تبدأ في ممارسة تمارين الاسترخاء عبر شهيق وزفير منتظم وهي تُخلي عقلها من أي أفكار، ليتعالى طرق مفزع على باب غرفتها جعلها تسرع لتفتحه وهي تقول بفزع " ماذا حدث " لتجد لمياء ونورسين ودولت وخلفهما تقف باقي الفتيات يقلن في نفس الوقت " هل يمكننا الدخول " نظرت كيان لغرفتها المتوسطة نسبيآ والتي لن تسع العدد الواقف أمامها لكنها قالت " بالطبع يمكنكن مادام موعد النوم لم يحن بعد " ابتسمت لمياء التي كانت تحمل حقيبة ضخمة وقالت " مازال لدينا نصف ساعة كاملة، كل شيء تحت السيطرة لكن ….سارعت نورسين تقول بحماس " لقد علمنا أنك ذاهبة إلى حفل، هل يمكننا مرافقتك " كانت الفتيات تزاحمن داخل الغرفة تظهر على وجوههم علامات من الترقب فتنهدت كيان بيأس وهي تنظر لنورسين وتسألها " ومن أعلمكم بالحفل آنسة نورسين " عضت نورسين شفتها السفلية بقوة وهي تنسحب إلى الخلف لتضربها لمياء بخفة على رأسها وهي تقول " الفتيات كن يفكرن في إعداد هدية من أجلك فأنت الوحيدة بيننا التي لا تحتفل بيوم مولدها، فاقترحت عليهن أن يستخدمن مهاراتهن في شغل شيء مميز لأجلك، لأنك مدعوة إلى حفل ضخم ومعظم ملابسك عملية جدآ متزمتة " ظهر التأثر الشديد على وجه كيان التي وضعت يدها على قلبها الذي عاد لتعصف به الانفعالات وهي تقول " أنا لا أحتفل بيوم مولدي لأني لا أحب أن أتذكر أن العمر يمر، لم يكن عليكن أن تضيعوا أوقات راحتكم لأجلي " صرخن بمرح في نفس واحد " فلتبقى جميع أيامك سعادة وعيد أمي " فتحت كيان ذراعيها وهي تقول " دعونا تتعانق بقوة " اقترب الفتيات منها يتعانقن حولها كشبكة عنكبوتية عجيبة فقالت كيان " أحبكن جميعآ، جميعكن قطعة من قلبي " أجابها بصخب " ونحن نحبك كثيرآ " فقالت لمياء " أفسحوا لها المجال قليلآ لترى هديتها " ربتت دولت على ظهر كيان وقالت " لا تتحدثين عن العمر بهذا الخوف، أنت مازلت صغيرة جدآ على هذا الحديث " قالت نورسين باندفاع " لا تحاولي دولت فالكبيرة معقدة " نظرت لها كيان بغضب وقالت " ماذا أفعل بلسانك هذا، أخبريني ما العقاب الذي يناسب أفعالك، لقد تعبت منك " ابتسمت لمياء تقول " لا تدعي عذر نورسين ينسيك هدية الفتيان إنهن يترقبن رأيك "
أخرجت من لمياء من الحقيبة بدلة أنثوية من المخمل الأسود
بنطالها ملتصق بجزء علوي بشكل أنيق بينما السترة التي سقط زيلها أرضا في تصميم عجيب مشغولة بحرفية عالية من الأكتاف والظهر بشكل يخطف الأنفاس محولة ذلك القماش البسيط إلى تحفة فنية أعجزتها عن الإتيان بكلمات تصف شعورها فدفعتها لمياء للحديث قائلة " ما رأيك " تنهدت كيان تقول " كيف " قالت فتاة من الفتيات " آنسة لمياء قامت بالخياطة ونحن تناوبنا على التطريز وكان طبعآ بمساعدة باقي الأنسات ودولت " لمست كيان البدلة وهي تقول بصدق وتأثر " شكرآ جميعآ ...هذه البدلة ستظل أغلى مقتنياتي " قالت نورسين " نستحق عناق آخر " همت كيان بالرد عليها لكن رنين هاتفها جعلها تلتقطه من جيب بجامتها المريحة ليطغى على ملامحها الاستغراب وهي تجد أنه اتصال من فارس الذي يدرك تماما أنها لا تقبل إتصالات منه في وقت متأخر ومهما كان الأمر هام يلجأ إلى الرسائل لكن كسره للقاعدة جعلها تتوجس وتجيبه بينما عم الصمت من حولها " أهلا فارس .. هل هناك ما يستدعي مهاتفتك لي في ذلك الوقت " ابتسم فارس من ذلك الالتزام الذي يجذبه نحوها بلا ملل من صدها وترددها وقال" أسف كيان لكن تلك الحالة التي حدثتك عنها ولم أخبرك بتفاصيلها تشعرني بالآسى لأنها ستنقل غدآ لدار سيء، هل لديك وقت لأشرح لك حالتها "
قالت كيان بلهفة " بالطبع لدي وقت لكن دعنا نتحدث بعد بضع ساعات، أرجو أن يكون الوقت مناسب لك، فأنا الآن لدي موعد ومضطرة للخروج " رد باستنكار وغيره " الآن، ستخرجين الآن كيان ...ما الموعد الذي ستكسرين لأجله كل القواعد وتتركين فتياتك وقد أظلمت السماء لأجله " نظرت كيان بحرج للوجوه الفضولية المحاوطة لها من كل مكان تكاد تقسم أنهم يستمعن إلى حديثه وقالت موضحة بصوت صارم " ليس موعد بالشكل الذي وصلك ...إنه حفل أنا مدعوة له وقررت الذهاب وللأسف عليّ الاستعداد للخروج حالآ ولكن يمكننا التواصل عند عودتي " لمعت عيناه بعبث لم يظهر على صوته الذي رد الصرامة بأقوى منها " أين سيكون ذلك الحفل كيان ...ومن سيوصلك إليه ومن سيعيدك وكل هذا سيكون متى وقد شارفت الساعة على التاسعة " تنحنحت تحاول أن تجيبه بجدية وسط هذه الحشود " أنا لا أقود ليلآ إلا للضرورة تعلم ذلك طلبت سيارة خاصة من أحد الشركات المعروفة لأني لا أدرك المكان " قال بشكل قاطع كأنه يحسم نقاشآ قبل أن يبدأ " لا داعي لأن يرافقك رجل غريب في الليل إلى مكان مجهول، هذا تفكير لا يليق بامرأة مسؤولة عن مراهقات قد يتبعن سلوكها، أنا متفرغ سأرافقك للحفل وحين تنتهي سأعيدك، أظن أن ثقتك بي تتخطى ثقتك بالشركة المعروفة " شعرت بالحصار الذي يحكم من حولها فلم يسعفها عقلها بقول شيء سوى " لكن.. ليقاطعها قائلا بلطف " بلا اعتراض كيان ...استعدي، سأستعد أنا أيضآ وسأكون أمامك خلال نصف ساعة " أغلقت كيان الهاتف وعقلها رافض لما انتهى إليه الأمر لتندفع نورسين تسألها " الضابط فارس سيوصلك للحفل مثل الأميرة والأمير " أمسكت كيان بطرف أذنها بين إصبعيها وقالت " أنا منذ الصباح سأفرغ نفسي لإعادة تربيتك من جديد لأنه يبدو أني فشلت في تقويمك" ابتسمت لمياء وقالت " لقد حان وقت النوم يا بنات، تمنوا لكيان ليلة سعيدة وهيا لنتركها لتستعد"
كانت الفتيات تنسحبن بعدما تتمنى كل واحدة منهن لكيان ليلة سعيدة وتعانقها بقوة غافلين أنها كانت تستمد من أمنياتهم البريئة وضمتهم الدافئة اطمئنان أن القادم سيكون خيرآ.
_________________
دعنا نستقبل الغائبين عنا بعد طول فراق، دعنا نعيش جمال لقائهم الذي كان له في القلب وجيب يحيي، دعنا نخبرهم أن من دونهم كنا كما الخواء، فجوارهم لنا الهوية والانتماء فنحن من لم يكن وطننا يومآ أرضآ، بل أحباء.
…………….
يسير في رواق ضيق إضائته ضعيفة، صوت الضخب الذي يملأ الأجواء يصل إليه لكنه كان يحتاج لرؤيتها قبل النزول إلى الحفل، كان يحتاج أن يختبر نفسه أمامها وهو يدعي الصلابة التي يجب أن يكون أكثر من يتحلى بها هذه الليلة، كان يريد أن يطمئن أنها على العهد معه ولم تتسلل إلى أسراره الخاصة كاشفة عما ينويه، كان يحتاج أن يطمئن عليها قبلما يدير ظهره لها ليستقبل الوافدين في طريقهم إليه، كان يحتاج أن يتقن كذبته هذه المرة فلا يثير شكوكها التي قد تورطها في لقاء ثقيل جدآ، محال أن تكون العودة، لقاء إنها
صدام بين أطراف ظلت تندفع نحو بعضها لسنوات عديدة
وقد حانت لحظة الاصطدام الذي لا يعرف ماذا ستكون عواقبه حتى الآن، ضغط حكم على جانب الحائط نهاية الرواق لينفتح كاشفآ عن أربع درجات سفليه عبر إليهم فانغلق الباب خلفه ليتقدم أكثر نحو المحيط الابيض بشكل كبير والذي تمتلأ جدارنه بشاشات مراقبة بينما هناك أجهزة متطورة متراصة بشكل نظامي أسفل شاشة ضخمة يظهر عليها صورة رقمية غير مفهومة له فنادى وهو يتلفت حوله " يهدين أين أنت " أجابته بهدوء " خلفك تمامآ " استدار حكم ينظر لذلك الخيال الأبيض الذي لم يلاحظه عند دخوله وهو يقول " ما الحكمة في أن تجربي عليّ تلك الحركة كلما أتيت إلى هنا، يومآ ما سأكون أكثر وعيآ لالتقاطك " أجابته وهي تتحرك نحوه ببيجامتها الرياضية المحتشمة الفضفاضة ناصعة البياض " أنت دومآ واعي يا حكم لكنك من تسدل أشرعة حرصك داخل صومعتي، كأنك متيقن أنه المكان الوحيد بالعالم الآمن لك " تنهد قائلا " هذا صحيح... لكن صدقآ هذه المرة كانت خدعتك أقوى " ابتسمت قائلة " منذ فترة وانا اتعمق في كتب الخداع البصري وكيف يمكن للعين أن تخدع العقل، هل تظن أني قادرة يومآ على خداعك حكم " رفع حاجبه وقال " يوميآ تفعلينها يا أنسة، ولكني أثق أنه مهما بلغ خداعك لي لن يكون شيئا مؤذي أبدآ، أنا أثق بك يهدين، أثق فيما بيننا ...ثقة لم أمنحها لبشر إلا لأختك رحمها الله " أسبلت يهدين أهدابها بغصة وقالت " رحمها الله برحمته " صمتت للحظة ثم سألته " أليس من المفترض أن تكون بالأسفل تستقبل ضيوفك، ما الذي دفعك لترك حفلك الضخم والقدوم إليّ ….أهناك تعليمات جديدة سيادتك " جمع حكم ذراعيه خلف ظهره وتقدم نحو شاشات المراقبة يتأمل التحضيرات التي حولت المزرعة بشكل كبير وقال " لقد انبهرت بما أنجزته، لم تخيبي ظني يومآ " وقفت يهدين بجواره تقلد وقفته تماما تنظر حيثما ينظر وهي تقول " مع المبلغ الذي وضعته تحت تصرفي كانت هذه نتيجة متوقعة جدآ حكم، لكني مازلت لم أحصل منك على إجابة واضحة بشأن أسباب إقامتك للحفل " حرك رأسه تجاهها وقال " إذا قبلت بالظهور أخيرآ ربما حينها لن يكون لدي مشكلة في إخبارك، أنا لا أريد الضغط عليك لكنك تضحين بالكثير لمجرد مخاوف أبسط من أن ترهب من هي مثلك " مطت شفتيها تفكر بالإختلاف الواضح بينهما هو بطوله الفارع وبدلته السوداء وشعره الفاحم وعلى بعد سنتيمترات تجاوره بقصر قامتها وهشاشة تكوينها وبيجامتها البيضاء وشعرها الأنصع من بياض الثلوج وقالت " أنا لست شخصآ يرهب لكني شخصآ يسهل إيلامه، وأنا أحمي نفسي من الألم حكم " استدار بأكمله نحوها وقال بنبرة خطرة " من يؤلمك وأنا هنا " واجهته بنظرة مهتزة تجيبه بلا حديث فقال لها " انسي ...أعطني الفرصة لأصدق أني أيضا نسيت، لن نظل عالقين في ذلك الماضي يهدين، أنا قدمت للاطمئنان عليك، ولآمرك بعدم التسلل خارج المزرعة أو داخلها اليوم " قالت له " ما الضرر في التسلل للحفل قليلآ، أعدك لن أعبث بأعصاب أحدهم " حرك حكم رأسه برفض وقال بشكل قاطع " ممنوع يهدين، ممنوع " عبست بشكل جعله يتوجس فقال " أنتظر منك كلمة لأذهب وأنا مطمئن " رفعت حاجبها تقلده دليلآ على رفضها ليقاطعهما رنين هاتفه الذي وضعه على أذنه يستمع إلى محدثه ثم قال " قادم حالآ... فلينتظرني بغرفة المكتب "
أخفض حكم هاتفه ينظر إلى الساعة ثم قال وهو يتحرك " الصمت من علامات القبول ...سأعتمد على ذلك " أجابته بمرح " هذا حينما تتحقق معجزة ويأتيني رجل مثلك يطلب يدي للزواج غير ذلك لا تتعشم " التفت إليها بغضب فابتسمت وقالت له " سأحاول " خرج حكم من باب الغرفة مسرعآ يرتدي وجهه الحجري شديد الصلابة يتوجه نحو مكتبه فيما رفعت يهدين قلنسوة السترة على شعرها وهي تقول بإقرار " أنا لم أعده بشيء، إذآ من أين سأبدأ " اقتربت تراقب الشاشات بمرح إختفى تماما حين انطلق من أحد الأجهزة صوت إنذار يرافقه لون أحمر وجملة كتبت على الشاشة الضخمة بالانجليزيه " محاولة إختراق "
………….

بالمكتب……

دخل حكم مغلقآ الباب خلفه ثم تقدم تجاه مكتبه يجلس على مقعده ذات التصميم الغريب مريحآ ذراعيه على جانبي المقعد وهو يقول " أتمنى أن تكون أنجزت ما وكلتك به سيد مدحت"
نظر له مدحت برهبة تملكته لكنه لم يظهرها وهو يقول " لقد ذهبت بنفسي حسب تعليماتك وأبلغت حاضنة الفتاة بالأمر وبالصدفة كان زوجها متواجد وهو من قام باستقبالي وحضر حديثنا كاملآ " حرك حكم جسده للأمام ملتقطآ قلم ذهبي أنيق
كان يوضع على حامل أقلام فوق مكتبه وقال " ماذا كان انطباعهما عن الحديث " أجابه مدحت بصراحة " رفض شديد واعتراض تام، لقد قامت السيدة بما يشبه طردي ودعمها زوجها في ذلك بأن أخبرني أن ما جئت من أجله مرفوض تمامآ ولا مجال لنقاشه وقال تحديدآ، إن أردت استخدام طريق القانون فأنا لها وإن استخدمت طريق آخر فأنا لها ورحيل ابنتي التي لن أتخلى عنها مهما حدث إلا في حالة واحدة …..صمت مدحت فتجهم وجه حكم بشدة وسأله بغضب " وما هي تلك الحالة " أجابه مدحت بنظرات جعلت حكم يرتاب من رده " أخبرني أن ظهور والد رحيل البيولوجي هو الحالة الوحيدة التي قد تجعلهما على استعداد للتفاهم والنظر في الأمر، وحتى مع ظهوره لن يسلموه إياها إلا إذا تأكدوا أن ما فرّقها عنه شيء جلل كان أضعف من أن يواجهه " ضرب حكم بالقلم على المكتب عدة مرات ثم سأله " ماذا ترى منهما تجاه الفتاة " أجابه مدحت " السيدة كانت على وشك الانهيار حين علمت بأسباب زيارتي وزوجها وجمت ملامحه وظهر عدائه وبمجرد رحيلي أسرعا بأخذ الفتاة التي كانت تتواجد بالمكتب حين ذهابي وعادا إلى منزلهما فورآ ...كأن حديثي أفزعهم عليها " قال حكم بإقرار " إذا لن يكون الأمر سهلآ أبدا " ناظره مدحت برهبة وقال " هذا ما أظنه سيدي " صمت حكم مفكرآ ثم قال " هكذا هم من إختاروا الطريق والطريقة، انتظر مني أمر جديد في القريب العاجل يخبرك بالخطوة القادمة " وقف مدحت وهو يقول " تحت أمرك سيد حكم " ثم انسحب خارجآ من الغرفة تاركآ حكم ليعيد ظهره إلى الخلف ببطء وهو يقول " الوالد لا يتذكر أنه الوالد " تعالى رنين هاتفه فأجاب وهو يتحرك يستمع إلى أحد رجاله يقول " زائرك الأول وصل سيدي "

قبل قليل بالخارج……

كان ينطلق على الطريق نحو المكان الذي ظهر على مدى بصره مضيئآ ببهرجته وترفه بقعة واسعة بذلك الفراغ المقفر، كفاه مطبقان على عجلة القيادة بقوة يلجم فيها توتره وترقبه
وقد أصاب مشاعره إعصار عاصف أضاع ثباته الذي دومآ ما كان ركيزته التي تساعده في أعتى المواقف، سلاحه الخاص ملاصقآ لخاصرته يبث فيه إحساس بالقوة والأمان ويدفعه للشعور أن كل الأمور تحت السيطرة، كأنه مهدد بذلك اللقاء الذي يحمل في طياته وجوهآ ضاعت نفسه عنه منذ فارقها، هو مدرك جدآ أنه ذاهب ليلقي بنفسه في دوامة زلزال عنيف سيغير مجرى واقعه لكنه يتسلح لربما كان هذا التغيير لشيء يمقته ويهابه، إستعاد تركيزه حين أقبل على مدخل المزرعة الذي يعج برجال الحراسة الذين يعملون بجد على ألا تمر ذبابة من سياجهم ليس مصرح لها بالدخول، أبطأ سيارته ينتظر من رجال الحراسة الانتهاء من فحص السيارة التي تتقدمه والسماح لها بالمرور ليقترب حارس من نافذته يقول بلطف " مرحبا بك سيدي، هل بامكاني رؤية دعوتك " أمسك بالدعوة الموضوعة على المقعد المجاور له وقدمها للحارس الذي نظر لها بتمعن ثم نظر لوجهه وتحرك بالدعوة تجاه حارس يقف بعيدآ نسبيآ أعطاه الدعوة وهو يشير تجاهه ويتحدث معه، ليقترب الحارس منه وهو يحمل الدعوة ويقول بهدوء " إسمح لي أن أقودك للمكان الذي تقصده " ضيق عينيه يسأله بارتياب " أليس هذا مدخل الحفل " أجابه الحارس " بالطبع لكن ما وصل سيادتك دعوة كبار الشخصيات تفضل معي " حاوط سيارته أربعة حراس يخرجونه من الصف الممتد خلفه يرشدونه إلى الاستدارة حول السور الأبيض الممتد لأمتار شعر أنه لا نهاية لها، قبل أن يقول المجاور لنافذته " تستطيع ترك السيارة هنا سيتولى الرجال أمرها بينما سأرشدك إلى مكانك الخاص"
ترجل من السيارة يتبع الحارس الذي وقف عند باب جانبي ضخم وقال " تفضل هناك من سيستقبلك " كان توتره قد بلغ أقصاه لكنه استمر في التقدم يقوده حارس خاص إلى مدخل جزء معزول عن الحفل التي تصله أصواته وقال " تفضل سيدي، دقائق وسيبدأ الحفل " لم يكن الوضع يسمح بالكثير من الأسئلة خاصة حين تقدم ليتفاجيء أن المدخل ما هو إلا لمصعد يسحبه للأسفل كأنه ذاهب به إلى قبره.
________________
لو أن لنا باع في الحقد لأدركنا منذ البداية أفعالكم، ولكن من أين نأتي بكيدٍ مثل كيدكم.
ونحن ما وقعنا يومآ في فخ أمثالكم، توقعنا عبسآ أن تتقنوا أدواركم، أن تكظموا بواطنكم وتلجموا إيذائكم، توقعنا يومآ رغم الظلام أنكم ستضيئون ما حولكم، لكنكم أبيتم وتماديتم فحان وقت فراقكم،
……………
حين يشعر الإنسان بالضياع تتملكه هشاشة مفرطة تدفعه للتعلق بأضعف الاشياء أملآ في النجاة من ذلك الشعور المدمر، يتملكه ضعف وخوف لا يساعدانه على إتخاذ قرار صحيح في القادم، يتملكه رهبة من المجهول تجعله في حالة ترقب مرهقة لجوارحه التي لا تهدأ ولا تستكين لراحة أو نوم
وهذا هو حالها ...ضياع ما بين واقع مخيف وخيال مفزع يلاحقها في أحلامها حتى أضحت تشعر أنها على وشك الانهيار، لا أحد حولها قد يساعدها فتلجأ إليه حتى أخر قشة كانت تتمسك بها وتراها حبل النجاة قد تلاشت كأنها لم تكن بعدما ذهبت لذلك المدعو ماثيو فلم تجده ولم يصلها حتى الآن منه ردآ على الحاحها في طلب مقابلته، الأبواب تغلق في وجهها واحدآ تلو الآخر والوقت يمضي بلا بادرة أمل واحدة تطمئنها على فيلو، رفعت بتول سماعة الهاتف تطلب مكتب السيد فيرينيل الذي أجابها فورآ قائلا " معك فيرينيل سيدتي"
تنهدت بتول بتعب وقالت " سيد فيرينيل أريدك أن تأتي لمكتبي حالا ومعك الملف الذي طلبته منك من فترة لحصر أملاك السيد فيلو، أريد أيضآ سيارة مجهزة وبعض الرجال الموثوق فيهم لأني سأزور تلك الأماكن بنفسي اليوم " سألها فيرينيل بحيرة " جميعها اليوم " أجابته بحدة لم تقصدها " نعم جميعها بلا استثناء " تحرك فيرينيل يحمل الملف الذي كان قابعآ على مكتبه ينتظر أمرها وهو يقول " دقيقة وسأكون أمامك سيدتي " أغلقت بتول الهاتف وهي تفكر أنها ربما لا تدرك ما الذي تبحث عنه لكنها ستمضي في بحثها لربما تجد ما يساعدها في نكبتها، طرقات فيرينيل جعلتها تعتدل بتحفز قائلة " تفضل " فدخل فيرينيل يقول " هذا هو الملف سيدتي، جميع أملاك السيد فيلو موجوده في نطاق المدينة وهذا المريح بالأمر لكن عددها أكبر من أن تزوريها جميعآ اليوم، فأنا أدرك أنك تسعين للبحث عن شيء يساعدك وهذا سيحتاج مجهود في كل مكان منهم " وقفت ترتدي معطفها بعجل وهي تقول " سأحاول بقدر استطاعتي والرجال ستساعد، وأيضا مساعدتي سترافقني، ادعوا لي سيد فيرينيل، فأنا بحاجة ماسة لذلك " نظر لها الرجل الوقور بحنان وقال بصدق " سأصلي لأجلك ولأجل السيد فيلو " قالت بتول بتأثر " هذا لطفآ منك، هل الرجال مستعدون " قال لها " بالطبع لكن هناك أمر كنت أريد سؤالك عنه " التفتت له تسأله " ما هو " قال لها بحيرة " وأنا أحصي الاملاك ظهر لي أن السيد فيلو يمتلك منزل قديم وصغير يبتعد عن ضخب المدينة كثيرآ، لم يكن يهتم به أو يذهب إليه لذلك المكان مهجور وغير مجهز يكاد يكون متهالك، وهذا أثار حيرتي وجعلني أتقصى خلف سبب امتلاك السيد فيلو لمثل هذا المكان " صمت فيرينيل فسألته بتول بحيرة " وماذا وحدث " أجابها فيرينيل وهو يدفع نحوها ورقة بها صورة لخبر بجريدة يحمل تاريخ مرعليه سنوات كثيرة " هذا المكان تم به جرائم قتل بشعة، تورطت بها أسماء عربية لشباب مهاجرين " توسعت أعين بتول وهي تقرأ تفاصيل الخبر فسألها فيرينيل " هل أدرج هذا المكان في قائمة الأماكن التي تنوين الذهاب إليها " أجابته وجسدها يرتعد من هول ما تقرأه " اجعله على رأس القائمة ".
تحركت بتول في موكب صغير لتبدأ رحلة بحثها تجاورها مساعدتها الخاصة التي أثبتت لها إخلاصها الذي لا يقبل الشك أكثر من مرة، ربما وضعها لا يسمح لها بالشعور بالثقة المطلقة تجاه أي إنسان لكن قلة حيلتها لا تساعدها أيضآ في إتخاذ موقف حاسم تجاه أي شخص، التفتت تنظر من النافذة المجاورة لها نحو السماء وكلها يلهج بالدعاء أن يساعدها الله في مسعاها ويكون مرشدها وحافظها، لتقع عينيها على ذلك المبني الضخم الذي لم تطأه قدماها منذ إختفاء فيلو و الذي أقصته من قائمة بحثها لأنها تهاب العودة إليه لتجد نفسها تقول فجأة للسائق " توقف " التفتت لها مساعدتها تسألها " لماذا سنتوقف سيدتي " أجابتها بتول " هذا دومآ كان مكان فيلو المفضل، ليس من المنطق أنا أبحث في كل الأماكن وأتخطاه " قالت المساعدة بتوتر " لكن الشرطة لم ترفع يدها عن المكان بعد ويعد مسرح جريمة غير مسموح بالولوج إليه " قالت بتول بقهر " الشرطة تماطل لكي تظهر أمام الجميع قد أنجزت عملها لكني أدرك أن الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك، إن لم يسمحوا بالدخول سأتسلل " صمتت تفكر ثم قالت للسائق " قف في مكان بعيد لا تلتقطه كاميرات المبني، وبعدها أؤمر الرجال بالانتظار لأنك و هي سترافقاني إلى الأعلى " شهقت مساعدتها بفزع وقالت " أنت هكذا تعرضيننا للمسائلة القانونية " قالت بتول " هذا إذا أمسكت بنا الشرطة، أنا أحتاج إليكما لننتهي من البحث بأسرع وقت، المكان بالأعلى ضخم المساحة " نظرت بتول لسائقها الذي لم يبدي سوى طاعته للأوامر وقالت " سندخل من المرآب ونتسلل من سلم الطواريء عدة طوابق حتى لا يلاحظنا أمن المبني ثم سنستخدم المصعد معي بطاقة الولوج الخاصة به " أنهت حديثها وترجلت من السيارة غير سامحة لأحد منهما بالاعتراض.

بعد نصف ساعة….

كان باب المصعد يفتح أمامها ببطء كاشفآ عن الدمار الذي عم المكان، أثار الانفجار والدماء التي لطخت الجدران جعلتها تتراجع خطوة للخلف بخوف لكن باب المصعد الذي عاد لينغلق جعل مساعدتها تسحبها للداخل وهي تقول بتوتر " لننقسم " أنا بالطابق العلوي الشرقي وهو بالجانب الغربي وأنت سيدتي بهذا الطابق ومن يجد شيء يخبر الآخر " تحركت مساعدتها والسائق تجاه السلم الذي أصبح درج فاحم بلا ملامح، تحركت بتول ببطء ترتطم قدميها ببقايا الأثاث المتفحم تنظر حولها وتتذكر لحظة دخولها لهذا المكان أول مرة، تتذكر كل شجار خاضته مع فيلو، كل حديث ونقاش، تتذكر كل لقاء، تتذكر آخر وداع، ثم تقف أمام واقعها بكف خال من الحيلة أمام فقده الذي يمزقها، كانت لا تعرف من أين تبدأ وعن ماذا تبحث وسط ذلك الخراب لكنها بإرادة تحركت نحو مكتبه المظلم تفتح ضوء هاتفها تبحث عن الإضاءة غير واعية لذلك الظل الطويل الذي يتوارى في أحد الأركان منذ إدراكه أن هناك من إقتحم المكان، لم تكن الإضاءة التي أنارت المكان بالعقبة وقد تضررت أغلب وصلات الكهرباء لذلك ظلت بتول معتمدة على إضاءة هاتفها وهي تقترب من المكتب ليصل إلى أذنها صوت ضعيف لحركة قريبة فتلفتت حولها لكنها لم تعطي الأمر إهتمام وهي تقترب أكثر من المكتب تثبت الهاتف كيفما اتفق معها ثم سحبت درج وبدأت تتفقد محتوياته ليعود الصوت هذه المرة أقوى فرفعت الهاتف بكف مرتعشة تديره في أركان الغرفة لتتوقف يدها حين رأت مكتبة الحائط أمامها تهتز بحركة مريبة فتحركت ببطء تقترب منها تسحب ذلك الجزء المهتز لينفتح كأنه باب سري لخزنة ظهرت أمامها لكنها كانت مفتوحة أيضآ، فمدت يدها نحوها لكن قبل أن تلمسها وجدت شعرها يجذب للخلف بعنف وفمها يكمم فيما تسحبها قبضتان قويتان تجاه الحائط المقابل لها وهي تكاد تكون مكبلة بالكامل، ترتطم رأسها بالحائط بعنف مرة تلو الأخرى بحدة جعلها تدرك أنها تتعرض للقتل.


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 12:06 AM   #26

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع….

إني أعيش أعتى كوارثي
فلا يعد لقائنا سوى الم.وت
لكني لن أهابك اليوم.
ولن أكتفي أن أتحصن من حربك الجائحة بالصمت.
لن أقف أمامك كخصم أعزل
يندد بالسلم فلا يجيب سوى
فراقك الباتر مخيف الصوت
إني قُتلت على يديك سابقآ
فحاشاني الآن أن أهاب الموت،
حاشاني أن أقبل أن يعود ما مضى، بعدما فتكت بي إرادتك التي لا يوقفها رفض ولا يمنعها صد.
بلوتني بوجع ووشم لا يزول
يترفع الزمن عن محو أثرهما كما أنت.
إني حطامك الذي عبرته،
ورماد حريقك الذي أشعلته
حين رفضت الحقائق وتعنت.
عالق أنا بانتمائي لعشقك أنت.
عالق في ورطتي التي لا سبيل للخلاص منها فعلت.
عالق حد أن ملّني الصبر ومللت.
فلا تنتظر مني الصمود أكثر
ألا يكفيك معجزة أني صمدت.
لكني في طريقي إليك أرخي حصوني، لتصير مواجهتنا كارثة كما توقعت.
________________
لا أحد يدري معنى الوقوفف على حد السيف، معنى الترنح على حافة لا سبيل للنجاة منها، معنى الصعود نحو قمة جرف نهايته سقوط محتم، إنه اليقين أنك هالك لا محالة.
لا يدري من أين تأتيه القدرة على المواصلة، متحيرآ في صموده المستمر حتى هذه اللحظة وهو الذي منذ ساعات طويلة يدور في دوامة من المصائب المتواصلة بلا انقطاع أو هدنة تمنحه بعض الوقت ليعيد ترتيب أفكاره وإدراك خطوته القادمة التي إذا تأخرت سيدفع وعائلته الثمن غاليا، منطلقآ على أقصى سرعته يكتنفه وجل يخفية بينما الغضب مرسومآ على وجهه بحدة تعكس حاله، تفاصيل ما حدث في الساعات الماضية يُعاد أمام عينيه مرارآ وتكرارآ بلا توقف أو هوادة لتتباطيء المشاهد في لحظتين فارقتين الأولى لصرخة أنقذته من طعنة قاتلة والثانية لكفين ناعمين لجسد هش يمتلك من القوة والشجاعة ما سبّب له الذهول وأنقذ حياته للمرة الثانية.
أدار عجلة القيادة بحدة تجاه الملف المقابل وانفعالاته تزداد حين إستعاد كل ما حدث منذ لحظة وصوله للمشفى حتى انتهى به الأمر جالسآ على مقعد وحيدآ مرهقآ ومثقل يكسره واقع أنه وسط كل تلك المهمة أصبح مدين بالكثير لأنثى من نظرة عين واحدة أخبرته كأنما وصل همسها الوهن لأذنه أنا لا أقبلك، أغمض شاهين عينيه يلجم عنفآ كبير يندفع بشراينه وهو يوقف سيارته ويترجل منها بمنظره المزري يتوجه نحو قصر شهدان الذي وقف آصف على بوابته يستقبله وهو يقول بصدمة " ماذا حدث لك " أشاح شاهين بوجهه مجيبآ" ليس الآن آصف، أين أمي ولماذا أتيت بها إلى هنا رغم أن حديثي لك كان واضحآ بنقلها إلى المنزل الهادئ " نظر له آصف بخبث وقال " السيدة علياء في ضيافة عبدالله شهدان بنفسه لما الاعتراض إذآ، ثم هنا كان أأمن وأقرب وأكثر ملائمة لوجود من يهتم بوالدتك ومن معها " نظر له شاهين بإدراك وغضب ثم قال " نادي والدتي لنرحل آصف فوجودها هنا ليس له مبرر والمنازل التي لا يعرف الشافعية عنها كثيرة، كان يمكنك الالتزام بأمري لكن... ماذا أقول " نظر له آصف بسخرية وقال " لا تقل شيء يا ابن الجوهري، فوالدتك وأختك المصون في الحفظ والصون " زاد تجهم وجه شاهين ليسأله آصف ببرود جليدي لا يلائم الوضع مطلقا " هلا شرحت لي يا صديقي العزيز السبب الذي يجعل صديقك الوحيد والمقرب منذ سنوات عدة لا يعلم أنك تملك أخوات غير زكريا " ظهرت ملامح الارتياب على شاهين الذي سأله " ولماذا تريد أن تعرف إذا كنت أملك واحدة أوعشرة، هل معنى أن تكون صديقي أن أعطيك تقرير بشؤوني الخاصة، آصف استدعي أمي لأطمئن عليها قبل وصول زكريا ليأخذها من هنا " أطبق آصف ذراعيه على صدره وقال لشاهين بلا مبالاة " أنت كنت تتعمد أن تخفي الأمر عني " هدر به شاهين " آصف ما بك هل جننت، ما الذي يهذر به لسانك الآن " أجابه آصف بجمود " أنا أقول الحقيقة الواضحة أمامي، أنت تعمدت أن تخفي عني أن لك أخت والسبب أنت وحدك من يعلمه " هاج شاهين قائلآ " بربك، هل تسمع نفسك، مالك أنت لي أخت أو أخ، ما بك، استدعي أمي أو سأفعلها مقتحمآ ذلك القصر بنفسي لأني مرهق جدآ وغضبي يبلغ ذروته ومراعاة الأصول ستكون آخر همي " تحرك آصف بعد أن ألقى شاهين بنظرة متوعدة بالكثير وقال " اتبعني أولآ لتغير ملابسك وتعدل من حالتك، فلو رأتك علياء هانم بهذا الشكل لا شك ستفقد وعيها " تبعه شاهين يضم شفتيه بقوة دليلآ على أنه يكبح جماح غضبه يتوجهان نحو باب جانبي آخره سلم يوصل للطابق الثاني بالقصر ثم سارا جنبآ إلى جنب يتبادلان النظرات الحارقة من شاهين والباردة المتوعدة من آصف الذي اقترب من غرفته وفتح الباب يقول لشاهين بعجرفة " هنا غرفة الملابس ادخل واختر ما يناسبك وبعدها خذ حمام طويل لعل الاجابات الغائبة عن ذهنك تحضر وتنيرني بوجودها " دفعه شاهين بغلظة وهو يقول " أنا لو تركت لردودي العنان سيشاهدنا القصر بأكمله ونحن نتصارع كما الثيران، فأنت تتخطى حدودك كثيرآ آصف شهدان "ولج آصف خلفه يشاهده وهو يسحب الملابس بسرعة وبدقة في نفس الوقت وهو يقول " شاهين الجوهري أنا لا أهدد " نظر له شاهين نظرة حاقدة ثم توجه إلى الحمام وأغلقه بقوة في وجهه ليندفع واقفآ تحت الرذاذ الدافيء مرخيآ كل حواسه التي فتكت بها اليقظة التامة على مدار ساعات.
مر أكثر من نصف ساعة قبل أن ينزل شاهين نحو الطابق السفلي يتبع آصف الذي كان يستفز به كل عصب على حدى وقد استعاد شكله الساحر والملفت على الدوام، الوضع بأكمله لم يكن مريحآ له لكن تأكيد زكريا أنه قد اقترب دفع بزفرة راحة لتخرج منه وكانت هذه الأولى منذ ساعات شاقة،
عبر البهو الضخم للقصر متوجهآ نحو غرفة يخرج منها أصوات متداخلة حتى وقف على أعتابها ينظر لوالدته التي تجلس باسترخاء تقرأ كتاب فرنسي يجاورها منضدة دائرية وضع عليها فنجان ساخن من القهوة بينما تجلس ريناد شهدان بجوار سيدرا تكاد تلتصق رأسيهما تنظران في جهاز لوحي على شيء لا يدركه فتقدم يقول بصوت خرج خشنآ مجروح " مرحبآ يا أمي " أغلقت علياء الكتاب ووقفت بسرعة تفتح ذراعيها تدعوه ليقترب فاندفع نحوها يخفض هامته ليضع جبينه على كتفها الهش وهو يحتويها فتضيع فيه لا يظهر منها رأسها الذي استدار نحو وجهه تتأمله بقلب تنفس الصعداء بعد طول غياب وهي تقول " لمتى يا شاهين كلما خرجت سأظل أنتظرك كأنك ذاهب للحرب، متى سينتهي كل هذا " أغمض شاهين عينيه المتوارية في رحاب صدرها وقال بخفوت " حين يأذن الله كل شيء سينتهي، وحتى الآن أنا بخير" دفعته عنها بحدة وقالت " ماذا تعني بحتى الآن " كان آصف يقف على مدخل الغرفة يرتكن للحائط يشاهد ما يحدث بهدوء تام، لتقول ريناد بخفوت لسيدرا " سأنسحب أنا لكني سأنتظرك بالخارج " لم تجبها سيدرا التي مازالت تنظر للجهاز اللوحي باهتمام ولكن قالت لوالدتها " لا داعي للقلق على شاهين يا أمي، إنه صقر جارح لا يستهان به، أسلوبك معه لا ينم عن ثقة " التفت شاهين نحو أخته وقد تبسم طرف شفاهه بينما رفع آصف حاجبه مذهولآ من العته الذي يسمعه بينما نظرت والدتها نحوها بغضب ثم قالت لشاهين " حتى أختك أفسدتها بأفكارك فصارت تظنك فلاذ لا يفل يخرج لقهر الأعداء كأننا في زمن غابر " حركت سيدرا رأسها نحو أمها ترفع كفها تقول بأسلوب يشبه أسلوب شاهين كأنها متشربة لتفاصيله " أنا أذكى كثيرآ من الانقياد لهذا النقاش سيدة علياء لذلك لاتعليق " ثم نظرت نحو شاهين ووقفت على قدميها تتحرك نحوه بحماس قائلة بمرح " كل الدعم يا وحش ...هل قتلت الأعداء جميعا " ليضرب شاهين كفه بكفها بحركة شبابية وهو يسألها " سمعت أنك قمت بإخراج علياء هانم من المنزل بلا خدش واحد " نظرت سيدرا تجاه أمها وهي تقول بامتعاض " وكما ترى لم أتلقى شكرآ واحدآ " وضعت علياء يدها على قلبها تقول بصدمة " ستكونان سبب موتي لا محالة" اعتدل آصف مضيقآ بين حاجبيه ينظر لشاهين الذي وضع ذراعه فوق كتف أخته كأنه يدعمها فيما تتفوه به، ثم عاد بعينيه لريناد التي تدلى فكها مما يحدث خاصة حين همس شاهين لسيدرا " بالصباح حين قطع رجالي طريق كلاب الشافعية الذين كانوا يترصدون بي أسفر الاصطدام العنيف عن اندفاع احدى السيارات لتطيرعلى ارتفاع أمتار قبل أن تسقط أرضآ منفجرة تماما " نظرت له بانبهار وقالت " كان عليك توثيق هذه اللحظة من أجلي، فهذا المشهد دومآ ما يتكرر في أفلامي المفضلة لكني لم أعايشه يومآ على الطبيعة، لابد أن تصحبني في مغامرة من هذه المغامرات يومآ ما " تخلت علياء عن أسلوبها الأرستقراطي وارتفع صوتها قائلة " على هذه المهزلة أن تتوقف فورآ، أين منصور؟ " كانت علياء تنظر خلفه فالتفت ليتفاجيء بوقوف آصف الذي يبدو أنه تعمد بقائه فزجره بنظرة محذرة لكن آصف الذي استمع لصوت زامور سيارة بالخارج قال " أظن زكريا وصل لعل عمي منصور برفقته " تحرك شاهين خلفه يسحب سيدرا تحت ذراعه بينما تبعتهما علياء وريناد لتصرخ سيدرا بسعادة " جوري " لتصرخ ريناد بهلع حين دخل شبل أسد من باب القصر يجري تجاه سيدرا التي انحنت تضمه وتربت على رأسه بقوة ثم تقول لزكريا " كنت قلقة عليها جدآ" فتدخل شاهين قائلا " من الواضح أن جوري لدى أخيك أهم منك، فحين علمنا بالهجوم وجدته يصرخ أمي وجوري يا شاهين " اقترب منه زكريا ينظر باستغراب تجاه ريناد التي كانت ترتجف بشكل واضح وقال " الخوف يكون على الأشبال وليس الأسود يا ابن أبي " ضربت سيدرا كفها بكف أخيها بزهو وقالت " صدقت أنا لا يخاف عليّ، الخوف على من يقترب مني " ابتسم زكريا الذي قد أخذ جرعة مكثفة من المسكنات لكن هذا لم يمحْ منظره المكدوم بأكمله وقال " ابنة أخيك حقآ " هدرت به علياء " أين أبيك يا أخر صبري، أين هو لينقذني من هذا الوضع فأنا فقدت السيطرة عليكم " تدخل آصف قائلا " اهدئي سيدتي " نظرت له بغضب وقالت " ألا ترى ما يحدث أمامك " حرك رأسه بحركة تمثيلية زادت من توعد شاهين له وقال " أرى سيدتي، تأثير ابنك على كل من حوله جارف " نظرت علياء نحو شاهين وقالت " ويا ليته تأثير جيد " ابتسم آصف يرمق شاهين بشماتة بينما ريناد لم تكن تعي بما يدور ومنظر زكريا المخيف يرهبها بجانب وجود أسد طليق على بُعد مترين منها فقال شاهين مزمجرآ لكن بخفوت وأدب " أمي نحن لسنا بمنزلنا، زكريا سيأخذك وسيدرا لمنزل آمن وسيأتي لكما بكل متطلباتكما ستبقيان هناك حتى تهدأ الأوضاع " سألته علياء بخوف " وأنت وأخوك وأبوك أين ستكونون وكيف ستتركانا بمفردنا، ألا تخشى علينا؟ أجابها مطمئنآ " نحن سنكون مع العائلة التي تتعرض لهجوم عنيف من الشافعية، رجال العائلة جميعآ لم يغمض لهم جفن منذ ما حدث، هذا ليس وقت الراحة يا أمي" نظرت له وقالت بغضب " لا راحة تأتي من خلف الثأر يا شاهين " كأنما لم يسمعها قال " ثم أنا لا أخشى عليك ومعك سيدرا وجوري، أنت ستكونين تحت حماية لا يستهان بها " نظرت له والدته بلوم وتحركت نحو الخارج فأسرع زكريا خلفها ليقول شاهين لسيدرا " هل أستطيع أن أعتمد عليك " أجابته بابتسامة مشرقة " حتى آخر نفس يكتب لنا في تلك الحياة أيها الشقيق " ابتسم شاهين بتأثر في ظاهرة تفاجيء آصف لها وهو من غابت عنه انفعالات عدة منذ سنوات، ليهمس لأخته بشيء جعل آصف يحترق فضولآ لمعرفته لكنه لم يستطع فشاهين كان يقف محتجز بينه وبين أخته التي انسحبت نحو الخارج تبتسم وهي تلوح لأخيها ليرتفع صوت إنذار سيارات الشرطة التي توقفت تحاصر مدخل القصر ليتجمد الجميع من الصدمة.
_______________
لا تسأليني عن أسبابي يومآ والتقطي حبل نجاتي بصمت فإن لم تكشف لك عيناي ما طويته سرآ سيتكفل بذلك امتداد الوقت، فقط لا تظنيني حرآ فمن قبل أن ألتقيك وأنا أسير حرب مازالت قائمة لم تنتهي لأني في خوضها تألمت وأخفقت.
………..
غاضب حد أن يشعر بأن دمائه تفور في مراجل أوقدت عليها نيران واقعه الذي أشعل في حطب صبره فأحالته رماد وتطاير بلا عودة تحت كم الضغط الذي يرزخ له، الأمور تتعقد وكل عقدة تفوق الثانية تعقيدآ وهو ما عاد به من الجلد ما يجعله ينازع ليحافظ على أي شيء داخل تلك الحياة التي آلمته ما رحمته، وألقته لوحدته ما احتضنته، وبعثرته في تجارب مؤلمة فما جمعته يومآ ليعيشها راضيآ لمرة واحدة فقط.
أحيانآ يتسآل عن شعور الرضا، يبحث داخله لعله مر عليه يومآ فشعر به ولو للحظة لكن أبدآ، دومآ ما ادّعى وجوده رغم أنه لم يأتيه فمن سيرضى بحياة مثل حياته، من سيرضى أن يكون إنسان تكوينه بعضآ من ذكريات قاسية وبعضآ من تجارب كالجحيم وابتلاء يرصده أينما حل كأن لا فكاك منه إلا الموت، سارع رائف خطواته حتى توقف في نفس المكان الذي كان يرصد منه المبني الذي تقيم فيه أصالة صباحآ، ظل يراقب الوضع لدقائق ويحدد اللحظة المناسبة التي ستمكنه من التسلل إلى الداخل بدون لفت نظر الغربان التي تحوم بالمكان لمراقبتها واقتناص فرصة جديدة لخطفها بهدوء دون إثارة غضب أسرة المافيا المسؤولة عن المكان،
وبمجرد اقتراب بضعة شباب يغنون بصخب من أمامه مشتتين انتباه الجميع تسلل من خلالهم بخفة للمدخل وصعد الدرج حتى توقف أمام شقتها وطرق الباب لم تأتيه إجابة فعاد لطرقه وهو ينظر خلفه لكن حين لم تأتيه إجابة زاد توتره وخاصة حين تعالى صوت لشخص استخدم الدرج بدل المصعد فأخرج من ساعة يده شيء حاد دفع به في الفتحة المخصصة للمفتاح فانفتح الباب ليدخل مسرعآ مغلقآ الباب خلفه ينظر بحذر في أركان الشقة الظاهر لعينيه لتنطلق صرخة خافتة جعلته يسرع نحو مصدر الصوت ليقف ملتقطآ أنفاسه حين وجد أدم يجلس في مقعد للأطفال وأصالة تقف أمام الموقد المشتعل تبكي بحرقة ويبدو أنها سكبت اللبن الساخن على كفها، فارتاح قلبه وهمّ بالتراجع قبل أن تراه لكنها لم تعطه فرصة وهي تلتفت بحدة تقول لآدم " أنا أكره الرجال وخاصة أنت و ….لتتوسع عينيها بصدمة ويصيبها الخرس اللحظي قبل أن تنطلق صرختها المفزعة التي جعلت رائف يقترب منها مسرعآ بوجه عابس يقول " اصمتي ...لاداعي للصراخ، لا تضطريني أن ألمسك واصمتي حالآ" وضعت كفيها على فمها وهي تهز رأسها بعنف فرفع رائف ذراعيه وقال " لا تخافي، رسالتك أقلقتني عليك، فظننتك ستفعلين أمر غير محسوب، لقد كنت أنوي الانسحاب بعدما تأكدت أنك بخير لكن تصريحك المفاجيء بكرهك للرجال لم يعطني الوقت " احمر وجهها بقوة وعبست قبل أن تبعد كفيها عن فمها ببطء وتقول بصوت يرتجف " أنت حرامي؟ أم ظننت أن فتاة ضعيفة تجلس وحدها بدون حماية فهي صيد سهل لمرضى النفوس، لا أنت متوهم فأنا ….صمتت تستدير حولها تبحث عن شيء تدافع به عن نفسها فأشار لها رائف على العلبة المعدنية التي تراست بها السكاكين الحادة فأسرعت تسحب أحدها تشهرها في وجهه وهي تقول بخوف " أنا سأقتلك ...فكر في أذيتي فقط ...نظر لها رائف بغضب وقال بعنف " هل أبدو لك متعدي على الأعراض، اتركي السكين من يدك لكي لا تؤذي نفسك يكفيك الحرق الذي ألم بكفك الأخرى " ارتجف كفها وتساقطت الدموع من عينيها تنظر له بوجه بائس أشعره أنه ليس وحده البائس في هذه الحياة وقالت " أسألك بالله أن ترحل فلا تؤذني، إن كنت مسلم حقا فانت تدرك جيدآ مغبة التعدي على ضعيف، تدرك مغبة التعدي على المحصنات، خذ ما تريد وارحل لن أسبب لك مشاكل لكن لا تقترب مني " حديثها صدم رائف الذي تراجع للخلف خطوتين وهو ينفي عنه تلك التهمة الشنعاء قائلا بصوت أكثر صدمة " ماذا رأيت مني لتظنيني سأتعدى عليك كل ما في الأمر أن رسالتك أقلقتني فظننت أنك في خطر وجئت بلا تفكير " هزت رأسها برفض وقالت " لن أصدقك أبدا، فشيم الرجال هو طرق الأبواب وليس التسلل منها، لو أنك طرقت الباب لكنت صدقت ذلك الحديث…لكن لا، أنا لست في وضع يسمح لي بتصديق كلام قد يبدو مريح في خارجه بينما بداخله يعرضني للخطر " تراجع رائف للخلف أكثر قائلآ بغضب " وهل تظنين أني كمعتدي اتناقش معك موضحآ ما حدث من باب تسهيل الاعتداء، أتدرين أنا لم يكن عليّ القدوم، لم يكن عليّ التورط في أكثر مما أنا متورط به بالفعل، يكفيني صراعاتي وهمومي لأزيد فوقهما مسؤولية ثقيلة كأنت وهذا الطفل، أنا لن أعتذر عن اقتحامي لشقتك الغير مؤمنة لانه غباء مني ولا أحد يعتذرعن غبائه "
تحرك رائف خارج المطبخ فحملت أصالة آدم الذي غفا بحرص تلفه بذراعها ثم حملت السكين وتحركت خلفه لكي تتأكد من رحيله حتى رأته يقف أمام الباب ويستدير لها قبل أن يفتحه قائلا " وبما أني قررت أني لن أتدخل بأمرك أريد فقط أن أخبرك أني علمت أن أخيك متورط مع رجال قذرة يترصدون بك منذ مدة، وما حدث بالصباح لم يكن محاولة للتنمر بل محاولة اختطاف انقذتك منها لذلك كوني حذرة، ولا تتركي هذا السكين من يديك بعدما أرحل ..لا تتركينه أبدآ إلا أمام منزلك حين تعودين إلى أرض الوطن " سقط السكين من كفها وتراجعت للخلف وهي تسأله بصوت منهار " هل سيقتلوني إذا وقعت بين أيديهم، أم سيكون هناك أمل أن أعود لمصر، أنا كنت أشعر أني مراقبة لكن ظننت أنه أخي يضعني تحت عينه حتى يعود " زعق رائف بصوت حاد " أخيك هذا عار على الرجال " أغمضت عينيها تنكمش من صوته الحاد لكنه ظل على وقفته وقال " لا تفكري في الوقوع بأيديهم فمحال من يأخذوه أن يعود، اصمدي هنا قدر استطاعتك لعل المدعو أخيك يعود لينتشلك من هنا " هم رائف بفتح الباب فقالت له بسرعة وخوف " انتظر " التفت لها رائف فتحركت نحو إحدى الغرف وبقيت داخلها لدقيقة قبل أن تعود بدون آدم وهي تحمل حقيبة أفرغتها تحت قدميه ليتساقط منها مبلغ كبير من الدولارات وقالت " خذها كلها وأعدك أن أعطيك مثلها وأكثر إن أعدتني إلى مصر، فقط أعدني واطلب ما تشاء " نظر لها رائف باستنكار وسألها بحدة " ماذا تظنيني " لم تفهم سؤاله ولم تدري بما تجيب، بدت تائهة ..ضائعة وتريد نجدته، وبدى غاضب مثقل يخشي التورط لكنهما انتفضا معآ على صوت الهمس القادم من أمام باب الشقة، نظرت أصالة لرائف بخوف فنظر من العين الموضوعة بالباب والتي تكشف ما يحدث بالخارج ثم أشار لها نحو المال وهمس " اجمعيه بسرعه، لقد قرروا إنهاء مهمتهم اليوم، ادفعي بذلك السكين نحوي بهدوء واذهبي واحملي آدم واستعدي " نفذت ما قاله بسرعة ثم أسرعت نحو الغرفة التي بها آدم تفرغ المال في حقيبة أكبر كانت تعدها دومآ من أجل الطوارئ، ثم ارتدت حذائها الرياضي أسفل إسدال صلاتها الذي كانت ترتديه وارتدت حامل مخصص للأمهات وضعت به آدم النائم لينتهي استعدادها السريع بأن ارتدت الحقيبة الضخمة على ظهرها ووقفت خلف الباب ترهف السمع لما يحدث بالخارج لتنتفض حين سمعت صوت باب الشقة يفتح وبعدها تعالت أصوات تحطيم وعنف وصراخ مكتوم، أغمضت عينيها وتقوقعت خلف الباب تبكي لينتهي كل شيء وهي تشعر بنفسها تسحب لأعلى لتقف وحمل الحقيبة يخف عن ظهرها بينما صوته الخشن يقول " هل تفقدين وعيك ….ليس الأن تماسكي " كانت تتحرك كالمغيبة تكاد لا تشعر ولا ترى حتى وجدت نفسها تجري في شارع ضيق يملأه نسيم عليل تضم آدم بذراعها وذراعها الآخر معلق بقبضة قوية لخيال يحمل على ظهره حقيبة ضخمة ويسحبها، لتظل تعدو لكنها لم تكن تستطيع فعل ذلك أكثر.
________________
كيف لسقوط أن يستمر بلا لحظة ارتطام، كيف لذلك الشعور المفزع الذي يلازمنا حينها أن يستمر بلا نهاية، بل كيف تستمر محاولتنا للنجاة رغم اليقين أنه لا جدوى، وكيف يبقى الأمل أن هناك منفذ من تلك اللحظة رغم استحالة ذلك.
………….
هناك شعور يسيطرعليها تمامآ في تلك اللحظة، شعور جارف حزينة هي للخضوع له، حزينة أنها تركته يجتاحها وما تمردت حتى تخلصت منه، حزينة أنها لأول مرة تشعر بالاستسلام واليأس، تشعر بالقهر والظلم، تكاد لا تتفوه بكلمة لا تريد أن تسأل وليست مستعدة لتسمع فكل ما يحدث أمامها ينبئها أن الحرب هذه المرة لن تنتهي إلا ودمرتها تدميرآ، الوجوه لا تبشر بالخير العيون تناظرها بتوتر وهي ساكنة تمامآ في انتظار وصول أخيها الوحيد الذي تحتاج إليه في تلك اللحظة، تمسكت تولين بذراعها بقوة تقول بصوت مهتز " مؤيد في الطريق ...اطمئني " هزت كنزي رأسها وهي تسير خلف سمراء التي تجاري الضابط المسؤول عن المناوبة الليلية والذي فاجيء فارس بوجود أوامر بتحرير محضر ضبط وإحضار لكنزي لكي تُعرض على النيابة صباحآ، حاول فارس بكل قوته مساعدتهم لكن يبدو أن الأوامر كانت صارمة فانسحب فارس بعدما وصى عليهم الضابط المسؤول الذي فتح باب غرفته الخاصة وقال " تفضلن، أنا سأفعل ما بوسعي لأجل فارس لكن لأكن واضحآ وضع الآنسة صعب وكل الأدلة والشهود الذين ذكروا في محضر السيد عابد الشافعي ضدها، لقد ألقي القبض على حارسها وهو الآن يتلقى علاجه تحت الحراسة، كما أن هناك يد عُليا تحرك قضيتها وحسب توقعاتي كلها ساعات قبل أن ينتشر الخبر محولآ قضيتها لقضية رأي عام " سألت تولين بصدمة وهي تلتصق بكنزي كأنها تحتويها " لماذا جريمة رأي عام، صدقني حضرتك كل ما حدث كان دفاعآ عن النفس " أجابها الضابط " هذا حديثك يا آنسة، لكن البراءة تريد أدلة وبراهين، ثم لو أن حديث فارس دقيق وهذا الأمر مدبر مؤكد أن من دبره قد سرب الخبر والمواضيع المشابهة تكن وليمة للصحف الصفراء، وفي لحظة ستكون الآنسة كانت عائد من حفل صاخب ليست في كامل وعيها وقتلت الخارجيين لشجار بسيط نشأ بينهم وبين حارسها وهي في حالة سكر " رددت تولين بصدمة " سُكر " لم يجبها أحد حينما تقدمت سمراء تجلس على الكرسي المقابل للضابط وتقول " أرجو من حضرتك تفهم حالة الآنسة كنزي، إن صمتها ليس سوى صدمة فما حدث بالأمس مازال أثره لم يزل لنتفاجيء بوجود الشرطة، لذلك أتمنى لو تساعدنا وتحرر محضر ضد عابد الشافعي لمحاولته هو ورجاله التخلص من موكلتي وهذا اضطرها للدفاع عن نفسها بسلاح حارسها المُرخص " نظر لها الضابط بعجز وقال " أنا هكذا سأكون قد خالفت اوامر عُليا مباشرة ووضعت نفسي في خطر للأسف أنا متفهم للموقف لكن خطوات السيد عابد كانت أسرع منكم بكثير ويبدو أن سيطرته بالغة " سألت تولين " ما الحل إذآ ...ماذا يعني هذا الكلام أنا لم أفهم شيء " لم بجبها أحد بل نظرت سمراء للضابط بتصميم وقالت " حضرتك نحن أيضآ لدينا علاقات نستطيع بها تأمين سيادتك افتح المحضر واطمئن لك كلمتي " هز الضابط رأسه برفض وقال " كنت أتمنى أن يكون الأمر بتلك السلاسة لكني لا أستطيع فعل ذلك قبل وصول أوامر عُليا تنفي ما جاء قبلها وتأمرني بتعليمات جديدة بخصوص قضية الآنسة " وقفت سمراء بغضب بينما ينفتح الباب بلا استئذان بشكل أثارغضب الظابط الذي وقف يهدر بغضب " ما هذا " ليقف أمامه مؤيد ومن خلفه الشباب يقول " مؤيد الجوهري أخو الأنسة كنزي واريد أعرف من أعطى أوامر بالقبض عليها وكيف تجرأ "
قال له الضابط وعينيه تجري على الواقفين خلفه بتدقيق " أنت هكذا لا تساعد أختك سيد مؤيد، من فضلك اجلس لنتحدث ولينتظرك البقية خارجآ " تحركت تولين نحو بشر تفسح المجال لمؤيد الذي جلس بجوار كنزي يطمئنها ويهدهدها، بينما أغلق ليل الباب بحدة وقال للظابط " نحن لسنا بقية يا حضرة الظابط، نحن إخوتها تكلم وأنت مطمئن " فسأل بشر الذي ضم تولين لجواره " من فضلك وضح لنا ما يحدث " قال الظابط بتجهم " لقد شرحت كل شيء للآنسة سمراء والأنسة تولين " كان التجهم هذه المرة من نصيب ليل بينما تخلى بشرعن هدوئه وهو يقول بعصبية " ما الذي شرحه الظابط لك يا سمراء " صحح له ليل بعنف " تقصد الآنسة سمراء " لم تلتفت سمراء لليل بينما تنظر لبشر وتقول " وضع كنزي صعب عابد الشافعي حرر ضدها بلاغ يتهمها بقتل حارسيه محضرآ أدلة وشهود وبعد ذلك أتت أوامر عليا لحضرة الظابط بإحضار كنزي وتحرير محضر ضبط لها لكي يسوء موقفها أكثر بالقضية " صمتت تنظر لمؤيد الذي ظهر على وجهه الفجع يقف خلفه طاهر المصدوم يجاورها سيد الذي سحبت ملامحه ثم فخر العابس بشدة لتنتهي بوجه حذيفة الذي سألها بتوتر " ماذا حدث بعد ذلك " نظرت سمراء لليل كأنها تطلب دعمه فتحرك من خلف الباب يمر خلف تولين وبشر حتى وقف خلفها فتنفست بعمق وقالت " حاولت إقناعه بتحرير محضر ضد المحضر والتغاضي عن أمر الضبط والاحضار لكنه رفض فعل ذلك إلا بأوامر عليا لكي لا يتهم بمخالفة الأوامر " سألها مؤيد وعيونه تبرق بالغضب " كيف سيساعدنا ذلك " أجابته سمراء بهدوء " سيكون موقفنا قوي لإثبات أن القتل دفاع عن النفس لا أكثر وحينها لن تتعرض كنزي لمساءلة قانونية ويسقط الاتهام "
نظر مؤيد لبشر الذي بادله النظر بتفكير لتكمل سمراء " بل حينها سيكون عليهم إلقاء القبض على عابد الشافعي رأس الأفعى التي تشعل الوضع بالخارج لأنه سيكون متهم بمحاولة قتل كنزي وسارة وحارسها " ضم مؤيد أخته بقوة ومال يقبل رأسها قبل أن يقول للضابط " خلال دقائق ستصلك الأوامر، كنزي الجوهري لن تدخل الحبس ليلة واحدة " قال الضابط " يجب أن تعرض على النيابة صباحا " فتدخل ليل قائلآ بخشونة " إذآ بعد اذنك سنقضي ليلتنا بمكتبك حتى تعرض على النيابة ونرحل صباحآ " لم يتفوه الظابط بكلمة بينما قالت سمراء " أريد سارة لأخذ إفادتها فهي أيضا ستحرر محضر بالحادثة " تحرك طاهر قائلا " سأبلغ سلطان " تبعه سيد الذي أوصاه بشر بالعودة والبقاء قريبآ من باقي الفتيات والأطفال، ليجلس حذيفة بجانب كنزي يحدثها بهدوء بعكس فخر الذي تحرك تجاه أخيه يسحب بطاقته البنكية وذهب لشراء بعض المشروبات والطعام. ……...
بعد ساعتين وأكثر…
تحرك سلطان بجوار سارة التي وصله أمر مؤيد بإحضارها إلى القسم لكنه لم يسمح لها أن تتحرك إلا بعدما غيرت ملابسها وأخذت دوائها وتناولت القليل من الطعام لكي يرضى أن يذهب بها نحو ذلك المكان الذي يرفض فكرة دخولها إليه جملة وتفصيلآ موترآ أعصاب الجميع بتأخره عنهم ومزيدآ للضغط الذي يتعرضون له، مشعلآ لغضب مؤيد الذي تعب كثيرآ حتى تواصل مع شخص ذات سلطة استطاع تغيير مجرى الأحداث لصالحهم ، رن هاتف سلطان فتجاهله وهو يحاوط أخته بذراعه يناظر كل المارة من الذكور في هذه الساعة داخل القسم بعدائية كأنه يحذرهم من النظر إليها حتى وصل إلى الغرفة فطرق الباب بعصبية ليفتح له مؤيد الذي قال بعصبية " لقد مر أكثر من ساعتين منذ هاتفك " أجابه سلطان بحدة " كنت أعطيها وقتآ لتستطيع الوقوف على قدميها، لن أنتظرها لتفقد وعيها مني مجددآ داخل قسم شرطة " تدخل بشر قائلآ بهدوء " سلطان محق يا مؤيد، الحمد لله أنها استطاعت القدوم بعد كل ما حدث لها " أجابه مؤيد " أعلم ولكن كنت أريد أن ننتهي من هذا قبل أن يخرج الضابط لمهمته، الآن علينا انتظاره " نظر سلطان للمكتب الخالي من صاحبه وسأل بغضب " أين ذهب " أجابه طاهر " جاءه أمر بمهمة طارئه وهو على وصول، اجلس واهدأ " هدر سلطان قائلا " لن أهدأ أبدآ وأختي بهذا المكان أين هذا الظابط لينهي ما جئنا لأجله، إن لم يكن موجودآ ابحث عن غيره المهم أن نرحل " اقترب منه ليل قائلآ " أخفض صوتك نحن لسنا بمنزلنا إنه قسم شرطة وبصوتك هذا قد نبيت هنا خمسة عشر يومآ " نظر له سلطان بغضب فيما تحركت سارة لتجلس بجوار كنزي وتولين فافسحتا لها المجال لتجلس بينهما ليتجاورن حد الالتصاق بدعم كبير، وبشر يقول " سأهاتف الضابط لأعرف كم سيغيب، مؤكد لن يتأخر أكثر " وقبل أن يخرج بشر يده من جيبه كان الضابط يظهر وخلفه يقف شاهين وزكريا يتقدموا داخل الغرفة التي ما عادت تسع فردآ آخر، ليتجهم ليل ويتحفز مؤيد ويتوتر طاهر ويحتد سلطان بعنف حين قال شاهين بقوة وكبرياء " أنا لم أقتل أحد، بل تعرضت لمحاولتي قتل في الأربع وعشرين ساعة المنصرمة أخرهما شهدته الآنسة " حينها رفعت سارة وجهها لتقع عينيها في عميق عينيه على حين غرة، كان يناظرها وهو يفكر بغضب عميق في نفسه أنها المرة الثالثة بين يوم وليلة التي يوقعها القدر في دربه منقذة ولكن سلطان لم يدع له الفرصة ليتبحر في أفكاره أكثر وهو يلطمه على وجهه قاصدآ فقع عينيه التي ناظرتها بثقة وجرئة ويقين.
________________
يا من تلقنت على يديك فنون الحب والح.رب، وغدوت أعيش نشوتي حين تتغزل في ثوبي، وأهيم حالمة فوق حدود البشر حين تشكوا من بعدي، ويعود عمري بعد فراره حين تنتهي خطواتك على أعتاب بيتي، كم أحببت حبنا حين بدأ وكم أمقت ما حدث لنا مع الوقت.
…………..

