03-02-23, 04:08 AM | #308 | ||||
| الجزء الثاني من الفصل الرابع والعشرين يا إمرأة أدنو منها محاذرا حرمي على قلبك الهوى فإني بهواك كفيل يا من أضاعت عمري ما بين خفقة وإخفاقة من فرط ما ملكتني بت حين أنظر إليك أراني في عينيك سجين نزيل يا من لأجلكِ رفع القلب راياته مستسلمًا أبصريني فإن تجاهل عينيك يرديني قتيل كفاكِ قسوة على مشاعري التي ما استطعت أن تجاريها حتى أيقظتي بي جنونًا ليس له قبيل فأنا رجل لا يفقه لغة العيون والجسد ولا يفهم احاسيس النساء المعقدة مهما منح من تمهيل فوضوي …متقلب المزاج…غيور فتقبليني ولا تنزعي من صمود مشاعري إليك الفتيل يا من لبيت الشوق في عينيك بعتو أشواقي ولبيت الملام في عينيك بخضوعي الذليل ألا ترين الطريق الذي يشطر نيران صدري عابرًا إلى منتصف قلبك متوغلًا كما الدخيل ألا تدركين ما يحدث بين جوانحي ويدور خلف أبواب عقلي المغلقة من عذاب وتنكيل إياكِ أن تظني أني قد أعبركِ وفي عينيكِ حكاياتي التي لم تروَ ولم أجد عنها بديل يا إمرأة سأهزم باسمها كل ما مر ومضى لا أحد سيحبك بطريقتي التي لا تقبل التأويل جروحي منكِ عميقة جدًا يا سيدتي ورغم ذلك لا أجد وصفًا لوقع مشاعري إليكِ في الرحيل أيتها المذهلة …الدافئة …العاقلة لماذا توقظي بداخلي كل العيون الغافية وأنتِ تضربين أوتادك في صدري ببطء واعر التفاصيل …ثقيل والنظرة بيننا أعظم من أن تدرك فإن ظننتها لقاء فدعيني أبلغكِ أنها حكاية وشيء فيها قلبي بكل ما حوى من ألم بات من فرطه البدن ضعيف عليل أيتها الاستثنائية التي أعيش فيها ولادتي ودماري شرحي لألمي منكِ ألم يدوِ في فراغ أضلعي كما الصليل وغربتي فيكِ لا نهاية لها فمتى سيحين الوقت لتسعني أوطاني بحنان في مداها الضئيل وتعلمني من البداية أبجديات العشق وشرائع الهوى الذي لن أجد لروعة اجتياحه مثيل ميت أنا فمتى تعيدين الأنفاس لصدري سيدتي وتنهين صراع مشاعري الطويل يا من جذوة لهفتي إليها عن الأجيج لا تنطفيء شيدي أركاني واتخذي منها مسكنا ثم اطوي كل ما مضى ودعيه يحترق على ألسنة اللهب كأنكِ تمحين على معاناتنا كل دليل …… ميت أنا فأعيدي الأنفاس إلى صدري ثم اتركيني مبعثر ..معذب ..هائم أبدأ طريقي إليكِ مجددًا ولكن دون تضليل. ༺༻ تحرري منكِ ليس سوى فكرة بت أمارسها منذ أيام، أداوم عليها نهارًا وأطوع جوارحي لها ليلًا وأنهك ذاتي بها في أوقات فراغي ثم في النهاية أقف لوهلة مستنزفة وأنا أكتشف فشلي الذريع في تطبيقها لكن حين أقارنه بفشلي معكِ لا أجد ما يمنعني من تجربة تحرري ليوم آخر. ༺༻ أقصى الفقد أن يفقد الإنسان ذاته التي يألفها، أن تجرفه رياح التجارب بعيد عن سكونه، وأن تحط به الصدمات على أرض لا يطلق فيها نفسًا إلا وأخفق في إطلاقه، ليفقد بعدها كل شيء بالوجود معناه حتى الضوء يفقد وضوحه المعتاد، يفقد نقاءه الذي يجعلنا نحتاج إليه …يفقدنا ونفقده في داخلنا ثم نسير ما بين ضباب أنفسنا الكثيف نتخبط مدركين أن خطانا لن تصل بنا لشيء، كأن رحلة الضياع حينها تبدأ بغموض يشل إدراكنا و يجعلنا لا ندرك متة قد تنتهي، فأن تضيع في ذاتك لهو أمر جلل، فلربما تدرك طريق العودة من دروب البشر التي خضتها من قبل أما في دروبك فالأمر يختلف كثيرًا لأنه من الصعب جدًا أن تتذكر أين كانت نقطة البداية بداخلك ….. بعيون شاردة وذهن تعصف به الأفكار التي لا ترحم كانت سارة تقف أمام البحر تتنفس بعمق شديد لتخترق رائحة اليود هالة هدوئها وتجعل الأفكار بداخلها تتلاطم بعنف انعكس على ملامحها التي أهدل عليها ستار الحزن فجأة متحررًا كأنها للحظة فقدت السيطرة عليه، نبضها يتسارع كأنما هناك حرب تدور في صدرها لطرفي نزاع أحدهما غائب والأخر مخذول، انكسار فاح من كل جوارحها التي تجمدت للحظة أطلقت بها سارة العنان لذاتها التي لأربعة أيام متتالية كانت مشغولة أكثر مما يجب لتلتفت لذلك الجرح الذي أخذت قرار ألا تضمده، أربعة أيام محاطة بضوضاء وضجيج وحكايا وانفعالات ولكنها من الداخل مقيدة، وقيودها تفرض عليها التماسك والقوة …تفرض عليها الثبات الذي ملها وملته لذلك ألقته عنها للحظات، ألقته وهي غير نادمة أبدا على ذلك، رفعت سارة عينيها نحو موجة عالية على مد بصرها وتابعتها وهي تقترب بسرعة لتنتهي على الشاطيء كمد دافيء غمر أقدامها، مد بسيط كان نهاية موجة استنزفت كامل قوتها في طريقها إلى الشاطيء، فكرت بألم لمَ لا يتعامل حزنها العميق بنفس المنطق، لمَ لا يستنزف قوته في عمقها ويطفو إلى السطح كأنه لا شيء منهيًا كل شيء، هزت سارة رأسها بيأس من ذاتها التي باتت تعاندها وتتمادى حتى أرهقتها، لتنتفض ملتفة حين ربتت فاطمة على كتفها وهي تقول " لماذا تقفين وحدكِ هكذا، هل أنتِ بخير" كأنما سؤالها شتت سارة عن حالها فأجابتها بهدوء " بخير ولكن المكان يعجبني جدًا، منذ وصلنا وأنا لا أمل من تأمله " قالت فاطمة وعيناها تدور في المشهد الآسر حولها " إنها المرة الأولى التي أرى بها البحر، ولا أخفيك سرا المشهد أروع مما ظننت والشعور أغرب بكثير مما تخيلت، الموج الازرق والنسيم العليل يتلاعبان بدواخلي …مظهر الغروب هنا كالسحر " ابتسمت سارة وقالت " تبدين هادئة، مقبلة على الحياة بشكل غير مسبوق، خيرًا …هل هناك ما لا أعرفه " نظرت لها فاطمة بابتسامة هادئة وقالت " طبعك أنتِ وأخيك هذا سوف أجعلكما تتوقفان عنه يومًا ما، ما بها الأسئلة المباشرة هل اشتكت لكما " التفتت سارة إلى فاطمة بكلها وقالت " تريدين سؤالًا مباشرًا إذًا " قالت فاطمة بملامح تشع راحة " نعم من فضلكِ، سيكون هذا من دواعي سروري " سألتها سارة دون تردد " هل تصالحتي أنتِ وسلطان، أراه كلما أتى تكونين في استقباله كأنكِ تعلمين بقدومه، هل تتحدثان بالهاتف " قالت فاطمة لها بنظرة جدية رغم أن ابتسامتها زادت اتساعًا " سؤالكِ ملتوي لكن دعيني أجيبك بشكل ملتوي مثله، كل شيء تحت السيطرة ..هل هناك شيء آخر " نظرت لها سارة بحنق وقالت " ماذا أفهم من ذلك " أجابتها فاطمة " ألا تحاولي التندر عليّ بأسئلة ملتوية مجددًا " رفعت سارة حاجبها وقالت " تبدين رائقة البال " قالت فاطمة وهي تحرك يديها بانسيابية " لمَ لا أكون وأمامي البحر والوجه الحسن " ضربتها سارة بخفة وقالت " لقد بتِّ سمجة " ضحكت فاطمة وقالت " بعضا مما عندكم، المهم أني أردت إخباركِ أن سلطان سيصل بعد قليل ليأخذني لنشتري طلبات المنزل، لقد طلبت من الفتيات كتابة لائحة بالنواقص وفكرت في إخباركِ لعلكِ تريدين شيء" نظرت لها سارة بمكر وقالت " هكذا إذًا " هزت فاطمة رأسها وقالت " أخرجي تلك الأفكار من رأسك، لا هاتف مفتوح سوى هاتفي وهاتف حور وسمراء وأسمهان فمن منا برأيك سيهاتف!، كل ما في الأمر أننا أعلنا هدنة بيننا حقنًا للدماء وليكملها الله علينا بستره فأخاكِ مثل هذا الموج متقلب، أما كل ما يدور برأسكِ فهو محض أوهام بحتة " قالت لها سارة مباغتة " إذا أنتِ لا تحبين سلطان " بهتت فاطمة من هول السؤال الذي قطع أنفاسها وأحمر وجهها يشي بكل انفعال تكتمه لتقول بعد لحظات بهدوء " ولما سأكرهه سؤالكِ غير منطقي، يبدو أن تأملكِ للبحر بعثر أفكاركِ " همدت انفعالات سارة بشكل ملحوظ لعين فاطمة التي شعرت بما يعتريها وقالت تدعي المزاح " هل رأى أخوكِ هيئتكِ المتحررة تلك أم هو بارع في مسح حمرة شفتي فقط " توسعت أعين سارة وسألتها كأنها تنتقل من انفعال لآخر كما المغيبة " هل مسح سلطان حمرة شفتيكِ " ابتسمت فاطمة بخبث وقالت " محال أن أخبركِ يا ذات الاسئلة الملتوية " ابتعدت فاطمة عائدة نحو المنزل فركضت خلفها سارة تصرخ بها " توقفي وإما سأجعلكِ تدفعين الثمن غاليًا " توقفت فاطمة بالفعل وهي تضحك لتقول تولين التي خرجت من المنزل تحمل زيتونه في يدها وتمصها بعمق " فاطمة أريدكِ أن تحضري لي عدة أنواع من الزيتون جعلت سمراء تكتبها جميعًا لكي، وأرجوكِ ألا تنسي منها شيء " قالت فاطمة " لا تقلقي فأنتِ بيد أمينة " نظرت تولين لسارة وضيقت عينيها وقالت " هل ستنزلين البحر " قالت لها سارة " نعم لكني أنتظر الصغار " قالت تولين وهي تمص الزيتونه بشكل مثير للدهشة " هذا جيد لأني فعلا أريد النوم قليلا في هدوء " قالت سارة بحنق " وهل بتِّ تفعلين شيئًا سوى ذلك ومص الزيتون، اذهبي يا حور…اذهبي " التفتت تولين لتدخل فوجدت كنزي التي تلف نفسها بوشاح ناعم تخرج نحوهن" فسألتها تولين بقلق شديد " إلى أين يا كنزي" أجابتها كنزي بصوت مرهق " جسدي تيبس من البقاء بالسرير، سأتمشى قليلًا ولن أجهد نفسي اطمئني " قالت تولين " حسنا ولكن دعيني أنادي ملاك لترافقك " اعترضت كنزي بتعب قائلة " لا داعي أرجوك، فملاك تبدو مكتئبة من الوضع برمته لذلك لا تضغطي عليها أكثر ودعيها فهي تساعد الفتيات بالداخل " سارعت تولين تقول " حسنا سأطلب من سمراء … قاطعتها كنزي " أصالة وسمراء بالمطبخ وملاك وأسمهان ترتبان الفوضى التي تفعلها ابنتك ثم أنا أريد أنا أسير وحدي، عدة خطوات فقط..