آخر 10 مشاركات
شعر ثائر جزائري (6) *** لص ذكي سارق عجيب *** (الكاتـب : حكواتي - )           »          تناقضاتُ عشقكَ * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : ملاك علي - )           »          219 - صديقان ...وشيئا ما - جيسيكا ستيل (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          رواية صدفة للكاتبة : bella snow *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : bella snow - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          رواية أحببت فارسة أكاريا (الكاتـب : الفارس الأحمر - )           »          طيف الأحلام (18) للكاتبة: Sara Craven *كاملة+روابط* (الكاتـب : nano 2009 - )           »          119 - بدر الأندلس - آن ويل - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-07-22, 12:59 AM   #31

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 28-12-23 الساعة 04:14 PM
شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-22, 01:56 AM   #32

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 28-12-23 الساعة 04:35 PM
شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-22, 01:58 AM   #33

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 28-12-23 الساعة 04:36 PM
شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 01:34 AM   #34

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 28-12-23 الساعة 04:37 PM
شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 01:35 AM   #35

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 28-12-23 الساعة 04:37 PM
شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 03:59 PM   #36

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

لا شيء يكفي …لا شيء لقد حاولت مرارآ، الآلم في صدري لا يتوقف مهما حاولت، ذلك الآلم لا يكتفي مهما فعلت، لا يرحمني مهما تعذبت أتدرين عن حالي بعيد عنك، أنا كإنسان معذب بالنبذ كل يوم يمر عليه في منفاه يجرب الموت بمئة طريقة ولا يفلح ، يجرب ويجرب بلا توقف وكل مرة لا يتم الأمر لأني أتساءل كيف سأرحل عن العالم دون وداعك