تقف أمام المرآة ذات الانعكاس الباهت لجميع الألوان، كأنها بعد هذه السنين الطويلة التي بقيت فيها معلقة داخل باب هذه الخزانة القديمة قد شاخت ولم تعد قادرة على عكس شيء سوى يأسها من الاستمرار في كونها مرآة تعكس كل شيء ولا تعكس لها أي مشاعر، مجرد جماد لا يلتفت له أحد ولا يهتم به.
ابتسمت سيادة بسخرية تفكر أنها وتلك المرآة تتشابهان إلى حد كبير وهذا في حد ذاته حقيقة موجعة، فهي أيضآ لم تستطع حين تحتم عليها الأمر أن تعكس مخاوفها وتصرخ بها، لم تستطع أن تتحدث أو تفصح، لم تستطع أن تبوح وتصارح وانتظرت بصبر تفهم المحبين أن يطفو، انتظرت إحساس القلوب أن يتخذ موقف، انتظرت الثقة في الطرف الآخر أن تحل الأمر لكن خانتها كل توقعتها حين لم تجد سوى ظهر يعبرها كأنه دهسها ومر، كأنها لم تكن، وكأنه لم يكن بالقلوب شيء يذكر، أغمضت عينيها بحرقة تتأوه بخفوت من الجرح الغائر بخافقها قبل أن تتنفس بعمق وتفتح عينيها لترسمها بالكحل بطريقة محترفة ثم تكمل وضع زينة وجهها بدقة وهي تحمد الله أن ماسة ستبدأ بغفوة هادئة بعد معاناة طويلة مع انتفاخ معدتها الذي جعلها تصرخ بشكل متواصل طوال اليوم، التقطت فستانها الأسود ترتديه وقبل أن تغلق السحاب الجانبي للفستان دفعت ببعض الأوراق بين جسدها والسحاب ثم أغلقته جيدآ و استدارت حول نفسها تتأكد من ثبات ما تحمله، وبعدها وقفت تتأمل نفسها للحظة وهي تقول بصوت مسموع " ماذا تغير يا سيادة " لتنظر لعينيها بقوة من خلال المرآة وهي تجيب نفسها " تغير الكثير " ثم تتحرك نحو ماسة التي غفت تبتسم لها بحنان جارف وهي تلتقط عباءة سوداء تضعها فوق فستانها الذي سيكون ملفت جدآ لو خرجت به في شوارع هذه المنطقة البسيطة واستعانت بحجاب لتخفي شعرها المصفف وتداري به زينتها المتقنة قبل أن تحمل ماسة بهدوء وتتحرك خارج الشقة تنزل السلم وهي تضمها لتطرق باب بالطابق الأرضي فتفتح لها صاحبة المنزل وهي تقول " بسم الله الرحمن الرحيم...خير يا أم ماسة ...ما الذي أخرجك من شقتك في هذه الساعة هل الفتاة بخير " ابتسمت سيادة بتوتر وقالت " هل يمكنني ترك ماسة عندك لساعتين فقط، لدي أمر هام علي إنجازه وسأعود " دققت السيدة في وجهها بارتياب وقالت باستنكار " أي أمر هذا الذي يجعل واحدة مثلك مازالت نفساء تخرج في هذا الوقت تاركة رضيعتها، متزينة بهذا الشكل " نظرت سيادة لماسة بتفكير ثم قالت " لقد جاءني هاتف من أهل والد ماسة يريدون التحدث معي ونظرا لشحوب وجهي منذ الولادة قررت الاستعانة ببعض الزينة فأنا لم أقابلهم من قبل ...ادعي لي يا حجة " تعاطفت السيدة معها بسرعة وقالت " لا بأس يا ابنتي لعله خير إن شاء الله، اذهبي إليهم بقلب يؤمن أن الله لن يضيعه وحين تدخلين عليهم قولي في نفسك اللهم إني أستجيرك فأجرني والله سيكون معك وينصرك عليهم لا تقلقي على طفلتك فهي بأمان حتى تعودي " شكرتها سيادة وهي تترك ماسة بين ذراعيها وقد داهمها خوف الأم الفطري على رضيعتها لكنها كانت تملك من الإرادة ما جعلها تسرع نحو الخارج فلديها حفل تريد التسلل إليه. ………….
بعد قليل كان حذيفة قد استأذن من الجميع بعدما اضطره تأخر الوقت للانسحاب والعودة لمنزل فخر ليرتدي حلة قد جهزها من أجل ذلك الحفل الذي كان يطيح بأفكاره ليومين كاملين،
مشاعره ليست في اتزانها السابق، حتى أحلامه عادت لتعامله بمنتهى السادية وتجعله يعيش كوابيس مفزعة جعلته يخشى البقاء بمفرده ويلجأ إلى منزل فخر المفتوح له على الدوام، لا شيء فيه ثابت كأنه ينتكس، وهذا شعور بالغ السوء، شعور يجرف إلى بقعة سوداء لا يريد أن يعود لها.
رفع حذيفة عينيه نحو المزرعة الضخمة التي يقف خارجها حراسة عسكرية مكثفة تدل على أن هناك شخصية مهمة من رجال الدولة قد وصلت، فيما توقفت سيارات المدعوين تنتظر دخولها بتنظيم فأبطأ السرعة وتوقف خلفهم وهو ينحني للأمام مسندآ جبهته على مقود السيارة كأن رأسه المليء بالأفكار أثقل من أن يحمله ليتفاجيء بالباب المجاور له يُفتح وتركب سيدة السيارة بجواره بسرعة قبل أن تغلق الباب وتتنفس بعمق وهي تستدير تنظر نحوه قائلة " أعتذر جدآ عن اقتحام سيارتك، لكنها السيارة الوحيدة التي يجلس بها رجل دون رفيقة وكانت فرصتي الوحيدة لدخول الحفل "
نظر لها حذيفة بتعب وقال مصححآ " التسلل إلة الحفل ...ما غرضك " نظرت له سيادة وقالت " أنا صحفية أريد أن أدخل الحفل لأجل العمل، فصاحب الحفل رجل غامض في عالم المال والأعمال وسيكون موضوع دسم للقراء " دقق حذيفة في عينيها للحظة وقال " أنت كاذبة ...ولكني لا أمانع تسللك للحفل، لا ضرر من مساعدة الجنس الناعم " امتقع وجه سيادة من حديثه لكنها قالت بخفوت " شكرآ لك " ابتسم لها حذيفة وقال " على الرحب أيتها الجميلة " أشاحت سيادة بوجهها نحو النافذة وهي تقول " تحرك لقد تمهد الطريق "
اقترب حذيفة من طاقم الحراسة الذي يقف أمام المزرعة فانحنى أحدهما نحو نافذته يقول بلطف " أريد دعوة سيادتك من فضلك " التقط حذيفة الدعوة من الجيب الداخلي لسترته وقدمها للحارس الذي نظر لها بتدقيق ثم قال " هذه دعوة كبار الشخصيات ودخولهم لا يكون من هذه البوابة، يمكن للآنسة أن تسبقك للداخل وتنتظرك حتى تلحقها " عبس حذيفة يسأله " من أي بوابة علي الدخول " ابتسم له الحارس وقال " لا تقلق سنقودك إليها يا سيدي " قال حذيفة بجدية " أريد من يقود الآنسة إلى طاولتنا لتنتظرني " قال الحارس بلطف " سيكون هذا من دواعي سرورنا سيدي " ثم أشار لزميل له وقال " السيدة ستدخل بسيارة خاصة بنا لأن المسافة ممتدة بالداخل ...وأنا سأقودك نحو البوابة الأخرى " التفت حذيفة ينظر لسيادة بعبث وهو يقول بخفوت " تحت أمرك أيتها الجميلة " عبست قائلة له " شكرآ لك " همت بالترجل من السيارة ليوقفها حذيفة هامسآ " ألن أعرف اسمك على الأقل " نظرت له بطرف عينها وقالت " يكفيك أن تعرف أني مدام ولست أنسة، ليلة سعيدة يا سيد " ثم ترجلت مغلقة باب السيارة يقودها حارس آخر نحو سيارة تحمل شعار شركات حكم عبرت بها البوابة فيما ابتسم حذيفة بلا روح وهو يقول " سعيد أن هناك من تمنى أن تكون ليلتي سعيدة " ثم تبع إرشادات الحارس التي انتهت به في مصعد يسحبه نحو الأسفل.
________________
إن للصمت سمو لا يدركه البشر وقوة لا يشعرون بها، ومهابة لا يتخطونها وفصاحة أبلغ من كثير يقال، الصمت منهج قوي يعتنقه من أدركوا أن للحديث تبعات.
تاركآ كل شيء خلفه متخليآ لساعات عن مسؤوليته الثقيلة، مبالغآ بالتأنق كان فارس يقود سيارته نحو الدار بسعادة غامرة متيقنآ أن القدر لن يتيح له فرصة مرافقة كيان إلى حفل مرة أخرى، فهذه الفرصة جائته بعد ما يقارب الأربعة أعوام من الحوم حولها محاولآ لفت انتباهها أو تحريك مشاعرها حتى فاض كيله واعترف لها بحبه طالبآ يدها للزواج لكنها ورغم مرور عام وأكثر منذ طلبها منها صريحة لم ترحه حتى بموافقة مبدئية بل أبدت رفضها لفكرة الارتباط واعتذرت له بلطف لم يكن قوي كفاية ليحل قلبه من قيدها ويطلق صراحه من ورطته معها، لقد حاول كثيرآ و كل مرة يعود من عندها خائب الرجاء خالي الوفاض يحاول أن يتحرر من مشاعره تجاهها لكن للأسف كيان تربعت على عروش قلبه فحكمت واستحكمت وما عاد هناك سبيل للخلاص، ابتسم بتوتر ينظر لباقة الورد الموضوعة على المقعد المجاور وهو يفكر أن عليه أن يستغل فرصة خروجهما سويآ وأجواء الحفل ويطلب يدها مجددآ قاطعآ عليها كل سبل الرفض والاعتراض، أوقف السيارة ثم هاتفها قائلا " أنا بالخارج كيان " دقيقة واحدة وكانت تظهر أمامه بطلة خطفت نبضه وقطعت أنفاسه كانت ترتدي بدلة سوداء مخملية ملكية التصميم تلف جسدها الاهيف بروعة جعلته يشعر أنها أجمل شيء رآه بعد وجه أمه وبراح صدر أبيه، يعلوها حجاب أبيض أحاط وجهها مضيئا إياه بنورعلى نورها الرباني بينما كان هناك حقيبة صغيرة أنيقة قابعة في كفها اليمنى وهي تقترب من السيارة بخطوات متقاطعة كأنها لعارضة أزياء محترفة أجادت ما انتقته بل وزادته بهاء تقول " مساء الخير فارس " حينها أفرج عن أنفاسه وهو يجيبها بصوت خرج ثقيلا " مساء الخير كيان " أخرجت من حقيبتها دعوة الحفل وقالت له " هذا هو العنوان، لا أعرف هذا المكان في الحقيقة ...هل سمعت عن هذه المزرعة من قبل " حرك فارس عينيه عن وجهها بصعوبة ينظر إلى العنوان المرفق بالدعوة ثم عبس قائلآ " سمعت عنها في الأيام المنصرمة، لقد حدث في تلك المزرعة شجار عنيف منذ أيام له علاقة بقضية توليتها، هل تعرفين شيء عن مرسل تلك الدعوة " أجابته بهدوء بالغ كأنها تنتقي كلماتها بتركيز " لا ..لكن كما تعلم هذه الدعوة جائتني في وقت حرج جدآ وأنت تدرك التفاصيل، ففكرت أنه عليّ الذهاب لربما وجدت هناك من يريد دعم الدار في الخفاء بدون تعريض فتياتي لموقف يجرح مشاعرهن أو يشعرهن بأزمتي التي أمر بها " ابتسم فارس قائلآ " خيرآ إن شاء الله " ثم تحرك بالسيارة وهو يلتفت لها قائلآ " ألم يكن عليك توفير قليلآ من حلاك لليوم الذي تمنحيني فيه موافقتك فأتي إليك وفي يدي المأذون لتصبحين زوجتي وأرتاح " غزت حمرة شديدة وجه كيان التي شعت الحرارة من كامل جسدها وقد بلغ توترها الذروة وهي تجيبه " فارس أرجوك لا تشعرني بالذنب لاستجابتي
لطلبك، أنا أتوتر كلما أخذنا الحديث لتلك النقطة التي لم أخدعك بشأنها أبدآ، أنا لست مستعدة للارتباط بل لا أفكر فيه ولا أريدك أن تتورط معي في انتظار نهايته غير معلومة، هذا غير أن لي وضع خاص سيجعل حياتي دومآ مشتتة وهذا لا يليق بشخصك أو مكانتك ويجب أن تفكر بهذا بجدية " زفرت نفس ساخن بعدما أنهت حديثها ليعم الصمت في السيارة لدقيقة قبل أن يقول فارس " ليس عليك الشعور بالذنب أبدآ كيان فبقائي منتظرآ لك هو قراري الشخصي، قرار رجل يعلم جيدآ أنه يريدك أكثر من أي شيء آخر، يريدك بكل أوضاعك المشتتة والتي لا يمانع أن يشتت بداخلها معك ويعدك أن يكون السند والأمان حتى نهاية العمر " أشاحت بوجهها تجاه النافذة وقد ترقرقت الدموع بعينيها وزاد بداخلها ضغط كفيل بجعلها تفتح باب السيارة لتقفز منها وتظل تعدو وتعدو وهي تصرخ على ذلك الطريق المقفر لربما خرج كل شيء من داخلها بلاعودة تاركآ إياها لتحيا كما البشر، حين لم تجب فارس الذي شعر بخيبة جديدة منها قال بصدق " لا أحد يليق بشخصي ومكانتي سواك يا كيان " أغمضت كيان عينيها تحاول تشتيت نفسها عن أفكارها التي تجعل طوفان الماضي يتدفق بحدة مجهزآ على أي ثبات داخلها ...فهي تريد أن تكون في قمة ثباتها الليلة، تنفست بعمق وهي تلتفت لفارس قائلة " أنا أحترم مشاعرك نحوي، أنا لا أرفضك فارس أنت شخص لا يُرفض، إنسان نادر الوجود وستكون مكسب لأي فتاة ترتبط بها لكن.. صمتت فسألها فارس بحزن " هذه اللكن تقف بيننا منذ سنوات يا كيان، صارحيني بسبب وجودها وأعدك سأتفهم وسأحاول تبديد مخاوفك " في تلك اللحظة كان هناك صراخ عاتي كزئير أسد هائج يدوي في أذنها " لا تقولي لكن " فصمتت تضم شفتيها وقد شحب وجهها وعمّ الصمت بينما نظراتها تهتز برعب
ليسألها فارس الذي يعطي انتباهه للطريق " هل السؤال بهذه الصعوبة ….لقد وصلنا كيان ….لكن حديثنا لم ينتهي، أنا متمسك بك ولو كان رفض والدتي لك ما يقلقك أريدك أن تطمئني تمامآ فربما يومآ ما تصبح مسؤولة معك عن إدارة الدار، والدتي حنونة وأنت تدخلين القلب بلا استئذان وأعلم أن كل واحدة منكما ستجد طريقها لقلب الأخرى، أنا أثق فيما بقلبي كيان، ثقة تجعلني لا أخشى رفضك أو القادم " ياالله ...كيف له بكل هذا اليقين وكيف لها أن تخشى من مثله، لماذا لا تدع كفها لقبضته ليقودها ما تبقى من العمر، لماذا لا تجعل للماضي نهاية وهي تزيحه بكل وجعه وتفتح داخلها ككتاب فارغ يخط به فارس كل ما هو جميل لكن أفكارها المستسلمة لم تستمر كثيرآ حين طفت من جموع الذكرى التي تأسرها في حشود ثائرة صرخة أخرى ضربت جسدها برجفة عارمة من شعرها حتى الأصابع، رجفة غرقت في سواد ما تحتويه لينتشلها صوت فارس الذي يبتسم بمرح قائلا " الحارس يقول أن دعوتك لكبار الشخصيات ولهم بوابة مخصصة للدخول، سيوصلك إليها فيما سأنتظرك بالداخل " حركت رأسها بطاعة تترجل من السيارة نحو أخرى حتى انتهي بها المطاف داخل مصعد زاد انقباض قلبها ورهبتها من القادم.
________________
لا وعود قد تنطلق اليوم، ولا رغبات قد تجاب، ولا وصايا رحل أصحابها قد يكون لها متسع، ولا أمنيات أخفتها الأعين الحالمة قد تتحقق فالمواجهة بين ما نريد وبين ما حدث كفيلة بإيقاف كل شيء قد يساعدنا لنعبر ثقل الحقيقة.
……..
xxxxب الساعة تدور بلا توقف ويدور معها فكرها الحائر في سبب تأخر خالها الذي طال بل وسبب كسره كل القواعد بقضاءه ليلة كاملة بالخارج تاركآ إياها لتبيت الليل لأول مرة بمفردها، قلبها يحدثها أنه أخلف وعده ووضعها أمام الأمر الواقع ذاهبآ إليهم، إلى إخوتها، هي ليست بقليلة العقل كي لا تلاحظ إلحاحه الشديد عليها في الفترة الأخيرة لكي تعطيه موافقتها في ذهابه إليهم بل أنه كان يداوم في طلبه بأمل أن تلين أفكارها وترضى لكنها برفضها القاطع جعلته يلجأ إلى أسوأ الحلول، وأكثرهم جرحآ لها وهذا إن حدث لن تسامحه أبدآ، فسعيه الدؤوب في هذا الأمر تشعره يطعنها في الصميم فأي سبب يجعله يبحث عن إخوة لو أنهم اهتموا بالبحث جيدآ خلف أبيهم لوجدوها يتيمة وحيدة تنتظرهم بأمل وصبر، لكن كيف تلومهم ومن يلام عليه قد أخفاها بكل تجبر كأنها نكرة شيء لا يستحق أن يذكر، وها هو خالها يكمل المسيرة بسعيه للتخلص منها.
أدمعت أعين فاطمة وقد أصابت قلبها غصة قوية بدأت في تدمير ذلك التمثال الكامل الذي كان مشيدآ داخلها للحاج إسماعيل العطار، غصة ذكرتها بكل يوم وقفت فيه خلف الباب بعد وفاة والدها تنتظر أن ترى خيالهم وهو يقترب نحوها دافعآ إياها لتعدو وتمحي المسافات لكي تلقي بنفسها بين أذرعهم ...إنها موجوعة بجرح فقد لم يبرأ لكن يبدو أن جرحها أعمق وأكثر تشعبآ مما ظنت، تحركت فاطمة تطفيء نور المطبخ بعدما وضعت الطعام في حافظات حرارية ثم ولجت لغرفتها وألقت بجسدها فوق السرير تنظر للسقف بشرود لتنزلق دموعها الصامتة في رحاب وسادتها قبل أن تعتدل بسرعة وقد تناهى لأذنها صوت اقتراب سيارة، تقدمت نحو النافذة المغلقة تحاول تدقيق النظر نحو الخارج فلم تتبين شيء فقالت بحنق " تخيلي أن يكون قد قدم مع خالك ضيوف وأنت من ظللت تظنين به السوء لساعة إلا ربع كاملة ...استغفر الله العظيم " مطت شفتيها بعدم رضا وهي ترتدي حجابها ثم تفتح باب غرفتها ببطء تتأكد من خلو الطريق نحو المطبخ وقد تعالى صوت خالها بالمضيفة لتبدأ بتجهيز ضيافة مناسبة حتى مرت نصف ساعة كاملة ظلت مندمجة فيما تفعل قبل أن يدخل خالها عليها المطبخ ينظر للأصناف التي أعدتها وهو يقول بحب " كريمة ابنة كرماء يا فاطمة " رفعت عينيها نحو وجه خالها الذي يناظرها بتوتر يشوبه حزن ثم اقتربت منه تقول " حمد لله على سلامتك، لقد قلقت عليك يا خالي، إنها أول مرة تبيت بها خارج المنزل، لقد أخذتني أفكاري طوال غيابك " سألها بحزن " إلي أين أخذتك أفكارك يا ابنة الغوالي " هزت رأسها بهدوء تقول " غير مهم أبدآ، المهم هو عودتك سالمآ " أحاط خلف رأسها بكفه منحنيا ليقبل جبهتها قبل أن يقول " سلمك الله من الشر وأهله ...فاطمة لقد حضر معي ضيوف " ربتت على صدره تقول " لا تقلق لقد حضرت العشاء وبعض الحلوى و العصائر، أعطني عشر دقائق لأعد المائدة وعندما يتوجهون لغرفة الطعام سأدخل الضيافة المضيفة " نظر لها خلف بعيون ترقرق بها الدمع وقال " الضيوف ليسوا هنا لأجلي بل لأجلك يا فاطمة إنهم إخوتك " كانت تتوقع لكن لحظة الحقيقة تكون ثقيلة جدآ…. شحب وجهها ونظرت له بكسرة قائلة " كنت أعلم ...لكن لماذا " ربت خلف على وجنتها بلطف وقال " لأجلك يا حبيبتي " نظرت له بحزن وقالت " بل لأجلك يا خالي ….ولك ما تريد " لم تنتظر رده وهي تتحرك بغضب خارج المطبخ نحو المضيفة لتقف على بابها وقد نخ اندفاعها لتتجمد أقدامها فيأتيها صوت خلف الذي تقدمها يفتح الباب يقول " أعلم أنك غاضبة لكن حينما تهدئين سترين بحكمتك أن هذا هو ما وجب عليّ فعله منذ سنوات وما معنى سوى رضوخي لرغبتك لكن لكل شيء نهاية يابنة الشيخ اسماعيل "
ناظرته بعتب ثم أشاحت بوجهها بصمت قبل أن يفتح خلف الباب.

بالداخل…..

كان الوضع أشد وطأة وأكثر حدة فمازال أبناء الشيخ إسماعيل لم يتخطوا صدمتهم بالخبر، كأن ما يحدث لهم منذ مساء أمس كابوس جماعي بشع لا يريد الانتهاء بل ها هو يمتد بهم حتى ألقاهم بتلك الغرفة يلفهم صمت موحش يجعل أعصابهم المشدودة على حد السيف ليقف كرم يتحرك بعصبية وهو ينظر لأخوته ويقول " هلا شرح لي أحدكم ماذا سنفعل مع تلك الفتاة، كيف سنتأكد أنها أختنا، الوثائق ليست بكافية ربما هي لقيطة أعطاها والدنا اسمه لقد كان طيب القلب دومآ ما يساعد بلا تفكير وها نحن نتحمل العواقب " نظر له رضا بغضب وقال " أخفض صوتك واحترم أننا في منزل غريب وعلينا احترام المكان وأهله " جلس كرم يضرب بكفيه على ساقيه قائلا " أنت دخلت في صمت تام منذ خروجنا من قسم الشرطة، وأخويك أحدهما هاديء والآخر متحمس كأنه لا يعي للنكبة التي نمر بها " وقف عيسى يقول بقوة " أنا لا أرى في سعادتي بوجود أخت لنا ما يعيب، دومآ ما تمنيت أخت لي وما دمت وجدتها لن أتركها أبدآ، ليس هناك نكبة سوى عصبيتك وتضخيمك للأمور يا كرم هل تخشى من الأقاويل التي ستثار عن والدي ...هذا حقك لكني لا أهتم لأني أدرك أن الشيخ اسماعيل ما كان ليعصي الله وأنه تزوج على سنة الله ورسوله وأنجب ابنة شرعية تحمل اسمه وتكون أمام الله و العالم أختنا، ومن لا يعلم من هو أبي فليقل ما يشاء بإمكاننا أن ندحض كيد الجميع بالثبات والتماسك بل والتفاخر بوجودها معلنين عنها للعالم أجمع " هدر كرم يقول لرضا " هل تسمع ذلك الجنون " قال له رضا من بين أسنانه وكفه التي تعلقت بها المسبحة قد أغلقت بعنف " أخفض صوتك واهدأ لنستطيع التصرف فهوجائيتك هذه ستعقد الموقف أكثر " نظر كرم لأخوته بعيون مشتعلة فيما تحدث هلال قائلآ بهدوء " أنا أرى أن عيسى محق " التفتت له الأنظار بحدة لكن الباب الذي طرق باستئذان ثم فتح لم يدع المجال لرد.
وقف خلف أمامهم لكن عيونهم لم تكن معه بل كانت تخترقه عابرة نحو الجسد الذي يتوارى خلفه، الصمت كان أسلم حديث في تلك اللحظة والأربعة ينتظرون أن يرفع الستار عن ذلك الواقع الهزلي الذي يعيشونه، تحرك خلف متقدمآ وهو يقول " هؤلاء أخوتك يا فاطمة ...الحاج رضا ...الأسطى كرم …..قاطعته فاطمة تقول بفتور كأنها جسد بلا روح وهي تنظر نحو هلال " أعرفهم يا خالي فهذا هلال وهذا عيسى " ابتسم عيسى قائلآ بصخب " الله أكبر، لقد تعرفت علي بمفردها ...الدم يحن ...كما أنها جميلة ...مؤكد أخت عيسى العطار يجب أن تكون جميلة، أجمل من سارة لتصبح أجمل بنات العائلة " زغره رضا الذي تنحنح قائلآ بهدوء " كيف حالك " أجابته بهدوء " بخير ولم أتوقع قدومكم ...توقعته يومآ بالماضي لكن ليس اليوم " قال كرم بحدة " كيف لم تتوقعيه وقد أرسلت لنا خالك " نظرت فاطمة لخلف بطرف عينيها تحمله الملامة على هذا الاتهام ثم قالت بثبات " لم أفعل ...أنا لم أرسل خالي لكم، ومنذ علمت بحقيقة جهلكم لوجودي وانا أخذت قراري بأن تبقى إرادة أبي في أمري سارية حتى الممات لكن يبدو أن خالي له رأي آخر وتصرف وفقآ له "
قال خلف بحزن " إخوتك عزوتك يا فاطمة " لم تلتفت إليه بل نظرت بصدمة تجاه رضا الذي قال " لنحسم هذا الأمر، ما المطلوب منا حاليا " قالت فاطمة بتوجس " لم أفهم سؤالك "
سارع كرم يقول " هو يقصد ما المبلغ المطلوب منا ليبقى هذا الأمر طي الكتمان كما كان " نظرت له فاطمة باستنكار وقالت " مبلغ!! ماذا تقصد بالأمر الذي يبقي يجب طي الكتمان " حينها تدخل هلال قائلآ " لا تؤاخذي كرم فليلتنا جميعآ كانت طويلة وضاغطة، هلا جلست وعرفتنا بنفسك "
نظرت لهم فاطمة بتوتر وقالت " لا أشعر أن أحدآ منكم مهتم لمعرفتي، بل أرى ثقل تلك المعرفة بأعينكم ولست حزينة منكم ولن ألوم عليكم، ولا أحتاج لمال أو غيره فمهما حدث أبقى ابنة الشيخ اسماعيل العطار " صمتت تنظر للأرض بضياع لحظي قبل أن تقول " يمكنكم تخطي وجودي كأنه لم يكن ...أنا لن أقبل أن أكون عبئا على أحد ...ولن أقبل أن ينظر أحدكم إلي نظرة تؤلمني لذلك أنتم لستم مطالبين تجاهي بأي شيء " قال عيسى برفض " كيف تتحدثين هكذا وأنت من أنت ونحن من نحن ، لو أن أبي أخفى عنا وجودك فأسبابه الآن لا يعلمها سوى الله الذي شاء أن يصلنا علمآ لم يعد بامكاننا تجاهله د، أنت ستعودين معنا " ضيقت عينيها وهي تهمس بصدمة " ماذا " وقف حينها هلال قائلا " هذا ما يجب أن يحدث ...أنت لم تعودي بمفردك لتبقي هنا بعيدآ عنا تحول بيننا المسافات كأن ما علمناه لم يغير شيء، أنت الآن مسؤوليتنا " اختنقت تقول بصوت مكتوم " ليس هناك داعي فأنا " لم تكمل حديثها حين وقف رضا يقول بغموض لم تتوضح لها أسبابه " لم يعد هناك مجال لتركك هنا بمفردك ...خذي وقتك في جمع أغراضك وسنتحرك حين تنتهين " نظر كرم لإخوته برفض لكن نظرة رضا أعلمته أن هناك ما يدور بخلده فقال بعصبية " سأنتظركم بالخارج " ليوقفه صوت فاطمة التي قالت " لكني لا أريد ترك منزلي وخالي " حينها تدخل خالها حاسمآ الأمر قاطعآ أي بادرة أمل لها في التخلص من هذا الحصار " عليك الذهاب مع إخوتك يا حبيبتي ...هما الآن سندك وأمانك " نظرت له نظرة أوجعته عليها وأدرك جيدآ أنها ترى في سعيه غرضآ خفيآ مضمونه التخلص منها لكنه لم يبال بهذا حاليآ بل كان كل هدفه دفعها نحوهم، فقالت وهي تنظر لهم جميعآ بروح أبية متأصلة في نسل العطارين " إذا كان هذا قراركم فلكم ما شئتم، لكن لتعلموا أني أطعت ليس لطاعة ولكن لأنه يبدو أنه لم يعد لي مكانآ هنا " وانسحبت خارج الغرفة تاركة خالها ليجلس على الأريكة ببطء محني الرأس حزين القلب، فيما أسرع عيسى خلفها يقول " سأذهب لمساعدتها لكي لا تنسى شيء " ورغم عيون أخوته الرافضة تحرك عابرآ داخل المنزل بكل حماس يحقق أمنيته بامتلاك أخت.
_______________
جردتني اللحظة من جحيم ظنوني، أبدلت ظلمات جهلي وهيأتني لأكون بشرآ يدرك أن للنضج تبعات.
تمردي أخذ دور فرعي وجلس يرشف قهوة ثورتي ببطء، وايماني تزعزع ما بقى منه سوى بعض ثبات. ……….
كلما ذكرت أمامها كلمة الخوف شعرت أنها لا تستطيع إدراك معناها، لا تستطيع تفهم جوانب هذا الشعور أو إدراك ماهيته،
لا تستطيع تصديقه أو الإعتراف به لذلك صنفته كشعور ضعيف غير مجدي مثل كثير من المشاعر، ففي كنف حكم كانت دومآ آمنة مطمئنة لم يزرها الفزع ولم تتملكها الرهبة بل تعلمت منذ نعومة أظافرها كيف تكون قوية بلا خصم أو أعداء، فالعدو في نظرها ند وهي سعت دومآ ألا يكون لها ندآ يقاربها ذكاء أو تمكنآ، سنوات طويلة قضتها تتعلم بلا اكتفاء ولا ملل، لم تحاول أن تحيد عن طريقها رغم إدراكها الكامل أن أفضل السنين تمر وهي لم تفعل شيئا واحدآ تمنت فعله.
كانت تكتفي بالمتاح وتشيد حصن قوي للمستقبل حتى تحول فجأة الحصن لحصار هناك من يسعى لإحكامه بأي طريقة، سارعت يهدين تتصدى لمحاولة الاختراق العنيفة التي تتعرض لها لكن بعد دقائق بدى لها أن الأمر شديد الجدية هذه المرة لدرجة توسعت لها عيناها فحاولت مهاتفة فاطمة كثيرآ لتطلب منها العون ولكن ما من مجيب، لذلك شرعت كل برامج الحماية التي صممتها في وجه ذلك القرصان الذي يبدو شديد البأس فتخطاهم واحدآ تلو الآخر حتى أوشك على بلوغ مراده لكنها حينها كانت قد بلغت قمة غضبها الذي تصنفه كشعور قوي له تأثير كبير يغير مجرى الأحداث، خاصة حين بدأ القرصان بمهاجمة قاعدة البيانات المحرمة والتي لا تلج إليها سوى بإذن خاص من حكم وغير مسموح لها بالتبحر داخلها مطلقا، كأنها أرض ألغام تفتك ويجب الولوج إليها بحذر والخروج منها بحرص، لكن ازدياد الأمرعن حده دفعها لتكمل ما تفعل من حاسوبها المحمول بينما فعّلت أحد برامج البحث عن طريق الملامح لكي تجد حكم لتتفاجيء بجميع الشاشات أمامها تنهي البحث بجملة (لا يوجد تطابق)، حينها بدأت تشعر بالخطر وتحركت تجاه خزانة مخفية بأحد الجدران فتحتها بسرعة ثم سحبت منها قطعة خاصة بتخزين البيانات وأوصلتها بحسوبها تحمل عليه أقوى برامج الحماية التي صممتها على الاطلاق وقد قطعت أنفاسها توترا وهي تنظر للشاشة التي تعطيها النسبة المئوية لتحميل البرنامج وقد تجمدت تمامآ تراقب معافرة ذلك المخترق ليبقى في نفس المستوى الذي وصل إليه من الاختراق لكن حين اكتمل التحميل تنفست أخيرآ وأدركت أنها ملكت الوقت الذي يمكنها من البحث عن حكم، أعادت البحث عن وجهه مرة أخرى قبل أن تنظر للحاسوب المركزي وبعيونها ذنب لما ستقدم عليه فتفعل جهاز التعقب الذي لا يعلم حكم بوجوده والتي تدسه في جميع أحذيته من أجل الأمان لتصدم من وجوده بالملحق السفلي للمزرعة فتسرع تحمل حسوبها المحمول ثم تضغط زر دائري بالحائط ليرتفع سريرها ويظهر درج ممتد أسفله فتسرع تنزل إلى ذلك المكان ذى الإضاءة الضعيفة تتوجه حيث يتواجد حكم.
………..
في المطبخ الذي أُعدّ خصيصا من أجل هذه الليلة كان هناك فريق عمل متعدد الجنسيات يعمل باحترافية فائقة تحت إشراف سيرجو الذي كان يبدع في تحضير قائمة طعام ذات ذوق خاص تناسب ذلك الحفل الضخم والذي أصبح الطاهي المسؤول عنه، متخطيآ كل توتره وبمنتهى العملية يتحرك بشغف بين الطاولات المتناثرة في ذلك المكان ليشرف ويتابع ويوجه ثم يضع لمسته السحرية داخل كل قدر مازال يحتاج بعض الوقت وفوق كل طبق قد أعد للتقديم، كان الضغط داخل ذلك المطبخ عالي الإمكانيات يشعره بالمتعة التي تخفف عنه حدة أفكاره وتزيح عنه شعور الترقب الذي يرجف كيانه و يجعله يغلي كما يغلي حساء المشروم أمام عينيه، مد طرف معلقته داخل الحساء ثم تزوق القليل بطرف لسانه وقال بصوت مرتفع " ينقصني هنا مذاق وقوام كريمي أكثر، أسرعوا" تحرك اثنين من العاملين وقد أدركوا مقصده فيما عبر هو نحو الطاولة الجانبية يدقق النظر لسمك السالمون ويقول " مازلنا لم نصل للون والنضج المطلوب هنا بعض التركيز من فضلكم " ليبدأ عاملين آخرين بتنفيذ تعليماته قبل أن ينتقل لطاولة ثالثة ينظر لعاملة تنسق طبق التيرين الفرنسي فتابعها لدقيقة تم قال باستحسان " هذا جيد جدا ...تابعي على نفس التقنية " هزت العاملة رأسها بطاعة بدون أن تنظر إليه أو تشتت تركيزها بشيء آخر غير إعداد الطبق الذي بين يديها، ليتحرك مجددآ عاقدآ ذراعيه فوق صدره الضخم إلى طاولة رابعة وقف يتابع العاملين عليها ثم قال " أريد أن نحافظ على مستوى النضج ...فهذا اللحم لا يناسبه سوى مستوى محدد ليحافظ على قيمته الغذائية ونكهته الخاصة...كونوا حريصين على ذلك " لم يجد منهم سوى الطاعة والاحترافية التي أسعدته لذلك تابع تحركه لكن النادلة التي دخلت من باب المطبخ بزيها الأسود الملفت عكس زي الطهاه ناصح البياض جعلته يقترب منها يسأل بلباقة " كيف أساعدك سيدتي " ثم نظر إلى ساعته وقال " مازال لدينا وقت قبل تقديم العشاء ...هل جد شيء " أجابته بعملية " نعم سيدي، هناك تغيير طاريء في قائمة الطعام يريد سيدي مناقشته معك بشكل عاجل ...لذلك أريدك أن تتفضل معي " هدر قلبه بجنون وقد أدرك أنها الدعوة لذلك هز رأسه قائلآ بهدوء لا يعكس ما يلم به " حسنا لا بأس " ثم استدار نحو الفريق الذي لمّ به التوتر ينظرون إليه بترقب وقال " أريد كل شيء أن يسير على نفس الوتيرة ...وأي شيء مفاجيء سنكون له اطمئنوا " عادوا بصمت ليكملوا عملهم بينما هو تبع النادلة حتى باب خلفي خارجي ليجد حارس ينتظره ثم يقوده نحو جزء منعزل داخل المزرعة لينتهي به الأمر في مصعد أشعره أن ما بينه وبين ما يخشاه محض لحظات لا أكثر.
في نفس الوقت….
كان طايع يقف بطلته الملفتة داخل القسم الرئيسي للمزرعة، يبتسم بمجاملة للوجوه التي تناظره بفضول وإعجاب فهو قليل الظهور والإختلاط كما أنه لا يحب أن يتواجد على ساحة المشاهير بشكل يجعل من حياته وتفاصيلها شيء معلن، كتوم ….صامت ….لا يجيب إجابة شافية ويقظ لكل سؤال يوجه له وكل مجاملة توجه إليه وكل شخص يقترب منه، يحمل بين أصابعه كأس به مشروب خالي من الكحول وأغلب ما يصدر عنه إيماءات صامتة لا تتخطى حدود ذلك، يحاوطه مجموعة من رجال الأعمال وزوجاتهم التي قالت إحداهن " سيد طايع لوحاتك أشعر بها تتحدث ...كأنها قطع للغز ويجب أن تجمع بأكملها في مكان واحد ليكتمل ولكن هذا صعب جدآ " ابتسم زوجها وقال " ومكلف جدآ فآخر لوحة اشتريتها لك كلفتني ثروة " فقال آخر متضامنآ " لو تركنا لهم العنان يا سيد طايع لأفقدونا أخر قرش نملكه من أجل أهوائهم ألا تتفق معي " ابتسم له طايع بمجاملة فأسرعت زوجة محدثه تقول " لقد سمعنا أنك تزوجت من راقصة البالية الشهيرة نيلوفير، هل هذا صحيح " قالت آخرى " السيد طايع شديد التكتم عن حياته الخاصة لكن ملاحقون المشاهير الذين يترصدون به دائمآ يستطيعون الوصول دومآ إلى معلومات " حينها قال طايع بهدوء وهو ينظر لكأسه " حياتي هي مساحتي الخاصة و التي أكون وحدي المسؤول عن تحديد الطريقة التي أفضلها بها وأنا أفضلها شديدة الخصوصية، هذا كل ما في الأمر" نظرت له أخرى نظرات يدركها جيدآ رغم مجاورة زوجها لها وقالت " هذا صحيح لكن شخصية مثيرة للإهتمام مثلك يجب أن تراعي أن لها معجبين يريدون معرفة أخبارك ويهتمون حقآ لأمر ارتباطك من عدمه " ارتشف من كاسه بعض المشروب ببرود كأنه يترفع عن إجابتها لينظر زوجها للوحة خلفه ويسأله " من ماذا استوحيت فكرة هذه اللوحة إنها تحيرني " التفت طايع يتأمل لوحته حتى غرق في تفاصيلها التي وحده من يدرك عما تحمله من أسرار لن تدركها عقولهم، أسرار وخفايا تمتليء بها روحه التي يفتك بها الترقب والانتظار ثم قال " إنها الحياة بكل تلك التفاصيل التي لن نفصح عنها فتبقى سرآ ثقيلآ ...إنها الرحلة التي لم تنتهِ والصمت الذي لن نقطعه يومآ ونبوح " عم الصمت بين المجموعة للحظة بعكس الصخب الذي يملأ المكان لتقترب نادلة منهم تقول بعملية " سيد طايع ...هناك من يريد التحدث معك على انفراد ...إن كنت لا تمانع هلا رافقتني " سألها طايع بتوتر لم يظهر عليه " من الذي يريدني " ابتسمت تجيبه " مجرد مشتري متمسك باللوحات يريد التحدث معك بعيد عن الصخب ويستأذنك في قليلا من وقتك لو سمحت " أدرك طايع المغزى وأنه قد حان الوقت لذلك نظر للمجموعة المحيطة به وقال بلطف " عذرا
آ منكم " ثم تبعها حيث قادته إلى المكان الذي سيجتمع به الزمرة من بعد سبعة سنوات بل أكثر.
…………….
بينما على البوابة الرئيسة كان هناك سيارة تلفت الأنظار بحضورها الصاخب وتصميمها الفريد والذي يعود لعلامة شهيرة تقدر بملايين الدولارات، كانت السيارة تعكس الكثير من شخصية مالكها والذي افترقت له الصفوف دون طلب وأسرعت نحوه الحراسة تجذبهم هالته الطاغية ليفتح نافذته المجاورة يرفع الدعوة بين يديه بصمت فيقول الحارس بلطف " إنها دعوة كبار الشخصيات سيدي، من فضلك اتبعني لأرشدك إلى البوابة التي ستدخل منها " رفع الجالس خلف عجلة القيادة حاجبه لتزداد ملامحه خطورة وهو يهمس بصوت ثقيل له وقع على النفس " هذا متوقع " ثم أغلق النافذة بلا كلمة أخرى وتبع الحراس بمنتهى الهدوم حتى حين دخل المصعد كان يبتسم ابتسامة تقشعر لها الأبدان من شدة الفزع.
________________
أضم نفسي بنفسي وارتجف بفقد ودهشة، أحاسيسي كزوبعة تثار من حولي مغيبة في حزني بكامل إدراكي، متيقنة أن شتاء الروح الذي حل لن يرحل ولن يبالي بالجروح حين يطلق علينا سيله ليجعلنا نؤمن أن بداية الغيث قطرة. ……….
يقود سيارته غاضبآ بعدما أوصل أخته إلى منزل ملاك كما طلبت رغم رفضه الذي أعلنه، فهادنته حتى اضطر أن يستجيب لها لأول مرة في عمره دون أن يلقي أوامر صارمة مشفقآ عليها ومدركآ لحالتها التي توجع قلبه وتصيب كرامته بطعنة نافذة، ورغم تأكده التام أنها تحظى باهتمام بالغ من جميع من حولها وذلك سيساعدها لتسترد قوتها وصلابتها التي أنشأها عليها في أقرب وقت لكنه لا يشعر بالراحة للوضع بأكمله، تنفس سلطان بحدة ارتفع لها صدره كأنه يكبت بداخله ضغط هائل يتعرض له لما يقارب الأربعة عشر ساعة وأكثر منذ رأى أخته تدفع برجل يحمل سلاح ناري كفيل بجعله يفقدها في لمح البصر يقف خلفه جيش من الغاضبون الذين أصابهم السعي إلى الثأر بلوثة في عقولهم جعلت أرواح البشر لديهم رخيصة الثمن وروح أخته بالطبع ليست استثناء، لقد أصبح قرب سارة من كنزي يشكل خطر كبير عليها وما حدث خير دليل على ذلك، وزادت الأمور تعقيداً وسوءآ بعدما أصبحت أخته شاهدة رئيسية في جريمتي شروع في قتل وكلتاهما ضد رجل لديه نزعة من الشر أشعلت عائلتين وأخذت أكثر من روح في أقل من أربع وعشرون ساعة، وهذا جعله يشعرأن الوضع يصبح أكبر من استطاعته على السيطرة بل ويتأزم بشكل مفزع لكيانه الذي لن يأمن على أخته قريبا من تلك الدوامة بعد الآن لكن ما الحل؟؟ فكل الحلول المناسبة والعقلانية ستكون قاسية باترة لكنه لن يتردد في تنفيذيها إذا تيقن أن الأمور ستتطور في اتجاه معاكس سيجعل ذلك المدعو عابد يسعى للتخلص من الشاهد الوحيد ضده ….هو لن يعجز عن حماية أخته لكن من الغباء أن يلقي بها في بحيرة مليئة بالتماسيح ويظن أن هناك نجاة لذلك قد حسم الأمر لديه... فإن كانت كنزي وما خلفها خطر على سارة سيتصدى هو لذلك الخطر قاطعآ كل الأحبال التي قد توصله إليها، ورغم إدراكه التام لصعوبة الأمر على أخته إلا أنه لن يتراجع لتتماسك فقط وبعدها سيتصرف كما يجب، أوقف سلطان سيارته أمام منزله بالحارة وترجل