صدقيني لن أبتعد، فأصالة أخبرتني أن هناك مقاعد قريبة سأجلس على إحداها قليلا " قالت تولين بتوتر " حسنا لا بأس ولكن سأتي أنا معك " توسعت أعين كنزي لتظهر ملامحها المرهقة أكثر وهي تقول " ألستِ ممنوعة من الحركة سوى في أضيق الحدود، ادخلي وارتاحي وخذي علاجكِ فلسنا حمل أن يفجعنا ألم جديد " تبادلت سارة وتولين النظرات بعيون مطفئة لتقول فاطمة بهدوء " لا بأس يا حور ببعض السير، دعيها تحرك جسدها قليلا فالبقاء بالسرير ليس جيدًا لها " ابتسمت تولين لكنزي وقالت " فقط لا تبتعدي ولا ترهقي نفسكِ " هزت كنزي رأسها بطاعة وتحركت لتتابعها الأعين بصمت وشرود قطعه خروج تولين الصغيرة ورحيل ومحسن يرتدون ملابس السباحة ومن خلفهم سمراء تقول " سارة تولي تلك المهمة حتى ننظف هذا المنزل الذي كما لو أنه احتل من قبلنا " قالت سارة " أنا مستعدة تمامًا، الشاطيء خاص أليس كذلك " قالت سمراء " نعم لا تقلقي، خذي راحتك " ركضت سارة تجاه البحر ومن خلفها ركض الصغار يطلقون صرخات حماسية فقالت تولين " أنا قلقة عليها، أظنها لم تكن مستعدة لترك المشفى بعد، إنها تبدو مريضة للغاية " قالت لها سمراء وهي تتأمل ظهر كنزي التي تبتعد بخطوات بطيئة " ما حدث لها يحتاج سنينًا لتتعافى منه، في الحقيقة أنا أرى أن مجرد وقوفها على قدميها قوة تستحق التقدير " سقطت دمعة من أعين تولين مسحتها بسرعة فجذبتها سمراء بلطف وهي تقول " لا تقفي كثيرًا دون داعي، تعالي لترتاحي حتي نجهز الطعام وأنتِ يا فاطمة من فضلك تعجلي سلطان بالحضور فالأطفال سيخرجون من البحر جياع " تحركت تولين إلى الداخل بجوار سمراء بينما وقفت فاطمة لتهاتف سلطان وهي تفكر أنها تعيش حاليا في وسط مليء بالتجارب الطاحنة. ༺༻ بالخارج بعيدا عن منزل منذر بعدة منازل…. أوقف أيوب سيارته يتفقد المكان الهاديء بعينيه ثم التفت إلى شاهين الذي كان يتناول أقراص مسكنة وقال " من المفترض أننا في المكان الصحيح لكن لا أعرف كيف ستجد مقصدك " قال له شاهين وهو يحرك عينيه في المكان وقال " أتعبتك معي يا أيوب لكن آصف عطل أعماله لفترة كبيرة ولم أستطع أن أطلب منه السفر معي وكذلك لا أريد لأحد من العائلة أن يدرك وجهتي " قال له أيوب وعقله شارد فيما جعله لا يفكر مطلقًا قبل أن يستجيب لطلب شاهين ويبحث خلف سيارة سلطان ثم يأتي معه إلى تلك المدينة " لا تضخم الأمر هكذا يا شاهين فأنا لم أكن لأردك مطلقًا، المهم ماذا ستفعل الآن، كيف ستجد ما تبحث عنه " سأله شاهين وهو يتحسس الحزام الضخم المحكم حول أضلعه " ماذا قال لك شرطي المرور الذي طلبت مساعدته إذا " أجابه أيوب وعيناه لا تتوقف عن البحث " أعطيته رقم سيارة سلطان وأعطاني خط سيرها والذي ينتهي لهذا التجمع السكني، لكنه لم يكن دقيقا في أمر المنزل " قال شاهين " هذا مؤكد منزل منذر العزايزي، وحده من يقيم بتلك المدينة، يمكننا سؤال أحد الجيران كما لو أننا تائهين أو حراس الxxxxات إن وجد " أرخى شاهين رأسه للخلف شاعرًا أن كله يتألم بينما قال أيوب " أخشى أن نثير حفيظتهم بسؤالنا، لا أظنه حلًا مناسبًا " ثم التفت إلى شاهين ونظر إليه بتفكير وسأله " شاهين قل صدقا لماذا أنت هنا، إن كنت تبحث عن سلطان فيمكنني مهاتفه لأطلب منه …. قاطعه شاهين يقول بانفعال مكتوم " أنا لست هنا من أجل سلطان " صمت شاهين وتملأ عينيه نظرة عجز لم يستطع مدارتها ثم أشاح بوجهه يتنهد بصعوبة وهو يقول " أنا مازلت لا أجد حجة قوية قد تدفعه لسماعي، أنا هنا لأمر آخر " أغمض شاهين عينيه بتعب ليجد أيوب يد مليئىة بمشغولات يدوية الصنع تطرق نافذته، أنزل أيوب النافذة فوجد فتاة مراهقة غريبة الأطوار تقول له وهي تتفقدهما " هل تبحثان عن أحد، أم أنكما جديدان بالمكان " التفت شاهين ينظر لأيوب الذي قال لها " لا هذا ولا ذاك فنحن تائهان ونبحث عن منزل السيد منذر العزايزي هل تعرفينه " ابتسمت الفتاة بمكر وهي تحرك شعرها الازرق ثم فتحت يدها وقالت " أريد مئة جنيهًا مقابل كل معلومة، وصدقاني كل ما تريدانه ستجدانه لدي ". ༺༻ أمام البحر جلست كنزي تلم ذاتها بذاتها، تحتوي نفسها قدر الإمكان علّها تخدر شعور الخواء الذي يتفشى بها، كانت تحارب سقيع الوحشة بسخونة الآهات التي تصرخها بصمت، كانت تكافح لتستعيد عافيتها النفسية.. كانت في جلستها البائسة تلك منهكة جدا وممزقة في فعل الكثير مما لا تراه العين وتخفيه الصدور، كانت في قمة وهنها تصارع الكثير من المشاعر المتضاربة وكلما ظنت أن الأمور تهدأ تتفاجأ أنها تحتد بشكل يؤلمها، رفعت كنزي يدها تتفقد دقات قلبها التي كانت كأنما فقدت إيقاعها المعتاد لتنتفض بفزع حين سمعت صوت يقول " كيف حالك كنزي " التفتت كنزي نحو شاهين وقد فلت عقال نبضها وتسارعت أنفاسها وتوسعت عيناها ليقول شاهين بسرعة " اهدئي، أنا لم أقصد إفزاعك " التقطت كنزي أنفاسها بصعوبة ووقفت تنظر إليه باستغراب وتقول بذهول وعيناها تتفقد الفراغ خلفه " شاهين، ماذا تفعل هنا …بل كيف دخلت إلى هنا …أأنت بمفردك " قال لها شاهين بهدوء محاولًا طمأنتها " أنا بمفردي بالفعل ودخلت عبر التسلل من حديقة المنزل المجاور لكم ..فيبدو أن قاطنيه ليسوا متواجدين فيه هذه الفترة " نظرت كنزي للمنزل خلفه كأنها تتوقع ظهور شخص آخر في أي وقت وقالت " ولمَ فعلت كل ذلك، بل لمَ أنت هنا يا شاهين " اقترب شاهين من المقعد الخشبي الذي كانت تجلس عليه وقال بهدوء " اطمئني كنزي، أنا لا أريد سوى التحدث إليكِ قليلًا، في الحقيقة أنا هنا من أجلكِ" قالت كنزي باستغراب شديد " من أجلي " هز شاهين رأسه بتعب واضح و قال لها " هلّا جلستِ …لن آخذ من وقتكِ الكثير " ترددت كنزي قليلًا لكنها في النهاية جلست على المقعد الخشبي الطويل مشدودة كما الوتر ليجلس هو على الطرف الآخر منه ثم يعم الصمت بينهما وكلاهما يتأمل منظر البحر قبل أن يقول شاهين " آخر ما توقعته أن يكون لقائي معكِ بهذه السهولة، فبينما كنت أتسلل نحو الشاطيء الخاص بالمنزل رسمت ألف مشهد في رأسي جميعها تحوي سلطان وقبضته " قالت له كنزي " سلطان لا يدخل المنزل مادام لا رجل به، هو فقط يمر لتفقدنا عدة مرات باليوم لذلك أظن أن على جميع المشاهد التي رسمتها أن تحوي وجهًا آخر " انحنى شاهين للأمام يرتكن بكفيه إلى ركبتيه وهو مازال يطلق عينيه للبحر وسألها بصوت بدت لهفته جلية " هل سارة بخير " نظرت له كنزي بفتور وقالت " لا تسألني عنها لأني لن أجيب " هز شاهين رأسه بتفهم ثم قال " حسنا على الأقل هل أنتِ بخير" أجابته كنزي بحزن شديد لم تظهره " أظن ذلك " تنفس شاهين بعمق شديد وقال " هل تعلمين أن علِيّ يبحث عنكِ في كل مكان " التف عنقها نحوه بقوة واهتزت أحداقها كأنها تسأله بصمت سؤال شديد اللهجة أجابها عنه بهدوء " أنا لم أخبر علِيّ بمكانك لكي لا أثير غضب مؤيد ضدي أكثر، فكما تعلمين علاقتنا باتت متوترة أكثر مما كانت " عادت أعين كنزي لتتأمل تلاطم الموج أمامها وهي تسأله " كيف علمت بمكاني إذا " أجابها شاهين " تتبعت سيارة سلطان من خلال أحد العاملين في هيئة المرور، اختفائه من عمله تزامنا من إختفائكن كان كفيلًا بجعلي أدرك أنه كما العادة يحمي أخته ومَنْ حولها حتى حين تنتهي كل أسباب فرض الحماية " عمّ الصمت مجددًا لكن وكل منهما يغوص في بئر عميق من الذكريات المحسوسة، ارتجفت كنزي بشكل واضح كأنما صوته تردد في الصمت حولهما كصراخ مفزع يذكرها بما حدث ذلك اليوم ليلاحظ شاهين ذلك ويقول لها دون تردد كأنه يلقي عن صدره حملًا ثقيلًا " أنا هنا لأعتذر منكِ كنزي، منذ أن استعدت وعيي وكل ما مر بيننا يعاد برأسي دون توقف، كل لحظة جمعتنا بالماضي وحتى هذه اللحظة، كل كلمة وجهتها إليكِ، كل نظرة رافضة …كل صرخة مهينة ….أشعر أن ذاتي باتت تجلدني ببعض الأشياء ومن ضمنها أنتِ، كل شيء بات يعاد ولكن من زاوية أخرى تجعلني أراني شخص فظ … ظالم وخسيس بصورة لا تطاق، أنا في الحقيقة طوال الطريق إلى هنا لم أكن أعرف كيف سأصل إليكِ، كيف سأقابلكِ …وكيف سأقول أسف لكني الآن أدرك أني كنت سأقولها على أي حال وبأي طريقة لكي أزيح بعضًا من ذلك العذاب الناشب بين أضلعي، أنا أسف كنزي على كل ما مضى وعلى كل ما بدر مني وأعلم أن الأسف لن يصلح شيء ….. صمت شاهين يعتدل في جلسته بصعوبة وقد انتفخت أوداجه وقال " أسف لأني لم أستطع حمايتكِ ذلك اليوم، لن تفهمي أبدًا ما يستطع شعور العجز فعله بكبرياء الرجال " فرك شاهين وجهه بكفيه صعودا إلى رأسه وهو يشعر أن ما يكتمه من حديث يكوي صدره دون رحمة فنظرت كنزي له بصمت ليبادلها شاهين النظر وهو يقول " يومها فقط كانت اللحظة الأولى التي أشعر فيها أنكِ مني، وأن الدماء في أوردتي ثارت تفزع لأجلكِ، وأني مستعد لتحمل ما لا يحتمل مقابل ألا تُمتد عليكِ يد غاشمة، أنا أعرف كم من الصعب عليكِ أن تتذكري تلك التفاصيل لكني أريدك أن تعلمي أن ألمي النفسي يتخطاكِ بمراحل، أنا أسف حقًا كنزي فأنتِ لا تستحقين ما مررت به، تلك القذارة لا يستحقها بشر مطلقًا " أغمضت كنزي عينيها وأشاحت وجهها وهي تبكي بصمت لتنفر عروقه بغضب شديد وهويقول " لم أتي إلى هنا لجعلك تبكين " قالت كنزي "أنا لم أتوقع أن أسمع منك هذا الحديث يومًا " قال لها شاهين " ولا أنا توقعت قوله، لكن دعيني أخبرك أنكِ بت تمثلين لي جزء من عائلتي، فتاة من آل الجوهري …أخت حقيقية وهذا جعلني أصر على إيجادكِ، فقد أصابني القلق من فكرة إخفائكِ التي لم يكن مؤيد مضطرا لها، لقد تلاعبت بيا الظنون حتى أنهكتني ووجدت نفسي أبحث عنكِ وعن من معكِ كما لو أنكِ سيدرا ومن معكِ باقي عائلتي ". ༺༻ داخل المنزل كانت فاطمة تلف حجابها وهي تنظر للمرآة وتقول لأصالة التي لا تترك آدم ليبتعد عن عينيها " لمَ لم تتركيه ليشارك الصغار اللعب، فأنا أشعره انطوائي ..