تكملة الفصل 👇👇👇👇👇


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 04:00 PM   #37

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل التاسع….
أعيديني إلى رشدي، فلكم عانيت في صمت ماعاد أمره مجدي، ولكم علقت في لوع وفي تيم وفي وجد، ولكم صارعت كلماتي فأصبت بالخرس وحدي، ولكم تمنيتك لأزمان أثارت الجدل ضدي، ولكم مازلت رغم خسائري أعافر دون أمل فلربما قبلت بالهوى ودي، أعيديني متزنا يا سيدة لا يساويها في الكون شيئا عندي.
………..
من يصدق أن هذا هو اليوم الذي ترقبته كثيرا ورسمت في خيالها عنه تفاصيل لم تجد لها نهاية مع كل شخص كانت روحها تميل إليه بإعجاب واهي لا يعني شيئا، يوما بَنَت عليه آمال لحياة جديدة ستكون هي بدايتها الأمنة بجوار شخص أدركت أنه سيكون ضالتها التي أتت بعد طول عناء، يومآ انتظرته بشغف لا ينضب رافضة أن تتوقع هوية ذلك الذي سيجاورها لتمنحها الحياة أكبر كف إفاقة وهي تنهي كل هذا الإنتظار بنكبة لا تجد منها مخرج ولا حل لها سوى الاستسلام، كلها ينتفض كأنما تُجر لحتفها، ومشاعرها ممزقة ما بين وجه مؤيد الذي يخضعها لتستكين وتخضع دون جدال وبين وجوه تلك العائلة التي تحثها على الفرار دون الإلتفات للخلف، تضارب يملؤها من رأسها حتى الأصابع، تضارب مؤذي لكيانها الذي يهتز وأفكارها التي تعيش غارة إبادة لا تستدعي سوى التمرد والرفض.
نظرت كنزي لملامحها ذات الزينة المتقنة بشكل لا يشوبه شائبة لدرجة أخرستها أكثر وبدت كأنها تنظر لأخرى شديدة الفتنة لكن مؤكد ليس هي، رفعت عينيها الدامعة نحو تولين التي نظرت لها بحزن بالغ وقالت " الفستان وصل، دعيني أساعدك، في النهاية إنه اليوم المترقب لأراك عروس رغم أنف عائلتك والظروف " ارتعشت ذقن كنزي تنذر بنوبة بكاء وشيكة فقالت تولين وقد فلتت دمعة ساخنة من طرف عينها لينتهي أمرها على كف كنزي المرتعش " لا أرجوك، لا تعطي المجال لأحد ليراك هكذا، نظرات التشفي ستكون مؤلمة كنزي، دعي هذه الليلة تمر بأقل خسائر وأقل ألم، ثم أنت لست وحدك فلا تهتزي، جميعنا هنا وهذا وحده يكفي " وقفت كنزي مندفعة عن مقعدها تحتضن تولين بقوة فضمتها تولين بشدة تحتويها وهي تقول " لا بأس لتبكي الآن كما شئت لكن ليس أمام غيرنا يا حبيبتي" ثم نظرت إلى ملاك التي كانت تبكي بتأثر وقالت " ملاك من فضلك استدعي فريق التجميل مجددا وأنت يا سارة اطلبي من العاملات أن يحضرن الفستان " أسرعت ملاك خارج الغرفة فيما وقفت سارة ترمقمها للحظة قبل أن تتحرك بهدوء وتخرج من الغرفة مغلقة الباب تستند عليه بتعب وهي تغلق عينيها بحزن عميق ثم تسيل من عينيها دمعة تجري على طرف أنفها الشامخة لتسقط على طرف شفتها فترفع كفها السليم لتمسحها كأنها لم تكن.
وهي تلتقط أنفاسها وتتحرك لتتفاجيء بشاهين يقف نهاية الممر يراقبها بعبوس، تجمدت للحظة وهي تناظره عينا بعين قبل أن تتجاهل وجوده تماما وتتحرك لتمر بجواره فتقف أقدامها قسرا حين سألها " أتتألمين " كان عقلها في تلك اللحظة مشوش بغضبه عاجز عن حزمه المعتاد فما وجدت من روحها سوى وهن في إجابتها " أظن أنك أيضا تتألم …قالتها وهي تشير لجرح جبهته الذي تلمسه بعبوس يتذكر غباء عليّ وما فعله به لتفاجئه وهي تقول " لكن اطمئن لست أنا من تبكي من ألم حل بها بسببك دموعي أغلى وأعز بكثير " انفرجت شفتيه ولم يستطع التحدث وقد أصابه تعبيرها الغريب بالخرس لكن عينيه التي تعمقت في ملامحها قالت الكثير مما لا يعيه فتحركت سارة لتكمل طريقها ليقطعه قائلا " إلى أين أنت ذاهبة، دعيني أساعدك" نظرت له شزرا وقالت "ماذا الآن، هل تقطع دربي أم خُيل لي " عبس شاهين وقال " توقفي عن التحدث معي هكذا كأنك قادرة على إرهابي " قالت سارة بثقة " أنا قادرة على ذلك بالفعل، بل قادرة على فعل ما هو أكثر، أظن ما جمعنا كفيل بأن يجعلك تدرك ذلك، هلا تنحيت عن دربي " تنحى شاهين فورا وهو يقول بغضب شديد" أنت لا تحتملي، لقد كنت أحاول المساعدة فقط لكنك لا تستحقين " فارت دمائها والتفتت له قائلة " وأنت أيضا كنت لا تستحق المساعدة لكني لم أتردد، من المعيب أن يكون بداخلي شهامة تتخطاك وأنت رجل لكن ماذا نقول …تركت حديثها معلقا وتحركت فأوقفها صوته الغاضب يقول " أيتها المزعجة هذا الشيء الوحيد الذي يغفر لك عندي طول لسانك " ناظرته سارة باستهانة ثم قالت " لا تعلق عجزك على شماعة الغفران، أنت لا تستطيع المساس بي لأني أخت سلطان العطار فكر فقط في أن تخطو الأن خطوة في غير محلها وبعدها ودع روحك التي أنقذتها بنفسي".
زم شاهين شفتيه يشاهد انصرافها وحين تيقن أنها ابتعدت قال بغضب " المتبجحة تهددني بأخيها في منزلي، أنا من يرهب عائلة لها قدرها وسطوتها لا أهز شعرة في رأس طفلة كهذه، هزلت " ثم دون أن يفكر أسرع خلفها مستشعرا إرهاقها الظاهر وكلماتها تتردد في داخله بصدى يعيدها كل مرة بوقع جديد (لست أنا من تبكي من ألم حل بها بسببك دموعي أغلى وأعز بكثير) ويتساءل لما لم تكن دموعه بهذه العزة وسقطت لأجل من لا يستحق!.
…………..
بعد قليل..
وقفت كنزي بعدما انتهت من تعديل زينتها بجوار تولين وملاك أمام النافذة ينظرن إلى الحديقة التي أضاءت أنوارها وبدأت حركة العاملين بداخلها يضعون اللمسات الأخيرة قبل توافد المدعوين لتقول تولين " لم أتوقع هذا المشهد " مدت كنزي أصابعها تمررها على زجاج النافذة وهي تقول " ولا أنا " قالت ملاك بتأثر " كل شيء رائع ما شاء الله" فتح الباب ودخلت سارة تتقدم ثلاثة عاملات يحملن علبة ضخمة تحمل شعار مميز لمصمم عالمي وهي تقول بعبوس " لقد وجدت الفستان، تفضلن " التفتت الفتيات لتقول كنزي باستغراب " لما هذه العلبة ضخمة هكذا، فستاني يعد بسيط جدا " قالت سارة وهي تلقي بنفسها فوق الأريكة " لربما اختلط فستانك بفستان العروس الأخري، ملاك من فضلك أحضري لي مسكن فجرحي بدأ ينغزني بقوة " قالت تولين " سارة أنت تبدين متعبة جدا، ربما تحتاجين الذهاب للمشفى " قالت سارة " الطبيب فحصني بالفعل لا تقلقي، ساعدي كنزي لترتدي فستانها لنستعد نحن أيضا ففرحة هاتفتني وقالت أنها والبقية على وصول " تقدمت تولين نحو العلبة الضخمة تفتحها بمساعدة إحدى العاملات لتقول "هذا ليس الفستان الذي اخترتِه يا كنزي، أنه فستان أبيض " قالت كنزي " أبيض!، هذا ما كان ينقصني، ماذا سنفعل الآن " قالت تولين " سأهاتف دار الأزياء فلربما حدث لبس وأرسل لنا فستان آخر بالخطأ " دخلت إحدى عاملات فريق التجميل تقول بلطف " هل تحتاج العروس أية مساعدة في إرتداء الفستان " قالت سارة " هذا الفستان لا يخص العروس، ولا نعلم هل اختلط مع فستان العروس الأخرى أما وصل عن طريق الخطأ " اقتربت العاملة تنظر للفستان وقالت " الفستان الابيض لقد أكدت عاليا هانم أنه يخص الأنسة كنزي " قالت كنزي بغضب" يخصني كيف!، هذا الفستان ليس لي، أنا لن أرتدي الأبيض لو انطبقت السماء على الأرض ،أين هاتفي؟ من هي لكي تفرض علىّ ما أرتديه، أين هاتفي " كانت كنزي تبحث عن هاتفها بعصبية بينما هو موضوع أمام عينيها فالتقطته ملاك تقربه منها وهي تقول " اهدئي ها هو الهاتف " جذبت كنزي الهاتف وهاتفت مؤيد الذي بمجرد أن أجاب عليها قالت له ببكاء " مؤيد أرجوك تعال إليّ حالا لأنني لن أحتمل أكثر من ذلك " توسعت أعين مؤيد بفزع بينما هو يحارب مع رابطة عنقه التي ألقها أرضا بعنف وهو يسألها " ماذا حدث، هل تعرض لك أحد " ظلت كنزي تتحدث بحديث عصبي يتخلله بكاء جعله يركض بحثا عن مفاتيح سيارته وهو يقول " أنا لم أفهم شيء لكني قادم حالا " أغلق مؤيد الهاتف وهو يتحرك خارج المنزل ليرن الهاتف مجددا فيجيب بسرعة " كنزي أنا قادم ، لا تخافي ..مسافة الطريق " ليأتيه صوت عليّ يسأله بصدمة " ما بها كنزي، ماذا حدث " صرخ به مؤيد يخرج كامل التوتر الذي يجعل أعصابه مشدودة لدرجة لا تحتمل " لا أعرف، لقد حدثتني تبكي وتتحدث بكلام لم أفسره ، أقسم بالله العظيم لو حدث لها شيء لأجعل هذه الليلة لا تنتهي أبدا " قال عليّ " سأذهب إليها " ثم أغلق الخط بلا مقدمات ليتفاجيء مؤيد بطفل يقطع الطريق أمامه فيسرع بإيقاف السيارة بفزع وهو يتنفس بعنف قبل أن يزمجر بغضب وهو يضرب مقدمة السيارة عدة مرات ثم يستكين فجأة بعيون دامعة تشرد نحو المجهول وقلب يغوص في صدره داخل موجة مشاعر عاتية مزقته ثم جمعته كما تفعل به على الدوام.
………..
يسير في الرواق الذي امتد أمامه ولكن الحقيقة أنه يسير في رواق زمني طويل نقش على جدرانه الكثير مما لا يقال، يحمل باقة ورد متفردة في تنسيقها لكي تناسب تلك التي ترك كل شيء وجاء ركضا لكي يطمئن عليها كأنه بدون أدنى مجهود منها تحول لأحد حراسها المخلصين، ينظر للباب المغلق أمامه والذي يحول بينه وبينها وبداخله مشاعر اجتياح صعبة الوصف، قبض كفه وفردها عدة مرات ينفث عن توتره ليأتيه صوت شاهين الغاضب قائلا " ما بك " التفت ينظر إليه كأنه قد نسي وجوده وقال " لا شيء، هل هي بهذه الغرفة " قال شاهين وهو يكتم غيظه " نعم لكن أريد أن أقول شيء " نظر له عليّ بترقب فأكمل شاهين بانفعال " ليس عليك أن تضحي لأجل مؤيد مجددا، مؤيد أخي لكنه لا يري الأمور كما يجب أن تكون حين يتعلق الأمر بالدخي…بها " نظر له عليّ للحظة قبل أن يقول " أقدر قلقك يا شاهين، وأقدر مخاوف مؤيد، وأقدر مصالح العائلة، لكن كل هذا ليس كافي ليجعلني أفعل شيء لا أريده " بهت شاهين ينظر له غير مستوعبا لتصريحه قبل أن يطرق عليّ الباب فتفتحه ملاك التي وقفت تناظرهما بتوتر ليقول لها عليّ بلطف " أخبري كنزي أني أريد مقابلتها " نظرت ملاك خلفها داخل الغرفة نحو كنزي التي تحولت لشعلة من النار من الصعب أن تنطفيء وقالت " قد لا تقبل بمقابلة أحد حاليا " قال عليّ " أخبريها أن مؤيد من أرسلني " نظرت له ملاك محاولة أن تستشف الصدق في حديثه ثم قالت " حسنا سأخبرها لكن من فضلك انتظر هنا " ابتسم لها عليّ بلطف فيما انسحبت ملاك داخل الغرفة ليستدير عليّ ليقول لشاهين " يمكنك الذهاب " نظر له شاهين بغضب وقال " هل أعمل لديك، أنا لن أتحرك من هنا ويكفي ما فعلته بي لكن حسابنا ليس الآن " هم عليّ بالرد عليه لكن خروج كنزي العاصف من الغرفة تقول " لماذا أرسلك مؤيد ولم يأت بنفسه، هل حدث له شيء " جعله يلتفت إليها فتتلاققى الأعين ويتوقف الزمن، وتتجمد ذرات الهواء من حولهما محاولة أن تبقى تلك اللحظة دائمة إلى أطول وقت ممكن لكن كما العادة لم يسر الأمر لصالحه لذلك قال " هل يمكننا أن نتحدث " نظرت له بتوتر شديد قبل أن تحيد بعينها تجاه شاهين العابس ثم تفتح الباب وتتحرك للداخل فيتحرك خلفها ويقف أمامها يسألها باهتمام " مؤيد أخبرني أنك هاتفته وكنت غاضبة وكأن هناك ما حدث لذلك جئت أطمئن فأنا أقرب إليك منه " كان تعبير عابر يقصد به المسافة لكن نظرته حولته لشيء تخطى ذلك ولكن كنزي لم تكن تنظر إليه حتى وهي تقول بغضب وعصبية " لا شيء لكن السيدة عاليا أرسلت لي فستان غير الذي انتقيته وأكدت على العاملات أنه يخصني، ماذا يعني هذا التصرف ، أنا لن أرتدي هذا الشيء " سألها عليّ بهدوء " هل هو الفستان الابيض " نظرت له كنزي بصدمة وقالت " كيف عرفت، هل أخبرتك بهذا أنت أيضا " تنهد عليّ قائلا " لا لم يخبرني أحد بشيء لأني من أحضر الفستان " عقدت كنزي حاجبيها وفغرت فاهها للحظة تحاول استيعاب ما يقوله ثم قالت بغضب " أنت من أحضر الفستان، هلا وضحت لي الأمر أكثر " قال علي " مصمم الأزياء الذي تواصلت معه من أجل فستانك تصادف أنه صديق مقرب لي، وأدرك هويتك من اسمك ثم تواصل معي بغرض تهنئتي وحين علم أن الحفل خطبة وعقد قران قرر أن الفستان ليس ملائم وأنه سيصمم آخر من أجلك في لفتة مجاملة منه " ظهر الرفض جليا على ملامحها وهي تقول " قرر أن الفستان ليس ملائم !!! لما لم يخبرني بذلك، وأنت هل ظننت أني لن يكون لي رد فعل حين أضع في هذا الموقف " قال عليّ وهو يخفي عنها ما يخفي، ويتحايل على كل الظروف ليطوع ذلك اليوم ويسيره في مسار جبر لكل عطب ألم به " كنزي أنا لم أقصد سوى ….صمت بحزم يلجم كلماته قبل أن يقول" لم أقصد سوى أن أبدو لبقا مع صديق أراد مجاملتي، والفستان أنا واثق أنه أجمل مما اخترته بمراحل لذلك ليس عليك سوى تجربته وإذا لم يعجبك يمكنني إحضار الآخر لأجلك حالا " قالت بجمود " أنا لن أرتدي فستان أبيض مهما كان جميلا " سألها يكبح جماح حرقة تستعر بالحشا " ولما لا " أجابته بضيق واضح " لأني لا أريد " قال لها " حتى لو طلبت ذلك منك " ناظرته باستنكار وهي تقول " ماذا …فقاطعها قائلا " أقصد أن الأمر بأكمله لم يكن مقصود به مضايقتك، لذلك لما لا تجربي الفستان وتخبريني برأيك فإن لم يعجبك يمكنني التصرف لا تقلقي " كان كل هذا الحديث يدور وهي لا تعطيه أدنى اهتمام حتى ولو بنظرة يدرك جيدا أنها تحتاج منه إلى ألف خطة وحيلة، أشارت كنزي للفستان وقالت بحزن شديد وانفعال قوي " لكنه أبيض، هذا ليس زفاف " قال عليّ بهم " أعلم ذلك " تحركت كنزي إلى داخل الغرفة وهي تشعر باختناق وقهر ليقول عليّ الذي نظر لباقة الورد التي لم تلتفت لها " سأنتظر بالخارج " خرج عليّ مسرعا من الغرفة وأغلق الباب ووقف أمامه بجمود تحت نظرات شاهين الذاهلة الذي سأله " متى حدث ذلك!! " لكن عليّ تجاهل سؤاله كأنه لم يكن لتمر عشرون دقيقة قبل أن تخرج تولين تقول له " كنزي سترتدي الفستان، لكن دعني أوضح لك أنها حركة غير مقبولة بالنسبة إليها، يمكنك إعتبارها بداية غير موفقة يا سيد عليّ" نظر لها عليّ بجمود للحظة قبل أن يقول وهو يناولها باقة الورد " إعطها هذه " أخذت تولين الباقة ودخلت إلى الغرفة مغلقة الباب بلا استئذان فأسرع عليّ يبتعد عن هذا المكان بسرعة من يفر من إعصار مؤكد سيضربه لا محالة.
………
في نفس الوقت داخل أرض العزايزة..
كان الشيخ عبد الرحمن يجلس في مجلسه في حضور بعض رجال العائلة يفصل فيما بينهم في أمر شائك لكن عقله كان شارد في كارثة أكثر تعقيد، نكبة إذا لم يجد لها حل في أقرب وقت ستستحيل إلي فضيحة مدوية تهز قواعد تلك العائلة وتدكها دكا، أمر ينتظره أن يحل بمنتهى السرية وبعدها سيبدأ في الاقتصاص ممن تسبب فيه واحدا تلو الآخر،ضيق عينيه يوجه نظرته التي ترهب أعتى الرجال للجالسين أمامه وهو يستمع بتمعن ويفند الحجج أمامه بتركيز ليقطع المجلس دخول يوسف العزايزي نافخا صدره يقول " السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وبركاته " نظر له عبد الرحمن بنظرة قاتمة وهو يقول " وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته " تقدم يوسف يناظر جميع الجالسين باستعلاء واضح وهو يقول " عذرا منك يا شيخ لقد علمت أن لديك جلسة فصل لكن ما لدي لا ينتظر أبدا لذلك علينا أن نتحدث بمفردنا " كان عبد الرحمن يدرك نوايا يوسف في إثارة الفتن وإعطاء إيحاء للجالسين أن لديه سطوة وكلمة لا ترد لذلك بمنتهى الهدوء قال " لست بأهم من الجالسين لنقطع مجلسهم، وما لديك ليس بأهم مما يدور هنا لذلك إما أن تنتظر حتي ينتهي مجلسنا أو أجل ما لديك ليوم آخر " توسعت أعين يوسف لشعوره بالإهانة فجابهه عبد الرحمن بنظرات نارية لا تكترث له ليقف أحد الرجال قائلا " لقد شغلناك بأمرنا كثيرا اليوم يا شيخ عبد الرحمن، لذلك لنترك فصلك في الأمر ليوم آخر."
قال عبد الرحمن بشكل قاطع " لن يتحرك أحد من هنا حتى يُحسم ذلك الأمر " ثم تجاهل وجود يوسف تماما وأخذ يكمل مجلسه وهو واثق أن ما جاء بيوسف العزايزي مؤكد مكيدة خبيثة من مكائده التي لا تنتهي، ما بينه وبين يوسف العزايزي أصبح لا يحتمل صبرا ولا تريث ولكن للضرورة أحكام.
………
لم يمتد المجلس كثيرا قبل أن ينطق عبد الرحمن بكلمته التي صمتت أمامها جميع الأفواه كأنها حكم واجب النفاذ ثم بدؤا بالانسحاب تحت أعين يوسف الذي زاد الحقد داخله تجاه عبد الرحمن الذي مازال يراه لا يستحق تلك المشيخة التي ورثها دون عناء منه، فهو كان أولى وأحق بها، هو من سعى بكل جهده إليها ورغم ذلك لم يصل، لكن إنّ غدا لناظره قريب
مع رحيل آخر رجل بالمجلس وقف يوسف يقترب من عبد الرحمن الذي هدر به " هذه آخر مرة تتصرف بتلك الطريقة في مجلسي، فإشعار غيرك بالدنو لا يعني أنك أعلى منهم شأنا، اعتبر هذا تحذيري الأول والأخير يا يوسف " قال يوسف بأسلوبه شديد النرجسية المعهود " ما لدي أنا واثق أنه أهم بكثير من مجلسك وزواره ولكنك تحاول بأقصى جهدك اكتساب رضى الناس الذين مازالوا يرون أنك لا تستحق ذلك الكرسي " وقف عبد الرحمن وقفة رجل قادر على إحراق الأخضر واليابس وقال " اضبط كلماتك وإلا ستندم يا يوسف، لا تظن أني غافل عنك ولكن الأن لدي ما هو أهم منك لكن قريبا جدا سأتفرغ لك ولن نكون بمفردنا حينها بل سنكون داخل مجلس يجمع العائلة من أكبر رجالها لأصغرهم " قال يوسف بحقد لم يعد يقوى على مداراته " قبل أن تتفرغ لي لملم فضائح العائلة التي أصبحت تحدث دون مداراة أو خجل، أعد الفتاة التي ورطها أخيها في كوارثه وجعل شرفنا وعرضنا معرض للانتهاك، أو سيطر على الآخر الذي زوجته أختها تجبرا منك في حقي وكسرا لكبريائي خوفا من أن أنافسك على مشيخة العائلة، فهو يعيش كل ليلة في مجون لا ينتهي ثم يوقع ببنات الأصول حتى يحملن منه وبعدها يتهرب منهن ناكرا طفله " صدمة ما يقال لم تجعل عبد الرحمن يهتز وهو يهدر به قائلا بفحيح مخيف " هل تتبع أخبار زوج طليقتك، أم تتتبعها هي شخصيا " شعر يوسف أن حديثه أوقعه في فخ لم يحسب له حساب لذلك لجأ إلى الهجوم بدلا من الدفاع وقال بحدة " بالطبع ستتهرب من تقصيرك بإلقاء التهم إلي لكن ليكن لديك علم أنا لن أصمت على هذا الحال، فالعائلة ينحدر حالها لأن شيخها لا يعرف كيف يسير الأمور في نصابها الصحيح " قطع عبد الرحمن الخطوات الفاصلة بينهما وأمسك تلابيبه بعنف يضيق فتحة الجلباب حول عنق يوسف الذي جحظت عينيه من الشعور بالاختناق بينما قدميه تتراجع إلى الخلف نتيجة لدفع عبد الرحمن له وهو يقول " نهايتك اقتربت ولن تكون سوى على يدي ولكنها ليست الأن لأني حين أجهز عليك لن أترك لشرّك ذيول، فكر أن تفتح فمك بكلمة واحدة عن طليقتك أو أختها أوعن أي شيء تعرفه وأنا سأجعلك تموت في اليوم ألف مرة، وحاليا أمامك ثلاثة أيام ويصلني خبر أنك قدمت تنازل عن مقعدك في المجلس وإلا سأجعله يُسلب منك بشكل لن تتوقعه " كان عبد الرحمن قد وصل لباب المجلس فألقى يوسف خارجه ليسقط أرضا أمام الرجال الذين بالخارج بينما يقف عبد الرحمن أمامه كجبل لا يهتز لكن الحقيقة أنه جبل تحت التهديد.
………..
يا ثلاثي العدوان أقبل، ودع نيران عينيك نحوي قبل الخطوات تتسربل،
لا تهتم بمصابي ولا تفكر أحصين منك أم أعزل، فمن ذا الذي ينجو من عينين لسطوتهما الأجواف تتكبل،
أقبل نحوي مشهرا غضب الأحداق الذي إذا لم يمت فهو يقتل،
أقبل مطلقا ألف جيش في شعاب روحي تتغلل،
أقبل بكل ما أوتيت من قوة فمن مثلي بعدوانك قد يقبل.
…….
الدقائق فرت بلا رحمة حتى غربت الشمس في كبد السماء في مشهد جعله يخرج من أسفل السيارة يجلس شاردا في حاله الذي أصبح منقلبا رأسا على عقب، منذ أن أنهى حديثه مع رضا وهو كمن يرقد على صفيح ساخن بشكل غير مفهوم الأسباب، بداخله غضب يموج ورفض غير مبرر للوضع ككل خاصة ذلك العريس الذي سيموت ليفهم متى وأين وكيف التقته وتعرفت عليه لكي تقبل به دون تفكير، لكن من أين جاء بثقة في كونها قبلت، ألم يذهب به شكه إلى أن رضا يحاول إعطاء الأمور شكل مغاير عن الحقيقة، ألم يكن من الواضح أن كرم أيضا يسانده وهذا كفيل بجعله يدرك أن وراء الأمور ما لا يعلمه، زفر سلطان بضيق شديد وهو يقف ليجمع عدة العمل الملقاة حول السيارة كأنه يتصارع معها فيأتيه صوت سيد الذي يقول باستغراب " لا حول ولا قوه الا بالله، ألم تغادر بالصباح لترتاح بعض ساعات وأنت في كامل هدوئك، ما الذي حدث لتعود تكاد تفتك بكل ما يقابلك " أمسك سلطان قطعة قماش بالية يمسح بها كفه الملطخة بالشحم وهو يقول لسيد " لقد ظننتك رحلت، ألن تمر بأهلك لنقلهم إلى الحفل " قال سيد " سأفعل ولكن حين رأيتك مندمج في العمل هكذا ظننت أنك لن تذهب فجئت لأتأكد " قال سلطان وهو يدور حول السيارة ليجربها " بلى سأذهب، توكل على الله وارحل أنت لكي لا تتأخر " قال له سيد " أنت أيضا ستتأخر لو تركتك هنا وسيسرقك الوقت، دعني أقلك إلى الحارة لتغير ملابسك ثم نذهب سويا لنقل البقية " قال سلطان بعصبية واضحة وهو يدور حول نفسه " أنا لن أذهب إلى الحارة فملابسي هنا، نصف ساعة وسأجهز وألحق بكم لا تقلق " اقترب منه سيد بقلق يسأله وهو ينظر له بتمعن " هل كل الأمور بخير " حينها فرض سلطان على نفسه هدوء جبري وقد أدرك أن انفعاله الداخلي قد أصبح واضحا للأعين " كل شيء بخير يا سيد أنا فقط منشغل البال بأمر هام، ارحل لكي لا تتأخر وأنا سأذهب لأستعد " تحرك سلطان تجاه الحمام ليقول سيد " حسنا سأتواصل معك حين أكون على وصول " أشار له سلطان بسلام دون أن ينطق ثم وقف على الحوض يغسل يديه بعنف قبل أن يخرج كل شيء عن السيطرة ويجد نفسه يهاتف عيسى الذي رحب به قائلا " السلام عليكم يا سلطان كيف حالك " ليأتيه رده المندفع " هل تحركت للحفل " أجابه عيسى بتوتر " فاطمة مازالت تستعد وأنا أنتظرها لكن رضا وكرم سبقوني بينما هلال ينتظرنا بالسيارة " قال سلطان " حسنا حينما تصلوا أخبرني " ثم أغلق الخط ووضع الهاتف في جيبه وأحنى رأسه أسفل صنبور المياه الباردة لكي يحد من حدة الأفكار داخلها.
………….
بعد مدة كان يقف داخل فيلا منصور الجوهري بجوار مؤيد يحمل بكفه كوب من العصير البارد وعينيه المعلقة بالبوابة لا يرف لهما جفنا، ليسأله مؤيد بتوتر " هل هاتفت سارة اليوم " أجابه سلطان وهو ينظر نحو بشر الذي أقبل عليهما يمسك بكفه اليمنى تولين التي ترتدي فستان وردي منتفخ لامع وبكفه اليسرى رحيل التي ترتدي فستان مطابق له تماما كأنهما توأمتان لا يشبهان بعضهما مطلقا " لا لقد انشغلت عني مع الفتيات طوال اليوم، هل حدث شيء " تهرب مؤيد المتحفز بحذر لكل ما يدور حوله من الإجابة وهو يقول لبشر " يبدو أنك من تورط اليوم مع الصغيرتين " حرك بشر رأسه بتعب وقال " منذ عدت من العمل وأنا أدور بحثا عن أشياء وردية لا حصر لها، متي ستظهر أمهما فكلما راسلتها لا تجيب بشيء سوى انتظر " نظر مؤيد لباب الفيلا وقال " سأصعد لأرى لما تأخرن هكذا " قال بشر وهو يشير لليل وسمراء أن يقتربا " نعم أسرع وأبلغ تولين أني أرجوها النجدة " ابتسمت سمراء وقالت " لا تستعجلها يا بشر، فهي تدرك أنك تستدعيها لأجلك لا لأجل الطفلتين " ادعى بشر العبوس وهو يقول لليل " قل لزوجتك ألا تتدخل فيما بيني وبين زوجتي " نظرت سمراء لليل نظرة ناعمة فقال " قل لها أنت ما تريد، فهي أختك وما بينكما لن أتدخل به " قال بشر لسلطان " العقبي لسارة إن شاء الله " التفت له سلطان الذي رأى سيارة هلال تتوقف خارج البوابة وهو يقول " إن شاء الله، عذرا منكم " ثم تحرك بضع خطوات ليصير بكله يقف مقابلا للبوابة ولكن على بعد عدة أمتار وبين زحام شديد، عينيه صعب التكهن بما ينتظرانه من تلك النظرات المسلطة لكنه يشعر بها مترقبة متأنية حتى أطلت، حينها بدأ كل شعور صعب التفسير مر بداخله على مر الايام الفائتة يعاد من البداية، كل شيء مهما كان صغيرآ عابرآ يتجدد و يعود ليستعرض على ذاته تلك السطوة التي أتاحت له النفاذ إلى داخله، عينيه اللاتي لم يطلقهما في محض أنثي من قبل أعلنا تمردا وجلآ وانطلقا نحو وجهها الذي مر أسبوع وهو يتخيله من خلف كوب الشاي الذي لا يظهر منه إنشا، جميلة الملامح واثقة الخطى، ملفتة الطلة، مميزة الابتسامة، عنيدة العينين، عند أسر عينيها توقف سلطان وهلة مما يحدث له، ظهر الغضب والضيق جليين على وجهه في نفس اللحظة التي لوح له عيسى مقتربا يسحب فاطمة بيده بينما هي تتحدث لهلال بشيء لتتفاجيء دون سابق إنذار أنها أمامه، لم تعرف كيف تتصرف فهي حتى لم تفكر فيما سيكون عليه الأمر حين تلتقيه، لذلك قابلت العبوس بعبوس وجمود الملامح بأقوى منها فصارا كما لو أنهما ندان على طرفا حلبة قتال، قال عيسى " سلطان لقد حاولت مهاتفتك لكن هاتفك كان غير متاح " نظر له سلطان وقال " لا عليك، لما تأخرتم " أشاحت بوجهها رافضة أن يجمعها ولو بشكل عابر في حديث يوجه لأخيها الذي أجابه " إنها المرة الأولى التي أجرب فيها ما يعني انتظار فتاة تستعد لحضور حفل " نغزته فاطمة بحرج لكنه ابتسم بسعادة غامرة ليقول هلال الذي رن هاتفه وهو ينظر لسلطان نظرة ذات مغزى " لقد وصل ضيوف رضا، سأذهب لإستقبالهم " تحرك هلال وعيون سلطان تتابعه بغضب فقال عيسى " أين سارة، لقد أكدت علي أن أحضر فاطمة " أجابه سلطان " ستحضر الأن " ليلمح عماد الذي دخل الحفل برفقة والده وهلال يتأمله بتمعن قبل أن ينظر إلى فاطمة بنفاذ صبر ويسألها مباشرة " هل أخبرك رضا بأمر العريس يا فاطمة " رفعت رأسها نحوه بصدمة تعددت لها الأسباب وسألته بعدم فهم " أي عريس " قال سلطان بإدراك وغضب " إذا هو لم يخبرك عن العريس الذي أتى مع خالك ليطلب يدك " أجابته فاطمة بغضب " لا لم يخبرني أحد بأي شيء، عيسى ماذا يحدث" نظر عيسى لها بتوتر وقال " صدقيني لا أعرف " قال سلطان لعيسى " أذهب إلي هلال وقل له أن يأخذ ضيوف أخيك له ولا يقترب من هنا " قال عيسى " حسنا ولكن …نظر لفاطمة فقال له سلطان " أسرع " تحرك عيسى لتبقي وحدها تقف أمامه وجها لوجه فاستدارت تنظر نحو هلال لتكتمل صدمتها برؤية عماد والحاج مصباح فيسألها سلطان بصوت غاضب " هل تعرفيه " فكرت في ألا تجيبه، ألا تسمح له بالتمادي في فرض سلطته عليها أكثر مما يفعل لكن عينيه المهتمة أكثر من إخوتها جعلتها تجيب " هذا عماد ابن الحاج مصباح صديق خالي المقرب، أنا أعرفه جيدا لكن لا علم لدي بما أخبرتني به للتو" سارع سلطان يقول " إذا أنت غير موافقة " قالت له بضيق " غير موافقة على ماذا تحديدا، أرجو أن تفهم أن لا علم لدي بأنه تقدم لخطبتي سوى منك " سألها بحدة " هل يعني ذلك أنك موافقة " رفعت عينيها له بحدة مماثلة وقالت " على ماذا وأنا أخر من يعلم، حقا لا أعرف متي كان إخوتي ينون إخباري " ثم أشاحت عينيها بحزن جعله يقول " لا أحد منهم يقوى على دفعك نحو شيء لا تريدينه ثقي بذلك " قالت له بخفوت لمسه " أنا لا أثق بالأمور حين تتعلق برجال العطار، اعذرني ولكن لدي أسبابي " صمت وقد تصلب فكه
للحظات قبل أن يرمقها بطرف عينه ثم يقول " ليس جميعهم " استغربت تعقيبه على حديثها فصمتت محاولة أن تفهم ما يرمي إليه لتقول " أظن عيسى يختلف " لا يعلم لما أصابه ردها بصدمة لحظية جعله يقول بدون تفكير " ما حدث بيننا سابقا ليس أكثر من سوء فهم من جهتك " استوقفتها جملته ووجدت نفسها تنظر إليه باستغراب وتّره فسارع يقول بانفعال " لا تبالي بتصرفات رضا وكرم فأنا لي معهما تصرف " انفعاله أربكها بشدة ليقطع الموقف وصول عيسى الذي قال باستغراب " هل عماد ضابط " هزت رأسها قائلة " نعم " تأكيدها المنطلق دون تردد أشعر سلطان بنغزة هادرة بين جوانحه فقال بدون تفكير " يبدو أنك تعرفين عنه الكثير "
التفتت له فاطمة بحدة وقالت " ماذا تقصد " ناظرها سلطان بعمق لم تجد بداخلها استيعاب له قبل أن يقول " لا أقصد شيء " ويتحرك بعنف ملحوظ تحت عينيها التي تعجبت لأمره المشتت ما بين اهتمام وحمية وغضب واندفاع.
………………
بعيدا عن الحفل داخل غرفة مظلمة، ظلامها لا يأتي من قتامة الليل الذي أسدل ستاره ولكن من قتامة ما يدور بين جدرانها كان هناك شخص يكويه عجزه عن الوصول إلى الحقائق التي يجهلها، شخص بحثه خلف الحقيقة قاده إلى طريق شائك دفع بالماضي الكثير ليحيد بعيدا عنه، دفع أكثر مما كان بإمكانه ثم لم يجد بدا أن يدمر كل شيء مقابل حقيقة تأبى أن تظهر، دار حذيفة حول ذلك الكرسي الذي يتوسط الغرفة والذي يقيد عليه تلك المرأة دميمة الملامح في عينيه كدمامة ما تحمله بداخلها ويقول " هل أحببت بقاءك هنا، هل تنوين أن تطول إقامتك داخل ذلك المكان الموحش " لم تجيبه وهي تناظره بنظرات متحدية لا تهابه رغم القيود التي تكبلها
ليجن جنونه ويصرخ " تكلمي، قولي الحقيقة وأنا سأطلق صراحك " ضحكت بقوة اقشعر لها بدنه وقالت " أنا أدرك أنني لن أخرج من هنا سوى فوق جثتك، فأنت لن تتركني إلا وأنا ألفظ أنفاسي الأخيرة فهذه لن تكون مرّتك الأولى " أمسك حذيفة ذقنها بعنف وهو يقول " ماذا تقولين أنت، وماذا تقصدين بأنها لن تكون مرتي الأولى، هل تتلاعبين بي متناسية أن روحك بين يدي وأني لا أمزح معك وأن ما قد أفعله للوصول للحقيقة لن يتوقعه عقلك " ناظرته بعيون ثاقبة وقالت " أي حقيقة التي تسعي خلفها يا حذيفة، هل التي تجهلها أم التي تخفيها " ابتعد عنها حذيفة كما الملسوع يصرخ بها " ماذا تقصدين …بل ماذا تعرفين " قالت له بعنف وصوتها أصبح ذو صدى يخترق بدنه فيرجفه وجلا منها ومما تخفيه " قبل أن تبحث عن حقائق يملكها الأخرون، ابحث عن الحقائق التي تملكها، زوجتك وأطفالك وحدك من يعلم جيدا أين هم وماذا حدث لهم " قال حذيفة الذي أصبح يتحرك للخلف " هل تظنين أنك ستتلاعبين بي، خداعك هذا لن ينطلي علَيّ …قاطعته سائلة " هل تتذكر كيف اختفت زوجتك يا حذيفة؟، هل تتذكر متى آخر مرة هاتفتها؟، هل تتذكر شكل أبناءك " تتابعت صور كثيرة إلى داخل عقل حذيفة لامرأة تضحك …تركض …تناديه …تمسك يده لتتحول تلك الصور لأخرى عنيفة لنفس المرأة وهي تصرخ …تبكي …تنزف …تدفعه بعيدا عنها، تنفس حذيفة بحدة لدرجة ألمت صدره فأنحنى يرتكن إلى ركبتيه وينظر لها بانهاك وهو يقول " لما لا تخبريني أين هي " أجابته بفحيح مرعب " لأنك لا تستحق أن تعرف " هدر بها " لقد ساعدتك كثيرا لما لا تفعلين معي المثل " رفعت رأسها بحده تحركها بشكل مخيف وهي تقول " أنت لا تستحق " هم حذيفة بالاندفاع نحوها وقد بلغ من الغضب مبلغه بشكل جعله لن يتردد لحظة في إيذائها ليأتيه من الخارج صوت طاهر الذي ينادي " حذيفة لقد تأخرنا أين أنت " حينها تراجع بتوتر يقول لها بخفوت " لقد نجوت هذه المرة، لكن ليس أمامك الكثير " ثم أسرع خارج الغرفة يتأكد أنه أغلق الباب الحديدي قبل أن يركض في الممر ليتوقف وهو يجد طاهر يقف أمامه وهو يسأله بشك " أين كنت " أجابه حذيفة بتوتر وهو يسحبه خارج الممر " كنت ألقي نظرة على غرفة الحالات الحرجة، أظنها مازالت تحتاج بعض التعديلات سأتواصل مع فريق التجهيزات الطبية غدا " التفت طاهر ينظر للغرفة ذات الباب الحديدي الموصد وهو يقول بتفكير " غرفة الحالات الحرجة" قال حذيفة محاولا أن يشتت انتباهه عن الغرفة " أخشى أن نكون تأخرنا " قال له طاهر وقد طفى بعينيه عزم شديد " نحن بالفعل تأخرنا " عبر حذيفة من باب المركز الطبي الخارجي بسرعة تحت نظرات طاهر الذي أوقفه سائلا
" هل مازلت لم تقرر موعد الافتتاح؟، لقد أنجز كل شيء ولا أرى أن هناك داعي للعطلة" توقفت أقدام حذيفة وعم الصمت للحظة قبل أن يقول " بضعة أيام وسأبلغك بالموعد، تلك التعديلات سأنتهي منها وبعد ذلك سأتفرغ لحياتي تماما " اقترب منه طاهر بخطوات متأنية وهو ينظر له بشكل زاد توتره ثم قال " خذ وقتك يا حذيفة فيبدو أنك تهتم بالتفاصيل كثيرا " تحرك حذيفة دون أن يقول كلمة واحدة ولكن طاهر لم يكن يحتاج أكثر مما رآه منه مرة تلو الأخرى.
…………..
يا سيدتي إني مخترق الصفوف، شنت عليّ غارات حسنك التي دارت في وجداني تطوف، وزحفت إلى جوانحي جيوش
همسك واستعمرتني رغم أنف الظروف، ثم ثار كل شيء حين زرعت في أرضي من الأحلام ألوف، لم تكن يومآ الأحلام لي ولم أكن يوما بالأحلام شغوف، فأنا رفعت رايات رفضي منذ زمن وأشهرت في وجه الحب السيوف، فلماذا جئت تزلزلين عالمي ثم ترحلين متلفة ذلك الذي أصبح بغرامك مقذوف. ……..
العمر يقاس بلحظات الفرح، تلك اللحظات الباقية لتشد أزرنا في لحظات أخرى بطيئة ثقيلة حزينة، مرة المذاق، كتلك اللحظة التي تحياها دون أن تملك أدنى إرادة لتغير بها أي شيء، كل شيء يسير بشكل يلائم الجميع إلاهي، المخطط المرسوم لها تسير طبقا له كأنها فأر تجارب لا يملك من أمره شيء، والأشياء التي دوما ما تمنتها ها هي تتساقط واحدة تلو الأخرى كلما خطت خطوة جديدة تجاه تلك الحياة التي لا ترى فيها سوى موت قبل الموت، الفستان الأبيض كم مقتته رغم روعة تصميمه، وباقة الورد كانت بين يديها كأنها باقة أشواك ستخترق جسدها اليوم .