منها تتقاذفه الأفكار حتى وقف أمام الباب ومد يده في جيبه ليخرج المفاتيح فلم يجدها ازاد انعقاد حاجبيه وهو يبحث في جيبه الآخر فلم يجدها أيضا ليستدير بإدراك نحو السيارة فيجد أنه ضاع في دوامة أفكاره ونسى المفاتيح داخل السيارة بل وأغلقها ليبقى على قارعة الطريق لا يستطيع حتى دخول منزله ليلقي بجسده الذي لم يحظ بالنوم أو الطعام لأيام فوق السرير وهذا أقصى ما يتمناه حاليآ، ضرب كفه على باب المنزل بقوة يفرغ بعضآ من غضبه و إحباطه قبل أن يتمتم مستغفرآ وهو يتقدم للأمام ينظر يمينآ ويسارآ إلى الحارة التي قلت الحركة فيها في ذلك الوقت ويفكر كيف سيقضي ليلته لتأخذه قدميه بعد تفكير نحو منزلهم القديم والذي تحول لعيادة خيرية تخص طاهر يفكر أنه مؤكد يوجد سرير بتلك العيادة يمكنه وضع جسده عليه لساعتين وبعدها سيذهب للمحل كما قضى لياليه السابقة لكن ذلك الرجل الذي تقدم نحو العيادة تستند على كفه إمرأة حامل تصرخ بألم جعله يمسح وجهه بعنف طالبآ الصبر من الله قبل أن تقع عينيه على ورشة كرم وهلال المغلقة وبدون تفكير تحرك نحو منزل أبناء عمه وانحنى أمام قصيص زرع يزين المدخل يسحب مفتاح ثم فتح وصعد إلى الشقة التي بالطابق الثاني والتي خصهها رضا لإخوته الشباب فيما استقر وزوجته بالطابق الثالث، فتح الباب بهدوء ثم تحرك بإرهاق تجاه غرفة هلال المقابلة للباب فوجد هلال وعيسى ينامان كما القتلى متجاورين على السرير فتحرك تجاه غرفة عيسى المجاورة وحاول فتحها لكنها كانت مغلقة لذلك تحرك نحو غرفة كرم الخالية مرغما ليخلع قميصه ثم يفرد جسده على السرير وكل عظمة به تئن على حدى لكن النوم الذي ابتلعه خفف من حدة الألم ومنحه هدنة ليوقف عقله عن التفكير والانفعالات.
…………
كانت تجلس على سرير غرفة عيسى الذي تركها لها عن طيب خاطر تضم ساقيها لصدرها بصدمة كبيرة لا تصدق أنها هنا، بل جزء من عقلها يحاول إقناعها أن كل ما يحدث لها مجرد حلم خانق سيمر إذا أفاقت من نومها الذي طال، حزنها الذي اشتد يجعلها تشعر بألم لا يطاق داخل صدرها وعينيها قد تجمدت بهما الدموع تحرق أجفانها فلا هي قادرة على البكاء لتخرج ما بداخلها فترتاح قليلا ... ولا الصمود الذي تدعيه قادر بإهدائها رمق بسيط من الراحة لتكمل إدائعها المزعوم على أكمل وجه، مكسورة هي مما فعله بها خالها الذي شعرته يسلمها كأنها أمانة تركت في عنقه لا أكثر، مجرد أمانة ثقيلة يريد أن يزيح ثقلها عن كتفيه وهذا كان موجع بشكل لا يطاق، ماذا فعلت هي ليكون كل رجل عظيم في حياتها يحمل لها خيبة أمل جديدة، لكن لا خيبة تقارن بما فعله والدها... الحاج اسماعيل العطار، يالله لماذا هانت عليه بهذا الشكل لماذا تركها لتواجه نظرات كرم المشككة وحديثه الذي كان يحمل إهانة لم تكن تظن أنها قد تتعرض لها من إنسان ليأتي اليوم الذي تأتيها مباشرة من أخيها، لماذا عرضها لصمت رضا الذي تدرك أنه يخفي خلفه عدم تصديق بل وظنون لا نهاية لها، كيف لها أن تعيش بينهم وكيف لها أن تلومهم ومن قد يلام رحل قاطعآ عليها أي فرصة لإدراك أسبابه ولسماع تبريره الذي ربما يكون ضعيفآ واهيآ لكنه في هذه اللحظة أفضل من لا شيء أفضل من انعدام المنطق وجنون ما يحدث لها فزعت بلا سبب حين رأت مقبض الباب يتحرك بلا استئذان فتحركت تقف خلف الباب بتوتر تنتظر ممن يحاول الدخول أن يتحدث لكن بدلآ من ذلك سمعت صوت خطوات تبتعد فظنت أن كرم الذي ذهب لإحضار طعام لأجلهم قد عاد وحاول في مبادرة سلام منه دعوتها لكن ربما تراجع حين وجدها تغلق الباب من الداخل، اقتربت من حقائبها التي تتوسط الغرفة باستسلام
تخرخ بيجامة رياضية محتشمة وحجاب لم تشعر أنها بقادرة للتخلي عنه أمامهم بعد وغيرت ملابسها سريعآ ثم اقتربت من الباب بتردد تفتحه ببطء شديد وتنظر من خلاله نحو الصالة الممتدة فلم تجد أثر لأحد من إخوتها، تجرأت لتخطو خارج الغرفة تتلفت حولها تحاول أن تتذكر الغرفة التي أشار نحوها عيسى وهو يتركها قائلآ " إذا احتجت أي شيء سأكون بالغرفة المجاورة، سنرتاح أنا وهلال قليلآ حتى يأتي كرم بالطعام، لا تقلقي لن نخرج ونتركك بمفردك، خذي وقتك في توضيب أغراضك بشكل مؤقت حتى أخذك لتختاري غرفة خاصة بتصميم جديد يناسب ذوقك، فأنا أدرك أن الفتيات تهتم بهذا التفاصيل " ثم ابتسم بلطف وتركها بغرفته لكنها لم تكن واعية لما يقول في تلك اللحظة فقد كانت غارقة في بؤسها، حين شعرت أن وقوفها المتوتر قد طال اقتربت من باب إحدى الغرف وطرقته بتوتر وهي تقول " عيسى هل أنت مستيقظ " لكن لم يأتيها رد فعادت تطرقه وهي تقول بتوجس " عيسى هل أنت بالداخل " لم تجد استجابة فعادت تطرق الباب لمرة ثالثة وهي تقول " عيسى " لكن حين لم تأتيها إجابة أيضآ شكت أنه ربما اضطر للخروج وفتحت الباب لتتأكد فوجدت الغرفة مظلمة فتحركت بعشوائية وتوتر تبحث عن زر الإضاءة لتتنفس الصعداء حين وجدته فأضاءت الغرفة وهي تستدير تجاه السرير لتجد شاب ضخم يعتدل بسرعة على السرير وهو ينظر لها بصدمة وملامحه يظهر عليها آثر النعاس فلم تستطع التعامل مع الموقف سوى بصراخ استغاثة خرج منها وهي تندفع خارج الغرفة ليقفز سلطان يجذب قميصه بسرعة ليستر جسده وقد ثارت ثائرته
واشتعلت مراجل غضبه الذي ظن أن النوم سيطفئها قليلآ وخرج من الغرفة مسرعآ ليجد عيسى يخرج من الغرفة بفزع فيصتدم بالباب ومن خلفه هلال الذي قال " ماذا يحدث " ليفتح في تلك اللحظة كرم الباب وهو يحمل أكياس الطعام ليهدر بهم سلطان ولم يعد الأمر بنظره يحتاج إلى شرح " أوصل بكم الأمر لهذا الحد، نساء ...نساء ...هذا الفجر متى تفشى بكم " جذب عيسى فاطمة التي كانت تبكي بعنف فيما هدر كرم " سلطان انتبه لما تقول أنت لا تفهم شيء " ضرب سلطان بقبضته زجاج منضدة تتوسط المدخل ويوضع عليها مزهرية من الكريستال فتفت الزجاج مخلفآ صوتآ كالانفجار وهو يقول " ماذا تريد مني أنا أفهم وأنا أجد هذه ال...استغفر الله العظيم ..تقتحم عليّ الغرفة في شقة ليس بها سوى شباب، ماذا تفعل هنا ...هل تعد لكم العشاء، أين شيخكم ليرى المنزل الذي تحول لبيت للخطيئة " شهقت فاطمة بارتياع وقد أدركت مقصده ليظهر عرق العطارين نافضآ إياها من صدمة الموقف الذي تعرضت له وابتعدت عن عيسى تهدر به " اخرس تمامآ ...من أنت لتتهمني بهذا الاتهام المقرف ...أنا فاطمة ابنة الشيخ اسماعيل العطار أشرف منك ومن مئة مثلك أيها المعتوه " نظر سلطان لوجوه أبناء عمه بصدمة وقد عمّ الصمت ليرتفع صوت فاطمة قاطعآ " أنا لن أبقى هنا دقيقة ...أعيدوني حالآ لخالي، هل وصل الأمر بأن أتعرض لهذا الموقف، لا لقد تحملت نظراتكم، ظنونكم، وتشكيككم بأمري لكن أن تقبلوا عليّ هذا! هذا ما لن أقبل به " قال هلال برفق " فاطمة " صرخت به وقد بلغ السيل الزبي " قلت لكم أنتم لستم مطالبين تجاهي بأي شيء ...لا مسؤولية ثقيلة ولا مال ولا لدي غرض آخر أخفيه عنكم يكفيني ما فعله بي والدي ...يكفيني خيبات ...أريد أن أعود لخالي حالآ وان رفضتم سأعود بمفردي ولن يستطيع أحدكم منعي " تحركت فاطمة نحو غرفة عيسى ليوقفها صوت سلطان الذي ارتفع بحزم " انتظري " التفتت فاطمة له بعيون مشتعلة كأنها انعكاس لعينيه وقالت " لا توجه لي حديث ...لا تأمرني…لا تنظر لي حتى نظرة قد تمس كرامتي، الزم حدودك معي " هم سلطان بالرد الذي شعر عيسى بأنه سيأزم الوضع فوقف يحول بينهما فيما قال هلال " سلطان ...هذه فاطمة العطار أختنا من أبي أي ابنة عمك " عاد سلطان بنظره إلى فاطمة الذي كان وجهها تتقاطر منه حمرة الغضب ثم قال بصوته الذي زلزل الجدران " هل ما يقوله صحيح " تحركت فاطمة تدب الأرض تجاه غرفة عيسى ليقول كرم بغضب " هل تظن أننا نكذب " نظر له سلطان نظرة أعلمته أنه محال أن يصدق حديثه مطلقآ ليقول عيسى بغضب " أنت زدتها عليها وعلينا يا سلطان، كيف ظننت بها أو بنا هذا، لقد وافقت على القدوم معنا بعد ضغط وها هي تصر على الرحيل الآن " وقبل أن يأتي سلطان بردة فعل كانت فاطمة تقف أمامه مشهرة هويتها وهي تقول بايباء " هل تأكدت ...أنا فوق الظنون " ورغم صدمة اليقين رفع سلطان عيناه إلى عينها وقال " تأكدت ...لذلك الزمي منزلك أنا من كان وجودي هنا خطأ " وبدون اعتذار أو استفسار أو أي شيء كانت تتوقعه انسحب تجاه الباب بخطوات قوية يغادر الشقة وأخر ما لمحته منه هو كفه الذي يتقاطر منه الدماء.
________________
ضيع الشوق الحروف، أب.اده.ا على شفتي، وصهر في غمرته ملايين الأحاديث التي خبأتها بداخلي لك، لا أصدق أني في حضرتك قد حل على حواسي جاثوم الصمت، فلم أقو على مناداة اسمك الذي حفرت له من شدة الشوق في الضلوع أخاديد.
…………

التوتر قد بلغ من الجميع مبلغه، الوجوه أضحت لوحة عجيبة من انفعالات عدة تتدافع بلا رحمة، والقلوب أرهقت من تسارع النبض الذي اشتد تفاعلآ مع الموقف المهيب، لقاء طال انتظاره وكلما طال الانتظار اشتد الذعر بالنفوس أن يمتد إلى ما لا نهاية، لكن يبدو أن رحمة الله بهم كانت أكبر من تركهم لفراق أبدي بلا رجعة فلعل هذا اللقاء يكون الوداع الأخي، أو لعلها الحرب التي ستفني أرواحهم بها، في النهاية الجميع يهيئ نفسه لمواجهة أسوأ التوقعات وأصعب الاحتمالات لكن لا أحد منهم يدرك أن للمواجهة صدمة لا تبقي ولا تذر.
وقف حكم يتوسط غرفة دائرية صغيرة تحاط بستة أبواب ينظر إلى ساعته يراقب العد التنازلي للثواني قبل أن يرفع رأسه حين فتحت الأبواب في وقت واحد ليلج منها ستة رجال تجمدوا لوهلة من صدمة تلاقيهم كل فرد فيهم يتأمل البقية بذهول ويتفحص أثار الزمن الغاشمة التي كادت أن تطمس الملامح المحفورة بذاكرته وتغيرها، المشهد كان ثقيل جدآ على عقولهم المجهدة من وطأة اللقاء وقلوبهم المشتتة من قوة ما يعتريها ليقطع حكم ذلك الصمت المجهد وهو يزفر بخشونة قائلآ " مرحبآ بالسباع " توجهت الأنظار إليه ليقتربوا جميعآ منه مندفعين فيفتح ذراعيه ليتشابكوا في حلقة دائرية تقترب فيها رؤوسهم وتتلاقى أعينهم ليقولوا معآ " لا سيادة إلا للسباع " ثم ابتعدوا عن بعضهم بصخب رجولي ليبدأوا سلامآ حارآ وكل واحد منهم يضم الآخر بفقد واشتياق وشيء من عدم التصديق أنهم يعيشون هذه اللحظة وقد عادت الزمرة لتجتمع….

حكم ...حذيفة ...فياض ...طايع ...أواب...رشيد ...سراج

تركهم حكم ليفرغوا شوق السنين العجاف وهو يناظرهم بخوف مما يحمله لأجلهم، كان فياض أكثرهم مظهرآ يوحي بالإجلال والمخافة بينما طايع الأكثر ثقلآ ورزانة وسراج الأكثر إختلافآ وطيبة ورشيد أكثرهم غموضآ وعدائية وأواب أكثرهم تمكنآ وتدريبا بينما حذيفة أكثرهم تعقيدآ وخطورة كما العادة.
جلس فياض يضع ساق فوق ساق ولغة جسده تشي بثقة وجرأة وكفه تمسك بعصاه المميزه وهو يقول " مرحى يا سباع ...لقد أصبحتم رجال مهيبة " ابتسم سراج يتحرك تجاه الحائط القريب من فياض ويميل بضخامته عليه قائلآ " لا مهيب هنا سواك يا فياض ...السنوات لم تروض جموحك على ما يبدو " تدخل أواب قائلآ وهو يجلس بجواره " مازال كما هو عيناه تزلزل أعتى الرجال ...انظر إليه يجلس كملك على عرشه " قال حذيفة وهو يجلس على المقعد المجاور لأواب" أخبرتكم منذ زمن أنه يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية ويحتاج للعلاج " ابتسم طايع وهو يأخذ مكانه بجوار حذيفة وقال بهدوئه المعتاد " دومآ ما كان إهتمامك يصب على دواخل البشر ماعدا داخلك حذيفة " لينظروا لرشيد الذي لم يتحدث بينما جلس على آخر مقعد من الستة مقاعد الموضوعة بشكل نصف دائري فبقى مكان سراج خاليا ما بين رشيد وطايع، ليشير لهم رشيد تجاه وجه حكم الجامد، فيعم الصمت ليسأل رشيد بشكل قاطع " لما كسرت القوانين وجمعتنا يا حكم " مرر حكم أصابعه يتخلل شعره الفاحم ثم خلع سترته السوداء الأنيقة وأراح ساقه على حافة المكتب الذي يترأس الغرفة وهو يقول " هناك من يسعى خلفنا بضراوة ...جميعنا في خطر ...وأحدكم مؤكد ترك وراءه دليل ليكون طرف الخيط الذي ساعد ذلك المترصد في الوصول إليّ مدركآ أني طريقه إليكم " نظروا لبعضهم بتوجس فسأل حكم بشكل قاطع " من منكم كسر القوانين وخرج من دائرته " لم يجبه أحد فهدر قائلآ " جميعكم الآن تملكون حياة وأحباب وتفاصيل كان من الممكن أن تعيشوا بلاها لولا أني أعتقتكم بالفرار ...من خان العهد " قال فياض بقسوة " ليس أنا من يخون " نظر أواب لحذيفة الذي توترت نظراته ثم نظر إلى حكم وقال " إنها مريم ...عادوا ليبحثوا عنها " سأله حكم بارتياب " كيف علمت " نظر أواب لحذيفة وقال " هناك من لم يكف عن البحث يومآ " توجهت الأنظار إلى حذيفة الذي قال بغضب " كيف أكف عن البحث وهي طريقي لهم " هدر به رشيد " من هم " أجابه حذيفة بقهر " زوجتي والتوأمين " توسعت أعينهم من وقع الصدمة وظلوا يناظرون بعضهم بعدم فهم ليسأله طايع بشحوب " أي توأمين" التفت له حذيفة قائلا " أبنائي ...كيف ظننتم أني سأستطيع المضي قدمآ دونهما " قال أواب بصدمة " لكن ...ليكمم فمه كف فياض الذي مال عليه قائلا " لقد فتحتما أبواب الجحيم " اعتدل سراج بفزع بينما قال طايع الذي وقف محتد " لا يمكنني العودة إلى ذلك الخراب أنا الآن أملك زوجة " نظروا إليه ليقول فياض بصوت بدى عنيفا " تزوجت " وقبل أن يجيبه طايع كانت يهدين تدفع أحد أبواب الغرفة بعنف وهي تنادي بصوت مرتفع " حكم " لتتوجه إليها الأنظار مصيبة إياها بشلل لحظي من عمق الصدمة، كانت عينيها الغريبة تتحرك ببطء شديد عليهم قبل أن تقول بذهول " السباع…. يا لغبائي يا حكم ….يا لغبائي ...ذكرني بالمرة القادمة ألا أثق بك أبدآ " ثم ابتسمت بسعادة غامرة وهي تندفع نحو سراج الذي لم يتخط صدمة رؤيتها تحتضن جزعه الضخم بقوة قدر ما يسمح لها جسدها الهش ليسارع هو باحتوائها فيصبحا معا صورة غريبة كما لو أن ظلام الليل يعانق أشد أضواء النهار صفاء لترفع وجهها تناظره بحنين جارف وهي تقول " اشتقت اليك إلى حد مرهق ...ليتك دومآ هنا " أغمض سراج عينيه يستشعر ذلك الحب الانتماء الذي يغمره في تلك اللحظة لكن جهازها الذي أطلق إنذرآ أفاق الجميع من سطوة اللقاء لينظر لها حكم سائلآ بتوجس " كيف عرفت أني هنا " لم تجبه وهي تقول بقلق " أنا أتعرض للإختراق مجددآ، هناك من يحاول الوصول إلى قاعدة البيانات المحرمة " كان حديث يهدين في تلك اللحظة أقوى دليل أن الخطر أصبح قريب لهم من أنفاسهم.
تحركت يهدين تجلس على كرسي المكتب واضعة الحاسوب أمامها وهي تقول لحكم " لقد اضطرني لإستخدام تطبيق الحماية الجديد وهذه سابقة من نوعها، هذا غير أنه قد أطلق أكثر من تطبيق مساعد لقرصنة البرمجيات محاولآ السيطرة على النظام بأكمله، أنه دؤوب فيما يفعل وهذا مقلق " سألها أواب " هل الوضع تحت سيطرتك " أجابته وهي تتمسك بكف سراج كأنها تخشاه أن يبتعد " حتى الآن نعم لكن الوضع غير مطمئن " سألها حكم " ألم يحاول التواصل معك " نظرت له يهدين وقالت " أرسل لي رسالة مشفرة أخذت مني وقت لحلها لكن رسالته لم تكن واضحة لي " سألها رشيد " ما فحواها تلك الرسالة " قالت باستغراب " مجرد كلمات غير مفهومة، دماء.. أضحية.. حورس، لم أفهم ظننته ينصب لي فخ برسالة غير مفهومة تشتتني عن التصدي له " عقد حذيفة حاجبيه بغضب فيما قال فياض " مرحى لقد ختمت صك نهايتنا جميعآ أيها اللعين " هدر طايع برفض " أنا لا دخل لي بهذا " قال سراج " لا أحد منا سيعود آمن، كل ما بنيناه على حافة الانهيار " زمجر رشيد قائلآ " ماذا يعني هذا ...لن نعود لفلك ذلك الكابوس مجددآ ...ماذا فعلت بنا أيها المريض " ضرب حكم على طرف المكتب بعنف قائلآ " هل تملك منكم الهلع " ناظره فياض بشراسة قائلا " من يملك ماضينا يملك كل الحق ليهلع " سمعوا صوت باب يدفع بهدوء فالتفتت أنظارهم تجاهه ليتصلب فك حكم الذي تناسى في غمرة ما يحدث وجودها...و الذي هو في حد ذاته كارثة فأسرع تجاه الباب لكنه لم يكن بالسرعة الكافية فقد ظهرت كيان تتقدم داخل الغرفة بتوتر لتقف فجأة وقد تسارعت أنفاسها من شدة الصدمة، تتحرك عينيها برهبة على من تجمعوا أمامها وقد تعرفت عليهم جميعآ كأنهم تفارقوا أمس فقط حتى توقفت على تلك العينين التي بمجرد أن دخلت مدارهما كأنما النار والبارود قد إجتمعا فانطلقت رصاصة عنيفة من نظراته صوبها لتجعل خطواتها تتقهقر إلى الخلف وقد جفت الدماء من عروقها وشعرت بالفزع كأنه عاد ليرفع في وجهها سلاحة ويطلق رصاصته نحو قلبها الضعيف كما فعل منذ سبع سنوات، انكمشت بشكل غريزي تضع كفها على خافقها كأنها تتأكد أن ذلك الأثر الباقي هو ندبة وليس جرح ينزف لينقذها حكم وهو يحول بينها وبينه قائلآ " كيان ...لقد تغيرت" هزت رأسها بشكل غريب قبل أن تتمسك بذراعه محاولة أن توازن نفسها كي لا تسقط وهي تقول بخفوت " حكم لا أصدق " أسرعت يهدين مندفعة تدخل بينهما ثم تتعلق بعنق كيان وهي تقول بصدمة " كيان ...لا أصدق أني أراك ...لا أصدق " تركت كيان ذراع حكم وقد تنبهت لتمسكها به ولفت ذراعيها حول يهدين تضمها بقوة تحتاجها في تلك اللحظة لتسد تلك الفجوة التي توسعت داخلها ليقترب حذيفة بعيون دامعة يقف بصبر منتظرآ ذلك اللقاء الذي تمناه لسنوات فتبتعد يهدين وقد تساقطت دموعها بصمت ليعلوا صوت نحيب كيان التي ضمت ذراع حذيفة لصدرها تميل برأسها على كتفه بينما جسديهما متعاكسين فلا يتماسان تغمض عينيها خوفآ من آخر يترصد بها فيما تقول " أحان وقت العودة ...هل انتهى كل شيء " ربت حذيفة على رأسها وانحني يقبلها مرة تلو الأخرى ليفزعهما الصوت العاصف الذي قال بتهكم " ما الذي انتهى ...أخيك جعل صراعنا المؤجل يبدأ للتو " شهقت وهي تتحرك متوارية بين ذراعي حذيفة ليقترب فياض أكثر وهو يرفع حاجبه مستحضرآ أخطر أوجهه فصار كمارد ضال لا يترك في النفوس سوى مخافة بها أهوال، عيناه تتبحر في فتنتها التي نضجت وطغت وكله يتزلزل لسلطتها عليه الذي فتكت به بالماضي وأوقدت في صدره بركان ثائر لم تهمد ثورته مع السنوات بل زادت جنونآ وتسلطآ ثم رفع كفه وقد تقوست أصابعه كأنه يأمرها أن تأتيه طوعآ ولو للحظة في هذا العمر الذي تمناه لو يمر بينهما حرب سجالآ لكنها أبت إلا أن تلبسه ثوب هزيمة نكراء لم يجرؤ بشرآ على إلباسه إياه سواها وهو يقول بوقع صوته الذي لم يغادر أذنيها لسبع سنوات " كيف حالك موطني " انتقلت ارتجافة نبضها لجسدها الذي شعر به حذيفة فشدد ذراعه حولها بينما ذراعه الآخر أشهره في وجه فياض بحزم قائلآ بتحذير " فياض توقف " قال حكم وهو يناظر الذين اقتربوا يحاوطون فياض مدركين لما قد يصدر منه " فياض ...تراجع " قال فياض بغرور " ماذا ..أنا لم أقترب منها حتى ...أريد فقد سلام " همس سراج لفياض " إنها مزعورة والوضع لا يحتمل ...لسنا هنا من أجل هذا فياض " نظر فياض لعيون كيان التي همست لحذيفة " أخرجني من هنا " وقال " إلى أين بعد كل هذه السنوات، انظري لقد عدنا ..أنت عدت من الموت ...وأنا عدت من المنفى ...إنه قدرنا..وأنا لا أسألك سوى سلام ….صمت ينظر لكفها المتمسكة في حذيفة بجنون ثم أكمل قائلآ" سلام من كفك لا أكثر " تحركت كيان بسرعة نحو الباب القريب لكن فياض الذي يترصدها كان لها بالمرصاد وأمسك بذراعها قائلآ بصراخ مجفل للجميع " كما عادتك لم تتغيرين ،لا تيأسين من معاندتي ….لا تملين من إثارة غضبي ….لا تتراجعين عن إخراج شياطيني ….ماذا بعد زيديني " أسرع سراج يكبله بمساعدة رشيد الذي تمتم من بين أسنانه بسبة نابية بينما طايع كان يمسك رأسه بكفيه ويقول كأنما كارثة حلت عليه " عدنا للجنون " حاول حكم فض قبضته عن ذراعها لكنه كان شرس في التمسك بها ليقول أواب بغضب لحكم " لماذا أحضرتها إلى هنا وأنت تعلم أن هذا ما سيحدث لو رآها " حاوط حذيفة كيان يخلص ذراعها وهو يهدر بفياض " اتركها فياض لا تدفعني لأن أؤذيك " ليعلو صوت حكم قائلآ " لقد أحضرتها لأنها في خطر مثلنا تماما ...هي أيضا ملاحقة " ارتخت كف فياض عن ذراعها يتلمسه بذعر رجف قلبه لكنه لم ينعكس في جحيم عينيه، بينما التفتت كيان إلى حكم تسأله بصدمة " ماذا تقول " أجابها حكم بما جعل صواعق عاتية تضرب أبدانهم جميعآ فتجعلها كورقة لا قيمة لها سقطت في مهب الريح.


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:50 PM   #27

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت سعاد38 مشاهدة المشاركة
جميييل جدااااا هي ليها جزء اول
شكرآ ليكي
أيوه ليها براكين من عشق موجوده pdf
https://www.mediafire.com/file/dvxcq...D9%87.pdf/file


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:54 PM   #28

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سناء يافي مشاهدة المشاركة
سلام ننتظر الجزء التاني من زمان سنتابع بالتأكيد لكن احب اسأل ليه هيدا الاسم الي اخترتي لهذا الجزء حسبتو كتير بعيد ما بعرف اشتقنا للأبطال في نا س نسيناهم بس مع القراءة سنتذكر اكيد وشكرا
انتظارك أسعدني وآسفه على التأخير
ان شاء الله اكون عند حسن ظنك
انا نزلت مشاهد للابطال ال ظهرو ف براكين ومكملين ف ارض السيد
الاسم الجديد له علاقه باحداث الشخصيات الجديده والحبكه بتاعتهم
ان شاء الله لما تقرأي الفصول هتفهمي ليه اختارت الاسم ده
اتمنى تعجبك وف انتظار ردك دايمآ ❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:58 PM   #29

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس..