يهاب كل من حوله، كما أنه لا يتكلم ولا يحاول إصدار أصوات تدل على رغبته بذلك " قالت أصالة التي تقوم بتقطيع تفاحة إلى شرائح رقيقة من أجل آدم " آدم يحتاج رعاية خاصة وللأسف كلما نويت الذهاب لإجراء بعض الفحوصات له لا تتيسر الأمور لكن ما دمنا سنسافر لعل الله يريده أن يتلقى الرعاية في مكان أفضل، المستشفيات بالخارج أكثر تميزًا " هزت فاطمة رأسها وقالت " أكيد يا حبيبتي لكن هذا لا يمنع أن تدفعيه بلطف للاندماج مع ما يدور حوله " تعالى رنين هاتفها فألقت نظرة أخيرة على مظهرها وتحركت خارج الغرفة تقول لأسمهان التي كانت تحضر لنفسها كوب ضخم من القهوة " سلطان وصل هل لائحة الطلبات بها كل ما تحتجن إليه أم نسيتن شيء " أجابتها أسمهان " أظن تبقى طلبات سارة " قالت ملاك " سأناديها لتأتي إليك وسأبقى بجوار الصغار حتى تعود " ابتسمت فاطمة لملاك بلطف وهي تعود للغرفة لتحضر حقيبتها وحين خرجت وجدت سارة التي ترتدي لباس سباحة للمحجبات تنظر لها بمكر وتقول " أنا أريد بضعة أغراض نسائية سأكتبها لكي حالًا " ضيقت فاطمة عينيها وقالت " نسائية كيف، أنتِ تمزحين، سارة توقفي " ابتسمت سارة وقالت " والله لا أمزح كنت سأطلب خدمة التوصيل لكن سلطان قال لا وسيكون عليكِ إحضار كل شيء بنفسك " قالت فاطمة بانفعال " سأحضر كل شيء لكني لن أقترب من هذا القسم، أخوكِ لن يدعني أخطو خطوة بعيدا عنه، أنتِ تتعمدين وضعي في موقف محرج " ضحكت أسمهان وقالت " بدأت أشك أن تلك نيتها فعلا " طرق الباب بحدة فقالت فاطمة " أنا لن أجلب تلك الأشياء " قالت سارة بهدوء " حسنا سأطلب منه أن يجلبها بنفسه وحينها سيلجأ إليكِ وبدلًا من أن تجلبيها بشكل لا يسبب لكِ الحرج ستتشاوران في الأنواع المتاحة " نظرت فاطمة لسارة تدعي الحقد الشديد وقالت " لن أنساها لكِ " ثم تحركت بخطوات منفعلة تفتح الباب فتراه قد ابتعد يرتكن على سيارته لكنه ترك عينيه معلقة بالباب تنتظر خروجها، ابتسمت له بلطف فأشار لها نحو ساعة معصمه وقال بعصبية " منذ متى وأنا أنتظر " قالت له فاطمة " أولًا الناس تلقي التحية حين تلتقي ببعضها، ثانيًا أختك السبب تصرف معها كيفما شئت فأنا بت لا أطيقها " عقد سلطان حاجبيه واقترب منها يقول " ماذا فعلت سارة لكِ " همّت فاطمة بالرد لتقاطعها سارة التي نظرت لسلطان بابتسامة وقالت " ماذا فعلت سارة لكِ !! ماذا …هل كانت الهانم تقلبك عليّ …توقع بينك وبين أختك!!! " قالت فاطمة " انظر بنفسك لمَ تفعله، بربك من يحتمل ذلك " لم يجبها سلطان وهو يقترب من سارة يدفعها للخلف بحدة ويقول " ما الذي ترتدينه…هل تخرجين إلى الشاطيء بهذا الشكل" قالت سارة " نعم فالشاطيء خاص يا سلطان لا أحد سوانا ثم ما به إنه لباس سباحة شرعي " هدر بها " شرعي " وضعت سارة يديها على أذنيها وقالت لفاطمة " خذيه وارحلي لقد تأخرتما" زغرها سلطان وقال " غيري هذا الشيء وغطي شعرك جيدًا ما دمت خارج المنزل ..لا شيء خارج جدران المنزل اسمه خاص " هزت سارة رأسها بطاعة وهو تنظر بتوعد لفاطمة التي تبتسم بخبث، ليتحرك سلطان فتتنفس سارة الصعداء لكنه يتوقف فجأة ويعود إليها ويقترب منها فتراقبه سارة بتوجس خاصة حين رفع يده يربت على وجنتها بخفة وبعينيه نظرة تحذيرية ويقول " لا تبالغي في ظُرفك مع ابنة عمك، واحترميها فهي في مقام أختك الكبيرة " سقط فك سارة وتوسعت عيناها التي حادت بهما تجاه فاطمة التي كانت تقف خلف سلطان وقد اجتاحتها انتفاضة قوية من وقع الكلمات، باتت تحاول باستماتة أن تخفي تأثرها ولكن وجهها الذي أصبحت الدماء الساخنة تجري من خلاله لتتجمع في وجنتيها كان له كلمة الفصل، ليستدير سلطان وينظر لفاطمة قائلا " هيا بنا " إحمرار وجهها كان كأنما أشعل نيران حشاه فقال لها بغضب " ماذا تضعين على وجهكِ " ضحكت سارة وقالت لها " خروجة سعيدة يا ابنة عمي الكبيرة " لم تسمعها فاطمة وهي تقول لسلطان بانفعال مكتوم " أنا لا أضع شيء على وجهي، أنه تأثير الشمس لا أكثر " دقق سلطان النظر إليها ففارت دمائه أكثر وهو يشعر أنها تزداد سحرًا وقال وهو يفتح لها الباب بحركة منفعلة " ادخلي …هيا " تحركت فاطمة نحو السيارة بغضب وركبت وسحبت الباب بينما دار سلطان حول السيارة يحدث نفسه بغضب قائلا " سأجدها منكِ أم من الشمس، أم من ليلي الذي احترقت به النجوم فأضحى يأتي فقط للوعتي وسهدي" ركب سلطان السيارة فسألته فاطمة بغضب " هل تقول شيء " هز رأسه وقال دون أن ينظر إليها " لا شيء " استدارت فاطمة تنظر لسارة بحنق فلوحت لها سارة بسماحة ليشير لها سلطان بغضب شديد أن تدخل فتراجعت للخلف وعلى وجهها ابتسامة ماتت حينما لمحت على الجانب الآخر من الطريق وجه تعرفه جيدًا، تجمدت سارة وقد تعلقت عيناها بعينيه كأنها تتأكد أنها لا تتخيل وحين تأكدت انسحبت إلى الداخل تعبر نحو إحدى الغرف بسرعة كبيرة لفتت أنظار سمراء وأسمهان اللتان تبادلا النظرات المتسائلة لتخرج سارة وقد لبست عبائه مفتوحه تغلقها بيديها من حولها وعلى رأسها حجاب غير محكم واندفعت بعصبية تخرج من المنزل فانتفضت أسمهان تلحق بها فوجدتها تعبر الشارع وتقف أمام رجل لا تعرفه وتتحدث بانفعال. ༺༻ إن كانت هي غاضبة منفعله فذلك الرابض أمام بابها لأربع أيام لا يجرؤ حتى على عبور الطريق والاقتراب أكثر كي لا تلمحه يتفجر به الغضب كبراكين أزفت أزفتها، كان يراها تعبر إليه وعيناها تصرخان به من قبل لسانها لكنه لم يكن ليدع لها المساحة لتضيع نفسها وتضيعه، لطالما فكر أنه سيخرج من كل معاركه ناجيًا فمادامت الوجيعة ليست بالقلب فالجرح هين إلا معركتها فمن قبل أن تبدأ ووجيعة قلبه قد استحكمت وتحكمت، خطواتها انتهت بعيدًا عنه بشكل جعله يتساءل بحرقة متى سيأتي اليوم لتنتهي عنده، تأمل أقدامها الناعمة التي يظهرعليها أثار الرمال ثم رفع عينيه لشق العباءة لتثور ثائرته خاصة حين وصله صوتها تقول له بانفعال " ماذا تفعل هنا، هل تراقبني " قال لها حورس بغضب شديد " اخفضي صوتك يا سارة " نظرت له ساره بذهول وقالت " أخفض صوتي !! من أين تأتي بتلك الجرأة، من أين تأتي بذلك التصميم على أن تضع نفسك في مواقف قد تقل منك، هل بلغت بك الجرأة لمراقبتي، لقد تعديت حدودك وأنا هذه المرة لن أصمت " قال لها حورس بغضب هز ثباتها لكنها بقيت تقف كما الوتد في مواجهته " بل أنا من لن يصمت يا سارة فقد بت لا أحتمل، صبري وحلمي وتفهمي كل شيء بات رمادا أمام ما أراه منكِ، أنا تعبت منك أنتِ لم تعودي وجعا ينخرعظام صدري وعقلي بل أصبحت ثقبا يمر بمنتصف جبهتي ويعجل بموتي، ماذا؟ ترفضين مراقبتي لك، إنها نابعة من خوف واهتمام وحب لم أفرضه عليكِ حتى تلك اللحظة وأنتظرك بصبر، تاركًا إياكي لتحيطي نفسك بالخطر من كل إتجاه ورغم ذلك باقيًا في ظهرك أحميك بصمت لا تقدرينه، ولكنك تقدرين من أذلك وتسمحين له بالتسلل إليكِ خلسة، هل يعلم أخوكِ أن ذلك القذر بالداخل تركضين معه على الرمال بأقدام حافية وملابس غير لائقة " هاجت سارة بوجهه قائلة " اخرس تماما، هل جننت …هل تتهمني أنا بذلك الانحلال، إن كنت فقدت عقلك لا بأس لكن لتفقده بعيدا عني وتفقد معه اسمي وتنساني لأني تعبت من كونك لا تفهم معني أن ما بيننا ماض وانتهى ولم يعد باقيًا منه سوى أوهام برأسك، ما ذنبي أنا في ذلك، أنت كمن يجعلني أدفع ثمن أوهامه" اقترب منها حورس بانتفاضة جعلتها تتراجع بخوف حتى ارتطمت في السياج خلفها وهدر بها قائلا " أنا لا أتهمك بشيء لم يحدث، ذلك القذر بالداخل رأيت بعيني مراهقه ترشده كيف يمر من خلال المنزل المجاور لكم إلى الشاطيء، لطما رأيت فيكي كبرياء وعزة نفس تأسرني، ماذا فعل بكِ هذا القذر لتصبحين ذليلة له مهانة، تقفين أمامي لتكذبين دون أن يرف لكِ جفن، ما الذي يجعلكِ تقبلين أن يرى شعركِ الذي ما رأيته وأنتِ حلالي، ويرى فتنتكِ التي منعتها عني وهي حقي، ويرى خضوعك الذي قدمت لكِ كل شيء فما رأيت لمحة منه، ما الذي بينكِ وبين ذلك الحقير بالضبط لأني شارفت على الجنون " كف سارة الذي لم تتردد مطلقًا في أن تلطمه به كان ردها الوحيد، تجمدت أسمهان التي لحقت بها على بعد خطوات منها تضع يدها على فمها بصدمة فيما توسعت أعين حورس بجنون واهتز وجهه بعنف وانتفخت أوداجه ونفرت واحمرت عيناه كأنه يلجم نفسه بشق الأنفس كي لا يؤذيها ورفع قبضته المضمونة بشدة ابيضت لها سلامياته حتى أصبح شكله مخيف لكن ذلك لم يهز من سارة شعره وهي تقول له بقوة " أترى طرف تلك العباءة قد أفرشه لك كسجادة صلاه من فرط طهره ولم يخلق بعد من يمسه بكلمة فما بالك بمن ترتديها، أنا لا أريد رؤيتك مجددًا وإلا سأجعل سلطان يرديك قتيلًا دون لحظة ندم " تحركت سارة بانفعال عائدة نحو المنزل تاركة حورس خلفها يقف كحقل ثيران غاضبة لوح لهم أحد براية غارقة بالدماء، ركضت أسمهان خلف سارة التي بمجرد أن دخلت المنزل توجهت بغضب شديد نحو الشاطيء وعقلها يحدثها أن إبتلائها الأعظم قريبًا منها بالفعل. ༺༻ كان شاهين مازال على جلسته يحاول أن يتنفس بعمق شديد لكن أنفاسه تأبى فإن ساعتها الضلوع حين تصل للقلب تزاحمها الهموم يسمع كنزي تسأله بحزن " هل تظن أننا إن تخطينا الوجع سنستطيع تخطي شعور الإمتهان، أنا كلما تذكرت ما حدث يملأني شعور بالدنيوية كما لو أني صرت حيوان " أمال شاهين رأسه للخلف وقال " حتى الحيوانات يجب ألا تشعر