الآن هنا على رؤس الاشهاد، كل شيء كان أسود قاتم في عينيها الحزينتين ورغم ذلك ابتسمت حين دخلت لها فرحة تزغرد بقوة وهي تسمي وتصلي وتكبر خوفا عليها من عينآ تصيبها، ليفتح باب الغرفة خلفها على مصرعيه ويعبر منه مؤيد الذي حين وقعت عينيه عليها توقف من هول مشاعره للحظات تمنتها أن تطول إلى ما لا نهاية، ثم دمعت عينيه بقوة وحث خطاه على التقدم نحو تلك التي تناظره بخوف كأنها تلك الطفلة التي ذهب لينتشلها من عذاب الشافعية منذ سنوات، يومها ناظرته بنفس الطريقة بنفس العينين اللتان وجدتا طريقهما إلى قلبه على الدوام، حاول أن يبتسم لكن البسمة لم تجد لها مكان وسط فيض مخاوفه فقال كاسر حاجز الصمت " لم يكن عليك أن تكوني بهذا الجمال الليلة، هل ينقصك حقد من بنات العائلة، والله قلبي سيظل قلقا من عين تصيبك بالحسد" بكت بحرقة انتفضت لأجلها تولين التي تجاورها وتقول برجاء " كنزي اهدئي " لكن مؤيد الذي ضمها بقوة وقال " لا تبكي …لا تبكي يا قلب أخيك، لما الدموع وأنا هنا جوارك في ظهرك أقف بينك وبين كل ما قد يمسك، كنزي لا تعتقدي للحظة أنك أضعف ضلع في تلك العلاقة، لا تجعلي الضعف يتغلغل إلى نفسك وينسيك قدرها، فأنت جوهرة آل الجوهري" رفعت كنزي عينيها إليه وقالت " مستحيل أن أخاف وأنت جواري" ثم انحنت تقبل يده في مشهد عصف بثباته وجعله على وشك أخذها والركض بعيدا عن تلك المعمعة ليدخل عمر يقول بانبهار وتأثر " من تلك الفاتنة، لا هذا كثير على عليّ الجوهري، ماذا فعل في دنياه ليستحقك " ابتسمت كنزي وهو يجذبها بين ذراعيه لتطلق فرحة زغرودة قوية جعلت تولين تقول " لنعطي المشاهدين عرضا ممتع " ثم غمزت كنزي فتأبطت كنزي ذراع مؤيد ثم دفعت بذراعها الآخر إلى عمر لتبقي كالحورية بين وحشين لتزغرد حينها تولين بقوة وهي تربت على ظهرها بدعم فيلتفت مؤيد إلى سارة ويقول " سلطان يبحث عنك، حاولي تأجيل فقرة قتله لشاهين لنهاية الحفل " قالت سارة بمزاح" لا تقلق هذا ما كنت أرتب له " التفتت تولين لفرحة وقالت " أين الفتيات لينثرن الورود " قالت فرحة " حالا…جعلها الله ليلة خير إن شاء الله ".
……….
بعد لحظات كانت كنزي تخرج من الفيلا في مشهد أسطوري تتأبط ذراع أخويها وطريقها يُفرش بالورود، بينما الزغاريد الصادحة تنطلق من الواقفات خلفها بدعم رغم غياب سارة المريب عن المشهد، ويقف عليّ بعد أمتار علي … والخطوات تبتر المسافات الطويلة وتمحيها في نظر كنزي
كانت تمحي في نظره الكثير من الوجع والخذلان والوحشة
كان للمشهد وجهان لا يشبه أحدهما الآخر مطلقا، عينيها متوترة حذرة حزينة، وعينيه متلهفة مترقبة مغرمة، كانت في عينيه تسبى النظر كما سبت القلب، وتقلب موازين العقل كما قلبت الفكر وتمحي كل ما مضى كما محت الحاضر وأعلنت نفسها من تقر فيه ومن تنهي، وكان في عينيها واقع مرفوض تماما كرفضها الذي لم ينطق، وطوق يكبل كما كبلت بذلك الواقع، ومستقبل قاتم كقتامة ما تعيشه من مشاعر حاليا، فيا لهول الإختلاف.
اقتربوا حتى وقف مؤيد أمامه تماما يناظره بعيون تقول الكثير والكثير دون كلام فأعرض عن الغوص في حديثه الجارح وانتظر بصبر أن يعطيها إليه
ولكن مؤيد لم يكن ليجعل الأمر سهلا عليه أبدا فقال عليّ مدعيا لطف بعيد كل البعد عن الموقف " هل أعطيتني عروسي " قال له مؤيد بتحدي " حين نعقد القران وتصبح عروسك طالب بها " ثم تخطاه وهو يعبر بكنزي على ممشي
مصمم خصيصا لسير العروس فارتفع الصخب من حولهما وقد ظن الضيوف أنها مشاكسات ما بين العريس وأخو العروس لا أكثر ورغم سخافة الموقف تبعهم عليّ بهدوء تام حتى وصل إلى المكان المخصص لعقد القران والذي اجتمع فيه رجال عائلة الجوهري من طرف العريس، ومن طرف العروس وقف خلف مؤيد الكثيرين مما لا يربط بينه وبينهم دماء ولكن كان للعلاقات الطيبة دور أقوى، ليقف منصور في استقباله وهو يقول بسعادة " هذا اليوم الذي انتظرته وسعيت إليه بكل جهدي يا مؤيد " قال مؤيد " لا أريد أن يقف هذا اليوم بيني وبينكم في وقت ما يا عمي، كنزي إن لم تكرم لا أحد غيرها سيكرم " كان تهديد واضح فج جحظت لأجله عيون شاهين الذي هم بالرد ليجذبه عليّ للخلف وينظر له محذرا من أن يفسد أي شيء بتهوره ليقطع المشهد اقتراب بشر وقد شعر توتر الأجواء يقول " مبارك عليكم، هل تحتاجون شهود أم أن أمركم بينكم " دفعت تولين نفسها لتظهر أمامه وتقول " لن يشهد على عقد كنزي غيرك لقد وعدتها " تفاجيء بشر بنظرة العند في عينيها فمد يده يسحبها من رسغها لتجاوره فيقول مؤيد " أمرنا هو أمرك يا بشر فأنت في مقام أخيها " اقترب عليّ قائلا "هلا جلسنا " بدأ الجميع يتخذ مكانه حول الطاولة المعدة لعقد القران ليهمس بشر لتولين " يوما بأكمله دون أن أراك، وحين أرجوك اللقاء تتمنعين، وحين تطلين تبدين كشرارة نيران في وضع لا يحتمل " نظرت له بعبوس وقالت " أنا شرارة نيران " أجابها " بل بركان عشق رابض في صدري، أما اشتقت إليّ! " تنفست بعمق وهي تميل نحوه ليحاوطها بذراعه " لا أحد يحصي فراقه بالثواني سواى ، لكن ربما شعرت أن نفسيتي المتأزمة منذ فترة تجعلني شديدة الضغط عليك، لا أريدك أن تشعر بالضيق من حصاري لك لكني مازلت أضطرب حين تكون بعيدا عني، وتحاصرني مخاوف أصبحت غير قابلة للسيطرة منذ أن علمت بأمر رحيل " شدد بشر عليها يزرعها بجانب أضلعه كأنها أثمن وأعظم ما يملك، بل كأنها عالم بأكمله تمثل في أنثى خاض في غمار المآسي ليصل لها، وهي ما كانت تحتاج سوى ذلك الاحتواء ليهديء روعها ويشعرها أنها لن تخسر عزيزا مجددا فكل الأعزاء احتشدوا حولها ما بين ذراعه وأضلعه، رفعت عينيها إليه تتأمله كما دأبت أن تفعل منذ عادت لتلتقيه بعد غياب، ترتشف من ملامحه قدر ما تستطيع وفوق ما تستطيع، وتغوص ما بين الأحداق متملكة بجنون ليبادلها النظرات بشكل أكثر احتياجا واجتياحا ثم يقول " حاصريني كيفما شئت فحصارك هو أعظم انتصاراتي، ولا تقلقي بشأن الغد ونحن معآ، وابتسمي واسعدي وعيشي بجواري كل ما تمنيتِ، فكل الصعب مر يا تولين " تنفست بعمق وتأثر وهي تبتسم ليقول بشر " متى سيكف جمالك عن الازدياد بينما أنا أشيب وأكهل " قالت وهي تستدير لتمسك ياقة سترته " لن يكف ما دمت هنا، ثم إن علاقة الشيب بك طردية، كلما زدت شيبا زدت وسامة ودفعتني لمحاصرتك أكثر " ابتسم متناسيا ما حوله وهم بضمها ليقاطعه صوت طاهر الذي وصل للتو" ألا تلاحظان أنكما تسرقان الأضواء من العروسين بوصلة الهمس واللمس التي تحدث " توترت تولين بخجل فيما التفت له بشر الذي بدى كمن عزل عن صومعة سكونه فجأة ليجد الأنظار مسلطة نحوهما فيدفع تولين للخلف بغيرة وهو يفكر أنها لن تتوقف عن اختراقه متى شاءت وهو لن يتوقف عن التسليم بطيب خاطر إن لم يكن بلهفة.
………. . ……….
كان عقد القران كوصلة من فرض شروط تعجيزية من مؤيد تجاه عليّ الذي لم يجادل أو يناقش بل تعامل مع الموقف بمنتهى الصبر وهو يقنع نفسه أن أعظم انتصاراته اليوم هو ذلك الفستان الذي ما كانت لترتديه من أجله يوما بطيب خاطر، الوضع كان موتر لأعمام مؤيد وأبناء عمه وصادم للحضور، مفهوم من قبل سلطان وبشر والبقية لكن بشكل عام كانت الأجواء حامية لأبعد الحدود حتي حانت اللحظة التي وضع مؤيد كفه بكف عليّ يشد عليها وهو يعلنها على الملأ زوجة له ليقول عليّ بزفرة راحة حبسها سنوات وأنا قبلت، جمدت كنزي مشاعرها بعد انهياراتها المتتالية اليوم وظلت تراقب كل شيء بأحداق جمد فيها الشعور تماما مكتفية بذلك الدعم الذي تحاوطها به الفتيات وعلى رأسهن سارة التي ظهرت أخيرا لتجد دفتر الزواج يدفع نحوها فتنظر للصفحة الماثلة أمامها والتي ستخط داخلها موافقتها الكاملة على سير هذه المؤامرة، فينظر لها عليّ بخوف من رفضها الواضح للأمر وينتظر منها أدنى التفاتة نحوه لكي يهديها نظرة مطمئنة لعلها تنزل على قلبها بردا وسلاما ولكن عيونها عبرته بتجاهل تمام وصوبت نظراتها تجاه مؤيد الذي ضم عينيه كأنه يحويها بينهما ويأمرها ألا تخاف فتنفست وقد رعد جسدها وهي تنحني نحو الدفتر لتضع توقيعها منهية على أخر طيف ضعيف يكاد يعشمها أن تجد مخرج فتنطلق صيحات الاحتفال وزغاريد الفتيات والمباركات التي انهالت حتى وجدت عليّ يتقدم نحوها فنظرت له بتوجس ثم رفعت عينيها لمؤيد الذي يفوقه طولا ويقف خلفه ليقول لها " هلا سمحت لي " لم تفهم مقصده وهو لم يحاول الشرح وهو يحاوط وجهها بكفيه ويقبل جبهتها قبلة صادمة لمشاعرها التي ضاعت في هول ما يحدث تنظر لمؤيد بعيون خائفة ليغمض عينيه تأثرا وحزنا من لحظة لم يحسب لها حساب، قبلته طالت فلم تجد بدا من إغماض عينيها حتى ينتهي كل هذا لتشعر به أخيرا يبتعد عنها فتفتح عينيها ببطء شديد كأنها تخاف مما ستراه ولم تدرك أن تلك النظرة الخائفة المتوجسة كانت خنجر طاعن في صدر الواقف أمامها والذي قال " لنجلس لأنه قد حان موعد نزول سيدرا وآصف " جذب ذراعها بلطف ليريحه على ذراعه فساعدتها الفتيات لتتحرك تجاه المكان المخصص لها
فجلست كنزي بتوتر بالغ لتمسك تولين يدها وتسألها " هل أنت بخير " قالت لها باضطراب خافت " أنا أشعر بالعطش الشديد، لا ألا يملك طاهر أو حذيفة مهديء، على الأقل ألا يوجد هنا شيكولاته، أحضري لي كمية " أسرعت تولين تهمس لملاك بشيء وتحركت الفتاتان بعيدا فمال عليّ يسألها بقلق بالغ " هل أنت بخير" هزت رأسها دون أن تجيب وهي تشيح بوجهها لتتفاجيء بمجموعة كبيرة من الفتيات مقبلات نحوها ويبدو من نظراتهن أنهن لا يظهرن نحوها أي لطف كاذب كالذي يدعيه عمها منصور وزوجته لتبحث بعينيها عن تولين التي اختفت لكن الرؤية أمامها أصبحت ممنوعة وقد وقف أمامها سد من الوجوه، لتتقدمهن فتاة مقاربة لسنها إن لم تكن تكبرها بسنوات قليلة، ممشوقة القوام ..ملفتة الجمال أنيقة الحجاب تقول " مبارك يا عليّ " وقف عليّ بجيبها بلطف " بارك الله فيك، العقبي لك يا بيان " ابتسمت بمرح وقالت " ها أنا أنتظر أن أجد شاب مميز مثلك، لكن يبدو أن الشباب أمثالك دائما ما تفوز بهم الدخيلات " هدر بها عليّ بغضب " بيان الزمي حدودك " اقتربت أخرى تقول " لا تلم على بيان يا عليّ ، فأنت غالي على الجميع وكنا نتوقع لك زوجة أفضل من هذه بكثير " هدر بهم عليّ " هل هذه حفلة منظمة " قالت ثالثة " على تلك الهجينة أن تعلم مقدارها بيننا، وأن ما يحدث هنا اليوم ليس سوى حقنا لدماء شبابنا الذين يضيعون بين براثن الشافعية يوما بعد يوم، نحن لن نخسر مؤيد لأجلها فهو كبيرنا بعد أعمامي " هدر بها عليّ " اخرسي " قالت بيان بحدة " لن يخرس أحد منا ولن نعلي بمقام واطي ونرفعه فوق رؤوسنا، ولن يكون هذا زواج مشرف سنسلم به كعائلة، بل هي صفقة وصفقة خاسرة لأن ما اشتريناه رخيص جدا " إلى هنا ووصلت كنزي لقاع من مشاعر متلفة لا تحتمل فتماسكت لتقف على قدميها يشد أزرها بقايا كبرياء لم تعدمه تلك الكلمات التي تتدلي من شفاههم كما المقاصل وبدون تفكير أطلقت قدميها للريح تبحث عن أكثر مكان ساكن مظلم لتلجأ له، لم تتوجه تجاه الحضور لأنها لا ينقصها نظرات شماتة أو شفقة أو اذدراء فقد اكتفت ليهم عليّ بلحاقها فتمسكه بيان بقوة وتنغلق دائرة الفتيات من حوله وهي تقول " لا تجري خلفها يا عليّ، فأنت مقدراك أكبر من تلك الحشرة " رفع عليّ كفه يهم بصفعها بعنف جحظت له عينيها لتتوقف كفه في أخر لحظة بإرادة من حديد على بعد شعره من وجهها ولكنها شعرت أنها تلقت هذا الكف وسفح دمها حين هدر بها " لو كنت رجلا لقتلك يا بيان ..رفع كفه بتعبير مخيف وأكمل قائلا " لكسرت عنقك بيدي حتى تلفظين نفسك الأخير، أنت وهن استحملن ما سيحدث، فحساب ما فعلتن عظيم " ثم صرخ بهياج " اغربن من وجهي " واندفع يبحث عن التي اختفت كأنما الأرض انشقت وابتلعتها تاركا خلفه أجساد ترتجف من هول وعيده.
…………………
بعيدا عن الحفل في ركن مظلم كان فخر يقف بضياع ينظر إلى هاتفه الذي كأنما رحلت عنه الحياة فأصبح آلة هامدة
ليس منها أمل أو فائدة ترتجى، عقله في حالة شتات لم يدخلها من قبل …كأنه مدمن لصوت غاب بلا مبرر تاركة إياه لتمزقه أعراض الانسحاب، كان يبحث داخل كل التطبيقات عنها كأنه سيجدها ربما تتخفي منه، تلاعبه لعبة ثقيلة على نفسه لكنه لا يبالي فقط لتظهر هي وبعدها سيؤكد عليها ألا تختفي مجددا ، ألا تضعه في موقف لا يحسد عليه
فهو لم يدفع بها لتأتي ولن يدفع بها لترحل فقط لتبقى وتملأ كل الفراغ الذي ملأته منذ ظهرت، زمجر بضيق شديد وهو يحاول إرسال رسالة أو ربما مهاتفتها لكن لا شيء، لم يجد شيء كأنه يبحث عن سراب لم يكن له يوما وجود، حتي الرسائل بينهما مسحت، كل شيء اختفى. قال فخر باختناق واصبعه يبحث بين تطبيقات هاتفه " ماذا الآن..ماذا حدث …بل ماذا يحدث، هل تريدين إصابتي بالجنون '" لكن لا جديد ليغمض عينيه محاولا إيجاد حل فلم يجد سوى أكثر الأشياء جنونا ليرفع هاتفه يحدثه كما لو أن هناك شخص على الطرف الأخر سيستمع له ويقول بعصبية يشوبها رجاء وخوف " عسى ألا تخيب فيك ظنوني، فقد خابت ممن فاقوك قربا وحبا " صمت للحظة ثم ألقى هاتفه في الأرض بعنف وهو يفكر في سخافة ما يفعله وما وصل إليه ليأتيه صوت سمراء القلق تقول " فخر ما بك هل أنت بخير " تنفس فخر بقهر ثم التفت لها شاكيا بضعف لا يستطيع إظهاره لأخيه " لا لست بخير " سألته بجزع " ماذا حدث" أجابها " فقط لا أشعر أني بخير، مختنق .. ثقيل القلب .. مكبل اليدين .. عاجز عن التعامل مع أجواء هذا الحفل وأريد الرحيل " انحنت تلتقط هاتفه وتقول " لنرحل المهم أن تكون بخير، ليل قلق عليك دعنا نذهب إليه " تحركت بضع خطوات ثم توقفت تنظر له فوجدته مازال يقف في مكانه شارد محني الرأس حزين، فعادت تدفعه بلطف وهي تقول " أتحتاج أن نتحدث بعيدا عن ليل فيما يحزنك " أصابت فخر غصة قوية وقال لها " على ما يبدو أنه ليس هناك شيء يقال، دعينا نرحل " تحركا سويآ ولم يدرك أحدهما أن مخترق الجهاز والروح على الجانب الآخر يتحمل نصيبه من الوجع والألم. …………..
كان سراج قد انتهى من إعداد الطعام وأعطي لطاقمه وقت مستقطع ليستعيدوا طاقتهم حتى يحين موعد التقديم فتجمعوا على طاولة أقصى ذلك المكان الذي أعد ليكون مطبخ للحفل
يشربون مشروب منعش ويقيمون الأصناف بعيدا عن توتر العمل بينما هو مازال واقفا يدور ما بين الأصناف يضع لها لمسات فنيه غير قادر على السيطرة على توتره الذي يسبق دوما فقرة تقديم الطعام وسماع الآراء بكل حفل، ينحي كل أفكاره إلى أقصى مكان بعقله فلو شوشت عليه مخاوفه من الذي طاله بمصر دون مبرر على عمله سيكون يفقد الشيء الوحيد الذي يمده بالشغف ويشعره بالحياة، وهو لا يريد سوى أن يتذوق طعم الحياة، من الصعب جدا أن تكون على قيد الحياة وتشعر أن الحياة هي التي على قيدك ومحال أن يتغير الوضع أو تتبدل الأمور أو تسنح الفرص لأمثاله، الذين مهما اقتنصوا من الحياة الفرص لن ينالوا منها سوى الهزيمة النكراء المجحفة، ولكن ما الحل إن كان قدر ومكتوب، رفع الملعقه نحو فمه يتذوق طعم حساء الكركند لتتجمد يده حين دفع الباب بعنف لتلج منه ساحرة نارية الشعر، أخاذة الملامح، تسبي بلا مقدمات، وتخترق القلب بمنظرها المزري الذي دفعه ليسرع نحوها وهو يشعر بصدمتها حين وجدت نفسها أمام الكثير من الأعين التي تحدق بها باستغراب، ليشير لطاقمه ألا يقتربوا لكي لا يزيدوا من وطأة حرجها وانهيارها الظاهر ويقترب وحده وهيأتها أصبحت كفيلة بإخباره أنها العروس، فوقف أمامها يسألها باهتمام لا يدعيه " سيدتي هل أنت بخير، هل تحتاجين أن أستدعي أحد من الخارج لأجلك، هل تعرض لك شخص بالايذاء وتحتاجين إلى حماية " ارتعش فك كنزي وهي تلتفت نحوه ببطء لتنكمش غريزيا من ضخامته لكنها على الأقل لم تبد نفورا لاختلافه فطمأنها قائلا " أنا سيرجو الطاهي المسؤول عن الحفل " لم تجد كنزي ما يسعف عقلها فقالت بصوت مهتز " أنا أعرفك …أنت مشهور " ابتسم لها بلطف قائلا " هذا ما يقال …لما لا تجلسين وتلتقطي أنفاسك " فرد ذراعه في حركة لبقة فتقدمته بتوتر نحو المقعد الذي أشار إليه وحاولت الجلوس لكن الفستان الضخم لم يمكنها من ذلك فقال " هلا سمحتي لي بمساعدتك " هزت رأسها باستسلام حتى جلست على الكرسي فقال سيرجو وهو يتأمل كحل عينيها الذي سال " تبدين حزينة " أسبلت كنزي أهدابها وقال " هذا قدري " استوقفت الكلمة سراج الذي كانت نفس الكلمات تدور في عقله من لحظة ليقول " ما رأيك في أن أعد لك شيء شهيا كفيل بتغيير نفسيتك من أقصى الحزن إلى أقصى السعادة " قالت له كنزي " ليس هناك شيء يمكنه فعل ذلك، أسفة ولكنها الحقيقة " ابتسم لها قائلا " لا تتأسفي واعطني الفرصة لأثبت لك العكس لكن لتكون الوصفة أفضل يفضل أن تقصي ما يحزنك إلى أعماق عقلك حتي تنهيها " قالت بحزن " لا أعدك بشيء لكن لا مانع لدي من أن أجرب أي شيء فأنا في الخارج منذ قليل جربت التلاعب بحياتي " كم أثرت كلماتها به وكم منحه ذلك من طاقة ليبدع لها من مخيلته طبق مسبب للسعادة تستحقه تلك التي أثارت اهتمامه
ومشاعره أسرع مما يجب. …………..
بالخارج بعد خمسة عشر دقيقة كان الحفل قد انقلب رأسا على عقب حين عادت تولين ولم تجد كنزي وبدأ البحث عنها في كل مكان مما عطل مراسم عقد قران سيدرا التي تقف بغرفتها تنظر لما يحدث بالاسفل بتوتر، وقف آصف مذهول مما انقلب إليه حفل خطبته وسارع مع شاهين يتفقد الحراسة الخارجية لبوابات الحفل الذي أصابه حالة من الهرج بعدما علم الجميع باختفاء العروس، ليقف مؤيد كما الوحش الكاسر أمام عليّ يصرخ به " أين كنزي " قال عليّ بخوف " لقد ركضت وحين لحقتها كانت قد اختفت بحثت عنها داخل الفيلا ولم أجدها، سألت حراسة البوابات وحتى الحديقة الخلفية بحثت بداخلها ولم أجد لها أثر " قال ليل " لنتفقد الكاميرات، هي مؤكد في مكان هنا لكننا فوتناه " اقترب منصور يقول بقلق " اهديء يا مؤيد، هي لم تخرج من البوابة إذا هي هنا، ربما أرادت أن تختلي بنفسها قليلا، مؤكد سنجدها" قال مؤيد لعمه " لو أصابها مكروه ….قاطعه عليّ " لا تقل هذا، هي بخير أنا واثق سأذهب لتفقد الكاميرات " قال عمر الذي اقترب ينهت ويرتعش خوفا " مؤيد لما تأبى هذه الليلة أن تنقضي على خير، أنا كنت أشعر أنه سيصيبها شيء " قال مؤيد بحدة " لن يصيبها شيء استمر في البحث عنها لا تتوقف" سارع عمر ومعه عيسى وباقي الشباب يمشطون المكان مجددا بينما تولين وملاك وسارة التي كان سلطان يقترب منها بعيون غاضبة منهارات إلى أبعد حد. ………….
بعد مرور خمسة عشر دقيقة أخرى كانت كنزي تبتسم ابتسامتها الحقيقية الأولى منذ أن أخبرها مؤيد بأمر ذلك الزواج وسيراج يقدم لها عرض محترف من حركات الطهاه التي تدعوا للانبهار والترقب أنهاه بأن قدم لها طبق تتطاير منه النيران فتعالي تصفيق فريقه الذين مازالوا يجلسون حول الطاولة يراقبون ما يحدث باهتمام بالغ فانحنى يرد التحية لتقول كنزي " ظننتك ستصنع من أجلي شيئا حلو" وضع سيراج منديل أبيض بجوار الطبق به شوكة وسكينة وقال " السكر لا يحلي مرارة المواقف " سألته كنزي " وهل يفعل الملح " ابتسم قائلا " بل التخمة، إنها الشيء الوحيد القادر على إشعارك بالاحتواء الداخلي الذي قد يساعد في تخطي مرارة الأمور …أنا منتظر رأيك " قالت كنزي " أنت طاهي مشهور، كفاك لطفا معي، أنا لست هشة لكني تحت الضغط لما يزيد عن أسبوعين لذلك فقدت تماسكي في العادي أنا أتخطى الكوارث بسرعة، لقد قتلت شخصا من فترة " توسعت أعين سيراج فقالت " لم يكن قتلا عمدا كان دفاعا عن النفس لكن النتيجة كانت أني في النهاية قتلت " هز سيراج رأسه بتفهم وقال لها " لما لا تبدأين بالأكل وأنت تحكين لي قصة العروس الهاربة " نظرت كنزي لفستانها وقالت " قلت لهم لا أريد ارتداء الابيض لكن من يستمع " قال لها برحابة صدر خففت من ضغطها " أنا سأستمع ".
……………
بالخارج خرج عليّ يعدو تجاه الملحق الذي أعده عمه لفريق الطهي فأسرع الجميع خلفه وقد ظهر على ملامحه أنه قد وجدها، ليصل إلى الملحق ويدفع الباب بقلب قلق يهدر ليتفاجيء بها تجلس بمنتهى الهدوء لتأكل وتتسامر مع رجل لا يعرفه، غصت كنزي بالطعام حين ظهر عليّ من خلفه فسارع سراج يناولها كأس من الماء بقلق بالغ ليقترب عليّ بخطوات سريعه يدفعها القلق والغيرة ويضمها بلا مقدمات لشخصها لكنها كانت ضمة مفهومة لعين سراج التي لم ترتح للمشهد، كانت ضمة رجل يعلن ملكيته وهو يسألها " هل أنت بخير " ارتبكت كنزي من ذلك القرب الذي لا يسبقه مقدمات، من ذلك الاجتياح الذي يندفع نحوها بلا سابق إنذار وقالت وهي تحاول التحرر من أسره " أنا بخير، لقد كنت جائعة والسيد سيرجو ساعدني " ابتعد عنها عليّ الذي شعر برفضها لقربه وقال " الجميع قلق عليك بالخارج " لتخترق الجموع تولين التي تنادي بلهفة " كنزي " قفزت كنزي عن المقعد تضمها بقوة وهي تقول " أسفة لكني سأشرح لك، أنا بخير " ضمتها تولين بقوة قبل أن تضيق عينيها وهي تنظر تجاه سيراج وتهمس لها " هل أعرفه " التفتت كنزي لسيراج الذي كان يحاوطها بنظراته بشكل أشعل عليّ وقالت " أنه طاهي مشهور ولطيف، حضر لي طبق لا ينسى وأعطاني بعض النصائح المهمة، كانت صدفة سعيدة تلك التي جعلتنا نتلاقى سيد سيرجو " قال سيراج بابتسامة " أنا الأسعد سيدتي " دخل مؤيد وعمر لتسرع كنزي تجاه أخيها الذي احتواها دون كلمة لوم أو عتاب وخرج بها من المكان يسير بهدوء وقد حاول آصف أن يعيد الحفل لوضعه الطبيعي لكي يستطيع عقد قرانه فقاطع علي خطوات كنزي ومؤيد قائلا " لم ترتدي خاتمك بعد يا كنزي ، هل تريدين رؤيته على الأقل " شعرت كنزي أنها تحاملت عليه طويلا وهي تغوص في رفضها لما يحدث وقابلت لطفه بتمرد وغضب لذلك حاولت أن تبدو طبيعية وهي تقول " أنا لم أقصد أن أختفي لكني لم أحتمل ما حدث " هم عليّ بالرد ليسألها مؤيد بحدة " ماذا تقصدين " نظرت له كنزي تفكر كيف تشرح له موقف فتيات العائلة منها بأبسط طريقة لا تدمر حفل سيدرا أكثر مما حدث، لكن عليّ كان يقف أمامهما مقطب الحاجبين تركيزه على علامة حمراء تتحرك بعشوائية فوق فستان كنزي الأبيض ليدرك أن هناك قناص يرصد الحفل فدفع نفسه نحوها يداريها بجسده وهو يصرخ بأعلى صوته " هناك قناص …لتنقطع كلماته والرصاصة التي كانت ستخترق قلبها قد اخترقت كتفه من الخلف فانفجرت الدماء فوق فستانها الأبيض وسقطا معا في مشهد جديد يضاف إلي دوامة الثأر.
………..
بعد عدة أيام..
يا قوية الدماء جازفي، فالموت يحوم من حولنا كعصف جارف، والشر يعدو خلفنا عدوآ بصهيل له في القلوب وقع متطرف، والدماء حولنا لا تنتهي فمن أين أتي بشيء يحد من روعك ومخاوفي،
يا أبية الدماء لا تتقهقري فعبثآ أن تقطعي الطريق لتسقطي على مشارفي، كم انتظرت فتح يهل كغيث على مدني حتى أتيتِ أنت كواقع متعسف.
……….
لا شيء مميت مثل الترقب، فماذا إذا لو أن ما نترقبه هو الموت، الدقائق تستحيل إلى سهام سامة لا تتوقف عن إختراق جسده فتفتك بصبره وتوهن بصيرته وتجعله أكثر انهزامآ من ذي قبل، هزيمته هذه المرة نكراء لا يساويها شيء، فبالماضي كانت هزيمته محتمة لكنه ظل يصارع طواحين الهواء لعل وعسى صراعه يغير من المحتوم شيء، لكن الأن لا شيء يحتم عليه أن ينهزم، لا شيء قادر على جعله يتخلى عن تلك التي ترقد كجسد هامد بلا روح منذ أيام وترقد معها جميع جوارحه فتجعله غير قادر على التعامل مع أي شيء ما دامت عينيها لم تنفرج وتعلن عن عودتها التي يخاف أن يحول بينها وبينه موت محقق، مشاعره مضطربة كأنها تقف على خط النيران داخل حرب حامية لا يعرف طرفيها لكنه سقط بينهما قسرآ، على مدار يومين جرّب للحياة وجها آخر كان يجهل بوجوده، وجه سودوي بحق، ليست السوداوية التي كانت كل أفكاره عنها تدور في فلك مبهم متضارب الحقائق، على مدار يومين كانت هي فاقدة لوعيها بجواره فلا ثرثرة تملأ الأجواء من حوله وهذا جعله وحيدا في مركب بائسة ليس له سوى الله وأفكار أعادت عليه كل ما مضى منذ البداية، منذ أن رهن حياته بانتقام أسود ابتلعه وأفنى به سنوات عمره ثم تبعه بالسقوط في دوامة عشق محرم أنهكته وسرقت منه روحه ببطء شديد وقاتل ليكتشف لأول مرة أنه لم يعش تفاصيل تخصه ولا مرة بل أنه لم يسر في طريق لأجل نفسه أبدآ وكم كان هذا قاسي أن تكون روحك آخر اهتماماتك.
طرق قوي على باب المنزل البسيط الذي يقيم به منذ وصوله إلى ليبيا جعله ينتفض بسرعة يتقدم نحوه ليفتحه وهو يخشى أن يستيقظ أدم الذي أصبح لا يتوقف عن الصراخ والبكاء مطلقآ ليجد حورس مغبر الملابس عابس الوجه يقول له " لم يكن الأمر سهلا إطلاقا، وكل ما وجدته ممرضة قبلت القدوم معي مقابل مبلغ لا بأس به، كل طبيبة كنت أطلب منها القدوم معي كانت تقابل طلبي بريبة وأحدهما كانت ستتسبب لي في مشكلة وأنت تعرف أننا هنا بشكل غير شرعي " قال له رائف بغضب " الفتاة لم تستفيق منذ أيام، لولا شعوري بنبضها لظننتها ماتت وقُضي أمرها، نحن نحتاج إلى طبيبة لتفحصها وتساعدها في الاهتمام بنفسها، ماذا ستفهم الممرضة في حالتها " قال حورس بعصبية " الباب مفتوح اذهب بها حيث تريد أو أحضر لها من تريد، فأنت قررت أن تسير الأمور على طريقتك إذآ تصرف، أنا هنا لست أكثر من مراقب لأخر سبب لنجاتي، أم أنك لا تجيد سوى توريطنا في أمور تطير لها الرقاب " ضرب رائف قبضته بالباب بغضب وهو يقول " أنا لم أجبرك على شيء، أنت هنا لأنك من سعيت لذلك " دفعه حورس للداخل وقال " ما أجبرني أقوى منك بمراحل فلو توقف الأمر عليك لتركتك لينتهي أمرك داخل تلك الميناء، لنصل فقط وحينها سينتهي ذلك العبث ويبدأ الصراع الحقيقي " لم يبالي رائف بفحوى حديثه وهو يسأله بنفاذ صبر " أين الممرضة " ابتعد حورس عن الباب لدقيقة ثم عاد ومعه امرآة ترتدي زي ممرضات لكنه بدي رث تنظر لهما بتوجس وتقول بلهجة ليبية خالصة " أين المريضة، أنا أريد أموالي أولا د، وللعلم إذا فكر أحدكما إيذائي أختي الصغيرة تنتظر بالخارج إذا لم أخرج إليها في ظرف نصف ساعة ستبلغ الشرطة " قال رائف وهو يخرج لها ورقتين من فئة المئة دولار نظرت لهما المرأة وقالت " هذا المبلغ لا يكفي، فأختي بالخارج لها حصتها كما أني أحضرت أدوية وغيارات للجرح " وضع لها رائف ثلاثة ورقات أخري وقال " هل هذا يكفي " قالت المرأة وهي تدفع بالمال داخل محفظتها البالية " لا بأس، أين المريضة " أشار رائف إلى الغرفة الوحيدة داخل هذا المكان البدائي وقال " إنها بالداخل من فضلك افحصيها جيدا، وساعديها لتغير ملابسها، وإن استعطت افاقتها سيكون لهذا ثمن إضافي " حملت المرأة حقيبة معداتها وتقدمت نحو الغرفة وهي تقول " لا تقلق عليها ستكون بخير إن شاء الله" دخلت المرأة الغرفة فأسرع رائف يغلق خلفها الباب لكي لا يلمح حورس شعر أصالة التي حررها من حجابها حين دخل ليتفقدها وشعر أن نبضها خافت لدرجة أدخلته في حالة هلع وجعلته يتصرف دون تفكير.
…………
كانت أصالة في حالة خدر كامل تطفو وتغرق داخل أحلام متداخلة، جميعها مفزعة تلاحقها فيها وجوه مخيفة، الجميع يريد قتلها والتخلص منها، الضباب لا ينتهي بل يتزايد بشكل يشعرها بالوجل والوحشة، وصوت آدم الباكي بفزع هو الوحيد الذي يخترق كل هذا لكنها تدور بحثا عنه فلا تجده، لكنها حين تتعب من الهروب والبحث وينهكها الفزع وتسقط مستسلمة يأتيها صوته الذي لا تحدد اتجاهه يطالبها بالصمود والقوة والوفاء بالعهد، يثرثر لها مبددآ وحشتها وملاشيآ لوجلها ومهادنآ لروحها العالقة ما بين الوعي واللاوعي، شعرت أصالة بشعور غريب لم ترتح إليه لكنها لم تقوى على فتح عينيها لتدرك ماذا يحدث لها، توقف ذلك الشعور للحظات ثم عاد بقوة وهي تشعر أن هناك من يجردها من ملابسها، كافحت لتصرخ لتستغيث، لتدفع من يفعل بها ذلك بعيدا لكنها لم تستطع سوى السقوط في دوامة خدرها أكثر وأكثر، ترقرت الدموع بعينيها من عظم شعورها بالعجز عن الدفاع عن جسدها الذي توالت إلى ذهنها صور مفجعة لما يحدث له، حتي شعرت بأصابع تحل زرار بنطالها حينها وصل كل مخاوفها لأقصاها واندفع الادرينالين في جسدها الهامد لتطلق صرخة هادرة تشق السكون من حولها وتفجع قلب الرابض على باب الغرفة فيطرق الباب بعنف وهو يصرخ " ماذا تفعلين بها، ماذا يحدث بالداخل " قالت المرأة " إنها لم تستفق بعد ورغم ذلك تشعر بالفزع لأني أغير لها ملابسها " قال لها بقلق " حديثها لتسمع صوتك وتدرك أنك أنثى، لا تتركيها فزعة " قالت المرأة وأصالة تعود للصراخ " أنا لا أستطيع السيطرة عليها، عليك الدخول لمساعدتي " قال رائف بلوعة " لا أستطيع، حاولي معها بهدوء أكثر " قربت المرأة يديها من خصر أصالة لتحرك أصالة يدها بثقل لتتمسك ببنطالها وهي تضع كامل قوتها في صرخة عالية جعلت رائف يقول بجنون " ماذا يحدث بالداخل، ماذا تفعلين!!! " قالت المرأة بغضب " أليست زوجتك يا سيد، من فضلك ادخل هدئها وساعدني " ضرب رائف على الباب بعنف أفزع المرأة وقال " ليست زوجتي، ولا أحد هنا ليساعدها سواكِ، أرجوكٍ رفقا بها " بدأت أصالة تتحرك حركات عشوائية وهي تصرخ ما بين خوف وألم فقالت المرأة بقلة حيلة " صدقني أنا لن أستطيع مساعدتها وهي بهذه الحالة، إنها تؤذي نفسها أكثر " قال رائف بصوت مرتفع ليصلها " أصالة …أصالة هل تسمعيني، أصالة إنها سيدة جاءت لتساعدك وتغير لك ضمادات جرحك، لا تخافي أنا هنا أقف خلف الباب أنتظرك، أنت آمنة تماما " بدأت أصالة تهدأ وتفتح عينيها على مهل فقالت المرأة " لقد بدأت تهدأ وتستفيق استمر في محادثتها " أراح رائف جبهته على الباب يلتقط أنفاسه التي حُبست منذ سقطت أمامه وهو يقول " لقد مررت بالكثير وأنت فاقدة لوعيك، كنت أحتاج ثرثرتك لتهون علي الكثير ومازلت أحتاجها لذلك بالله عليكي كفى وعودي إلي فمازال الطريق أمامنا طويل جدا ".
……..
بعد ساعة وأكثر كانت أصالة تحرك عينيها ببطء تتفحص المكان الموجودة به وهي تشعر بإعياء ووهن شديدين، وقد بدلت ملابسها وغيرت ضمادات جرحها وأخذت علاجها ولكنها لم تراه، ظلت عينيها معلقة بالباب وعقلها يسترجع تفاصيل آخر ما تتذكره فلا تجد أنها تذكر شيء سوى كوابيسها المخيفة ثم ظنونها الفجة بشأن المرأة التي تساعدها لتبتسم بسخرية على تلك الظنون التي دفعتها لتستفيق من غيبوبة كان يمكن أن تمتد لو ظلت تظن أنها بأمان إلى جواره، دخل رائف يحمل طبقا تتصاعد منه الأبخرة ليجدها تبتسم فيبتسم دون سبب وهو يقول " أخيرا عدت " قالت له بخفوت " أسباب عودتي كانت قوية في الحقيقة " قال لها وهو يقترب ليجلس على مقعد مجاور للسرير " أنا وآدم نستحق عودتك " ابتسمت وقالت " ليت هذا ما أفقت لأجله، الساخر في الأمر أن الوضع بأكمله لا يساعد على السخرية لكن الحمد لله" عقد رائف عينيه وقال " لا أفهم " أغمضت عينيها بحرج تقول " لقد ظننت تلك المرأة …تركت حديثها معلقا فأدرك رائف مسار افكارها وقال " هل ظننتي أني من أفعل بك ذلك " سارعت تفتح عينيها بعبوس وتقول بوهن " لا، أقسم لك لكني ظننت أني أتعرض لذلك من شخص آخر، لن تتخيل كم كانت أحلامي قاتمة " لم يتحمل رائف هول ما تقوله، بل فكرة أن تمسها يد كان كما الأهوال فسارع يقول " عليك أن تتغذي، أريد أن تعودي إلى مصر على قدميك " سألته أصالة " أين نحن الآن" أجابها " لقد وصلنا ليبيا منذ يومين، والآن لم يعد أمامنا سوى البحث عن طريقة لدخول مصر، مر الكثير وبقى القليل يا أصالة " شردت عينيها وقالت " نعم، بقي القليل ..كيف حال آدم " أجابها " أنه نائم الآن، لكن في الحقيقة هذا الطفل مر بالكثير وسيحتاج تدخل نفسي في أقرب وقت " قالت أصالة " جميعنا نحتاج ذلك، خاصة أنا، أحيانا أفكر أني لم أكن سوية منذ البداية، منذ وافقت ظافر على سفر لا أعلم له وجهة ولا أسباب والآن من العادل أن أدفع الثمن " أمسك رائف الملعقة يقربها من فمها ويقول " جلدك لذاتك لن يفيدنا حاليا، ركزي أن تستردي عافيتك لنرحل عن هنا " سألته بتأثر من فرط اهتمامه " هل ستطمعني كأني طفل " تأثر لسؤالها لكنه قال بمزاح " علاقتنا أصبحت أعمق من ذلك، لقد هربت بك من دولة لأخرى وأنت نائمة " ارتشفت الحساء الساخن بنهم ثم رفعت عينيها إليه وقالت" لن أنسى لك هذا يوما " قلب رائف الحساء وهو يتحاشى النظر إليها ويقول " ربما تنسيني شخصيا يا أصالة، لا أحد يعلم ما يحمله لنا الغد " قالت بصدق " أنت لا تُنسى، وإن كنت تثق في الوعود أكثر من الكلمات أعدك مطلقا ألا أنساك، سأتذكرك.. سأتذكر ما جمعنا..وسأدعو لك " رفع نحوها الحساء بكف يرتجف رهبة من لحظة الفراق ثم قالت " ولكن عدني أنت أيضا ألا تنساني وتأتي إليّ دومآ لتلقي السلام وتطمئن " قال بصدق " كم تصعبين الأمور " لم تفهم مقصده لكنها قالت " لا شيء أصعب مما أعيشه جوارك وانظر كيف تنقضي الأمور وتهون، ثم انظر إلي الآن كم وعد بيننا!!!؟ …حقا لا أتذكر إنها وعود بلا نهاية، وعود صادقة لذلك ستدوم للأبد " كانت تتحدث ببراح أشعره أن العديد من الحواجز تلاشت فأصبح للحديث رونق وجمال وقرب لم يعهده في بشر " فقرب الملعقة من فمها وهو يقول " لا شيء يبقى للأبد أصالة " همت بالرد ولكن حورس دفع الباب بلا استئذان لتعبس أصالة بشدة حين رأته لكنه لم يبالي وهو يقول لرائف " لقد وصلوا بالخارج " تصلب جسد رائف وألقى على وجه أصالة القلق نظرة قبل أن يقف مسرعا فتمد يدها السليمة بوهن وتتمسك بيده وهي تسأله بقلق " من هم، من بالخارج؟؟ " أغلق كفه على كفها بحنان ثم أعاد كفها ببطء شديد إلى وضعيته السابقة وهو يقول " لا تقلقي " ثم يخرج من الغرفة مغلقا الباب خلفه ليجد نفسه في وجه أربعة رجال ذو لبس قبائلي وملامح شديدة البأس والقوة.