إن في عيني لك نيران موقدة

تراك وحدك يا متلفي كل العدى
تراك جي.شآ حين قامت ث.ورت.ه باع القضية وتقهقر متمردآ،
تراك كل الخائنين بلا ثمن
والنصل الذي لم يكن يومآ مترددآ،
تراك وهجآ داميآ حين اشتعل
كان في جذوته قاصفآ متشددآ
تراك ليلآ بهيمآ بلا أمل
ص.رخ بدومة الظلماء منددآ
تراك ح.رب إب.ادة شعواء مهما سكنت، يعود صداها في الأجواف مهددآ،
تراك خ.طر أعتى من السيطرة عليه، لا يكف عن الجموح والانطلاق متسيدآ
كأنها لا ترى في الكون غيرك
وتدفعني قصرآ للفظ اسمك مرددآ،
كأنها تبقيك داخلي رغم كل شيء، معلنة بوجودك أن انتمائي محددآ
وأن الع.دو مهما ع.اث متج.برآ
قيدي سيعيدني لعينيه متوددآ
أنت الذي حطّم كلي ما ترك مني كبريائي لينجو أمامك متصددآ
كيف لي أن أحمل لك ع.داوة
لا يستهان بوصفها ولا يحكمها حدود ولا مدى
ورغم ذلك أراك وحدك منقذي الذي سيقف في وجه غيمات الماضي مبددآ
_______________
لا تطف بين دفاترنا القديمة، لا تتعمد أن تضعنا على خط النيران، ولا تدفع بنا نحو أخاديد الحزن التي صارعنا كثيرآ لكي لا نسقط فيها، لا تكن بتلك القسوة لأننا وحدنا من سندفع الثمن غاليا.
فكرة أن تعيش الترقب بقتله البطيء لكل ذرة من الراحة قد تخترق كيانك المنهك محاولة أن تهديك وقت مستقتع داخل هذه الحياة المتعبة لا تقارن أبدآ بالمواجهة التي قد استنزفتك منتظرآ ثم أتتك بلا إنذار وانت في أضعف حالاتك لتقضي على المتبقي منك بأسوأ الطرق وأكثرها فتكآ وحدة، كان هذا حالها بعدما أنهي حكم سرد تفاصيل ما يدور حولهم من كارثة تُحاك على مهل دافعة بأشباح الماضي أن تعود لتترصدهم في الخفاء واضعة إياهم في حص.ار من خ.طر محدق قد يه.دم معابد آمالهم التي فروا إليها بالماضي يتمسكون بشعاع رفيع من ضوء الحياة فوق رؤسهم التي تحملت الكثير لكن يبدو أنه لم يكن كافيآ أبدآ، كل شيء أصبح مهددآ بالانه.يار كأن السبع سنوات الماضية كانت فترة هدوء خادع سيتبعه طوفان عن.يف سي.بيد كل شيء بأق.سي وأبشع الصور وهذا الواقع لم يعد يلائمها ولن تقبل به فهي لم تعد روح هائمه في صراع امتد لسنوات بين جبابرة، هي الآن تحمل بعنقها أرواح ضعيفة تنتظر منها الحماية والأمان ومحال أن تغامر بهم، لذلك انتفضت واقفة عن ذلك المقعد تواجه حكم قائلة بفزع " لا، لم يكن هذا سبب انتظاري أعوام أو سبب قدومي، لقد ظننت أن كل شيء انتهى وسأستطيع أن أعود لحياتي التي سرقت مني كما سرقت هويتي وأمالي، أنا لم آتِ إلى هنا لتخبرني أني أصبحت مهددة " ضربت بقبضتها صدر حكم بعنف وهي تصرخ بفزع " أنا لم أعد بمفردي، لدى فتيات لن أعرضهن لذلك، إنهن صغيرات وأضعف من أن يدخلن في هذه الحرب، حكم هذا ليس وارد أبدآ " سحبها حذيفة للخلف يضمها فيما قال حكم بغضب " صدقيني أنا عملت ما باستطاعتي لسنوات من أجلكم لكن كل اللوم يقع على عاتق من كشفنا أمامهم، دروبنا كان يجب ألا تلتقي "استدارت كيان حول نفسها بين ذراعي حذيفة وهي تسأله بصراخ " لماذا خالفت الأوامر وعرضتنا لهذا الوضع، أنا أصبح في حياتي أشخاص مسؤولين مني كيف لي أن أعرضهم للخطر، قل لي ماذا أفعل الآن " كانت تبكي بحرقة لم تعي لذلك الجنون الصافي الذي اشتعل بأحداق فياض الذي وقف عن مقعده الذي يفصله عن المقعد الذي كانت تجلس عليه أربع مقاعد فارغة يقف كأصحابها بجمود كأنهم لم يتخلصوا من أثر ما أخبرهم به حكم بعد، يقترب بخطوات لو أن لها أثر لزلزلت الأرض أسفل منهما حتى وقف مقابلآ لها يسألها بصوت خرج ذو صدى انفجاري تقشعر له الأبدان " ماذا تقصدين بأن لديك فتيات " تأهبوا مجددآ كأنهم يشعرون أن هذا اللقاء لن ينتهي إلا وقد أسفرعن ضحية فقال حكم محذرآ " ليس مجددآ فياض، سيطر على نفسك قليلآ " زأر فياض قائلآ " كل ما تحدثت فيه يا حكم كان متوقع، سيطرتك على الموقف كانت ستتعرض لثغرة عاجلآ أو آجلآ وهذا لأن الفرار يومآ لم يكن الحل، نحن لم نمتلك حرية أو حياة لنستمر بها، ولن يكن التناسي يومآ الحل لنسعى في طريقه ظنآ منا أن كل شيء سيكون بخير، وأننا سننسى وسنعبر الماضي، هي قبلكم جميعآ ليس مسموح لها أن تتحدث بهذه الحرقة عن أحد، ليس من حقها أن تنتمي لبشر، ليس من حقها أن تنسب لإنسان، أو ينسب لها إنسان وإن كان بلغ بها التناسي مبلغه وامتلكت إرادة لتفعل، سأقتلها ثانية، وثالثة، ورابعة حتى تكف عن الحياة وتنتهي لعل حينها كل شيء ينتهي " شهقت كيان بارتياع وهي تتراجع لتقول يهدين بغضب " حكم سيطر على الوضع " نظر حكم لفياض وقال " لن تحول لقائنا لكارثة تعقل يا فياض، أنت هكذا تضيع وقتنا" قال طايع بغضب " هذا لأنه لا يملك ما يخاف عليه، أنا أوافق كيان بكل كلمة قالتها، أنا لن أعرض زوجتي لهذا " نظر رشيد للوضع وقال " ماذا ننتظر حين يجتمع مجنون بسبب جنونه في مكان واحد، حكم لترحل كيان لعلنا حينها نستطيع التحدث ببعض الهدوء والمنطق " سقط قلب فياض كأنما شقت كلمة الرحيل صدره الذي أصبح خاويآ يضمر وقال " إلى أين ترحل وقد أتتني، لقد أقسمت على نفسي أنه لو جمعني بها مكان رغم كل المستحيلات لن أدعها لترحل ثانية أو أدع لها حرية الاختيار لن أتركها لتقول لكن أو غيرها فلتثير جنوني وتنتظر لترى ماذا سأفعل " ضرب سراج كفيه ببعضهما وقال " فياض أنت تتحدث كأننا لا نقف أمامك ولا نستطيع منعك عنها، إهدأ ولا تجعل ذلك النقاش يتطور بطريقة نبغضها جميعآ " سارع أواب يقول " علينا أن نجد حل جدي والإ ستنتهي فرصتنا في اللقاء بدون جدوى، والله وحده من يعلم متى سنحظى بفرصة مماثلة " نظر له فياض قائلآ بيقين قوي " لأنكم تعلمون أن لا أحد يستطيع منعي عنها بعد كل هذا، حتى هي " كأنما يقنع نفسه بما يقول، كأنما يخبرها أن كل ما صده بالماضي قد تهاوى ولم يعد هناك لا صد ولا منع ولا رفض قد يعيقوه عنها، كأنه يعلنها صريحة واضحة إما هو أو الموت ولا خيار ثالث ولن تكون مرته الأولى التي يمنحها فيها هذا الخيار فهذا كان دومآ المتاح لديه منذ زمن، نظر له حذيفة بقوة وقال " حكم تخطى ما حدث في الماضي كما تخطيناه وكما فعلت هي، إنها حتى لم تتحدث فيما فعلت بها، لقد عبرتك بماضيك والآن تملك حاضر لا تكن أناني بإصرارك سلبها إياه ودعنا بهدوء نستغل ما تبقى لنا من الوقت لنفكر، نحن نحتاج أن نهدأ لنصل لبر أمان كما فعلنا بالماضي، لا أحد منا مستعد للغرق بتلك الدوامة مجددآ " تدافعت صور بشعة إلى عقل طايع الذي اندفع بين حذيفة المتمسك بكيان وفياض يقول " أنت خاصة لا تتحدث الآن بهذا المنطق، لا تتحدث بهذا الهدوء بعدما بليتنا بهذا الفزع، كان عليك أن تفكر بنا قليلآ قبل ما أقدمت عليه " أصبحت نظرات حذيفة أكثر قتامة وشراسة وهو يقول " أنت خاصة بكل فزعك على زوجتك التي لم تتعرف عليها سوى من بضع سنوات لن تقف لتجابهني حين أستميت للبحث عن زوجتي وأطفالي " شهقت كيان بارتياع من حديث حذيفة لكنها كتمت شهقتها بكفها حين نظر لها حكم بتحذير وانكمش جسدها الذي يحتويه حذيفة بحماية فيما صرخ طايع بأواب " كيف لم توقفه حين علمت " هز أواب رأسه بصدمة وقال " أقسم لم يخبرني بهذا الحديث أبدآ …لقد ظننتها أوامر حكم "
احتوى سراج يهدين التي اشتد توترها وهو يهمس لها " لا تتوتري إنه ضغط سبع سنوات طويلة، اعطهم بعض الوقت وسيهدئون " نظرت له بغضب وقالت " فياض لا يهدأ كلما عم الهدوء يثير الجدل " هز سراج رأسه يتذكر آخر لقاء لهم والذي منحهم فيه فياض ذكرى لوداع دموي لا يُنسى وقال " هذا هو حال السبع حين يتضور جوعآ وحرمانآ بينما أمامه كل ما يشتهيه " فطنت يهدين لما يقصده وهي تنظر لكيان التي كانت كأنها في حالة صدمة عنيفة، ليعلو صوت رشيد قائلا " حكم هل انتهيت من تقييم التغيرات التي حلت علينا وقررت السيطرة على الوضع أم مازال هناك ما لم يطفٌ على السطح بعد " عم الهدوء لينظر لهم حكم أخيرآ نظرته المسيطرة وهو ينظر إلى ساعته ويقول " حان وقت رحيلك كيان ..أما أنتم حديثنا لم ينتهِ بعد " أسرع حذيفة يضم كيان بقوة مقبلآ رأسها فيما نظرت له بخوف اختلط بالشفقة وهي تخفض كفها عن فمها أخيرآ وتهمس له " اعتني بنفسك " شعر فياض أن روحه على وشك الانسحاب فاندفع كما عادته يديه تسبق جسده نحوها يتمسك بها باستماتة قائلآ بعنف " لن يحدث، لم يعد هناك سبيل للرحيل " تلك المرة كانت كيان قد أوهنتها الصدمات عن الصمت القاطع الذي تلتزمه تجاهه فقالت بخفوت وهي تجذب ذراعها من قبضته القوية " لا …فياض " اسمه من شفتيها كان طريق عودته الذي قطعه توآ بلا تهاون منهيآ ترحاله لتعد هذه اللحظة التي بدأ فيها يحسب ثواني عودته، سفر طويل أنهاه مع أول حديث توجهه له ….عيناه استحالت عينا رجلا آخر مكبلآ بها كما قبضته التي كبلت معصمها فتحرك مقتربا يشكوها الجحيم بصمت، فقط نظرات تحوي أهوال كانت تصدر عنه، نظرات ذات ثقل وتفاصيل وحدها من تدركها، نظرات كانت آخر ما رأته قبل أن تخترق جسدها طلقة نارية مازال ألمها كفاجعة عالقة لا تستطيع تخطيها، لينحني بجبهته يريحها على معصمها المكبل بكفه يغمض عينيه بإرهاق شاعرآ أن هذا الحشد المحاوط له قد اختفى تماما وبقي هو… وهي بين أصابعه يستشعر سكينة جوارحه في قربها الذي حرم عليه واغلق في وجهه أبواب الرحمة والراحة ليتطاير كل شيء فجأة كحلم فارق الأحداق قبل أن تغلق عليه الأجفان حينما شعر بها تسحب منه بعنف وقد عاد ليكبل بعجز عنها، رأى معصمها الذي كاد أن يهشمه في قبضته قد أصبح حرآ ليعود ويجاورها وهي تنسحب مسرعة جوار حكم الذي خرج من الغرفة مغلقآ الباب خلفه تاركآ إياه ليصارع تلك الأجساد التي تحول بينه وبين الباب وهو يصرخ بعنف هم أدرى بعواقبه " لم يعد هناك لا ..لم يعد لك مني مفر كيان، مرحى موطني لقد عدت ".
………..
كان صوت فياض الذي يصلها كأنه موجات عنيفة تضربها بشدة مثيرة بداخلها مزيدآ من الفوضى والبلبلة، كل ما يحدث حولها كان مخيف وغير مطمئن بشكل يجعلها غير قادرة على التعامل معه أسرعت نحو المصعد ثم توقفت فجأة تنظر لباب الغرفة المغلق وقالت لحكم " أنا خائفة " أجابها مطمئنآ " لا تفعلي عودي للدار ولفتياتك وكلك ثقة أنك بقدومك اليوم قد قدمت لهن الكثير " ثم سحب شيك مصرفي من جيب سترته الداخلي و قدمه لها قائلآ " هذا لأجل الفتيات " بتردد التقطت كيان الشيك تنظر إليه لتتوسع عينيها من الرقم المكتوب أمامها فقالت " حكم هذا كثير جدآ ولا أستطيع قبوله " قال لها حكم بابتسامة " أنا أعلم ما تمرين به، أنت تبذلين من أجل هؤلاء الفتيات قصار جهدك ولا ضرر من تقبل المساعدة ثم هذا المبلغ سيكون سبب مقنع لحضورك وخاصة أمام حضرة الضابط الذي ينتظرك، إنه شاب جيد كيان " قالت بصدمة " فارس " هز حكم رأسه بهدوء وقال " نعم، لماذا ترفضين الارتباط به، أهناك سبب مقنع لترددك " علت صرخة فياض بشكل جعلها تنتفض بفزع وهي تنظر للباب فقال حكم " إن كان هذا ما يمنعك لماذا لا تريحيه " نظرت له بصدمة وقالت " كيف بعد كل ما حدث " تنهد حكم قائلآ " جميعنا تألمنا بما يكفي وطالتنا الخسائر والمواجع والآن ما بيدنا سوى تخطي الماضي، وأنت كيان عليك أن تنسي وتعبري لتكملي طريقك بجوار شخص آخر لا أن توقفي حياتك، وهذا الشاب يحبك " أسبلت أهدابها كلها ينتفض ثم هزت رأسها تقول " أشعر أني لو تركت إنسان ليقترب مني سأكون سببا في موته كما تسببت في محاولة قتلي من قبل " هز حكم رأسه برفض وقال بيقين " لم يكن ليقتلك هو فقط …صمت عاجزآ عن قول الحقيقة، ثم أكمل " لا تترددي وأقدمي على تلك الخطوة ولك دعمي وحمايتي وبخصوص سبب لقاءنا لا تقلقي ما دمنا إجتمعنا سنجد حلآ " نظرت له بارتياب وقالت " كيف وأنت تترك حذيفة غارقا في …أشار حكم على شفتيه بسبابته وقال " لن أغامر به ، لن أدعه يعود أشواطا إلي الخلف لنجد حل لما يحدث وبعدها سيتحتم علينا مواجهته بالحقيقة كاملة لكن ليس الأن " انتفضت مجددآ حين ارتفع صوت اصطدام عنيف بباب الغرفة فبكت قائلة " عدني أن تحميه من تلك الحقيقة، لا أريد أن أخسره مجددا، يكفيني أن أدرك أنه يعيش بسلام لأطمئن " نظر حكم لعينيها قائلآ " أعدك …الوقت لم يعد يسمح ببقائك أكثر، أريدك بمجرد خروجك من هنا أن ترحلي لا أريد لفياض أن يعثرعليك، الوضع لا يحتمل تعقيدآ " هزت رأسها بطاعة تنظر لحكم الذي ضغط زر المصعد يقول لها " وداعآ أيتها القوية " بكت بقوة وهي تقول " لا تقل وداعآ …إلى اللقاء تحوي في طياتها أمل " حاول الابتسام لها لكنه نسى كيف يفعل هذا منذ زمن كما أن الأصوات القادمة من الغرفة لم تكن تساعد سوى على تصاعد التوتر والغضب فوقف بثبات ينظر لباب المصعد الذي يغلق لتمنعه كفها في أخر لحظة وتتقدم للأمام خطوة تجذب كفه وهي تنحني لتقبله وتقول بصدق " ستظل أبانا حكم، ستظن أماننا والسند " اهتز فك حكم يكبت بداخله صيحة قهر وحرقة وقد تطاير من خافقه دخان نيران ما كتب عليها يوما أن تنطفيء لترفع وجهها وتقول بتردد وهي تعتدل " أنا لا أكره فياض " هز حكم رأسه وتنهد قائلا " أعلم " فتراجعت حتى دخلت المصعد تراقب الباب ينغلق بابتسامة واهنة جلبتها قصرآ من بين دموعها لتودعه، فيما عاد حكم مسرعآ تجاه الغرفة وساعته تخبره أنه الوقت الحالي أصبح أضيق مما يحتاج.
…………
أدار حكم مفتاح الغرفة وولج إليها بوجه منغلق الملامح وعيون حادة النظرات وأنفاس عنيفة كأنها لوحش بدأ يفقد زمام السيطرة على أعصابه ينظر للدمار الذي ألمّ بالغرفة محركآ رأسه تدور عينيه ببطء في الأركان بصمت قذف في قلوبهم الرهبة إذ تجمدوا تمامآ ينتظرون حديثه بينما يهدين تحركت لتأخذ ركن قصي تتقوقع أرضآ واضعة حسوبها على قدميها تشاهد ما سيحدث بتركيز وصمت ليأتيها صوت حكم القاطع " يهدين إلى الخارج " عبست قائلة " لن أفعل حكم، فهنا مكاني الطبيعي، بجوارك وفي ظهرك نحن نكمل بعضنا " توجهت العيون بتساؤل وفضول تجاه حكم الذي هدر بهم " ماذا! هل انتهيتم من قتل بعضكم بعضآ " تحرك سراج الذي كان يقف كالسد ما بين فياض وحذيفة مبتعدآ بينما تحرك رشيد يجلس على أحد المقاعد قائلآ بحق وهو يتحسس فكه " مجرد حفنة من الأوغاد " بينما أواب سحب حذيفة يدفعه قصرآ للجلوس وجلس بجواره يهمس له " لا داعي لتأهبك تجاه فياض، أنت تدرك أن الأمر أكبر منه " نظر له حذيفة نظرة دومآ ما كانت كاللغز مخيفة فيما تحويه ولم يرد بشيء وهو يتابع تراجع سراج الذي جاورهم بالجلوس وهو يتأكد من وجود يهدين بطرف عينيه كأنه يدرك أنه لم يعد يفصل الوداع سوى دقائق ليبقى فياض واقفآ في وجه حكم بينما مقعده ملقى خلف الباب وقد قذف به رشيد منذ قليل ليقترب حكم من فياض أكثر وينظر لعينيه قائلآ " إذا فقدت سيطرتك أكثر ستفقد كل شيء " رفع فياض حاجبه بشر وقال " هي كل شيء " أكد حكم من بين أسنانه " إنها مثلنا جميعآ في خطر، لكن يبدو أن الخطر الذي يتربص بها لا يقارن بخطرك فياض " أمسك فياض ذراع حكم بعنف وهزه قائلآ " لا تقف بيننا حكم، أنا لن أرحم أي شخص يقف بيني وبينها " سأله حكم بقسوة " وهل أنا من وقف بينكما بالماضي، أفق يا فياض " تراخى كف فياض عن ذراعه وأغمض عينيه وهلة أسرها في نفسه قبل أن يعود الجليد ليكسو نظراته فيتحرك بهدوء يسحب مقعده الملقى يضعه بشكل عكسي بجوار باقي المقاعد ويجلس عليه بطريقة استعراضية ملفتة ككل شيء يصدر عنه ففطرته بداخلها شيء يبرق خاطفآ للأعين طامسآ للبصيرة ومثيرآ للرهبة، فأطلق حكم زفير مثقل وعينيه تحيد إلى أشدهم غموضا ويقول " نحن الآن نحتاج أن نعود السباع ونقف جنبآ إلى جنب حتى ينتهي كل هذا …لذلك كل واحد منكم سيعود لدوره الأساسي، فنحن عدنا إلى وسط اللعبة وأصبح الانسحاب خيار غير متاح " صرخ طايع بعنف " أنا لن أحُاسب على أخطاء غيري حكم، أنا مازلت أعاني من كوابيس مفزعة تجعلني لا أستطيع أن أحيا بشكل سوي، لذلك لا تعتبروني طرفآ في هذا " اقترب منه حكم وأمسكه من تلابيبه يرفعه ومال بوجهه نحوه مقربآ فمه من أذن طايع يهمس له " أدرك ما ترمي إليه، أدرك مخاوفك، وأدرك أسبابك لكني لن أقبل أن يتخلى واحد منا عن الآخر، هو مازال عالق فلتحمد الله أنت أنك وجدت من يتلقفك " أنهى حكم حديثه وترك ملابس طايع ثم ابتعد بهدوء معطيآ إياهم ظهره للحظات قبل أن يستدير قائلآ لكتلة الخطر التي تجلس بينهم كلغم جاهز للإبادة " حذيفة " رفع حذيفة عينيه نحوه فتحرك حكم يقترب منه منحنيآ ينظر بعينيه قائلآ " بدون أن تواري حقائق وبدون أن تتبع حيلك العقلية معنا، أخبرنا كيف بدأ الأمر " قيح شديد القتامة طفى من أحداقه التي يعلم حكم جيدآ أنها عانت لسنوات ثم قال بهدوء بدى كخيط رفيع باتر التف حول الأعناق " بدأ حينما أنقذتني فتاة من الموت منذ ستة سنوات أو أكثر، أنا لم أغب عن أعينهم منذ البداية حكم، ولم أكن بأمان منهم يومآ " اعتدل حكم بصدمة كبيرة ليتبع حذيفة " لذلك أخذت قراري حينها وبدأت علر مهل ولسنوات أسعى خلفهم فأنا لن أقبل أن أبقى بدور الفريسة أكثر، لذلك خططت ونفذت دون تردد " كانت صدمة ما يقال كفيلة بجعلهم في حالة ثبات كمن على رؤسهم الطير ليسأله حكم وهو مدرك أن الإجابة ستضربه كصاعقة رعدية " ماذا تقصد بنفذت " امتلأت نظرات أواب بالذنب تجاههم فلم يكن أقل منهم صدمة بكل ما يصدر عن حذيفة وهو يستمع له يقول " قلبت الأدوار وسعيت خلفهم لأن هذا ما كان يجب عليّ فعله منذ البداية، الآن أصبح لدي رجلآ بينهم وقريبآ سأصل لما يمكنني من إيجادهم " اختنق صدر حكم من شدة الضغط وأرخى ربطة عنقه الأنيقة ودارت به الغرفة بلا هوادة لتنطفيء الأنوار فجأة ويبقى هو والحقيقة وجهآ إلى وجه فبينما كان متيقظآ لسنوات يحارب وحوش ضارية تطاردهم كان غافلآ أن هناك وحش ينمو في أعماق واحدآ منهم و سيكون هو السبب في هلاكهم لا محالة.
_________________
ماذا نفعل حين تكون الحياة شديدة القسوة، حين تكون أيامنا سلسلة من القيود الثقيلة ومسار لانهاية له من الأبواب المغلقة، حينما يصير اليقين في القادم أسوأ ما قد نشعر به، وحين تنتابنا مخاوف لا أمل في الخلاص منها وقد غاب السند.
ظنك أنك أصبحت منيعآ ضد الصدمات قد تكون الخدعة الأسوأ الذي تماديت في إقناع نفسك بها، فلا أحد مهما كانت سطوته قادرآ بمجابهة فواجع القدر وتقلبات الزمن وخفايا الأنفس، مهما امتلكنا من القوة والقدرة سنظل بشر الضعف و الخوف والترقب وأيضآ الشعور بالضغط والعجز أحيانآ شيء من تكويننا النفسي.
بمنتهى التحكم في الذات خرج حكم إلى الحضور يرتدي قناعه الصارم ذا السطوة والسيطرة الفائقة يتحرك ببطء يقيم بعينيه انطباع الحضور عن الحفل،
يتقبل المجاملات التي تأتي من بعضهم تدعيمآ للعلاقات، ومن بعضهم طمعآ في تدعيم الأعمال، ومن بعضهم رهبة لا أكثر ولا أقل إلى أن وصل لمجموعة من كبار رجال الدولة فقال أحدهم " ظننا أنك ستغيب عن الحفل، كيف يكون حفلك ولا تتواجد في استقبال المدعوين " ابتسم له حكم وقال " بعض الأمور الطارئة استلزمت مني التصرف السريع، أنت تدرك يا راغب باشا أن عملنا لا يرتبط بمواعيد ولا يتقبل أعذار، يحتاج ذهن حاضر وسيطرة فائقة وحسن تصرف " اتسعت ابتسامة راغب وحرك يده التي تحمل السيجار الكوبي تجاه حكم قائلآ بترفع " هذه العقلية المتقدة استطاعت كسب علاقات مميزة ومكانة ملفتة ببعض المكر والدهاء، صراحة نحن نحتاج أشخاص مثله في الحركة الانتقالية القادمة، وأنا لو أبدى موافقته سأدعمه بشدة " نظر له آخر شديد الهيبة وقال " أوافقك يا باشا، فالسيد حكم أصبح يتوسع ويتوغل داخلنا ويجب أن يكون دوره أكبر وأعمق لنستغل حنكته كما يجب … أظن أنه سيصبح وجه شبابي واعد في عالم السياسة ووجوده لن يواجه رفض أو اعتراض من القيادات " ابتسم الثالث وقال وهو ينظر لحكم " هذا لو كان السيد حكم شغوف بعالم السياسة يا بشوات، فأنا يبدو لي أنه مهتم أكثر بعالم المال والأعمال " قال راغب بطريقته الواثقة حد العنجهية " حكم أذكى من ألا يُفوّت هذه الفرصة، لقد أصبح أغلب عمله يخص رجال لهم ثقلهم وهذا مؤكد جعله يدرك أن السياسة أيضا توضع تحد بند الأعمال، ومن مثله يجب أن يكون طموح فالمال بلا سلطة مجرد ورق بلا قيمة " توجهت أنظار راغب نحو حكم الذي شعر أنه كمن أحكم عليه فخ فقال رابع ينظر نحو راغب بخبث " ألا يكفيه توطيد علاقته بالسياسة بالارتباط المرتقب من كريمتكم يا باشا أم أن خططك للسيد حكم أكبر من ذلك " التفت حكم نحوه وبعينيه نظرة زلزلتها الصدمة لكنه لملم زيول صدمته بثبات بينما ضحك راغب قائلآ بترفع " الإشاعات المثارة عن الارتباط كانت حركة ذكية جدآ من حكم كي يبعد الخاطبين عن درب ماريا لكن الحقيقة أنه مازال لم يأتْني المنزل لنتحدث سويآ رجلآ لرجل لكني أشعر أن جلستنا هذه ستكون قريبآ " نظر راغب نحو حكم الذي لم يبدِ أي رد فعل بل ظل هادئآ واثقآ وهو يقول " صدقني يا باشا أنا أتشرف فنسب سيادتك شيء كبير بالنسبة لي ورغم ذلك أؤكد لك أن الإشاعات المثارة ليس لي يد بها إطلاقآ، هذا ليس أسلوبي ولا طريقتي في التعامل لكن أؤكد لك أني سأبحث عن المتسبب وسياخذ ما يستحقه، فالآنسة ماريا أرفع شأنا من أن تتعرض لهذا " لم يبدُ أن الإجابة أعجبت راغب الذي امتقع وجهه للحظة قبل أن تندفع نحوه فتاة ناعمة جذابة الملامح رقيقة الطلة وهادئة تقول " أبي سيبدأ المزاد وأنا لن أتنازل عن اللوحة التي أريدها " ضحك راغب قائلا " اطلبي من السيد حكم ألا يزايد بحماس لكي لا تدفعيني لإفناء ثروتي في مجرد لوحة " نظرت ماريا نحو حكم بخجل شديد وقالت " وهل سيظهر السيد حكم تمسّكه الشديد بشيء أريده " لم يكن حكم واعيآ لما تقوله بينما عينيه كانت ترصد حركة طايع الذي عاد للظهور أمام لوحاته وفياض الذي لفت الأنظار بحضوره الطاغي لكنه وحده من يدرك أنه يدور حول نفسه كمن يبحث عن شيء ضائع منه وأواب الذي عاد يقف بجوار بعض من زملائه الضباط المدعوين على الحفل يتبادلون الحديث والمزاح وحذيفة الذي أخذ ركن قصي يراقب شيء لم يبدُ واضحآ له لكنه أجج حذره وجعله يستدير نحو ماريا يقول من باب اللباقة " أشيري فقط على اللوحة التي تريدين آنستي واعتبريها خارج المزاد، وسيوضع عليها إسمك مدفوعة الثمن وبمبلغ يتخطى سعر كل اللوحات التي سُتباع هدية مني لأجلك " توارت ماريا وهي تشعر بسعادة غامرة وخجل فتى في كتف أبوها الذي قال وقد محت تلك الحركة عبوسه من إجابة حكم السابقة " يبدو أن السيد حكم لم يتحمل أن تطلبي ماريا فجعل اللوحة حصرية لك " حينها كان حكم قد تعرف على الجسد الأنثوي الغير مدعوا على الحفل والذي يتوجه نحوه حذيفة كأنما كل الأشياء الكارثية هي عوامل جذب له فقال حكم " هذا أقل ما يمكنني فعله يا باشا، معذرة منكم دقائق وسأعود " تحرك حكم بخطوات مسرعة نحو غرفة مكتبه وهو يضغط على أذنه قائلا بحدة " يهدين، الإمرأة التي يقف معها حذيفة أريدها في مكتبي حالآ" جائه صوتها تسأل " من هذه " فأجابها بغضب " لا شأن لك " وحين لم تأتْه إجابة زفر قائلآ " متسللة لا يجب أن تكون هنا " قالت له ببرود " علم وسينفذ ".
وقف حذيفة يحاول جمع شتات أفكاره التي بعثرها كل ما حدث ، اللقاء …الحديث …الذكريات …وحتى الخوف كل شيء طفى وكأن نيران اشتعلت به بلا استئذان ثم انطفأت بعدما أحالته رماد وبقايا ستتكفل بها رياح الأيام القادمة لتقع عينيه على مصدر إلهاء مناسب فتابع بعينيه سيادة التي كانت تتحرك بين الحضور بسرعة وحرص كأنها تتجنب أن يتعرف عليها أحد لغة جسدها تشير إلى أنها متوترة وتعاني من ضغوط وأيضآ تبحث عن شيء أو ربما شخص فتحرك يتبعها حتي وقف خلفها قائلا " هل تبحثين عني، لم أتوقع أن تنتظريني " استدارت سيادة بعبوس شديد تقول له " ولماذا سأنتظرك، هل تمزح معي " قال حذيفة بهدوء " لنتعرف أولآ وبعدها يمكننا أن نمزح معآ لأننا سنصير معارف حينها"
نظرت سيادة بتدقيق لملامحه التي طغت عليها الكآبة وقالت " لا أظن أنك بنظراتك الكئيبة هذه تستطيع المزاح لذلك اعفني من التعرف عليك وما سيليه " أخرج حذيفة من جيب سترته بطاقة تعريفية وقدمها لها قائلآ " أنا طبيب نفسي، ربما تحتاجين إليّ في وقت ما لأنك تبدين كمن يرزخ تحت ضغط شديد " زمت سيادة شفتيها وقالت " هل تراني فاقدة لعقلي، أنا متوترة قليلآ وهذا لا يعني أني أحتاج طبيب نفسي " تلمس حذيفة لحيته ونظر لها مفكرآ ثم قال " هل أنت خائفة من شيء أم شخص " نظرت له سيادة بصدمة ولم تستطع الإتيان برد فيما اقتربت منهما نادلة بهدوء لتتعثر بجوارها تمامآ ويسقط كأس من المشروب على فستانها فتشهق سيادة بصدمة ويقول حذيفة الذي لاحظ تعمد الخادمة لتعثرها " اذهبي مع الخادمة لتنظف لك فستانك، أظن أن من تبحثين عنه قد وجدك " نظرت له سيادة بصدمة تزداد ثم تبعت النادلة التي ظلت تعتذر بتوتر بالغ وخوف في مشهد بدى اعتيادي داخل تلك الحفلات لينتهي بها الأمر أمام باب المكتب والنادلة تقول " سيدي ينتظرك بالداخل " دخلت سيادة غرفة المكتب التي كانت ذا إضاءة بثت في جسدها شعور غير مريح لتجد حكم يجلس على مقعده خلف المكتب ويقول بغضب " تدركين كم أكره المتسللين سيادة " تنفست بعمق وقالت " أنت من دفعني لذلك يا سيد حكم، لقد أردت مقابلتك منذ شهور وأنت من ترفض " وقف حكم يقول بحدة " هذا لأنك إخترت طريقك سيادة رغم تحذيري لك، لن تنسحبي بإرادتك وتعودي بإرادتك وكلك ثقة أني سأسمح لك " قالت له بهم " أنا لا أخطط للعودة أبدآ لم تعد أوضاعي تناسب هذا الوسط سيدي " نظر لها حكم بتدقيق وهو يميل للأمام وقال " لا تقولي لي …أورائك كارثة جديدة " تنفست سيادة بعمق وقالت " تستطيع أن تقول أن كارثتي القديمة لم تنتهِ بعد لذلك أحتاج مساعدتك بشدة " ضرب حكم على المكتب وقال " بحق الله، ما هذا اليوم …لقد واجهت اليوم كم من الكوارث غير طبيعي أو منطقي، ثم كيف لم تنتهِ ألم ينقذك مؤيد الجوهري من الشافعية ومنذ حينها وأنت في حمايته رغم تحذيري لك " دمعت أعين سيادة التي دارت بها في كل مكان ما عدا وجه حكم وقالت " تستطيع أن تقول رفعت عني الحماية وأصبحت وابنتي بخطر مؤكد " استنكر حكم بقوة قائلا " ابنتك …هل أصبح لديك طفلة ؟ أي غباء دفعك لتقدمي على الإتيان بطفلة لا حول لها ولا قوة في تلك المعمعة، ثم هل تخلى مؤيد الجوهري عن ابنته بتلك السهولة" أجابته بحرقة " هولا يعلم بوجودها " توسعت أعين حكم بغضب شديد فأسرعت تقول " لا أريد منك سوى أن تعتبرني مثل أي عميل يلجأ إليك، أنا عملت لديك لسنوات سيدي وأدرك أنك وحدك من تستطيع مساعدتي " هدر فيها حكم " ما الذي تسعين إليه سيادة " سحبت سيادة الورق العالق بين جسدها والفستان بخفة ووضعته أمامه على المكتب قائلة " أريد أن تموت سيادة وتنسى، هوية جديدة ذات ماضي نظيف ووضع إجتماعي معقول وخلفية ثقافية وعلاقات طيبة ووظيفة ذات دخل مناسب وتفاصيل دقيقة بلا ثغرات لكي لا تواجهني مشاكل بالمستقبل، أفكر ربما يكون ذلك في دولة أسيوية أو إفريقية لكي لا تتقاطع دروبي مع الماضي مهما حدث، أريد أن أدخل ضمن برنامج المعلومات المحرمة وسأدفع لك ما تريد " صمت حكم قليلآ ثم قال " أتعرفين ما يعني هذا …الأمر ليس سهلآ سيادة، خوفك من الوضع الحالي يشوش أفكارك ويجعلك تأخذين قرارات مصيرية غير محسوبة، من يلجئون إليّ يكونوا قد أحرقوا خلفهم الأخضر واليابس والنيران تطاردهم فجائوني وهم مدركين أن الموت أمر لا فرار منه سوى بالتخلي عن كل شيء حتى ذاتهم، صدقيني لو أن لهم فرصة واحدة ضعيفة في النجاة لما لجأوا إليّ " قالت بقهر " أنا لم يعد لدي فرصة فعلآ " احتد حكم قائلآ " بل لديك لكنك لا تريدينها في الوقت الحالي لأن مشاعرك المضطربة تصور لك أن الإقدام على قتل جزء منك ومن حقيقتك وهويتك هو الحل الأفضل " قالت بإصرار " هو كذلك فعلآ " ابتسم ساخرآ وهو يستدير حول مكتبه قائلآ " أنت تتحدثين عن شيء لا تدركينه بتاتآ، فلا شيء أقسى من إقتلاع الهوية، أن تسيقظي يومآ لتنظري في المرأة فتشعري بروحك سجينة جسد يشبهك لكنه لا ينتمي إليك، أن تصيري مسخ مشوه مُجبرعلى الادعاء ما تبقى من عمره، مجبر على تغيير ولائه ومبادئه، أخلاقه وملامحه، هل تدركين شناعة الأمر " أغمضت عينيها بآلم وقالت " لقد قررت ولا سبيل للرجوع، ولدي من المال ما يكفي، لقد استغنيت عن هذه الحياة " بدى الاستياء على وجه حكم الذي قال " لم أكن لأهتم بالمال لو تأكدت للحظة أنه لا فرصة أمامك، صدقي أو لا تصدقي مازال لدي قلب لكني لن أنساق لقرار مجحف جاء نتيجة صدمة عاطفية كما يبدو، عودي لابنتك يا سيادة وحاولي الحفاظ عليها وعلى حياتك وإذا لم تستطيعي فعل ذلك وحين تنغلق بوجهك جميع الأبواب ستجديني منتظرك وبدون مقابل يمكنك إعتبارها مكافأة نهاية الخدمة، والآن اعذريني فلدي حفل حافل " تحرك حكم لتقول سيادة بخوف " لن تتركني سيدي ليحدث لي مثل ما حدث له" أدرك حكم إلى ماذا ترمي وتحرك نحوها بعنف يقترب منها وهو ينظر إلى عينيها بنظرة قطعت أنفاسها وقبضت خافقها كأنها مقصلة لا ترحم وقال " يونس هو من أوصل نفسه لتلك النهاية، وأظنك ستلحقينه إذا بقيت تنقادي وراء أفكارك بدون دراسة وترتيب مسبق وحذر، في النهاية اللعب مع الكبار نهايته سيئة …سيئة جدآ سيادة " أنهى حكم حديثه وتحرك خارج الغرفة لتشهق سيادة بعنف واضعة يدها على صدرها وهي تسقط جالسة على أحد المقاعد المقابلة للمكتب ثم تنفجر في البكاء..

بعد قليل…

التقط فياض كأس نبيذ من الموضوع أمامه على الطاولة المستديرة وألقاه في جوفه كأنه يغذي نيران صدره بكل ما قد يساعدها على الاشتعال أكثر وعيناه تدور بلا توقف يرصد الوجوه ثم ينظر لهاتفه بعنف ويتمتم بسباب أعنف وقد أدرك أن حكم قد حصن المكان بنظام حماية يشوش عليه الاتصال بجهاز التعقب الذي دسه في كم ردائها الذي أعطاها طلة ملكية جعلت أبواب خافقه التي فتحت على مصرعيها لتستقبل عودتها تزداد وهنآ على وهن فتسقط تحت أقدامها التي أبت أن تطأ مداره راضية ولو لثانية، زفر مشتعلآ وهو ينظر إلى حكم الذي وقف يلقي خطبة عصماء عن هدفه من إقامة الحفل وتأثير فعل الخير على تنمية المجتمع، ودور رجال الأعمال ورجال الدولة في النهوض بها عن طريق نشر دعمهم على نطاق أوسع لينهي حديثه بشكر خص به طايع الذي تبرع بعائد لوحاته بأكمله لإحدى المستشفيات الخيرية وشكر الطباخ سيرجو الذي خرج من المطبخ أخيرآ يرتدي بدلة أنيقة يسلم على حكم كأنهما غرباء لم يلتقوا يومآ ويعلن بلغته الانكليزية السليمة التي لا تدع مجال للشك أنه ربما يدرك حرف واحد من اللغة العربية أنه تبرع بأجره كاملآ أيضا مثيرآ زوبعة من الانبهار بهدؤه ولطف كلماته، لقد حاول الصمود أكثر أو أن يشتت انتباهه بالاندماج في الحفل وخاصة أن هناك أكثر من عنصر أنثوي ينتظر منه إشارة ليقترب لكنه لم يحتمل فدفع كل تحذيرات حكم التي يدرك عواقبها عرض الحائط ليلتقط كأسآ أخر يلقيه في جوفه بحدة أكبر قبل أن يتوجه نحو الباب يسحب طاقيته من يد عاملة الاستقبال ويتحرك ملقيآ إياها وعصاه في السيارة ثم ينطلق مبتعدآ عن مدار المزرعة محاولآ إعادة الاتصال بجهاز التعقب وكل أعصابه مشدودة كأنها ستتمزق ليصرخ بقوة حين ظهرت الإشارة محددة مكانها الذي لم يكن سوى مجمع تجاري ضخم على بداية الطريق إلى العاصمة.
…………
في نفس الوقت كانت كيان تحاول تخطي كل ما حدث وهي تحاول السيطرة على أفكارها التي تدور في خواء عقلها بلا هوادة ولا رحمة، وعلى نبض قلبها الذي انفلت عقاله كأن ما بداخله قد فاض عن الحد، وعلي رجفة جسدها التي تأبى أن تتوقف وعلى صوته الذي يسكن خلاياها بلا صمت ولا سكون ليأتيها صوت فارس المبتسم " قلبك سيتوقف من الفرحة إهدئي " لم تكن واعية أنها تضع يدها على صدرها تحاول أن تهدأ من انفعال قلبها الذي يجعل صدرها يرتفع وينخفض بتسارع لتقول بصوت مضطرب كأنفاسها " أنا فقط لا أصدق، كل شيء حل في طرفة عين، الحمد لله حمدآ كثيرآ طيبآ…الحمد لله " نظر لها فارس بطرف عينه وقال " لو لم أكن معك ما كنت لأصدق …سبحان الله، مازال هناك من يفعلون الخير ابتغاء مرضاة الله لا أكثر، وسيظل الله سبحانه وتعالى يسوقهم إليك ويسوقك إليهم لأنك تستحقين كل الخير كيان " أغمضت كيان عينيها وهي تتنفس بعمق وتقول " لا أعرف من أين سأبدأ، لكن طبعا دفع مصاريف عمليات الفتيات على رأس القائمة ثم أفكر في شراء أتوبيس صغير يتولى أمر توصيلهم للمدارس والجامعات وتعيين سائقه خاصة به، ثم دفع مصاريف المدارس والجامعات
و شراء اللوازم الخاصة بالدراسة وهناك بعض الإصلاحات الدورية بالدار، هذا غير شراء هواتف للفتيات الكبيرة من أجل مظهرهم أمام زملائهم، ومؤكد سنقوم برحلة ترفيهية من أجل أن تبدأن جميعآ عامهن الدراسي بنفسية هادئة " ضحك فارس وقال متغزلا " متى سأكون ضمن قائمة اهتماماتك كيان، ألا تجدي أننا نستحق فرصة، فأنا لست بالسوء الذي يجعلك تخشي الاقتراب مني إلى هذا الحد" توترت كيان لكن حديث حكم الذي عاد بصداه داخل عقلها جعلها تقول له " لا تضغط عليّ من فضلك… امهلني قليلا يا فارس ..أنا أهاب هذا القرار وأتمنى أن تتفهم ذلك " رد عليها متفهمآ " ساقولها لك مجددآ، خذي وقتك كاملآ فأنا معك وسأنتظرك لأني أرغب فى وجودك بجواري وبشدة لكن لا تنسي أن ذلك الوقت من أعمارنا كيان وأنا أريد أن يمر القادم بأكمله معك، أعطني على الأقل وعدآ سيكون كافيآ في الوقت الحالي " زاد انفعال قلبها الذي كان يخفق بعنف كأنه يعدو في سباق مفتوح بلا نهاية، وشعرت بالسخونة تغزو وجنتيها وتمتد لسائر جسدها فهمست بخفوت " أنت تضغط عليّ وتطلب ما يفوق قدرتي " ظهر اليأس والحزن على وجه فارس لتقول فجأة وهي تنظر للمجمع الضخم الذي يقتربان منه " أيمكنني شراء بعض الهدايا للفتيات بهذه المناسبة، أريدهن أن يشاركوني سعادتي " توقف فارس بالسيارة وقال بمرح " لما لا تحت أمرك أنستي ما دمت ستسمحين لي بمشاركتك التسوق وربما نبتاع بعض المثلجات فلا أظنك ستقبلين بأكثر من ذلك " قالت كيان بخجل " لطفك يعجزني دومآ عن شكرك فارس …فأنا أشعر معك أن كلمة شكرآ لا تكفي " قال لها بثقة " بل لا تحتاجين لقولها إطلاقآ " همّ بالنزول فأوقفته كيان تقول بتردد " أنا أفكر أن ثيابي ملفتة كثيرا بالنسبة لمركز تسوق أنا لا أحبذ لفت الأنظار إنه يشعرني بالتوتر وعدم الراحة، أظني سأءجل الأمر للغد سيكون هذا مريحآ أكثر" نظر لها فارس بتفكير للحظات وقال " أنا لدي الحل …ترجلي من السيارة " همست برفض " لكن" قال لها بلطف " لا تقولي لكن كيان " إجابته أفزعتها بلا سبب ففتحت الباب وترجلت مسرعة ليترجل فارس وهو يخلع سترة بدلته ويقول لها " ارتديها ستكون مناسبة لك " هزت رأسها بهلع وقالت بخجل " لا بالطبع ماذا تقول " أجابها بهدوء وهو يفرد السترة " لعلمك دور الموضة العالمية تتبنى فكرة المقاس الحر للنساء لذلك ببعض التعديلات ستبدو السترة عليك ملائمة تمامآ كأنها لك " عبست فقال لها فارس بمزاح " أنت هكذا تؤخرينا كيان، لا أظن أنك تريدين قضاء الليل في الجدال معي لأجل سترة " تحركت للأمام تقول وهي تخفض عينيها عن مظهره الذي زاد توترها بعدما خلع سترة بدلته " حسنا لا بأس سأدخل هكذا، لا أظن أن هناك من سيراني من الأساس، أنا فقط من أعقد الأمور قليلآ " كان فارس ما يزال على وقفته يفرد لها السترة بين كفيه فزفرت بقلة حيلة وهي تقترب بعصبية تدخل زراعها في سترته وتقول " هذا لا يصح …لا يصح أبدآ " ضحك فارس بسعادة غامرة وهو يساعدها لترتدي السترة ثم يقول " لو انهيت ترددك لصحّت كل الأشياء وطابت أوقاتنا معآ " أسبلت أهدابها تستدير لتنظر إليه وتقول " سترتك تحولت علي لمعطف رجالي أهذا هو المناسب من وجهة نظرك …لا هذا جنون " قال لها بعيون تلمع " بعض التعديلات كل ما نحتاجه وستبهرك النتيجة، أعطني يدك " جذبت يدها لصدرها تنظر له بتوجس وهي تقول " ماذا ستفعل " سحب فارس ذراعها من كم البدلة الواسع دون أن يلمسها وقال " ساجعلها مناسبة كيان اهدئي " بدأ في ثني الكم بطريقة شبابية هذبت المنظر ثم ابتعد عنها قليلا وقال " أعلم ما ينقصنا " عبست تقول " بدأت أشك أنك ضابط شرطة، خبرتك مقلقة حقآ " فتح فارس باب سيارته الخلفي وسحب شيء لم تتبينه وهو يقول لها " الفضل يعود لوالدتي وخالتي فهما لم يعْقهما أنهما لم يرزقا بفتيات عن الاستمتاع بالحياة، كانتا تجبراني وأخي وأبناء خالتي على مرافقتهما لشراء الملابس ومراكز التجميل والنادي وأرجوك لا تسألي عن التفاصيل " ضحكت كيان قائلة " ماذا كنت تفعل في مراكز التجميل يا حضرة الضابط " اقترب فارس بحزام من الجلد يخصه وأمسك طرفيه بين كفيه ينزله حول خصرها بطول ذراعيه حريص أن تكون المسافة كافية بينهما فتوترت كيان من حركته وقالت " دعني أعقده الأمر بسيط " ابتسم يترك لها الحزام وهو يقول " كنت أختار مع والدتي درجة الصبغة المناسبة، واشاركها الثرثرة بينما تقوم بالعناية بأظافرها وأقدامها، وأتناقش معها إذا قررت تغيير قصة شعرها، لا أظن هناك مركز تجميل في العاصمة لا يعرف من أنا " ابتسمت وهي تعقد الحزام حول خصرها وتقول بحسرة " هذا لطف بالغ منك، ليس كل الرجال مثلك هادئون متفهمون ولديهم صبر وحنكة في التعامل مع الجنس الآخر، مؤكد والدتك فخورة بك ….ها ما رأيك " تراجع فارس يرمقها بنظرة أخجلتها وقال " كأنها لك …تبدين رائعة " عبست تقول بمزاح " توقف عن إخجالي وهيا بنا فأنت لا تدرك صعوبة المهمة التي سنقدم عليها شراء هدايا للفتيات ليس بالأمر الهين أبدآ " تحرك بجوارها بعيون يلتقط منها لمعة الحب على بعد أميال وقال " سأبهرك بقدرتي على انتقاء الهدايا " ولجا معآ من البوابة الضخمة للمركز التجاري غافلان عن تلك العيون التي راقبت ما يحدث أمامها وقد حل عليها الفجع والجنون، تنفس فياض بشكل عنيف وهو يشعر أن كل ما به يخرج عن نطاق السيطرة وزأر بصوت كان كفيلا بإطباق المركز التجاري فوقهما لكنه وحده من أطبقت فوق رأسه السموات السبع، فتح الحقيبة المجاورة له وأخرج منها سلاح زوده بكاتم للصوت وقفز من السيارة بقوة وتحرك تجاه سيارة فارس وأفرغ جميع الرصاصات في عجلات سيارته وهو يتخيل أنه يفرغها في صدره ثم تراجع متراخيآ بوهن يستند بظهره إلى السيارة المقابلة وهو يرفع عينيه إلى السماء يشكو بأسآ طال بلا شفاء ولا عتق لتنخفض عينيه وقد لمعت بهما حمم بركانية محال أن ينجى من انهيارها أحد وتحرك عائدآ إلى سيارته ينتظر خروجهما وقد تحول لكتلة تصهرها نيران الغيره والوجع التي بات يغذيها بشكل شرس بخيالات كفيلة بإيقاف قلبه من شدة الحرقة والقهر والوجع.
_________________
لا تناظرني كما يناظر الأحرار، فأنا مهما توارت حقيقتي سأظل أنثى منزوعة الخيار، سأظل أمامك عاجزة عن الإقدام في أخذ قرار، سأظل لا أملك من أمري ما تملك أنت من الإصرار، سأظل امرأة أصابتها غصة الواقع شديدة المرار.
………….
تحاول أن تفكر بتعقل فلا تجد للعقل والمنطق مكان وسط ما يحدث، فالنجاة أحيانآ تتطلب المجازفة ويبدو أن نجاتها سيحددها إلى أي مدى تستطيع أن تجازف في سبيل الخلاص
أنفاسها كانت مضطربة كأفكارها التي تدور داخل دوامة من التكهنات المفزعة تجاه ذلك الذي يقف أمامها كالوتد يحمل حقيبتها الضخمة على ظهره داخل المصعد بينما تقف خلفه تطبق ذراعيها كالكماشة حول آدم وعينيها مثبتة عليه بتوجس شديد تكاد تعد أنفاسه من شدة التحفز الذي يملأها تجاهه حتى ارتجافة جسدها أضحت واضحة من شدة ما تكبت انفعالاتها محاولة الظهور بمظهر الواثقة المسيطرة لكنها تدرك أن مظهرها المزري وحالتها البائسة خير دليل أنها ليست سوى إنسانة ضعيفة بلا أهل ولا عزوة ولا قوة قد تحفظها من أي إنسان قد يريد بها السوء، توقف المصعد فخرج رائف الذي كانت ملامحه جامدة منغلقة يتوجه نحو باب الشقة التي يقيم بها منذ وصوله صقلية لتتقدم أصالة خلفه بعض خطوات ثم تتوقف قائلة " ماذا نفعل هنا " لم يجبها رائف وهو يفتح الباب ثم يستدير لها قائلآ " ادخلي من فضلك " نظرت حولها بتوتر وهي تسأل " أهناك أحد بالداخل …أهذا منزلك " أجابها رائف باقتضاب " لا تخافي وادخلي لا أريد لفت أنظار الجيران بجدالنا هنا " لم تستطع التقدم أكثر وقالت برهبة وهي تدفع بنظارتها للخلف خوفآ من أن تخونها الرؤية ولو للحظة " أنا لن أكون مطمئنة وأنا باقية بمفردي مع رجل غريب، هل يمكننا الذهاب إلى مكان عام " أزاح رائف حقيبتها عن أكتافه وهو يقول بغضب " ليس لدي مانع حقآ ولكن للأسف أنا حاليا مطارد وقد وقعت في مشكلة كبيرة بسبب سيادتك، لذلك ليس من المنطقي أن أغامر بالخروج إلى مكان عام وأنا من المفترض أن أختبيء لأن تلك العصابة ستجوب صقلية شبرآ شبرآ بحثآ عني وعنك " نظرت له أصالة بحزن وقالت " هذه المرة الثانية التي تبدي فيها ضيفك من مساعدتي، وأنا لن أقبل أن أكون عبأٓ على أحد " نظر رائف إليها بصدمة وقال " لن تقبلي بماذا، ولماذا لم تأخذي ذلك القرار الحكيم قبل ما حدث، ادخلي من فضلك قبل أن يرانا أحد ويرتاب من وقفتنا وحينها لن نجد مكان نلجأ إليه "
هزت رأسها بغضب وقالت بعصبية " لماذا تعاملني بهذه الطريقة، أنا لا أسمح لك فالسخرية من حديث أنثى ضعيفة ليس من شيم الرجال يا ابن الاصول، ثم عليك أن تغير فكرتك عني تمامآ فكل ما يحدث لي لن يجعلني أغير مبادئي وأقبل أن ألجأ لمنزل رجل لا تربطني به صلة، ما ظنك بي يا حضرة، أنا ابنة شيوخ تزلزل لهم المجالس "
نظر لها رائف بغضب خاصة وهو يلتقط حركة في الشقة المقابلة لهما فجذبها من ذراعها بسرعة يدخلها الشقة ويغلق الباب لتقول بلا تفكير وقد زاد ارتجاف جسدها وقد رفعت ذراعيها في وضع الدفاع " اذكر الله …اذكر الله ولا تقترب، أليس لك أخوات ….أرجوك أطلقني لوجه الله، فمعية الله خيرآ لي من نفوس البشر، أنا لست كما تظن " فرك رائف جبهته بعنف ثم صرخ فيها " اصمتي " وضعت يدها تكتم فمها بفزع فتنفس رائف بعنف لتنطلق قائلة " أنا لن أستسلم مهما حدث " اقترب منها رائف بخطوات متمهلة ينظر لها بعيون متفحصة فتراجعت للخلف وهي تسأله بتوجس " ما بك، لماذا تنظر لي هكذا، لا تنساق لطريق الشيطان واذكر الله"
أشهر رائف بلا مقدمات سكينا في وجهها وقال " خذيها " نظرت للسكين برعب ولم تستْعب ما يقوله فأمرها مجددآ " خذيها… لتشعري بالأمان وتهدئي وتكفي عن حديثك المهين الموجه لي كمدفع ممتليء الزخيرة ينطلق من حلقك، نحن في ورطة وأنا أحتاج للتفكير، واطمئني لست مغتصب ولا افكر في الاغتصاب ولا استهويه ولا أراك سوى ورطة كبيرة جدآ جدآ " احمر وجهها بعنف وداهمها خجل لكنها أسرعت تلتقط السكين وتتنفس الصعداء وتنظر حولها وقد ابتعد رائف يحمل حقيبتها نحو غرفته فتحركت خلفه تقول بأسلوب أشبه بالولولة " ماذا سنفعل الآن هل سنظل هنا إلى أن يأتوا ليقتلونا، ماذا ستفعل لي تلك السكين حينها، أنت ببقائنا هنا تعرض حياتي للخطر " التفت لها رائف بأعين فاض كيلها فأصابها الخرس وتساقطت دموعها ليزفر رائف بتعب وهو يلقي بحقيبتها على السرير ثم التفت إليها قائلآ " اجلسي لنتحدث قليلآ …شريكي بالسكن على وشك العودة وهناك بعض الاشياء علينا مناقشتها قبل عودته " قالت له بفزع " ماذا تعني بشريكك، أليس هذا منزلك، إلي أين أتيت بي، الخطأ خطيء من البداية " أنهت حديثها وانفجرت في البكاء ليرفع رائف ذراعيه فوق رأسه ينظر لتلك الكارثة التي تتمادي في الضغط عليه كأنها مصرة أن توصله لمرحلة الانفجار ليسقط جالسآ على مقعد مقابلآ للسرير وقال بهدوء وقلة حيلة " هذا يكفي …الباب مفتوح وانت لست مجبرة على البقاء بمكان لا تشعرين فيه بالأمان، هذه حقيبتك يمكنك أخذها والرحيل ومن فضلك أغلقي الباب الخارجي خلفك جيدآ " أنهي حديثه وهو يفتح أحد الادراج يسحب منها شريط دواء مسكن وخرج من الغرفة تجاه المطبخ يخرج من الشريط ثلاثة أقراص وهو يفتح المبرد ليسحب زجاجة ماء ويشرب منها حتى أنهاها ثم تحرك تجاه الحوض وارتد كفيه على حافته يزفر بخشونة قائلآ " متى ستكف عن زج نفسك في طرق متعرجة ومليئة باللألغام التي لا تدمر سواك " ثم فتح المياه ووضع رأسه أسفلها مغمضا عينيه سامحآ لعقله أن تتقاطر من قطرات شوق مميته لتمتزج مع قطرات المياه فلا يدري بها أحد، كان منعزلآ عن العالم أسفل ذلك الصنبور لا يدري لكم من الوقت ليعتدل فجأة شاهقآ فتتقاطر المياه على ملابسه بعنف فيتحرك بضياع تجاه غرفته ليتفاجيء بأصالة تجلس على السرير بسكون ويجلس بجوارها أدم يلعب بسيارته الصغيرة المفضلة فتسمر مكانه للحظة ثم تحرك نحو الخزانة يسحب منشفة وملابس وخرج من الغرفة لدقائق قبل أن يعود وقد غير ملابسه باخرى أكثر قتامة فزادت من هالة غموضه ليسألها بهدوء " لماذا لم ترحلي " نظرت له بتوتر وهي مازالت تقبض على السكين وأجابت " أنت تدرك أنه ليس لدي مكان لألجأ إليه، عدني وعد شرف أن تساعدني في العودة لمنزلي دون أن تستغل ضعفي وقلة حيلتي، دون أن تعرضني للخطر أو تشعرني بالرعب، دون أن تراني مباحة أو تساومني بوضع مساعدتك لي مقابل شيء لا أستطيع فعله، عدني أن تراني عرضك وشرفك الذي لا تتهاون به ولا تقبل أن يمس حتى نصل إلى أرضي …أرض العزايزة " اهتز رائف لحديثها بشكل لم يعهده في نفسه، كل كلمة قالتها كانت كقيد يلتف حول عنقه لتنحل جميع القيود حين وصفت نفسها أنها عرضه وشرفه ناسبة نفسها إليه فتهديه أول شعور بالانتماء دون أن يطلبه أو يسعى خلفه أو يحارب للفوز به، تأثر بقوة لتلك المنحة إلى حد أوصله أن يشعر بأن حديثها كان شيء طال انتظاره وطال السعي له وطال التحرق إليه ليأتيه منها دون غيرها، لقد حققت له بكلمات مهتزة خافتة أمنية ظنها طاحت معه حين طاحت ثوابته لذلك سألها متعشمآ بلا سبب في المزيد " وما الذي سيدفعك لتصدقين وعدي و أنت لا تثقين بي " مطت شفتيها تتحكم في ارتعاش ذقنها كاتمة للبكاء ثم قالت " أنا سأجازف بمنحك ثقتي، إنه شيء مجنون أعلم لكني سأمنحها لك فأرجوك لا تخذلني أو تتخلى عني " تنفس رائف بعمق وقال بحزن شديد " لن أفعل …لك وعدي ما دمت حيآ أتنفس ستكونين آمنة مطمئنة حتى أوصلك إل باب منزلك " مسحت أصالة دموعها التي شوشت رؤيتها وزجاج النظارة فتركت السكين لتجففها فسحب رائف منها النظارة يجففها بحرص وهو يقول " هذا السكين سيكون رفيقك الجديد، لا تتركيه أبدآ إلا أمام منزلك كما أمرتك واستمعي إليّ جيدآ " التقطت نظارتها تضعها وهي تنظر له بترقب فأكمل قائلآ " هناك بعض القواعد التي سنضعها لتُسهل التعامل فيما بيننا، حسنا" هزت راسها بطاعة فقال " أولآ الثرثرة الكثيرة تسبب المتاعب والصداع وتشوش التفكير وتزيد الضغط فلا داعي لها " نظرت له برفض ثم أشاحت بعينيها فأكمل قائلآ "ثانيآ لا تجادليني مطلقآ فالجدال يضيع الوقت ويضعنا في مواقف نحن في غنى عنها كما أنه يزيد الضغط فلا داعي له " تغيرت ملامح وجهها للتجهم لكنه لم يبالِ وهو يقول " وثالثآ أريد منك وعد بالطاعة المطلقة، لا تحاولين التصرف بمفردك لا تحاولين التذاكي مطلقا ..بل من الأفضل ألا تحاولي فعل أي شيء عدا طاعتي واتباعي حتى نصل إلى بر أمان " صمت يجمع ذراعيه خلف ظهره ينظر لها بترقب وحين لم تجْبه زمجر محذرآ فقالت " حسنا …أعدك " قال رائف " هذا جيد، خامسا أنا سأحاول بكل قوتي أن نخرج من صقلية خلال ساعات وهذا لن يعجب شريكي إطلاقآ، لذلك حين يأتي أريدك أن تغلقي الباب على نفسك من الداخل ولا تفتحيه مهما حدث إلا حين أناديك باسمك، مهما حدث هل كلامي واضح " قالت بعصبية " واضح …واضح جدآ، هل تظنني خرقاء " قال رائف بحدة " ماذا …لكن الباب الخارجي الذي فتح جعله يلتف بسرعة متجهآ نحو الباب وهو يقول " نفذي ما أمرتك به ولا تفتحي الباب حتى لو شعرت أني وهو نقتل بعضنا البعض " فزعت من الوصف فأغلقت الباب بوجهه بدون مقدمات ليستدير رائف على الصوت المصدوم القادم من خلفه يسأله " من بالداخل " استدار رائف ببطء وقال له بهدوء " إذا أردت أن تحول الأمر معركة لن أعترض لكنك لو جلست لنتحدث ربما سنصل لاتفاق قد يرضيك ويرضي سيدك ويناسبني دون إحداث خسائر"
_________________
ما ظننت أبدآ أن شهاب الأمنيات المستحيلة حين يمر أمامي سيكون داخل عينيك، ولا توقعت مطلقآ أنه حين يهديني القدر عمرآ جديدآ سيكون على يديك، ولا تكهنت للحظة أن الأحوال ستختلف…والحسابات ستختلف ….والقرارات ستختلف…كما اختلفت الوقائع حين عبرتي إلى ساحة قتالي الحامية بقدميك.
………..……..
ضوء النهار كان كناقوس الخطر الذي دق بقوة فاستنفرت
له عائلتين من أعتى العائلات بالعاصمة كل واحدة منهما تحشد قوتها وتحصن نفسها وتزيد من إشعال نيران الضغينة داخلها لتبقى مراجل الغضب في حالة من الفوران الدائم الذي دومآ ما كانت نهايته دماء وفقد وحرقة قلب وخسائرلا تنتهي، الوضع زاد تعقيدآ وخطورة منذ أن صدر قرار تدخل مؤيد بثقل علاقاته ليأتي به في آخر الليل بالقبض على عابد الشافعي الذي كان قد اختفى تمامآ بعد أن تم القبض على كنزي وشاهين لكن رغم ذلك استمر البحث الدؤوب عنه حتى أشرقت شمس النهار وقد وصل مؤيد الذي قضى ليلته مع كنزي في قسم الشرطة خبرآ بأنه قد تم القبض عليه أخيرآ وهو الآن في طريقه لعرضه على وكيل النيابة كما سيحدث مع شاهين وكنزي، تنفس مؤيد براحة وهو يقف ليقترب من النافذة يشاهد الحشود التي تتزايد من العائلتين أمام القسم بقلق بالغ والمشهد أمامه يخبره أن الوضع سيكون كارثي وخارج تمامآ عن السيطرة، فتح باب الغرفة فجأة ليدخل منه عمر الذي تحرك نحو كنزي يحتويها بقوة ويمسح على وجهها المرهق متمتمآ بكلمات تطمئنها وتشد من أزرها دون أن يلتفت لشاهين الذي كان متجهم عابس وعقله يعمل في جميع الجهات بلا توقف، ثم اقترب من أخيه يضمه وهو يسأله بلوم " لماذا لم يخبرني أحد بما حدث" شد مؤيد عليه بين ذراعيه ثم نظر لوجهه المكدوم وهو يبعده عنه قائلآ " لم تكن حالتك تسمح بعد ما حدث لك، ثم …من الذي أخبرك وما هو الوضع بالخارج " عبس عمر مجيبآ " زكريا هاتفني وأخبرني بكل شيء، وبالخارج الوضع مخيف، أل الجوهري جميعآ هنا وقد جاء أعمامك بأربعة محامين، والشافعية أيضا أتوا برجال لها ثقلها في عالم القانون من أجل ذلك الحقير، كما أنهم رفضوا إقامة عزاء واحتشدوا أيضآ بالخارج " تدخل بشر الذي شارك شاهين الأريكة تاركآ تولين لتلتصق بكنزي بعيون متورمة من كثرة البكاء وقلة النوم وشدة التوتر قائلآ " مؤكد الأمن سيتدخل للسيطرة على الوضع، خاصة عند وصول ذلك الرجل، فإن كان خبيث كما يقال عنه مؤكد بكلمة أو بإشارة منه سيحفز الشباب ليشتبكوا هنا مزيدآ من تعقيد الأمور " قال مؤيد بغضب " مازلت عاجز عن إدراك أسبابه، عابد ليس مجرد شخص يريد أن يثأر من عدو، إنه كمن يسعى خلف هدف وفي سبيل الوصول إليه قرر إراقة دماء لا حصر لها " قال عمر بيقين " هدفه واضح يا أخي وهو الانتقام لابن عمه الذي أريقت دمائه، ولن يهدأ حتى يموت أحدنا لتكون العين بالعين" نظر له شاهين بغضب وقال " سذاجتك هذه يا عمر ما تجعلك بلا موقف أو قرار، مجرد تابع لأخيك الذي سلم عنقه للشافعية ولأجل ماذا " احتد عمر فسارع بشر يمسك ذراعه وهو يقول لشاهين بحزم " لاحظ أن وضعك لا يسمح لك بالاعتراض على مواقف البشر الغير مفهومة لك، لأن موقفك تحديدآ غير مفهوم أو واضح لنا جميعآ ونعاني من تبعاته ليومين على التوالي ويبدو أن القادم لا يبشر بالخير " وقف شاهين بغضب ينظر لبشر قائلآ " لا توجه لي حديث فأنت وعائلتك كنتما طريقه لهذا الصلح المقيت، والآن تدعمه ليتمادى بحماية تلك الدخيلة التي ستكون أول طعناتها القاضية موجهة له دون غيره وحينها سيسقط ذلك السقوط الذي لا يتبعه قيام " اقترب مؤيد يسحب شاهين من تلابيبه نحوه بعيدآ عن بشر الذي تملك منه الغضب وقال له " أنا يئست منك، بل يئست من العائلة بأكملها ولم يعد لدي وقت لأضيعه في الجدال معك، لذلك التزم الصمت تمامآ فلا مبرر قد يخرج من فمك سيكون مقنعآ كفاية أنك لست سببآ في هذا شاهين، أنت كالعادة أشعلت الحرائق وعجزت أن تطفئها، نيران الثأر ها قد طالتك ولكنك لم تدرك ذلك بعد " اقترب شاهين منه خطوة ناظرآ إلى عينيه بدون أن يبدي أي نية في مبادلته الجدال أو العنف وقال بقوة " كما لا تدرك أنت أن كل ما يحدث بسببك، هل تظن أن عابد تقبل ذلك الصلح، تقبل التخلي عن تلك الملايين والمنشآت والأراضي التي كانت ستعود إليه دون غيره لأن زوجة أبيك كانت عمته وكل أموالها أخذتها من نصيب أبيه، أنت أناني مؤيد باصرارك على الفوز بكل شيء …الميراث …الدخيلة …والعائلة …والأمان، وتنسى في غمرة ما يحدث أن لا أحد يفوز بكل شيء، وإن أردت إنهاء هذا تمامآ أنت تعرف ماذا عليك فعله " أنهى حديثه ودفع بكفي مؤيد عن ملابسه وهو يبتعد عائدآ لمكانه على الأريكة بجوار بشر الذي أخذ منه موقف رافض تحت أنظار كنزي التي كانت تشعر أنها هامدة بشكل بشع كأنها قبس نور ينطفيء على مهل، طرقات عجلة على الباب تبعها دخول فارس يقول " لماذا لم تصل الآنسة سارة حتى الآن، خروج الآنسة كنزي والسيد شاهين متوقف على وجودها، القيادات هنا غاضبة جدآ من الوضع بالخارج ونريد إنهاء هذا الأمر بأسرع ما يمكن " ليأتيهم صوت سلطان الذي كان ذا وقع محفز لشاهين الذي ارتفعت نظراته سريعآ نحو الباب يشاهد فارس الذي تنحى لتظهر سارة وقد ارتدت عباءة سمراء فضفاضة ذات طابع خليجي وحجاب بنفس اللون ونظارة شمس أخفت أغلب ملامحها تقترب من كنزي وتولين قائلة بهدوء " كيف هو النوم بالأقسام …هل كانت ليلتكما ممتعة " عبست تولين قائلة " يبدو أنك رائقة البال …مؤكد أم ملاك قرأت عليك الرؤية الشرعية وأطعمتك بيدها " تزحزحت كنزي تفسح لها مكانا فجلست سارة تقول " الأمر تخطى ذلك بكثير، فأنا مررت الأمس بليلة من الدلال الخالص، لقد أعدت لي فرحة بعد منتصف الليل عدة أصناف لتجبر بخاطري وتزيح حزني " قالت كنزي الساكنة بشكل غريب " لا تذكري الطعام أمامي فأنا أشتهي أشياء غريبة منذ الأمس، أليس هذا جنون وسط كل ما يحدث " كان بشر يتحدث مع مؤيد بجانب النافذة فيما وقف سلطان يتحدث مع فارس وارتخى عمر المتعب على طرف الأريكة التي يجلس عليها شاهين يتابع حديث الفتيات بهدوء بعكس شاهين الذي شعر أنه على وشك الانفجار خاصة حين قالت سارة بهدوء " والله لو كان مجرد اشتهائك للطعام جنون فأنا تعديت ذلك " ثم التفتت لسلطان الذي يقف بملامح بها شيء لم تتبينه لكنها ظنت أن سبب ذلك الوضع الذي تمر به وقالت " الحقيبة يا سلطان " نظر لها سلطان للحظة قاطعآ حديثه مع فارس ثم رفع ذراعه يضع فوق قدميها حقيبة حرارية لتقول تولين بذهول " جلبتي لنا طعام " قالت سارة بمرح زائف " لم أجد خبزآ وحلاوة لكن الايام قادمة لا تقلقا …عمر من فضلك قرب منا هذه المنضدة " كانت المنضدة محتجزه بين ساق شاهين والحائط فتأوه عمر وهو يقف ليبادر شاهين بحملها ووضعها بصمت أمام الفتيات اللاتي بدأن في إخراج طواجن مغلفة بورق حراري وبعض الحافظات ليقول فارس بصدمة " عذرآ منكن لكن هذا ليس مناسب الآن " قالت تولين بلا مبالاة " وهل سيكون مناسب إذا هاتفت جيجي هانم يا حضرة الضابط " التفت بشر ينظر لها بقلة حيلة وهو يقول " بربكن ما هذا، هل لديكم شهية للطعام " أجابته تولين " ماذا الآن …الفتاة لديها تحقيق مطول وسترهق من كثرة الأسئلة ويجب أن تتغذى، أنت أيضآ يجب أن تأكل شيء، انظر مؤكد أم ملاك أرسلت لك المعجنات والقهوة خصيصآ " أفرغت تولين لبشر كوب من القهوة ووضعت بجواره قطعة معجنات وقالت له " تناول فطورك …أنت تبدو مرهقآ يا بشر " أخذهما من يديها وهو يقول بخفوت وبصدق أثلج صدرها " أنا بخير …ما عاد شيء مرهق الحمد لله، أنا بجوارك وجوار من تحبين حتى يمر كل هذا، وأفعل هذا من كل قلبي" ابتسمت له عيناها تتأمله بحب يضيء له ظلمات الماضي ودروب المستقبل، ليتنحنح ملفتآ نظرها لاستغراقها في تأمله فتحركت بسرعة تناول عمر شيء ليأكله ثم مؤيد ثم فارس الذي نظر لها بامتعاض لكنه لم يقاوم الرائحة عكس سلطان الذي رفض أي شيء عدا وقوفه خلف أخته يطبق ذراعيه على صدره كأنه حارس لشيء ثمين لا يريد لأحد أن يشتت إنتباهه عنه، فعادت تولين تجلس مكانها متجاهلة شاهين الذي شعر بالحرج الشديد وقد زاد هذا من غضبه لأنه ليس مسموح له بالخروج من الغرفة إلا للإنضمام للسجن الذي لن يقبل أن يخطو إليه تحت أي ظرف من الظروف، ليرفع رأسه بحدة وهو يجد طبقا يقترب منه وصوتها الجامد يقول " تفضل …الخير كثير …صديقتي فقط لا تطيقك " نظر لها شاهين بصمت بينما هدر سلطان بعنف " سارة " أجابت أخيها بعقلانية " لسنا من نأكل وبيننا جائع يا أخي …إنها الأصول " نظر لها سلطان بعدم رضا فقالت سارة لشاهين بصوت منخفض " فكر أن ترد يدي وحينها سأجعله يتعامل معك، وهذا ما يريده تحديدآ " صدم شاهين أولآ ثم تنفس ثم استوعب حديثها ثم شعر أن بداخله رغبة غريبة في أن يضحك لكنه مد يده ملتقطآ الطبق بصمت فقالت سارة هامسة باستفزاز " أكلت أم لم تأكل صار خيرنا عليك وانتهى لذلك لا داعي لتمنعك " ابتسم عمر كاتمآ ضحكته فيما هدأ تحفز سلطان حين عادت أخته بجواره بعيدآ عن هذا الخطر …….
في الخارج….
وقف منصور وبجواره إخوته وزكريا ونصار والمحامين الذين حضروا للدفاع عن شاهين فيما منع الباقين من الدخول نظرآ لعددهم يقف مقابلآ له أبناء صفوان الشافعي يرأسهم والد عابد الذي كانت عينيه تشع حقدآ وعداوة ووعيد خاصة حين تقدم عابد المكبل يجاوره الضابط الذي ألقى القبض عليه وضابط آخر يقترب من أبيه وهو يقول بعصبية " أخرجني من هنا يا أبي، أنا لن أبقى هنا دقيقة واحدة، لقد قتلوا ابن عمي بالأمس ويريدون زجي في السجن اليوم وغدآ سيقضون علينا واحدآ تلو الآخر …هذا غير أملاكنا التي أصبحت تحت أيديهم …لا تسمح لهم بأكثر من ذلك " قال أبيه بغضب " حفيد صفوان الشافعي لن يبقى في الحبس ليلة وثأرنا سنأخذه كاملآ …اطمئن " تدخل الضابط قائلآ بحدة " سيد نجيب هذا الحديث قد يأخذ ضدك وانت تعلم أن الموقف لا يحتمل لذلك من فضلك انتبه لحديثك "فتح باب الغرفة ليخرج فارس يتبعه سلطان ومؤيد ثم سارة وكنزي يتبعها عمر وشاهين لينظر عابد لسارة بشر وهو يقول " ستدفعين ثمن أفعالك أيتها الحقيرة قريبآ " هجم سلطان على عابد يضربه بجنون لتحدث حالة من الهرج والضباط تتدخل للفصل بينهما ليقف الضابط المسؤول عن القضية يصرخ بغضب " لا أريد أحد هنا غير المتهمين والشاهدة، الجميع إلى الخارج حالآ ومن يحاول إثارة الشغب سيتم القبض عليه " خرجت تولين من الغرفة واقتربت من كنزي تضمها بقوة ثم شدت على يدها وهي تقول" دقائق وستمر وبعدها ستعودين معي للمنزل لتنامي في سريرك براحة وحين تستيقظين سنسهر ليلآ لنثرثر سويآ ونأكل ونضحك على كل ما حدث منذ أمس، فأن يحفر لك فخ ولا يسقط به سوى من سعى لحفره أمر يدعوا للسعادة لا للبؤس …سارة أريد شهادة قاضية تأتي برأس طويل اللسان هذا الأرض " أشارت سارة على عينها التي تخفيها النظارة وقالت " لدي قرب عيني كدمة وحدها تعد جريمة شروع في قتل، لا تقلقي" ضمتها تولين بقوة قبل أن تربت على وجنة كنزي وتقترب لتقبلها قائلة " سأنتظركما في السيارة فأنا واثقة أننا سنرحل سويآ " قالت كنزي " بإذن الله تعالى" ثم انسحبت خلف الظابط داخل رواق طويل تجاورها سارة ويسير فارس موازيآ لخطاهما بينما شاهين كان يتبعهما بنوع من الحماية التي وجهت لسارة تحديدآ خاصة مع مراقبة عابد المخيفة نحوها.