بالامتهان يا كنزي، أنتِ هنا تصدرين الشعور الخطأ للشخص الخطأ أعلم أنا ما سأقوله صعبًا عليّ قبلك لكن عليكِ تقبل كونكِ ضحية، وعليكِ أن تكوني ممتنة لكونكِ آخر من وصل إلى ذلك الجحيم وأول من رحل،عليكِ أن تشعري بكونكِ محظوظة لأنكِ أقلنا ألمًا وأكثرنا دعمًا بكل من حولكِ، فكري في حال شيراز وستدركين كم عليكِ أن تكوني شاكرة لله ولمن حولكِ وللظروف، بربكِ إن كنتِ أنتِ تمرين بذلك فماذا أفعل أنا …أنا رجل بكبرياء مهشم …. صمت شاهين لحظات ثم قال " هناك سؤال لا أجد له إجابة وأسف على فضولي لكن أنا أريد فقط أن أفهم ما يدور من حولي، خاصة وأن العائلة صارت حزب واحد واقفا ليشاهد ما سيحدث بين علِيّ ومؤيد وأنا حتى الآن لا أستطيع التدخل لكوني مازلت لا أعرف ماذا فعل علِيّ بك بالضبط " تغضنت ملامح كنزي بألم شديد وقالت " أنا لا أريد التحدث في هذا، حتى مؤيد لم أخبره بشيء، طلبت منه أن يجعلنا ننفصل بشكل ودي لأني لم أرد أن تحتد المشاكل بينه وبين علِيّ " قال شاهين " تتحدثين كأن هذا لا يحدث، علِيّ يبحث عنكِ كالمجنون بين الطرقات، يهاجم كل مكان يذهب مؤيد إليه وما يمنعه عن الوصول إليك هو أنه لا يريد أن يطلب مني أو من شخص من العائلة مساعدته، حال علِيّ ليس حال شخص يستطيع إيذائك، أخبريني بما حدث كنزي لربما كان هناك ما فَهمتِه بشكل خاطيء قالت كنزي بانفعال شديد " لا شيء فيما رأيته يفهم بشكل خاطيء، ابن عمك كان يخونني، لقد رأيته في مشهد قذر مع إنسانة قذرة، يا إلهي لا أريد أن أتذكر " قال شاهين بذهول " علِيّ وإمرأة مستحيل " قالت كنزي بانفعال " ليس مستحيل، لقد رأيتهم بعيني يوم الحفل بجناح الشباب كان عاريًا وهي …. صمتت كنزي تكتم بكائها بكفها فهز شاهين رأسه وقال " علِيّ ليس له في هذه الأفعال، ثم شخص عاش بالخارج سنوات حيث التحرر على أوجه لم يكن يلتفت لمرأة سيفعل ذلك وهو هنا وعليه ألف عين، حسنًا حتى لو فرضنا أنه يخونك هل هو أرعن ليحضرها في جناح الشباب يوم الحفل بينما من الممكن أن يدخل عليه أي أحد في أي لحظة وأنتِ جاهزة للنزول وتنتظرين قدومه، يحضرها لنفس الطابق ويمر بها من أمام الجناح الذي تتواجدين به، يا كنزي الرجال حين تخون تملك من المكر ما قد يجعلك تشعرين بأنهم قديسون، ألم تفكري أن الأمر برمته ليس منطقيًا " همّت كنزي بالرد عليه وهي لأول مرة تشعر أنها تريد التحدث حقًا في هذا الأمر لكن صوت سارة الذي انطلق كما المدفع مباغتًا بغضب شديد سبقها " أنت ماذا تفعل هنا " وقفت كنزي بارتباك كما وقف شاهين الذي أنّ في عمق انهزامه همس انتصار لرؤيتها، تلك التي ما هجر خيالها قلبه رغم إدراكه أنها عازمة على الهجر، دقات قلبه الذي بعثرها الفراق سارعت تنتظم حتى أنّت أضلعه فأضحى هو أنين لا يذاع له صيت وهي صرخة تعلو كأنها ما باتت تحتمل الصمت، تقدم شاهين يقف أمام كنزي التي كانت تقول بارتباك " سارة ….شاهين …جاء …. ليقاطعها قائلا " كنزي لا داعي لتبرري عني " قالت له سارة بحدة " أنا أسألك ماذا تفعل هنا " تنهد شاهين وقال بهدوء " أنا هنا من أجل كنزي لكني أنهيت معها حديثي على كل حال وكنت على وشك الرحيل " رده كان كسهمًا انغرس في حشاها نحو أدق مكان في قلبها، رده أنهي سلامها الزائف وجعل حروبها الداخلية معلنة، رد اغتال من نبضها البقية الباقية خاصة وهو يلتفت إلى كنزي ويقول " هاتفيه …اسمعيه…اجعليه يشعر أنكِ بخير حتى وإن لم تخبريه بمكانكِ وفكري فيما تحدثنا به " هزت كنزي رأسها لتقول سارة " أخرج من هنا حالا …حالا " نظر لها شاهين وقال " سأفعل ولكن اهدئي " قالت له " لا دخل لك بي، أهدأ ..أثور ..أحزن، لا دخل لك ومرة أخرى حين تريد رؤية ابنة عمك أطرق الباب كما البشر وستخرج إليك لا داعي لتتسلل كما اللصوص وتفرض وجودك على مكان مليء بنساء لم تستأذن رجل من رجالهم بشأن وجودك، نعلم أنك لا تعترف بالأصول لكن ليس لتلك الدرجة " ابتلع شاهين الإهانة وقال " إن كان بعدك مر فتجريحك أمر يا سارة " هاجت سارة تقول " لا تنطق اسمي وهيا دون مطرود " أمال شاهين رأسه نحوها وقال " عاتبيني سارة فالصمت قتال " همدت كل خلية ثائرة فيها وسقطت عن مراجل الغضب منسحبة في فيلق جنائزي عتيد لتجتاح الدموع عينيها وتسقط كأنها تعلمه كيف يسقط من قاع عينيها وقالت بصوت ميت " ارحل" كان منهكًا مشتاقًا وكانت غاضبة مشتاقة وكلاهما أخذا بحكم الهوى غلابا ليقول شاهين هامسا " سأرحل لكني سأعود من أجلكِ، أنتِ لي حتى وإن كنتِ ترينني أخر رجل قد تجمعك به الحياة، أنا لست مستعداً لافلاتك …لست مستعداً لاستئصال قلبي برحيلك، لست مستعداً أن تكوني لي فكر مزمن يجعلني على وشك الانفجار، سارة أنا لست مثاليًا كاملًا ولكني أحبك، حب لا يعترف بالمسافات والهجر والغضب، حب يخبرني أني أخطأت ويخبرني أنكِ ستغفري " تعلقت عيناها بعينيه كأنها تقول بنظراتها الحزينة كل ما عجز لسانها عن قوله ثم قالت بهدوء وهي تنسحب بعيدا بشكل نال منه " أنا لم أعد لك، ارحل " ابتعدت سارة تبكي بقوة وإن كانت تكتم نهنهات البكاء لتقول كنزي لشاهين وشعور عظيم بالذنب يملأها " سأقودك إلى الباب، فلا يصح أن تتسلل لمنزل الجيران مجددا". ༺༻ خرج شاهين من هول كلمتها القاطعة يرتجف، لا صامد به شيء وقد ولى زمن الصمود تحرك بضع خطوات ثم أخرج هاتفه ليطلب أيوب الذي يوقف سيارته على بعد أمتار من المنزل يريده أن يقترب منه فقد كان واهنًا لدرجة لا تحتمل، وهو يفكر أن حكايته معها باتت كخيط رفيع كلما ظن أنه حل عقدة منه يكتشف أنه ما فعل شيء سوى أنه عقد عقدة جديدة حول عنقه، لم يجب أيوب فهمّ شاهين بمهاتفته مجددا ليتفاجأ برجل يقترب منه باندفاع جعله يتحفز كأنه أدرك من لغة جسده يقينا أنه سيهاجمه، كانت أعين حورس لا تحيد عنه والنظرات فيها لو لها وقع لأردته قتيلا ورغم ذلك وقف شاهين بثبات يحاول أن يتذكر أين رأى ذلك الوجه لكن عقله لم يسعفه ففي لمح البصر كان حورس يدفعه بعنف نحو الحائط خلفه ثم يمسكه من تلابيبه بيد والأخرى كانت تمسك سلاح صغير وجه حورس فوهته إلى عنق شاهين وقال " أتدري كم أريد قتلك، وكم يسهل عليّ ذلك " جمع شاهين كل قوته التي لم تكن لتجاري قوة حورس خاصة وهو لم يتعاف بعد وضم قبضته ولم يتردد في لكم حورس بكل قوته رغم كونه يحمل سلاح وهو يقول له " من أنت " لكمة شاهين كانت كفيلة بجعل عنق حورس يلتوي كأنه ينكسر لكنه لم يتزحزح وهو يلتفت له بعيون لا تعرف الرحمة وقال " أنا من ستكون نهايتك على يديه إن لم تبتعد عن سارة، سارة لن تكون لك أبدا …كل شيء حدث بينكما يثبت ذلك لكنك من ترفض أن تفهم لذلك دعني أدخل ذلك في عقلك قسرا، إن وجدتك تحوم حول زوجتي مرة ثانية سأقتلك " كلمة واحدة أيقظت مارد ضاع في ثباته لفترة والآن عاد بجنون قد لا يبقي ولا يذر، رغم ألم أضلعه …ووهن جسده …وتعثر حركة مفاصلة هاج شاهين يطرح حورس أرضًا بعنف تطاير له مسدسه بعيدا ولكمه بعنف أوجع شاهين ذاته أكثر مما أوجعه وهو يقول " زوجة من …هل فقدت عقلك " لم يكن حورس هينًا أبدا ففي حركة واحدة كان يرفع يديه بعنف وينزل بها على أضلع شاهين الذي لاحظ الحزام الذي يحيط بصدره من أسفل ملابسه ليصرخ شاهين صرخة مدوية فينتفض حورس واقفًا ويتحرك نحو سلاحه وقد لفتا أنظار المارة يحمله ويعود نحو شاهين ويقول " نعم زوجتي، فوحدي من وضع أخوها يده بيدي من أصبحت تحل لي، وحده من ملك فيها ما لم يملكه بشر وها أنا أحذرك من أن تقترب منها" كل شيء بدأ يدور من حول شاهين بسرعة كبيرة، كل الوجوه والتفاصيل والبيوت باتت تدور من حوله وكلمتها أنا لم أعد لك ترن في أذنيه وعقله المجهد يربط كل ما يحدث فلا يصل إلى طريق مسدود نهايته حائط ينهال على رأسه وقد ظن أن سلطان جاء بها إلى هنا ليزوجها ويبعدها عنه، خروج الفتيات من المنزل تزامن من انتفاضة شاهين الذي لكم حورس تحت الحزام ليسقط الآخر أمامه فلا يشعر شاهين بنفسه وهو يحيط عنقه محاولًا خنقه فتصرخ سمراء " توقفا …توقفا حالًا وإلا سأطلب الشرطة ". ༺༻ كان أيوب الذي افترش سترته أرضًا ليصلي بجوار السيارة قد انتهى وأخرج هاتفه فوجد مكالمة فائتة من شاهين لذلك أسرع يركب السيارة ويقترب وما هي إلا لحظات وكان يوقف السيارة بحدة ويترجل منها ليفصل بين شاهين وحورس الذي بمجرد أن ذكرت سمراء إبلاغها للشرطة أدرك أن عليه الانسحاب فورا، جذب أيوب شاهين الذي كان صراخه غضب وحرقة وألم شديد وهو يقول " اتركه سيموت بيدك " اعتدل حورس بسرعة كبيرة يقف وينظر لشاهين ويقول " قد أعذر من أنذر " والتفت ليبتعد ليجد عينيه في أعين أصالة التي تراجعت للخلف بصدمة كبيرة فشتم حورس في سره وهو يعبر الطريق نحو سيارته التي انطلق بها بسرعة كبيرة بل وجنونية إن صح التعبير وهو يدرك أن غيرته التي انفصلت عقالها جعلته يتصرف دون تفكير بشكل سيدفع ثمنه غاليا. ༺༻ أما شاهين فقد بدا في حالة إعياء شديدة وهو يقف مستندا على أيوب الذي بمجرد أن رأى ملاك زغرها بعين صارمة وبدون كلمة واحدة حركة عينيه مابين وجهها والهاتف الذي تحمله كأنه يقول لها أجيبي على هاتفك وإلا لن تتوقعي ما سأفعله فرت ملاك من نظراته إلى الداخل تبعتها أصالة التي ركضت تبحث عن هاتفها لتحدث رائف لتقول سمراء بحدة لشاهين " من فضلك ارحل ويكفي ما حدث " نظر شاهين لكنزي وسألها بانفعال " من يكون ذلك الشخص حقا " لم تكن كنزي قادرة على إعطائه وصف هين لصفة حورس فظهر الارتباك جليا على وجهها والتفتت تنظر لسارة التي تختلس إليهم النظر كأنها غير قادرة على مواجهة واقع أن الأمور تسوء أكثر مما هي عليه فنظر شاهين لسارة وصرخ بها " من هذا " انسحبت سارة فيما قالت سمراء " ما يحدث لا يصح أبدا، هذه تعد فضائح ونحن نجلس هنا دون رجل من فضلك ارحل " جذب أيوب شاهين الذي كان ينازع كأنما روحه تخرج ببطء شديد نحو السيارة يدفعه داخلها قسرا ثم يركب خلف عجلة القيادة وينطلق وهو يلمح شاهين الذي كان يطلب رقم مؤيد بإلحاح لكنه لا يجيب. ༺༻ في نفس الوقت داخل المجمع التجاري كانت فاطمة تسير بجوار سلطان الذي يدفع بعربة ممتلئة وهو يزغر كل الرجال المتواجدين في المكان بشكل مريب، ذراعه تحاوطها من الخلف دون أن تمسها وإرشاداته لا تتوقف حتى حين لا يكون هناك داعي لها ورغم كل ذلك كانت مراقبته وهو منهمكًا بحمايتها ممتعة لأبعد حد، فكرت فاطمة أنه ليس عدلًا أبدا أن نرى في شدة الآخرين لين، أن نرى في تعنتهم اهتمام ..