انتهى الفصل التاسع قراءه ممتعة
تحياتي ❤️❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-22, 06:38 PM   #38

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل العاشر

سيدتي توقفي عن العبث في صمام أماني.
فالإنفجار وشيك ومن تبعاته ليس لدي ضمان.
انزلي عن أبراجك الشاهقة واقتربي.
فذلك البعد لن يمنعني عنك ولن يتواني عن العصف بوجداني.
سيدتي لا تشعلي حربا لست بقبل لها، فالح.رب قرار شعب وليس أوطان.
الح.رب دم.ار واستنزاف وفجيعة
ومساحات حزن في البقاع تتوسع
وظلمة تطفيء بقوتها جميع الأنوار.
سيدتي لا تخوضي في دروب تجهليها وتؤلميني عمدا، فوحشة قلبي لا تأتي سوى بأضرار
لا تأتي سوى بنكب ات لا أسيطر على فتك.ها، فأنا بقيدك لم أعد يوما من الأحرار.
سيدتي الجميني عن جنوني واختزلي مصيري في كلمات بوحيها لي كما الأسرار.
سيدتي هادنيني واحتويني وامحي الحواجز بيننا،
فثورتي إن هاجت يزل زل من حدتها ألف مدار
وأعلمي أن جميع ح روب ي لا تقارن بك.
فوحدك من أدخلتني في صولات لا تنتهي
ووحدك من سجلت بالانهزام والاستسلام إقراري.
سيدتي إني عاشق لعينيك منذ الأزل
فلما تهدرين عمري في صراع وأسفار
سيدتي إن الوقت بعيد عنك يداهمني،
دقات ساعاتي ترهبني وحنيني إليك يقتلني،
والموت يحدق في وجهي بجمود شديد الإصرار
سيدتي إني لن أرحل وأصير لديك كما ذكرى
إن طافت لا ترعد بدنك وتحيل حياتك لمرار
فأنا رجل لا يعبر، لا ينسي، وإن صار ركاما
لا يمحى وإن كان بعينيك يجسد كل الأشرار.
سيدتي إني ملحمة ستخلد في قلبك أبدا وستنقش كتاريخ ممتد من الشريان وحتى أدق الأوتار.
……………..
لو أننا لم نفترق لكسرتني مجددا وتشظي قلبي في الأفق ، وعبرتني دون النظر لعمق عيني القلق ، ومضيت دون أن تبالي بأي قاع انزلق ، وتركتني لأنتظر منك التفاتة بيقين أنثى لم تفق، لم ترى أن الهياج بعمق عينيك طفق، لم تفطن أن الشغف قد استحال إلى شكوك تدفعك نحو النزق، لم تفهم أن المشاعر وإن تعمقت لا تقارن بعهد رجل قد صدق.
………….
لم تنتظر أن تصبح في حياته أنثى عابرة تخطاها كما لو أنها لم تكن، كأنها لم تترك بصمتها بداخله وتصل فيه إلى ما لم يصل إليه بشر، لقد أرادته أن يظل عالقا بها إلى أبد الآبدين كما تركها خلفه منبوذة معلقة بائسة مهزومة الروح كما لم تكن من قبل، فليس من العدل أن يكون بكل هذا الهدوء.
ملامحه لا تشي أنه قد ظل بداخله أثرا لها، كان يضم اخته بحنان وإحتواء كبيرين، كان يقدم لها الدعم والحماية الغير مشروطين، كان يرهن راحته براحتها ويعدها بالكثير، عينيه تحيك وعودا تقرأها جيدا كما قرأت ما بداخله تجاهها من قبل أن يتكلم، قرأت تباعده وتفهمت أسبابه كما تفهمت قربه الذي أتى بلا مقدمات ليقلب الموازين ويغير كل شيء، وهي قبلت بكل ما يتعلق به، قبلت أن تبقى جواره ولا تلتفت لشيء، أحبته بقوة لا تقارن بتلك القوة التي استخدمها ليدفعها بعيدا عن حياته، لقد كانت قادرة على البقاء رغم كل شيء خاصة بعدما علمت بأمر حملها لكن قسوته التي أشعرتها بأنها بلا قيمة داخل عالمه جعلتها لا تلتفت محاولة أن تخرج من عالمه بأقل الخسائر الممكنة لكن هيهات…أطلقت سيادة أنين قهر وهي تلقي هاتفها بعنف وقد اكتفت من تأمل صورة مؤيد وكنزي التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تنخرط في بكاء حاد استيقظت على أثره ماسة التي شاركتها البكاء فأحنت سيادة جبهتها نحو صغيرتها تحاول أن تتلمس الدعم من وجودها وتمحي بقربها بعضا من مرارة الغصة العالقة بروحها ………..
بعيدا عنها كانت تقف شيراز مكتفة الذراعين تراقبها بجمود شديد لا يليق بتلك الدموع الراكدة بأحداقها، لم تحاول أن تكشف عن نفسها، ولم تفكر في أن تقترب لتقدم لها بعض الدعم، فلم تكن مستعدة للاقتراب من أنثى تعيش لحظات من رثاء النفس، فهي اكتفت من الرثاء منذ سنوات طويلة، منذ ذلك اليوم الذي وضعت فيه بنفسها نقطة النهاية لمسار نبضها، وأدخلته في ركود إجباري وهي تزحف أرضا كما الحيوانات داخل غرفة عفنة بقصر الشافعية والدماء تتقاطر منها بغزارة حتى ظنت أنه الموت لا محالة تمسك بهاتف صغير لإحدى العاملات بعين متورمة مغلقة وأخرى ضبابية تكاد لا ترى بها تضرب أرقام هاتف شخص توسمت فيه الكثير بأصابعها التي كان أغلبها مكسور أو مجروح فتكتم صرختها قسرا تنتظر نجدته ولكن لم يأتيها رد، يالله لكم ظلت تعيد على نفسها تلك اللحظة مرة تلو الأخرى وهي تسير نحو بلال وتزف له كعروس ويغلق عليهما باب واحد، ظلت تلك اللحظة رفيقتها في كل أمر كان فوق طاقتها كأنها محفز تتسلح به وتنسلخ عن نفسها القديمة لتصبح أخرى غريبة الروح، بقدر ما تمقتها بقدر ما ترى أنها القادرة على البقاء داخل هذا العالم القذر، أغمضت شيراز عينيها كأنها تتألم من مجرد الذكرى ثم همت بالتحرك مغادرة لتتفاجيء بيهدين التي تقف بعيدا ترمقها بنظرات مدققة، فأكملت شيراز خطواتها بهدوء حتى وقفت بالممر المظلم أمام يهدين التي كانت تخفي أغلب وجهها أسفل قلنسوة سترة سوداء ضخمة وتقول بغضب غير مفهوم " يمكنك التعاطف معها وأنت بكامل ملابسك " نظرت شيراز لما ترتديه والذي لم يكن سوى شورت من الجينز القصير الذي يكشف عن ساقيها وبلوزه بيضاء فضفاضة تسقط عن أحد كتفيها بينما شعرها مجموع بشكل فوضوي أعلى رأسها ثم قالت " أنا لم أتعاطف معها مطلقا، أظنها مازالت لم تتخطاه رغم ما فعله بها وهذه مشكلتها …صمتت للحظة ثم قالت " أما عن ملابسي فمن فضلك دعي شخص آخر يتحدث فيما يخص الملابس " قالت يهدين بعصبية " لم يبدو لي أنك لست متعاطفة معها نظراتك تشي بعكس ذلك، أنت لست أكثر من مدّعية للصلابة لكنك لست بصلبة" قالت شيراز بهدوء " لا أحد منا كذلك، جميعنا بؤساء عزيزتي " زمت يهدين شفتيها بقهر واستدارت لتغادر لتسألها شيراز دون تفكير " ما بك تبدين حزينة " توقفت يهدين لتبكي بصمت وهي تشعر أن هناك فجوة بصدرها تتسع لكنها سارعت تمسح دموعها وهي تكمل طريقها لتتوقف وقد ارتفع صوت ماسة بشكل غريب فأسرعت شيراز نحو الغرفة ومن خلفها يهدين لتتفاجئا أن سيادة تدور كما المجنونة لتكسر كل ما حولها، تمزق صور وأوراق وملابس خاصة بها، أسرعت شيراز تحمل ماسة تضمها محاولة أن تهدئها فيما وقفت يهدين بخوف من انهيارها تلتصق في باب الغرفة تشاهد سيادة التي تقول " ماذا كنت أنتظر، أن يدور بحثا عني، أن يقوده قلبه نحوي أنا وابنته، أن يشعر بالذنب الشديد لما فعله بي، لماذا أنا شديدت الحمق هكذا؟ …لماذا مازلت أتألم منه، لماذا مازلت أحبه بينما هو يكاد يكون لا يذكرني " هدرت بها شيراز وهي تسحبها من ذراعها بقوة بينما تثبت ماسة بذراعها الآخر " توقفي عما تفعلينه لقد أفزعتِ صغيرتك، أنت هكذا تدمرين نفسك وأسباب بقاءك، ألم تأخذي قرارك بالرحيل لما الآن كل هذا الانهيار " نظرت لها سيادة وقالت " لقد اخترت ما هو أقسى من الرحيل، لقد اخترت الاختفاء تماما، أنا هنا لذلك …أنا حاليا أدفع ثمن حياة جديدة لكن لا أستطيع تخطيه، حقا لا أستطيع " توقفت شيراز تحدق بها بعدم فهم ثم سألتها " ماذا تعنين بالاختفاء، سيادة أنت هنا لأنك تعملين مع السيد حكم أليس كذلك " كانت سيادة لا تعي لشيء سوى وجيعتها فقالت بحزن " أنا هنا لأ…قاطعتها يهدين التي تماسكت قليلا " سيادة احذري لما تتفوهين به " صمتت سيادة تماما تنقل عينيها بينهما وقد انسحبت موجة انهيارها العنيفة تاركة شطآن واقعها عارية كما الحقيقة ثم مسحت وجهها وتنفست بعمق تستعيد اتزانها وهي تتأمل الفوضى التي تسببت بها وتقول " يا للهول، ماذا فعلت " لم ترتح شيراز لما يدور وشعرت أن هناك الكثير مما لا تعلمه فقالت بإصرار " سيادة ماذا تقصدين بأنك هنا لتدفعي ثمن حياة جديدة " توترت سيادة واقتربت منها تقول " لم أقصد شيء، لقد كانت مجرد كلمات خرجت في لحظة انهيار، أعطني ماسة " ابتعدت شيراز عنها تمنعها من الوصول إلى الصغيرة وهي تقول " دعيها معي حتى تتماسكي وتلملمي هذه الفوضى، لا تقلقي سأسير بها في البهو حتى تنتهي " لم تكن سيادة تملك من القوة ما يمكنها من المجادلة والرفض فهزت رأسها بوهن تقول " حسنا دقائق فقط سأختلي بنفسي ثم سأتي لأخذها منك، مجرد دقائق " رمقتها شيراز بنظرة عميقة قبل أن تخرج من الغرفة فأسرعت خلفها يهدين التي أدركت مغزى نظراتها وقالت " لا تضغطي على سيادة لتبوح لك بشيء، بهذا المكان الكثير مما يجب عليك ألا تعلميه، لا تورطي نفسك بأمور أكبر منك، حياتك لا ينقصها تعقيد يا شيراز " رغم أن شيراز استمعت لحديث يهدين جيدا وتلقت الرسالة الموجهة لها لكنها تجاهلته تماما وهي تنزل السلم نحو البهو وهي تضم ماسة بحنان وتسألها " ألن تخبريني أنت أيضا ما بك " جذبت يهدين القلنسوة على وجهها أكثر لتخفيه تماما رغم أنه لم يكن يظهر منه شيء، خائفة من أن تلمح شيراز عينيها التي تصبح أكثر بشاعة ودموية عند البكاء وتقول بقوة تعاكس ما يعتري روحها " لقد حذرتك " ثم أسرعت تصعد السلم في الاتجاه المعاكس فقالت لها شيراز " أحتاج أن أتحدث معك " قالت لها يهدين بغصة " يبدو أنه لم يعد هناك ما يقال " هزت شيراز رأسها بغضب من الوضع برمته لتتحرك ماسة متفاجئة من عنف حركتها فتسرع شيراز لتجلس على أريكة ضخمة تستلقي عليها بشكل غير كامل وترفع ماسة بذراعيها إلى أعلى وتتأملها بتمعن وهي تقول " من الذي يتخلى عن ملاك مثلك، أنت شديدة الشبه بوالدك، يا إلهي كأنك قطعة من القلب، نقية …أتعلمين أريد أن أشمك مؤكد لديك رائحة مميزة " قربت شيراز ماسة منها تطبق عليها ذراعيها تتشممها بعمق وحرمان ثم تغمض عينيها بهدوء وتستكين تماما غافلة أن مظهرها كان ساحرا لدرجة أوقفت أقدام حكم الذي كان يخرج من غرفة مكتبه وهو يرتدي سترة بدلته على عجل، قبل أن يتصلب فكه وتشتد قبضته ويكمل طريقه نحو الباب الخارجي ثم يغلقه خلفه بعنف دفع شيراز لتعتدل وتنظر حولها بحثا عن مسبب هذا الصوت وحين لم تجد أحدا عادت لاستلقائها تحضن ماسة كأنها لا تحمل للدنيا هما.
………
في نفس الوقت ..
كانت ملاك تقف بين الفتيات بتوتر، عقلها لا يكف عن البحث عن اللحظة المناسبة التي تتحينها لكي تقدم على تنفيذ ما يجب عليها فعله، كل أفكارها تدور في مسار واحد لا يمكنها أن تحيد عنه أو أن تنتقل إلى مسار غيره حتي وإن كان أكثر أهمية، تقصي كل ما قد يشوشها لكي تستطيع الإقدام على تلك الخطوة دون أن تهتز أو تخذل يونس الذي وضع ثقته كاملة فيها وهي ستسعى بكل جهدها لتكون على قدر تلك الثقة فهو لا يستحق منها سوى أن تتجرأ لأن هذا ما يتطلبه الحب، الحب ليس للجبناء، تنفست بعمق وتصميم وهي تنظر لسارة التي تقول بحزن شديد " أنا لن أذهب للبنك بمظهري هذا، يكفي أني أتي إلى العمل وأنا أخفي وجهي عن العاملين كأني مطلوبة للعدالة، سلطان سيمر علي لنذهب إلى مؤمن الذي سيعرضني على طبيب تجميل لكي أجد حل لآثار تلك الغرز" قالت لها تولين مواسية " لا عليك، يمكنني تدبر الأمر ولكن ليس اليوم فأنا لدي موعد مع المحامي الذي تولى قضية رحيل، يبدو أنه دبر لنا لقاء مع ذلك الشخص الذي يطالب بحضانتها " قالت كنزي التي أصبحت كثيرة الصمت " أما أنا فاعذريني مؤيد منذ ما حدث في ذلك الحفل الأسود يمنعني تماما من الخروج، كأن حياتي ينقصها قيود " قالت ملاك بهمة " يمكنني الذهاب للبنك بدلا منك " توجهت إليها نظرات الثلاثة بتوتر فقالت " لا تقلقن هكذا، أليس الأمر مجرد إيداع في حساب الشركة " قالت تولين " نعم هو كذلك لكنك تتوترين حين يخص الأمر المال والحسابات، أشك أنك تعلمين شيء عن حسابك البنكي لذلك صعب أن يعتمد عليك في هذا الأمر " قالت ملاك محاولة إقناعها " أنت محقة ولكن الأمر ليس بالتعقيد الذي يجعلني أتوتر، سأخذ المبلغ إلى البنك وسأطلب إيداعه في حساب الشركة وسأكون مع سارة طوال الوقت على الهاتف" نظرت لها كنزي بشك وقالت " ملاك الأمر يتطلب بعض التركيز فهو ليس مجرد مبلغ سيدخل حساب الشركة بل بعض المبالغ التي ستدخل أكثر من حساب منها حساباتنا الشخصية لذلك إن كنتي لا تستطيعين تولي الأمر دعيه لحور غدا وهي ستنجزه " قالت ملاك بإصرار " أنا أرى الوضع وأريد المساعدة، ثم سارة ستبقي معي خطوة بخطوة، أنا أدرك جيدا أن هناك أموال يجب ألا تتأخر لكي تورد لنا الخامات في موعدها " قالت سارة بتأكيد " فعلا هذه الأموال يجب أن تورد اليوم، لقد أكدت هذا الأمر على أكثر من شخص " قالت تولين " حسنا لا بأس، يمكن لملاك الذهاب للبنك وسارة ستتابعها بالهاتف، وإذا حدث أي شيء ….سارعت ملاك تقول " لن يحدث شيء لتشرح لي سارة فقط المطلوب مني وسأنفذ التعليمات بحذافيرها " تنهدت سارة براحة وقالت " تعالي لأوضح لك المطلوب قبل قدوم سلطان " تحركت سارة وملاك خارج غرفة فالتفتت تولين لكنزي وسألتها بهم " إلى متى ستظلين على حالتك هذه " أجابتها كنزي " ما بها حالتي " اقتربت منها تولين تجلس على طرف المقعد التي تجلس عليه وتميل بخصرها لاحتوائها وهي تقول " أنا أشعر بك لكن لا أستطيع إخفاء راحتي أنك بخير، أعلم أن ما يدور بعقلك أكثر تعقيدا من مجرد نجاتك من موقف تكرر كثيرا بالسابق لكن صدقيني لن تستقيم الأمور إذا استسلمت لهذا الصمت والحزن، كنزي ألست دوما من دفعتني إلى الصمود أمام كل المواقف الثقيلة التي مررت بها، ماذا حدث لك أين ذهبت روح النضال داخلك " مالت كنزي برأسها إلى كتف صديقتها وقالت بهم" الأمر هذه المرة يختلف، لو أن ما حدث مجرد شجار جديد بين العائلتين لم أكن لأبالي فقد اعتدت الأمر، واعتدت كوني مهددة …منبوذة ..دخيلة ..قاطعتها تولين تقول " لا تنعتي نفسك بهذه الكلمات " قالت كنزي بهدوء " هذه حقيقة وتأقلمت عليها لسنوات، لكن واقع أني أصبحت زوجة لشخص منهم، يا إلهي عقلي رافض حتى مجرد التطرق إلى الأمر، الأمر فوق احتمالي لقد ظل أمر ارتباطي بشخص يوما ما هو حبل نجاتي الأخير من تلك المعمعة وحاليا الحبل قد قطع، والأحلام قد تهاوت، وقد علقت بذلك الصراع للأبد " قبلت تولين رأسها بصمت دام للحظات قبل أن تقول " ثقي أن القادم خير، فرب الخير لا يأتي سوى بالخير، سأحدث مؤيد لتعودي إلى العمل فبقاءك وحدك أغلب الوقت سوف يزيد من سوء نفسيتك " لم تجبها كنزي وهي تغمض عينيها وتتذكر نظرة عين علي حين اخترقت الرصاصة جسده فتتغضن ملامحها بألم ويرتفع صدرها بقوة كأنما هناك ثقل عنيد يأبى أن يتزحزح..
……….. .
بعد ساعتين …
خرجت ملاك من سيارة كنزي التي يقودها سائق عينه مؤيد من فترة تنظر للبنك بوجل وتوتر قبل أن تقبض كفها بقوة على حقيبة الأموال وتلتفت للسائق قائلة " يمكنك الرحيل فأنا لدي الكثير من العمل بالداخل وحين أنتهي سأهاتفك لكي تقلني للمكتب " قال السائق باعتراض " السيد مؤيد شدد على ألا أتركك إلا أمام المكتب ولا أستطيع مخالفة أوامره " قالت ملاك محاولة إقناعه " يمكنني التواصل مع السيد مؤيد لشرح الأمر، فأنا لدي الكثير من العمل وقد اتأخر عليك " قال السائق بلطف " أنستي هذا عملي لا تحملي هما، انجزي عملك وسأكون في انتظارك " زمت ملاك شفتيها بيأس قبل أن تستدير وتتجه تجاه بوابة البنك الأمنية فنظر لها حارس الأمن بسماحة وسألها " سحب أم إيداع يا فندم " نظرت ملاك خلفها نحو سائق السيارة الذي كان مشغول بإيجاد مكان مناسب لوقوفه وقالت " خدمة العملاء من فضلك " ثم تقدمت إلى الداخل لتجلس على مقعد مواجه لعدة مكاتب يفصل بينها وبينهم حائط زجاجي تهز ساقها بتوتر بالغ وهي تنظر حولها بضياع فيرن هاتفها لترتجف وهي تسرع لإخراجه من حقيبتها الشخصية التي سقطت أرضا جاذبة انتباه المحيطين بها، فانحنت ترفعها وتخرج الهاتف وهي تجيب بسرعة وخفوت " نعم …أنا في البنك الأن أنتظر دوري، كل شيء سيسير كما تريد لا تقلق لكن لتنتظرني السيارة أمام الباب الخلفي للبنك فلم أستطع التخلص من السائق و..قاطعها حديثها مكبر الصوت الذي نادى على الرقم الخاص بها فقالت وهي تقفل بارتباك " سأغلق الآن لقد حان دوري " أعادت ملاك الهاتف إلى حقيبتها الشخصية وحملت حقيبة المال وتحركت نحو أحد المكاتب التي كانت تجلس خلفه فتاة لطيفة ابتسمت في وجهها وسألتها " كيف أساعد حضرتك " أجابتها ملاك بأليه كأنها تكرر حديث حفظته عن ظهر قلب" أريد فتح حساب جديد لمكتبي أنا وشريكاتي، نحن نملك حساب بالفعل لكننا نحتاج لآخر ذات امتيازات خاصة كالتحويلات الدولية " ابتسمت الفتاة وهي تبدأ بالعمل على حاسوبها وتسألها " هل لديك الأوراق المطلوبة " أخرجت ملاك من حقيبتها ملف وقدمته لها وقالت " كل شيء ستحتاجين إليه بهذا الملف "