بعد ساعتين …..

كان مؤيد يخرج وهو يضع ذراعه على كتف كنزي التي تسير بينه وبين عمر يجاورهما سلطان الذي يضم أخته بحرص وعصبية متحاشيآ إصطدامها بأي شخص داخل الزحام و يتبعهم شاهين الذي يحاوطه أعمامه ويجاوره أخيه ونصار المبتسمان بانتصار وتشفي وقد سلم أحد رجالهم نفسه كمتهم في جريمة دفاع عن النفس بعكس عابد الشافعي الذي يعد متهم في ثلاثة جرائم شروع في قتل وقد اتهمته الشاهدة الوحيدة بمحاولة قتلها أيضآ بل وتهديدها علنآ في سرايا النيابة، شهادة سارة قلبت الموازين ومنحته الفرصة في انتصار جديد على ذلك الحقير حين زج به في السجن وخرج أمام الشافعية جميعآ مرفوع الراس، عالي الهامة، ظافرا في حربهم القذرة …كان الأمن منتشرآ في كل مكان للسيطرة على الوضع لكن ظهور شاهين بابتسامته المتهكمة كأنه يكيدهم كيدآ أجج جنونهم فحاول بعض الشباب الاندفاع نحوه ليوقفهم الأمن بينما تقدم فارس صارخآ وهو يرفع سلاحه " من سيتقدم سيتم القبض عليه بتهمة التعدي على رجال الشرطة " رفع عزيز كفه قائلآ بغل " نحن نحتاج شبابنا يا حضرة الضابط فلدينا حق لنسترده، يكفينا من قُتل أما عابد فأنا أعرف جيدآ كيف سأخرجه وأتي له بمن زج به في هذا المكان العفن زحفآ تمليء وجوههم الغبرة التراب " قال فارس بعملية " هذا الكلام يمكن أن يفهم بطريقة تدينك وأظن أن القضايا الموجهة للسيد عابد تكفي " نظر له عزيز وقد ثارت ثائرته وقال بحدة " سأتذكرك حين يأتي وقت تصفية الحساب يا حضرة الضابط " نظر له فارس باستخفاف والتفت قائلآ لرجال الأمن " افتحوا الطريق " فأزاحوا حاجزا حديديآ ليتقدم منه مؤيد الذي توقف حين قال له عمه " مؤيد يجب أن نتحدث " اعترض مؤيد قائلآ " لم يعد هناك كلام يقال سيد منصور، مبارك لك انتصارك " نظر له منصور بعدم رضا وقال " انتظرني وأعمامك اليوم فلدينا ما نقوله لك، لا تجعل غضبك يغلق أبواب التفاهم بيننا يا بني، فالقطيعة وهن وفرقة وهذا ما يريدوه …لا تشمت بنا الشافعية وكن كما عهدناك متعقلآ في نظرتك للأمور " صمت مؤيد لأنه لا يريد للأمور أن تتطور أو تحتد أكثر من ذلك فظن منصور أنه صمت طاعة والتفت لسلطان قائلآ " أريد أن أشكرك سيد سلطان على دعمك لنا أنت والآنسة وصدقني ستلاقي منا الشكر الذي تستحقه " برقت أعين سلطان وهو يستشعر الإهانة في حديثه وقال بشراسة واضحة " أنا لن أرد عليك بما أراه مناسب نظرآ لسنك، لكن لتكن على يقين أن الأمر لو كان متوقفآ على ابنك الاهوج ذلك لتركته للمقصلة وبئس المصير، ولا أريد منك شكر لكن أريد منك أن تروض ذلك الحيوان الذي يشعرني كلما رأيته أننا نعيش بغابة " توسعت أعين شاهين بغضب فيما كتمت سارة ضحكتها وهي تشيح بوجهها ليقول مؤيد لسلطان " هيا سلطان فبشر ينتظر الفتيات بالسيارة " تنفس سلطان بحدة وهو يرمق شاهين بتحذير وغضب قطعه اقتراب عزيز الذي نظر لسارة قائلا " شهادتك تلك سيكون ثمنها غاليآ " قبل أن يأخذ سلطان أي رد فعل كان شاهين يندفع نحو عزيز قائلآ " لا توجه لها حديث فأنتم لا ينقصكم جثث، وانظر في عيني أنا لأخبرك أن تبل حديثك هذا وتشرب بجواره مهديء ستحتاجه كثيرآ في الأيام القادمة " أسرع نصار يحول بينهما وهو يقول لشاهين " دعنا نرحل من هنا " نظر لهم عزيز بحقد ثم أسرع منسحبآ لينظر سلطان لشاهين نظرة استهانة قبل أن يدفع سارة أمامه ليجلسها في المقعد الخلفي لسيارة بشر تجاورها كنزي لتنطلق السيارة فيركب سلطان سيارته ومعه مؤيد وعمر وينطلقوا خلفها، أسرع شاهين يركب سيارته فتبعه زكريا ليمسك نصار ذراعه موقفآ إياه قائلآ " إلى أين " أجابه باستغراب " سأرافق شاهين، لا أريد تركه بمفرده وهو بهذه الحالة " نظر له نصار بخبث وقال " لا اترك شاهين ليهدأ فنحن لدينا دعوة يجب أن نلبيها" سأله زكريا بتعب " دعوة ماذا " ابتسم نصار بتشفي وقال " لن تصدق أبدآ …فهذا يوم الإذلال المنتظر للشافعية، فبلال الريدي زوج تلك الفاجرة الصهباء سيتزوج عليها اليوم في زفاف ملكي داخل أحد فنادقه التي تملك الشافعية بها نسبة " توسعت عينا زكريا وقال " مستحيل، ثم…..حتي لو كان ما تقوله صحيح، مؤكد الزفاف بعد ما حدث سيؤجل " زادت الشماتة بعيون نصار الذي قال " هذه المفاجأة، فالزفاف سيبدأ بعد ساعة، زفاف نهاري سيقام على أرضهم رغم أنوفهم غير عابيء بمصابهم، ويقال أن بلال اشترط على تلك الفاجرة الحضور، هذا العرض لن نفوته …دعنا نحتفل بانتصارنا وننتشي بما سنراه هناك، هذا المشهد لها بعد تلك السنوات سيكون هدية شاهين الحقيقية في يوم كهذا " نظر زكريا نحو شاهين الذي جلس خلف عجلة قيادة سيارته رباعية الدفع ينظر لأخيه بتساؤل وهو يقول بتردد " لكن " قال نصار بإصرار " ليس هناك لكن فوجودنا سيكسر أعينهم أكثر وسيكون امعانآ في إذلالهم، أنا سأجمع الشباب وسنذهب لنمرح وأنت مؤكد معنا " ظهر التردد الجلي على وجه زكريا للحظات قبل أن يرفع ذراعه يلوح لأخيه أنه سيبقى فانطلق شاهين فيما نظر نصار لزكريا وقال " مؤكد هذا يوم سعدنا ".
_________________
لماذا أنا شخص غير قابل للحب، ولا تأتيني خيباتي تباعآ إلا من من أحب، ولا يجد سلام ذاتي شعور كما شعور القرب، لماذا عليّ وحدي أن أواجه غربتي كطائر حاد عن السرب،
ولماذا لا أملك أمر فأختار القادم والدرب.
…………..
حزينة بشكل لم تصل إليه حين توفى والدها بعيدآ عنها فعاشت رثائه وحيدة تستشعر مجددآ معنى اليتم الذي طالها للمرة الثانية لكن هذه المرة كان أقوى وأشد خاصة وهي من لم تتعرف على والدتها لم تستشعر حنانها لم تبقْ بين ذراعيها وقتآ كافيآ يجعلها قد تتذكر رائحتها يومآ ما أو تشعر أن ملامحها قد حفرت في الذاكرة لذلك اختذلت كل معاني عاطفة الأبوة والأمومة داخل والدها الذي كان أول من أهداها الخذلان كما أهداها الحنان والرعاية، لقد ظنت لسنوات أن عدم لقائها بأخوتها يعود لموقفهم الرافض تجاهها لأنها ابنة ضرة أمهم، حتى بعد وفاة الحاجة نوارة والدتهم ظنت أن ربما الفقد قد يحرك قلوبهم تجاهها طلبت من والدها أن تأتي لتقدم واجب العزاء رغم أنها لم تكن سوى محض مراهقة لكنه رفض وأعطاها مئة سبب للرفض وألف تبرير، لذلك طاعته وهي متيقنة أن الحواجز مهما طال الوقت ستزول، وها هي زالت …ماذا حدث؟ وما الذي كانت تنتظره بسذاجتها …مسحت فاطمة دموعها بإرادة وهي تنهي لف حجابها أمام المرآة ثم تقدمت تسحب أكبر حقابها وتفتح باب غرفتها بإصرار تلج نحو الصالة الواسعة لتجد عيسى يخرج من المطبخ وهو يرتدي مريلة المطبخ ويحمل بين يديه طبق فول ساخن يضعه على المائدة بجوار باقي الطعام وهو ينظر لها باتساع قائلآ " صباح الفل …أطلت في النوم …لكن حماتك المنتظرة تحبك فأنا انتهيت من إعداد الفطور لم يتبق سوى الشاي …أم تفضلين القهوة " قالت له بهدوء " لا هذا ولا ذاك يا عيسى …لقد انصعت لرجائك وانتظرت للصباح بل لقد غفت عيني بعد ليلة طويلة وتخطينا الظهر والأن أنا أريد الرحيل من فضلك " انطفئت ملامحه ثم تنهد بحزن واقترب منها وهو يحل مريلة المطبخ وقال " لقد ظننت أن قلبك أبيض يا ابنة الحاج اسماعيل، وستشرق شمس النهار وقد سامحت وغفرت ونسيت كل شيء " قالت له بحزن " لا أحد ينسى جرح كرامته، أنا تعرضت بالأمس للكثير، أنا شعرت بالإهانة وقد طاح كبريائي أمام مقابلتكم ثم حديثكم والاتهامات الظاهرة بأحداقكم وكل هذا لا يقارن بما فعله ذلك الشخص الذي …لقد استغفر الله حين نظر لي كأني خطيئة ….كلما تذكرت ما قاله وما فعله فارت دمائي وودت لو اني قتلته " اقترب عيسى أكثر يسحب الحقيبة من يدها يعيدها نحو الغرفة وهو يقول " وحدي الله، الراجل صدم من الموقف لا أكثر …تعالي اجلسي لأشرح لك " نظرت له بعد وقالت " لا تتعب نفسك في محاولة إقناعي بالبقاء، لقد أخذت قراري " قال مهادنآ " لنفطر سويآ ونتحدث وبعدها سأفعل لك ما تريدين …تعالي " أجلسها على رأس المائدة وجلس على يمينها يقرب منها الخبز قائلآ " صدقيني ما حدث بالأمس مجرد سوء تفاهم سخيف وضعنا جميعادآ في موقف لا نحسد عليه، لكني أؤكد لك أن سلطان شاب طيب القلب، حر الدماء …يفهم في الأصول ولا يتهاون بها …شهم وكريم ومتدين وعلى خلق عيبه الوحيد عصبيته الحاضرة على الدوام ولكن جميعنا اعتدنا عليها، لقد صدم بوجود فتاة في منزل شباب ابتلوا بالعزوبية لا وكرم أتى ومعه الطعام لتكتمل الليلة السوداء…ضعي نفسك مكانه " قالت بحدة " أنا لست مكانه أعمى البصر والبصيرة …هل هذا وجه يستغفر الله حين يراه …أنا من علي أن أسمي الله لرؤيته لقد أفزعني، كيف يقتحم الشقة بدون استئذان غير مراعيآ لحرمة من بالمنزل " ربت عيسى على ذراعها بحركة لمست شغاف قلبها وقال " اعذريه …سارة أخته منذ مدة وهي مستقرة خارج الحارة بالقرب من عملها، وهو أحيانآ يعود للحارة ليستريح قليلآ فلا يحب البقاء بالمنزل بمفرده ويلجأ إلى هنا بما أن الشقة ليس بها سوى شباب ومن سوء حظنا أنه كان هنا بالأمس وحدث ما حدث …أخبرك أمرآ " نظرت له فاطمة باهتمام كبير وقالت " أي أمر " أجابها بخفوت " لو سلطان أدرك موقف رضا وكرم منك وما قالاه وفعلاه لن يقبل بل ولن يهدأ حتى يأتي بهما لك معتذرين عن ما بدر منهما، هذا إن لم يأمرهما بإعادة توزيع الميراث لتأخذي حقك كاملآ وربما يشعر بالخوف عليك منهما فيفرض عليك سلطته كما يفرضها على سارة، صدقيني هو في الحق لا يعرف أبيه " سألته فاطمة بفضول " وهل سيرضخا له "
أجابها صوت هلال الذي خرج من الغرفة المجاورة لغرفتها يفرك عينيه وهو يقول " أنت لا تعرفين سلطان، ثم رغم فرق السن بينه وبين رضا تبقى لسلطان كلمة مسموعة بيننا لأنه كان دومآ من يتولى تقويمنا بينما رضا أغلب الوقت مشغول بالعمل مع أبي، لا أريدك أن تتحاملي عليه أقسم بالله شعرت أنه يرتجف بحسرة علينا أن نكون انسقنا لطريق الحرام " ضحك عيسى بقوة وهو يقول " هل رأيته كيف يسارع لارتداء قميصه مخفيآ جسده من أختك التي اقتحمت عليه الغرفة " قالت فاطمة بارتياع " لم أفعل، لقد طرقت الباب كثيرآ فظننت أنكما خرجتما وتركتماني بمفردي ففتحت الباب لأتأكد، فوجدت وحش يقفز صارخا في وجهي " اشتد ضحكهما فقالت بغيظ " كفا …أنا حقآ غاضبة " قال لها عيسى بمحبة لا تدرك كيف تشعرها منه ونحوه وهما التقيا منذ ساعات قليلة " قلنا قلبك أبيض يا حبيبتي، اعتبري ما حدث موقف ومر وأعدك لن يكرر فمن رابع المستحيلات أن يأتي سلطان إلى هنا مجددآ وقد أدرك أن هناك أنثى أصبحت تقيم بالمنزل " قالت بتوتر " لن أكون سعيدة إذا حدثت بينكم قطيعة بسبب وجودي " قال هلال موضحآ " ليس قطيعة يا فاطمة لكن كما قلت سابقآ الآن أصبح للمنزل حرمة وهو سيحترمها كوني واثقة " ناظرتهما بتردد فقال هلال " الطعام سيبرد، لا أظن تذوقتي الطعام من يد شاب عازب من قبل، إنه يكون بطعم البؤس والمرار ولكن ما باليد حيلة " عقدت فاطمة حاجبيها غير مستوعبة لمغزى حديثه، هل يتحدث بجدية أم يمزح " فوضح عيسى قائلآ " لا تستغربي فرثاء النفس أمر يجب أن تعتادي عليه من هلال فهو في موقف صعب جدآ " نظرت له فاطمة بقلق بالغ وسألت " هل أنت مريض " شرق هلال من نوبة الضحك التي أصابته فقال عيسى بمرح " لا لكنه يريد أن يتزوج بأي طريقة لكن يعوقه مشكلتين الأولى أن رضا يرفض أن يزوجه قبل كرم ليزيد الضغط على كرم للإسراع في اختيار فتاة ابنة حلال للزواج"
صمت عيسى وهو يغمس الخبز في طبق الفول ثم يلتهمه باستمتاع ثم أكمل قائلآ " الثاني أنه كلما تقدم لفتاة رفضته لأنه كان عابث جدآ، جميع الفتيات التي تقدم لها ترفضه قبل أن تفكر ظنآ أنه سيتحول بعد الزواج لزير نساء، هل تذكر ذلك الرجل الذي جاء إلى رضا أخيك يبلغه أنه غير موافق على خطبتك من ابنته لكن لو كان سلطان من يريدها هو لا يمانع " قذفه هلال بالملاحة وهو يقول بعبوس " تذكرني يومها تعرضت للتوبيخ الشديد من رضا لأني ذهبت لطلب يد الفتاة دون علمه، وتعرضت للاحراج بعدما علمت أن الفتاة تضع عينها على سلطان " حينها ضحكت فاطمة فقال عيسى " منذ عامين وهو يحاول أن يحسن من سلوكه ويدّعي الاتزان وتوقف عن العبث مع الفتيات لكن يبدو أن لا أحد يصدقه …أليس لديك عروسة بائسة ترضى به أنت جامعية ومؤكد لديك صديقات " نظر لها هلال بلهفة وقال " هذا صحيح، مؤكد الحل لديك، زوجيني إحدي صديقاتك يا فاطمة، أخبريها أن لديك أخ بائس طالب الحلال " ابتسمت باتساع وهمت بالرد ليفتح الباب بعنف ويدخل منه كرم الذي يقول وهو يسرع نحو غرفته " كيف لم نعلم سوى الآن، لقد كان هنا البارحة لكن بعد سوء التفاهم الذي حدث رحل دون أن يخبرنا بشيء " وقف هلال سألآ " هل تقصد سلطان …مابه " أجابه رضا الذي كان غاضبآ مما علمه وهو يتحاشى النظر تجاه فاطمة " لقد نزلت للمحل متأخرآ لأتفاجأ أن أهل الحارة يقولون أن عمر وسارة تعرضوا لهجوم عنيف من أشخاص مسحلة بالصباح الأمس، واشتبك معهم أهل الحارة وسلطان فانسحبوا لكن بعدما فقدت ابنة عمك وعيها وأصيب عمر بشكل بالغ " وقف عيسى يقول بقلق " لا حول ولا قوه الا بالله…أين هما الآن " أجابه كرم الذي خرج من الغرفة وقد غير ملابسه " لقد هاتفت عمر الذي أخبرني أنهم خرجوا من سرايا النيابة لأن الموضوع كبير، من الواضح أننا بالأمس حين انشغلنا كان الوضع هنا مشتعل، فكنزي تم القبض عليها بتهمة القتل العمد " تحسس عيسى جيب بنطاله وهو يقول بتخبط " أين هاتفي كيف لم يخبرني عمر بما يحدث " قال هلال " ليس وقت هواتف ارتدي ملابسك، مؤكد سلطان جاء هنا بالأمس متعب وقلق فأنت تدرك كيف يكون حاله إذا أصاب سارة شيء " اسم سارة جعل كرم يندفع نحو الباب فتبعه رضا الذي رمق فاطمة بطرف عينيه بنظرة غامضة، فيما تحرك هلال ليغير ملابسه وخلفه عيسى الذي وقف وفاطمة تسأله بحزن " هل ستتركوني بمفردي " قال لها " بالطبع لا …ما حدث بينك وبين سلطان سوء تفاهم أتمنى أن تعبريه خاصة وقد علمت أنه لم يكن على طبيعته، أنا واثق أنك تملكين عقل راجح سيقدر الأمور حق قدرها، والآن ستأتين معنا فسارة ابنة عمك وفي مقام أختك ومن الطبيعي أن تكوني جوارها في هذا الوقت " تركت ذراعه فتحرك نحو الغرفة فوقفت قليلآ تفكر في مسار الأمور قبل أن تتحرك نحو الطاولة تحمل عنها الطعام حتى ينتهي أخويها من ارتداء ملابسهما.

بعد قليل…..

توقفت سيارة كرم داخل مجمع سكني مختلف تمامآ بتفاصيله المترفة عن الحارة الشعبية التي تمتلك طابع بسيط ودافيء وخلفها سيارة هلال الذي يجاوره عيسى فيما جلست فاطمة في الخلف بتوتر شديد ظهر على حمرة خدها التي تزايدت بشكل ملفت، فترجل عيسى يفتح لها الباب وهو ينظر لوجهها باستغراب قائلآ " ما بك وجهك صارة كحبة البندورة الناضجة، هل أنت بخير " هزت رأسها تهمس له " لماذا لا تعيش سارة بالحارة، أهي متزوجة " سحبها من كفها لتتقدم وقد لاحظ توترها وترددها وهو يقول " حين تنتهي زيارتنا سأخذك لمكان أحبه لنأكل ونتحدث في كل شيء، فهذا الأمر يطول شرحه " زادت وتيرة أنفاسها وتقدمت بجواره نحو منزل جميل ذى تصميم غربي وألوانه الخارجية تمزج بين الأبيض والرمادي بأحجار جمعت ما بين الطابع الفرعوني والحديث في تمازج جميل جدا، عبر كرم مسرعآ من بوابة صغيرة نحو ممر حجري يطل على حديقة صغيرة جدآ لا تقارن بحديقتها التي تملكها بمنزلها ليفتح باب المنزل قبل أن يصل له كرم وتجده هناك يقف في استقبالهم بهيبة تلقي في القلوب رهبة وتحفز، زادت وجيب خافقها من شدة التوتر وصعدت حرارة جسدها وهي تتذكر ما حدث بالأمس، لتشعر في لحظة أن عينيه الحازمة في نظراتها تخطت كل الواقفين بينهما وخصتها بنظرة تعلقت بها بلا قصد منها في لمحة تواصل كانت أغرب ما يكون، ليصبح نبضها كطبول حرب تدق بلا رحمة تتابعه وهو يتنحى فاردا ذراعه يقول " تفضلوا ".
________________

لا سبيل لأن تعود فطرتنا التي كنا نبصر بها الجمال والخير، فقد تخلينا عنها ظنآ منا أنها تخدع النظر وتعمي البصيرة، تخلينا عنها خوفآ من الضعف الذي تدفعنا نحوه حين تكون هي مركز كل انفعال وشعور وفكر يصدر منا.
…………..
متزلزلة الوجدان والفكر، تائهة داخل مدار أفكارها التي تجعلها تتخبط بعنف لا هي تجد سلام نفسها بالصمت الذي تعيشه منذ مقابلتها له، ولا ستجده إن قررت البوح وهي من تدرك أنه ليس لها سند ولا ظهر قد يدعمها ويحميها من بطش يوسف الذي عاد فجأة لكن بوجه أرعبها، وجه نافذ الصبر شرس النوايا، وجه مؤذي وهي وحدها من يدرك مقدرته على تدمير كل هدوء وامان وجمال جد بعالمها الذي بدأته منذ وافقت على زواجها من منذر وفرت من كل ما أحياها ذليلة منذ الصغر، فهي لم تجد في منزل والدها سوى الشدة والقسوة والتحكم لذلك لم تفكر في تأجيل الزواج حتى تنهي دراستها ووافقت على يوسف الذي ظنت أنه النجاة والشط لتتفاجيء بأن ما ينتظرها في جدران منزله فاق كل تجبر عاشته في منزل والدها، ارتجف كف بهية الذي يمسك السكين بشدة فتركته بجانب الخضروات التي كانت تقطعها من أجل العشاء ووقفت تضم نفسها بفزع تتذكر نظراته التي كانت هستيرية غير متزنة ورغم ذلك انفرجت شفتاه بابتسامة تدرك بأسها قبل أن يقول لها " هل اكتفيت من اللعب " لا تعرف كيف تماسكت فلم تصرخ بأقوى ما تستطيع، لا تعرف كيف تحكمت في جسدها كي لا ينكمش فتتقوقع حول نفسها تبكي وترجوه الرحيل، ترجوه ألا يفسد عالمها الهادئ الذي مازالت تشعر أنه كحلم تخاف أن يزول في لحظة وخرج أخيرآ صوتها الذي ضاع تسأله " ماذا تفعل هنا " اقترب منها فتراجعت للخلف ليقف أمامها قائلآ " جئتك لربما تكونين اكتفيت مما تفعليه وتجاهدين للوصول إليّ لأخلصك ولا تستطيعين " قالت بنبرة حادة استجمعت كل قوتها لتخرج متزنة قاطعة " بدون حديث لا أفهمه، ماذا تفعل هنا يا شيخ يوسف ولماذا طلبت رؤيتي تحديدآ " نظر لها بطريقة أرسلت قشعريرة عنيفة على طول جسدها وقال " أستظلي تحديثيني من وراء حجاب " بهتت مما يقوله وتحركت نحو الباب تقول بحدة " ماذا تقول أنت …هل جننت " لكن بحركه سريعة منه كان يتخطاها واقفآ خلف الباب يسد طريقها للخروج وهو يقول بعنف " حين أحدثك لا تتحركين، بل تقفي وأنت تنظري لعيني بطاعة تستمعين إلى كل حرف أقوله باهتمام لأني لا أعيد حديثي ….قاطعته بانفجار لم تتوقعه في نفسها والكلمات التي ظل يرددها على مسامعها لأعوام لتحضر تدافعت تكمل حديثه قائلة " ولا أقبل التهاون في أي فعل أو كلمة تخالف أوامري، أنت هنا لراحتي ويجب أن تكون راحتك من راحتي لأن ما أمنحه لك من مساحة وسلطة لم تكُني تحلمي به في منزل والدك الذي يرى قيمتك الآن في زواجك مني فقط …أنت بدوني لا شيء …أنت في نظر الجميع زوجة الشيخ يوسف، من هنا يأتي مكانتك ومقدارك "
أنهت حديثها تنهت فشعرت به يسترخي من تحفزه الواضح ويقول بيقين " كنت واثق تمام الثقة أن بصمتي عليك لن تزول، ما أنت دون الشيخ يا بهية " صرخت به " كفي …
كفاك تدميرآ لحياتي يا يوسف، ابتعد عني وانساني واتركني أواجه قرارتي وحدي وكلك ثقة أني لن أكتفي ولن أجاهد للوصول لك …بل لن أتذكرك، واذهب لتجد أخرى غيري تفرض عليها أوامرك، تعطيها قيمة بوجودها بجوارك وتمارس عليها حب السيطرة وتطمسها كما تشاء وتحب، أنا الآن امرأة متزوجة ليس وارد أبدآ أن أكون داخل معادلتك لذلك أخرجني من حساباتك، وتحرك من خلف الباب فخلوتنا هذه تعد معصية يا شيخ …اتقي الله فالله ولي الصالحين "
قال بهدوء وثقة " هذا الأمر إذا، أنت تشعرين بالغيرة علي، هل هذا بسبب أخر حديث جمعنا؟ كنت أدرك أن لن تقدمي على حماقة كالزواج من آخر إلا لأسباب قوية وأهمها ضغط شيخ العزايزة الذي يريد كسر هيبتي بكل الطرق ظنآ منه أني سأسحب بساط المشيخة من تحت قدميه، بهية لا أعدك أني سأستطيع تخطي ما فعلته بدون عقاب مناسب لكن حاليآ الأهم هو أن تعودي معي لأرض العزايزة تطلبين من عبد الرحمن أن يطلقك كما زوجك لأنك تريدين العودة لزوجك، ولتعلم العائلة بأكملها طلبك للعودة إليّ وبعدها لكل حادث حديث " كان كل شيء وصل نهايته، شعرت أنها كمن وضع داخل مكان يمتليء بالماء وقد شارفت على فقد أنفاسها لتقول بقسوة تعلمتها على يديه لسنوات " يوسف أنت تدفعني بكل الطرق أن أصدك بنفس طريقتك التي أبغضها، لكن ما وصلت له الآن لن أسمح لك بأن تسلبني إياه، لذلك لو زدتها عليّ فيما تفعل ستجد مني ما لا تتوقع تحرك من أمامي حالآ " نظر لها بعيون لم تيأس أوتلين بل تتمادى وتتوحش وهو يقول " لا تظني للحظة أني ساقبل بك إلا لأجل أطفالنا، أبنائك يريدونك يا بهية، من الأنانية أن تلقيهم خلفك بدون أم لأن غيرتك عليّ شعلت جنونك وجعلت أفعالك خارجة تمامآ عن السيطرة " لم تفكر قبل أن تصرخ بكل ما يعتريها غير عابئة لصوتها الذي قد يسبب لها فضيحة مدوية " لا تقل أبنائك " ….على ذكري تلك الصرخة أفاقت تمسك السكين بقوة تضربه مرارا وتكرارا في القطاعة التي سقط من عليها الخضار متبعثرآ في كل مكان، ومرت لحظات قبل أن يسقط منها السكين وتنهار باكية وهي تتحرك نحو هاتفها تحاول أن تجد وسط قوقعة ذعرها رمق من سند فهي لن تغامر أبدآ وتخبر منذر لتهدم سلام منزلها الذي ستستميت محافظة عليه حتى آخر نفس، في النهاية سيظل منذر العوض ولا أحد يفرط في عوضه بوضعه أمام شخص كيوسف أسهل ما يقوم به هو العبور على غيره في سبيل نفسه وشخصيته وصورته وكيانه الذي يؤسسه بجدية ليصبح ذا مهابة تدب الفزع في الأبدان. استمر رنين الهاتف الملح مرة خلف مرة لينقطع بدون رد لكنها لم تستسلم حتى أجابت عليها أمها بصوت خافت تقول " بهية " قالت بهية بلهفة وصوت باكي " أمي كيف حالك …هل أنت بخير " أجابتها " نحمد الله على كل حال، والدك كان هنا ولم أستطع الرد، فلو علم أني أتواصل معك سيشعل البيت حريقة من حولي، فهو لم يتقبل أمر طلاقك من الشيخ يوسف لتتبعيه أنت بأمر توكيل الشيخ عبد الرحمن في زواجك بدون رضاه، أين كان عقلك يا ابنتي "
بكت بهية بحرقة وهي تقول برجاء " أرجوك يا أمي لا تزيدينها علي، فأنا في ما يكفيني ويزيد، أرجوك أعطني رقم أصالة، أي شيء أستطيع أن أصل لها من خلاله، ليس من العدل أن تمنعوني عنها كل هذا، اتقوا الله الذي سيحاسبكم في قطعي وذلي، أنا تعبت ولا أريد منك شيء سوى أن تخبريني كيف أصل لها " اهتز قلب أمها لأجلها وأجابتها ببكاء " والله ربي وربك يا ابنتي والدك لا يسمح لي بالتواصل معها ولا حتى أن أسمع صوتها من بعيد منذ رحلت، كلما بكيت وترجيته أن يطمئني عليها يقول هي بخير ولا يزيد، وان حاولت الضغط عليه يهدر بي أني أريدها بجواري لأخرب أفكارها كما فعلت معك ونظل لأيام في مرار لا ينتهي، ولولا أنه لا يستطيع منعي عن زيارة الشيخة نعمة التي يفعلها كي لا تهتز علاقته بالشيخ عبد الرحمن بعد ما حدث بينه وبين الشيخ يوسف لم أكن أستطيع ترك رقمي للشيخة منار من أجل التواصل معك " نشجت بهية بقوة فقالت والدتها ببكاء وقلة حيلة " اهدئي يا حبيبتي، واستعيني على غياب أختك بالصلاة والذكر وادعي لها أن تعود قريبا، لكن لا تقلقي مؤكد لن يصيبها مكروه وهي مع أخيها.
أنا مضطرة لإغلاق الخط فسيارة أخيك محمود دخلت من البوابة …في حفظ الله " انقطع الخط وظلت بهية في قوقعة انهيارها مقطوعة بلا كف ينتشلها لكنها بعد وقت طويل جدآ عادت لتمسك السكين وتقطع الخضروات بهدوء شديد وكل هدفها أن تحافظ على ذلك البيت فيظل مملوء بالهدوء والسكينة.
_________________
وحتى حين أصير بقايا ركام سأختزل قوتي في نفحة تطوف سأعود… ومن الرماد سأجد طريقي غيرعابئة بما سيكون،
نفحة واحدة… ستشعل النيران التي لم تستسلم مطلقآ وبقيت
على عهدها موقدة تحت الأنقاض التي تشكل البقايا الباقية.
………….
كل شيء حوله يبهجه كأنه دعوة للسعادة، دعوة لبدء العمر من جديد ولكن بالطريقة التي أرادها دومآ وحلم بها منذ أن أدرك وجدانه الفتي معنى الاكتمال في امرأة، معني التجانس مع شخص يملك فيك أكثر مما تملك وتنتمي إليه أكثر من انتمائك لذاتك، كل شيء كان كحلم طال انتظاره وها قد شارف علة الغوص به، ضجيج الشباب من حوله يبعث في نفسه شعور بالانطلاق كأنه عريس يتزوج لأول مرة وكل ما يعيشه اليوم لم يعايشه من قبل… فزواجه من شيراز لم يتح له أن يعيش تلك التفاصيل خاصة وقد جاء سريعا بلا مقدمات وتم سريعآ بلا معوقات، ابتسم بلال بالمرآة يتأمل بدلته التي ظل لثلاثة أشهر هو ودينا يتشاوران ما بين لونها والدار التي ستصممها والاكسسوارات التي ستكملها لتكون النتيجة مبهرة لعينيه وأعين من حوله ليقول له ابن عمه الذي يقذفه ببعض أوراق الورد المتناثر في كل مكان " من يرى ابتسامتك هذه يظن أنك غر يتزوج لأول مرة، تماسك قليلآ ستجعل أهل العروس يطمعون بنا وهم يرون لهفتك التي تفضحها ملامحك" استدار له مبتسمآ وهو يقول " لا تقلق كل شيء تحت السيطرة " علق صديق له متهكمآ " قادر وفاجر يا صديقي …ويحق لك ما دمت أقنعت الطلقة النارية التي تزوجتها أن تتزوج عليها بل وجعلتها تحضر الزفاف لترحب بالعروس ..أنا مازلت لم أتخطْ الصدمة " تجهم بلال قائلآ لصديقه بحدة " حين تتكلم عن زوجتي راعي ألفاظك لأني لا أقبل هذا المزاح " صاح صديق آخر له " أهدأ قليلآ على الشاب يا بلال …الكل يدرك أن زوجتك الأجمل بين زوجاتنا اللاتي رفض أغلبهن حضور الزفاف في إعلان صريح عن رفضهن لعلاقتنا بك بعد إقدامك على الزواج من ثانية " خرج آخر يأكل قطعة بيتزا بنهم وشارك في الحديث قائلآ " والغريب في الموقف أننا ندرك أن جميع من رفضن الحضور لا يطقن اسم شيراز حتى ولكن خوفهن علينا منك كان أقوى من أن يحضروا ليشعلوها أكثر بنظرات الشماتة، فزوجتك كانت تتعامل مع الجميع بقصف جبهة موجه لا يرحم " هدر بهم بلال كما يفعل كلما ذكر اسم شيراز بينهم " كفى لأني لن أحتمل كلمة أخرى ..في النهاية ولا واحدة من زوجاتكم حاولت معرفة شيراز وإدراك حقيقتها …جميعهن كان حكمهن أساسه المظهر والسطح، والأهم أنها لا تبالي ولا تهتم " وقف ابن عمه ينظر له باستغراب ويقول " أنا لا أفهم بلال …مادمت تحب زوجتك ولا تطيق عليها كلمة لماذا تتزوج بأخرى الجميع يدرك أنها أقل منها شأنا في كل شيء، دينا وشيراز لا تتقارنان مطلقآ وستظل كفة شيراز الراجحة على الدوام " قال بلال بغضب واضح " هل تريدون إطفاء سعادتي …ما بكم …هل أصابكم فضول نساءكم بعدوى لا خلاص منها، منذ متى وبلال الريدي يبوح بأسرار منزله أو يتكلم عن امرأة تخصه، جميعكم إلى الخارج الآن " أنهى حديثه وهو يدفع ابن عمه وصديقه ويجذب الآخر الذي يجلس على الأريكة ليفتح الباب وتدخل منه والدته تسأل باستغراب " بلال لماذا تصرخ " نظر لهم بلال بحدة فنظروا لبعضهم باستغراب قبل أن ينسحبوا فاقتربت منه والدته تقول له " أريد التحدث معك بأمر هام " تحرك تجاه الشرفة فوقفت أمامه والدته تتحسس بدلته بسعادة وتقول " سأظل دائمآ شاكرة لدينا لأنها جعلتني أقيم لولدي الوحيد الزفاف الذي يليق بنا ولطالما حلمت له به " أمسك بلال كفها يقربه من شفتيه ويقبله بحنو وهو يقول " سعيد لسعادتك هذه يا أمي، أتمنى أن تكون علاقتك بدينا أفضل بكثير من علاقتك بشيراز " قالت والدته بامتعاض " مؤكد ستكون أفضل فهي زوجة ابني التي ستحمل أحفاده وليس …قاطعها بلال قائلآ بلطف " لا داعي لهذا الحديث يا أمي …وأخبريني بالأمر المهم الذي تريدين إخباري به " تغيرت ملامح والدته للغضب كأنها تذكرت ما جاءت لأجله وقالت " هل وصلك خبر بما يحدث بين الشافعية وال الجوهري منذ الأمس " قال لها بهدوء" سمعت أنهم اشتبكوا مثل عادتهم، لقد كنت بالأمس مضغوط تمامآ ولم أعر أمرهم أي أهمية، في الحقيقة شجارهم هذه المرة جاء لصالحي فلو أنهم متفرغين لي لحدث ما لا يحمد عقباه بينهم وبين أهل دينا المتوترين من أن يخرب زفاف ابنتهم " تجهمت والدته وقالت " الأمر أكبر من ذلك يا بلال، فحسب ما وصلني أن شاهين الجوهري قتل شاب من الشافعية فثارت الشافعية على منازل آل الجوهري وأملاكهم تخرب فيها هذا بالإضافة إلى القتال الذي دب بين شباب العائلتين والذي يقوده عابد " قال بلال بصدمة " ماذا …كيف لم يخبرنِ أحد " أجابته والدته " لقد أمرت أصدقائك وأبناء عمومتك وحتى العاملين لديك بالتكتم على الخبر لكي لا تتشوش وتذهب إليهم داعمآ ملقيآ زفافك خلف ظهرك وأنا وأنت ندرك ما سيحدث بعدها " قال بلال بغضب " أنت هكذا تضعينى في موقف صعب ..الزفاف على وشك البدء ولدي أنسبائي حالة وفاة، كيف سأتصرف الآن " أجابت والدته بحزم " ستتصرف بما يمليه عليك العقل والمنطق، أنت لن تخذل عروسك التي ضحت لأجلك بالكثير، لقد وقفت في وجه أهلها والمجتمع وتقبلت ما يصلها من همز ونظرات لأنها تزوجت من رجل متزوج، دينا تستحق منك ألا تفسد ليلة عمرها وتجاهد لأن تسعدها يا حبيبي " رفع بلال كفيه شارحآ بغضب " الشافعية لن تتفهم، سيظنون أني أقمت الزفاف في هذا الوقت تحديدآ للتمعن في كسرهم أمام أعدائهم، سيرون أني أعلن عدم مؤازرتي لهم على الملأ بإقامة زفافي بدل الوقوف بجوارهم لأخذ العزاء " قالت والدته بكره " لا تعقد الأمور فهم لم يقيموا عزاء حتى الآن، عجرفتهم كانت أقوى من أن يحزنوا على مصابهم لذلك سندّعي الجهل بما يدور خارجآ خاصة وأننا لم نصل سوى بالأمس و كان لدينا الكثير لفعله، هل انشغالنا بزفافك أمر غير وارد وقد انشغلوا هم عن عزاء ميتهم، اهدأ واترك الأمر من بالك ولا تفكر سوى بعروسك وزفافك " قال بلال بحدة " وشيراز كيف سيكون موقفها، لقد رفضت القدوم بالأمس لكي لا تبقي ليلة واحدة هنا، كيف سأنقل لها هذه الأخبار وأقنعها أن عليّ إتمام زفافي رغم كل شيء " قالت والدته بلهجة ذات سطوة " هذا تمامآ ما أريدك به، فزوجتك بعد دقائق ستكون هنا، لا أريدك أن تخبرها بشيء لأنه حينها مؤكد لن تحضر وهذا سيكون أكبر دليل أن لدينا علم بالوضع، طالما قررنا التجاهل سنتعامل من ذلك المنطلق، لذلك حين تصل أعطها مفتاح غرفتها واجعلها تستعد للزفاف ولا تخبرها بشيء، وحين ينتهي الزفاف خذها واذهب للمطار لتتوجه هي لتركيا ولتتوجه أنت لقضاء شهرعسلك وحين تعود ستكون الأمور هدأت بين العائلتين وتناسى الجميع أمر زفافك تمامآ " كان بالحديث جانب كبير غير مقنع أو مقبول لكن الوقت الضيق للغاية كان يقف كسد مانع بينه وبين أي فعل قد يتخذه لتصحيح الوضع، شعر أنه عاجز عن اتخاذ القرار الأنسب في الوقت الحالي وخاصة حين ظهرت شيراز تندفع نحوه بتوتر ليفتح ذراعه متلقفآ إياها يضمها وهو يقول " وصلت بالسلامة " حاولت أن تستكين بجواره وهي تسأله بقلب منقبض " لماذا لم تأتِ لتقلني من المطار، لقد توترت حين لم أجدك " همّ بالرد ولكن والدته لم تدع له مجال وهي تقول " وهل تظنين أنه متفرغ اليوم لك، بلال كان لديه أمور كثيرة يقوم بها مع عروسه وفي النهاية ها أنت وصلت، لذلك لا داعي لهذا الدلال الزائد واذهبي لتستعدي لدينا أقل من ثلاثين دقيقة قبل بدء الزفاف " التفتت لها شيراز ترمقها بنظرة قوية لم تنكسر أو تلين رغم كل ما يحدث لها، ورغم كل محاولتها الدؤوبة لفعل ذلك وقالت بدلال زادته حتى كاد يصل حد الفجاجة وهى تتحسس فك بلال ثم عنقه نزولآ إلى صدره " زوجي ويحق لي أن أتدلل عليه كيفما شئت وأينما شئت ووقتما شئت، فأنت تدركين أني في الدلال لا تنافسني أنثى، ثم أنا سأشتاقه كثيرآ في فترة غيابه وأريد أن أتشبع من دلاله لي قبل أن يرحل " سارع بلال يوقف هذه المبازرة الكلامية التي ستبدأ وهو يمسك كف شيراز الذي يعبث بسلام نفسه يقربه من فمه مقبلآ إياه بلطف وهو يقول " لقد حجزت لك غرفة لتأخذي حريتك ووقتك في الاستعداد، هذا هو المفتاح أسرعي لم يتبقْ سوى دقائق " التفتت شيراز حولها وقالت " لا داعي فغرفة من غرف هذا الجناح ستكون كافية، أعطني دقائق وسأبهرك بالنتيجة " ابتسم لها مقبلآ جبهتها وهو يقول " الجناح بأكمله تحت أمرك" ابتسمت له تلك الابتسامة الثابتة التي لا مجال لأن تهتز وهي تقبل صدره ثم تنسحب غير عابئة بالواقفة خلفها والتي قالت لابنها بحدة " هذه الحية مؤكد تخطط لشيء، انظر كيف تتعامل بثبات، هذه مستحيل أن تكون أنثى يتزوج عليها زوجها " قال بلال لوالدته بحدة " كرهك للشافعية شيء وشيراز شيء آخر ويكفي الوضع الذي ورطتني به يا أمي، اتركي شيراز في حالها تمامآ، وادعي الله أن تمر الليلة على خير، أنا سأذهب لدينا فجلست التصوير على وشك البدء وسآمر الشباب بعدم العودة للجناح حتى تنتهي شيراز، من فضلك لا تحاولي تضخيم الوضع بينكما اليوم تحديدآ لكي لا يصدر منها رد فعل غير محسوب" انسحب بلال فيما تمتمت والدته بكلمات ساخطة وهي تتبعه مغلقة باب الجناح الخارجي خلفهما.