أن نرى في جمودهم أمان، فكرت أنه لا منطقية في ذلك فإما أننا نمنح كل شيء منهم اسم مغاير حتى نرضى بما لا يرضينا وإما أننا بتنا نتقبل حتى مساوئهم، ولكن إذا قبلنا بها فما الذي جعلنا نقبل ؟؟؟ تنهدت فاطمة وهي تتوقف لتقول لسلطان " اللائحة انتهت الحمد لله، لم يتبق سوى شيء واحد سأذهب لجلبه وأنت ستسبقني نحو مكان الدفع " قال لها سلطان عاقدًا حاجبيه " ولمَ تذهبي بمفردك، اجلبي ما تحتاجين إليه وأنا معك " قالت فاطمة بحرج " إنها أشياء خاصة لذلك أفضل جلبها بمفردي " قال لها " هل عدتِ لذلك الحديث، ماذا تعني خاصة هل تعتقدين أني سأدعك تدفعين ثمن شيء " قالت فاطمة " بالطبع لا، كيف سأدفع وأنت موجود هذا لا يصح، أنا لم يكن هذا مقصدي سلطان لكن … قاطعها سلطان يقول " دون لكن .. فأنا بت أفهم رأسك، وإحمرار وجهك الذي لا داعي له يا فاطمة " التقطت فاطمة أنفاسها ظنًا منها أنه أدرك مقصدها ليقول سلطان " مهما كان ما تريده باهظا لا تحملين هما " قالت فاطمة بصدمة " باهظا ؟؟ لا ليس هكذا …أقول لك شيئا لقد صرفت النظر عن هذا الأمر دعنا نغادر " قال لها سلطان " ماذا يعني هذا، أنكِ ستغادرين دون شراء أغراضكِ، هذا لن يحدث يا فاطمة لذلك دعينا نحضر ما ينقصكِ ونغادر " قالت فاطمة بغضب " يا سلطان لقد تراجعت بالفعل أنا لا أريد تلك الأشياء، سأشتريها يوما آخر …لمَ تصر " قال سلطان بحدة " لأني لن أشتري كل هذا وأرحل وأنتِ تريدين شيئا، ما دمنا هنا والله لن نرحل حتى تشترين كل ما تصبو إليه نفسك " قالت فاطمة " يا سلطان افهمني الموضوع لا علاقة له بالنفس … قاطعها يقول بغضب شديد " لقد أقسمت " نظرت له فاطمة بغضب وقالت " أنا تعبت من الجدال معك، على كل حال هذه الأغراض لأجل أختك، اتبعني " نفخ سلطان صدره وتبعها ظنا منه أنها من شدة خجلها منه نسبت احتياجاتها لسارة وهو لا يبالي سوى بأن تشتري ما تريد. ༺༻ بعد قليل …… كانت فاطمة تحكم ابتسامتها بشق الأنفس وهي تتذكر ما حدث لوجهه حين وجد نفسه في قسم العناية النسائية، لقد شعرت أنه من فرط خجله يدب الأرض بعنف علّها تنشق وتبتلعه، فتح سلطان الباب الخلفي وبدأ بتحويل الأغراض إلى السيارة وبدأت فاطمة تساعده بصمت ستموت لتكسره وهي تقول بشماته حتى لا تعارضني فيما بعد لكنها أدركت أنها إن فعلت ذلك ستكون كمن تحرض التنين على نفث نيرانه في وجهها، تابعته فاطمة خلسة حتى انتهى مما يفعل ثم التفت وقال لها دون أن ينظر لوجهها " اركبي سأعيد تلك العربة إلى الداخل وسأعود " ارتفع رنين هاتفها فأخرجته من الحقيبة تنظر لشاشته وهي تقول " مؤكد تأخرنا على الفتيات لكن هذا ليس رقم إحداهن " ضيقت فاطمة عينيها بتفكير ثم قالت لسلطان " لماذا تقف هكذا ..لقد تأخرنا بالفعل " سألها سلطان بتوتر " لماذا لا تجيبين " قالت فاطمة " لأني لا أجيب على الارقام التي لا أعرفها إلا حينما تلح، فقد يكون شخص وطلب رقمي على سبيل الخطأ فأترك له المساحة ليستوعب ذلك بنفسه، انظر لقد انتهت المكالمة ومؤكد …. قطعت فاطمة حديثها وهي تقول " لعل إحدى الفتيات تملك رقم غير مسجل لدي " قال سلطان " ولعل أحد الشباب يتمادى، أجيبي وإن وجدته شخص لا تعرفينه احظريه فورا " قالت فاطمة بهدوء " مؤكد سأفعل سلطان " أجابت فاطمة قائلة " السلام عليكم ط، من معي " ليأتيها صوت عماد الذي جعل اللون الاحمر في وجهها ينقلب إلى ألوان وعيونها ترتفع لعيون سلطان بينما هو يقول " السلام عليكم، كيف حالك يا فاطمة، معك عماد " كان سلطان قد همّ بالتحرك ليتوقف بغته وهو يسمعها تقول بخفوت " من أين أتيت برقمي " وصلت جملتها لعماد خجولة وإلى سلطان كعود ثقاب ألقي على حطب مغطى بالبنزين بالفعل، التفت إليها بحدة بينما عماد يقول " أسف على الازعاج وعلى السعي لإيجاد رقمكِ رغم يقيني أن ذلك سيضايقك لكني أردت الاطمئنان عليكِ وإخباركِ أني ذهبت للحاج خلف لأعيد طلبي لعلكِ تركتي ردًا لديه لكنه فاجئني أنكِ سافرت برفقة ابنة عمك إلى إحدي المدن، حاولت فهم السبب من باب إهتمامي لكني لم أجد لديه رد شافي، وهذا ما شجعني على مهاتفتك، لقد خفت ألا تكوني بخير" ارتبكت فاطمة وشعرت أن الحديث تطاير ليس لعدم استطاعتها الرد ولكن لأن عيون سلطان كانت لها بالمرصاد، فتحت فاطمة فمها وأغلقته عدة مرات قبل أن تستجمع قوتها وتقول " سيد عماد مكالمتك هذه بالنسبة لي قمة الجرأة ولا أريدها أن تتكرر مجددا، وبالنسبة لطلبك فهو مرفوض تماما، وأرجو منك ألا تسألني عن أسبابي أو تحاول تقصي أخباري، مع السلامة " أغلقت فاطمة الخط ونظرت لسلطان تقول " أنه …. لكن سلطان لم يمنحها فرصة لتشرح وهو يجذب هاتفها بحده ويلقيه أرضًا ثم يدعسه بقوة جعلت من الهاتف شيء غير معلوم الملامح لتبرق أعين فاطمة بصدمة كبيرة وتقول بصدمة " هاتفي ".. ༺༻ على الجانب الآخر أنزل عماد هاتفه بغضب وهو يقول لوائل " كما قلت لك، هي لن تقبل بتلك الحركة، ها أنت استمعت إلى ردها وطريقتها الغاضبة، أنا لم يكن عليّ الانسياق خلف اقتراحاتك " قال وائل " لقد ظننتها متساهلة قليلا وسنخرج من خلفها بمعلومة لكن يبدو أن هذا لن يحدث " وقف عماد بغضب وقال " فاطمة لا علاقة لها بشيء ولا أريد جعلها طرف في تحرياتنا حتى ويكفيني حاليا الموقف الذي وضعتني فيه معها " ربت وائل على كتفه وقال " كل شيء سيكون بخير، اهدأ أنت فقط واستعد للهجوم الذي نعد له، ولا تشتت عقلك في شيء حتى نعود سالمين " تجهمت ملامح عماد أكثر فقال له وائل " أليس هناك أخبار عن فارس " أجابه عماد " لا، أنه لا يجيب على مكالماتي " قال وائل " أنه يفعل معي المثل، ولقد بدأت أقلق عليه وأفكر في زيارته اليوم " قال عماد الذي يكتب رسالة اعتذار طويلة " اليوم متى، هل تظن أننا سنعود من المداهمة مبكرًا، نحن سنداهم مقر غنام الحاوي وهذا يجعلني أتوقع أنها ستكون ليلة صاخبة " قال وائل " أواب خطط للمداهمة جيدا، استعد فقط وحين نعود سنتفق على موعد لنذهب إليه " تحرك وائل خارج الغرفة فألقى عماد هاتفه على المكتب بغضب شديد وهو يفكر أن فاطمة لن تمرر موقفه برسالة وعليه أن يقابلها وجها لوجه. ༺༻ بالمنزل كانت الأجواء مشحونة بالكثير من الانفعالات المكتومة، ملاك تدور حول نفسها ….أصالة تحاول باستماتة مكالمة رائف الذي لا يجيب وسمراء تشاهد الوضع بضيق بينما أسمهان تهتم بالصغار وسارة وكنزي تقفان وجها لوجه لتقول كنزي " سارة أنا أسفة، صدقيني لم أكن أعلم أنه قادم لقد تفاجئت مثلك " هزت سارة رأسها وقالت " أنا لن أفرض عليك شيء بشأن علاقتك بشاهين يا كنزي لكن أرجوك ليكن هذا خارج مجالي وبعيدًا عني فرؤيته ليست بالهينة" تحركت سارة نحو إحدى الغرف وتحركت كنزي بتعب نحو غرفة حور التي بات نومها ثقيل وعميق لدرجة أنها لم تستيقظ رغم كل ما حدث، أغلقت كنزي الباب خلفها واقتربت من السرير تجلس على طرفه بتعب، أكتافها متهدلة ورأسها منحني، ومشاعرها مجروحة إلى أبعد حد، التفتت تنظر إلى حور للحظات قبل أن تزحف ببطء نحوها حتى نامت إلى جوارها بصمت، تلتصق بها ..تتمسك بذراعها وتميل برأسها إلى كتفها كأنها تحتاج في تلك اللحظة إلى ذراعين يضماها بقوة تخرج منها تلك الوحشة التي تملأها، حديث شاهين عاد ليدق رأسها بقوة تلعب على كافة الأوتار الحساسة المشتاقة إلى سماع صوته، أغمضت كنزي عينيها تحاول أن تغرق في غفوة أبت أن تأتيها وفكرة أن تسمع صوته كأنها نيران وأضرمت في جسدها فباتت تتلوى من أجيج الرغبة وحدة المنع، صراع احتد لكن الغلبة فيه كانت لقلبها الذي جعلها تخرج هاتفها من جيب سترتها وتفتحه خافضة لصوته لتنهال عليها الرسائل كفيضان ابتلعها لتدور في فلكه، رسائل كأنها أرسلت في أربعة سنوات وليس أربعة أيام، ارتجفت كنزي بحزن شديد وقد بدأت في تفقد الرسائل ليرن الهاتف، في البداية فكرت ألا تجيب وتعود لتغلق الهاتف لكن شيء ما جعلها تفتح الخط مقررة أن تسمع صوته ثم تغلق الهاتف. ༺༻ كان علِيّ قد أوقف سيارته أمام الشارع الخارجي الحارة وترجل منها بوجه كأنه قد شاخ في الأربعة أيام وحفرت فيه الثواني خطوطها الحادة، ذقنه استطالت..