بعد قليل …

كان موسى يقف أمام سيارة دفع رباعي مكتف الذراعين بعيون معلقة بالباب الخلفي للبنك والذي فُتح وخرجت منه ملاك تتحرك نحوه مسرعة وتقول " لقد انهيت كل شيء، لنرحل بسرعة قبل أن يرانا أحد، فأنا أريد أن أعود قبل أن يصبح غيابي مبالغ فيه " استدار موسى دون أن يفتح لها الباب وركب خلف عجلة القيادة، لتسرع ملاك لتركب بالمقعد المجاور وهي تضم الأوراق إلى صدرها فينظر لها موسى بطرف عينيه ويسألها " هل أنت خائفة" ركنت جبهتها على الزجاج تتأمل الخارج دون أن تبدي أي استعداد للرد عليه، فانطلق بالسيارة تاركا إياها لتفكر لوهلة هل هي خائفة أم لا.
……………
تمهلي فحديث نفسي صار في الخفاء قاتلي، والروح بعد زهدها أنت بميل فكيف تجهلي، والعمر بعد رحيله عاد للبداية لتكون أملا يعتلي، بربك يا عميقة العينين ماذا بالجوانح تفعلي، تمهلي ودعي الخطى لتكون حرة دون أن تتململي، فأنا لست بلا خطايا فلا تتأملي، لا تخذليني فيك فإنما للخذلان وقع جلي، كوني واثقة أني لست سوى ماضٍ لا أريدك به أن تبتلي.
…………
ليس هناك أثقل من أن تفرض عليك الحياة مسار اجباري، وتضطرك أن تلتزم به وتواجه عقباته بدون أن تملك أي قوة على تغييره، مسار كثير المخاطر بشكل يلقي في نفسك الفزع ويجعلك تعتقد أنه مسار نهائي داخل رحلة الحياة التي لم تكن لك يوما كما تمنيتها، مسار ممتد من أعماق ماضيك الذي لا يوجد به بارقة ضوء قد تؤنس وحدتك وحتى حاضرك الذي ما عدت تملك سلطة عليه .. حاضر يفرط من بين أصابعك كذرات رمل لا تدرك، ضم رائف أصابعه كأنما أفكاره التي تتلاعب به على وشك أن تتجسد وهو يتأمل الوجوه الرجولية أمامه بتوتر كبير أخفاه بمهارة وهو يفرد جسده بقوة أمام باب غرفتها كأنه يخشي أن تنفذ نظراتهم الثاقبة من خلال الباب ويرونها، كان غير مرتاح لفكرة أن يكون هذا الجمع من الرجال بمنزل يضمها بين جدرانه لكن للضرورة أحكام وفي حالتهما تحولت إلى أحكام قصوى لا يعرف كيف ومتى ستصبح واجبة النفاذ، كان أول من قطع تبادل النظرات هو حورس الذي قال " هؤلاء الرجال سوف يساعدونا على عبور الحدود، وقد جاءوا لنتفق " قال رائف " أهم شيء أن نتحرك في أقرب وقت" قال أبو الربيع والذي تفطن رائف أنه رئيس المجموعة " الوقت نحن من سنحدده تبع تقصينا للأوضاع، فالحدود ما بين مصر وليبيا خطرة جداً، ونحن لسنا سوى مقتفيين آثر نعمل لأجل الرزق " سأله رائف بارتياب "ماذا تقصد بخطر " قال الرجل بصدق " هذه الرحلة ليست آمنة ولها مخاطر ونحن نعتمد على طريق متداخل منذ فترة لكن لا نعلم هل وصل غيرنا إليه أم لا، الصحراء واسعة والم هربي ن والجم اعات الإره اب ية متناثرون بها كما الرمال، والقوات المصرية تشن هج مات عن يفة على أي محاولة اختراق، لذلك نحن لن نغامر بأرواحنا سوى بمقابل يستحق منا خوض تلك الرحلة " تجمد رائف بوجل وناظر حورس يبلغه بصمت عن رفضه لما يقال ثم عاد بنظره لأبو الربيع وسأله " ما الذي يضمن لنا أنك لو أخذت مالك سنصل سالمين " نظر أبو الربيع لرجاله وقال " هذه الرجال إذا ساروا معك دربا فاعلم أنهم سيفدوك بأرواحهم لآخر لحظة، لكن هذا الولاء له ثمن فأرواحنا ليست بالرخيصة " قال رائف بتوتر " هذا الكلام ليس مقنع بالنسبة لي، أنت تقول أن الطريق به أوغاد كثر ومؤكد يفوقوننا عددا وسلاحا، كيف إذا سيكون هناك فرصة لننجو " قال أبو الربيع بثقة " نجاتكم مهمتي، أنا فقط وضحت لك الأمر لكي لا تجادل في المبلغ المطلوب " سأله رائف بغضب " ما هو المبلغ المطلوب بالظبط " سأله أبو الربيع" كم فردا سيعبر " أجابه رائف " ثلاثة رجال وطفل " نظر أبو الربيع في المكان وقال بحذر " أين ثالثكم " أجابه رائف بجمود " في الغرفه أنه مصاب ولم يبرأ بعد " قال أبو الربيع بضيق " هذا سيجعل حركته بطيئة، كما أن الطفل من الصعب السيطرة على صوته لكن لا بأس …ليكن المبلغ ….قاطعه رائف يقول " انتظر " ثم سحب حورس بعيدا عنهم وهمس له بانفعال " أنا غير مرتاح للوضع، ألم تجد سوى هذا الرجل " أجابه حورس " هل تمزح معي، لقد فعلت كل ما بوسعي حتى وجدته، وإن لم يكن يعجبك الوضع تصرف أنت " قال رائف بتفكير " أفكر في تسليمها للقنصلية المصرية بليبيا، وهذا سيكون أسلم حل لنجاتها " قال حورس الذي جن جنونه من حديث رائف " فكر في هذا وسأكون أول من يقف لك، هذه الفتاة لن تبارحني قدمي على قدمها أينما ولت حتى نصل وإلا سترى مني وجها آخر لشخص على وشك الموت ولم يعد يبالي بمن سيأخذ معه، هل فهمت " كان رائف يدرك أن حورس لن يفلته وهو أيضا لا يستطيع التخلص منه حاليا، فحالة أصالة ووجودها يحتاجان منه حراسة دائمة ويجب أن يكون تحت يده شخص يتعامل مع الطرق القذرة التي سيتعين عليهم أن يسلكوها ورغم ذلك هاج بشكل مرعب يمسكه من تلابيبه ويهمس له بفحيح " لا تجعلني أستحل دمائك، أنت تدرك لما مازال طريقنا واحد لكن صدقني إن انعدمت الأسباب سترى مني أنت وجها لم يحن موعد ظهوره بعد " ثم نفضه بعيدا عنه وهو يقول في نفسه " كم تثقلين خطاي يا أصالة، كم تربكيني خوفا عليك ….ومنك " ثم استدار لأبو الربيع يقوله له بأسلوب قاطع " أريد سلاح جيد وضف ثمنه على ما تريد من مال، وما دمت لا تريد مني مجادلة فيما ستطلب أنا أيضا لا أريد مجادلة فيما سأطلب …صمت رائف لحظة ثم قال " سنتحرك الليلة حدد الوقت المناسب لكن الليلة لا يوم واحد زيادة " نظر له الرجل بتفكير قليلا ثم التفت إلى رجاله فلمح الرضا في عيونهم لذلك قال " توكلنا على الله، جهز نفسك ومن معك وانتظر قدوم رجالي ليلا في أي لحظة، وطبعا لن أؤكد عليك أن المال سأخذه قبل أن نتحرك خطوة واحدة خارج هذا المكان " صمت رائف وقد أصبح كمن يجلس على صفيح ساخن ولا يملك ما يضيفة لتلك الخطة الكارثية، فتحرك الرجل نحو الباب ثم استدار فجأة يسألهما بعيون ضيقة " لم تخبراني عن السبب الذي لأجله تريدان دخول مصر بتلك الطريقة…هم حورس بالرد عليه بانفعال لكن الرجل لم يعطه فرصة وهو يقول " هذا ليس المهم، أحيانا عدم التدخل في بعض التفاصيل يكون أفضل، لا تنسيا أن تجهزا لي …صمت مفكرا ثم ألقي في وجههما مبلغ تخطى بكثير كل ما توقعاه ………
بالعمق سؤال لا يكف عن الإلحاح عسى أن يوجد له إجابه، سؤال كلما فرض نفسه عليها زادت الحيرة بداخلها لأنها لا تجد إجابة له، فكيف لها أن تعلم هل ستستطيع التأقلم مع تلك المرحلة الانتقالية بحياتها أم لا، هل ستستطيع التعايش مع كل ما استجد داخل حياتها والمضي قدما دون التوقف أمام التفاصيل الجارحة والغوص فيها، هل ستستطيع أن تعتبر هذا المنزل أخيرا منزلها وترتضي بكل ما يقدم لها بين جدرانه بمنتهى الصمت والتفهم ، فطبيعتها نارية لا تميل إلى التكيف مع وضع لا تجد فيه نفسها ولا كيانها، طبيعتها لا تفكر مرتين إذا لم تشعر بالراحة والهدوء حتى لو في المكان الذي من المفترض أن تنتمي إليه، طبيعتها في حالة من التغير الغير مفهوم وقد مرت أيام والتفكير في سلطان العطار يكاد لا يتوقف، حديثهما بالحفل يعاد ويعاد بداخل رأسها وعقلها لا يكف عن تحليله وكل مرة يأتي باستنتاج جديد عما شعرت به منه، هذا الشخص مربك وليس فقط مبهم، إنه كلغز لا تفهم منه شيء …غاضب، عبوس، مندفع ناري …مهتم، شهم، حمائي، غيور.
توقف تفكير فاطمة عند كلمة غيور ثم قالت بانفعال تحدث نفسها وهي تجلس أمام حاسوبها " نظراته لا تشي سوى بذلك، شخص غريب " أغلقت الحاسوب وهي تزم شفتيها بضيق وتفكر أنها تحتاج لكوب من الشاي ليطرق باب غرفتها فتقول وهي متيقنة أنه عيسى فلا غيره يقترب من غرفتها " عيسى ادخل " دخل عيسى ينظر لها بتوتر ويقول بخفوت " رضا وكرم بالخارج ويريدان رؤيتك " وقفت تسأله بتوتر " يريدان رؤيتي!، لماذا" قال لها " لا أعرف لكن وجوههما تبدو شديدة العبوس " قالت فاطمة " استر يا رب، والله لا ينقصني جدال معهما فلدي مشروع جامعي لا أستطيع أن أستجمع أفكاري منذ أيام للعمل عليه " قال عيسي " لا تخافي أنا معك وإن تطور الأمر سأستدعي سلطان " قالت بعبوس " لماذا تستدعيه هل هو ولي أمري، ثم أنا لست خائفة فأنا لم أفعل شيء" تحركت فاطمة خارج الغرفة فنظر عيسى لهاتفه يفكر في إبلاغ سلطان ثم تراجع حتي يفهم ما يحدث.
…………
كان هلال يجلس بين أخويه يناظرهما بتوجس فكرم بدا كأن هناك نيران تخرج من رأسه بينما رضا منحني ينظر بالأرض كأنه يرتب أفكاره ويعد لشيء لن يعجب أحدا على ما يبدو، قاطع الصمت اقتراب فاطمة تقول بهدوء " عيسى أخبرني أنكم تريدون الحديث معي " وقف كرم يهدر بها بعنف تراجعت على أثره خطوات " ما الذي قلته لسلطان ليطيح بنا بهذا الشكل" وقف هلال يدفعه بعيد عنها بعنف وهو يقول بغضب " كرم لا تحدثها هكذا وتحكم في جنونك قليلا " لتثور فاطمة وتقول " هذا الأسلوب لا تحدثني به مطلقا، أنا لست جارية لديك، وإن لم يكن بداخلك احترام لرابط الدم الذي يجمعنا دعنا لا نتعامل مطلقا لكن لا تفكر في إهانتي " سحب عيسى فاطمة للخلف وهو يقول لكرم بغضب " فاطمة لا حديث لها مع سلطان لتقول له أو تعيد، ما الذي جعلك تظن أنها قالت لسلطان شيء " قال كرم بعنف مبالغ فيه " الهانم شكتنا لابن عمك بسبب العريس الذي أحضره خالها، وقالت أننا نفرضه عليها كأننا نريد التخلص منها، وقالت أيضا أنها لا تعلم شيء عن الخطبة نهائيا وأنها رافضة " قالت فاطمة بعصبية " نعم قلت أني لا أعرف شيء عن تلك الخطبة ولا عن هذا العريس، هل أبلغني أحدكم أن هناك من جاء لطلب يدي، ثم أنا لم أشتكي له منكم لقد كان يسأل وأنا أجبت، ولم أكذب فيما قلت " سألها هلال " هل لم يكن لديك علم مسبق عن أمر العريس فما بدا لنا من حديث والده أن لديك علم وقبول أيضا " أجابته فاطمة بصدمة " إن كنت على علم وموافقة لما سأنكر، لما لا يصدق أحد أن لا علم لدي " حينها وقف رضا وقال " لأن حديث والد عماد كان أمام خالك الذي صعد لك وجلس معك ومؤكد أخبرك بكل شيء ولم يكن هناك داعي لتلك الحركة فسلطان لو علم أنك تلاعبت به سيرفع يده عنك تماما، استدرار عطفه كان يمكنك فعله بأكثر من طريقة إلا هذه الطريقة القذرة " قالت فاطمة بصدمة " استدار عطفه …وطريقة قذرة، هذا الحديث لي " نفضت ذراعي عيسى عنها واقتربت من رضا تقول بغضب قد بلغ ذروته " إلى هنا وكفى، اسمعني جيدا …أنت أخي الكبير فعلا لكنك لم تترك للأخوة بيننا مكان، بل لم تترك لأي شيء طيب بيننا مكان لذلك أنا لن أبقى هنا دقيقة واحدة وهذا أفضل لي ولكم فلا أنا أستطيع التأقلم مع الإهانة والكره ولا أنتم ملزومون بتحمل غلطة الحاج اسماعيل العطار، وأيضا ليست فاطمة العطار من تستدر عطف إنسان أو تستخدم الطرق القذرة، فطريق الحق أقصر وأوضح أنا لي ميراث في كل أملاك أبي أريده لأني قررت أن أشتري منزل لأعيش به أنا وعيسى، لأن للأسف البيت الذي تربيت به لفظني، والذي لجأت إليه أهانني " قال كرم بحدة " نعم …اظهري وجهك الحقيقي بعيدا عن الوجه المستكين الذي تبديه لنا، هذا هو الأمر الذي دفع بك للظهور بعد هذه السنوات، الميراث والأموال، كم تأخذين وتنهي هذه المسرحية " قال عيسى بغضب " كرم توقف عما تقوله هي لا تطالب سوى بحقها " قال رضا " حقها وصلها وزيادة فوالدك وضع لها بالبنك وديعة تدر عليها دخل شهري يكفيها ويزيد، هذا غير البيت الذي يسكن به خالها والأراضي من حوله، وأي شيء تطمع فيه زيادة عن ذلك لن تطوله " نظرت لهم فاطمة بقهر شديد وهي تقول " هذا كان بالسابق حينما كنت لا أهتم سوى بأن أجد بينكم ما حرمت منه، لكن الآن لا شيء قد يجعلني أتنازل عن حقي، انتظروا قريبا قدوم المحامي الخاص بي لكن بعدما أرحل من هنا " دفع كرم هلال واقترب من فاطمة يقول " خروج من هنا لن يحدث، فضائح وتشهير بنا بين الناس لن يحدث، إذا وافقت على ذلك العريس سنزوجك إياه وترحلي عنا وأنت مكتفية بما لديك وشاكرة أننا وقفنا بجوارك أمام الناس وإن رفضتيه ستظلي هنا دون خروج أو الذهاب لأي مكان حتى يأتيك آخر " قالت فاطمة " هل ستسجني هنا " أمسكها كرم من ذراعها بعنف يدفعها نحو غرفتها فدفعه عيسى بغضب شديد وهو يقول " ارفع يدك عنها " ليلكم كرم عيسى بعنف يلقيه أرضا أمام أرجل هلال الذي فزع وهدر بكرم "ماذا تفعل، هل جننت " دفعها كرم داخل الغرفة وأغلق عليها الباب بالمفتاح وهو يقول" ماذا تريدني أن أفعل، أتركها لتجعل سيرتنا على كل لسان أم لتأخذ أموالنا، من يقترب من الباب ويحاول فتحه سأكسر له يديه وهي أمامها أربعة وعشرون ساعة لتقول موافقة أو لا " أطبق كرم على المفتاح وتوجه ناحية الباب لينظر عيسى وهلال بصدمة تجاه رضا الذي كان في كامل هدوءه ليقول عيسى بغضب " لماذا لا توقفه " تجاهل رضا سؤاله وهو يقول " حذاري أن يعلم سلطان بما حدث، هذه مشاكلنا الخاصة فدعونا نحلها في هدوء ودون تدخل، تحذيري هذا جدي للغاية وأنتما أدرى بمقصدي " ثم تحرك تجاه الباب المفتوح على مصرعيه تبادل عيسى وهلال النظرات التي أدركت مغزى حديث رضا والذي لم يكن هينا أبدا.
…………
لتستفر جميع الذكرى التي كبلتها حين أبت لك أن تغفر، تلك التي قيدتها عمدا وألقيتها في وادي صمتي المقفر، وأحكمت حصاري حولها تاركة إياك بسلام لتظفر، لا لشيء وإنما حين تشتد حربنا لا تغير فيما بيننا ولكنها عن الكوارث تسفر، اليوم ارفع عنها الحصار سامحة لدمع عيني لأجلها أن يطفر، فما عادت أسبابي في قمعها كافية وقد أضحيت لغفراني لك أستكثر. …………
حين يغيم عالمك فجأة يصبح كل شيء كئيب حتى تلك الابتسامة التي تغتصبها لتمنح أحدهم دعما يحتاجه تصير كئيبة شديدة السودوية وربما تعطي نتائج عكسية في الغالب، فالابتسامة يجب أن تشرق كشمس تزيح بضوئها ودفئها كل الغمام وهي لم تعد تستطيع فعل ذلك، لم تعد تستطيع تخطي مرارة ما تعيشه وتمنح الغفران وتتعامل بتسامح تحاملت على نفسها سنوات لتجيده، تحاملت لأنها لم تنسى أبدا أن من كان سيسرق منها روحها هو من منحها لها، لكن الآن قد تغير الكثير فعواقب أفعال فياض الكارثية لم تعد وحدها من تدفع ثمنها، جميع من تحبهم صاروا مهددين والخطر المحدق على بعد شعره منهم، فما عاد صمتها يعد سوى تخاذل عن حماية جميع من تحبهم وعلى رأسهم فارس الذي ما دأبت نفسها تحدثها بشأنه، أين كان ذلك الإنسان منها وأين كانت منه منذ زمن وهل ما يجمعهما قوي لدرجة أن يصمد أمام ضربات فياض العنيفة أم أنه سيزول مثل كل حلم جميل زال منذ زمن طويل كانت فيه الأحلام مثل ذبد البحر، تنهدت كيان وهي تمر بين غرف الطابق الاول وهي تمسك دفتر وقلم لتسجل ما تحتاج إليه الفتيات فقالت لمياء التي تناظرها بشفقة " كيان يجب أن ترتاحي ودعي هذا الأمر للغد فالأيام لن تنتهي " قالت كيان بجمود " لا أريد الفتيات أن يشعرن بالحاجة إلى شيء غير متوفر، يكفيهن ما مررن به، هل تظنين أن الملابس والأدوية فقط ما يحتجن إليه " قالت لمياء " نعم الملابس والأدوية والدعم النفسي حاليا أكثر من كافي لنتخطي هذا الوقت العصيب وبعدها يفعل الله ما يشاء، كيان عليك التحدث إلى الفتيات أنهن جميعا متوترات من صمتك وجمودك الذي تبع انهيارك " تنهدت كيان وقالت بحزن " أنا لا أشعر بالراحة النفسية التي تمكنني من التحدث إليهم حاليا، بل إنني كلما رأيت فتاة منهم تتعثر لجهلها بالمكان أو تعاني مع التعامل مع المحيط حولها تصيبني حالة من القهر تكسرني، أرجوك يا لمياء تحدثي معهم أنت وأخبريهم أني سأحاول بأقصى جهدي أن نعود لمنزلنا قريبا " قالت لمياء برفض " الوعود لن تحل شيء وخاصة إن كانت شبه مستحيلة، كيان ترميم الدار وإعادته لما كان سيتطلب مبلغ ضخم ووقت ومجهود " قالت كيان بحرقة " أعلم هذا جيدا وسأعمل على أن يتم كل ذلك في أسرع وقت " سألتها لمياء " كيف ستفعلين وآخر مبلغ كان بحوزتك رتبت به الكثير من السفريات التي تخص علاج الفتيات، هل ستسحبين ذلك المال " قالت كيان بتعب واضح " هذا الخيار غير وارد بل ومستحيل، فالفتيات يجب أن يكملن علاجهن لكي لا تضيع فرصة إحداهن في إستعادة نظرها ثم ….قاطعتها دولت التي اقتربت تقول " أنسة كيان السيد أمير ومعه آخران يريدان رؤيتك " قالت لها كيان " حسنا يا دولت أخبريه أني سأنزل حالا " ثم التفتت إلي لمياء تقول " ثم أنا لا أملك الجرأة لقتل أمل إحداهن لذلك كما قلت هذا الخيار غير وارد " أنهت كيان حديثها وتبعت دولت تشير لها ألا تنزل لأمير فهي سوف تنزل بنفسها.
………
بالأسفل قبل قليل أوقف ليل سيارته خلف سيارة أمير والتفت تجاه فخر الذي أصبح حاله يضج مضجعه ويجعله في حالة شديدة من الخوف عليه، صمت غير مفهوم …شرود …وحزن وامتناع تام عن الطعام إلا لمامآ حتي العمل أصبح لا يأتي إليه بانتظام وإذا أتي لا يفعل شيء سوى إنجاز ما عليه ليرحل كأنه لا يطيق البشر من حوله وأصبح يفضل العزلة ، زفر ليل بضيق شديد وهو يقول " لقد وصلنا يا فخر، ألن تساعد أمير في نقل هذه الأشياء " رفع فخر عينيه يتأكد من وصولهما ثم قال بصوت لا حياة فيه " لم ألاحظ وصولنا، سأنقل الاشياء التي بسيارتنا أولا " فتح فخر الباب وهم بالنزول لتوقفه يد ليل الذي أمسك ذراعه وسأله بهدوء وهو يدقق النظر إلى عينيه " ما بك يا فخر، احك لي، لن تجد من يفهمك ويساندك مثلي، أنا أخوك وأبوك، أفهمني ما يحدث معك " هز فخر رأسه وهو يربت على كف ليل بمحبة ويقول " لا شيء ..أنا بخير صدقني " ارتخت قبضة ليل عن ذراعه فتحرك فخر ينقل الملابس التي أرسلتها سمراء وأسمهان وباقي الفتيات من أجل بنات الدار، ليتأمله ليل بهم وهو يترجل من السيارة ليساعده ويحمل ما يستطيع من الحقائب نحو مدخل الxxxx ليفتح باب المصعد وتخرج منه كيان تقول بصدمة " ما هذا " قال أمير جيجي والفتيات أردن المساعدة، لو أن هناك ما ينقصك أتمنى أن تخبرينا " قالت كيان بثأثر " لا أعرف ماذا أقول حقا، أنا شاكرة لكم على كل ما تفعلوه لأجلي " قال أمير بلطف " لا داعي للشكر، لقد مللت من تكرار تلك الجملة ثم أنت أول إنسانة قدر لها أن تلج إلى العائلة وتكسر لعنة عنوسة شبابها وعلينا تقديرك …هل نترك هذه الحقائب هنا أم نصعد بها للأعلى " نظرت كيان للحقائب التي تنوعت ما بين حقائب ملابس وأحذية واحتياجات أساسية للنظافة الشخصية وقالت " لو استطعتم أن تصعدوا بها ستجدون دولت في انتظاركم بالطابق الأول " حمل أمير العديد من الحقائب وصعد السلم وهو يقول لفخر" ضع باقي الحقائب في المصعد واسبقني إلى الأعلى فأنت لا تبدو لي بخير " لم يجبه فخر الذي نفذ أمره دون كلام ،فالتفتت كيان تتأمل باقي الحقائب لترى ليل يدخل من البوابة يحمل بعضها فتوترت بشدة ولم تعرف ماذا تقول سوى " شكرا لك ولزوجتك " قال ليل بعبوس " لم نفعل شيء لتشكرينا وإن احتجت أي شيء تستطيعين اللجوء إلى سمراء في أي وقت فهي قوية وتستطيع إدارة المواقف بمهارة " قالت كيان " نعم لقد لاحظت ذلك، تستحق حبك لها " رفع ليل عينيه تجاهها وقال " لا تؤاخذيني على جمودي حين التقيتك المرة السابقة لكن رؤيتك أعادت لي ذكريات مظلمة لا أريد الاقتراب منها مجددا " قالت كيان بصدق " أنا أعذرك جدا لأن هذا كان شعوري حينها، لقد خفت أن تعلن عن سابق معرفتنا أمام فارس " سألها ليل باستغراب " فارس لا يعلم أنك ….قاطعته تقول بمرارة " لا …إنه لا يعلم أني كنت في مصحة نفسية وظللت لعدة سنوات، ليس شيء قد أفتخر به لأفصح لأحد عنه، دعنا نقول أنها ذكرى مظلمة لا أريد الاقتراب منها" هز ليل رأسه بتفهم وقال " أفهمك فلو لم تكن سمراء قد علمت عن طريق الصدفة ما كنت أخبرتها، تلك الفترة كانت نقطة سوداء أتمنى أن أمحوها من حياتي تماما " هزت رأسها بتفهم ليسألها فجأة " هل انتهت هواجسك بأن هناك من يطلق النار عليك، هل أصبحت بخير " تنفست كيان بعمق وقالت " الحمد لله كانت فترة عصيبة ومرت لكن …صمتت للحظة ثم قالت برجاء خفي " أتمنى ألا يعرف أحد وخاصة فارس عن هذا الأمر " سارع ليل يقول مطمئنا " لا تقلقي أبدا رغم أني أرى حرصك مبالغ فيه ففارس شاب مثقف ومتفتح ويحبك، على أي حال كما قلت لك إذا احتجت أي شيء الجيء لسمراء وهي لن تتردد في مساعدتك لحظة " قالت بامتنان " شكرا لك ولها " فتح باب المصعد فخرج منه فخر وأمير ليقول ليل " هيا بنا " ويتحرك نحو سيارته وهو يرمق أخيه بقلق ووجل بينما ودع أمير كيان التي بمجرد أن تحركت السيارتان سقطت جالسة على إحدي درجات سلم المدخل بجوار الحقائب التي تركها ليل وبكت بحرقة وقهر ولوعة كما تمنت أن تفعل منذ أن رأت النيران تلتهم الدار …
……. …….
قبل الفجر بساعة …..
وقف رائف أمام باب غرفة أصالة وأفكار لا حصر لها تتدافع داخل رأسه، أفكار بشعة لدرجة لا تحتمل، أفكار تجعل كفه معلق بالهواء خوفا من طرق الباب الذي سيتبعه حديث لا يعرف كيف سينتهي، جائه صوت حورس يسأله بنزق " هل ستظل واقفا عندك كثيرا، الوقت يمر ومن الممكن خلال لحظات تجدهم يقفون على الباب ولا أظن أنه سيكون لديهم من الصبر والتفهم ما يحثهم على انتظارك " تصلب جسد رائف بغضب والتفت إليه يزغره بعنف قبل أن يطرق الباب بهدوء وهو يقول " أصالة ..هل أستطيع الدخول؟ علينا أن نتحدث " تحركت أصالة بفزع من نومها فتألمت وأطلقت صرخة خافتة وهي تقول بما يشبه البكاء " أنا لا أجد نظارتي " قال لها " يمكنني البحث عنها، هل أدخل " قالت بقهر " الغرفة مظلمة ولا أرى أين حجابي " قال رائف " حسنا دعيني أدخل لأبحث عنهما، وأعدك ألا التفت نحوك " كان ينتظر منها جدالا ورفضا وظنونا لكنها فاجئته وهي تقول " ادخل " لا يعلم لم استوقفته الكلمة للحظات قبل أن يتجرأ ويدخل محاولا ألا تقع عينيه عليها ليرى حجابها ونظارتها ساقطان أرضا بجوار السرير، فتقدم يلتقطهما ويدفع بالحجاب نحو يدها وهو يقول " ها هو الحجاب ارتديه حتى أمسح النظارة، أسرعت تلف حجابها بشكل عشوائي قبل أن ترفع يدها نحوه وتقول بتعب " أين النظارة " فوجد يديه تتحرك تجاه وجهها ليلبسها النظارة لترفع عينيها العميقة تجاهه بتوتر وقد اتضحت الرؤية وهي تقول " شكرا " ابتسم لها وقال " لا عليك، هل أنت أفضل لنتحدث " هزت رأسها فانسلت خصلة طويلة من شعرها ومالت على جانب وجهها وهي تقول " ماذا حدث" أجابها رائف قائلا " سنرحل عن هنا بعد قليل لكن …صمت فانتظرت باقي حديثه بترقب فأكمل قائلا" للأسف سنحتاج مبلغ كبير من المال الذي بحوزتك، أصالة أنا متذكر كل قرش أخذته من هذا المال وبمجرد أن نصل سأعيده إليك " قالت أصالة بوهن " خذ ما شئت فالمال لا يعني شيء مقابل ما تفعله لأجلي ولقد قلت لك سابقا أنه تحت تصرفك المهم أن ينتهي هذا الكابوس، أنا أشعر بالذل الشديد تجاه هذا الوضع الذي أحياه " سارع رائف يقول بحزم " أصالة أنت لست ذليلة، كل ما يحدث أزمة وستمر، أن تشعري بذلك رغم كل ما أفعله لأجلك لهو محبط جدا لي " قالت بتعب " لم أقصد صدقني لكن …إن لم تمرتلك الأزمة إلى متى سأظل في هذه الدوامة " قال بتأكيد قاطع " ستمر، هذه آخر خطوة وبمجرد عبورنا مصر سيصبح كل شيء أيسر، أنا أعرف مكان قريب من الحدود سنلجأ له فورا، سنجد هناك الدعم والعناية الطبية لأجلك، كوني متفائلة وتماسكي واسمعيني جيدا ….أرهفت السمع وتعلقت عينيها به كما تفعل حين تكون خائفة فأكمل قائلا " نحن لجأنا لمهربين لكي يساعدونا في عبور الحدود، هؤلاء الرجال لا يؤتمنوا لذلك لم أخبرهم أنه سيكون معي فتاة بل اتفقت معهم على أننا ثلاثة رجال لذلك أريدك أن ترتدي ملابس رجالية فضفاضة وتتلثمي الأن لأنهم على وصول"
قالت بخوف" من أين سأتي بملابس رجالية الآن، ثم أنا لا أعرف كيف أتلثم، ثم من الممكن أن يقع اللثام في أي وقت ويعرفون كل شيء، يا للهول ….ماذا تقصد بأنهم لا يؤتمنون هل سيأذوني ؟؟ أصابها حالة من الهلع فسارع يقول " أصالة أنا معك، توقفي عن الهلع حالا، فهذا سيزيد الوضع سوءا " أمسكت كفه برجاء وهي تقول " أنا لم أعد حمل جروح، أرجوك لا تعرضني لذلك، عدني ألا يمسني أذي أكثر " شد رائف على كفها وقال " هل بت تثقين في وعودي " هزت رأسها بانفعال فقال " أعدك مهما تعثر الطريق وطال لن يمسك أذي …زفرت أصالة براحة وقوة كفه تشعرها بأمان رهيب كأن في تلك اللمسة تواصل يمنحها سكينة جعلتها لا تلتفت لأمر كفها الذي تركته بين قبضته ليقول " سأحضر لك ملابسي، هي قطع محدودة انتقي منها ما يناسبك، لكن أسرعي فالوقت يمر " هزت رأسها بطاعة فأفلت كفها الذي تفاجئت أنه ظل معلق بكفه دون أن تشعر بازعاج أو رفض لتلك اللمسة، تحرك رائف خارج الغرفة تاركا إياها لتنظر إلى كفها الذي ظنت أن الشعور به انعدم فكيف ومتى اعتاد كفها على لمسته لتلك الدرجة.
…………..
بعد عشرون دقيقة ….
كان رائف في حالة إنشطار عنيفة ما بين واقع مر وماضي شديد المرارة وأصالة تقف أمامه بتوتر كبير تسبل أهدابها لا تستطيع رفع عينيها نحوه من ذلك القرب بينما رائف يلف أحد أوشحته حول وجهها كلثام بمنتهى المهارة، كانت تلك اللحظة كنقطة تلاقي فيها الماضي بالحاضر وعقله يتأرجح ما بين صورة تولين وما بين صورة أصالة فتنفعل مشاعره وتضطرب أكثر لدرجه جعلته بنهت وهو يحاول التخلص من تلك الفوضى الفكرية التي تملأه، رفع رائف كفه عنها كما الملسوع يقول " لقد انتهيت " سألته أصالة بتوتر " كيف أبدو " تأملها رائف للحظة ثم قال " تبدين شاب يافع شديد الهزل " قالت " إذآ سينطلي عليهم الأمر " قال مهدئا لها " سيحدث لا تقلقي، فأكبر مخاوفك الأن يوما ما ستكون مجرد ذكرى " قالت له بتنهيدة " ذكرى شاقة للغاية، لم تكن هذه الذكريات التي لطالما تمنيتها " سألها بفضول " ما الذكريات التي تمنيتيها إذا " هزت رأسها بهزلية وقالت " أشياء أفكر بها الأن فلا أجد سوى غرابة، لا تشغل بالك، فأنا أخذت من حماقة الإناث نصيب الأسد " قال لها" لا تقولي هذا، أنت يحق لك التمني كيفما شئت " قالت بحزن " ويحق للأحلام ألا تتحقق، هذه حقيقة مؤلمة " قال لها" مادام في العمر بقية إذآ مازال هناك أمل أن الأحلام ستتحقق" قالت بيأس " وإن لم تتحقق " هزه يأسها الذي بلغ منها مبلغه فقال " لا تتشائمي هكذا، على أي حال أعدك إذا عدنا بسلام أن أحقق لك حلما، يمكنك إعتباره كشكر على هذه الرحلة الرائعة " قالت بضيق" توقف عن السخرية مني " قال بابتسامة " أنا أتحدث بجدية أقسم لك " همت بالرد لكن حورس الذي دخل ينظر لها بقلق شديد وهو يقول " لقد وصلوا " جعل رائف يقول لها " تأكدي أنك وضعت علاجك بالحقيبة واتبعيني " تحرك ثلاثتهم نحو الباب وقد حمل رائف آدم ليجد أبو الربيع ورجاله في انتظارهم ومعهم سيارة ضخمة فتقدم رائف نحوه يقول " ها هو المال " أعطي أبو الربيع المال لأحد رجاله الذي ناوله بدوره سلاح فأخذه ودفع به نحو رائف قائلا " هل هذا ثالثكم " توتر رائف فيما دقق أبو الربيع النظر تجاه أصالة قبل أن يقول " ما اسمه " هدر به رائف " اسمه وأمره لا يخصاك مطلقا، متي سنتحرك " أفسح أبو الربيع الطريق وهو يقول " الأن هذه السيارة ستوصلكم إلى أقرب نقطة وبعدها سيتعين علينا السير لمسافة قبل أن نجد وسيلة أخرى " دفع رائف أصالة نحو ظهر السيارة وساعدها لتعتليها بغلظة ثم ناولها آدم والحقيبة وصعد يجلس بجوارها ليلحقه حورس فيتحرك أبو الربيع تجاه مقدمة السيارة وهو يرمق أصالة بنظرة لم ترح رائف وزادت من مخاوفه لكنه تفاجيء بها تشتته عن كل هذا وهي تهمس له " لقد تمنيت دوما أن أصنع ابتسامة هوليودية لأسناني، لطالما شعرت أني أحتاج لشيء مميز ليجعلني ملفتة الطلة ومميزة "
هدوء تام فرض نفسه على كل حواسه وهو يلتفت لها يناظرها بطريقة حارت نفسه في تفسيرها قبل أن يهمس لها بخفوت مماثل " ليت كل الاحلام بهذه البساطة، يوما ما سأخذك لطبيبة الأسنان بنفسي لكن ليس لأجل ابتسامة هوليودية بل لأجل أن تقنعك أن لا تحتاجين إليها فأنت ملفتة الطلة ومميزة بشكل كبير… بل أنت حياة " صمت وقد تعلقت عيناهما كأن هناك جسور من الوعود بينهما تمتد فلم يشعرا بوحشة الطريق الذي قد سيقا إليه.
……………….

مصائرنا متشابكة كخيوط ما قٌدر لها أن تُغزل، جميعنا فقدنا للتو السيطرة وصرنا في خصم الحياة عُزل، لا نملك في وجه الصراع سوى جموح لهو من الجحيم أرذل، ولا نعرف للحياة درب سوي ونخطوه بشموخ له العقبات تذلل، نحن المسيطرون على طول المدى وغضبنا من الأهوال أجزل، لا تفكر حتى في صدود أمرنا فعبثآ منك أي مجهود يبذل.
…………….