بعد ساعتين……

كانت شيراز قد أخذت وقتها كاملآ في الإستعداد مغلقة عليها باب الغرفة غير عابئة بصراخ حماتها التي ظلت تستعجلها كل خمسة دقائق لكي تبدأ حفل إذلالها من أول دقيقة فلا تفوت لحظة انتشاء وتشفي وهي تراها تواجه كل نظرة شماتة أو استهانة وكره بعيون معارف العائلة الأعزاء والمدعوين من كل حدب وصوب، هذا غير التعليقات التي ستكون كأسهم غاشمة ستعبرها بلا استئذان أو رأفة لكنها لا تعي أن شيراز ذو جلد صلب من فولاذ غير قابل للاختراق والطعن وقد أخذت نصيبها كاملآ يومآ ما في الماضي الذي لن تتذكره، لا الآن ولا يومآ آخر، سارت تتمايل وكل انش فيها يضوي بأنوثة من الصعب ألا تسبى النظر، ترتدي فستان أحمر ناري طويل له ذيل متوسط يتحرك خلفها بينما هناك فتحة بجانبه تكشف عن ساقها البيضاء بأكملها ولم يكن له أكمام فكان يستدير حول مفاتنها كاشفآ أكثر مما يخفي لتكتمل طلتها بعقد ماسي حول عنقها المرمري وشعرها الذي ينافس في ناريته فستانها مجموعآ على كتفها اليسار وقد عرجته بشكل زاد من روعته لتترك ظهرها مكشوفآ وقد رسمت عليه شعلة نارية حمراء بين أكتافها تمامآ، بعينيها ترتدي أسوء نظراتها وأكثرها تعجرفآ وشفتيها المطليتين بالاحمر الصارخ تبتسمان ابتسامة غير مفهومة للعيون التي توسعت بانبهار حين أصبحت في مرئي النظر، إنها مزيج بين إغواء وثقة
ليقول ابن عم بلال الذي يقف بين أصحابه " سحقآ…ما هذا، لا أدرك كيف لديه القدرة للنظر إلى أخري ولديه هذه " ضربه صديق بلال قائلآ " لقد استعدت لتميت العروس بذبحة صدرية في يوم زفافها " ضحك آخر قائلآ " انظر كيف وقف بلال لاستقبالها …القادر مؤكد يشعر أنه هارون الرشيد " شارك أخر في الحديث قائلآ " هذا هو ما يجب علينا فعله، فبلال أكثرنا ذكاء وقد أصبح لديه الصهباء والسمراء وغدآ الشقراء والله يعلم أين سينتهي به المطاف، إنه يعيش حياته كما يحلو له، ليس مثلنا وقع في الفخ وانتهى أمره " ضحك ابن عمه يقول " انظر لشباب العائلة هم من سيصابوا بذبحة صدرية من المشهد، أراهنك على أنهم جميعا يفكرون في السير على خطاه والزواج بأخرى في التو واللحظة " قال ابن عمه له يقترب منهما" إن كانت كتلك سأفعل بدون تفكير " ضحكوا جميعآ بصخب وهم يتحركون ليقتربوا من بلال الذي وقف بغضب صارخ يهمس لشيراز من بين شفتيه " ما الذي ترتديه، هل جننت …أهذا ما اتفقنا عليه " ابتسمت له شيراز تقبل فكه وهي تقترب منه بشكل صدم دينا وأزعجها بشدة وتقول " لا تشغل بالك بما أفعل وركز مع عروسك …بلال أنت أجمل عريس رأته عيناي …مبارك لك " أمسك بلال معصمها فشعرت كأنما أمسك قلبها يعتصره وقال " شيراز اصعدي وبدلي هذا الفستان حالآ …حالآ، لا تجعلي أحد يظن أنك تفعلين ذلك لتفسدين الزفاف، أنت أعقل من هذا شيراز " نظرت لعينيه بهدوء ثم تنفست بعمق وقالت " أنا فقط أسعى لحماية نفسي من الذين يتربصون بي الآن، أنت تدرك أنهم ينتظرون تلك اللحظة بفارغ الصبر ليطلقو علي نيران حقدهم، بلال أنا دائما أستغل جسدي في كيدهم لأنه الوحيد الباق معي على عهده الذي لم يتخلْ عني رغم كل ما أصابني وأصابه، إنه سلاحي الوحيد لا أكثر، الأمر ليس به ضغينة أنا سعيدة لأجلك صدقني " تنفس بانفعال فبدى لأعين دينا المقهورة كأنه تأثر من قرب زوجته التي تركها ودار خلفها لسنوات طويلة يقنعها بالقبول به، لذلك قررت التدخل وهي تقف تقول بلطف تدعيه " مبهرة كعادتك شيراز " التفتت لها شيراز التي مازالت تلتصق ببلال ثم قالت بصدق دائمآ ما يربك دينا " لا أجمل منك يا عروس …إطلالتك تستحق الثناء، مجهودك واضح في كل التفاصيل، الزفاف يليق بك وببلال، كل شيء مبهر …مبارك لك " تنفست دينا تستجلب الهدوء لروحها وهي تقول برقة " شكرآ لك شيراز، سعيدة بكلامك وحضورك جدآ …نحن الآن أسرة واحدة " هزت شيراز رأسها بنوع من التقبل وقالت " مؤكد يا حبيبتي، ولذلك سيكون لك مني هدية زفاف مميزة …هل أنت مستعدة " نظرت لها دينا بتوجس لم تسيطر عليه لتنطلق الموسيقى ويظهر مطرب دينا المفضل التي حاولت التعاقد معه من أجل إحياء الزفاف لكنه أعتذر متعللآ بارتباطه بزفاف آخر فاضطرت أن تغير فقرات الحفل بما أتيح لها من مطربين متوفرين في الموعد، لتقفز دينا بسعادة غامرة فينظر بلال لشيراز بشكر لتسحب هي يد دينا على المكان المخصص للرقص يتشاركان الرقص في لمحة أماتت حماتها كمدآ
لتقترب شيراز من بلال تسحبه من كفه ليفرد ذراعيه يحيط خصر دينا بواحد ويحيط شيراز بالآخر ليرقصون سويآ وسط نظرات الحسد والصدمة التي تتوجه لهم من الحاضرين الذين بدى لهم موقف شيراز الغير داعم لعائلتها لا أخلاقي وجاحد وغير مفهوم وقد زاد هذا نفورهم تجاهها ….في تلك اللحظة تحديدآ دخل نصار وزكريا وبعض شباب العائلة ليتجمد نصار بصدمة وهو يقول " لا أصدق …انظر لتلك القذرة كيف تتمايل غير عابئة بدم ابن عمها الذي لم يبرد، فليأتي مؤيد ليرى الفجر الذي يملأ تلك الدماء لعله يلقي لهم بالقذرة الأخرى ويتخلص من سيطرتها عليه " قال زكريا مبهوتا فهو كان يومآ ما يعرف شيراز بشكل يجعله لا يفهم هل هي من كانت حية رقطاء من البداية أم الزمن تكفل بها مثل أخيه الذي انقلب حاله وقال " هل يعلم الشافعية بما يدور هنا " ضحك نصار بخبث وقال " وإن لم يعلموا دعنا نخبرهم بكرامتهم التي تتراقص عليها فاجرتهم الصغيرة " ثم رفع هاتفه وبدأ بث مباشر كان كإعصار لفضيحة ضربت الشافعية مزلزلة كبريائهم الذي يهدر.
……….
مرت دقائق كانت سيارات الشافعية تنهب بها الطريق إلى الفندق نهبآ وعلى رأسهم عزيز الشافعي الذي اقتحم الزفاف ومعه ثيران غير قابلة للسيطرة يحطمون كل ما يقف في طريقهم متوجهين تجاه اللون الاحمر الذي يمثل لهم بداية الغضب ونهايته، صراخ المدعويين الذين توافدوا نحو المخارج تزامنآ مع أصوات التحطيم جعلت شيراز تقفز ملتصقة في بلال الذي شد ذراعه عليها بقوة ينظر بصدمة للزفاف الذي طاله الدمار والخراب ليقترب منه عزيز الشافعي ينظر له ولشيراز بحقد بالغ قبل أن يقول لها وهو يخرج سلاحه " كنت أظن أني استرحت منك ومن فضائحك، لكن يبدو أن هذا لن يحدث سوى بموتك " دفع بلال دينا لتقف خلف ظهره فيما وقف بثبات أمام عزيز يجابهه قائلآ " إن كنت تسطيع مس شعرة منها فلتُقْدم على ذلك وتريني " لم يكن الأمر يحتمل تحدي بلال السافر، الشافعية جميعآ كانوا ثائرين مما يحدث معهم وذلك دفع عزيز لسحب شيراز من شعرها بعنف يقول بغل " ها هو شعرها بأكمله ساضعه تحت قدمي ..أرني ماذا أنت بفاعل " كانت شيراز تعيش لحظات ذل لا توصف وهي تتعرض لذلك على الملأ، أخرج بلال سلاح كان يحمله ودفع به بعنف تجاه حنجرة عزيز الذي برقت عينيه من جرأة بلال وقال " أتركها أو سأجعلك تترك الحياة …أيهما تختار" ارتفعت الأسلحة من الشباب خلف عزيز ليظهر فجأة في ظهر بلال أبناء عمومته يقفون بأسلحتهم من خلفه ليصبح المشهد دموي كأنه داخل حرب مظلمة وليس قاعة زفاف في وضح النهار، ابتسم عزيز بخبث وهو يترك شعرها بهدوء ثم يرفع كفه ويصفعها بقوة أسقطتها أرضآ ترتجف وهو يقول " ها قد تركنا لك قذارتنا، لكن لا تظن أن هذا الأمر انتهى، من اليوم أنت عدو لا نسيب، تلك الزيجة نحن لن نعترف بها بعد الآن لذلك حفاظآ على كرامتك طلقها وألقها لنا وإلا تحمّل العواقب، فهذه الفضيحة جاءت في الوقت الخاطيء تمامآ والثمن سيكون غالي يا ابن الريدي " لم يبال هلال بحديثه وهو ينحني ليرفع شيراز التي وقعت عينيها بأعين زكريا الذي يقف في مكان بعيد عنهم وبجواره نصار يصور ما يحدث بطريقة تجعلهما متواريان عن الأعين، فأصابتها صدمة تبعها شعور بالدنيوية والمهانة ثم استسلام لوجع عاصف بشكل لحظي قبل أن تتمسك أكثر ببلال وتعود واقفة على قدميها وهي تكاد لا تشعر بجانب وجهها تتأمل انسحاب الشافعية وبكاء دينا التي تقف وسط عائلتها تنظر لها بحقد وقد خرب زفافها ثم وجه حماتها التي تولول وتكيل لها من الحديث ما تحمد الله أن عقلها لا يدركه، ثم وجه بلال المكفهر وقد تحولت ليلته بسببها إلى كارثة ولم تفكر قبل أن تطلق لساقها العنان وتعدو منسحبة قبل أن تفقد وعيها وتسقط أمامهم متمعنة في ذل جسدها الذي تمسك معها بباقي قوة جعلتها تستطيع الفرار.
_________________
حين رأيتك أيقنت أن حربي دائمة بلا هدنة، أدركت أنها ليست حرب انتصار بل حرب ابتلاء ومحنة، وفهمت أن النجاة ليست خيار بل قرار به شموخ وعزة، وفهمت أن النساء ساحات شغف إذا وطأها الفرسان الذين لم يشق لهم غبار فيما مضى فيكون مصيرهم ألف كبوة.
……………
يقف على الباب ينظر لأبناء عمه الذين يتقدمون نحوه لكنه تفاجيء بعينيه تحيد عن مسارها لتسترق النظر إلى تلك التي كان بالأمس يتعفف عن النظر نحو وجها، نظرة واحدة كانت غير محسوبة منه لكنها وقعت في عمق بعيد هز ثباته وجعل التوتر الذي ما أدرك له دربآ يومآ يتمكن منه، ازداد عبوس وجهه وهو يوبخ ذاته التي لم يعهدها بهذا الفضول تجاه شخص بل تحديدآ تجاه أنثى، لذلك بحزم أخرجها من مرمى بصره وهو يمعن النظر في وجوه أبناء عمه يحاول أن يستشف منها الحقيقة التي لم يعلمها بعد، فأن يعرف بعد هذا العمر أن عمه كان متزوج من أخرى وأنجب منها فتاة ربما من عمر أخته ولم يخبر أحد صدمة عنيفة له فكيف بهم، اقترب منه رضا يسأله بقلق " ماذا حدث يا سلطان، وأين سارة ،هل هي بخير " أجابه بصوت أجش " تفضل يا رضا، فلنجلس وبعدها سنتحدث " عبر رضا إلى الداخل وهو يخفض عينيه قائلآ " السلام عليكم " تبعه كرم الذي قال بصدق " كيف لم تخبرنا بما حدث يا سلطان لنكون حولك ومعك، فسارة لا يجب أن تتعرض لهذا " لم يتغير موقف سلطان تجاهه وقال بحدة خصه بها دون عن غيره " سارة لم تتعرض لشيء، ولم يمسها شخص فأنا مازلت حي أرزق ولم تفقدني لتتعرض لسوء يا كرم …تفضل " دخل كرم بعصبية فاقترب هلال من سلطان يضمه قائلآ " الحمد لله أنك وسارة بخير، كل شيء غير ذلك ليس مهم ونحن أخوتك ومعك " ربت سلطان على ظهره بقوة وقال " أعلم ذلك فأنتم الخير والبركة …تفضل " دخل هلال ليقترب عيسى الذي كان يجذب فاطمة المتوترة من كفها ويقترب من سلطان قائلآ بتوتر " حمد لله على سلامتك و سلامة سارة يا سلطان، لقد أتت فاطمة لزيارة سارة حين أدركت ما حدث لها، فهما أختان الآن ويجب أن تساند إحداهما الأخرى " لم يكن سلطان مدركآ لتفاصيل وجودها بعد، لم يكن قد سأل أو أدرك أو تقصى لكن عينيها التي جابهت عينيه بالأمس كانت كفيلة أن تؤكد له أنها عرق عطار خالص لذلك تقبل توتر عيسى مدركآ أنه يخشى من ردة فعله تجاه قدومها لذلك أجابه بثبات وقوة " المنزل منزلكم …تفضلوا " زفر عيسى براحة لم تصل إلى فاطمة التي انتابتها نوبة ضيق شديدة من تجاهله لها وعدم اعتذاره عما بدر منه بالأمس من باب اللباقة والأصول، بل أنه لم يوجه لها ترحيب واضح وجمعها معهم كأنه يترفع عن التحدث معها ورغم ذلك لم يكن الموقف يتحمل تأزم بأي اعتراض تبديه فتبعت عيسى الذي جذبها لأريكة ثنائية لتجلس بجواره ليقترب منهم سلطان يجلس على أريكة فردية مقالة لها تمامآ يعطي انتباهه الكامل لرضا الذي سأله " ماذا حدث يا سلطان " أجابه سلطان " صباح الأمس طلبت من سارة القدوم للحارة لنتناول فطورنا سويآ وقام عمر بتوصيلها لكن يبدو أنه كان هناك من يتربص به حتى وصل إلى مدخل الحارة فأحكموا عليه الخناق واشتبكوا معه بينما سارة بالسيارة " قال هلال بصدمة " كيف هذا، ومن الذين جروء على فعل ذلك " تنهد سلطان وشعوره بالذنب عاد ليضربه وقال " أهل كنزي …يقال أن ابن عم مؤيد قتل أحدهم منذ يومين والأمور بين العائلتين عادت مشتعلة " شهقت فاطمة بصدمة من حديثه الهاديء عن القتل فالتفتت لها جميع الأنظار ماعدا عينيه اللاتي ظلت معلقة بوجه رضا ليقول كرم بتوتر " إذا كان الأمر كذلك …من الشاب إذا الذي يذكره الجميع دون معرفة اسمه …يقولون سارة أنقذته من الموت وهي تندفع تجاه مهاجمه لتتلقي الضربة عنه " قال سلطان بعصبية " ماذا تقول أنت …هل ترى أن تربيتي قد تعرض نفسها لحديث الناس من أجل رجل أي كانت صفته أو مكانته، كل ما في الأمر أن الموقف حتّم عليها التدخل لإنقاذ روح لا أكثر، وهذا الشخص يكون شاهين الجوهري ابن عم مؤيد كان يتبع عمر لأن بينهم خلاف يريد حله فوقع معه في فخ هؤلاء الأنذال وحدث ما حدث لكني وصلت في الوقت المناسب ومعي رجال الحارة وسيطرنا على الموقف " زفر رضا براحة قائلآ " لا شك لدي أنك فعلت، من يومك رجل ولا تقبل سوى بأفعال الرجال، لكن كان عليك إخبارنا يا سلطان …أنت لست بلا أهل لتوضع في هذا الموقف وحدك ، خاصة وقد وصلني أن الأمر تطور إلى قضية أم أن هذا غير صحيح " استند سلطان بكفيه على ركبتيه وقال " بل صحيح، هذا القذر الذي تطاول على أختي أخذ جزائه مني لكن لم يكن هذا يكفي فاوصلنا الأمر للقضاء، ومؤكد لم أكن أنوي إخفاء الأمر عنكم فما حدث لا يستدعي أن أخفيه لكني أرسلت ياقوت ليخبركم بما يحدث حين أسرعت لنجدت سارة ولم يكن أحدآ منكم متواجد بالمنزل ..أين كنتم في ذلك الوقت " نظروا جميعا لبعضهم غير قادرين على إخباره أنهم كانوا مع الحاج خلف بقسم الشرطة فقال عيسى كأنه يبوح بنصف الحقيقة " كنا نلتقي بالحاج خلف خال فاطمة الذي طلب رؤيتنا ليخبرنا عن فاطمة ووجودها …لكن هذا لا يمنع أننا هنا الآن وتحت أمرك في أي شيء اطلب فقط يا ابن عمي " تنفس سلطان بقوة قائلآ " الأمر لله وحده …أبقي دعمكم للمواقف التي تتطلب ذلك، وكل شيء بخير الحمد لله " فسأل كرم بلهفة " أين هي سارة لنطمئن عليها " نظر له سلطان نظرة تحوى موجات كهربائية تصعق أشد من مئة صاعق ثم قال بحزم " لقد أخبرتها بقدومكم ..لحظات وستأتي لكن ألن تخبروني أنتم بما فاتني من أمور " أدركوا جميعآ مقصدة، توتروا وترددوا خاصة وفاطمة تجلس بينهم مصدومة من أنه يتحدث عنها بوضوح دون أن يشير لها بصفة أو اسم أو يخصها بحديث أو نظرة فتولى رضا زمام الأمور قائلآ " الأمر وما فيه أن هناك رجل غريب طلب لقاءنا وحين تجمعنا في حضرته أخبرنا أن والدي الحاج اسماعيل كان يملك زوجة أخرى غير والدتي رحمها الله وغفر الله " صمت رضا متغضن الملامح فترحموا عليها جميعآ حتى سلطان بدى متأثرآ بذكرها ليكمل رضا " وأخبرني أنه أنجب منها فتاة يريدنا أن نتعرف عليها، لم يكن وقع الخبر علينا بهين لكن حين أظهر لنا الوثائق التي يحملها لم يكن أمامنا سوى التعامل مع الأمر الواقع فذهبنا معه وتعرفنا على فاطمة التي لم يكن بقائها بعيدآ عنا مناسب بعدما علمنا بوجودها فأمرتها أن تعود معنا وهي الآن تقيم مع إخوتها " حديث رضا كان به شيء لم ينطلِ على عقل سلطان الذي يدرك تفكير أبناء عمه، منذ اللحظة الأولى التي تبعت سؤاله تأكد أنهم يخفون شيئا يستعصي عليهم البوح به إما لوجودها بينهم أو خوفآ من ردة فعله، من الوارد جدآ أن يكونوا قد رفضوها أو عرضوها لما لا تطيق وهذا يوضح سبب حدتها وعصبيتها بالأمس لذلك هدر يسأل " هل غصبتها على القدوم معكم " أحنى رضا رأسه وهو يمرر حبات المسبحة بين أصابعه بتوتر فيم هز كرم ساقه بعصبية ليقول هلال موضحآ " ليس هذا ما حدث تحديدآ يا سلطان لكن المنطقي حاليآ أن تبقى بجوارنا وتحت أعيننا لنرعاها " نظر سلطان بغضب لأولاد عمه وهو يحرك يده موضحآ " تمام …وجودها بينكم لا يعني سوى أنكم أصبحتم مسؤولون عن رعايتها وراحتها، وأي شيء خلاف ذلك لن أقبل به، هيئوا الأجواء بما يناسب حياتها وفي أقرب وقت أعيدوا تقسيم الميراث ليصلها حقها …وبعدها خيروها مجددآ إن ارتاحت للبقاء فالمنزل لها وأنتم رعاة حماة وإن لم ترتح فلا تغصبوها على البقاء فلتعد لكنف خالها لكن تحت أعينكم وفي رعايتكم "قال كرم بعصبية " هل تأمرنا كيف نتعامل معها " أمسك رضا ذراع أخيه حين وقف سلطان قائلآ " لا أحد يؤمر بفعل الحق يا كرم، فالرجال اما تربوا على نصرة الحق، أو لم يتربوا على ذلك " وفجأة استدار ناظرا لها فارتجفت من هيبته لكنها لم تظهر ذلك بل نظرت له برفض متخذة منه موقف لا تعرف أبعاده ولا تدري أنه من نظرتها التي تشبه نظرته ارتبك كأنه ينظر لعينيه في المرآة لكنها توجد في وجه شخص آخر ….وجه أنثى …وجه عاجز هو عن إدراك تفاصيله …فبينه وبين إطلاق البصر عداوة بعيدة لا يعرف مالها تتلاشى بلا مبرر وقال " وأنتِ ها أنا أخبرك أمامهم …أني لن أسمح لأحدهم أن يدوس على طرف لكِ، حقك برقبتي إن تهاونوا به، ولو طالك إساءة منهم أخبريني ولترين ماذا أنا بفاعل " فارت دمائها حتى تكومت حمم الفوران داخل وجنتيها بينما توجهت أنظار إخوتها نحوها بترقب و توتر وغضب ورفض لتقول له بصلابة لا تملك منها رمقآ " شكرا لك على دعمك المطلق، كانت لفتة طيبة منك لم ألاقيها من الجميع لكن ألم يكن من الأولى أن تعتذر لي عما بدر منك " كأنها ألقت فوق جسده الضخم لترات من الماء المثلج فتجمد بفعل الصدمة غير مستوعب لما قالته ليهمس لها عيسى بخفوت " ماذا تفعلين …هل تريدين قتلنا " لكنها لم تكتفي وهي تقول بمنتهى الثقة والأدب والوضوح " أليس أنت من قلت أن الرجال اما تربوا على نصرة الحق، أو لم يتربوا على ذلك...ومن الحق أن تعتذر حين تسيء الظن بشخص دون بينة " لم يلتقوا سوى مرتين وبين كل مرة والأخرى ساعات، وفي المرتين حين تحدثت دفعه حديثها لأن يحشر في زاوية ضيقة لا تناسبه، عمّ الصمت للحظات قبل أن تنزل سارة التي حاولت أن تبدو طبيعية ولكن كل ما فيها كان يعكس ما حدث لها وما مرت به تقول بمرح " لو انتظرت اعتذاره الخمسين عام المقبلة لن يأتيك …فسلطان العطار لا يعتذر مطلقآ …..ليس لشيء لا سمح الله ولكن لأن أخي له نظرة رجعية في ثقافة الاعتذار، لكن الأهم من ذلك عما تريدنه أن يعتذر تحديدآ " احتدت ملامح فاطمة التي شعرت أنه برفضه الاعتذار يتمعن في إهانتها غير واعية لعينيه التي تحذرها أن تبوح بحرف وقالت " السيد حين أتى إلى منزل إخوتي بالأمس والتقى بي بالصدفة التي لم تكن لطيفة أبدآ ظنني ….صمتت فاطمة بخجل شديد أشعل حمرة وجهها لتتوهج أكثر فسألت سارة بفضول وتحفز " ظن ماذا عزيزتي" هدر بها سلطان " سارة " بينما وقف عيسى يقول لسارة وهو يرجوها بعينيه أن تغلق هذا الموضوع لكنها لم تستسلم وهي تقول بتخمين " هل ظنك سارقة " لتجيبها فاطمة وهي تلتفت نحوها بحدة " بل كان يريد طلب بوليس الاداب "
ضحكت سارة بقوة وهي تتشبث بزراع سلطان تستند عليه لتتوازن وهي تتأوه بخفوت فقال سلطان بحدة دون أن يلمسها " لا يمنعني عن أفعالك الهوجاء إلا أنه ليس بك شيء سليم لأكسره وأنا أربيك من جديد، خذي ابنة عمك واذهبي للفتيات " اقتربت سارة بخطوات واهنة من فاطمة متجاهلة تمامآ نظرات كرم التي برقت بعنف وغضب لحالها وقالت " تعالي معي يا حبيبتي لتخبريني لحكايتك أنت الأخرى، أننا عائلة مبتلاة بالحكايات الخيالية " نظرت لها فاطمة برفض فقالت سارة " اقتربي لاستند عليك حتى نصل للمنزل المجاور فأنا حاليآ كل عظمة من عظامي تأخذ جانب وحدها" مدت لها فاطمة ذراعها لتستند عليه علة مضض وسارت معها نحو باب المنزل ليقول سلطان " الضيافة لأبناء عمك يا سارة " التفتت له تقول " أنت تأمر لكن من فضلك بدون تدخل الشرطة " انغلق وجه سلطان تمامآ يتوعدها بما تدرك أنها ليست قبلآ له لتخرج هي من باب المنزل تسير بخطوات ضعيفة نحو منزل ملاك قبل أن تنفجر في الضحك فتنظر لها فاطمة بسخط وهي تهمس بغضب " بغيضة كأخيك " غير واعيتين للسيارات التي تقترب ولا لعيون الصقر الذي شاهد تلك الضحكة القوية الصادحة بحيرة واهتمام وفضول شعر أنه غير قادر على تخطيه.
…………….
أوقف شاهين سيارته أمام منزل كنزي الذي أخبرهم مؤيد أنه سيتواجد به لفترة حتى يطمئن على أخته، ثم توقفت خلفه ثلاثة سيارات ترجل منها والده وعميه ليقترب منه والده يسأله باهتمام " هل أنت بخير " أجابه شاهين وعينيه معلقة بالباب الذي دخلته سارة ورفيقتها " أريد أن أنهي الأمر مع مؤيد وبعدها سأعود للمنزل لأرتاح …لا تقلق " ربت والده على ذراعه بفخر وهو ينظر له كأنما كل أمانيه التي ظل عمرآ يسعى لتحقيقها تجمعت داخل قطعة من روحه تقف أمامه بطاعة لا يظهرها لبشر سواه لذلك قال لابنه يطمئنه " أنا أدرك أنك تهتم لأمر مؤيد وعمر لذلك أنا وأعمامك فكرنا كثيرآ حتى وجدنا حل مناسب لجميع خلافاتنا معه " فرك شاهين وجهه وهو ينظر للمنازل حوله ويسأل والده " أي كان ما فكرت به، هل تعتقد أن مؤيد سيرضخ له " أجابه والده " بنسبة كبيرة سيفعل، وإلا سيكون هو من يرد أيدينا التي امتدت له بالسلام " زفر شاهين بيأس فيما اقترب عمه عاطف يقول " أي منزل هو منزله " قال منصور أظنه هذا، هيا بنا إنه ينتظرنا " تحركوا جميعآ نحو المنزل المقابل لمنزل أم ملاك التي ولجت سارة ومعها فاطمة إليه ففتح لهم مؤيد الباب قائلآ باقتضاب " تفضلوا " دخل أعمامه يتبعهم شاهين الذي أغلق باب المنزل خلفه بهدوء وعينيه مازالت تتأمل الباب المغلق في الجهة المقابلة. …….
جلس مؤيد وقد جلس أعمامه من حوله بينما شاهين يتحرك نحو النافذة الأمامية للمنزل ووقف خلفها يتأمل الشارع الهادئ بالخارج أو هكذا أقنع نفسه ليقول والده لمؤيد " لقد جئتك أنا وأعمامك اليوم لنجد حل لما يدور بيننا يرضي الجميع، أنت بكرعائلتنا يا مؤيد ومكانك بيننا بجوار شاهين وباقي الشباب، لن نجعل الفرقة تجتاح صفوفنا من أجل لا شيء " قال مؤيد وقد بدى مرهق يتحكم في أعصابه بصعوبة " أختي لا تصف بلا شيء يا عمي، إنها كل شيء ..لذلك ليصبح مسار الحديث مقبول بالنسبة لي يجب أن تتعاملوا مع كنزي كإنسانة بالغة الأهمية إن لم يكن لكم بحكم أنكم عائلتها فهو لي بل ويتخطى أمرها ذلك بكثير …هل تقبل أن تعامل سيدرا بكل ذلك النفور والعداوة التي تتعامل بها كنزي لمجرد أنكم تكرهون عائلتها …لا أظن ذلك لأنها ستبقى ابنتك تحت أي ظرف وفي كل وقت وهذا حالي تمامآ اما تقبلتموه واما فلا سبيل للتفاهم بيننا أبدآ " قال عمه شاكر بحرص " يا مؤيد كل ما مر بنا يؤكد لنا أنه لا يحمل دماء تلك العائلة سوى كل لئيم ماكر، نحن مدركين أنها أختك لكن لا نريد لتلك الصلة أن تسيطر على وعيك وإداركك لحقيقة الأمور، وما يرعبنا كثيرآ أنها ظلت لسنوات في كنفهم مؤكد لقنوها من فنون التلون الكثير وهذا ما يجعلك عاجزآ عن رؤية الحقيقة "
هاج مؤيد قائلآ " إذا أردت التحدث فيما مضى اتلو الحقائق دون تجميل يا عمي …كنزي لم تبقَ في كنفهم بل ألقت لهم كأنها بلا أهل وقد سيطرتم على والدي الذي كان منهارا لوفاة أمها بينما أنا بالخارج أكمل دراستي وعمر محض طفل لا حول له ولا قوه، لو أن فيكم من عاملها بحنان واحتواء لبقيت في كنفكم منذ أن فتحت عيناها على الدنيا، لا تأتوا الآن لتأخذوا من جريمتكم في حقها حجة ضدها لأنه لو يجب أن يتحاسب شخص هنا سيقع الحساب بأكمله على العائلة التي ألقت لحمها ولم تعبأ " قال عاطف بحدة " أنت لا تدرك كيف كان الوضع حينها " أجابه مؤيد " ولا أريد أن أدرك سوى أنه لم يكن تركها بخيار وارد لكنكم جعلتوه كذلك، كيف لكم أن تصبوا كرهكم ورفضكم من عداوة تلك العائلة تجاه قطعة لحم حمراء ليس لها ذنب في أي شيء، كيف أوصلكم عقلكم أن التخلي عنها سيحميكم من شرور الشافعية متناسيين أن لأنفسكم شرور أقوى وجهتوها تجاه طفلة في فعل غير منطقي أو رحيم " عم الصمت للحظات ووجه شاهين الذي يقف بعيدا ينظر من النافذة يزداد شراسة وتغضن ليقول منصور بهدوء " قد ترانا أخطأنا لكننا حينها فعل ما رأينا أنه الصواب، وكلما توسعت الفجوة بينك وبيننا تمنينا من كل قلبنا لو أنها ما ولدت أو أتت إلى الدنيا وماتت مع والدتها حين رحلت …نحن فقدنا أبيك بموتها لأنه من بعدها صار كمن يموت على مهل، واليوم نكاد نفقدك بسبب ابنتها " توسعت أعين مؤيد وتزلزل قلبه من قسوة الكلمة ووقف قائلآ " أحيانآ كنت أظن أنكم بلا قلب لكني اليوم تأكدت …عذرآ يا عمي لم يعد لديك ما يستهويني لسماعه فقد قلت ما يكفي، ولم تعد في قضيتنا حلول متاحة لذلك ليبقى الأمر على ما هو عليه، أنتم عائلتي التي أحترمها مهما حدث وهي أختي التي لن أفرط فيها ولن أقبل عليها شيء لذلك لم يعد هناك ما يقال " وقف عاطف يقول لمنصور " انظر إلى ابن أخيك إنه يرفض التفاهم تمامآ، كيف سيقبل بالحل الذي نراه جنونآ ورغم ذلك نجازف لعلنا نسيطر على الأمور " قال شاكر بهدوء " اهدأ يا عاطف، مؤيد معذور ونحن الكبار هنا ومن علينا التحكم في مسار الأمور " ثم التفت لمؤيد وقال " اجلس يا بني حديثنا لم ينتهْ، نحن ما جئناك لنزيد الخلاف حدة ولا لكي تتطور بيننا الأمور أكثر …اجلس واستمع إلى ما سبق له عمك منصور " ظهر الرفض جليآ على وجه مؤيد لكنه انصاع باحترام وجلس رغم نظراته المتحفزة تجاه كل ما يمس أخته فقال منصور " هل لو تقبلنا أختك بيننا سيحل هذا الأمور من تجاهك، وستصفى لعائلتك وتعود لتدعمهم وستتخطى موقفك العدواني تجاه شاهين وأبناء عمومتك" التفت وجه شاهين لوالده بحدة وبرقت عينيه لكنه ظل ملتزمآ للصمت فسأله مؤيد بتوجس " ماذا تقصد بتقبلناها يا عمي " زفر منصور يحاول أن يضبط أعصابه المشدودة وقال " جميعنا نعلم أن أختك كانت وستظل نقطة خلاف كبيرة بيننا لذلك الحل القاطع أن نضع يدينا على تلك النقطة ونمحوها تمامآ " هز مؤيد رأسه يسأله بتوجس اكبر " وكيف سيحدث ذلك " نظر منصور لإخوته ثم عاد بعينيه لمؤيد قائلآ " بأن نجعلها تصبح مننا بشكل أقوى مما هو عليه حاليآ " انطلق حينها صوت شاهين كرصاصة في فضاء من الصمت " وكيف سيكون ذلك " لم يحدْ منصور بعينيه عن مؤيد الذي بدى كأنه يشتعل أمامه وقال " نحن جئنا بالسلام …نمد يدنا لك بعد كل هذه السنوات، هذا الحل الوحيد الذي ربما يجعلنا نطمئن لوجودها ونتقبله، نحن لن نغامر ونؤذيها لأننا نخشى خسارتك، أنت ركن من أركان قوتنا الذي بدونه قد ننهزم، لكنك لو أبديت رفضك ستصبح كمن يضعنا على نهاية الطريق لذلك اتوقع منك التفهم والقبول " سأله مؤيد بحدة حاول مواراتها " القبول بماذا تحديدآ " أجابه عمه " بأن تتزوج أختك أحد شباب العائلة، لن أطلبها لشاب بعينه لكني سأترك لك المجال مفتوح لتنتقي لها منهم من يناسبها، في النهاية الفتاة مصيرها للزواج وحين تتزوج منا وتنجب أطفال لآل الجوهري سيتحول كل انتماء بداخلها لأطفالها الذين هم أطفالنا ولن نراها بعد الآن خطرآ علينا، ستصبح واحدة منا إن عملت على انتمائها للعائلة كما سنعمل نحن على تخطي الماضي، وأعدك بشرفي أنك إن قبلت ستعامل أختك كبناتنا كرامتها من كرامتهن ومن يمسها أنا من سيقف له، لكن شرطي الوحيد ألا مماطلة فأن تختار شاب معناها زواج وتأسيس بيت وإنجاب أطفال وبدء حياة جديدة وسطنا كواحدة منا، لا فترة خطبة ثم انفصال ومهاترات فارغة لن نقبلها كحل أبدآ " لم يكن مؤيد متهيأ لما سيقال، شعر أنه كمن كبل داخل فخ محكم ليقف عمه قائلآ " هذا هو الحل الذي سيجلب السلام للجميع …تقبله أو ارفضه القرار الان قرارك، والقادم يعتمد على حسن تصرفك بالامور …سأنتظر منك رد واتوقعه خلال أيام لا أكثر " وقف بقيت أعمامه فيما تحرك شاهين كأنه محارب يدرب الأرض ليترك صدى دبيبه رهبة في نفوس الأعداء يفتح باب المنزل ويخرج يكاد يرى العالم من حوله أحمر اللون دموي يطلق عنان الشراسة داخل صدره،
ليفتح الباب المقابل في الجهة المقابلة ويخرج منه سلطان مودعآ أبناء عمه لتقع عينيه في أعين شاهين لتطفو على ملامحه دلالات واضحة بالرفض التام لوجوده، بل وغضب شع من جسده حين تحركت عينا شاهين وسلطان تلقائيآ للباب الذي انفتح تخرج منه فاطمة العابسة ومن خلفها سارة وفرحة وسما وكنزي وملاك وتولين ويبدو أنهم مستغرقون في نوبة ضحك لم يتخلصوا منها بعد فهدر سلطان قائلآ " ماذا يحدث" تجمدت وجوههن يمنعن أنفسهن عن الضحك بصعوبة بالغة لتقول سارة لفاطمة " أنا لم أرحب بك كما يجب، سيكون لنا لقاء آخر " نظرت لها فاطمة بسخط وهي تتحرك تجاه عيسى الذي لوح للفتيات فلوحن له جميعآ، ليخرج عمر من منزل فخر يحمل طبق من الطعام ومن خلفه فخر يقول " انتظرني لآتي معك " قال عمر بحماس " أنت لا تفهم أنه صديقي منذ سبع وعشرون عام وظهرت له أخت …إنها معجزة يا رجل"
اقترب عمر من الفتيات يقول بمرح " أين الوجه الجديد " نظرت له فاطمة بغضب ليقترب سلطان قائلا بحدة " ما هذا لماذا تقفن هكذا …إلى الداخل " بدأت الفتيات في الدخول بينما ظلت فاطمة ملتصقة لعيسى ليقترب منها عمر قائلا بنظرة بلهاء " أهلا بك أنا عمر، اعتبريني ابن خالتك " وقبل أن يقترب أكثر كان سلطان يمسكه من خلف عنقه يسحبه للخلف قائلآ " عمر تأدب " رفع عمر عينيه يدعي الخوف لتتوقف على وجه شاهين الذي كان يقف بالجانب الآخر يراقب ما يحدث بدقة غير مهتم أن يتوارى عن أعينهم فقال بعصبية " ماذا يفعل هذا هنا " تركه سلطان يزفر بحدة وعيسى يفتح باب السيارة لفاطمة التي عبست في وجه سلطان قبل أن تركب السيارة، بينما تحرك شاهين تجاه سيارته وتحرك وخلفه والده وأعمامه عقله يعيد ويزيد ويدقق ويفكر ويتعمق في أشياء غريبة وبعيدة كل البعد عن مداره.
_________________
أنا وأنت لسنا سوى دروب تلاقت فاجتمعت فالتفت حول بعضها فاشتبكت فتعمقت فتوحدت فتألمت بأنين ليس له صدى في عقول البشر …لا أحد سيقبل أن يسمع عنا …لا أحد يريدك هنا بجواري ولا خيار في ذلك حتى التمني في قصتنا لم يكن متاحآ كخيار. ……
تقف أمام خزانتها بتوت ، تمرر أصابعها على ملابسها المعلقة داخل الخزانة وعقلها يتخبط بشدة من تلك المكالمة التي أتتها فجأة وهي من لم تكد تلتقط أنفاسها بعدما اطمأنت على سارة وكنزي اللتان عادتا إلى المنزل سالمتين بعد ليلة استنزفت قوة الجميع، مشوشة وخائفة ترتجف لكنها لا تستطيع السيطرة على نفسها كما العادة حين يتعلق الأمر به، سحبت فستان محتشم متداخل الألوان تعلوه سترة بيضاء أنثوية التصميم وألقت بهما علي سريرها بعنف ثم أغلقت باب الخزانة وأسندت جبهتها عليه تنوح بقوة محاولة أن تراجع نفسها في ذلك الانسياق الذي ترفضه مبادئها وأخلاقها ويرفضه العقل والمنطق ولكن وحدها مشاعرها القوية بشكل لم تعهده في نفسها يومآ هي العاجزة تمامآ عن رفضه أو تخطيه، مدركة هي للكارثة التي تسير إليها بخطى ثابتة ورغم ذلك عاجزة عن أخذ قرار حاسم بالتوقف أو ربما الاستدارة بسرعة والفرار عن هذا الطريق تمامآ، هي ضعيفة بشكل مخزي ولا تدري متى وكيف أصبح ما بينها وبين يونس ضخم وعصي إلى هذا الحد، إنها حتى لا تتذكر كيف كان لقائهما الأول لأن بداخلها يقين أنهما التقيا منذ زمن بعيد كأنهما قطبين يتجاذبان بقوة مهما بعدت المسافات وتوسعت، مسحت دموعها محاولة أن تهدأ لكي لا يفضح أمرها وتحركت تستعد للذهاب لمقابلة ذلك العميل فهي حاليآ الوحيدة المتاحة من أجل المقابلات الخارجية وعليها أن تكون على قدر المسؤولية، خلال دقائق كانت تنزل السلم تستمع لثرثرة الفتيات التي لا تنتهي وهي تقول " عذرآ على مقاطعتكن عن النميمة في حق خلق الله، لكني أريد من إحداكن أن تخبرني بموعد المقابلة تحديدآ، وبالأمور المطلوب مني مناقشتها " قالت لها تولين " مازال لديك وقت كافي قبل موعد المقابلة، ومبدئيا أريد منك أن تراجعي مع العميل بنود العقد وتتفقي معه على موعد مناسب لبدء العمل والذي لن يكون قبل أسبوعين حتى تهدأ الأوضاع، وإذا وجدت منه قبول لا مانع من أن تتمي التعاقد إذا كانت الدفعة الأولى من المبلغ جاهزة " فركت ملاك كفيها ببعضهما فقالت لها سارة " ما بك..لونك مخطوف..وتقفين منكمشة كأنك ترتجفين، يمكننا الإعتذار إن كان أمر هذه المقابلة يوترك إلى هذا الحد " قالت ملاك متحاشية عيونهن المتفرسة في حالها " الأمر بسيط لكني لأول مرة أفعل ذلك وحدي، على كل حال سأكون معكن بالهاتف خطوة بخطوة حتى أنهي تلك المقابلة " قالت لها كنزي " اجلسي لنتحدث موعدك مع العميل مازال عليه ما يزيد عن الساعة " تحركت ملاك نحو الباب قائلة " سأخرج لأني لا أريد التأخر فالوصول مبكرآ عن الموعد قليلا لن يضر رغم شكي القاطع بأنه ليس هناك من يصل في موعده في زحام العاصمة …السلام عليكم " لوحت لهن ثم اختفت خلف الباب فقالت سارة بيقين " قلبي يحدثني أنها تخفي شيء " فأكدت كنزي قائلة " هذا واضح لكني لا أفهم لماذا هي متكتمة بهذا الشكل رغم أننا ندرك أن الأمر مؤكد يخص يونس لا غيره، فحالها لم يعد طبيعيآ منذ رحيله، لا أعرف كيف ومتى تورطت مشاعرها معه إلى هذا الحد، لقد ظننتها كثيرآ تعطف أو تشفق على حاله لكن يبدو أن الأمر أكبر من ذلك بكثير" تنهدت تولين قائلة " الغريب أن محيط حياتها وعملها مليء بالكثير من الشباب الملفتون على جميع المستويات، كيف لها أن تقع في حب شاب غير سوي نفسيآ لديه عائلة قذرة، لا يستطيع الاهتمام بها أو بنفسه، كيف تعتقد أنها تستطيع الارتباط بشخص يعد فاقدآ للأهلية …هذا مستحيل " قالت سارة بغضب " لا أفهم ماذا تنتظر من مشاعرها تجاهه، الحب لا يصنع المعجزات …أنا مرعوبة عليها، فملاك فقدت منطقها في هذا الأمر، حالها بأكمله ينبأ أنها تحتاج أن تستفيق ولكن بطريقة أكثر فاعليه من حديث ناصح وحوار متفهم " هزت كنزي رأسها وهي تميل لتحمل كوب قهوتها الساخن ثم قالت " لا أظن ذلك، فهي تتكتم خوفآ من ردود أفعالنا …سبق وقلت لك الحزم والمنع جاءا معها بنتيجة عكسية، دعينا أولآ نفهم ماذا يدور تحديدآ وبعدها أعدك نتصرف بما في صالحها حتى لو كان هذا عكس رغبتها تماما ، مؤكد يومآ ما ستدرك أننا فعلنا ذلك لأجلها " نظرن إلى بعضهن في اتفاق ضمني أن عليهن معرفة ما يحدث وهذا الاهم حاليآ.
…………..
دلفت إلى المطعم الذي تقوم فيه بجميع المقابلات الخارجية، فهو واحد من سلسلة المطاعم التي وضعت تحت تصرف حور قبل زواجها من بشر، رحب بها النادل وقادها إلى طاولتها المعتادة والتي يفصلها عن باقي المطعم حائط زجاجي يمنح اجتماعها شيء من الهدوء بعيدآ عن ضجيج المطعم، فطلبت كأس من العصير وأخرجت حاسوبها تراجع بنود العقد قبل وصول العميل لتلتفت تجاه خيال يقترب من طاولتها وهي تبتسم بلطف ظننا منها أنه النادل لتجده موسى أخو يونس يقف أمامها بملابسه الشبابية الفضفاضة وشعره الطويل الملتف حول بعضه وبعينيه نظرة غامضة جعلت الرهبة تتمكن من قلبها، يضع يديه بجيبا بنطاله كأنه شخص بوهيمي لديه من السواد ما يحتم عليها أن تتجنبه، لتنمحي ابتسامتها تمامآ وهي تنظر إليه بتوجس وهو يقترب أكثر ليقول بدون مقدمات " هل تريدين رؤية يونس " كأنما كل الأسباب التي ظلت تجلد نفسها لأجلها قبل قليل قد تبخرت فوقفت مسرعة تسأله " أهو معك " قيم موسى رد فعلها بهدوء وقال " بمكان قريب يمكنني أخذك له " تراجعت بتوجس تقول " ماذا تقصد بمكان قريب " سألها " أمعنى ذلك أنك لا تريدين رؤيته " أجابته بحذر " بل أريد رؤيته وبشدة لكن هذا لا يعني أن أذهب معك لمكان لا أدركه " نظر إلى عينيها قليلا ثم قال " هذا موعد جلسته مع طبيبه، إنه بمركز للعلاج النفسي معروف جدآ وقريب من هنا " أعادت حاسوبها لحقيبته بسرعة وجمعت أغراضها وهي تقول " أعطني العنوان من فضلك " حرك رأسه ببطء شديد كأنه يتأملها وقال " لا داعي سوف أوصلك " ظهر رفضآ جليآ وهي تقول " لا داعي أنا أعرف كيف أصل بمفردي …أعطني العنوان " أخرج لها بطاقة تعريفية بها اسم الطبيب وعنوان المركز فأسرعت تتحرك خارج المطعم ليقف هو قليلآ يضم قبضته بغضب شديد للحظات ثم يتنفس بقوة محاولآ التنفيس عن غضبه لينسحب بعدها ليتبعها إلى حيث ذهبت.
……………
أسرعت ملاك تدخل من باب المركز قاصدة مكتب الاستقبال لتسألها العاملة التي تجلس خلفه " كيف يمكنني مساعدتك " أجابته ملاك بلهفة " قريبي لديه جلسه مع الطبيب اليوم وأريد مقابلته، من فضلك أخبريه أن ملاك بالخارج وتريد رؤيتك " ابتسمت لها العاملة بلطف وقالت " أعطني اسم المريض من فضلك " أجابتها ملاك " يونس " سألتها العاملة " يونس ماذا، فالاسم مكرر في لائحة اليوم " تجمدت ملاك بقلة حيلة ثم قالت للعاملة بهدوء " أنا لا أعرف كامل اسمه، لكن معي صورة له، أرجوك ساعديني ف…لم تكمل ملاك حديثها ليأتي صوت موسى من خلفها قائلآ " أريد رؤية أخي من فضلك " ابتسمت العاملة وقالت " بالطبع سيد موسى إنه في الغرفة المفتوحة ينتظر الجلسة الجماعية، هذه ستكون مشاركته الأولي سيكون من اللطيف أن يراك قبلها، ثواني و يأتي من يوصلك له " اقتربت أخرى منهما تقودهما نحو غرفة واسعة جدرانها بيضاء تبث في الروح السكون تطل على حديقة جميلة وهادئة للغاية، لتجد ملاك يونس يجلس على الأرض بنظراته الشاردة لكنه بدى بصحة جيدة وقد اكتسب بعضآ من الوزن فتيقنت أن هناك من يهتم بطعامه فأصبح أكثر قوة… تنهدت براحة وقد اطمأن قلبها، كان يرتدي ملابس أنيقة جدآ شعره مرتب ونظيف وتفوح منه رائحة لعطر رجالي مميز فاقتربت منه تناديه بسعادة " يونس" لكنه لم يلتفت لها فجلست أمامه أرضآ حتى أصبح وجهه مقابلآ لها تمامآ وعادت لتناديه " يونس إنها أنا ملاك " حينها صوب نظراته تجاه عينيها وابتسم لتضع يدها على قلبها الذي يكاد أن يقفز من صدرها وهي تقول " كيف حالك، هل أنت بخير، هل أصبحت أفضل، هل افتقدتني، أنا كنت لا أستطيع الوصول إليك، لكنك لا تفارق عقلي دومآ قلقة عليك وبشدة وأدعو الله أن يحفظك أينما كنت " اتسعت ابتسامته ورفع من جواره مذكرة يفتحها لها فتجد صورتها قد رسمت ليست بشكل دقيق لكن بشكل أعلمها أنها هي لا غيرها، فدارالكون من حولها من فرط السعادة وأخرجت هاتفها من حقيبتها وهي تقول " أنا أيضا معي صورة لك ..انظر …لكني سأمحوها وسألتقط لك أخرى الآن، فأنت الآن بخير وأفضل حالآ " رفعت هاتفها تلتقط له صورة جديدة لينظر يونس تجاه موسى برفض وهو يشير لها لتقترب ففعلت دون تأخير ليقلب لها صفحات المذكرة حتى توقفت عند صفحة نظرت لها بتدقيق وهمست له " لقد بحث خلف كل شيء تركته في تلك الغرفة انظر " فتحت حاسوبها الذي جمعت عليه صور لكل شبر في غرفته القديمة وقالت بخفوت كأنها ترفض وجود موسى كما يفعل " الأمر استدعى مني أشهر من البحث خلف كل كلمة ورسمه تركتها، المعلومات التي كانت بالورقة كانت كأنها مشفرة فاستعص عليّ أمرها لكني حاولت، أنت تتذكر لكن يبدو لي أن ذكرياتك منقوصة لذلك لا رسمه ولا كلمة تكتمل، هل أصبح لديك جديد " قدم لها مذكرته بحرص شديد فالتقطتها بكامل تركيزها وهي تقول " خطك أصبح أوضح …هذا يعني أنك تتحسن …هذا جيد جداً جداً لكن مازال كل شيء ناقص وأغلب ما تكتبه يبدو لعيني طلاسم، أنا أشعر بالغباء لأني عاجزة عن مساعدتك " قالتها بقهر وقد تجمعت الدموع بعينيها فتجهم وجهه وتجمعت في عينيه دموع فأسرعت تقول " لا تحزن …انظر رغم قلة حيلتي ماذا وجدت …حينها كان كأنه فقد كل تجاوب معها وظل ينظر لها بحزن شديد وعيون على١ وشك البكاء فقالت بيأس " لم أقصد أن أحزنك …لكن انظر على الاقل وصلت لشيء …هل تعرف هذا الشخص " لم يستجب لها ظل على جموده الحزين فتملك منها القهر أكثر ورفعت حاسوبها أمام وجهه تقول له " حكم …حكم المنصوري، أنه رجل أعمال يملك شركة حراسة …انظر " تعلقت عينيه بالشاشة للحظة لتمر علي وجهه انفعالات غريبة وغير مفهومة قبل أن يلتقط قلمه ويخط شيء على أوراق مذكرته فيما تتابعه هي بتركيز واهتمام غير واعية لما تنقاد إليه.