ملابسه غير مهندمة وعيناه منطفئة ورغم ذلك يكمل في طريق بحثه دون كلل أو ملل، تقدم علِيّ نحو بيت تولين ووقف يتنفس بعمق قبل أن يدخل ليطرق جميل الأبواب بحثًا عنها لكن هاتفه الذي اهتز جعله يتريث ويلتقطه عل هناك خبر عنها ليصدم بشدة حين وجد أن هناك رسالة تخبره أن هاتفها بات متاح، سارع علِيّ يطلب رقمها ليتعالى الرنين بشكل تلاعب باتزانه ليصله صوت بعد لحظات صوت أنفاسها، ذلك الحسيس كان كفيل بجعل الدموع تندفع إلى عينيه فأسرع عائدًا نحو سيارته وهو يناديها " كنزي …أجيبيني، أرجوكِ أسمعيني صوتكِ حبيبتي " كتمت كنزي بكائها ولكنها لم تستطع غلق الهاتف بعد، سمعت صوت باب السيارة يفتح، شعرت بالأصوات تخفت من حوله وبقى صوته فقط واضحًا يجتاحها على مهل وهو يقول " كنزي أين أنتِ، أريحيني يا حبيبتي وقولي أين أنت وأنا سأتي إليكِ فورا، فأنا متعب وأريد أن أميل بجبهتي على كتفكِ وأرتاح، كنزي أنا ضائع هنا دونكِ، لا أعرف ماذا أفعل ولمَ أعيش أو كيف أكمل يومي، كنزي أنا لم أعد أحتمل ارحميني وقولي أين أنتِ ..قولي لي ولو كنتِ في نهاية العالم سأتي إليكِ، عودي إليّ كنزي ولا تكسريني أكثر فأنا دونكِ تائه، مشتت …أفقد معاني الأمور كأني لم أكن أعيش من قبل كأنه لا تاريخ قبل عينيك…لا زمن طويل ولا أيام فكل ما قبلك ليس إلا ومضة سرق منها حلاوة العمر وروعة الأحلام، سرق كما تسرقين مني راحتي وفرحي بغيابك، عودي حبيبتي وأخبريني بما دفعك لهجري، أخبريني فيما أخطأت وأعدك أن أفعل ما يرضيك " لم تجبه كنزي لكن إنفعال أنفاسها وشى أنها تبكي فصرخ علِيّ بقهر شديد " ماذا فعلت لكِ لتفعلي بي ذلك، تكلمي كنزي وارحميني، إنني أدور بحثًا عنكِ في كل مكان ولا أجدك، أدور لأني إن لم أفعل سأموت كمدا وقهرا، أترضين لي ذلك، أترضين ما أنا فيه، لمَ كنزي …لمَ تقهريني هكذا " أنهى حديثه بصرخة قوية أتلفت نبضها وجعلتها تغلق الهاتف بسرعة وهي تدفن وجهها في الوسادة وتفكر في كل ما تشعره يحول بينهما أما هو فانحنى على عجلة القيادة وظل يضرب رأسه بها بغضب قبل أن يدير السيارة وينطلق بجنون. ༺༻ بنفس الوقت داخل مزرعة حكم كانت هناك مواجهة قد بدأت دون سابق إنذار، كأنما القدر ساقهم جميعا لكي يكشف الستار عما يدور في كواليس حياتهم من أسرار لم يكونوا يعلمون عنها شيء، الوجوه كانت جامدة …الأجساد متحفزة ورائحة الغضب تملأ المكان، مكتب حكم كان مساحة صغيرة تضج بعقول رجال ملأتها أسئلة ومخاوف كبيرة جدا، حذيفة أغلق ملامحه كأنه يخشى أن يدرك أحد منهم ما يشعر به، وحكم جلس خلف مكتبه يكتم انفعالات قد تطيح بهم وأمامهما وقف خمسة رجال لكل واحد منهم مطلب ومئة سؤال دون إجابة، التوقيت كان خطأ ..الصدفة كانت ليست في صالح أحد، الوضع برمته كان ثقيلا خاصة على حكم الذي سأل بصوت قاطع " هل لي أن أعرف سبب زيارتكم " نظر بشر إلى حذيفة نظرة مملوءة بالظنون والشك ثم التفت إلى حكم وقال " من حقك أن تسأل ومن حقي أن أعرف ماذا يفعل حذيفة هنا وما علاقته بك " احتدت ملامح حكم وقال " مادمت بين جدراني إذًا وحدي من يملك الحق في كل شيء، أنت لست بمكان يمكن لأمرك به أن يسري على شخص غيرك، لذلك لا تساومني في الحديث " انفعل بشر بشكل ملحوظ لكنه تحكم في انفعاله بعكس ليل الذي قال بقوة " ما جئنا من أجله لن يستقيم إذا لم نفهم الكثير أولها ماذا يفعل حذيفة هنا، أنا لا أتحدث عن رجل لا يجمعنا به شيء بل أحدثك عن شخص كان يقيم بمنزلي ويتحرك بين نسائنا كأنه واحد منا " التفت حكم ينظر لحذيفة نظرة كان بها من الحدة والغموض ما جعل مؤيد يهز رأسه لبشر دلالة على عدم شعوره بالراحة، فتحفز بشر أكثر ومخاوفه تتكابل عليه ليقول رائف الذي كان يقف ليقيم الموقف بهدوء من أبعد نقطة بالمكتب وهو يعقد يديه على صدره " إذا لم نعرف ماذا يفعل هنا لن يكون لوجودنا داعي وسننسحب فورا دون حتى أن نوضح سبب قدومنا " وقف حكم بغضب شديد وقال " من أوهمك أن الدخول هنا كما الخروج " قال ليل بحدة " ماذا تعني، نحن لسنا رهائن لديك وكما دخلنا بإرادتنا سنخرج متى شئنا " قال حكم بقوة " حديثك هذا ينم عن جهلك بمن يكون حكم المنصوري " احتد الموقف وقد انتفض بشر واقفًا يقول بقوة " ومن يكون حكم المنصوري " التف حكم حول مكتبه ووقف بهيبة وبأس يقول " رجل لا يخضع لبشر، لا يقبل بالمساومة ولا يهاب سوى ربه " قال رائف الذي مر يعبر نحوه " جميعنا كذلك، ونظرة عينيك تخبرني أنك تعلم ذلك، لذلك ليكن حديثنا على المكشوف، ماذا يفعل حذيفة هنا " همّ حكم برد ثوري شعره حذيفة سيأزم الموقف فلم يحتمل الصمت أكثر وتحرك يقف بينهما قائلا " حسنا، إذا أردتم أن نتحدث في ذلك فلا أظن أن للسيد مؤيد مكان فهو لم يكن جزء مما مضى ولا أظنه يريد التورط فيكفيه مشاكله بالفعل " لم يشعر مؤيد بالإهانة مطلقا بل وقف ببطء مدروس ونظر لحذيفة بقوة وقال " أنت محق أنا لست هنا لأجل ذلك لكن حين الجد أريدك أنت تدرك أنت ومن خلفك أن الأمر يخصني جدا وجدا " عمّ الصمت للحظة واحدة لا أكثر قبل أن ينظر مؤيد لحكم ويقول " أنا أريد أم طفلتي فأنا أعلم أنها هنا" نظر له حكم قليلا يخترق بصمت عينيه ويسبر عمق أغواره قبل أن يرفع عينيه للوجوه أمامه يدور فيها ببطىء شديد ويقول فجأة كأنه يحدث أحد يقف بينهم " يهدين أخبري سيادة أن لديها ضيف " اسمها جعل فخر الذي منذ دخول حذيفة وهو يصب عليه وابل من النظرات المحتقرة، فتح باب المكتب دون مقدمات لينظر حكم إلى مؤيد ويقول " أم طفلتك تنتظرك لكن كن حذرا فأنا لا يضام في منزلي إنسان " جابهه مؤيد بقوة وقال " هذا واضح " ثم التفت ليخرج من الغرفة وتحرك عدة خطوات حتى وقف أمام بشر فربت على كتفه بدعم قبل أن يكمل طريقه خارج الغرفة التي أغلق بابها كما فتح ليعود حكم بخطوات مدروسة إلى خلف مكتبه وهو يشمر عن ساعديه ويقول لحذيفة " ما دمت قررت التحدث لا بأس، دعنا نستمع ". ༺༻ تحرك مؤيد خلف يهدين نحو الطابق العلوي حيث غرفة سيادة، لقد فكرت يهدين في جعلها تنزل لتلاقيه لكنها أرادت أن تمنحهما قدر من الخصوصية يجعل سيادة تخرج كل ما بداخلها، أرادت أن تريه أنه حين طردها من جنته لم تضق بها أرض الله، أرادت دون حديث أن تريه أن سيادة تملك منزل وحماية وأن ما نزعه منها كان أكبر بكثير من مجرد جدران وأمان، كان مؤيد يسير خلفها يتفقد بعينيه كل ركن وفي عقله تدور طواحين الفكر بلا توقف، كان في عمقه يعد لذلك اللقاء حسابات جميعها باتت غير قادرة عل الإلمام بما ستكون عليه تلك المواجهة، كان رجل جذبته قسرا دوامات الشوق نحو إمرأة كما البئر العميق الذي ظنها ستروي ظمأة لتفاجئه وهي تسقطه في قاعها المظلم، توقفت يهدين فتوقف مؤيد بدوره لتقول له باقتضاب وهي تشير لغرفة سيادة بينما وجهها بالكامل مخفي بشكل جعل مؤيد يتوجس منها " إنها بهذه الغرفة " لم يتردد مؤيد لحظة وهو يتحرك نحو الغرفة فلهفته لرؤية ماسة كانت تهون عليه تضارب مشاعره الذي احتد لرؤية أمها التي كانت تقف في استقباله بعيون أنبأته أنها جمعت شتاتها وحشدت كل ما تحتاجه لتلك المواجهة التي لم يكن مدركًا كيف ستبدأ وأين ستنتهي، لم يلق سلام لم يناديها بل تقدم بصمت مدروس كان بالماضي يعيشان في جنباته لحظات لا تنسى، هو بعينيه يغازل وهي بعينيها تخجل، هو بنظرة يطالب وهي بنظرة تخضع، هو بطرف عين يشاور وهي بطرفة عين تتبع قصة ظن فيها من القوة ما سيمنحه السكينة ليتفاجيء أنه كان يسكن في تجويف حلم هش بمجرد أن فتح عينيه تطاير كما يتطاير الدخان، أما هي فكان كل مشاعرها تركض من أقصاها لأدناها فرارا من سطوة حضوره، كانت تقف أمامه بضعف يخذيها وبقوة تدعيها وبحب تفضحه عيناها الواشية، كانت إمرأة في حضرة الرجل الذي كسر قلبها، لم يبادر بالحديث بل كان كأنه يملأ عينيه منها بعد طول غياب ثم تحرك نحو ماسة لترق عيناه كما لو أنه طفل رأى معجزة ليس لها مثيل، سقط أرضًا وهو يجلس على السرير ويحملها بكفوف ترتجف ثم يضمها لصدره كأنه يعرفها على مسكنها الاصلي في تلك الحياة، غزت الدموع عيون سيادة التي كانت تراه يقبل ماسة فيحترق جلدها شوقًا لملمس شفتيه وعبق أنفاسه، كأن كل جزء بها يشتاقه بطريقة مغايرة إلا عقلها، طال اللقاء وطال الصمت قبل أن يقطعة مؤيد سائلا " لماذا ماسة " تنهدت سيادة وقالت " لكي أشعر أنها منك، دومًا ما أخبرتني أن كنزي تمثل لك جوهرة غالية فأردت أن تكون ماسة جوهرة غالية أيضا " قال مؤيد " كيف كانت ستمثل لي ذلك وأنا لا أعلم بوجودها " قالت سيادة " لم أظنك تريد أن تعلم عني أوعن ما يخصني أي شيء " قال مؤيد من بين أسنانه " ابنتي ليست مجرد شيء يخصك سيادة، ابنتي ليست مشاعري التي تلاعبتي بها، ليست قلبي الذي ألمته، ليست حياتي التي قلبتها رأسًا على عقب سيادة " كأنها كانت تنتظر منه إشارة يلوح فيها إلى الماضي لتنفجر قائلة " توقف عن التحدث هكذا، توقف مؤيد عن جعل نفسك المجني عليه في قصتنا لأنك لست هكذا وأبدًا لن تكون " وضع مؤيد ماسة برفق على السرير، وضعها بقلب مازال لا يستوعب عصف المشاعر الذي يطيح بها وهي بين يديه وتحرك تجاه سيادة بغضب أطلق عنانه يمسكها من يدها ويهزها بعنف قائلا " لن أكون ماذا ؟؟ مخدوع فيك …لقد كنت وانتهى سيادة، المرأة الوحيدة التي أخرجتني عن ثباتي تلاعبت بي كما الكرة وأسوأ، لقد كانت أعظم مخاوفي مجرد تورطك في أمر مع الشافعية لكن ما وجدته كان أكبر من ذلك بكثير، كأنني أعيش مع جاسوسة في منزل واحد، ملفات خطرة ومقاطع مصورة لرجال مهمة، وجوازات سفر عدة كل واحد منها باسم مختلف وجنسية مختلفة، صور غريبة لكِ مع أشخاص أغرب، لقد كنت كمن خاف كذب فوقع في عالم مليء بالخداع " ارتجفت سيادة من هول الغضب الذي تراه في عينيه بينما هو يكمل قائلا " ماذا كنتِ تتوقعين مني أن أفعل، لقد شعرتكِ غريبة مخادعة وشعرت نفسي مغفل، لم أكن لأطالبك بالحقيقة حينها لأنك لو أردتي لقلتها من البداية " سحبت سيادة نفسها بعيدًا عن عنف قبضته وقالت " هل انتهيت من وصف مهزلة زواجنا، من جعلي أشعر بالحقارة، من سرد كل ما تعرضت له على يدي، إن كنت انتهيت دعني أذكرك أني أحببتك …أحببتك ولم أؤذيك يومًا " بهت مؤيد من كلماتها وشعر أن سياج غضبه العتيد يقع تحت خطر محدق، لتكمل هي كلماتها دون تردد وتقول بغصة " لقد شعرت بجوارك بأمان لم أشعره في عمري، سكنت إليك، حاصرني دفئ ذراعيك الذي ما وجدته أبدا في مطلق بشر، ليس في طفولة بلا أم …أو مراهقة بلا عائلة …أو شباب بلا رجل وهذا جعلني لم أتردد في جمع كل أسراري ووضعها بمنزلك، أنا لم أشأ أن أخفي عليك شيء وإلا ما جمعت كل تلك الأشياء ووضعتها قريبًا منك، أنا فقط كنت أتحين لحظة مناسبة أكن بها متيقنة تمام اليقين أنك ستستمع لي بكل كيانك لتفهم حكايتي وتساعدني وتغفر لي ما اضطررت أن أخفيه عنك، كنت أنتظر اللحظة التي أشعر بها أن رصيد المشاعر بيننا بات غير محدود " صمتت سيادة للحظة قبل أن تقول بقهر ودموعها تجري " لكنك قطعت انتظاري وكل أمل بنيته، قطعت كل ما بيننا دون أن تعطني الفرصة لأبرر …أنت لست بالحنان والتفهم الذي تدعيه، أنت لست ذلك الرجل الذي ظننته، حتى أني بت لا أفهم وجودك هنا إلا بشكل واحد، أنت تريد ابنتك مؤيد …لا تريدني …ولا تريد الحقيقة، وأنا أيضا لا أريدك " هدر بها مؤيد " سيادة " هزت رأسها بانفعال شديد تقول له " ماذا ؟؟ هل أخطأت " قال لها بحدة " أنا هنا لأني أريد ابنتي والحقيقة …أريد الاثنين …أريد أن أرى لكِ عذر في خداعي على أتخطاه وأتقبل كونكِ أم ابنتي " تصدع مدارها من شعور النأي الغريب بين كلماته، خذلتها غربة التعبير حين وصفها، ومزقها ثباته وهي التي تتزلزل لمجرد وقوفها أمامه لتشعر أنها ما عادت ترتجي في حكايتها خطى متمهلة، ما عادت ترتجي أمل الفرص الذي يلوح للغضب في صدرها مطالبًا إياه بهدنة وقالت " الحقيقة … حسنا مؤيد استمع للحقيقة .. أنا لست يتيمة …أنا مجهولة النسب، فتاة شوارع نشأت في وكر رجل عصابات علمها فنون السرقة والتسول، مرت بكل بشاعة قد يتصورها عقلك، عشت طفولة بائسة ومراهقة صعبة، أجري بالطرقات أمد يدي لك ولغيرك فإما أن يمد لي يده بحسنة أو يمد لي يده بطريقة أخرى فلكل شيء مقابل " مسحت سيادة دموعها بعنف كأنها تحاول أن تكون في قمة ثباتها بينما ترميه ببارود الكلمات قائلة " بالصدفة وقعت بين يدي رجل أواني وعلمني فنون المكر والقتال وكل ما يتطلبه عالم الحيتان، منحني حياة كريمة لكن في ذات العالم القذر الذي ولدت به، أنا لقيطة مؤيد …هذه هي الحقيقة في أوضح صورها، لقيطة ثم فتاة للمهام الصعبة، المهام التي لا تعرف الضوء " صمتت وقد أنهكها الخذلان الذي ظنت أنه ما تبقى بداخلها شيئا منه وقد استهلكته كاملا في فترة غيابه، أخذت نفس عميق أمام عينيه التي اختلطت فيها الصدمة بالحزن وقالت " ثانية ماسة لا شيء لك فيها لتطالب به، ففي النهاية حملي منك يبدو أنه كان نتيجة علاقة جسدية بلا مشاعر، علاقة كنت قادرة على الحصول عليها بأي طريقة كانت لتكن ماسة حينها ابنة أية شخص غيرك…شخص قد لا يطالبني بأي شيء حتى الحقيقة " لم يكن رد مؤيد سوى صفعة هوت على وجهها ببطش أسود، توسعت أعين سيادة من هول الصدمة ورفعت عينيها كأنها مازالت لم تستوعب ما حدث ليقول لها مؤيد بغضب " جهزي نفسك وابنتك لترحلا معي " ظلت سيادة متجمدة تراقبه وهو يخرج من الباب بخطوات تكبت عنفًا وجسد ينتفض من فورة ما يعتريه ومازال عقلها لم يستوعب بعد ما حدث. ༺༻ بغرفة المكتب كان حذيفة يقف أمام عيون ما كان يتمنى يوما أن ترمقه بذلك التوجس والحذر، كان هناك شعور بالذنب يملأه ….شعور مرير ولكن ليس بمرارة كل الحقائق التي في حياته، وقف متخذا قرارا قاطعا بأن يمنحهم الصراحة كما منحوه الملجأ والعائلة، لم يكن قادرا على الجلوس وتقييد انفعالاته فوق مقعد بارد لا يشعر بآتون الحزن بين أوردته، لذلك كان الوحيد الذي يقف بجوار النافذة التي لم تعكس في عينيه جمال المكان بل عكست في عينيه غربة داخله كان كأنما يطل على فوضى قلبه من خلالها، التفت حذيفة ينظر لوجوههم مرة أخيرة قبل أن يلقي بما في جعبته وقال " لن أتحدث سوى فيما يخصكم، ولا تسألوني عما لا يخصكم مهما بلغ بكم الفضول لأني لن أجيب فهذا أقصى ما أستطيع فعله " تبادل الجالسين خلفه النظرات ماعدا حكم الذي كانت عيناه ترصد منه كل اختلاجه مهما بدت واهية ليقول حذيفة " كل شيء من البداية كان مخططا له، دخول رائف القصر، عمله لدي …مقابلته بي …دخولي بينكم، لم يكن هناك بالأمر صدفة " قال رائف باعتراض " أنا لم أعمل لديك ولم ألتقيك قبل ذلك اليوم الذي … قاطعه حذيفة يقول " الذي أنقذتني به أنت وتولين …حتى هذا كان مخططا له " قال رائف بحدة " توقف عن الحديث بالألغاز، ما الذي تقوله أنت " قال حذيفة " كل هذا أعددته لأدخل بينكم، فقد كنت أبحث عن شيء مازلت لم أصل إليه لكني على وشك ذلك، أنا من كان لك المهام التي كنت تقوم بها ليلًا …أنا من كان يرسل إليك الأموال، أنا من وضع رحيل في طريقك، أنا من دفعك نحو غنام …أنت لم تكن في تلك القصة سوى بيدق رائف، بيدق إن لم ألعب به سيتولى الأمر غيري، أنت شخص مهم جدا لكنك مازلت تجهل ذلك " حالة من الفوضى اندلعت في عقل رائف الذي أطاح الحديث بثوابته بينما هاج بشر يقول " ما الذي تقوله أنت ، ما هذه الطلاسم، إلى ماذا كنت تسعى وأنت تتلاعب بنا جميعا " قال له حذيفة " أنا لم أؤذ أحدا منكم نهائيا بشر، أنا صنت العشرة بكل ما أوتيت من قوة " هدر به ليل " صنت العشرة، هل تمزح معنا، تلاعبت بنا جميعا ودخلت بيننا وصرت واحد منا وأنت مجرد مخادع لك أغراض لا تريد الإفصاح عنها وتقول لم أؤذ أحدا " كل ذلك كان يدور تحت أعين حكم التي تخفي نيران الصدمة خلف جدار ثبات ضخم، نظر حذيفة لليل وقال " هذه الحقيقة يا ليل، ربما خدعتكم كما تقول لكني في المقابل فعلت لكم الكثير، الكثير مما لم يحن موعد الإفصاح عنه لكن وحتى يحين ذلك تذكروا أني أعدت رائف إليكم، دعمتكم جميعا في محنكم ولم أؤذيكم تحت أي ظرف " اندفع رائف نحو حذيفة يهجم عليه بانفعال عنيف مباغت وهو يصرخ به " أنت من دمرت حياتي، أيها الحقير " تحرك فخر يجذب رائف هو وليل للخلف ليهدر حكم الذي وقف يدفع بحذيفة خلفه قائلا " كفى …تراجع " لم يتراجع رائف قيد أنملة وهو يصرخ بحكم " ليس قبل أن أخرج منه إجابة كل سؤال أسود يدور في رأسي الآن، ليس قبل أن أفهم لمَ تلاعب بي وماذا جنى " قال حكم بأسلوب قاطع " هو قال ما يخصكم وما سيستطيع قوله، ولن تجدوا هنا إجابات أكثر من ذلك، لذلك أخبروني عن سبب وجودكم هنا أو سأعرف بطريقتي " قال له بشر " نحن لا نهدد سيد حكم، لا تستخدم معنا ذلك الأسلوب مهما حدث " نظر له حكم باستخاف وقال " ثقتك ليست في محلها سيد بشر " كان حذيفة يقف خلف حكم كالطفل الذي يحتمي بعباءة أبيه مغمضًا عينيه عاجزا حتى عن مواجهة نظراتهم ليقول ليل " ما سمعناه لا يعد كافيا أبدا " قال حكم " أنه المتاح، والآن أخبروني لماذا أنتم هنا " نظر بشر لليل ثم قال بحدة وهو يلتفت لحكم " أنا هنا من أجل رحيل " قال فخر الصامت من فرط شتاته فيما يحدث حوله " وأنا هنا من أجل يهدين " قال ليل بقوة " وأنا هنا من أجل إخوتي " لينظر حكم بأعين رائف الذي مازال يقف أمامه وقال " وأنت ماذا تفعل هنا " قال رائف بحدة " أنا هنا من أجل السيد " تصلب فك حكم وتجهمت ملامحه وقال "ما الذي قد يدفعني لأن أكون سلسا وأتوغل معكم في أمور ليست بالهينة مطلقا، ما الذي قد يجبرني على ذلك " أجابه رائف وقد عاد المكر الذي يمقته في نفسه ليلمع في أحداقه وهو يقول " لأن مصلحتنا صارت واحدة وبناء عليه سنتحالف " نظر حكم لهم وقال " هذاعرضكم إذا، تحالف مقابل إجابات تجهلونها " قال بشر" بل دعم مقابل دعم أنا أريد أن أغلق باب هذه الحرب التي لا أدرك لها أسبابا، أريد الأمان لعائلتي …والتي على رأسهم رحيل " قال له حكم " الأمر ليس بتلك السهولة، فهنا الأمور لا تسير بتلك الطريقة أبدا، عرضكم سأفكر به جيدا وإذا وجدت لدي قبول سيكون بيننا لقاء آخر ستجدون به إجابات شافية لكن يهدين ليست سؤال ولا مطلب ولا أريد أن يذكر اسمها بيننا مهما كان السبب، فما فعلته لأجلكم كفيل بجعلكم تدركون أنها ليست شخصية من المسموح ذكر اسمها دون داعي " قال فخر بانفعال " لما سيد حكم، لقد طلبت منك يد يهدين وأعيد طلبي الآن، أنا أريدها زوجتي على سنة الله ورسوله " نظر له حكم للحظات بصمت قبل أن يحرك عينيه بينهم قائلا بقوة " المقابلة انتهت " امتقعت وجوههم من أسلوبه الصارم المهين ولم يقو أي منهم على الحركة خاصة رائف، كانت الغرفة ساحة لنزال نظرات حامي، ليقطع مؤيد المعركة وهو يفتح باب المكتب وبعينيه نظرة تعكس أنه على أهبة الاستعداد للقتال. ༺༻ بالمنزل الكبير كان مجلس العائلة قد نصب ورجال العزايزة يتوافدون من كل حدب وصوب منذ ساعات بعدما أعلن يوسف العزايزي أنه سيأخذ عزاء والدته في البيت الكبير، الحديث يتناثر