حياة الصيد ليست بالهينة، فهي تحتاج شخص ذو هيمنة.
شخص يدرك كيف يطوع فريسته ويقتنصها بمنتهى الهدوء، شخص شديد الصبر..سريع البديهة..قاطع النوايا، يجيد أن يفصل ما بين إنسانيته وروح الصياد داخله ويسير الأمور لصالحه دون أن يبالي بالفريسة، دون أن يفكر بها أويتعاطف معها أو تدفعه برائتها الملفتة لتغيير مخططه كاملا ليخرج من رحلة محاصرته لها بأقل الخسائر.
ضيق رشيد عينيه ينظر لعلبة الجهاز اللوحي بيده ثم حاد بنظراته نحو ساعته وبعدها إلى بوابة الجامعة أمامه وهو يفكر أن أيام إختفاءه التي تعمد جعلها تطول قد حولت رودين الغير مبالية سوى بدراستها إلى أخرى مترقبة لظهوره بشكل كبير وهذا ما يريده تحديدآ، دقائق فقط وظهرت رودين بملابسها التي لا تنم عن أنوثة وتسريحتها الطفولية تتلفت حولها بتحفز كحالها منذ أيام، إنها تنتظره ولا يعلم هل هو انتظار بديهي أم انتظار لونته ليالي إختفاءه بأفكار وردية مريبة، لكن حان الوقت ليعلم.
ترجل رشيد من سيارته يتقدم نحوها بثقة وقد لفت الكثير من الأنظار بهالة غموضه التي تصدح من كل إنش منه وهالة وسامته التي لم تكن سوى وسامة رجولية حادة متفردة.
يقترب منها ليتوقف على بُعد خطوات ويناديها " رودين " التفتت رودين بصدمة لتجده خلفها يقف كما الوتد فانقطعت أنفاسها للحظة قبل أن تغير مسارها مقتربة منه وقد أدركت بداخلها بدون أسباب أنه يأمرها بالاقتراب فهو لن يبادر ولن يقترب أكثر، لتتوقف أمامه تقول " سيد راشد أليس كذلك" كانت مكشوفة أكثر مما تدرك لذلك قال" هل تسأليني عن اسمي أم عن شخصي " قالت رودين بتوتر " أنا فقط خشيت أن أكون نسيت اسمك، ماذا تفعل هنا؟ " قال لها بعيون مستمتعة لا تراهما خلف نظارة سوداء أنيقة " ماذا أفعل برأيك! " ثم قدم لها علبة الجهاز اللوحي فقالت " لم يكن هناك داعي لذلك، فأنا على كل حال ممنوعة تماما من أخذ أي شيء من شخص غريب فلو أنك تركت لي جهازي لكان هناك أمل في إصلاحه " قال رشيد بنبرة رجولية " هل ترفضين الجهاز؟ " زاد توتر رودين التي قالت " لا أرفضه لكن هذه أوامر البيت عندي ويجب ألا أحيد عنها " قال لها " مع كامل احترامي للأوامر لكن ليس من اللباقة رفض هديتي بذلك الشكل خاصة وأني عائد من السفر منذ ساعات وصممت على القدوم لك قبل السفر مجددا " سألته رودين بتردد " هل سفرك ما أخرك عن القدوم لأيام " صمت رشيد للحظات زادت من توترها قبل أن بجيبها " هل ظننت شيء غير ذلك " سارعت رودين تقول " لا على الاطلاق، أنا فقط …صمتت لا تعرف ماذا تقول وقد بلغ منها الخجل مبلغه فتركها لتغرق في ارتباكها أكثر قبل أن يقول بلكنة كان لها في أذنها صدى آثر" لم أكن أتمنى أن أنشغل عنك " اضطرب تنفُسها واشتعلت وجنتاها وقالت برجفة واضحة " أنا أيضا …لا أقصد لا عليك …ليس هذا ما أردت قوله بل ..
رفع حاجبه لا يريد أن يعطيها المساحة لتلتقط أنفاسها وتهدأ فسارعت تقول " أنا متوترة جدا من الموقف ككل فمن فضلك لا تضغط عليّ لقبول ذلك الجهاز فهذا ممنوع " لم تبرر أنها لا تستطيع قبوله وهذا كان كفيل بتوضيح الكثير له، ولكن من هذه اللحظة لتكسر أول وأسهل حواجز الممنوع، فقال " لا أظن أنك ستقابلين لطفي بالصد هذا سيكون ….ترك حديثه معلق وتركها للتخمين والظنون فسارعت تقول " لم أقصد سوى…قاطعها قائلا " ما دمتِ لا تقصدين إذآ لتقبلي الجهاز " وضعه فوق الكتب التي كانت تحملها فضمت الكتب بحركة مرتبكة إليها ليبتسم حينها رشيد ويقول " كانت صدفة سعيدة رودين " قالت بخفوت " أنا الأسعد يا سيد راشد " أهداها رشيد ابتسامة مختلفة شعرتها ساحرة لكنها كانت ذئبية لا أكثر قبل أن يستدير دون وداع مسببا لها حالة من التخبط وهي تراه يبتعد نحو سيارته الفارهة ليركبها وينطلق، التقطت رودين أنفاسها بعمق وهي تتلفت حولها بوجل لتجد نفسها مراقبة من العيون حولها فتسرع لتبتعد بارتباك جعلها تتعثر أكثر من مرة.
……..
بينما رشيد كان يقود سيارته وبيده هاتفه ينظر إليه منتظرا منها أن تفعل جهازها ليتفعل معه نظام التعقب الذي وضعه لها ونظام الاختراق الذي سيكون أول طريقه تجاه العدو، رودين ليست أكثر من ضحية حرب عليه ألا يلتفت لأمرها، رفع رشيد عينيه إلى الطريق ليسرع بصدمة وهو يكبح سرعة العربية لتتوقف على بُعد شعرة من سيارة سوداء ضخمة تغلق الطريق، تجهمت ملامحه وهو ينظر للرجال أمامه لكنه لم يترجل من السيارة وظل يناظرهم بتحدي وهو يحرك كفه لتستل سلاحه المخفي في السيارة ببطء شديد وهو يراقب أضخمهم قد اقترب من الزجاج يطرقه بهدوء، فأنزل رشيد الزجاج يقول له " ماذا تريد " رفع له الرجل كم سترته ليكشف عن وشم الأسد الذي دق على رسغه ليزفر رشيد براحة وكفه ترتخي على سلاحه ويقول " والمطلوب؟ " أجابه الرجل " سيدي يريدك " قال رشيد بنزق " حسنا انطلقوا وأنا سألحق بكم " قال الرجل " للأسف ممنوع، عليك أن تتفضل معنا ونحن سنهتم بالسيارة أو لو كنت قلق …صمت الرجل يشير لباقي الرجال ليفتحوا ظهر السيارة السوداء وينزلوا منها قضبان حديدية ثم أكمل " يمكنك أن تأتي وسيارتك الفارهة معنا " دعس رشيد بنزين السيارة لتصدر صوت مدوي فاجيء الواقفين قبل أن ينطلق بسيارته تجاه القضبان ليدخل السيارة السوداء ويغلق الباب من خلفه وهو يفكر بغضب كيف وصل إليه حكم!!
……………..
داخل المزرعة كانت شيراز تقف خلف النافذة تشاهد السيارات السوداء الضخمة التي تتوافد إلى داخل المزرعة بفضول وهي تفكر أن هذا المكان وجميع من بداخله أصبحو يثيرون بداخلها نزعة تقصي واهتمام لم تكن تتمتع بها من قبل، بداخلها شعور غريب يدفعها للتوغل داخل كل ركن بهذا المكان لتكتشف ماذا يوجد به كأن تحذير يهدين كان محفز لها لتفهم ماهية ما يحدث في هذا المكان بالضبط، رأت حكم يقترب من بعض رجاله على ظهر حصان ضخم يلمع بلون غريب، يشعرها كأنه أصهب مثلها ويترجل عن صهوته ليتحدث معهم ففكرت أنها لو أرادت أن تدرك أسرار هذا المكان عليها أن تبدأ بغرفة المكتب لا غيرها، التفتت شيراز تتفقد المحيط الخالي من الحركة حولها ثم بمنتهى السرعة تحركت تجاه غرفة المكتب ودخلتها ثم أغلقت من خلفها الباب.
………….
بالخارج..
وقف حكم ينظر لأحد رجاله ويقول " هل وصلوا جميعا " أجابه الرجل" نعم يا سيدي حتى السيد رشيد " ناوله حكم لجام فرسه وقال " حسنا سأذهب إليهم ولا أريد أن يقاطعنا أو يقترب من المكان الذي نتواجد به أحد " أحنى الرجل رأسه بطاعة وقال " أمرك يا سيدي " تحرك حكم ليرن هاتفه بنغمة خصصها ليهدين التي أصبحت بحالها الجديد حمل ثقيل يرزخ فوق كتفيه فأجابها قائلا " يهدين ماذا هناك " قالت له بصوت عصبي " بدلا من إعطاء رجالك أوامر بعدم الاقتراب لمكان لايستطيعون الولوج إليه مطلقا، التفت إلى ضيفتنا الموقرة التي تسللت إلى غرفة مكتبك للتو " أغلق حكم هاتفه وهو يغير مسار خطواته ويسرع بغضب شديد تجاه المنزل ثم تقدم مباشرة تجاه غرفة المكتب وفتحها لتشهق شيراز بصدمة كبيرة ويسقط من بين يديها كتاب كانت قد أخذته من فوق المكتب ليقول لها حكم بغضب " ماذا تفعلين هنا " سارعت شيراز بالسيطرة على توترها وانحنت ترفع الكتاب وتلوح به وهي تقول " كنت أبحث عن شيء يسليني لأني أشعر بالملل، وبما أن هذه غرفة المكتب اعتقدت أنه مؤكد بها مكتبة سأجد بها بعض الكتب الشيقة " قال حكم وهو ينظر لها باتهام صحيح " لا يبدو لي أن هذا ما كنت تفعلينه " رفعت شيراز حاجبها باستنكار وقالت " هل تقصد أني كاذبة " قال حكم بصوت أفزعها " نعم هذا ما قصدته تحديدا " تفاجئت شيراز من حدته فقالت " هل توجه لي إهانة صريحة " نظر حكم للسقف بعيون نافذة الصبر ثم قال هادرا " عن ماذا كنت تبحثين بالضبط " قالت بتصميم " قلت عن كتاب، هل لم تسمعني " اهتز هاتفه معلنا وصول رسالة فأخرجه من جيبه وفتح الرسالة ليجدها مقطع مصور لشيراز التي كانت تفتش أدراج مكتبه " فوجه الهاتف نحوها وقال " لا يبدو لي أن هذا يعد بحثآ عن كتاب " بهتت شيراز وسألته باستغراب " من صورني؟!٠ " توسعت أعين حكم من جرأتها حين جذبت منه الهاتف تبحث عن المرسل لتقول بغضب " الواشية " ثم تلفتت حولها بحثا عن الكاميرات ليقول حكم بغضب جام " ماذا تفعلين بالظبط، أعطني هاتفي " تنحنحت شيراز وضيقت عينيها وهي تناوله هاتفه كطفلة واثقة من كونها على وشك التوبيخ ليحدق بها حكم قليلا يتأمل الانفعالات التي تتتابع على وجهها وهو واثق أنها تحدث نفسها داخليا فقال بغضب " لا تبلعي حديثك وأسمعيني ماذا قلت " قالت شيراز بغضب " أنا لم أقل شيئا " قال حكم بنفاذ صبر " بل قلت بداخلك، أسمعيني ما يدور بتلك الرأس وتظنين أنك ستجدينه في مكتبي " صدمت شيراز من حديثه صدمة أشد من صدمة وجوده لتقول دون تفكير " لقد كنت أبحث عن شيء يوضح لي ماذا يحدث في هذا المكان الغريب " أغمض حكم عينيه كأنه قد فقد آخر ذرات حلمه وقال هادرا " اخرجي حالا، هيا " زمت شيراز شفتيها وتحركت خارج الغرفة بهدوء ثم استدارت تقول له " إن كنت لا تريد مني البحث بنفسي وضح لي ما يحدث " لم يرد حكم وهو يجذب باب المكتب ليغلقه بالمفتاح ثم يضعه في جيبه قبل أن يرمقها بغضب ويتحرك مغادرا فتتابعه عيون شيراز بغضب شديد قبل أن تلين وهي تقول " لما لم أفكر في ركوب الخيل منذ قدومي " بينما حكم الذي توجه نحو اجتماع تأجل كثيرا همس بتجهم " النساء وفضول النساء ".
…………….



أسفل في المزرعة دخل رشيد بخطوات واثقة مسترخية تلك الغرفة التي اجتمعوا فيها قبل ما يزيد عن شهر ليجد مقعده شاغرا بين السبعة مقاعد التي يجلس عليها البقية فيبتسم بسخرية وهو يقول " جميعكم هنا، مرحى، يبدو أن حكم مل من تعقبنا، كما يبدو أن هناك عدة وجوه تحمل على جبهتها لافتة مكتوب عليها لقد صنعت كارثة " نظر له فياض بغضب وقال" دعني أخمن …أنت أولهم " نظر له طايع بعبوس وقال " أنت تحديدا لا تتحدث عن الكوارث يا فياض، فلا أظن أنه قد سبقك بها أحد " رمق فياض حذيفة بطرف عينه وقال " هذه المرة لا أظن ذلك " قال سراج " هل يفهم أحدكم ما يدور الآن" قال أواب " لننتظر وصول حكم " توجهت أنظارهم تجاه حذيفة الصامت تماما قبل أن يُفتح الباب بغضب شديد ويطل عليهم حكم يرمقهم بنظرات نارية خاصة فياض لكنه لم يتعجل فيما يخصه لذلك تحرك يجلس على مقعده وهو يقول " هل يدرك أحد لما جمعتكم بعد سبع سنوات كاملة " نظروا لبعضهم البعض ولم يجيبه أحد فقال هادرا وهو يخبط على الطاولة أمامه بعنف " لماذا لا يجبني أحدكم؟، هل جمعتكم ليعبث كل واحدا منكم كما يشاء ويزيد من نكبتنا؟ " سأله طايع بتوتر " ماذا حدث لكل ذلك الغضب يا حكم؟ " أجابه حكم بحدة وعينيه تمر بين الوجوه " ما حدث أن هناك من وجدنا، وحاليا جميعنا مهددون ففضلت أن تكونوا حولي وتحت عيني لكن ما لم أتوقعه أن بعضكم تناسى تلك الحقيقة وترك المجال لجموحه ليحركه فيرتكب كوارث ويعقد الأمور أكثر " سأله أواب بقلق شديد" هل مازلت لم تعلم من يترصدنا؟، هل معني حديثك أننا أصبحنا فعليا مستهدفين " تنفس حكم بعمق وقال " للأسف لا لم أعرفه بعد، لكن لم يعد أمامي خيار سوى الوصول إليه قبل أن يصل إلينا، نحن نحتاج إلى اختراق أرض السيد وفهم ما يدور " قال طايع بهلع " مستحيل، أنا لن أستطيع " قال حكم " لم يعد الأمر خيار بل أمر فبالماضي كنا رجال السيد واليوم سنبحث عنه ولابد أن نجده " سأل سراج بصدمة " نبحث عن من!!!! " أجابه حكم بقوة " عن السيد نفسه " وقف حذيفة قائلا " هذا مستحيل " قال حكم " حين تصبح حياتنا جميعا في خطر فليس هناك مستحيل، هل تذكرون ما حدث من أكثر من تسع سنوات أم نسيتم " عم الصمت تماما وسقط كل واحد منهم داخل شرك الذكريات المحكم ومرارة الذكرى تشعرهم كأن ما حدث لم يكن سوى أمس أو قبل أمس ليس أبعد من ذلك ليقول حكم " كانت كل الأمور بخير، كنا معا نعيش في هدوء رغم غرابة حياتنا وتفاصيلها حتى انقلب كل شيء في ليلة واحدة، ليلة أدركنا فيها أن السيادة انتقلت إلى شخص ذو نفس مريضة في سابقة لم تحدث فوضعنا جميعا على حافة الهاوية، لقد فقد كلآ منا جزءآ كبيرآ من روحه في ذلك الصراع الذي نشب، هل تذكرون ما حدث لزوجتي وكاد أن يحدث لكيان " انتفض فياض بعنف وهو يصرخ حتي نفرت عروقه " لا لا …لا تكمل، لم أكن أسمح أن تُمس كيان" هدر به حكم " لم تكن تملك خيارآ حينها يا فياض، تطرفك في إنقاذ كيان كاد أن يقضي عليكما ولكن الله سلم، كان مازال لكما في العمر بقية"
سأل سراج بغصة شديدة " ربما الأمر أبسط من ذلك، ربما من يسعى خلفنا يريد شيء ما.. أموال مثلا " هز حكم رأسه وقال " كنت أتمنى ذلك ولكن لا يبدو لي الأمر هكذا، من يبحث عنا يريد أن ينهي على آخر خيط للماضي ، أظنكم تفهمون مقصدي.
يريد دفن السر … قاطعه رشيد قائلا " أو يبحث عن السر " نظروا إليه جميعا فقال رشيد " لو أن السيادة لم تنتقل إذا نحن نواجه عدو استطعنا الفرار منه قبل ما يقارب التسع سنوات، هل لديكم تفسير لما تغاضى عن البحث عنا تلك المدة ولما عاد كل شيء بقوته الآن" سأله طايع " برأيك لماذا " انحني رشيد بجلسته للأمام وقال " هذا لا يعني سوى أنه يبحث عما لدينا فلو أراد التخلص منا لما انتظر كل هذا، نحن منذ سنوات لم نكن نملك ربع ما نملكه الان من حراسة وحماية ولم يصل لنا، فهل يصل لنا ونحن محاصرون بجيش' نظر له حكم وقال بتفكير " هذا يعني …قاطعه رشيد قائلا " أن السيادة انتقلت مجددا والسيد الجديد لا يبدو بالهين أبدا، إنه يبحث في الدفاتر القديمة ونحن أكثر دفتر مليء بالكوارث والخبايا، أعتقده يظن أننا نعلم مكان مريم " عم الصمت للحظات ليقول حكم " إذا قراري لا رجعة فيه هذه المرة سيكون فرارنا بدون أذيال نتحسر بسببها بعد سنوات، لنجده ونقضي عليه وننجو من ذلك الكابوس " سأله أواب " إذا قضينا عليه ما سيكون وضع السيادة وأرض السيد " أجابه حكم بتفكير " هذا سؤال سابق لأوانه كثيرآ لنصل لتلك اللحظة وحينها سيتغير الكثير، ربما آن لأرض السيد أن تنتهي " حينها فقط قال حذيفة بأسلوب قاطع " أرض السيد لن تنتهي أبدآ لكنها ستعود لسابق عهدها، أو لنقل أن السيادة ستنتقل لمن يستحقها " عم الصمت تماما قبل أن يقول أواب " حذيفة يملك طرف خيط لمريم، ربما يوصلنا لها " توجهت النظرات لحذيفة الذي قال " لم أصل لشيء بشأنها " سأله حكم بصوت يرهب " ما هو خيطك تحديدا " لم يكن حذيفة مستعد لقول شيء لكن أسلوب حكم جعله يدرك أن لا سبيل للتملص لذلك قال بتجهم " لقد وجدت أختها ".
…………………
بعد فترة..
وقف الخمسة بوجوه شاحبه بينما بقي رشيد ثابت مُدعي الهدوء، وحكم جامد كاظم لغيظه وحين هموا بالمغادرة قال حكم لفياض " فياض، انتظر حديثنا معا لم يبدأ بعد " توقفوا بتوجس فقال حكم " لستم مطالبين بحضور ما سيحدث، يكفيكم ما سمعتم اليوم " لم يبادر أحد بهم بالمغادرة فيما تحفز فياض يرمق حكم بنظرة مُتحدية ليقول حكم " دون حديث طويل، أنت أمامك خياران إما أن تظل هنا بالمزرعة حتى ننفذ ما خططنا له، وإما أن ترحل وستبقى عيني عليك حتى تمر تلك الأزمة، لا خيار ثالث وبقائك بمصر خارج تلك المزرعة ممنوع " ثارت ثائرة فياض وصرخ بجنون " هل ستفرض علي سجن إجباري يا حكم " قال حكم بقوة " نعم، هل تظن أني سأتركك حتى تقتلها وتجلس بجوارها تنعيها وهي جثة هامدة، في ماذا كنت تفكر وأنت تحرق دار بها فتيات عاجزات لا حول لهن ولا قوة، هل انعدمت إنسانيتك لتلك الدرجة " صرخ فياض " نعم لأجلها أنا انعدمت وأُعدمت، ولا أحد له بمحاسبتي، أنا أحرقت ذلك الدار كما يحترق قلبي، جعلت النيران تجري به مثلما تجري بشرياني، إنها من تريد ذلك، لقد خطبت لآخر.. رجل آخر وضعت يدها بيده ووعدته بحياة هادئة، وبيت دافيء، وعدته بحبها، على ماذا تحاسبني " دفع حكم الطاولة التي بينهما وعبر له يمسكه من تلابيبه وهو يقول " لتفعل ما تشاء، الحب ليس بالإجبار، إن أرادتك لرحلت معك حين خيرتها لكن هل تذكر ما قالت يومها ….قالت لا أستطيع " انفعل فياض حتي أصبح خارج عن السيطرة وقال " أذكر جيدا، لا أحد يذكر شيئا يخصها مثلي، لقد تخلت عني …تركت يدي …مزقتني والجميع وقف يشاهد " هدر به حكم " افهم لم نكن نستطيع أن نفرض عليها شيء، هذه حياتها " قال فياض " بلى كنتم تستطيعون، على الأقل لأجلي، لأجل أن أحيا بدلا من أن أكون روح بها ألف مقبرة، ولكل مقبرة موتة أبشع من سابقتها " بدا أن حكم لن يصل معه إلى شيء لذلك تجاهل أوجاعه التي طفت إلى السطح وقال " لن تسير الأمور بهذه الطريقة يا فياض، كيان تحملت منك الكثير وإلى هنا ويكفي، ما حدث للدار من خسائر ستتكفل ماديا به وإن بقيت على حالتك سأعتبر هذا إقرار منك أنك ستبقى هنا حتى يُحل كل شيء، لذلك دع الأمر يكون اختيارك أفضل للجميع، في النهاية أنت لا تحب أن تُفرض عليك الأمور " تجمد فياض لكن نيران عينيه وقلبه ظلت على عنفها وتعلقت عينيه بأعين حكم ثم من حوله ينتظر منهم انصاف لم يجده بالماضي ليجده الآن وحين تأكد أنه لن ينصفه أحد قال " سأرحل لكن لأراها مرة واحدة وبعدها سأرحل " تنفس حكم براحة وقال " سأتي بها إلى المزرعة يمكنك رؤيتها من بعيد ثم نسيانها، أنت تؤلم نفسك بذلك الحب وتؤلمها " قال فياض بحسرة " ليتني قادر على إيلامها ".
……………

في نفس الوقت داخل منزل فياض الذي تمكث به بتول الواقعة في حالة انهيار، كان الوضع لا يبشر بالخير مطلقا، انهيارها الذي امتد لأيام سبب لها حالة من الهذيان رأت بها الكثير مما تمنت ألا تراه، بل مما ظنت أنه من المستحيل أن تسمح لنفسها أن تفلت لجام الذكريات فتغوص به، أنفاس رجولية ثقيلة كانت تحاوطها حتى وهي مفتوحة العينين بكامل وعيها، رائحة بخور خانقة مختلطة برائحة دماء صدئة والحصى كأنه مازال تحت أقدامها واقفا يشاهد تلك البشاعة التي تحدث، جسدها تجمد وعرقها صار يتدافع رغم برودة جسدها المصدوم، طاولة حجرية، كتب عتيقة، سكين ضخم وع نق يبتر، شهقت بتول تفتح عينيها غير قادرة عن الانزلاق في هوة تلك الذكري أكثر، تتنفس بعنف شديد وهي تتحسس عنقها بفزع ثم تقول " ما لهذا الماضي يأبى ألا ينتهي ويندثر، هل ما أفكر فيه صحيح أم أن عقلي أصابته لوثة من كثرة الضغط، لا اله الا الله…" وقفت بتول تسارع بسحب إسدال صلاتها وتتوجه نحو الحمام لتتوضأ وكلها يقين أنها ستجد راحتها في الصلاة ثم تفرش سجادتها وتكبر بقلب يستنجد بمن ليس لها سواه، ثم تعبر بخشوعها داخل مدار من السكينة والطمأنينة والهدوء.
………….
بعد فترة وجيزة كانت تُسلم من صلاتها ليقاطعها طرق على الباب فنهضت بسرعة لتفتحه لتجد ماثيو الذي أصبحت تعابير وجهه تعلن توجسه منها ومن هالة الغموض والمشاكل المحيطة بها يقول لها " سيدة بتول هل يمكنك أن تستعدي سريعا لنخرج " سألته بهلع " إلى أين " أجابها بملامح مبهمة " سأشرح لك كل شيء في الطريق " سارعت بتول تسأله دون تفكير "هل يمكنني القدوم هكذا " أجابها وهو يستدير متحركا نحو الخارج " لا أرى ما يمنع " أسرعت خلفه دون تفكير، وأخر همها مظهرها فما برأسها من أفكار كفيل بجعلها تُلقي كل اعتبار آخر تحت قدميها وتعبر لعلها تجد مخرجا لها من تلك المعمعة، لتجد ماثيو يفتح لها باب السيارة لتركب على المقعد المجاور له فنفذت دون أن تعلم وجهتها ليدور حول السيارة ويجلس خلف عجلة القيادة وينطلق بها تاركا إياها تنظر لحبات المطر بتركيز كأنها تحصيها وقد امتلأ قلبها بوحشة شديدة وغامت مشاعرها بكثرة نافست تلك الغيوم العالية، الطريق ظل يمتد وللحظة شعرت أنها لا تريده أن ينتهي، فماذا لو مضى العمر وهي جالسة تشاهد المطر قطرة ترطب على جرحها وقطرة تروي روحها، لكن أمنيتها انتهت من قبل أن تبدأ حين توقفت السيارة في مكان واسع غير واضح الملامح من شدة المطر ليقول ماثيو " هناك من ينتظرك " زادت دقات قلبها كأنها حصان جامح لا يتوقف عن قفز الحواجز وهي تسأل بارتجاف " من " أجابها ماثيو " يفضل أن تعرفي بنفسك " فتحت الباب بكف لا يرتجف من البرد ولكن من الرهبة وتترجل لتقف تحت المطر فتري رجل يقف بعيدا عنها بأمتار يقف تحت مظلة سوداء ضخمة معطيآ إياها ظهره فهزت رأسها بحركة مشتتة وقد خيل لها أنها تعرفه جيدا جدا جدا.