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-22, 12:55 AM   #30

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

توقفي عن عدوك الصاخب داخلي
توقفي للحظة ودعيني التقط أنفاسي
توقفي وهلة و رأفة بنفسك قبلي
فقد تخدرت في غمار ملاحقتك حواسي
بت فيك لا أجد عقلي ..ولا أعرف نفسي
فمتى أصبحت صخرآ عنيدآ
ومتى أصبحت صعب المراس
توقفي وأعلنيها هدنة قد تطول
فهل كتب علينا ألا يطول لنا
عهدآ سوى بالمأسي.
توقفي لمرة قبل أن تقرع طبول حربي،
قبل أن يصلل سيفي وتدوي بعنف في الأرجاء أجراسي.
توقفي ولا تهابي المواجهة أكثر، فلعلنا نقترب رغم كل البعد الباعد،
ونبتر المسافات ويصدق لمرة إحساسي.
توقفي وحافظي على ما تبقى مني، فإني أعلم أني على وشك الانطماس.
فأنا ما عدت بقادر أن أتقن دور بعد،
ما عدت قادر على العبور والتناسي
توقفي لعله الوقوف الأخير لي ولك، فقد نجد حين نثبت أقدامنا أرضآ كانت
دومآ ما تحمل لنا الملجأ والخلاص.
توقفي ولا تزلزلي بتعنتك كل ثوابتي، فكم من مرة لأجلك تبعثرت وطاح أساسي.
توقفي وانصاعي لأمر ليس بالعصي، فلعل رضوخك يصلني هونآ يواسي.
توقفي لعل في وقوفك تنتهي قصة، طالت حتى أفنت من عمرنا رقم قياسي.
توقفي فوق كل شيء كما كنتي دومآ فوق بقايا من ماضٍ كم كان في أمرنا قاس.
وهناك على حافة الكون دعيني أراكِ مرة أخرى قبل أن تنشق الدروب متجاهلة كل التماس.
_________________
إني أعود بخطاي للخلف، أعود وكلي خوف من أن يبتلعني الظلام.
من أن يسكني ويتوغل داخلي خامدآ لإنسانيتي حتى تصير كل الخيوط الرفيعة بيني وبين العالم الذي دومآ ما حلمت به محض أطياف زائلة لشيء مستحيل.
…………..
أسواط عنيفة من الآلم تضرب جسدها الهامد بلا أدني قدرة على الحركة لدرجة جعلت تحريك جفونها مهمة تستدعي قوة لا تملكها، وشعور عنيف بالرعب تزامن مع آخر أقوى بالغثيان تملكا منها وقد بدأت أنفها تلتقط رائحة دماء خانقة تزيد مما يعتريها فجاهدت لتفتح عينيها ببطء شديد تنظر حولها غير واعية لحالها ولا إلى المكان الذي تتواجد به، تبحث داخل فراغ عقلها الذي يبدو أنه هامد هو الآخر عن آخر شيء تتذكره محاولة أن تدرك ما حدث لها، تبحث عن أي شيء يهدئ من دقات قلبها التي تزايدت حتى تخطت المعدل الطبيعي فانطلق صوت مفزع كأنه لجهاز إنذار تبعه أصوات متداخلة لأشخاص يتحركون من حولها، منهم من يتلمس معصمها وهناك من يمرر ضوء مؤذي أمام عينيها وهناك من يحقنها بإبرة شعرت أن نغزتها البسيطة لا تعني شيء وسط كل الآلم التي تشعر به، وكأنها في قوقعة لا تستطيع التفاعل معهم أو إبداء أي رد فعل رغم شعورها الكامل بكل ما يدور حولها ليبدأ كل شيء في الخفوت مجددآ حتى نبض قلبها الذي بدأ يهدأ أكثر من الطبيعي كأنما قد أتلفه انفعاله الذي بدا كأنه لحيوان ضاري، الأصوات المرتفعة من حولها عادت لتخفت فتعود عينيها للإنغلاق فلا تعي لصراخ الطبيب بفريق التمريض من حولها ولا لجسدها الذي انتفض مرتفعآ حين اندفعت نحوه الشحنات الكهربائيه مرة تلوالأخرى فهي في هذه اللحظة كانت تسرع بالركض لتعبر طريقها نحو عالم آخر تمنت الولوج إليه بكل ذرة في كيانها الممزق لكن نبضة ضعيفة من خافقها أعادتها قصرآ لتنهي دورها في تلك الحياة قبل أن تغادرها، فالعبور من عدمه لم يكن يومآ خيار، والفرار من عدمه لم يكن يومآ خيار إنها أقدار.
ابتسمت في المرآه تراقب أنوثتها الوليدة بعين بريئة خجلة تمرر كفها الرقيق على شعرها الغجري الأسود الذي يرتاح على كتفها ثم تميل برأسها في حركة دلال لا تقوى على المجاهرة بها خارج تلك الجدران الضيقة ليلفت انتباهها صوت مكتوم يأتي من الخارج، فزعت من أن يكتشف أحد أنها مازالت مستيقظة وأسرعت تغلق الضوء الضعيف للغرفة قبل أن تتحرك بفضول نحو النافذة محاولة أن ترى ماذا يحدث من خلال الظلام الممتد لتلك الليلة التي غاب عنها القمر فأصبحت في ظلمتها قاتمة حالكة لكنها لم تستطع رؤية أي شيء ورغم ذلك لم يهدأ فضولها فحاولت بهدوء دفع مصراع النافذة الخشبية بطرف أناملها لتمنح نفسها رؤية أوضح لكن النافذة محكمة الغلق لم تتجاوب فزمت شفتيها بإرادة أكثر وهي تستمر في المحاولة والصوت المكتوم بالخارج مازال يدوي في أذنيها حتى شعرت بنسمات الليل البارد تتسلل من انفراجة مصراع النافذة فابتسمت بانتصار وهي تحني رأسها ناظرة للخارج وعينيها تمسح المكان أمامها بهدوء لتتوقف عينيها بصدمة وهي تلمح جسد يافع يعدو نحو النافذة ثم تتسع برعب وهي تتبين الجسد الأنثوي مكمم الفاه والذراعين يعدو أكثر صارخآ بصوت مكتوم حتى اقترب من النافذة فتهز رأسها برعب خالص وهي تكتم فاهها بكفها حين نفذ من خلال الجسد نصل حاد فتتناثرت الدماء في كل مكان لتصل قطرة واحدة إلى حافة النافذة دافعة إياها لترفع كفها الآخر الذي كان يرتعش بقوة محاولة أن تلمس بسبابتها تلك القطرة كأنها لأخر لحظة تريد دليل قاطع أن عينيها لا تتوهم برؤيتها لشيء لم يحدث وليس له وجود لكن قبل أن تتمكن من التحكم في رجفة يدها ظهرت لها عين من خلال فتحة النافذة تنظر لها بقوة جعلتها تشهق بفزع وعنف وهي تغيب …كما شهقت اليوم وهي تعود لكن كانت شهقتها صامتة واهنة ضائعة الأنفاس، ظل رأس بتول يهتز كأنها تعاني من نوبة فزع عنيفة بينما جسدها هامد متخشب لتقترب منها الممرضة لتحقنها بمهديء وهي تسألها بقلق بالغ " هل تسمعيني …سيدتي الطبيب قادم حالآ " بدأت ترتخي حين سرى مفعول المهديء في دمائها وتسأل بضعف " ماذا حدث لمساعدتي والحارس، لقد كانا معي، هل هما بخير " أجابتها الممرضة بعملية قائلة " اهدئي سيدتي ولا ترهقي نفسك فهذا غير جيد لك حاليآ …الطبيب قادم حالآ، هل يمكنني أن أسئلك أسئلة سريعة للتأكد أن مؤشراتك الحيوية بخير " لم تكن بتول مهتمة بما تقول وهي تتساءل بما يشبه الهذيان وقد بدأت تتذكر ما حدث " لقد رأيت دماء، هل هما بخير …أنا من أصررت على التسلل للمبني، أرجوك أين هما " همت الممرضة بوضع جهاز للتنفس على وجهها لكن ماثيو الذي ولج إلى الغرفة متوترآ نافذ الصبر سحب الممرضة التي قالت برفض " الزيارة ممنوعة يا سيدي …ماذا تفعل …توقف " لكنه لم يبالِ وهو يدفعها خارجآ ويغلق باب الغرفة خلفها ثم يقترب من بتول يسألها بشكل مباشر " سيدتي هل أنت بكامل وعيك " دققت بتول في ملامحه قبل أن تقول بصوت مهتز " أنا أعرفك …أنت السيد ماثيو، ماذا تفعل هنا، وماذا حدث لي، أين مساعدتي والحارس، أنا أشعر أن هناك من تأذى، أرجوك ساعدني " نظر لها ماثيو بغضب وقال " للأسف لقد قتل حارسك وهو يدافع عنك، وقتلت المساعدة لأن مهاجمك لم يكن بمفرده بالمنزل، ولولا أني أضعك تحت مراقبتي من فترة لما كنتِ نجوتِ، فرجالي أنقذوك من الموت في آخر لحظة وبأعجوبة، أنتِ حتى ساعات قريبة كنت تصارعين الموت، كنا على وشك فقدك " أغمضت بتول عينيها تبكي بقوة وهي تطبق كفيها المتيبسان على مفرش السرير فقال ماثيو " لقد أخرجك رجالي قبل وصول الشرطة، فوجودك في موقع جريمة تحت سلطة الشرطة كان سيوقعك في متاعب أكثر وخاصة بعد ما حدث، لكني لا أضمن ولاء رجال الحراسة خاصتك الذين يعلمون أنك ومساعدتك وحارسك كنتما معآ، والشرطة هنا لن تتعامل معك بتعقل فهي تتخذ منك موقف عدائي نظرآ لهويتك " لم يكن ذهن بتول حاضرآ لتلك التفاصيل وهي تهذي باللغة العربية " أنا السبب في موتهما …أنا السبب، كنت أأمل أن أجد شيء يساعدني في الوصول إليه لكني زدت رصيدي من الضحايا ..يا إلهي لما ماتا وبقيت أنا، وحدك تعلم أن الموت لي أأمن من ذلك العالم " لكن ماثيو الذي كان قلقآ مما تجره تلك السيدة خلفها وقد وصله عبر رجاله عنها الكثير مما يثير الحذر والتحفز لم ينتظرها لتهدأ وهو يقول " الوضع بالخارج مزري، الرأي العام بأكمله منقلب ضدك ويطالبون بفتح القضية مرة أخرى لكن بعد توجيه الاتهام لك أنك السبب في الانفجار وقتل مدبرة المنزل ومن معها ويتهمونكِ بقتل زوجك، وقتل الحارس والمساعدة الخاصة بك " قالت بتول بصدمة وهي مازالت منهارة " لقد حدث كل شيء وأنا بمصر، ليتني كنت هنا، ليتني كنت معه " هدر فيها ماثيو " وجودك خارج البلاد لم يعد دليلآ على برآءتك، الوضع تأزم بشكل كبير " قالت بضياع " إذآ هل ستكون نهايتي لأجل جرم لم أرتكبه، أنا لا أريد الموت هنا وبهذه الطريقة، لا أريد الموت قبل أن أجده واطمئن أنه بخير ثم ارد إليه أمانته وبعدها سأرحل " لم يهتم ماثيو بحديثها الذي كان ينم عن رهبة وضياع وقال بقوة " عليّ الخروج بك من هنا في أسرع وقت، فحالتك الصحية هي من أجبرتني على المجازفة بجلبك لمشفى خاص بصديق تجمعنا معه علاقة عمل لكن هذا ليس آمن، ولأكن واضحآ معك السيد فياض لن يتورط في أمر لا يعرف أبعاده، لذلك أريد أن أعرف من أنت وما هي حكايتك كاملة، وهنا أقصد تحديدآ حقيقتك سيدتي، فإن كنت تظنين أن الأمر منطوي بالسيد فليوبتير فقط فأنت واهمة " انقطعت أنفاس بتول وهي تسأله بخوف جرى بأوردتها مجرى الدم " ماذا …ماذا تقصد " نظر ماثيو إلى عينيها بقوة وقال " أنت مرصودة " قالت برفض " مستحيل …مؤكد هذا بسبب فيلو، ربما أحد أعدائه " احتد ماثيو قائلآ " أنا لا أبلغك بحديث دون دليل، أنت أمرك غير مفهوم …معقد وشائك ولن يتورط سيدي به حتى يفهم كل شيء" قالت بتول بصوت خرج متحشرجآ من شدة الألم " هل سيتلاشى إصرار سيدك لو عرضت عليه مبلغ سخي جدآ مقابل مساعدته " نظر لها ماثيو نظرة رافضة وقال " ربما الأموال تنفع في أغلب المواقف لكن ليس في موقفك سيدتي والأهم ليس مع السيد فياض الذي يعد حديثك استهانة به، لذلك لن يفيدك شيء حاليآ سوى أن تكوني صريحة وتجيبي عن أسئلتي لأستطيع إدراك التصرف الصحيح في الوقت الحالي " هزت بتول رأسها برفض وقالت " لا أستطيع" احتد ماثيو قائلآ " أنا أيضا لا أستطيع المجازفة فسيدي لديه مشاكله الخاصة وأقل ما يمكنك فعله من باب شكر لم تبدهِ حتى الآن أن تخبريني بما نحن بصدد مواجهته " صرخت بوهن وبألم " لا أستطيع، لأني لا أصدقك " صدم ماثيو من فجاجة ردها بعد كل ما فعله لها ثم قال باستنكار" أنت هكذا لا تساعدين إطلاقا …كل ما أريده منك معرفة حقيقتك وما تخفينه سيدتي لأستطيع مساعدتك " أشاحت بتول بعينيها بعيدآ عنه تكمل نواحها بحرقة فاندفع ماثيو خارج الغرفة بغضب تاركآ إياها لتختلي بمخاوفها التي تتفاقم وأشباحها التي عادت لتطوف من حولها بشكل أوصلها إلى حافة الانهيار، أصبحت كل الظروف تتكابل ضدها ولكنها حاليآ لا تستطيع حتى التحرك من ذلك الفراش، عاجزة عن مساعدة نفسها قبله، لم يكن عليه تحميلها كل هذا …لم يكن عليه الوثوق بها إلى درجة تشعرها أنها إنسانة طبيعية يمكن الاعتماد عليها والعيش جوارها بسلام.
كيف لفاقد الشيء أن يعطيه، كانت تدور في دوامتها بلا هوادة ليقاطعها دخول ماثيو وبرفقته ثلاثة ممرضات يقول بغضب واضح " كل ما أستطيع فعله الآن هو انتظار عودة السيد فياض، وهو وحده من سيحدد القادم في أمرك، الممرضة ستحقنك بمسكن قوي قد يدفعك للنوم حتى تتحملين مشقة الانتقال فاصابتك بالغة وجسدك لن يقوى على الحراك بمفرده " لم ترد بتول وهي تستسلم لسلطان النوم باستسلام كان أقصى ما تستطيع فعله الآن، فلم يعد الواقع أمنآ لم تعد تريده إنها مهددة من واقعها بشكل يجعلها تتمنى الرحيل.
_______________
لا شيء سيصلح ما قد حدث، فنيران الذل حين تشتعل يبقى لها وحدها الفصل فيمن خلفها قد عبث، لاشيء سيطفيء جحيمها الذي سيطول بلا تردد من عنها قد بحث، ولا شيء سيحجم دمارها الذي سيفتك بمن سعى إليها ولهث، لكل شيء ثمن والانتقام من رقوده الذي طال قد بعث.
……..
بكل ما تملك من ثبات كانت تتخلى عن وجهها الجامد وثوبها الناري وهدوئها القاتل كل شيء كان يسقط تباعآ أسفل قدميها التي ركضت بكل قوتها تحاول أن تدفع بها نحو منطقة آمنه قبل أن تسقط جميع حصونها ليبقى في انهيارها بعض كرامة وقد أهدرت كرامتها عل أيدي غاشمة لا ترحم، الجدران كانت تضيق من حولها بشدة، بل إن تلك البلد التي ما أحبت بلدآ بقدر ما أحبتها أصبحت تخبرها علانية أنه ما عاد في رحابها مكانا له، لقد نبذتها كما نبذها كل قلب ظنت أنه يملك لها من الحب ما يمنحها الامان، كما نبذها كل شخص ظنت أنه يملك نحوها من الصلة والدماء ما يمنحها الحماية، فأضحت بين يوم وليلة متجردة من كل شيء كان يمثل لها القوة والعزة، وألقيت في مواجهة مصير بائس مؤذي بلا سبيل للخلاص وكل هذا حدث في لحظة جنون عصى فيها قلبها كل الأفكار التي تربت عليها، كل الأوامر التي كانت واضحة قاطعة، كل التعقل والمنطق الذي كان يدعوها لتبتعد وانطلقت بلا قيود وأحبت شخصآ كان يجب أن يكون عدوها الألد، هي لم تحبه فقط بل غرقت تمامآ معه في شيء تعجزعن وصفه فقد تخطى كل شعور مسها في يوم من الأيام، واستسلمت للغرق بشكل لم تفهمه ولم تتحكم به غير مدركة أن ذلك الخدر الذي أصاب عالمها منذ ظهوره ما هو إلا مؤشرات انسحاب الروح، كانت تموت بأفضل طريقة قد يختارها شخص تعمق في الغرق مثلها، ومازالت حتى الآن تعاني من انسحاب الروح والكيان والهوية والحب… لكن لماذا لا توجد نهاية لهذا الانسحاب، انهارت شيراز بقوة تبكي وتصرخ وتحطم وتدور حول نفسها كما تفعل منذ سنوات ولكن بداخلها، فتلك الانفعالات كانت دومآ موجودة لكنها لم تطفُ إلى السطح أبدآ، تحول وجهها للوحة فنية من جمال مسخهحزن قاتل ولم يكتفْ أو ينتهي بعد، ليمر الوقت وقد نفذت طاقتها كاملة فأصبحت ضعيفة بشكل بائس عن مجارات تلك الانفعالات التي تسكنها حينها فقط سحبت أقدامها تجاه الحمام ووقفت تحت الماء الساخن الذي منحها دفيء أسكن ثلوج روحها للحظة وبعدما انتهت عادت إلى الغرفة تلملم فستانها الذي تمزق، محاولة أن تعيد كل شيء كما كان، ثم ارتدت ملابس شبابية واهتمت ببشرتها التي التهبت من البكاء والمكدومة من أثر الصفعة وبمنتهى الهدوء ألقت نظرة أخيرة على إطلالتها الملفتة في المرآة ثم سحبت حقيبتها وتوجهت خارج الغرفة تزامنا مع دخول بلال ودينا ووالدته من باب الجناح ليقف الأربعة في مواجهة بعضهم للحظة والنظرات كفيلة بأن توضح ما يضمره كل شخص للآخر، العيون تتحدث قبل الأفواه وكم تدرك شيراز ذلك، لذلك أكملت تحركها بهدوء فيما يقترب منها بلال يسألها بلهفة " أأنت بخير، هل أصاب وجهك شيء، إنه مكدوم سأطلب لك طبيبآ حالآ " صاحت والدته بانفعال " إنها الوحيدة هنا التي مؤكد بألف خير، ألا ترى منظرها وما ترتديه، تقف أمامك بكل تبجح كأن شيء لم يحدث " التفت بلال نحو والدته قائلآ " أمي من فضلك ليس لهذا الحديث داعي، أيمكنك أن تطلبي من خدمة الغرف إحضار بعض الثلج وإرسال طبيب "
أمسكت شيراز كفه الذي يتحسس وجهها وقالت " لا داعي لذلك، أنا بخير، هل وجدت لي فقط من يقلني إلى المطار، موعد طائرتي لم يتبقْ عليه الكثير " حينها انفجرت دينا التي كان خراب زفافها صدمة كبيرة لها قائلة " مؤكد تخططين للرحيل بعدما أنهيت ما أتيت لأجله وأخربت زفافي وكسرت فرحتي، وفضحتني أمام أهلي وأقاربي وجعلت أبي يعلن غضبه عليّ حتى وصل الأمر أن يتشاجر هو وبلال في يوم كهذا " قال بلال بحدة " دينا " لكن دينا لم تصمت بل تقدمت تقول بغضب أكبر " هذه المرة لن أصمت، فزفافي الذي حلمت به طوال عمري، وخططت له لشهور طويلة، أنتقي تفاصيله من الصغيرة إلى الكبيرة خَرٌب لأنني قبلت بها ضرة بدلآ من أن أطلب منك أن تطلقها " استدار بلال نحو دينا قائلآ بعصبية " دينا أنت أعصابك متعبة وانفعالك سيجعلك تتفوهين بما ستحاسبين عليه لذلك من الأفضل أن تذهبي لتستعدي لأننا أيضآ لدينا موعد طائرة " لكن دينا لم تهتز لتحذيره وقالت " ليس أنا التي من المفروض أن تلقي بتحذيراتك في وجهها، ليس أنا التي تعيش معها وقلبك معلق بأخرى، ليس أنا التي لا تستطيع منحك السعادة أوالأطفال، ليس أنا من تكرهها عائلتك بأكملها لدرجة جعلتك تلجيء للزواج من أخرى، إن كنت تريد أن تضع تحذيرك في نصابه الصحيح وجهه لها، لقد دمرت ليلة عمري " أمسك بلال رسغها وهزها بعنف قائلآ " اخرسي دينا، أنت تتمادين كثيرا، وصدقيني لن يعجبك رد فعلي " بكت دينا بحرقة وهي تقول " أخرس …هل هذا ما ستكون عليه حياتنا القادمة، هل هذه السعادة التي وعدتني بها، لماذا لا تريد الاستماع إلى الحقيقة، لقد أرادت تخريب الزفاف، أرادت كسرت خاطري وفرحتي وهذا ما سيكون عليه القادم " كانت شيراز تقف وتتلقى كل شظايا دينا الجارحة بجمود رغم أنها تتلوى وجعآ وحرقة لتقول بهدوء بدى لدينا كيدآ أجج جنونها " دينا ما حدث أنا لا يد لي به، كما أنه لا يد لي بموافقتك على الزواج من رجل متزوج من امرأة لا يحبها ولا تنجب هذا كان قرارك " هاجت دينا قائلة " حقآ …إذآ هلا شرحت لي ماذا كنت تقصدين برقصك وتزينك المبالغ فيه رغم أن عائلتك مكلومة بمصاب فقد ابن عمك، لقد قتل منذ يومين فقط وأنت لم تظهرِ لمحة تعاطف أو خشوع للموت وحضرتي الزفاف كأنك الراقصة التي أتت لتحيي الحفل، ما ذنبي أنا في العداوة التي بينك وبين عائلتك، ما ذنبي أنك تريدين أن تشمتي بمصابهم، ما ذنبي أن كيدك أعمى عينيك وقلبك وجعل أفعالك كلها هدفها الانتقام لا أكثر " رفع بلال كفه قاصدآ أن يصفع دينا وهو يقول " اخرسي تماما " لتسرع شيراز ممسكة رسغه تسأله بصدمة " من قتل ..ماذا تقول، هل تكذب، ماذا يحدث أخبرني " تدخلت حينها حماتها تقول بغل " مالنا نحن ومن عاش ومن مات، فعائلتك دائمة النزاع وشديدة العداوة والبغضاء للكثير من العائلات وخاصة آل الجوهري الذين لا تنتهي حروبهم، هل انتمائك لهم سيجعلنا نتتبع أخبارهم ونؤجل أفراحنا لأجل مآتمهم، إذا كانت ابنتهم لا تقترب منهم ولا تدري عنهم شيء وهم كمن تخلصوا منها وألقوها لنا، هل سنهتم نحن، يكفينا ما أتانا من خلفهم بالماضي وما حدث منهم اليوم، لقد ظللت أعتذر لأهل دينا عما حدث لكي لا يأخذوها ويطفئوا فرحة ولدي، حسبي الله ونعم الوكيل في هذه العائلة ومن يأتي منها " كان بلال قد فاض كيله من كل ما يحدث، موقف والدته …حزن دينا ..صدمة شيراز وعليه وحده مواجهة كل هذا بمنتهى الحكمة والتعقل وهذا كثير، لذلك قال وقد عربد الغضب في وجهه بشكل أعلم دينا ووالدته أنه قد انتهى وقت الحديث والعند " أمي كفي، خذي دينا لتستعد للسفر ..حالآ وبدون كلمة زيادة من فضلك " اقتربت والدته من دينا تحتويها قائلة " تعالي يا حبيبتي، تعالي لتهدئي وتأكلي شيء وتستعدي لقضاء شهرعسلك مع زوجك، أدعو الله أن يبعد عنكما النفوس المريضة" ألقت دينا نظرة مجروحة تجاه بلال الذي زفر بحرقة ثم تحركت خارج الجناح قبل أن يستدير لشيراز التي تقف كما التمثال تنتظر منه تفسير لما يٌقال لعلها حينها تفهم ما حدث فقال بلال بصدق " لم أكن أعلم سوى قبل وصولك بدقائق " سألته شيراز وقلبها يقرع بشكل مؤلم " تعلم ماذا بلال " هم بأن بجيبها لكن رنين هاتفه قطع اللحظة ففضل الهروب من تلك المواجهة للحظات وأجاب قائلآ " ماذا تريد" ليأتيه الرد من الجهة المقابلة صادم أكثر " بلال …شيراز وضعت على القائمة السوداء، لقد أصبحت ممنوعة من السفر، الخبر وصلني حالآ " أغلق بلال الخط عاجزآ عن الإتيان بأي فعل، عاجزآ عن إخبارها أنها سقطت في الشرك وقد أحكم عليها مجددآ بلا أي ذنب.
________________
لماذا تتسللين داخلي وتتعمقين أكثر في مما يجب، لماذا تمحين المسافات وتقطعين علي من الوعود أكثر مما يجب، لماذا الآن بعدما تيقنت أن الفرار هو أصلح ما يجب، وماذا بعد وقد أضحيت متشككآ في كل الأمور ما وجب منها وما لم يجب، وماذا بعد وقد تورطنا في كارثة الإقدام عليها كان أسوأ ما يجب.
……………
الأمر لم يكن سلسآ بالمرة فهو لم يكن صاحب السلطة ليدير الأمور كما يريد، كان الأمر شرسآ تفاوضآ خاليآ من الرحمة زج بنفسه وبها داخله وكله أمل أنه سيستطيع حمايتها للنهاية، هواجسه لا تفتأ تخبره أنه حمّل نفسه أثقال الدنيا حين تعهد لها بأن يعيدها سالمة إلى أرض لم يسلم من الأذى حين وطئها، كيف له أن يكون في وعده متناقض إلى هذا الحد، كيف له أن يعدها بشيء لم يستطع تقديمه لنفسه حتى، كيف يخدعها بهذا العهد وهو من أذى أحب خلق الله إلى قلبه وقد أعمته المشاعر التي حركته كما لو أنه عروس معلقة بخيوط لا يحكمها عقل ولا منطق، كيف يكون لها ما تنشده وهو مدرك تمام الإدراك أنه أبعد من ذلك بكثير، كل شيء أعتم في عينيه، غضبه من نفسه تفاقم حتى أضحت ملامحه الهادئة طوال الوقت متجهمة بشدة وهو يسير بجوارها محاوطآ إياها بذراعه دون أن يمسها، يعطيها كامل انتباهه كأنه يخشى عليها من نفسه كخشيته عليها من كل ما حوله، حقيبتها الضخمة على ظهره وآدم يغفو على ذراعه الآخر بينما يتحركا وأمامهما شريكه الذي يقودهما بحرص نحو سيارة مغلقة لتوصيل الورود وهو يقول له "ادخلها وأعطها الطفل لنتحدث قبل أن نتحرك " نظرت أصالة لرائف بخوف فطمأنها بنظراته وهو يقول لها " اركبي " صعدت أصالة إلى الشاحنة فأعطاها آدم ودفع بالحقيبة خلف ظهرها يهيئ لها وضعية جلوس أفضل وهو يقول لها ناظرآ إلى عينيها مباشرة " لا تهلعي …دقيقة وسنتحرك " هزت رأسها بطاعة وقالت بخفوت " لن أهلع فمعي السكين و إذا حاول ذلك الرجل مهاجمتي لن أفكر وسأدفع به نحو صدره بكل قوتي كما فعلت أنت مع ذلك الرجل بشقتي، لكن هل أراعي جانب معين من صدره حين أفعل ذلك أم الأمر عائد في تلك الحالات للقضاء والقدر " لم يستخف رائف بحديثها الذي أتى في غير وقته كما العادة، وكأنه إعتاد نظرتها الغريبة للأمور وتفكيرها الأغرب في كل ما يدور حولها فقال بجدية " حين يهاجمك شخص لا تفكري سوى في إنقاذ نفسك، تفكيرك في أي شيء ماعدا ذلك سيشتت تركيزك وقد يستغل خصمك هذه اللحظة للتفوق عليك " نظرت أصالة لشريكه بغضب شديد كأنه عدوها الوحيد في هذه الحياة وقالت وهي تحرك السكين كأنها تطعن خياله " لن أفكر سأطعن فقط " التقط رائف السكين بسرعة وقال " لا تمسكين السكين هكذا وإلا ستؤذين نفسك، إنه يمسك هكذا انظري كيف أمكن قبضتي منه " نظرت أصالة لكفه بتركيز وقالت " فهمت …دعني أجرب " قال معترضآ " ليس ومعك الطفل، هذا غير أمن، ربما في وقت لاحق " هزت رأسها بجدية وقالت " حسنا لكن لا تخبره أني سأطعنه فعنصر المفاجأة مهم في هذه الأمور " شعر رائف أنه على وشك الإصابة بذبحة صدرية فبينما هو يعطيها تعليمات لتستطيع الدفاع عن نفسها، كانت هي تخطط لطعن الشخص الوحيد القادر على إخراجهم من هنا بسلام لذلك تراجع خطوة وأغلق الباب عليها بحدة دون سابق إنذار ثم استدار إلى شريكه بوجه عابس يسأله " ماذا هناك " نظر له شريكه بعبوس أشد وقال " الوقت لم يسعفني للتواصل مع السيد لأنه قبل أن أفعل ذلك سنكون لفظنا أنفاسنا الأخيرة، كل ما يحدث جنون سينهي حياتنا لأجل لا شيء لذلك سأحاول أن ننتقل إلى مكان آمن وبعدها سأقوم بالتواصل معه وسنرى حينها ما سيحدث " قال رائف بعصبية " ولماذا لا نعود إلى مصر مباشرة بدلآ من المماطلة وتضييع الوقت خاصة وكما قلت أننا لسنا بأمان هنا أو في أي مكان آخر " أمسك شريكه تلابيبه يدفعه نحو باب الشاحنة المغلق وهو يهدر به " هل تظننا نلعب هنا، أنت لا تدرك مغبة ما ورطنا به، لقد دفعتني لأخذ خطوة خطرة دون التخطيط لها، لم يكن هذا ما أتينا من أجله، لم يكن من المفترض أن يحدث كل هذا، لقد وضعنا بين أنياب الوحش لذلك أصمت تمامآ ودعني أتصرف بما أراه مناسب لنخرج من تلك الورطة " أسرع رائف يدفع ذقنه بباطن كفه بعنف ليتراجع الآخر محاولآ موازنة نفسه فيعاجله رائف بلكمة وهو يقول بغضب " المرة الأولى حذرتك فقط، وهذه المرة اعتبره التحذير الأخير إذا مددت كفك نحوي ستندم وأنا لا أريد أن أؤذيك " ابتسم الآخر ابتسامة شرسة كأنه حيوان مفترس كشرعن أنيابه واندفع نحو رائف يحيط عنقه بقبضته فدفع رائف ذراعه نحوه كفه التي تضغط عنقه بحركة سريعة وتحرك يلوي ذراعه خلف ظهره ويثبته على ظهر الشاحنة وهو يقول " أنت الآن من يظنني ألعب معه " لكن شريكه لم يكن بالهين وهو يغير وضعيته مستخدمآ احترافه في ألعاب القوي لتتبدل الأدوار ويقول لرائف " نحن لن يكن لدينا وقتآ لأي شيء إذا لم تتبعني بصمت، وفر تحكماتك لنفسك، وإلا يمكنك أخذ فتاتك والرحيل الآن ولنرى كيف ستخرج من هنا وأنت مطارد بلا حماية أو علاقات قد تهون من تأزم الموقف " أدار رائف ساقه حول ساق شريكه ثم سدد بقوة ضربة بمعدته أسقطته أرضآ وقال وهو ينهت " لو أن الأمر بهذه البساطة لديك لما كنت سرت معنا خطوة واحدة، لما كنت حاولت بكل الطرق تدبير طريقة لإخراجنا من صقليه، ولتكن الأمور أوضح فيما بيننا أنا وأنت الآن مسؤولان عن حماية الفتاة والطفل حتى يعودا أرض الوطن، أنت لك أسبابك وانا لي أسبابي لكن هدفنا واحد لذلك دعنا ننهي ذلك الأمر بأسرع ما يمكن " فاجأه شريكه وهو يسحب ساقه بقوة مسقطا إياه أرضآ ليعلوه مشتبكآ معه بعنف وهو يصرخ به " أيها الوغد لقد حذرتك من مغبة تهورك لكنك لم تهتم، أنت لا تعي لشيء …لا تعي لمعني مخالفة الأوامر …لا تعي لما ورطتني معك به، ولا تعي لما أنا قادرعلى فعله لحماية نفسي من القادم، هل تظن أنك تستطيع حمايتها بمفردك …أنت واهم فلا أظنك في وقت ما ستستطيع حماية نفسك، خاصة حين تصل إلى اللحظة التي سيتحتم عليك أن تختار إما نجاتك أو نجاتها " لم يكن رائف في تلك اللحظة حاضر الذهن لحجم الكارثة التي تورط بها
لم يكن ليهتم أو يهتز بكل تلك التهديدات فهو بالماضي باع نفسه للشيطان من أجل نجاة أخرى كان السبب في وضعها في خطر محدق واليوم ربما هو الوقت ليكفر عن ذنبه ويصل للنهاية التي يستحقها، ففي النهاية الموت على شيء أفضل، لذلك بمنتهى الثبات نفض نفسه يدفع شريكه عنه بلكمة عنيفة كادت تحطم فكه فيسقط أرضآ ليعلوه رائف حينها قائلآ بشررٍ ينذر بجحيم قابع خلف تلك الأعين " حين يأتي الوقت لأختار سأختار نجاتها، لا تظن أني أهتم لتلك الحياة، أنا مستعد للموت منذ زمن وهو من يتحاشاني " وقف رائف ينفض كفيه وملابسه ثم مد ذراعه لشريكه الذي نظر له بغضب قبل أن يمسك بكفه وينتفض واقفآ يقول بجدية " إن كنت تنتظر الموت فأنا لا أفعل، إن أصابني شيء بسببك سترحب بالموت على يدي لا يد غيري " نظر له رائف بتعمق في عينيه التي تبوح بالكثير، التي تنذر وتحذر لكنه لم يستمع وهو يلتفت تجاه السيارة قائلآ " أضعنا من الوقت ما يكفي ، دعنا نتحرك " فتح رائف الباب، احتداد ملامحه وهو يتراجع مصدومآ من نصل السكين الذي كاد أن يخترق صدره فهدر في أصالة قائلآ " ماذا تفعلين " تنفست بعمق وراحة وهي تقول " لقد ظننته قتلك، لقد وصلني صوت عراك وفكرت أن عليّ قتله والفرار" أصدر شريكه صوتآ ساخرآ فحدجه رائف بطرف عينيه بغضب قبل أن يسحب السكين من يدها وهو يقول " ألم أأمرك ألا تمسكي السكين ومعك الطفل " نظرت للواقف خلفه بغضب وقالت " كنت أتدرب قبل مهاجمته، الحمد لله أنك نجوت من قبضته " تنفس رائف بعمق عدة مرات لكي لا يفقد أعصابه أكثر وصعد إلى الشاحنة يتبعه شريكه الذي أشار للسائق أن يتحرك.
…………..
بعد ما يقارب الساعة كانت أصالة تدفع عربة محملة بالورود وقد ارتدت زي عامل توصيل وجمعت شعرها للخلف ثم ارتدت قبعة الزي فوقه تحني رأسها للأمام يتبعها رائف الذي يرتدي نفس الزي ويحمل باقة ضخمة تخفي ملامحه وخلفه شريكه يتبعه بنفس الطريقة يعبرون الممر نحو الباخرة المتجهة إلى جزيرة مالطا، وبمجرد وصولهم للباخرة كان في انتظارهم رجل كبير في السن قادهم بدون أن يقترب منهم نحو غرفة تشبه غرفة المحرك ليخرج منها ثلاث رجال يرتدون نفس الملابس فتفتح أصالة سقف العربة بسرعة تخرج آدم الذي فتح عينيه ينظر حوله بجزع ويسحب رائف الحقيبة ثم يدفع بمبلغ كبير تجاه الرجل الذي قادهم فيهز الرجل رأسه باستحسان وشكر وهو يقول " ستنتظرون بالغرفة حتى نصل وبعدها ستخرجون مع عمال الصيانة الدورية " قال رائف لشريكه بجدية " كان اتفاقنا أن نجد وسيلة مواصلات في انتظارنا لتقلنا حيث نريد " نظر الرجل للمال وقال " هذا سيكلفكم مبلغ إضافي ويمكنني تأمين مكان لكم لو أردتم " نظر له رائف بحدة وقال " لا تفكر في استغلالنا والا أعطني المال واعتبر اتفاقنا لاغي " مد رائف يده ليلتقط الأموال لكن الرجل سحبها قائلآ " حسنا …حسنا سأرى ما يمكنني توفيره لكم …ستستغرق الرحلة ساعتين وربما سيمر ساعتين غيرهما قبل أن ينتهي عمال الصيانة من عملهم ويبدءون في الرحيل " تحركت أصالة داخل الغرفة فتبعها رائف الذي يقيم المكان ليقول له شريكه " وهو يرى المكان الذي سيكون به الساعات القادمة " ستكون رحلة ممتعة " لم يجبه رائف وهو يتحرك نحو ركن بالغرفة يضع الحقيبة ويقول لأصالة " اجلسي هنا " تحركت أصالة تجلس أرضآ ويجلس أدم فوق قدمها يلهو بلعبته في صمت بينما هي تحيطه بذراعيها لتبدأ الباخرة في التحرك وتبدأ معها أصالة بالشعور بدوار بدأ هادئآ لكنه ظل يشتد صاحبه تعرق شديد وشعور بالغثيان كانت تشعر أنها ليست بخير، وبدأت أفكار مرعبة تجتاح خاطرها كأنها ربما تعرضت للتسمم لكي تموت على متن الباخرة فيتخلصون من جثتها بإلقائها في عرض البحر بدون أن يدري عنها أحد، مخاوفها زادت من الأعراض التي تعتريها حدة لدرجة جعلت رائف يقترب منها سائلآ " ما بك، لماذا شحب وجهك هكذا، هل تتألمين " التفت شريكه ينظر لها بينما قالت أصالة بانفعال " أنا لست بخير، أنا لست بخير، هل سممتني، هل هذه لحظاتي الأخيرة في هذه الحياة، أرجوك لا تلقني في البحر إنه مظلم وبارد وستأكلني الاسماك، سأصبح طعاما للأسماك، أعد جثتي لأمي، أعدني لأرض العزايزة " مرر رائف عينيه عليها بجزع وهو يقول " ما بك، من الذي سممكِ، ماذا تقولين " بدأ الدوار يلفها أكثر وبدأت تتثاءب بشدة وقد هاجمها صداع شديد فقالت بهذيان " كيف طاوعك قلبك وقتلتني، لقد وعدتني بالحماية، كلكم أوغاد، لن أثق في رجل بعد الآن، محال أن أفعل، أنا لم أكن أريد الموت هكذا وهنا، أيها الخائن لقد كان لدي أشياء مهمة لفعلها …حسبي الله ونعم الوكيل" بدأ آدم يصرخ بفزع من انفعالها الزائد الذي انتهى بانهيارغريب فأخذه رائف من بين ذراعيها يحاول تهدئته ليجدها بدأت في فقد وعيها فهزها بعنف سائلآ بفزع " ما بك …أفيقي " لكنها قالت بهذيان " سأكون طعام للسمك …كما أكلته على مدار أعوام دون شفقة أو رحمة …كما تدين تدان " ضحك شريكه وقال " أنها تعاني من دوار البحر لكن يبدو أن أعراضه شديدة، احذر فقد تتقيأ عليك " التفت رائف يسأله بتوتر " كيف أساعدها " أجابه بابتسامة " أظن المهديء الخاص بك قد يساعد في تخفيف الأعراض قليلآ لكن من رأيي أنها هكذا ألطف " احتدت نظرات رائف الذي صدم من معرفته بتناوله للمهدئات ولرفضه الأسلوب الذي تحدث به عنها فسارع يخرج شريط المهديء من جيب بنطاله فهو تقريبآ لا يفارقه وأخرج قرصين وقال لها " أصالة خذي هذا، سيجعلك أفضل " لم تكن واعية ورغم ذلك جاهدت لتتمسك بباقي وعي لازال يلازمها وهي تلتقط منه الأقراص وتسأله " هل قررت انقاذي " نظر لها رائف بغضب وقال " نعم لأن لديك ما تفعلينه، أليس كذلك " هزت رأسها بطاعة وابتلعت المهدئ ليستمر صمتها خمسة عشر دقيقة كاملة بينما رائف يقف أمامها وهو يحمل آدم يراقبها بقلق وتوتر لتقول فجأة وقد ظلت علي هذيانها رغم هدوء انفعالها " اقترب لأخبرك بشيء، لأني لا أريد لهذا الشخص أن يستمع لما سأقول، ففي النهاية سيكون من قلة الذوق أن أطعنه بعدما تعامل معي بلطف واستمع لحديثي " تنهد رائف وهو يجلس بجوارها ناظرآ لأعلى بيأس وهو يضع آدم بينه وبينها ويقول " حاولي أن تنامي قليلا، سيكون هذا أفضل لك " كان النعاس بدأ يداهمها فعلآ لكنها قالت رغم ذلك " ليس قبل أن أخبرك ما سأفعله بعدما أنقذتني من الموت " قال رائف بجمود " لا أريد أن أعرف شيء، أين ذهبت قاعدة الثرثرة الكثيرة تسبب المتاعب " قالت بغضب " أنا لا أثرثر …لكني فكرت في إخبارك بشيء أخشى أن أنساه " لم يرد رائف وهو يدفع نحوها الحقيبة لتميل برأسها الذي تثاقل عليها ففعلت ذلك دون تردد وهي تقول بخفوت شديد " أنا جائعة " رجفت كلمتها قلبه الذي كان متيبسآ بين ضلوعه كأنه غصن أخضر قد جف وشاخ، لينظر نحوها بطرف عينه وهو يحمد الله أنها استسلمت أخيرآ لسلطان النوم ثم يبدأ في جلد نفسه التي لم تراعِ أن هذه الضعيفة بشر تحتاج للأكل والشرب والنوم والحماية ليقول شريكه وهو يمدد جسده واضعآ كفيه تحت رأسه " حاول أن تغفو أنت أيضا ، فتفكيرك في القادم لن يغير من الحاضر شيء " قال له رائف وهو ينظر نحوه بشك " لا تشغل بالك بي " أمال شريكه رأسه ينظر لعمق عينيه وهو يقول " حورس اسمي حورس ".
________________
بلا أسئلة سأمضي لأني أدرك أن للإجابات ثمن، وسأغلق عيني عن كافة الحقائق رغم يقيني أنها ساهدة لم يداعبها وسن، وسأتجاهل كل درب قد يعيدني نحو هوة علقت فيها مضطهد لزمن، قد لا أستطيع أن أصلح ما قد مضى لكن من المستحيل أن أترك القادم ليكن أقسى ما طالني من محن.
…………….
يقف داخل الغرفة التي احتلها بمنزل فخر بلا مقدمات أو مبررات يرمق أشياءه المنسقة بترتيب خاص وهو يفكر أن أكثر ما يجعله مرتاحآ بين الشباب هو تقبلهم له لدرجة تشعره أنه واحد منهم بدون أن يكون مجبر على تقديم تنازلآ أو دليلآ واحدآ لكي يثبت أنه يستحق ذلك، فبينهم وجد ثقة ومحبة مطلقة بلا شروط ولا أسباب قد تجعله حذر متيقظ لكل من حوله أغلب الوقت، بينهم وجد مساحة من الأمان والهدوء فقدها تمامآ منذ سنوات، هنا لا يكون عقله منهك بتفحص كل ما يدور حوله بل يكون مسترخيآ ومتحمسآ في دفع كل طاقة فكر يملكها في اتجاه واحد ليستطيع الوصول لهدف واحد، في النهاية قصته مع العزايزه تحديدآ بدأت قبل أن يدرك حتى أن القدر سيوقعه بينهم ولأول مرة يكون قدره منصفآ في أمره ويضعه حيث يستحق أن يكون، فهو يستحق أن يعيش بسلام بين بشر طبيعين كل صراعاتهم لا تتعدى صراعات بشرية مكرره منذ بدء الخليقة، حتى شرورهم تكون طبيعية فالشر الطبيعي هو مجرد حيد عن المسار، مجرد إعوجاج قابل للتعديل لتستقيم الحياة، أما الشر الذي عبره وعبر منه شيء لا ينتمي للحياة أو الطبيعة، بداخله يشعرأنه قطره من جحيم سقر سقطت على أرواح فاشعلت فيها شيء أبشع من أن يوجد بهذه الحياة، شيء يهلك كل ما يقف في دربه، أغمض حذيفة عينيه بقوة محاولآ وقف أفكاره التي تتمادى في التعمق في أمر يكره التطرق إليه، ثم تنفس بعمق مرة بعد مرة يبحث في صندوقه الأسود عن الاشياء التي تساعده على الاسترخاء فيتجمد كأنما أصبح بينه وبين الواقع عازل حتى أذنيه عزلت عن سماع أي شيء سوى بكاء طفل صغير ضحكة امرأة جميلة، صوته الصادق يقول أحبك، ثلاث أصوات لثلاث صور مرت أمام عينيه المغلقة فأبدلت حاله من أقصى الرفض والغضب لأقصي الاصرار والامل، ليفتح عينيه يبتسم مقررآ أن عليه حلاقة ذقنه التي تعطيه هالة من الغموض يمقتها ثم أسرع يخرج من الغرفة بخفة لينزل الدرج فيجد عمر وفخر يشاهدان مباراة لكرة القدم وهما يجلسان متأهبان بحماس فقال " إذا انهار أحدكم من أثر الخسارة أنا في الخدمة " قال له فخر بغيظ " أكمل طريقك، يكفيني ما أنا فيه …انظر لما يحدث إنها مهزلة " قال عمر بتعصب " تلك اللعبة لذوي الدماء الحامية يا طبيب لكن ماذا نقول " ابتسم حذيفة قائلآ " لا تقل شيء فأنا من أطفئ الحمو حين يزداد ويذهب بعقول المتعصبين أمثالك …حظ سعيد " حدفه عمر بإحدى المخدات التي تزين الأريكة التي يجلس عليها ليلتقطها حذيفة بمهارة ويقذفها نحوه وهو يخرج من الباب قائلآ " هذه بداية نوبات غضب يجب السيطرة عليها رقم العيادة معك لا تتردد في طلب المساعدة " صرخ عمر لكن حذيفة لم يبالِ وهو يضع يديه في جيبه ويسير بهدوء تجاه عيادة طاهر يلوح لفرحه التي تسير بجوار سما تجاه منزلها فتبتسم فرحه بخجل وهي تخبر سما بما يفعله فتلوح له سما بحماس، ثم يمر بمنزل ملاك الذي يجتمع أمامه الصغار ليلعبو فيلوح لهم فيبادلونه التلويح بمرح ثم يمر على أسمهان التي تجلس أمام منزل بشر تعمل على حاسوبها فيلوح قائلآ " سيدتي الجميلة " فترفع أسمهان وجهها تلوح له قائلة " أهلا حذيفة " قبل أن يعبر منزل تولين ويدفع الباب الزجاجي قائلآ للشاب بسيط المظهر الذي وقف باحترام يرحب به قائلآ " أهلا وسهلا تفضل الطبيب طاهر بانتظارك" ابتسم له حذيفة وهو يهز رأسه بتقدير ويقول " شكرا لك " ليبتسم الشاب بخجل ويتبعه قائلآ " ماذا تشرب " أجابه حذيفة وهو يطرق باب مكتب طاهر ثم يدفعه " أكبر كوب قهوة لديك وسأكون ممنون لذلك " تحرك الفتى يقول " تحت أمرك" فيما وقف طاهر يرحب به قائلآ " اهلا حذيفة تفضل " نظر حذيفة للغرفة المعدة باهتمام لأجل استرخاء المرضى وقال بمرح " أين تحديدآ " أجابه طاهر بجدية " حيث تشعر أنه المكان المناسب في كل الحالات ستجد مني الدعم والتفهم" لم ترق تلك الإجابة الملتوية حذيفة الذي احتدت نظراته لجزء من اللحظة قبل أن تلين وهو يقول " بما أني قادم لأجل العمل فمؤكد المكتب أفضل " ثم تقدم يجلس على المقعد المقابل للمكتب وهو يسأل طاهر بشكل مباشر " لقد انتظرت ردك فيما تحدثنا بشأنه لكن الأحداث التي مررنا بها الأيام المنصرمة لم تكن تسمح بأي حديث يخص العمل، لذلك جئتك لأسمع رأيك وأناقشك في كل ما تظن أنه سيعيقك عن وجودك معي رغم أني عرضت عليك الكثير من الحلول في لقاءنا السابق " لم يبادر طاهر بالرد وهو يريح ظهره للخلف ثم قال لحذيفة " أنا لن أحاول الرد عليك بحديث منمق في ظاهره لطيف وفي داخله يحمل تردد وحيرة، لذلك دعني أخبرك بوضوح أن داخلي فضول نحو إصرارك علة وجودي تحديدآ معك رغم استطاعتك اللجوء لغيري، فالكثير من الأطباء سيكونون متحمسين من أجل هذه الفكرة، خاصة مع الوعي الذي انتشر في الفترة الأخيرة فيما يخص الأطباء النفسيين، الآن باتت الأم حين تشعر أنا بنتها تحتاج لتدخل طبيب نفسي تسرع لفعل ذلك بل وربما تشاركها مراحل العلاج " تنهد حذيفة قائلآ " لقد أجبتك عن هذا السؤال من قبل، اسأل سؤالك بشكل أوضح لتجد إجابة ترضيك يا طاهر" مال طاهر للأمام ونظر إلي عينيه مباشرة يسأله " هل اختيارك لي له أسباب لم تخبرنِ بها يا حذيفة، دعنا نبقى صريحين معا، أحتاج إلى إجابة تجعلني أشعر بمنطقية قراري سواء بالموافقة أو للأسف بالرفض " نظر له حذيفة محاولآ سبر أغواره وقال " ولماذا لم تكن إجابتي السابقة كافية بالنسبة لك رغم أنها كانت واضحة جدا " زم طاهر شفتيه وقال " لأنها كانت متملقة بعكس حديثي معك الآن، فأنا لا أعد إضافة لك بأي طريقة، كل ما فعلته ذلك اليوم هو تسهيل أمر ليس بالهين لتجعلني بكل السبل أكن معك في هذا، أعطني إجابة محددة وأعدك أن أحسم قراري في أقرب وقت " أسبل حذيفة أهدابه وقال " أنا لا أضمر نحوك شر يا طاهر، توجسك مني غير مفهوم بالنسبة لي " أمال طاهر رأسه وسأله وهو يضيق عينيه " لماذا تظن أني متوجس منك" وقف حذيفة وقد شعر بداخله يتوتر من نظرات طاهر المحدقة، شعر أنه رغم الثقة التي يراها في طاهر عليه أن يحذر من ذكائه الذي يطفو إلى السطح أكثر في كل مرة يلتقيا بها وقال " لا تستهين بذكائي يا طاهر، أسئلتك، تلميحاتك، واستفساراتك جميعها تعكس توجسك غير واضح الأسباب، ورغم ذلك أنا متفهم أن ربما ذلك راجع لعلاقتنا التي تعد ليست بالقوية، عرضي مازال ساريآ وهذا سببه كما قلت سابقآ أني أحتاج حولي من أثق بهم كأشخاص وككفاءة مهنية
وأرى هذا فيك، سأنتظر ردك وأيا كان سأتفهمه " تحرك حذيفة نحو الباب فيما وقف طاهر محدقآ في ظهره ليستدير حذيفة قائلا بصدق " لكني آمل أن توافق وأنت تدرك أني أحتاجك " تنفس طاهر بعمق وقد سقط في دوامة من الحيرة والتفكير ليقول حذيفة " إذا أنهيت عملك انضم لنا بالخارج فأنا سأجمع الفتيات في جلسة دعم جماعي صغيرة، لقد شعرت أنهن فاقدات للطاقة " قال طاهر " لطفآ منك أن تدعمهم في هذا الوقت تحديدآ، وصدقني حذيفة سابلغك بقراري في أقرب وقت " ابتسم حذيفة ابتسامة لم تصل إلى عينيه وهو يفتح الباب ليجد الشاب يهم بطرق الباب وهو يقول بحماس " قهوتك يا طبيب " التقط منه حذيفة الكوب وهو يشكره ثم تحرك تجاه منزل ملاك فوجد الفتيات قد أعددن الجلسة وجالسات في انتظاره.
………..
وضعت ملاك وتولين مقاعد هوائية بألوان مبهجة في شكل دائري بحديقة منزل ملاك، لتتقدم سارة ترتدي عباءة بيضاء تتداخل بها درجات الازرق وهي تقول " أين الطبيب فلو تأخر أكثر يمكنني استغلال هذه الجلسة التي تذكرني بجمعتنا في عيد الربيع حول أكلة من السمك المملح الذي تعده فرحة والكثير والكثير من البصل " تنهدت ملاك تقول بحزن مهما حاولت مداراته لا تستطيع فهو أصبح يسكن ملامحها " هذا
تحديدآ ما أحتاج إليه، لكن أظن جارتنا التي تجعد وجهها كلما مرت بنا ستطلب لنا الشرطة إن فعلناها وحينها ستخرب جلستنا وهذا سيكون محزن جدا جدا " قالت كنزي التي خرجت تحمل كوب كبير من القهوة وتجمع شعرها للأعلى " فلتفكر مجعدة الملامح هذه في فعل أي شيء وحينها سأجعلها متنفس لكل شعور سلبي وكل طاقة سلبية توجد داخلنا " تحركت تولين تسحب كنزي نحو أحد المقاعد وتقول " فلنهدأ، أصبحنا لا نضحك ولا نبتسم كما البؤساء، ها هو حذيفة قد أتى " نظرت له كنزي وسألتها " أتظنين أني قد أستطيع الارتباط به " نظرت لها تولين بصدمة وقالت " أنت تقبلته في الآونة الأخيرة على مضض، كيف قفزنا لموضوع الارتباط " قالت كنزي " أنه المتاح حاليآ، كنت أظن أن نحسنا سيفك بعدما تتزوجين من حبيب القلب، لكن مازلنا ننتظر الفرج هذا وضع مزري " قالت سارة " تحدثي عن نفسك فأنا الرجال أمام منزلي يقفون في صفوف لكن أخي من يدفعهم للهرب ولا ألومه فسارة العطار لا تليق سوى بزينة الرجال " حدجتها كنزي بامتعاض وقالت " الصفوف الوحيدة التي تقترب من منزلك هي صفوف المخبز المجاور له، لا تجعليني أتحدث " ضحكت ملاك بخفوت فتوجهت لها الأنظار لتنظر لهم بتوجس وهي تقول " ماذا " ليقاطعهم حذيفة الذي تقدم نحوهم قائلآ " يوم مشرق يا فاتنات، كيف حالكن " قالت سارة بمرح " الطبيب يرانا فاتنات لا تفقدي الامل، فربما يكون منقذ إحدانا " ضيق حذيفه عينيه وسأل " منقذ إحداكن من ماذا تحديدآ " أجابته بمرح " من العنوسة ماذا تظن " ضحك حذيفة بقوة وهي يجلس فوق أحد المقاعد الهوائية ويقول " العنوسة أرحم لكن من الاقتراب من رجل مثلي، ثم أنا غير متاح " قالت تولين بفضول " هذا ما أسمعه منذ سنوات حذيفة، لكن أين هي زوجتك، أليس من الغريب أن تبتعد عنها كل هذه المدة خاصة وانت تحبها وتخلص لها بهذا الشكل " قال بعيون صادقة مست قلوبهن " ستعود قريبآ، أنا أسعى لذلك، وحين تعود ستجدني في انتظارها رجلآ محبآ مخلصآ، لم يرَ أنثى غيرها " قالت كنزي وهي تهز رأسها بانفعال " هذا تحديدآ ما أريده " قالت سارة " لا لا ليس نوعي المفضل " ضحك حذيفة بقوة أكبر وهو يلتقط كرة موضوعة بجانب مقعده وهو يقول " بعد تعليق الآنسة سارة المحطم لقلبي، هلا بدأنا " قالت تولين " سيكون من دواعي سروري، أعدنا فاتنات مبهجات وأزل هذا البؤس حالآ " قال حذيفة " تنفسن بعمق …بعمق شديد …فلتسير كل واحدة منكن بداخلها ….كلما شعرت أن مجالها ضيق فلتجد الاصرار لتوسعه ….فلتجد القوة لتكمل طريقها لتقف أمام تلك النقطة السوداء التي تشعر أنها تثقل داخلها ….تنفسن جيدآ …سرن بخطي صلبة …اعزلوا أنفسكم عن أي شيء عدا تلك النقطة التي يجب أن نمحوها حالآ …فهذا ليس مكانها …إنها تثقل وتحزن وتؤلم ، أنها مؤذية لدرجة تجعلنا نتغير للأسوء وهذا ما لا نريده …لا نريدها أن تتفاقم داخلنا فتغيرنا وتقضي بداخلنا على كل شيء جميل ….خذوا وقتكم كامل في إدراك أسباب وجودها والوقوف أمامها وجها لوجه قبل أن نمحوها تمامآ " الهدوء المحيط والنسيم العليل والضغط الذي يرزخن تحته منذ أيام جعلهن يغرقن في داخلهن وكل واحدة منهن تقف أمام أشباحها وجهآ لوجه ليقول حذيفة " الآن تحديدآ، فلتغق كل واحدة منكن قبضتها على تلك النقطة وتنزعها بقوة وهي تفتح عينيها لتلقيها هنا في هذا الضوء الذي سيقضي على سوادها وسيجعلها تتلاشى " قبضت كل واحدة كفها بقوة وقد تفاوتت بينهم المشاعر، فكنزي كانت غاضبة وملاك خائفة وسارة رافضة وتولين حزينة ليفتحن أعينهن حين قال حذيفة " لنعد بها للنور الآن " نظرن لبعضهمن كالعائدات من رحلة مرهقة فقال حذيفة " الآن تنفسن براحة، محو تلك النقطة هو سبيلكن للراحة …استرحن …اهدأن …تنفسن كل شيء سيكون بخير …كل شيء سيكون أفضل بكثير "
نظر نحو تولين وقال " تولين هل تريدين وأد تلك النقطة المظلمة في هذا النور وأنت تتحدثين عنها " رفعت تولين كفها المطبق وعينيها تمتليء بالدموع وقالت بصوت مرتجف " أنا لا أطيق الحزن، أشعر أني حزنت فيما مضى عن كل أعوامي القادمة، ولكن ….صمتت تتنفس بعمق ثم أكملت " منذ تلك اللحظة التي علمت بها أنه هناك من يطالب بحضانة رحيل بشكل قد ينزعها مني وأنا أشعر أني مهددة بأن أعود حزينة، كما أن اللحظة التي ظننت فيها أني سأفقد كنزي وسارة جعلت ذكريات مؤلمة تتحرر بعدما سجنتها في أقصى عقلي لكن أبدآ هذا لن يحدث لن يسلبني أحد ما أحب ثانية لن أحزن مجددآ مهما حدث " تنفست بانفعال وبدأت تبكي وقد مثل حديثها صدمة للجالسين ليقول حذيفة " هذا الإصرار كل ما تحتاجينه لجعل القادم أفضل، لا داعي للبكاء تولين فكل من تحبيهم حولك ويبادلونك الحب بأشد منه وأقوى، اطمئني" ابتسمت تولين من بين دموعها تنظر لوجوه الفتيات ثم تنهدت براحة لينظر حذيفة تجاه سارة ويقول " وأنت سارة هل نزعتي تلك النقطة من مكانها ومستعدة للفتك بها " تنهدت سارة بعمق وهي تفتح كفها كأنها تحرر شيء كان يجثم داخلها وقالت " أنا مازلت لم أتقبل شعور الضعف الذي ملأني حين تعرضت للهجوم مع كنزي، رافضة جدآ لحقيقة كوني كنت في خطر حقيقي وقد امتدت نحوي يد باطشة لوغد آلمني بشكل مهين، لم أتخيل قط أن هناك يد قد تمسني يومآ وحين حدث شعرت بإهانة وضعف أرفض أن يوجدا داخلي لقد قضيت أيام كلما تألمت أو نظرت لنفسي في المرأة تئن كرامتي وأتمنى لو ملكت سكينآ ودفعته بقلب ذلك الوغد " لم تبكِ سارة بطبيعتها المتماسكة لكن تأثرها كان واضحآ بشكل جعل كنزي تكسر حاجز الصمت وتقول " لقد قتلته من أجلك، يستحق ذلك " وقفت سارة وتقدمت نحو كنزي تنحني لتضمها وهي تقول " لن أنسى لك ذلك، لقد كنتي شجاعة " ضمتها كنزي قائلة " بل أنت من كنت قوية ثابتة لأخر لحظة، لقد نجونا بفضلك " انهارت تولين في البكاء وهي تقترب نحوهما تنضم لهما وهي تقول " أنا أيضا نجوت بفضلكن " نظرت الثلاثة نحو ملاك التي مازالت تطبق كفها وهي تبكي بشدة فاقتربت منهن ليقول حذيفة " حسنا لا مانع من مقاطعة الجلسه من أجل عناق داعم جماعي …ورغم بكائكن المريع مازلتن فاتنات " ضحكن من بين دموعهن بصخب دفع عمر الذي أطفأ التلفاز بعبوس وقد انهزم فريقه هزيمة أشعلت مراجل غضبه للتحرك نحو الخارج ليبتسم بسعادة وهو يرى أخته تحظى بمحبة ودعم الفتيات فأخرج هاتفه واقترب منهمن مسرعآ يقول " دعوني أخلد هذه اللحظة " ثم التقط لهن صورة كانت غريبة التفاصيل جميلة المحتوى وعميقة المعنى
جعلته بلا تفكير يسارع بنشرها على صفحته الشخصية مرافقآ إياه بجملة كانت كسهم مصوب يتمناه أن يصيب كل شخص يظن أن أخته منبوذة لا تجد الحب ولا تحظى بدعم العائلة فكتب " بعد كل محنة تمر بها جوهرتي حمراء الشعر، يجب أن أرى هذا المشهد، كم يسعدني أن تحظى بعائلة كبيرة تمنحها من الحب والدعم الكثير …وتدفعها للابتسام حتى عند البكاء ".
…………..
في نفس الوقت
كان شاهين قد انتهى من ارتداء ملابسه والتقط هاتفه الذي كان مغلقآ ليوم كامل وقد التهى عنه بكل ما حدث له، يفتحه وهو يتحرك نحو شرفة غرفته ينظر للعمال الذين يعيدون ترميم الحديقة التي خربت تماما أثناء هجوم الشافعية على منزلهم، فيبتسم حين يجد سيدرا تساعدهم بينما جوري التي تجعل العمال في حالة رعب وتوتر تجاورها فغمز لها ثم نظر إلى هاتفه الذي بدأ يتعالى رنين الاشعارات والرسائل التي تصله إليه ليضغط الاشعارات فيكون أول ما يراه منشور عمر الذي استوقفه بشكل إجباري ليدقق النظر في تلك الصورة التي بدت عفوية وحية بشكل كبير، لأول مرة ينظر نحو أمر يخص كنزي ويدقق بلا غضب به لكنه أدرك السبب وعينيه تحيد نحو تلك التي تبتسم باتساع فتغير فجوتين في وجنتاها لم يرَ في عمقهما من قبل ، كانت دامعة الأعين لكنها لا تبكي مثل الباقيات كانت ترفع رأسها بقوة فطرية أثبتت له أنها تملكها أكثر من مرة، بعيون ثابتة مليئة بالكبرياء والكرامة ونظرات يرى فيها جموح روحها القوية كأنها شيهانة جارحة.
________________
معضلتي أني أجسد أبعد مراحل الاختلاف في عالم لا يقبل مطلقآ بالاختلاف، لا يقبل أن يعترف بي ككيان حر مهما كنت عصي الإيلاف، إني أرفض أن أكون طيفآ يحدد قدره بالاتصاف، أرفض أن تكون قيمتي في نظرة تزعز روحي وتنشر بي سقيع يقودني للارتجاف، فأنا عظيمة في كوني متفردة …ويبقى للعظماء صدي يخاف.
…………..
تجلس داخل صومعتها شاردة يلفها الصمت فعقلها اليقظ على الدوام لم يتخطَ صدمة اللقاء بعد، ربما تماسكت وتعاملت بحكمة فرضها عليها الموقف ودومآ ما تتبعها في حضرة حكم لتثبت له أنها تستحق الثقة المطلقة التي يمنحها إياها، لكن ذلك التعقل كان مجرد ثبات انفعالي تدربت عليه كثيرآ لكي تسيطر على المواقف حين يتحتم عليها ذلك فدورها داخل إمبراطورية حكم يجعلها الضلع الأهم والأكثر تأثيرآ وسيطرة على المواقف، تحركت يهدين نحو شاشات المراقبة وفعلت برنامج البحث لتجد حكم يجلس على كرسي مكتبه الضخم وقد تخلى عن سترة بدلته وربطة عنقه يدخن سيجاره وهو ينظر في الفراغ من حوله ويبدو على ملامحه الفكر والكرب الشديد فتأملته للحظات بنظرات غاضبة ثم التقطت هاتفها وهمت بالذهاب إليه لتتوقف أقدامها وتتراجع في قرارها فغضبها منه ليس بالهين لتتناساه وتذهب إليه لتشاركه همومه هو الذي لم يشاركها تخطيطه لجمع زمرة الماضي ولولا أن الصدفة لعبت دورها ما كانت علمت، كيف استطاع تهميشها بهذا الشكل، في ماذا تحديدآ كان يفكر رنين هاتفها انتشلها من دوامة أفكارها لتجيب بحنق " أهلآ وسهلآ بالتي قررت الظهور أخيرآ، أين أنت يا ست البنات، ليوم ونصف لا أعرف عنك شيء، انظري كم هاتفتك ولكنك لم تجْبي " أجابتها فاطمة بهدوء ومحبة " كنت أعلم أنك ستنفجرين بي لكن حين أخبرك بما حدث معي ستفهمين كل شيء، لكني لن أتحدث قبل أن تخبريني بكل تفصيلة مررت بها بالستة والثلاثون ساعة المنصرمة، اعترفي " زمجرت يهدين قائلة " أعترف بماذا تحديدآ، فكل ما حدث يجعلني عصبية متوترة أوشك على البكاء، وكل هذا لا يقارن باللحظة التي تعرضت فيها لمحاولة قرصنة عنيفة اضطرتني لاستخدام التطبيق الأمني الجديد لأن المخترق استطاع عبور كل الأنظمة الأخرى " سألتها فاطمة بذهول " متي حدث هذا وعلى ماذا انتهى الأمر " أجابتها يهدين بعصبية " يوم الحفل، لقد ضيع علي متعة المشاهدة، ليكتمل الأمر بحكم الذي كان يخبيء لي مفاجأة لم أتخطّها حتى الآن " سألتها فاطمة بتوجس " مفاجأة مثل ماذا " قالت يهدين بتعنت " لن أفصح عن كلمة واحدة حتي تخبريني لما اختفيت تماما حتى مكالماتي لم تجبين عليها " صمتت فاطمة للحظات قبل أن تقول " لقد ذهب خالي لاخوتي واخبرهم بأمري " توسعت أعين يهدين وسألتها " وماذا حدث هل قابلتهم " أجابتها فاطمة " بل أكثر من ذلك بكثير، فأنا حاليآ أعتبر مقيمة لديهم منذ يوم كامل بعد مشادات كلامية لا تحصى، ومواقف مريبة لم أتخطْها بعد، يا إلهي كل التفاصيل التي مررت بها في تلك الستة وثلاثون ساعة كفيلة بجعلي أحقد على البشرية بأكملها لكني سأحاول توجيه حقدي لشخص واحد حاليآ لانه أكثرهم بغضا " سألتها يهدين بتوتر " أهو أحد إخوتك، هل لا تشعرين بالأمان بينهم، فاطمة أنا أستطيع مساعدتك لو أن وجودك بينهم سيؤذيك، تعلمين أني أتمنى أن تظلين بجواري تبددين قليلآ من وحدتي هذه، فكري بالأمر بجدية " قالت فاطمة " عدنا لأحلام اليقظة ، يهدين بربك كيف تفكرين هل سأتى إليك لأقيم في منزل حكم المنصوري الذي يعد رجل غريب لا تجمعني به صلة ولا معرفة، أنت هكذا تعجلين بموتي لأنهم سيصرون على قتلي محوآ لعارهم …ثم ضحكت فاطمة بسخرية قائلة " ثم تلك العائلة يوجد بها كائن ضخم بغيض يرهب الفتيات بدون أدنى سبب ولا يعتذر، ما بالك لو وجد سببآ قويآ لفعل ما هو أشد ….يا إلهى دمائي مشتعلة منه " سألتها يهدين " من هو ….وما هو انطباعك عن إخوتك " قالت فاطمة برفض " لن أتحدث أكثر حتى تخبريني عن مفاجأة حكم ، وهل استطعت تتبع ذلك الذي حاول قرصنة نظام المعلومات لديك " تنهدت يهدين قائلة " لم أستطع، لكنه ند شرس، أفكر في التفرغ التام في الأيام المقبلة لتتبعه، كدت يومها أن أفقد وعيي من الخوف لكن الحمد لله مرت الأمور بخير، وبالنسبة لحكم الأمر وما فيه أنه خطط لحضور أشخاص لم أتوقع قدومهم للحفل، صدمني وجودهم وصدمني أكثر إصراره على إخفائهم، لقد علمت بوجودهم عبر الصدفة وهذا آلمني وأزعجني بشدة " سألتها فاطمة " هل هم أشخاص مهمين بالنسبة لك " قبل أن تجيبها يهدين اهتز هاتفها ينبأها لوصول رسالة من حكم فتفقدتها لتجده يطلب منها مقابلته بالمكتب فقالت لفاطمة " حكم يريدني، أنا مضطرة لإنهاء المكالمة الآن، فأنا واثقة أنه فكر كثيرآ قبل استدعائي لأنه يدرك موقفي مما فعله، لكن فلتخبريني هل يوجد بين إخوتك شخص لطيف" أصدرت فاطمة همهمة تفكير وقالت " يوجد شخص لطيف جدآ جدآ وآخر يحاول قدر استطاعته، واثنان لا أمل منهما لكن لماذا تسألين " قالت يهدين " بما أنك أصبحت بالعاصمة ولديك أخ إذآ لا مانع من دعوتك لزيارتي وليرافقك أخيك لا أمانع سيجد بالمزرعة كل أدوات الترفيه التي تجذب الشباب، سيقضي وقت ممتع وسأستطيع أن أريك صومعتي أخيرآ ونقضي يومنا معآ، ما رأيك " تحمست فاطمة للفكرة ورغم ذلك قالت " لا أعرف هل سيقبل عيسى مرافقتي أم لا، لكن سأكلمه في هذا بالتأكيد فلدي الكثير مما لم أخبرك إياه " قالت يهدين " وأنا أيضا لذلك حاولي باستماته، سيكون هذا رائعآ …أراك على خير " أغلقت يهدين الخط ثم تحركت بخطوات عصبية من باب داخلي لغرفتها تستخدم الممرات السرية متوجهة لغرفة المكتب.
……………
كان حكم معزولآ في أفكاره التي عادت به حيث بدأ كل شيء، كان يقف مواجهآ لكل ظلام عبر داخله ونجا منه، لكل لحظة ظن فيها أنه سيسقط وأنها ستكون النهاية، لكل وجه مر عليه عبر تلك السنوات وشهد بعينه وداعه إما على يديه أو أيدي أخرى يكاد لا يحصيها، كل شيء تذكره كان يمثل له حجيم يهدده بالعودة وابتلاعه وهذا ما لن يسمح به، إن كان نهايته قد خطت أخيرآ فلقد قرر أن يرحل بسلام، فهو لن يعيش مفنيآ حياته في صراع وسيموت وهو مازال يصارع، ألا يستحق ذلك، فبرغم كل ذنوبه وآثامه تبقى له نقاط بيضاء في صحيفته يستحق عليها أن ينال ما يتمناه ولو لمرة واحدة في عمره، فهو رغم ما حدث بالماضي ظل بداخله جانب مضئ استطاع مع الوقت أن يجعله الجانب المواجه للعالم حاجبآ الظلام في أقصى مداه لكن ها هو يهدده بالعودة، نفث دخان سيجاره الكثيف ليأتيه صوتها تقول " أطفيء هذه الحريقة فأنا لدي حساسية وأنت تعلم " اعتدل حكم يطفيء سيجاره وهو يقول بيأس " يهدين ما الممتع في التسلل داخل الجدران وانت في منزلك، لقد تعبت من لفت نظرك لتلك النقطة، هل تعرفين مثلآ كيف تطرق الأبواب، كيف تدار المقابض ولماذا توجد الجدران، إنها لحماية الخصوصية لأن منازلنا هي المكان الوحيد الذي نحظى فيه بأكبر مساحة من الخصوصية " تجهمت قائلة " حكم من فضلك أخبرني لما طلبت رؤيتي دون مماطل ، فأنت تدرك أن المكان الوحيد الذي تحظى به بالخصوصية داخل هذا المنزل هو حمام غرفتك، أنا وإن لم أدخل الغرفة من الجدار، أدخلها من خلال الكاميرات الموضوعة في كل مكان، ثم لما أضيع وقتي في طرق الباب وإدارة المقبض لاقف أمامك ها أنا وفرت وقتك ووقتي، لذلك من فضلك أخبرني لما طلبت رؤيتي " سألها حكم وهو يجمع قبضتيه فوق المكتب ينظر نحوها بتفرس " لماذا تتجنبين رؤيتي منذ الحفل " قالت يهدين " هذا أفضل حكم، فأنا غاضبة منك واريد أن أخذ وقتي بعيدآ عنك حتى أهدأ " اهتزت نظراته ومر بخافقه غصة قوية قبل أن يقول " كيف لعائلتي بأكملها أن تغضب مني وتتجنب رؤيتي هذا يعد قاسيآ منك يهدين " قالت بغضب " بالعكس يا حكم، أنت من يعد قاسيآ حين تخطط لشيء كهذا دون علمي، تخطط لاحضارهم جميعا هنا، كيف كنت ستشعر حين يرحل سراج بدون أن أراه، أتعلم ماذا تعني أنه مر سبع سنوات منذ آخر مرة التقيته، أنا أتشبث بذكرياتي معه لكي لا تتهاوى مني داخل عزلتي، أنا كنت أحتاج للقاءه كثيرآ ورغم ذلك لم أثقل عليك بطلبي ولم أشكٌ إليك، أنا أحاول بكل الطرق أن أكون ناضجة وعلى قدر المسؤولية لكي أبقى دائما عند حسن ظنك، تتوقف حياتي وأهدافي على إبهارك والعمل على راحتك لماذا لا تعاملني بالمثل " نظر لها حكم بصدمة وقال " أنت غاضبة بشدة " زمت شفتيها وتوسعت عينيها تسأله " هل تسخر مني " وقف حكم يتنفس بعمق وهو يضع يديه في جيب بنطاله ويقول " لا يهدين، لكنها المرة الأولى التي أرى فيها غضبك يصل هذا الحد، أنا مستغرب جدآ أنك لم تفكرِ ولو للحظة أني ربما أملك أسبابي لعدم إبلاغك لعل ذلك ساعدك لتهدئي قليلآ " قالت برفض " أيا كانت أسبابك حكم لن أقبلها، ألسنا معآ في كل شيء، ماذا حدث …ماذا تغير لقد كنت أقف أمام كيان للحظة شعرت أني مؤكد أهذي، حين ضمتني تلك اللحظة كانت كفيلة بجعلي لأول مرة غاضبة وحزينة منك، منك وحدك حكم " اقترب منها حكم لكن ظلت المسافة الفاصلة بينهما تساوي أقدام لا حصر لها وأحنى رأسه قائلآ " لقد كنت خائفآ عليك، لا مبررآخر لدي إنها الحقيقة فكل ما رأيته وكل ما سمعته يومها كنت أخشى أن يربك عالمك الهش المتصدع الذي تتخلين عن عمرك الذي يمر بداخله كأنك في صراع للوصول للنهاية " شعرت يهدين بالذنب قليلآ وتحركت تجلس على المقعد المقابل للمكتب وهي تقول " أنا لن أنكر أني مشوشة وخائفة لكن ربما لو تلقيت هذا منك تحديدآ لكنت أكثر ثباتآ وثقة، لقد شعرت يومها أنك خدعتني كما لم أفعل بك من قبل، أتدري حكم كيف هو الإحساس حين تجد عائلتك بأكملها تخدعك " جلس على المقعد المقابل لها وقال " لم أقصد سوى حمايتك، لكني أعتذر لك، هل تريدين أن نتحدث فيما حدث يومها " نظرت له بعيون قد انمحى منها كل الغضب وظل التوتر والخوف يتسيدان المشهد وهي تقول " نعم أريد أن أفهم كل شيء، هل نحن في خطر حكم " نظر لها مطولآ قبل أن يفصح قائلا " أظن ذلك يهدين " سألته بلهفة " بسبب ما فعله حذيفة " تنهد قائلآ" حتي الآن أظن ذلك، لقد أصبحنا مهددين بالكشف في أي لحظة " سألته بصدمة " ماذا سنفعل الآن، حكم أنت لا تفكر في أرض السيد، أنت لا تفعل صحيح " تنهد حكم قائلا " لا سبيل أمامنا غير المواجهة، علينا إنهاء هذا الأمر وإلا سنظل مهددين " وقفت بحدة تقول " كيف تفكر في أمر كهذا ، أليس من الأسهل مواجهة حذيفة بالحقيقة كاملة والسيطرة عليه ومحاولة تحجيم الأمور أفضل بكثير، أمر حذيفة أنت من أهملته من البداية بل جميعكم " أغمض حكم عينيه قائلآ " لم يعد هذا الأمر واردآ خاصة وأن هناك كارثة أقوى وأكثر تعقيدا وخطورة " لم تستطع سؤاله عن مقصده تركت الصمت ليغمرهما معآ، تركت الهدوء ليجتاح أركان الغرفة وهي تعود لتجلس على مقعدها تنظر لعينيه ويبادلها النظر كأنهما قطبين يتجاذبان نحو نقطة ضحلة من الأفكار الواعرة
وبعدما مر من الدقائق الكثير سألته " هل نحن في خطر حكم" كأنه لم بجبها بإجابة قاطعة منذ دقائق، كان يدرك أن السؤال مختلفآ تمامآ عن سؤالها الآخر، مختلف في المغزى والمشاعر التي يحتويها لذلك قال بهدوء " لا يوجد خطرعلينا سوى من أنفسنا يهدين ….تأكدي من ذلك " لم تكن الإجابة التي تنتظرها ورغم ذلك شعرت أنها اكتفت بل واختنقت فتحركت نحو باب الغرفة ليسألها حكم " إلى أين " أجابته دون أن تستدير نحوه " أفكر في امتطاء فرسي " وقف وتحرك نحوها قائلآ " أنا أيضا خذيني معك " فتحت الباب وتحركا معآ تحت نظرات الخدم التي يسبب لهم ظهور يهدين من اللامكان الرعب دائما ولكنها لأول مرة لم تكن واعية لنظراتهم، بل ولم تكن تبالي سوى بأن تنطلق تحت رحاب سماء ربما تشتعل بداخلها نيران الجحيم عما قريب، لقد كانت تسرع بالركض نحو ذكرى ربما تحتاجها يومآ ما وبداخلها رضا كبير أن حكم قرر مشاركتها إياها.