هنا وهناك حول موتها، الآقاويل لا تنتهي خاصة وأنها ماتت منذ أربعة أيام وتم دفنها، تأجيل العزاء يعني الكثير والكل مترقب لكن ليس كترقب عبد الرحمن الذي جلس في صدارة المجلس وبجواره منذر فاتحًا بيته للوافدين لتقديم التعازي ماثلا لطلب يوسف الغير مباشر في أن يكون العزاء في البيت الكبير فهو لم يكن ليغلق بابه في وجه أحد رجال العزايزه وخاصة في شدة، الصوان كان بالغ البذخ، جميع تفاصيله كانت كأنها أعدت على مهل لتناسب شخصية يوسف النرجسية المتكبرة حتى في أشد لحظاته حزنًا، كل ما يحدث يخبر عبد الرحمن بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك ما يحكاك في رأس ذلك المكير القذر، فهو لن ينسى كيف ظل يحدق في وجه منذر ذلك اليوم وهو مشهرا سلاحه، كيف تماسك وهو يأمر رجاله بفتح القبر …كيف بمنته الصمت دفن والدته دون أن يبلغ الشرطة أو يثور، كأن في عقله فخ حفر في التو واللحظة …فخ يعلم أنه سيكون ضخمًا ليسع أكثر من ضحية وها هو رابضًا ينتظر أن يظهر يجر خلفه مصائبه، الصوان كان مكتظًا بالرجال ومازال يوسف لم يظهر، دخل بشر ومن خلفه ليل وفخر ورائف الذي تعلقت أنظار عبد الرحمن به حتى ظن أنه ربما من شباب العائلة المغتربين الذين لم يرهم منذ زمن لذلك تغاضى عن السؤال بينما اقترب بشر من منذر الذي تنفس الصعداء حين وقعت عينه عليهم وسأله " ماذا يحدث" قال منذر " أين كنتم ظننتكم لن تعودوا اليوم " قال بشر " كان هناك شيئا مهما أنجزناه وعدنا، لكننا لا نفهم ما يحدث " قال منذر " لقد تفاجئنا برجال تستأذن الشيخ لينصبوا بأرضه صوان عزاء والدة يوسف، ثم تفاجئنا بالوافدين..الوضع كما ترى وذلك الرجل مختفي تماما حتى الآن" قال ليل بحدة وخفوت " كان على الشيخ عبد الرحمن إبلاغ الشرطة بما حدث" قال منذر " الشرطة كانت ستكتشف ما يخفيه سيادة النائب والفضائح كانت ستطول العائلة بأكملها، قتل واختلاط أنساب وما خفي كان أعظم " قال بشر " لمتى سنظل نخشى من الفضائح، يا إلهي يمر من الزمن ما يمر ويبقى الفكر كما هو " قال فخر " لنجلس فنحن نلفت الأنظار بالفعل " جلس الشباب ليسأل ليل منذر " ماذا عن تلك المرأة والطفل، ماذا ينوي الشيخ بشأنهما " قال منذر بتوتر بالغ " صدقا لا أعلم فالشيخ عبد الرحمن لا يفصح عن شيء أبدا " اهتز هاتف منذر فأخرجه ليجد رقم بهية فأجابها مسرعا وقلبه ممتليء بهلع لا يبوح به لسواها وقد باتت سره ونفسه التي لا يخجل من أن يعري دواخله أمامها قائلا " أأنتِ بخير " وصله صوت صراخ بهية تقول " سيقتلوني يا منذر أغثني " لم يدر منذر عمن تتحدث أخوتها أم غيرهم لكن ركض بشكل جعل الشيخ عبد الرحمن يفز والشباب من بعده يتبعونه دون تفكير ليقطع خروجه من الصوان دخول يوسف بشكل تمثيلي كأنه تدرب عليه مئة مرة، كان يرتدي عبائة سوداء فاخرة، أسفلها جلباب أسود يمسك بيده عصاه المرصعة واليد الأخرى في معصمها ساعته الباهظة وبين أصابعها السبحة المتلألئة، كان ليس رجل كسره الحزن على أعز ما يملك، بل بدى رجل توحش حتى بزغت أنيابه علانية، وقف منذر أمام يوسف ومن حولهما الصوان بأكمله، كانا وجها لوجه ليقول يوسف بصوت جهوري " لقد جمعتكم اليوم لأخبركم أني لن أقبل عزاء والدتي إلا حينما أخذ بثأرها وعلى رؤس الأشهاد، ثأرها ممن قتلها وممن دفعه لارتكاب الجريمة، منذر العزايزي الذي استغل شيخكم نفوذه وضغط عليّ لأطلق زوجتي وزوجها له ..وشيخكم الذي كان يريد كسري لكي أتحدث وأفضحه على الملأ وأنزع منه المشيخة لأنه آخر من يستحقها ". انتهى الفصل الرابع والعشرون قراءة ممتعه للجميع ❤️ | ||||
03-02-23, 05:35 AM | #309 | ||||
| تعديل المشهد الأخير ناقص ياريت تقرأوه كامل من هنا ليقطع مؤيد المعركة وهو يفتح باب المكتب وبعينيه نظرة تعكس أنه على أهبة الاستعداد للقتال. ༺༻ كان رائف يقود سيارة بشر نحو الطريق الداخلي لأرض العزايزه بصمت وملامح امتزج فيها الحزن بالخيبة والوجع، الجميع كانوا صامتين وكل منهم يدور في فلكه دون هوادة، رائف ضائع وبشر مهموم وليل غاضب وفخر حزين، والجميع وإن اختلفوا في الشعور متفقين في هول ما هم مقبلين عليه، جميعهم يشعرون أن هناك كارثة مقبلة، قلوبهم جميعا حدثتهم أن كل الهدوء الذي عاشوه لأشهر ما هو إلا السكون الذي يسبق العاصفة، اعتدل بشر ينظر إلى الطريق المزدحم أمامه بذهول، يتأمل الأضواء المعلقة من بداية الطريق إلى مد البصر وصوت القرآن الذي يدوي مزلزلا حتى الطريق من أسفلهم ويقول لليل " ماذا يحدث، هل جد جديد، نحن لم نغيب سوى لبضع ساعات " قال ليل بتفكير " لعل ذلك الحقير قرر أخذ عزاء والدته، أربعة أيام ونحن مستنفرين بسببه، وهو لا حس ولا خبر كأنه يعد لكارثة " قال فخر " لو أن هناك ما حدث لأبلغنا منذر " تنهد بشر بتعب وقال " منذر أحيانًا ينسى أن يفعل الأشياء المهمة ولا يتذكرها إلا عند حدوث كارثة، من كان يصدق كل ما كان يخفيه " التفت بشر لرائف الذي بدى شاردا وربت على كتفه قائلا " تعبت من القيادة " أجفل رائف والتفت إلى بشر يقول " ماذا " قال بشر باشفاق بالغ لحاله " لا شيء، ظننتك تعبت من القيادة " هز رائف رأسه وقال " أبدا، أنا بخير " ثم نظر للطريق وعقد حاجبيه كأنه رآه للتو وقال " ماذا يحدث" تنهد بشر بوجل وقال " لا أعلم لكن فليجعل الله المخفي عنا لطيف " ༺༻ بالمنزل الكبير كان مجلس العائلة قد نصب ورجال العزايزة يتوافدون من كل حدب وصوب منذ ساعات بعدما أعلن يوسف العزايزي أنه سيأخذ عزاء والدته في البيت الكبير، الحديث يتناثر هنا وهناك حول موتها، الآقاويل لا تنتهي خاصة وأنها ماتت منذ أربعة أيام وتم دفنها، تأجيل العزاء يعني الكثير والكل مترقب لكن ليس كترقب عبد الرحمن الذي جلس في صدارة المجلس وبجواره منذر فاتحًا بيته للوافدين لتقديم التعازي ماثلا لطلب يوسف الغير مباشر في أن يكون العزاء في البيت الكبير فهو لم يكن ليغلق بابه في وجه أحد رجال العزايزه وخاصة في شدة، الصوان كان بالغ البذخ، جميع تفاصيله كانت كأنها أعدت على مهل لتناسب شخصية يوسف النرجسية المتكبرة حتى في أشد لحظاته حزنًا، كل ما يحدث يخبر عبد الرحمن بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك ما يحكاك في رأس ذلك المكير القذر، فهو لن ينسى كيف ظل يحدق في وجه منذر ذلك اليوم وهو مشهرا سلاحه، كيف تماسك وهو يأمر رجاله بفتح القبر …كيف بمنته الصمت دفن والدته دون أن يبلغ الشرطة أو يثور، كأن في عقله فخ حفر في التو واللحظة …فخ يعلم أنه سيكون ضخمًا ليسع أكثر من ضحية وها هو رابضًا ينتظر أن يظهر يجر خلفه مصائبه، الصوان كان مكتظًا بالرجال ومازال يوسف لم يظهر، دخل بشر ومن خلفه ليل وفخر ورائف الذي تعلقت أنظار عبد الرحمن به حتى ظن أنه ربما من شباب العائلة المغتربين الذين لم يرهم منذ زمن لذلك تغاضى عن السؤال بينما اقترب بشر من منذر الذي تنفس الصعداء حين وقعت عينه عليهم وسأله " ماذا يحدث" قال منذر " أين كنتم ظننتكم لن تعودوا اليوم " قال بشر " كان هناك شيئا مهما أنجزناه وعدنا، لكننا لا نفهم ما يحدث " قال منذر " لقد تفاجئنا برجال تستأذن الشيخ لينصبوا بأرضه صوان عزاء والدة يوسف، ثم تفاجئنا بالوافدين..الوضع كما ترى وذلك الرجل مختفي تماما حتى الآن" قال ليل بحدة وخفوت " كان على الشيخ عبد الرحمن إبلاغ الشرطة بما حدث" قال منذر " الشرطة كانت ستكتشف ما يخفيه سيادة النائب والفضائح كانت ستطول العائلة بأكملها، قتل واختلاط أنساب وما خفي كان أعظم " قال بشر " لمتى سنظل نخشى من الفضائح، يا إلهي يمر من الزمن ما يمر ويبقى الفكر كما هو " قال فخر " لنجلس فنحن نلفت الأنظار بالفعل " جلس الشباب ليسأل ليل منذر " ماذا عن تلك المرأة والطفل، ماذا ينوي الشيخ بشأنهما " قال منذر بتوتر بالغ " صدقا لا أعلم فالشيخ عبد الرحمن لا يفصح عن شيء أبدا " اهتز هاتف منذر فأخرجه ليجد رقم بهية فأجابها مسرعا وقلبه ممتليء بهلع لا يبوح به لسواها وقد باتت سره ونفسه التي لا يخجل من أن يعري دواخله أمامها قائلا " أأنتِ بخير " وصله صوت صراخ بهية تقول " سيقتلوني يا منذر أغثني " لم يدر منذر عمن تتحدث أخوتها أم غيرهم لكن ركض بشكل جعل الشيخ عبد الرحمن يفز والشباب من بعده يتبعونه دون تفكير ليقطع خروجه من الصوان دخول يوسف بشكل تمثيلي كأنه تدرب عليه مئة مرة، كان يرتدي عبائة سوداء فاخرة، أسفلها جلباب أسود يمسك بيده عصاه المرصعة واليد الأخرى في معصمها ساعته الباهظة وبين أصابعها السبحة المتلألئة، كان ليس رجل كسره الحزن على أعز ما يملك، بل بدى رجل توحش حتى بزغت أنيابه علانية، وقف منذر أمام يوسف ومن حولهما الصوان بأكمله، كانا وجها لوجه ليقول يوسف بصوت جهوري " لقد جمعتكم اليوم لأخبركم أني لن أقبل عزاء والدتي إلا حينما أخذ بثأرها وعلى رؤس الأشهاد، ثأرها ممن قتلها وممن دفعه لارتكاب الجريمة، منذر العزايزي الذي استغل شيخكم نفوذه وضغط عليّ لأطلق زوجتي وزوجها له ..وشيخكم الذي كان يريد كسري لكي أتحدث وأفضحه على الملأ وأنزع منه المشيخة لأنه آخر من يستحقها ". | ||||
03-02-23, 03:10 PM | #310 | ||||
| اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد لا تنسوا الباقيات الصالحات سبحان الله الحمد لله لا إله إلا الله الله أكبر لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|