انتهى الجزء الأول من الفصل العاشر
قراءه سعيدة ❤️

يتبع 👇👇👇👇👇👇👇


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-22, 06:39 PM   #39

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

سيدتي لا تسأليني أين سحر البداية منا، وتطالبيني بأن أُفسر موقفي، إن البداية حين أتت لم تجدنا ورغم ذلك أبت المشاعر في خافقي ألا تختفي، كل شيء بين أضلعي لأجلك يدور كمنظومة شعر باسمك تقتفي.
وما بين بيت يفضح حنيني وبيت يشكو جذوة يتوقف القلب كمتيم متلهفي،
سيدتي إن لك بين الجوانح مساحات شغف أضرمت فيها نيران لا سبيل لأن تكتفي، حاوطيني..عانقيني.. ميزيني.. استثنينيي،
وكوني في العشق وحدك متلفي …………….
هل شعرت من قبل أن هناك إنسان حين تنظر إليه تراه شطرك، تشعر أن أنفاسه التي يطلقها خارج براح صدره وحدها أسباب بقائك على قيد الحياة، تشعر بخطواته حين يقترب منك كأنها تعبرك من الوريد إلى الشريان، وحين تترك أنظاره العالم وتُوَجه إليك تشعر كما لو أنك ناسك في محرابهما ، مسار أفكاره قادر على التلاعب بجميع مساراتك وتغير جميع التفاصيل لتصير تفاصيله هو وتتحول أنت لنسخة منه، نسخة وجدت لتلائمه وتكمله وتكتمل بوجوده.
هل شعرت من قبل أن هناك شخص واحد بالحياة قادر على تغيير مصيرك بشكل جذري ولا أحد غيره قادرا على ذلك؟
كان هذا شعور علي الذي تعلقت عينيه بباب غرفته داخل المشفى ينتظرها كما يفعل منذ أيام دون أن يمل، ولما الملل! وقد مضت سنوات طويلة وهو يتمنى أن يكون له حق في لقائها دون موعد دون تبرير لتلك المشاعر التي تتضخم بداخله منذ أن أيقنت روحه أنها من ينتظرها، أنها من يريدها ولا أنثى غيرها قد وجدت طريقها إلى روحه رغم أن من حاولن كثيرات، لكنها بدون أي مجهود يُذكر تمكنت منه وفرضت سيطرتها على جميع جوارحه، طرقات ناعمة على الباب أجفلته فسارع يعتدل بلهفة متعشما أن تشرق شمسها في ربوع أحداقه لينطفيء تماما وهو يجد الممرضة تدخل الغرفة وهي تبتسم بلطف وتقول " موعد الدواء، تبدو أفضل حالا اليوم " تجهمت ملامحه وهو يمد ذراعه نحوها لكي تقيس ضغطه ويقول " متى أستطيع أن أخرج " أجابته " حين تسترد عافيتك كاملة، فبرغم تحسنك الملحوظ جرحك مازال يحتاج رعاية ومتابعة، ثم لما تريد المغادرة بهذه السرعة هل الأجواء هنا لا تعجبك " تنهد عليّ ولم يُجبها ليدخل شاهين يقول بمزاح عابث " لا حق لك إذا لم تعجبك الأجواء هنا يا عليّ، ماذا هل هناك من يجد كل هذا الدلال ويقول لا" نظر له عليّ بغيظ وقال " لما لا تبلع لسانك، أم لا يحدث هذا إلا في حضرة سلطان العطار " تجمد وجه شاهين وتقدم داخل الغرفة لتقول الممرضة بلطف مبالغ فيه" هل تآمراني بشيء " أشار عليّ لها بيده أن تنصرف فامتقع وجهها من حركته التي بدت كإهانة فتحركت مسرعة خارج الغرفة ليقول شاهين قاصدا مناكفته " يبدو أن حركتك لم ترق لها بعد كل الاهتمام الذي صبته عليك بالايام المنصرمة " قال عليّ بعصبية " توقف عن هذرك الذي لا داعي له وأخبرني كيف الحال " قال شاهين بعصبية " عليّ هل أنت بكامل قواك العقلية!، هل تركت كل من تعرفهم وتنتظرني أنا دون كل البشر أن أطمئنك على تلك ال….ابتلع شاهين ما همّ بقوله حين زمجر عليّ بغضب شعر أن الجدارن انتفضت من حدته وقال " حسنا لا تغضب ولكن لا تتوقع مني أي مساعدة، لما لا تهاتفها ألم يزوجوك منها وأصبحت زوجتك " أغمض عليّ عينيه ثم قال بهدوء وهو يستشعر الكلمة " نعم صارت زوجتي " ضرب شاهين كفا بكف ثم قال بغل " لن أعلق …سأكتفي بالصمت بدلا من أن يصيبني شيء لا قدر الله" ثم قلد عليّ وقال " زوجتي " ليصيح فجأة " هل تصدق نفسك " زغره عليّ وقال " شاهين لما أنت هنا؟، هل جئت لتُعكر عليّ فترة نقاهتي " توسعت أعين شاهين بصدمة ثم قال " بل جئت لنفكر سويا، فأولى جلسات عابد الشافعي قد تحددت هذا غير الخناق الذي فرضته الحكومة عليهم بعد ما حدث في عقد قرانك، الأغبياء أخيرآ اشتروا عداوة الدولة وقريبا لن يكن لديهم حاجز دفاع واحد " سأله عليّ وهو يحاول أن يتحرك فتصطك أسنانه من شدة الألم " ما الذي سنفكر فيه، هل تقصد من الناحية القانونية " تحرك شاهين نحوه يساعده على الوقوف وهو يقول بسخرية " الأمر من الناحية القانونية محسوم يا عليّ، كل ما سيستطيع دفاعهم فعله هو تقنين العقوبة، ما أقصده هو أنهم كما العادة حين يعجزون عن رد الضربة لا يبالون بشيء مقابل أن يتسببوا بالألم، وسارة مؤكد ستكون هدفهم فبدونها تقريبا لا قضية " قال عليّ بقلق " سارة لا قلق عليها فسلطان يُجيد حمايتها كما تعلم " عض شاهين شفته السفلي بغيظ وهو يِدرك تلميح عليّ لما فعله سلطان به حين علم عن جروح سارة ليقول قاصدا رد غيظه " حسنا لقد أردت أن ألمح لك أن تلك التي تزوجتها ستكون في خطر لكن يبدو أنك لم تفهمني " قال عليّ " بل فهمت مقصدك جيدا، ووجدت أن هذا سبب أدعى لأكون بالخارج بجوارها، تعال ساعدني لنرحل " قال له شاهين برفض " لن يحدث فالطبيب لم يكتب لك على الخروج بعد " تحامل عليّ على نفسه متجاهلا شاهين وهو يتجه ناحية الباب ليسرع شاهين يدعم وقوفه وهو يقول " هل سترحل حقا " أجابه عليّ " حالآ " تنفس شاهين بقهر وقال " عليه العوض ومنه العوض في زينة شباب العائلة، الآن أدركت لما عماتك وبناتهن رحلن من الحفل منهارين " قال عليّ وهو يسير بالرواق تجاه المصعد " أظن جميع من بالحفل بعد ما حدث قد انهارو " هز شاهين رأسه وقال " نحن عائلة تعاملت مع الرصاص كثيرآ، لم يكن الأمر جديدا عليهن، لكن عينيك العاشقة كانوا مكمن الصدمة " قال عليّ بغضب " ليبقوا في صدمتهم قبل أن أفيق لهم لأن حينها سيكون الحساب عسير".
……………
في المكتب ابتسمت تولين تداري توترها من الموعد المترقب مع المدعو حكم بعدما ابلغها المحامي أنه قد غيّر موعده معهم في آخر لحظة كأنه يتلاعب بهم وهي تقول " المكتب أضاء بجمعتنا، منذ متى لم نجتمع أربعتنا هنا مثل الماضي " قالت سارة " والله ما عدت أذكر، الأحداث المتتابعة أفقدتني تركيزي " قالت ملاك بشفقة " بل الحوادث المتتابعة " نظرت لها سارة بحنق وقالت " راعي شعوري قليلا…صمتت للحظة ثم قالت بحماس " ما رأيكن في أن نطلب فطور وصاية ونستعيد ذكريات أيامنا الماضية ونحن نغوص في طبق فول بالسمن البلدي " قالت كنزي بخمول واضح " لا مانع لدي لكن لما لا نذهب للمطعم بأنفسنا، كنوع من التغيير" تبادلت سارة وتولين النظرات لتقول تولين " لا بأس يا كنزي ولكن مؤيد شدد على عدم ذهابك إلى أي مكان، ما رأيك أن نطلب فطور اليوم وحين تهدأ الأمور يمكننا الذهاب لعم عاشور، أتذكرن " قالت كنزي بحنين " لقد كدت أنساه وأنسى الحواوشي خاصته، لنذهب له الأن " قالت سارة برفض " كنزي …لتقاطعها كنزي وهي تقول بينما تسحب حقيبتها وتندفع خارج غرفة المكتب " أنا أحتاج لأن أتنفس، لما لا يشعر بي أحد " لم تدرك تولين ماذا تقول فسارعت خلفها محاولة أن تثنيها عن الخروج، فتوقفها قائلة " حسنا يا كنزي أنا أشعر بك لكن أين المنطقية في تناول حواوشي بالصباح " قالت لها كنزي " فليرحم الله الايام الخوالي، لو كان السيد بشر مازال يعيش معك دور الحب الموجع لم تكن معدتك لتبالي ولو كانت كوارع" شعرت تولين بالذنب الشديد ثم رفعت ذقنها وقالت " والآن ما المانع من الكوارع، لنذهب يا كنزي قبل أن يأخذ الفطور مستوى مخيف أكثر " ابتسمت كنزي بسمة لا روح فيها ولا حياة وهي تشير لسارة وملاك أن يتبعانهما وتتحرك بجوار تولين التي قالت لها بخفوت " أليس هناك أخبار عن عليّ " هزت كنزي كتفها كأنها لا تبالي رغم أنها تنزف من الداخل كما نزفت دمائه ذلك اليوم، فقالت تولين محاولة أن تستشف ما يجثم على صدر صديقتها وقالت " ألم تفكري في زيارته، فالأمر أضحى واجب عليك فأنت ..
قاطعتها كنزي تقول بمرارة " أنا مغناطيس النكبات الذي ارتبط به، بربك يا حور لما سأزور الرجل وماذا سأقول له … صمتت بقهر قبل أن تتنفس بعمق وتكمل قائلة " دعي الرجل يدرك نكبته على مهل ويفكر كيف يتخلص منها، لما سأقاطع أفكاره بحضوري الذي مؤكد سيندرج تحت ألف معنى أكثرها دنيوية هو أن حضوري نوع من الضغط عليه ليكمل هذه الزيجة الغير متكافئة والغير صحيحة بالمرة " قالت تولين بتفكير " لعل الرجل لديه وجهة نظر فيما حدث، لعله لا يبالي بما حدث بقدر ما يبالي بعلاقتكما " ابتسمت كنزي بتهكم وقالت " علاقة ستعجل بموته، أرجوك يا حور اتركي هذا الأمر بعيدا عن عقلنا تماما، فأنا لا أريد أن أفكر في الأمر حتى ينتهي " صمتت تولين وهي تشعر أنه لم يعد بإمكانها قول المزيد …لتتجه مع كنزي تجاه سيارتها ثم تنضم إليهما ملاك وسارة قبل أن ينطلقا نحو ذلك المطعم البسيط دون أن تخبرن أحد عن وجهتهن غافلات عن السيارة التي انطلقت خلفهن ………………….
بعد قليل..
كان شاهين يضيق عينيه وهو يتبع سيارة تولين ويقول باستغراب " إلي أين تذهبن " أجابه عليّ المرهق والذي يناظر الطريق المزدحم أمامه بضيق شديد " لا أعرف لكن لا تفقدهن، كيف لمؤيد أن يتركها بلا حراسة " امتعض شاهين من هذا الأمر أيضا فهو قلق على سارة التي من الممكن أن تتعرض لأذى الشافعية خاصة في هذا التوقيت، لكن الطرق الغريبة أمامه والتي تضيق أكثر وتزدحم أكثر جعلته يقول بحنق " لقد بت لا أدري أين نحن، إلى أين تتوغلن بالضبط" لم يجبه عليّ الذي داهمته نوبة ألم جعلته منهك، جعلته متداعي المقاومة ورغم ذلك ليس هناك بوادر تراجع بشأن رؤيتها فهذا ما دفعه ليخرج من المشفى دون وضع أي اعتبار لحالته الصحية، لذلك ظلت عينيه معلقة بالسيارة التي ولجت إلى طريق فرعي ضيق أشد إزدحامآ ليقول " لقد توقفن " أجابه شاهين بعصبية " أرى ذلك، لكن كيف سأتوقف في هذا المكان، عليّ الوضع مريب …ألا ترى المكان الذي نحن فيه " نظر عليّ حوله للمنطقة الشعبية ذات الطابع الأثري ثم قال لشاهين" لقد ترجلن أوقف السيارة حالا يبدو أنهن سيكملن طريقهن سيرآ على الأقدام " هاج شاهين وقال " إلى أين؟، ما هذا الجنون " ثم ضغط زامور السيارة بعنف محاولآ أن يفسح لنفسه المجال ليتقدم أكثر لكن بدا أن لا أحد يبالي به، ليلتفت بغضب شديد تجاه النافذة المقابلة له حين طرقها رجل بسيط تراجع للخلف بعض خطوات حين رأى ملامح شاهين شديدة الحدة، ورغم ذلك فتح شاهين النافذة يقول بضيق " نعم " أجابه الرجل " هل تبحث عن مكان لوقوف السيارة يا سيدي " التفت شاهين يناظر عليّ بجمود بعيون تستنكر ما يحدث لكن عليّ تجاهله تماما وهو يجيب على الرجل ويقول " نعم من فضلك فنحن في عجلة من أمرنا " سارع الرجل يشير له على مكان جانبي ويعطه بعض التعليمات حتى أوقف شاهين السيارة فبدأ الرجل في مسح وجهتها بهمة ليترجل شاهين وينقده مبلغ لم يكن بالهين في أعين ذلك العامل بينما يتلفت عليّ للفتيات اللاتي قد اختفين تماما، ترجل عليّ ودار حول السيارة بخطوات بطيئة يقول بغم " لقد اختفت " أجابه شاهين بضيق " ألم يكن قطع طريقهما أفضل من التتبع، ماذا استفدنا الآن، اصعد إلى السيارة لأعيدك للمشفى واعتبر نفسك قمت بنزهة مريبة وعدت " لكن عليّ لم يكن على استعداد للتراجع خطوة خاصة ووجودها في مكان كهذا يؤجج فضوله ليتدخل الرجل سائلا " هل تبحثان عن شيء يا سيدي " التفت شاهين له وقال دون أن يوليه اهتمام " سيارة بها أربعة فتيات توقفت منذ قليل " تجهم الرجل وسأله بشك " تقصد " سيارة الأنسة سارة ومن معها " حينها ولى شاهين كامل انتباهه إلى الرجل وقال " هل تعرفها " قال الرجل ببديهية ونوع من التحذير " لا أحد هنا لا يعرف الآنسة سارة أخت سلطان العطار، إنه ذو كلمة بهذه المنطقة والجميع يضع له ألف حساب " توسعت أعين شاهين من تهديده بالسلطان الذي يلاحقه حتي من أشخاص غريبة وقال بعصبية " هل تعلم إلى أين ذهبن " قال الرجل " بالطبع لكن لماذا تتبعهن يا سيد فأنت تبدو رجل محترم، وهذه الفتيات تحديدآ ليس لهن في أي شيء غير سوي، إنهن بنات أصول …لذلك نصيحة مني ارحل لأن لو أبدت واحدة منهن ضيقها منك لن تخرج من هنا على قدميك "
تجمد شاهين ولأول مرة عقله يحلل الكلمات حتى في لحظات غضبه، لقد أدرك لما كانت دوما تلك الحارة المكان الوحيد الذي يأمن مؤيد على تلك الدخيلة بداخلها، أيقن أن هذا الزحام وهذه البساطة لا تعني ضعف ولا دنيوية، أدرك أنهم رغم ضيق الحال والعيش مرفوعين الهامة يسيرون بكرامة وعزة فقال موضحآ رغم غضبه من تهديد الرجل الصريح له " هذا عليّ الجوهري زوج تلك ال….التفت شاهين بغضب لعليّ ليتولى عنه أمر التوضيح والشرح ليجده يرتكن بظهره إلى السيارة بتعب فعاد يلتفت إلى الرجل ويقول رافضا لآخر لحظة ذكر اسمها " زوج أخت السيد مؤيد وابن عمه وعمي، نحن لسنا كما تظن، هل يمكنك أن تخبرنا إلى أين ذهبن " دقق الرجل النظر فيهما قبل أن يقول " عذرآ منكما لكنّي لست بغر ينطلي عليه حديث كهذا، إن كانت الآنسة كنزي زوجته لماذا لا يهاتفها ويسألها عن مكانها بنفسه " حينها فقد شاهين باقي ذرات صبره وهو يمسك الرجل من تلابيبه يهزه بعنف دب الذعر في جسد الرجل،وقال " هل تقصد أني كاذب، ماذا …هل تريد مني أن أريك هويتي " قال الرجل بتوتر " هنّ بنات ناس يا سيد ولا يصح أن أرشد على مكانهم كل سائل " سارع عليّ يخرج هويته بتعب ويشهرها أمام أعين الرجل ليقول شاهين باستنكار " ماذا تفعل أنت!! " فأمسك عليّ ذراعه وجذبه للخلف يبعده عنه وهو يسأل الرجل " أين هن" أجابه الرجل بعدما تأكد من هويته " لقد توجهن إلى مطعم عاشور، سأرسل معك أحد الصبية ليدلك على الطريق " أخرج عليّ مبلغ من النقود ودسه بيد الرجل الذي نادى على أحد الصبية ليرشدهم ثم سارع في مهاتفة سلطان ليخبره بما حدث فهو واثق أن ما يعلمه جيدا ومنذ سنوات هو أن الآنسة كنزي أهل والدها دائمون النبذ والأذى لها، لديهم ثراء فاحش وقلوب فقيرة من صلة الأرحام لذلك بمجرد أن أجابه سلطان أخبره بكل شيء.
……………..

بالمدينة الساحلية كانت هناك أنثى تكمل مسيرة قهرها داخل فخ أحكم عليها، تكمل تخبطها داخل تلك الحياة التي ما صدقت معها يومآ وأهدتها حلما بلا شوائب تعكر صفوه
كانت بهية تنغمس في عالم من التيه خشية أن تواجه الواقع بكل مآسيه لكن من قال أن ذلك التيه رحمها، لقد أعادها لتقف أمام يوسف العزايزي وهي شابة صغيرة مقبلة على الحياة لديها أحلام تمنت أن يدعمها بها ويهديها بيت مليء بالسكينة والمودة بعيدآ عن قسوة أبيها وتعسف أخوتها فخطت إلى بيته بفستان زفاف أبيض وابتسامة خجلة وعيون بريئة تغزوها حمرة شديدة وهي تراه يغلق الباب من خلفهما مودعا أمه وأخوته البنات قبل أن يتقدم داخل الشقة ذات الطابقين أكثر ويقول " بهية هل ستظلي واقفة هكذا، اقتربي ساعديني لأخلع عبائتي وحذائي لقد كان يوما طويل " أسرعت بعيون مطرقة أرضآ تُزيح عبائته عن أكتافه ثم تنحني بمنتهى الطاعة وتخلع حذائه من قدميه قبل أن يقول " ضعي حذائي في خزانة الأحذية وأحضري ماء ساخن لأضع قدمي به، وأحضري خف المنزل وجهزي الحمام ثم جهزي الطعام"
لم تكن تبالي بكل تلك الأوامر، لم تدعها تُعكر عليها صفو تلك البداية الجديدة وسارعت بفستانها الذي يعيق حركتها تبحث بمفردها عن غرفتها حتى وجدتها بعدما تعثرت وكادت أن تسقط أكثر من مرة فسارعت تعلق عباءته في المكان المخصص وحاربت فستانها حتى أسقطته أرضا وارتدت عباءة جذبتها من الخزانة دون تفكير متجاهلة ذلك القميص الأبيض الحريري المعلق بخجل شديد جعلها غير قادرة على الاقتراب منه، ثم أسرعت تلملم الفوضى من حولها ليأتيها صوته يقول بعصبية " بهية أين أنت، أين الماء " نظرت بهية لفستانها وطرحتها وحذائها وحذائه ولبعض الاشياء التي جعلت الغرفة منقلبة بعجز ثم أسرعت خارج الغرفة تسخن الماء وتقترب به نحوه فرمقها بعيون غير راضية ذكرتها بعيون والدها وهو يقول " أنا لا أحب تأخير مطالبي، أريد ما أريده أن يُنفذ من قبل حتى أن أطلبه " هزت رأسها بطاعة وقالت " إن شاء الله" وهي تضع الماء تحت قدميه ثم تلتفت مسرعة لتجهز الطعام وتعيد ترتيب الغرفة لكنه سألها بحزم " إلى أين؟ " نظرت له بتوتر وقالت " سأحضر الطعام و… قاطعها قائلا " ومن سيدلك أقدامي، بهية عودّي نفسك أن راحتي أهم شيء في حياتك، أنت هنا لأجل ذلك " قالت بارتباك " بالطبع …بالطبع " ثم جلست تحت قدميه تدلكها بأصابع ترتجف بخجل ورهبة ليقول يوسف الذي يرمقها بنظرات تشعرها كمدارات نارية تلفها " اسمعيني جيدا لأن ما سأقوله الأن هو ما ستسير عليه حياتنا معا، فأنا لا أحب أن أكرر حديثي مرتين " رفعت عينيها نحوه فقال " أنا هنا رجل البيت كلمتي لا تُكسر …لا تُجادل …لا تُرفض …ولا يُفكر فيها فقط تنفذ، راحتي وما أريده يأتيان أولا ثم راحة والدتي لا أريدها أن تشكو منك أبدآ، لقد أعطيت كلمتي للشيخ جعفر بإكمال تعليمك ولن أكسر كلمتي لكن لا تفكري في عمل أو خلافه، ولقد قررت أن ترتدي النقاب منذ اليوم أي لا تطأ قدمك خارج تلك الشقة حتى إلى شقة والدتي بدونه والأهم من كل هذا ما يحدث بين هذه الجدران لا يخرج معك إلى أي مكان سوى القبر " أنهى حديثه بعيون محذرة لدرجة جعلتها تخاف أن تتنفس في تلك اللحظة فيفسر ذلك النفس العميق الذي تحتاج إليه لا مبالاة منها بما يقول لكنها جاهدت لتهمس بخفوت " أنا …لست مستعدة …للنقاب بعد " زغرها قائلا " هل تقولين شيء " هزت رأسها برفض لم تستطع فعل شئ سواه وهو يقول لها " كفى، جففي أقدامي وأحضري الخف وجهزي الحمام والطعام " أسرعت تعدو هنا وهناك تفعل هذا وترتب هذا وتنظم هذا حتى وقفت بجوار المائدة العامرة وهي شديدة الإجهاد فجلس على رأسها وحين همت بالجلوس قال لها " إلى أين بمنظرك هذا، هل هذا منظر عروس ..اذهبي وعدلي من مظهرك " تحركت فأوقفها قائلا " وبسرعة لتطعميني " استدارت تسأله بخفوت " أطعمك كيف " قال بعنجهية " تناوليني ما يبعد عن يدي، تقطعين لي اللحوم، تحرصين على أن أكل جيدا ألم تكن والدتك تفعل ذلك لوالدك، لا بأس فوالدتي ستعلمك كل شيء " تحركت من أمامه وبداخلها شيء يتصدع لكنها لم تطلق له العنان وتماسكت وهي تسرع لتعدل من نفسها قدر استطاعتها وتعود سريعآ لتطعمه حتى قال " الحمد لله، آدام الله علينا نعمه، اجمعي الطاولة ونظمي المطبخ وسأنتظرك بالغرفة " نظرت بهية للمائدة الممتدة أمامها بكسرة ثم سارعت لتحمل الطعام وتضعه في الحافظات داخل المبرد ثم تغسل الصحون وترتب المطبخ وحين انتهت كانت تئن وهي تدفع بخطواتها تجاه الغرفة محنية الرأس منطفئة الفرحة، حزينة، لتدخل الغرفة وهي تدعوا الله أن يكون قد غفى لتجده جالسا بمنتهى الاسترخاء يبتسم لها ابتسامة اقشعر لها بدنها وهو يقول " لنصلي معآ" عند هذا ولم تستطع تذكر ما تلى ذلك ففتحت عينيها بوهن تنظر لزميلتها الجالسة بجوارها وهي تقول " ماذا حدث" أسرعت زميلتها تقول بشفقة "أعطني رقم زوجك لأتواصل معه ليأتي من أجلك، هاتفك كان مغلق برمز ولم أستطع التواصل معه حين فقدت وعيك " قالت بهية " أعطني هاتفي واتركيني لوحدي لحظات من فضلك " ناولتها زميلتها الهاتف ثم انسحبت لتسرع بهية في مهاتفة والدتها التي حين أجابت انهارت بهية تقول" أمي أنا أحتاج إليك " أتاها السؤال المهزوز المتوتر " بهية ما بك " أجابتها بهية بحرقة " منذر …لا أعرف ماذا أقول، هناك من تدعي أنها تحمل طفلا منه، ولقد ….قاطعتها والدتها تقول بصوت اختلطت به الخوف بقلة الحيلة فخرج قاسيآ علي أذن بهية " بهية هذه زيجتك الثانية، لم تحدث لفتاة في العيلة سواك وأبوك وإخوتك يشربون عواقب طلاقك من الشيخ يوسف حتى الآن، لذلك لو أنه تزوج عليك ثلاثة لا تفتحين فمك بكلمة هذا حقه أبوك لن يرحمك إن عدت مطلقة مجددا "
انهارت بهية تقول" أنت لا تفهمين ما حدث …قاطعتها والدتها بقهر " ولا أريد أن أفهم، حافظي على زوجك وبيتك ولا تفكري في العودة إلى هنا مطلقآ فمهما كان ما يحدث عندك لن يقارن بما سيحدث هنا " نهنهت بهية وهي تشعر باليأس من أن تسمعها أمها وتدرك بلوتها فقالت برجاء تشوبه مذلة " أمي أعطني رقم أصالة، أنا أحتاج إليها أرجوك …أرجوك أنا أريد أختي …أرجوك لا تغلقي الخط بوجهي ككل مرة، لا أريد شيء سوى رقمها " قالت أمها بقهر مشابه " لا أعرفه يا ابنتي أنا لا أعرف سوى كيف أرفع سماعة ذلك الهاتف لأجيب ووالدك كلما سألته عنها يقول بخير فلا أجروء على الاستفسار أكثر " ازدادت حدة بكاء بهية لتقول والدتها " حافظي على ما لديك، واحمدي ربك أنك وجدتِ من تزوجك بعدما أضحيت مطلقة ومن رجل كالشيخ يوسف " انفلتت أعصاب بهية وصرخت بوالدتها بهياج " ليس شيخ …لا تقولي شيخ، هذا ليس رجلا من الأساس، هذا ليس إنسان " ثم أغلقت الهاتف واعتدلت جالسة تسحب إبرة المحلول من كفها بعنف لتتقاطر الدماء على ثيابها بغزارة فيمر عقلها ما بين ذكرى مضت وذكرى حاضرة حتى وصل ضغطها إلى مرحلة صعبة الوصف فلم تفكر أو تحسب حساب لأي شيء وهي ترفع الهاتف بكف مرتعشة وتطلب رقم حين أتاها صوت من بالجهة الأخرى قالت " أسمهان أنا أحتاج إليك ".
………………..
يا إمرآة منحوتة في طيات فكري كما التمثال إن كنت تنوين الرحيل عن صدري فلماذا أتيتِ!
إن كنت تنوين الهجر عمدا فلماذا داخل شغاف القلب خطيت، وأطلقت همسك كتعويذة رصد أضحت لا تفارق أذني ومضيتِ، يا غريبة الأطوار يا ليتني بسري الكامن في أعماقي إليكِ ما أفضيت، ياليتني حين جئتِ بلا موعد تطرقين أبوابي الموصدة ما أجبت،
يا ليتني يا سيدتي ما توسمت وما أحببت.
…… ………….
لماذا بلا سابق إنذار قد عادت دنياه لتتلبد بغيوم كئيبة شديدة السوداوية ؟؟
لماذا أضحى كل شيء مظلم وقد غادرت الألوان عينيه بلا رجعة ؟؟
وكيف حدث كل هذا في طُرفة عين لا أكثر؟؟
كل شيء تغير بداخله كأن ذلك السكون الذي كان يملأه لم يكن سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة، وحين أتته العاصفة أطاحت به بعنف ألف إطاحة لم يكن يحسب لها حساب، فصار كما لو أنه جسدآ يُضمر، يحمل بين جوانبه قلب مُتلف، قلب ممزق ما بين فقد مجهول الهوية وشيء آخر أكثر غرابة وإيلامآ،
… ……..
تلاعب فخر في الطعام أمامه فاقدا لشهيته، شاردآ في عالم آخر لا يشعر بعين ليل التي تخترقه بقلق ناهش ولا بعين سمراء المتعاطفة المهتمة على الدوام ليقف فجأة فيرفع ليل عينيه نحو وجهه الذي ذبل يتأمل ذقنه النامية وعينيه المنطفئة والتي تحاوطها هالات سوداء تدل على قلة النوم وشدة الإجهاد وقال " إلى أين؟ أنت لم تأكل شيء" قال فخر " لقد شبعت، وسأجلس بغرفتي قليلا " قال ليل بحدة " كيف شبعت وطعامك كما هو، اجلس وكل طعامك كما البشر " قال فخر بتعب " أرجوك يا ليل لا تضغط علي لأني لا أستطيع حقآ " وقفت سمراء تقول بلهفة " هل الطعام لا يعجبك، يمكنني أن أصنع لك شيء آخر أو أطلب لك طعام من الخارج " اغتصب فخر ابتسامة وهو يقول " لا تتعبي نفسك، أنا سأنام " تحرك فخر مبتعدا ليقول ليل بغضب " تعال إلى هنا " سارعت سمراء تقول له " اتركه يا ليل ليرتاح " دفع ليل الكرسي الذي خلفه ليسقط أرضآ وهو يقف بغضب ويقترب من أخيه ويسأله بشكل مباشر " ما الذي يحدث معك؟، وهذه المرة أريد إجابة شافية ليس مبررات لا تقنع طفل أمررها دوما لكي لا أضغط عليك لكني لم أعد أحتمل ما أراه …قاطعته سمراء تقول " ليل ليس الآن " قاطعها هادرا " متى إذآ، ألا ترين مظهره! إنه يكاد يأكل …يكاد ينام …يكاد يتكلم أو يذهب إلى عمله، لقد صار يعزل نفسه في غرفته أغلب الوقت، أنا لم أره في هذه الحالة مطلقا، لم أره هكذا ونحن بلا عائلة فاقدين لاحترامنا، حاملين أوزار ماضي أسود، ما الذي حدث ليدفعه لهذه الحالة الآن؟! " قال فخر الذي لم يكن يحتمل كلمة أخرى " يا أخي صدقني أنا بخير " هجم ليل على فخر يهزه بعنف وهو يقول " لا أنت لست بخير، انطق ما الذي تخفيه عني؟ " لم ينبث فخر بكلمة مستسلمآ لغضب ليل لتدفع سمراء نفسها بينهما ثم تدفع ليل للخلف وتقف بينه وبين فخر وهي تقول بحزم " ليل توقف، ألا تراه، إنه ليس بحمل غضبك " قال ليل بحزن شديد وغضب أشد " وهل ترين أني من سيحتمل رؤيته هكذا !، إن حالته تسوء أمامي يومآ بعد يوم ولا أستطيع فعل شيء، لقد سألته بهدوء كثيرآ وانتظرته أكثر ليأتي ويخبرني عما به لكنه اكتفى بأن يتركني أحترق وأنا أشاهده يذبل أمامي يوما بعد يوم " لم تدري سمراء ماذا تفعل فهي تشعر بحرقة زوجها وأيضا تشعر بما ينتاب فخر من حزن لا تدرك أسبابه، لذلك تنحت من بينهما وهي تقول لليل " لتفهم منه ما تريد ولكن بهدوء …بهدوء يا ليل " نظر ليل لعينيها الذي دوما ما احتوته في طياتها العميقة لتحيله لطفل متعلق في طرف ثوبها، فتنفس بعمق شديد يضبط جماح غضبه ويقول لفخر " من هي ؟" أشاح فخر بوجهه وهو يغمض عينيه فبدى كطفل كسره الحزن فاقترب ليل منه مجددا يقول " هل نعرفها، هل جرحتك، ماذا فعلت بك.. تكلم " قال فخر بقهر واستنزاف " هي لا أحد …بل من الأساس لا يوجد أحد …إنها وهم، أنا متوهم لا أكثر …ربما أنا مريض كما كان والدك، أظن نهايتي ستكون مثل نهايته داخل مصحة نفسية قذرة، ألفظ أنفاسي الأخير بين جدران سوداء ليس بها ثقب واحد يتسلل نحوي الضوء منه، إنها ليس لها وجود …لا مكالمة لا رسالة .. لا شيء، هل تظن ذلك منطقي …مؤكد جين الجنون الذي دمر والدك قد ورثته عنه " رفع ليل كفه بقهر وصفع فخر بعنف قائلا " اخرس " تجمد المشهد تمامآ إلا من شهقة سمراء التي قالت بغضب " ليل ماذا تفعل " أمسك ليل فخر من تلابيبه وهزه قائلا " أنا لم أربيك ضعيفا لتلك الدرجة، لم أربيك هشا قابلا للعطب والكسر ، لم أربيك مستسلما لليأس ولن يكن جزائي منك أن تحرق قلبي عليك، لن أسمح لك أبدآ ومن فعلت بك ذلك سأهدم الدنيا وآتي بها تحت قدميك، إن كانت كلمتك و راسلتك فأنا أصدقك ولو كذبك العالم ولو فقدت كل أدلتك ولو صرنا معآ على حافة الجنون لن تجد شخص متيقن فيك مثلي، لن تجد شخص يُصدقك مثلي لذلك لا تفعل بنفسك وبي هذا. " انفجر فخر بالبكاء وهو يُلقي بنفسه بين ذراعي ليل الذي ضمه بقوة ويقول " أنا لا أعرف ما بي، أكاد أن أفقد نفسي …أرجوك يا أخي ساعدني " أغمض ليل عينيه على دموع نزفها قلبه قبل عينيه وهو يقول " أخبرني بكل شيء…بكل شيء يا فخر وإلا لن أسامحك أبدآ " هز فخر رأسه بوهن على صدر أخيه الذي أخذه وابتعد نحو غرفته تاركآ خلفه سمراء ترتجف تأثرآ مما حدث.
…………..
جلست الفتيات على طاولة خارجية لهذا المطعم المتواضع لتقول سارة " لا شيء يتغير سوانا، ملامحنا، قلوبنا، شخصيتنا وتبقى الأماكن باقية تشهد ذلك التغير حتى يجبرها الزمن أن تتغير هي أيضا " قالت تولين " فعلا كل شيء كما هو، كأني قَدِمت لأول مرة هنا بالأمس، حتى عم عاشور مازال على جلسته خلف مكتبه العتيق يستقبل المارة بوجه بشوش وكلمات جميله جدا، إنه يملك في دعواته الكثير من الطيبة وغرابة الكلمات " تنفست كنزي بعمق كأنها تملأ صدرها بعبق المكان الذي تملك به الكثير من الذكريات وقالت بما يشبه الهمس " حتى وجوه الناس مازالت مجهدة، الجميع يسير في دربه غارق في أفكاره ورغم ذلك إذا تصادفت والتقت عيناه بعينيك يهديك ابتسامة صادقة، لا أحد يدقق النظر في هويتك وخلفيتك وما تملكين، لا أحد هنا يهتم لكونك ابنة عائلة عريقة أم بسيطة كل شيء هنا دافيء هاديء يدعو للاسترخاء " قالت ملاك التي لم تكن غارقة في ذلك الشعور مثلهم " متى سنطلب الطعام " ضربتها سارة بخفة وقالت بعبوس تدعيه " لا تصبحي هادمة اللحظات المميزة، ها هو الصبي المسؤول يقترب، لنجعله صباح لا يُنسى " ضيقت تولين عينيها وقالت " سارة اطلبي بهدوء، بل بهدوء تام، لا نريد أن نشعر بالتخمة الأن فمازال أمامنا يوم طويل" ابتسمت سارة بعبث ولم تبالي لحديث تولين لتُوضع أمامهم على الطاولة من الأصناف ما يعد وليمة وليس فطور.
…. ……….