بعد قليل…..

كانت يهدين تنطلق على فرس بيضاء لكنها لا تنافس بياضها فقد بدت تحت أشعة الشمس كأنها تضوي بهالة صافية لا يعكرها شيء، تبتسم وهى ترفع ذراعيها بالهواء الطلق
كأنها تتحرر من ضغوطها فاقترب منها حكم يسألها قائلآ " أين تضعين لي أجهزة التعقب يهدين، من المخجل أن أكون في سني هذا موضوع تحت الرقابة " اتسعت ابتسامتها وكان هذا كفيل بجعله يسترخي متنفسآ يستمع إليها وهي تجيبه " سأخبرك حين تخبرني لما دفعت هذا المبلغ المهول في تلك اللوحة التي أهديتها لتلك الفتاة ….والأهم حكم ماذا كانت تفعل سيادة هنا " تحرك بفرسه يجاورها وتحركا جنبآ لجنب بهوادة يتحدثان كثيرآ دون أن يشعرا بالوقت.
_______________
تتبدل المواسم حين نقترب، فلقربنا منذ الأزل موسم طاغي السمات حزين، موسم لم يزرنِ يومآ حتى رأيته يخرج من طرف عباءتك التي دومآ ما أخفت رجفة صدرك عالي الأنين، موسم شمسه المضيئة تمطر حمما تفل في طريقها كل نبض وضعته في مأمن حصين، موسم لا يكتفي من دموعنا التي مهما سالت لا تنبت زهرآ في دربنا ولا تهون من قسوة ما نقش على الجبين. …….
مر من الساعات ما مر، لكنها لم تشعر بما مر باقية في ذلك الاجتياح الذي طالها من صدمة اللقاء، كم كانت السنوات حاجز منيع بينها وبين أشخاص كانوا يومادآ العالم وما فيه، وكم تهاوى ذلك الحصن في لحظة لم تكن تعد لها أي حساب، لن تنكر أنها أدركت أن الدعوة تخص حكم، كانت أقصى توقعاتها أنها ربما تستطيع أن تسأل وتطمئن على أخيها وعليه وعلى البقية، هي لم تكذب حين أخبرت حكم أنها لا تكرهه، بل هي لا تحمل شيء بداخلها ضده ربما تهابه لكنها رغم ذلك مازالت كلما تذكرت ذلك الآلم الناخر الذي فتك بها حين اخترقتها تلك الرصاصة التي جعلت بينها وبين الموت شعره تحجم أفكارها بقوة وتفتح كتاب أسرارها وتبوح بما يأخذ له ألف عذر بل ويجعلها تشفق على حاله، كم تتمنى له السلام والهدى، كم تتمنى أن يتخطى كل ما يؤلمه ويعيش سعيدآ راضيآ ويتركها لتتعامل مع ندوبها وتحاول هي أيضا أن تحيا، ليته يفهم أنه عقبتها الاقوى التي تقف بينها وبين الحياة، لكن منذ متى كان فياض يسمع، لو أنه يسمع ويفهم لتغير الكثير لربما حينها استطاعت أن تمنحه كل ما يصبو إليه، لكن كيف لها أن تقع في فخه وهي أكثر من يدركه ويدرك قسوة قبضته التي لا تفلت إذا أحبت بل تسير بقانون مخيف فإما أن تمتلك وإما ما ليس لها لن يكون لغيرها، مخيف هو كغرفة شديد الظلام يملأها حسيس لأنفاس لا هي تدرك ولا هي تقطع لكنها تعجل بالموت من شدة الفزع، تأوهت كيان وقد هاجمها صداع عنيف من شدة الفكر الذي لا يتوقف فقالت لها لمياء بقلق " ما بك لا تبدين بخير، أنا أشك أنك ربما التقط عدوى من الحفل بدأت أثارها بالظهور، عليك زيارة الطبيب " قالت كيان التي تجلس أمام رزمة عالية من الملفات وهي تدلك جبينها " أنا بخير، أريد فقط الانتهاء من كل هذا، ملفات العلاج وطلبات الفتيات، مصروفات الدراسة ونواقص الدار، كل شيء تكدس في الفترة الأخيرة عليّ الانتهاء منه في أقرب وقت " نظرت لها لمياء وقالت " كل شيء سينتهي إن لم يكن اليوم فغدآ، اهدئي واذهبي لتستريحي قليلآ، خذي حمام ساخن طويل، وربما مشروب دافئ يساعدك على الاسترخاء، وأغلقي عينيك عازلة عقلك عن كل شيء يفكر به، واغفي قليلآ، ربما حين تأخذين قليلآ من الراحة تصبحين أفضل " تنهدت كيان تنظر للملفات بتوتر وتردد وفكرة أن تغفى قليلا وتوقف عقلها الذي أنهكها من شدة التفكير كانت مغرية جدآ لكن تعالى طرق على الباب جعلها تتنهد بإحباط وهي تقول " تفضل " دخلت دولت تقول بابتسامة " السيد فارس بالخارج ويريد رؤيتك " توترت كيان وأحنت وجهها تداريه في كفيها كأنها تعلن بصمت أن ما تمر به لم يكن يحتمل زيارته المفاجئة فسألتها لمياء الجالسه على المقعد المقابل للمكتب " ما بك كيان، إن كنت لا تريدين مقابلته أخبريني وسأخرج له بنفسي وأعتذر له بدلآ منك معللة له الأمر بأنك مريضة، هل تغيير حالك منذ عودتك من ذلك الحفل له علاقة بفارس، هل ضايقك " جزعت كيان مما تسمعه وردت مسرعة " ماذا تقولين، بالطبع لا …فارس رجل محترم جدآ، كل ما في الأمر أني مضغوطة وأحتاج أن أرتاح، لنؤجل كل هذا للغد " ثم وقفت بتوتر تقول " سأخرج لمقابلة فارس وبعدها سأذهب لأستريح بغرفتي، المهم لا أريد أي تهاون في جدول الفتيات، نحن مقبلين على دراسة وضغط وعليهن التعود على تنظيم وقتهن منذ الآن " استغربت لمياء من خروج كيان لمقابلة فارس بدلآ من دعوته للدخول إلي المكتب، كأنها لا تريد قدميه أن تطأ الدار ورغم ذلك وقفت تحمل الملفات وهي تقول " لا تقلقي أبدآ، نحن نسير على تعليماتك، وكل شيء تحت السيطرة، استريحي الأن وغدآ سنتحدث في كل شيء " هزت كيان رأسها وتحركت نحو الخارج بخطوات تخشى التقدم، خطوات مرتجفة مترددة خاصة وذكرى ما حدث حين خروجها من المجمع التجاري برفقة فارس لا يبارح عقلها الذي يدور بلا توقف …إنها مجهدة ومضغوطة وتعاني بصمت، كم تتمنى لو تستطيع الخروج من هنا والسير دون توقف حتى يتمكن منها التعب لتسقط نائمة بلا تقلبات أو محاولات تبيت كلها بالفشل، تنهدت وهي تنظر لفارس الواقف بتوتر داخل حديقة الدار، ينظر بساعته وهو متجهم الملامح ليرفع وجهه نحوها فيتلاشى عبوسه وتتسع ابتسامته يناظرها بشوق واهتمام وقلق وقد لاحظ شحوب ملامحها فتقدمت منه تقول " أهلآ فارس، كيف حالك آمل أن تكون بخير " نزع فارس نظارته الشمسية
وهي يدقق النظر فيها مجيبآ إياها " أهلآ بك كيان، تبدين متعبة، هل أنت بخير " هزت رأسها بحركة مفتعلة وأجابته " بخير الحمد لله، سعيدة برؤيتك، هل أتيت لتخبرني عن الفتاة الجديدة، الأمور تحسنت كثيرآ ويمكنني الآن السعي فيما يخصها، هل هي بخير " قال فارس بجدية " لا كيان، ليس هذا ما دفعني للقدوم، لقد أتيت لأعرف لماذا تتجاهلين مكالماتي منذ أن كنا معآ، هل صدر مني تجاهك ما يدفعك لأخذ هذا الموقف، أنا أخذت إذن من عملي رغم أن ظروف العمل هذه الفترة لا تسمح وجئت لأراك وأفهم منك ما يحدث".
دلكت كيان جبهتها وقالت " أنا أعتذر منك فارس فأنا لم أتعمد تجاهل مكالماتك لكني انشغلت جدا هنا، كان لدي الكثير من الأمور المتكدسة التي تحتاج إلى المال والحمد لله أعمل عليها حاليآ، أتمنى أن تعذرني " حدثه أخبره أنها ربما أفصحت عن جزء من الحقيقة لكن مازال بداخلها السبب الاقوى عالقآ لا تستطيع الإفصاح عنه لذلك كان حاسمآ واضحآ وهو يسألها " هل ما حدث يوم المجمع التجاري أخافك مني كيان " تلجلجت فعن ماذا يسألها تحديدآ ومن أين تأتي بشجاعة لتجيب حاولت السيطرة على تخبطها وإيجاد ما يسعفها من إجابة تستطيع إنقاذ الموقف لكن بدلآ من ذلك كان وجهها يعكس انفعالات عدة لذلك سارع قائلآ " أيمكننا الجلوس لنتحدث، لا تبدين بخير وأنا أريد أن أوضح لك بعض الأمور " هزت رأسها بطاعة وهي تتحرك تجاه جلسة الفتيات بالحديقة فيجلس فارس وتجلس هي بعيدآ عنه بعدة مقاعد لكن مقابلة له تمامآ وقالت " فارس أنا….قاطعها قائلآ " لن أطلب منك عدم الخوف خاصة وقد تأكدت أن هناك من ضرب إطارات السيارة بسلاح ناري و للأسف الكاميرات لم تكن كاشفة ملامحه بشكل يوصلني إليه ورغم ذلك أريدك أن تتأكدي أن من يضمر لي سوء لن ينتقم من سيارتي، كل ما هناك أني حاليا أعمل على قضية بين عائلتين من كبار عائلات البلد لكن بينهما ثأر قديم وعداوة شديدة وللأسف الشديد في أخر معركة بينهم زج بفتاتين أعرفهما بشكل شخصي وذلك دفعني لأكون منحازآ بعض الشيء لطرف منهما لكن صدقيني هو انحياز يقيني أن هاتين الفتاتين لا علاقة لهما بما يحدث ومؤكد هذا أجج حقد الطرف الآخر نحوي و هذا وارد جدآ كل يوم في عملي مع كل قضية وكل متهم أتعامل معه، لا تقولي أنك من النساء التي من السهل أن يصيبها الهلع فدومآ ما رأيتك صلبة وقوية " لم تكن قادرة على تصديقه والاطمئنان، فحين خرجت برفقته من المركز التجاري ورأت السيارة، شعرت كأنه يقف أمامها يعلن عن وجوده وعن غضبه وثورته، لأيام ظلت ممزقه ما بين حديث حكم الذي طمأنها وما بين ما حدث، فهل من الممكن أن يكون خوفها منه دفعها لتتوهم أنه هو من فعل، تكاد تقسم أن عقلها صور لها ما حدث كأنها كانت تقف بجواره حين فعل ما فعل، فهل من الممكن أن يكون كل ذلك وهم لا أكثر، نظرت لفارس وسألته " هل أنت متأكد " ابتسم لها قائلآ " متأكد من ماذا كيان " تنفست بعمق وحاولت استعادة السيطرة على نفسها وقالت " أنك بأمان ممن فعل هذا، لن أنكر فارس أن الأمر أفزعني، أسفة إن كنت تجاهلت مكالماتك متعمدة لكني لا أجيد التعامل مع شعور الخوف فهو حين يتملك مني يبتلعني، عليك أن تكون حريص على نفسك أكثر " انحني فارس للأمام ينظر في عينيها بأمل وهو يقول " إذآ شحوبك وتوترك هذا وكل حالك المنقلب الذي آراه هو من أجلي "
ضيقت عينيها تحاول أن تستشف مسار الحديث الذي وجدت فيه منقذآ من مبررات لا تستطيع الإفصاح عنها لتقول متهربة من إجابة ستدفعها لا محالة للكذب " لكن من الفتاتين اللاتي تجمعك بهما معرفة شخصية " رجف قلب فارس من سؤالها وقد ظنه سؤال خرج بداخل غيرة أو على أقل تقدير إهتمام فأجابها بسعادة " ما دمنا وصلنا إلى هذه النقطة ما رأيك أن أعزمك على الغداء بالنادي، لتقابلي جيجي هانم وربما والدتي أيضا، دعينا ناخذ هذه الخطوة كيان واتركي كل القادم ليأتي على مهله لن أتعجلك أبدآ، حاليآ خطوة واحدة كفيلة باسعادي واشعاري أن هناك أمل " تاهت من مطلبه كل شيء تداخل وتضارب، خوفها وجوده وحديث حكم، كل شيء كان يأخذ مسار منفرد فلا تقوى على جمع المسارات ورسم خط واحد لتسيرعليه لذلك جازفت فربما السكينة والطمأنينة لا تحتاج منها سوى المجازفة فقالت بخجل وتوتر شديد " ليس لدي مانع يا فارس، لكن هذا كما قلت مجرد خطوة والقادم لن نتعجله أو نضغط على أنفسنا لأجله " لم يفكر فارس وهو يقول بحماس " لا تقلقي أبدآ، أنا واثق أنك حينما تسقطين في قبضة جيجي كل شيء سيكون أفضل مما أصبو إليه " شحب وجهها فجأة فابتسم قائلآ " أنا أمزح معك لا أكثر، إنه مجرد طعام سنتشاركه، لا تكبري الأمر، سأنتظرك بالسيارة لا تتأخري " وقف ووقفت لينصرف كل منهما إلى اتجاه هو إلى انتظاره الذي قد يطول وهي إلى استعدادها التي لا تدرك متى سينتهي.
…………..
بعد قليل كانت كيان تدخل إلى النادي بجوار فارس الذي جذب أنظار معارفه المتواجدين خاصة وهو لأول مرة يظهر علنآ مع فتاة، نظرت كيان نحوه بطرف عينيها لتجده واثق الخطى سعيد بعكسها هي المتوترة منقبضة القلب تدور بعينيها في كل مكان كأنها تخمد هواجسها في كونها ملاحقة ليأتيها صوت فارس قائلآ " لما كل هذا التوتر، إنها جيجي فقط، أؤكد لك أنك ستحبينها أكثر مني شخصيآ " اجتاحت وجهها حمرة شديدة من الخجل الذي انتابها من تلميحه الصريح بحبها له فضحك فارس قائلآ " تنفسي كيان، لا تفقدي وعيك لمجرد مزاح بريء، ثم اتركي فقدان الوعي لمناسبة أكثر حماس كعقد قراننا مثلآ " شهقت كيان بخفوت تحاول استيعاب ما يقوله لتتسع ابتسامته يناظرها بسعادة غامرة تشع منه، تراها على وجهه لكنها لا تفهم أبعادها وهي من لم تشعر بمثلها سابقآ فقالت باختناق " فارس من فضلك، توقف عن طريقتك هذه إنها تربكني وستجعلني أبدو أمام خالتك كالحمقاء " مال برأسه قائلآ " لا أحمق هنا سواي، فأنا منذ أن وافقتِ على القدوم معي لا أستطيع التحكم في تلك الابتسامة التي تجعلني كما الأبله " نظرت كيان له وقالت " أنت لست أبله " ليأتيها صوت جعلها تقفز مقتربة من فارس " بل أبله لأنه لم يعرفنا عليكِ حتى الآن " زجر فارس أمير قائلآ " ما هذا الأسلوب، هل تظنها واحد منا، كدت توقف قلبها، ثم ماذا تفعل هنا " أجابه أمير بعبث " أمي أحضرتني واياد على وجه السرعة لتجلدنا وتدمر نفسيتنا وتذكرنا بأننا صرنا متعوسا الحظ لأننا لم نرتبط حتى الآن مثلما فعل حضرة الضابط " ثم التفت إلى كيان التي بدى على وجهها عدم الاستيعاب وقال " أمير القاضي ابن خالة حضرة الضابط، معيد بالجامعة ورجل أعمال وابن جيجي هانم ومن سيتم جلده على تلك الطاولة التي تبتعد عدة أقدام، أرجو منك أن تصيري سترآ وغطاء علينا فأنت من العائلة الآن، وملاحظة أخيرة إن سألتك أمي عن عروس مناسبة أختك مثلآ صديقة زميلة أخبريها أنك انطوائية لا تعرفين أحد وهدديها بالفرار من ابن أختها لو حاولت الضغط عليك أكثر " نظرت كيان لفارس بصدمة وسألته " فارس ماذا يحدث " دفع فارس أمير وقال لها " لا تبالي به، إنه هكذا ثقيل المزاح وهذا ما يجعل الفتيات تفر هاربة منه حتى صار عانس وخالتي تعيش معه تلك المأساة فهو في النهاية ابنها " ظهر الحرج على وجه كيان التي نظرت لأمير بلطف وقالت " أهلآ وسهلآ " ضحك أمير بقوة وقال " مؤكد ستعجب جيجي، إنها هادئة لبقة وجميلة " قالت كيان بصدمة من أسلوبه الذي بدا لها جريء " شكرآ لك " صاح فارس " على ماذا تشكريه، أنا لم أتجرأ لأربع سنوات كاملة أن أخبرك أنك جميلة خوفآ من أن تقطعين علاقتك بي " أجابته جيجي الذي اقتربت " هذا لأنك أحمق " ابتسم فارس وانحنى يقبل جيجي التي اقتربت من كيان تضمها بلطف وهي تقول " ما شاء الله، جميلة كالقمر يا حبيبتي، تفضلي لنجلس …سعيدة جداً بلقائك " ابتسمت لها كيان وقالت " أنا أسعد صدقيني، فارس حدثني عنك كثيرآ، كما أن موقفك في أزمتي التي مررت بها من فترة يحتم عليا شكرك وإدراك معدنك الطيب ونبل أخلاقك " ربتت جيجي على ظهرها وقالت " لا أحد يجب أن يتوجه له الشكر سواكِ، أنت إنسانة معطاءة كيان وهذا أمر أصبح نادر جدآ هذه الأيام خاصة لمن في مثل سنك، لنأكل أولآ وبعدها سنتحدث كثيرآ " مقابلة جيجي أشعرت كيان التي لا تختلط في المجتمع أنها إنسانة ذات شأن وقضية وقيمة، كانت سيدة راقية دافئة محبة، جعلتها تندمج معها في حوار لطيف أسعدها لتكتمل الجلسة بحضور إياد الذي بدا ناضج هادئ ورغم ذلك يتصرف كما الطفل في حضرة والدته التي نظرت إلى كيان وقالت " سمعت من فارس لديك أكثر من فتاة سيدخلن الجامعة هذا العام " أشرق وجه كيان وأجابتها " فعلآ لا أصدق أن السنين مرت وكبرن هكذا وأصبح لكل واحدة منهن طريقها الذي اختارته بمحض إرادتها، فنورسين اختارت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لأنها ستقوم بجراحة عما قريب بالخارج أكد الطبيب أن نسبة نجاحها تتخطى التسعين بالمئة، لذلك ساعدني فارس في تجهيز أوراقها للسفر وعند عودتنا ستكون قادرة على المٌضي قٌدمآ في بناء مستقبلها " قال إياد بإعجاب " أنت عظيمة يا آنسة، شغفك في الحديث عن الفتيات يؤكد أن ما تقدميه لهن نابع من القلب" رفع فارس كأس العصير يقدمه لكيان التي التقطتها بخجل وهي تقول " لسن فتيات، إنهن فتياتي، جيشي الذي أعده لعمري القادم " وضعت جيجي يدها على قلبها بتأثر وهي تقول لابنيها " انظروا إلى القوة حين تكون في منتهى الرقة، انظرن إلى جمال النساء، لعل الدماء المتجمدة في عروقكما تنصهر أخيرآ وتدركا أني لا أطيق الحياة بينكما أريد شيء ناعم كهذا أقضي معه وقتي، حكمتك يارب رزقتني باثنين من المعقدين دون أسباب، أتدرين يا حبيبتي ذلك الذي تخطى حاجز الثلاثين لم يدخل في علاقة عاطفية واحدة حتى الآن " قال إياد بغضب " أمي من فضلك " فابتسمت كيان وهي ترتشف العصير لتتجمد تمامآ وتنقطع أنفاسها، كل خلية حية داخلها كانت تفر هاربة وبقيت هي متجمدة حيث تجلس بدون مفر تحاول استيعاب ما تراه، للحظة شعرت أنها تتوهم وهيأت نفسها لتلاشي الوهم في اللحظة التالية لكنه لم يتلاشَ بل جلس بكل هيبته بعيون تنذر بالشر والخطر على بعد ثلاث طاولات منها يضع ساقآ فوق ساق يرفع حاجبه بطريقة أسقطت قلبها بين قدميها يخترقها بعينيه اللتان لا تريان سواها، انفعل قلبها من الفزع والصدمة بشكل آلمها حتى أنفاسها أصبحت ضعيفة تتطلب منها مجهود جبار تسمع طنين حاد في أذنيها كأنه لعاصفة قادمة للإطاحة بكل شيء، فالتفتت بعيون متسعة نحو فارس الذي لمس ذراعها بخفة وهو يقول " أين شردت هكذا، جيجي تحدثك " نظرت نحو فياض الذي أمال رأسه كأنه حيوان بري وصوب أنظاره التي تقتنص فريسته علي كف فارس التي لمستها فضمت ذراعها بعيدا عن كفه فظن فارس أنها خجلت من حركته وأبعد كفه وهو يقول لجيجي " أنا أريد إمرأة لديها جيش لتقف في ظهري ولن أجد أفضل منها " قالت جيجي بسعادة " لا أعلم ماذا تنتظران كيان، أنا أرى أن تعطي لنفسك فرصة بارتباط رسمي يجمعكما لتستطيعي التعرف عليه أكثر وتأخذين حريتك في التعامل معه على سجيتك فأنت تبدين خجولة متحفظة " كانت كيان كما الورقة في مهب الريح، داخلها لا يقارن بخارجها مطلقآ، كما لو أنها مصابة بخلل جعل منها إزدواجية بشكل لا يصدق لذلك قررت بلا تفكير الانسحاب من هنا والعودة لمكانها الآمن وبعدها لكل حادث حديث لذلك وقفت تقول بخفوت شديد ظنه الجميع ربما خجل أو ارتباك خاصة وشخصية كيان تعكس صورة شديدة التحفظ للعقول " المعذرة منكم فأنا تأخرت جدآ على الفتيات، لقاءنا كان فرصة سعيدة وشرف لي، شكرآ للطف مقابلتكم " وقوفها المفاجيء وتر فارس الذي وقف بدوره داعمآ إياها لتقترب منها جيجي تضمها بقوة وهي تقول لها " سأخذ من فارس رقم هاتفك لأطمئن عليك، أتمنى ألا تمانعي أنت الآن أصبحت في مقام ابنتي " سكنت كيان بين أحضانها تغمض عينيها عن ذلك الذي لا يكف عن التهديد والوعيد بنظراته ثم انسحبت بجوار فارس الذي حاول بكل جهده فهم التغيير المفاجيء الذي أصابها لكنه لم يصل إلى شيء.
………..
ملأ الصمت الغير مريح السيارة خلال عودتهما ولاحظ فارس أن كيان تنكمش على نفسها بشكل غريزي ولا تتوقف فرك كفيها ببعضهما فقال بقلق " كيان، هل أنت بخير، هل وترك حديث جيجي، هي لا تقصد الضغط عليك لكنها ترى أن صالحنا في أن يكون بيننا ارتباط رسمي وشرعي وهنا أقصد خطبة وعقد قران لنستطيع التقرب من بعضنا أكثر حتى تشعري أنك قادرة على أخذ خطوة الزواج " نظرت له كيان بخوف لم يفهم أسبابه وقالت " الأمر ليس هكذا فارس، حديث جيجي لم يوترني " سألها بترقب " ما الأمر إذآ " همت بالرد عليه لكنهما تفاجئا بسيارة ضخمة مظلمة النوافذ تصطدم بهما بشكل قوي جعل السيارة تنحرف عن مسارها فصرخت كيان بارتعاب تتمسك بمقعدها وهي تتقوقع حول نفسها كالجنين فيما حاول فارس أن يعيد توازن السيارة وهو يقول بغضب " ما هذا، ماذا يفعل " كانت السيارة تعود إلى الخلف فنظر لها فارس بترقب يظن أن السائق سيترجل منها ربما مبررآ أو معتذرآ لكنه صدم حين وجدها تندفع تجاه سيارته بأقصى سرعتها فناورها حتى عاد للطريق الرئيسي وأخرج سلاحه محاولآ إصابتها وهو يقول لكيان " تماسكي وأخفضي رأسك، لا تخافي …لا تخافي …تنفسي …ماذا يفعل هذا الوغد " دارت مطاردة حامية جعلت فارس يدرك أن سائق السيارة غرضه القتل لا إرهابه خاصة وهو يدفعه بمطاردته العنيفة نحو طريق مقفر كانت مناورة فارس لا تكافيء براعة السائق وضخامة السيارة التي يقودها كما أن طلقات المسدس قد فرغت تمامآ فالتقط هاتفه يطلب النجدة لكن مطارده لم يمهله فرصه وهو يصدمه بعنف يدفع به جانبآ كأنه يزيحه عن الطريق الرئيسي حتى فقد فارس السيطرة على سيارته تمامآ ورغم ذلك لم يستسلم لكن الوضع تفاقم حين أصبح محاصرآ بين جدار صلب من ناحيته والناحية الأخرى تجلس بها كيان بينه وبين سيارة مطارده الذي عاد للخلف فأدرك فارس ما سيفعله وحاول تحريك السيارة التي تحولت إلى كتلة من الصفيح لكن لم يسفر ذلك عن شيء وفي لحظة فاصلة كان السائق يندفع نحوهما لتفتح كيان الباب تقفز منه وهي ترفع يديها وتصرخ قائلة " لااااااا" فتتوقف السيارة أمامها تمامآ لتسقط كفى كيان عليها بانهيار فيقفز فارس خلفها يدفعها بعيدآ ويقف أمام السيارة بتحفز شاعرآ بدنو أجله، لكن وبمنتهى الهدوء انسحبت السيارة من المكان لتختفي فجأة في العدم كأنها جاءت منه واختفت بداخله حينها فقط شعر فارس أنه ربما لم ينتهِ عمره بعد وأسرع تجاه كيان يساعدها قبل أن يطلب الإسعاف والشرطة …………


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:11 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.