على بُعد خطوات كان شاهين قد تخلى عن سترته الرياضية وهو يدعم عليّ بذراعه ويسيرا خلف الصبي الذي أشار لهم على المطعم قبل أن يختفي وسط الزحام، خطوة تلو الأخرى مضت قبل أن تظهر أربعتهن يعشن حالة غريبة من الإنعزال، حالة من الهدوء تكتنفهن وقد انفجرت فيما بينهن موجة من الذكريات كان أغلبها يدور حول تولين التي تصيح بحرج محاولة ايقافهن ولكن عبثا أن تفعل، تأمل عليّ كنزي براحة وأخيرآ منذ عودته يراها تلك التي عهدها قبل رحيله، بسيطة رقيقة متواضعة مسالمة وجميلة بشكل مازال يوقعه من أعلى ثباته لقاع التخبط، بينما شاهين كان في حالة عجب لما يراه، فسارة بدت في تلك اللحظة شيء لم يسبق له أن رأى بتركيبته، شيء يدعوه ليقترب أكثر ويتفحص أكثر ويتمعن أكثر، شيء يشعل فضوله وتفكيره حول جانب أخر للحياة لم يخطو إليه. جانب به الأشخاص أكثر بساطة وشهامة وطيبة، كانت تتحدث بحماس تقول " لن أنسى أبدا ذلك اليوم الذي ذهبنا به إلى المكتب لنجد الطريق من بدايته لنهايته ممتليء بالورود وبشريار زمانه وأوانه ينحني ويقول تزوجيني " قالت تولين " الآن أصبح بشريار، ألم يجلب لك باقة ورد يا ناكرة الجميل " قالت ملاك " جلب لنا جميعا لكنها لم تكن لتقارن بخاصتك " قالت كنزي وهي تشمر عن ساعديها " لا تنسوا فقرة أحبه يا كنزي ….أحبه " رفعت كنزي رغيف من الحواوشي الساخن تغمسه بالطحينة وتقضمه بتلذذ فوقفت تولين تقول بمزاح " إن لم تتوقن سأرحل، في النهاية زوجي لو رآني هنا سيرتفع ضغطه لأسبوع كامل " ضحكت كنزي وجذبت يدها لتجلس مجددا وهي تقول " أين طاجن ورق العنب بالكوارع يا حاج عاشور " أغمضت تولين عينيها بنفور وهزت رأسها برفض كأنها تُعذب لتفتحهما فجأة وهي تقول " لن …لكنها صمتت تماما وقد التقطت عينيها شاهين وعليّ اللذان يقتربان فتقول بصدمة " كنزي، أهذا زوجك " التفتت كنزي تنظر حيث تنظر صديقتها لتتلاشى لحظات المرح وتهمس بقهر " لا تقولي زوجك "
كان عليّ قد أصبح أمامها تماما فقال بتوتر " كيف حالكن " رفعت نحوه الأعين ما بين الرافضة لوجوده والمتوجسة منه، وعمّ الصمت فلم تجب إحداهن قبل أن تقول كنزي بتوتر " بخير " لم تزد حرفا لم تسأل عن حاله كأنها لا تهتم أن تعرف فنظر لها عليّ بتعب وقال " كنزي هل يمكننا التحدث على انفراد من فضلك " سألته باستغراب " كيف عرفت مكاني" أجابها " لقد كنت قادم لك بالمكتب لكني رأيتك تتحركين بالسيارة فتتبعتك " أسبلت أهدابها بإدراك ثم نظرت تجاه تولين التي قالت لها " لتجلسا على طاولة قريبة، سننتظرك لنكمل طعامنا معآ " أمسكت تولين يدها بدعم فتحركت كنزي باستسلام نحو الداخل فيما وقف شاهين عاقد ذراعيه على صدره يراقب سارة التي تأكل شيء لم يتبينه بنهم وهي تتجاهل وجوده بشكل تام، فأمال عنقه محاولا معرفة ماهية الطبق الذي أمامها ليتفاجيء بتولين تقول له " إن كنت جائع تفضل يا سيد شاهين " عقد حاجبيه وقال بخشونة " أنا هنا لأجل عليّ و لكن شكرآ لعرضك " مدت سارة يدها لتلتقط طاجن اللحم فارتجف كفها المجروح فسارع شاهين يحمله من يدها ويضعه أمامها فتركته يفعل ثم أكملت طعامها دون أن تحاول شكره فقال بحدة " كوني لبقة لمرة واحدة، وقولي شكرآ " حركت سارة رأسها بيأس تحت أنظار تولين التي تراقب الموقف بتمعن وقالت " ألم يحذرك أخي أن تجعل بيني وبينك خمسين مترآ على الأقل!، أين ذهب التسعة وأربعون متر؟ " امتقع وجه شاهين وقال بعصبية " انضجي قليلا، هل كلما رأيتي وجهي تهدديني بأخيك " قالت وهي تقضم قطعة لحم بتلذذ " تهديدي لا يأتي من فراغ، ثم ماذا تفعل في مكان كهذا؟، أشك أنك تدري ماهية هذا المطعم، تبدو لي في المكان الخطأ " قال شاهين بعصبية وهو يتأمل الأصناف الذي لا يعرف معظمها " أنا هنا لأجل عليّ، ثم أنت لا تعرفيني، فأنا أحب هذه الأصناف ومعتاد على أكلها " قالت سارة بتهكم" ابن عز صحيح " لتقول تولين المستمتعة " تفضل إذآ ليبقى بيننا عيش وملح " نظر شاهين على الطاولة يبحث عن الملاحة فلم يجدها لكنه وجد العيش ولكم أراد أن يجمعه بتلك المستفزة شيء يدفعها لاحترامه بدلا من أسلوبها الفظ الذي يجعله كثور ينفث نيرانه إلى الداخل خوفآ من أن ينفثها خارجآ فتُحضر له أخيها، سحب شاهين المقعد الذي كانت تجلس كنزي عليه وهو مازال يرمق الطعام بتوتر ومد يده يلتقط رغيف وهو حائر في منظر الطعام الغريب لكنه تماسك حين سقطت عينه على الطاجن أمامها فاللحم بالبصل ليس بشيء غريب عليه فأخذ قطعة خبز وقبل أن يغمسها بالطعام أوقفته سارة التي تقول " قبل أن تفعل، أتدري ماذا يعني العيش والملح " نظر لها شاهين بنظرات متسائلة فقالت بصدق وعمق لمساه" لا تؤذي ..لا تخون …لا تخدع، العيش والملح عهد بعشرة صالحة بأخوة قوية بصلة ممتدة بداخلها دعم وحماية ومحبة، العيش والملح عهد لا تأخذه إن لم تكن بقدره " سألها شاهين مبهوت " أهذا درس " ابتسمت بعزة فغارت غمازة خدها عميقا جدآ وجدآ وهي تقول " اعتبره درسك الاول " ظلت يد شاهين معلقة يعيد كلماتها برأسه ويدور ما بينها كأنه يدور بالرحايا ليخفض أنظاره ومعها يده لتغوض أصابعه داخل الطاجن ويرفعها بقطعة لحم ضخمة يسارع بوضعها بفمه فتتساقط بعض قطرات الصلصة على قميصه القطني الأبيض لتقول تولين " هذا الطاجن قد أكلت منه كنزي " غص شاهين بالطعام لتقول سارة بهدوء " قُضي الامر، خذ هذا ونظف ملابسك ولا تنسى تلك النقطة السوداء بصدرك" التقط منها المنديل لتعود وتشاركه الطعام وهي تنظر لتولين وتقول " هل حدد طاهر وحذيفة موعد الافتتاح " أجابتها تولين التي بدأت تأكل بنهم " نعم بعد الغد " تابع شاهين حديثهما بفضول ولكن وهو عالق بين كلمات درسه الأول …ذلك الدرس الذي دفع ثمنه سلام لمن ظن أنه لن يقدم بالسلام نحوها …عجبآ كيف سقط في فخ العيش والملح!
وكيف سقط في فخ الكلمات؟ وكيف سقط في فخ غمازة غائرة لأبعد حد.
………….
بالداخل..
جلس عليّ مقابل كنزي ينظر لها بعيون كما البحار الهائجة، عيون تحبس بين طياتها الكثير من الأسرار، عيون يكمن بها البداية ألم تكن عينيه التي تراقبها هي من ذرعتها في ربوع قلبه!، بينما هي متوترة حزينة يبدو ضيقها جليا على ملامحها فتنهد قائلا " هل ضايقك وجودي؟ " هزت رأسها تلزم نفسها بلباقة الحديث وهي تقول " لا أبدآ، لكنّي تفاجئت بوجودك " حرك أصابعه بحركة رتيبة على الطاولة بينهما ثم قال " لماذا لم تزوريني بالمشفى يا كنزي " كم صدمها السؤال وكم أخجلها وكم كان صعبآ ورغم ذلك تماسكت وهي تقول " لم أرى لقدومي داعي، فعائلتك بأكملها كانت تحاوطك، الجميع كان يهتم بك …وأنت صرت آمن بينهم " سألها " وهل لم أكن آمن وأنا بجوارك؟، كنزي لقد أصبحت زوجك ولم يكن من المفترض أن تتركيني في أزمة كهذه …قاطعته كنزي التي شعرها تتعامل بآلية متقنة كأنها تعزل عقلها عن التفكير في حقيقة ما يجمعهما تقول " عليّ من فضلك لا تعطي للأمر شكل عميقآ أكثر، فأنا تمنيت أن يكون ما حدث كفيل لإقناعك بإنهاء ما يحدث، أنت دومآ ما كنت شخص مسالم ولبق وبعيدآ كل البعد عن هذا الصراع ولا تستحق أن تؤذى، أرجوك خذ موقف أمام أعمامك من تلك الزيجة، أنا لست راضية عن ما حدث لك لكن ليس بيدي القدرة على إيقافه، وهذه المرة ستر الله حاوطنا ألم تفكر ماذا سيحدث المرة المقبلة؟ " أطبق عليّ قبضته الموضوعة على الطاولة بينهما حتى أبيضت سلاميتها واستشعرت كنزي من حركته عنف مكبوت وترها، ليقول عليّ " هل ما تتحدثين عنه زواجنا "
لم تفهم سؤاله، لم يبدو واضحا على الإطلاق لذلك قالت " ماذا تقصد؟ " أجابها عليّ بهدوء ينافي حركة جسده المستنفرة" هل ما تريدين مني أن أنهيه هو زواجنا " لا تعلم هل يستفسر منها عن الأمر أم يحرجها، لم تعد تشعر بالراحة من حصاره أو لهجته لذلك قالت بتوتر " نعم ما أقصده هو أن هذه الزيجة ستؤذيك وأنت لا ذنب لك بشيء " رفع عليّ كفه يفرك صدغيه بعنف ثم مسح وجهه وقد لاحظت أنه لا يتعامل سوى بذراع واحدة كأن إصابته قد أثرت على ذراعه الأخر قبل أن يقول " كنزي هل ترين أني لست رجلا بما يكفي لكي أرتبط بامرأة وأتزوجها أمام الله وعلى سنة رسوله ثم لأجل أمر لا يُلتفت له أنهي زواجي منها " قالت بصدمة " هل حياتك التي كانت ستضيع بسببي أمر لا يُلتفت له " ضرب عليّ بسبابته على الطاولة وقال " حياتي كانت في خطر لأجل زوجتي، كنزي أنت صرت زوجتي، توقفي عن الحديث عن زواجنا بهذه الطريقة، رفضك لتلك الحقيقة لن يغيرها مطلقا " ارتجفت بعنف كأنه انعكاس لعنفه، بقهر لا تدري أنه يستنزفه قبلها وقالت " لعل طريقتي لن تغير شيء لكن طريقتك ستعقد الأمور أكثر، ما الذي تنتظره بجواري ومعي، أي حياة تتوقع أنها ستجمعنا، أنت رجل رائع لكن لن تظل كذلك إذا بقيت بجواري " كانت كلماتها كأصابع ديناميت تُلقى على حاجز هدوئه حتى تهشم تماما وفقد سيطرته وهو يهدر قائلا " أتوقع الكثير، أنت لا تدركين عن توقعاتي وتطلعاتي شيء، لا تدركين ما أنتظره وكم انتظرته، لا تدركين عني شيء كنزي لذلك أعطي لنفسك ولي فرصة لأني لست رجل يتخلي عن زوجته أو يستسهل قرار انفصاله عنها " جزعت كنزي من حدته ليختم حديثه وهو يخرج علبة مخملية صغيرة من جيبه ثم يجذب يدها بحدة يقربها منه قبل أن يفتح العلبة ويخرج منها خاتم ماسي ذات جوهرة ضخمة مضيئة منحوتة على شكل كنز مغلق، لقد بدا الخاتم رائع لدرجة لا تتناسب مع بشاعة ما يدور بينهما ليقول عليّ " لا تخلعي هذا الخاتم مطلقآ، دعيه بإصبعك دومآ ليذكرك أنني أصبحت هنا، داخل عالمك، وأن زواجنا أمر جيد علينا السعي لإنجاحه " ثم توقف دون مقدمات وتحرك بخطوات واهنة نحو الخارج
ليقول لشاهين الذي تجاهل صوته المرتفع بعكس الفتيات التي أسرعن تجاه كنزي " هيا لنغادر " قال له شاهين " ليس قبل أن أعرف اسم هذا الطبق، ما اسمه " قالت سارة التي تتحرك جاذبة حقيبتها " توقف عن الأكل وإلا ستبيت ليلتك في المشفى " عبس شاهين ووقف يقول لعلي " هيا بنا، أشعر أني أصبحت السائق الخاص بك " استند عليّ على شاهين بإجهاد وتحركا معآ تجاه السيارة لتنشق الأرض بعد بضع خطوات ويخرج منها سلطان الذي وقف يسد طريقهما بعيون تنذر بشر بيّن، فالتفت شاهين يتأكد من المسافة التي ابتعدها قبل أن يقول لعليّ " إفقد وعيك وإنقذني وإلا لن تجد من يعيدك للمشفى " كان سلطان يقترب بخطوات تُرهب، فقال شاهين " يمكنك قياسها خمسين خطوة بالتمام والكمال " همّ سلطان بإمساك تلابيبه وهو يقول " لقد قلت خمسين متر يا ابن الجوهري " ليسقط عليّ أرضا بعنف سقط له قلب شاهين وانحنى يهزه وهو يقول " عليّ أنا كنت أمزح، عليّ ما بك " لينحني سلطان الذي فزعه شحوب عليّ وقال لشاهين بغضب " احمله معي فهو لا يبدو بخير …أسرع " سارع الاثنين بحمله وأسرعا نحو السيارة ثم انطلقا نحو المشفى.
…………………….
ما آن الوقت لتُحرَق الدفاتر فمازالت الأقلام لم ترفع عنها ولم تجف الصحف.
ومازالت هناك كلمات تُخَط بها كما مصائرنا التي للصراعات دوما ما تنجرف،
ومازالت كلمة النهاية عالقة ما بين قلب يهاب وقلب يرتجف.
ما اجتمعنا على ختام لملحمتنا ومازلنا على شفا جرف من الدماء بقرار الصمود الجبري فيما بيننا نختلف.
ومازال الماضي يأبى أن يطلق صراحنا إلا حين نواجه مخاوفنا وبالأسرار التي شاب لها القلب نعترف.
…………..
كل ما يحدث كان يستدعي وقفة مع النفس، وقت مستقطع للتفكير والتمعن في كافة التفاصيل البسيطة التي تمر دون أن نلتفت لها، كان يستوجب الدقة في تلقي الفعل والحرص على رد الفعل الذي يجب أن يكون قوي ومؤثر في مجريات الأحداث، بعد جلسة طويلة جمعت بشر وتولين مع المحامي بالأمس أعلمهم فيها الكثير عن خصمهم وموقفهم في القضية وأهمية اللقاء الذي دبره ليجمع الطرفين عسى أن يجدوا للموقف حل ودي ويتوضح من خلاله بعض الأمور المبهمة حول علاقة حكم برحيل رفض بشر رفض تام أن تتم تلك المقابلة داخل مكتب محامي الخصم أو أي مكان ينتمي لحكم نفسه بناء على علمه أن حكم سبقه إلى هذا القرار وهو يأمر بكل صلف أن هذا اللقاء لن يضيف إليه والى موقفه في القضية لذلك من يحتاج إلى ذلك اللقاء فليسع إليه وبكل قوته، كان إجبار صريح لبشر وتولين للوقوف ببابه بشكل يتضمن إهانة صريحة وعرض قوي للسطوة والقوة لذلك بشر رغم توتره من كل ما وصله عن حكم وشخصيته شديدة البطش والقوى لم يتهاون في أي إهانة ورفض بشكل تام أن تسير الأمور بهذه الطريقة لذلك اتفق محاميه مع محامي الخصم على أن يتم اللقاء في أرض محايدة ويا للعجب حين أتت الموافقة دون مماطلة خاصة حين ذكر اسم مأمون الصالحي كطرف سيحضر هذا اللقاء، وقف بشر يتأمل تولين التي تلف حجابها بالمرآة بكف مرتعش وملامح متوترة واقترب نحوها يضمها بين ذراعيه جاذبا إياها تجاه صدره كأنه مازال رغم كل ما يجمعهما لا يستطيع زرعها داخله، فتنهدت تولين وهي تنظر لعينيه من خلال المرآة وتقول " أنا خائفة، لا أكف عن التفكير من أين ظهر لنا هذا الرجل! " انحنى بشر ليريح أنفاسه في تجويف عنقها وهو يقول " لا داعي للخوف، لنفهم فقط ماذا يريد وبعدها سنقاتل لآخر لحظة …أليس هذا ما اعتدنا عليه " كان يشير لمحاربتها له ولوجوده في حياتها بالسابق لذلك ابتسمت وقالت " نعم لآخر لحظة نقاتل ولا نستسلم، نملك من العناد والصد ما يكفي هل لديك مانع " ابتسم باتساع وقال " أبدا، هذا ما نحتاج إليه لنعبر تلك الأزمة لذلك تمسكي بروحك هذه جيدآ كما تمسكت بي لآخر لحظة " نظرت له بتأثر وقالت " وتمسكت بحبك منذ البداية وإلى آخر العمر، لم أتخيل يومآ أن ينتهي العمر سوى بجوارك " شد ذراعيه حولها وقال " جواري لم يكن ليسع غيرك " ثم انزلقت كفه نحو بطنها يتحسسه بحنين وهو يقول برجاء حار " أريد طفلآ منك يا تولين " ظهر خوف يفهمه على ملامحها سارعت في إخفائه وهي تغمض عينيها وترتكن بثقلها إليه وهي تقول " حين يشاء الله سيحدث "
قبل رأسها بعمق شديد جعلها تتنهد وهي تستدير بين ذراعيه لتضع جبهتها على صدره وتطوقه بذراعيها وتقول بصدق دفع من شدته بركان عشقها ليثور بصدره " يومآ ما سأحصل على بشر خاصتي، ذلك الذي لن أفارقه ولن يفارقني "
قال بشر " لم يعد لنا حاجة بالفراق، لقد اتكفينا يا حبيبتي، دعينا نتحرك فمأمون في انتظارنا " ابتسمت وهي تبتعد عنه تكمل لف حجابها قبل أن تلتقط حقيبتها وتمسك بيده فينقبض قلبه من الكثير من الأشياء التي بدأت تظهر بحياتهما شيئا تلو الأخر، لا يدري لما منذ عاد اسم كارما ليتردد على مسامعه وهو يشعر نحوها بالخوف والتهديد.
………….
بعد بعض الوقت داخل جناح ملكي بأحد أكبر فنادق القاهرة كان بشر وتولين ومأمون يجلسون وقد مضى نصف ساعة كاملة عن الموعد دون أن يظهر أحد أو تأتي رسالة إليهم تؤكد الموعد أو تلغيه، وقف مأمون يقترب من النافذة الضخمة المطلة على النيل وهو يقول " رجل مثل هذا لا يتأخر عبثا " سأله بشر " هل تظنه لن يأتي؟ " التفت إليه مأمون وقال " بالعكس أظنه قادم ولكن بعدما يوترنا بتأخره، إنه يحاول أن يكون الطرف الأهدأ والمسيطر في هذا اللقاء " قال بشر بغضب " إنه شخص مستفز، هل يظننا متفرغين لمثل تلك الألعاب " قالت تولين " تصرفاته لا تطمئن، ليتني أستطيع الوصول لرائف " إسم رائف حين انذكر في هذه اللحظة تحديدآ لم يكن مريح لبشر ومأمون لإنه دفع بأفكارهما نحو جانب غير مريح لكن مأمون قال بهدوئه المعهود " إن لم يسر هذا اللقاء كما نأمل، سيتعين علينا إيجاده مهما كان الثمن " عمّ الصمت الخانق وتغلغل داخل الفراغ المحيط بهم ليقطعه باب الجناح الذي فُتح دون استئذان فتقدم حكم يحاوطه الكثير من الرجال ضخام الجثة الذين بدو كجدران بشرية فهم بشر بالوقوف لكن مأمون أشار له ألا يتحرك ولا يبدي رد فعل واضح تجاه ذلك الدخول الذي لا غرض منه ثم إرهابهم، ليقف حكم يناظر ثلاثتهم من خلف نظارة لا تظهر عينيه ثم قال " لَكَم تأخر هذا اللقاء، دعونا نبدأ فأنا لا أملك وقت " سأله مأمون ببرود " هل سنتحدث وهذه الجدران تحاوطنا؟ " قال حكم " تصرف كأنك لا تراهم " قال مأمون معترضآ " لكني أراهم سيد حكم ولا أملك نفس الثقة تجاههم لذلك اصرفهم من فضلك أولا داعي لذلك اللقاء الذي تحاول جعله مُربك لنا دون سبب واضح ودون أن تدري أننا التقينا بالأشد والأكثر سُلطة وسطوة عنك دون أن يرتجف لنا جفن " تمعن حكم به ثم قال " تبدو كما أبيك شديد النُضج والعقلانية لكن …صمت حكم للحظات ملأت الجو بشحنات من التحدي ثم أكمل حديثه " لكنك لا تملك عيناه الثاقبة، فهذه الجدران كما تدعي هنا من أجل سرية جلستنا ليس أكثر، فأنت لا تعرف أين قد تتربص بك عدسات الفضوليين، الأبواب المغلقة لم تعد حاجز كما تعلم، فإذا تسربت صورة لي بأي شكل وجودهم سينفي فكرة أنه هناك شيء خاص يجمعنا " صمت حكم ليبتسم ابتسامة ماكرة ثم يقول " فكرة ارباكي لكم جيدة لكني لا أحتاج إليها وأنا رجل لا أضيع وقتي إلا فيما أريده وأحتاجه لذلك إن كنتم تشعرون بالارتباك فليس لي يد بالأمر " حديثه كان خانق لتولين التي قالت بغضب " لماذا كل هذا " قال حكم بجدية وهو ينظر نحوها بتدقيق كأنه يتعرف على شخصية كثيرآ ما سمع عنها ثم قال" سؤال مهم ليس له سوى إجابة واحدة، أنا أريد رحيل " وقفت تولين بغضب وقالت " لا تتحدث عن ابنتي هكذا، لا تتحدث عنها كأنها شيء نتناقله فيما بيننا، من أنت بالنسبة إليها لتطالب بها؟ " نظر بشر ومأمون لحكم منتظرين إجابة السؤال لتأتي عكس ما توقعوا وهو يقول " أكون لها ما أكون هذا لا يهم، المهم أني واثق أني أقرب إليها من واحدة لا تدري عنها أي شيء، تمسكك بالصغيرة لطف منك لكن لم يعد هناك حاجة إليه " التفتت تولين تنظر لبشر بصدمة وقد أشعرها رد حكم أنه إنسان بلا قلب، فجذب يدها لتجلس بجواره وهو يلتفت لحكم ويقول بغضب " رحيل ليست طفلة نمن عليها بالرعاية، رحيل ابنتنا التي لا مكان لها سوى بيننا وفكرة أن تأتي إلينا وتقول أعطوني ابنتكم لأني أريدها دون أن تخبرنا عن أسبابك دون أن توضح لنا صلتك بها دون أن تعلن عن هوية والدها لهي مرفوضة تمامآ بالنسبة إلينا " قال حكم ببرود " هذا المتاح لدي، وبالنسبة للصغيرة أمرها لا يقلقني لأني سوف أخذها قريبا " حينها تكلم مأمون يسأله " ما دمت لن تجيب سؤالآ واحدآ من أسئلتنا ولن تتراجع عن موقفك ولن توضح لنا أي شيء يخص رحيل، لماذا نحن هنا سيد حكم! " قال حكم وهو يرمقه بصلابة " لأني أريد إنجاز الأمر سريعا، ففكرت أن ربما ذلك اللقاء ينهي الأمر بيننا دون محاكم وأوراق وتحاليل ووقت، ما طلباتكم مقابل تسليمي الصغيرة في منتهى الهدوء " صرخت تولين بجنون " هل تفاوضني في ابنتي " وقف حكم وقال بصرامة " ليست ابنتك ولم تكن يومآ، هذه الصغيرة وجودها بينكم خطأ أسعى لإصلاحه، إذا أردتم توريط مشاعركم بالأمر فهذا قراركم لكن أمر رحيل بالنسبة لي منتهي " وقف بشر يقول بغضب شديد" ربما ليست ابنتنا لكنها وجدت طريقها إلينا و مكانها بيننا، أين كنت أنت منها منذ سنوات، هل تعلم إلى ماذا كان مصيرها سيؤول إذا لم تصل إلينا حين تجد إجابة هذه الأسئلة قف بمنتهى الثقة وقل سأخذها، وإذا حكمت لك المحاكم هنا بالحضانة لمجرد تحليل بيولوجي لا تريد أن تعلن عن هوية صاحبه، سنترك البلد بأكملها وسنذهب لأمريكا حيث قانون الحضانة لا يعترف سوى بالاهتمام والعناية وتوفير حياة طبيعية للطفل " شهقت تولين وتوسعت عينيها تتخيل أن يصل الأمر لحد يجبرها على وداع كل من تحب ليحاوطها بشر مهدئآ وحكم يقول " أنت تُصعد الأمر بيننا سيد بشر لمستوى لم أكن أريد الوصول إليه معكم، لكن إذا أردتم ذلك فلكم ما أردتم " تدخل مأمون يقول ببرود " نحن لا نُصعد الأمور التي ننتهي منها سيد حكم، لقد ظننت أن لقائنا إن لم يكن مثمر يكون على الأقل واضح لكن يبدو أنك شخص لا يَسهُل التعامل معه خاصة فيما يتعلق بشؤونك الخاصة ….هل رحيل تخصك، أهي ابنتك وتأبى الاعتراف بذلك …أهي نتيجة علاقة غير شرعية وأخذت وقتك لتقتنع أنها ابنتك ….أم أنها ….ترك مأمون حديثه معلق ولكن بعدما قذف الكثير من الضغط على أكتاف حكم الذي قال بحدة " لقد نجوت حين صمت، فإن كنت أكملت لم أكن لأدري كيف سينتهي هذا اللقاء " تحرك حكم فاوقفه مأمون بإصرار قائلا " كم تأخذ أنت وتدع الصغيرة وشأنها " التفت له حكم بوجه جعل مأمون متوجس وقال " سأعتبر أني لم أسمع هذه الجملة لأن والدك كان رجل أذكر له الكثير " سأله مأمون بسخط " من أين تعرف والدي " قال له حكم بسخرية تحمل الكثير مما جعل مأمون متحفزآ " والدك ماضي ومضى " ثم تحرك بجبروته المعهود خارج الغرفة تاركآ خلفه تولين التي بدأت تنهار وتتحدث بكلام متفرق غير مترابط وبشر الذي ازداد توجس وحذر وخيفة ومأمون الذي أدرك أن الواقف أمامه لديه ماضي يحتاج إلي التقصي الشديد.
………………….
في نفس الوقت كانت هناك مواجهة لم يحن موعدها أزفت في أن تبدأ، ولكن لا شيء يبدأ دون موعده ويستقيم، ترجلت بتول من السيارة وكلها يقين أنها ستجد المزيد من الكوارث، فكرت أنّ ربما هذه الأمطار تساقطت لتنعيها في مصاب جلل لم يحدث بعد، كانت الخطوات التي يجب أن تقطعها ما بينها وبين ذلك الواقف محروق كلمة النهاية التي إذا اجتمعت سينتهي كل شيء، لماذا لا تفر إذآ …ولماذا لم تعد تهاب النهاية!
هل أصابها ملل من حياة الاحتراق التي تتلظي بها أم أنها فقط ما عادت تكترث، نظرت إلى ماثيو الذي بات يراها خطرآ عليه التخلص منه، بات يري كل غموضها وتكتمها شرآ عليه أن يدفع به بعيدآ عن حياة سيده التي لا تحتمل شبهات أو صراعات، هو لن ينتظر لتحدُث الكارثة ثم سيعدو للتصرف …لا …بل هو سيتصرف مانعآ الكارثة من الحدوث، اقتربت بتول حتى وقفت خلف ذلك الذي كأنه أراد متعمدآ ألا يبدي إهتمامآ لقدومها لتقول بصوت يرتعش " من أنت!؟ " التفت إليها الواقف وقال " أهلآ سيدة بتول، أظنك تعرفيني جيدآ " صُدمت بتول من رؤيته لم تكن تتوقع ذلك، كانت واثقة أنها تعرفه لكنها كانت تتوقع الكثيرين ولم يخطر على بالها أن يكون هذا من تلتقيه، ظهرت صدمتها جلية قبل أن تقول " ماذا يحدث" نظر لها الذي أمامها بجدية وقال " ستعلمين حين تأتين معي " هزت رأسها بتشتت وسألته " إلى أين!، أنا لن أذهب إلى أي مكان حتى أجد زوجي " قال لها " لن تجديه إذا لم تتعاوني معنا، لمرة واحدة بتول خذي القرار الصحيح، الهروب لم يعد يفيد، إنضمي إلى جبهة وقاتلي ثم موتي بشجاعة واجعلي لحياتك معنى أفضل بكثير من الموت كما الفئران التي لا تكف عن الجبن أو الهرب " هزت رأسها برفض وقالت " الأمر ليس بهذه السهولة ،لو كان كذلك لفعلت منذ زمن طويل " قال الواقف أمامها بجدية " منذ زمن طويل لم يكن هناك ما نملكه الآن، ضعي يدك بيدي وسأضمن لك النجاة من هذه الدوامة " قالت بحرقة " وزوجي " أجابها بصدق " هو ليس ضمن أولوياتنا لكن إن كان بيدنا شيء لن نتأخر صدقيني " قالت بغضب " هذا ليس كافيآ بالنسبة لي" ثم تحركت نحو السيارة فقال بصوت مرتفع " لديك ثمانون وأربعون ساعة لتعطني ردك لا أكثر يا بتول، الوقت ليس لصالحنا فكري مليآ " التفتت تصرخ بجنون " لن أفكر في شيء لن يفيد أحد سواكم، إن كنت تريد مني المقاتلة سأقاتل لأجل زوجي وسأخرج من تلك الحياة راضية فلا شيء يستحق القتال غيره " قال الذي خلفها بإصرار " حتى أرضك " توقفت قدميها وأحنت رأسها بخذلان قبل أن تهزها بحرقة، وتتحرك بخطوات بطيئة فيأتيها صوته قائلا " أما اشتقت أن تعودي إلى حقيقتك " لم تتوقف تلك المرة وهي تقول " أي حقيقة تلك التي لا أعرفها أم التي نسيتها أنا لا أصلح لما تريدني له من فضلك دعني فيما أنا فيه، دعني أواصل سلسلة نكباتي دون تدخل أحد " سارع يقول وهي تركب السيارة وقد ابتلت ملابسها بالكامل " عرضي مازال قائما، أنت مازلتِ تملكين الوقت لتفكري، لا تُضيّعي فرصتك في أخذ قرار صحيح وحر، حياتك لم تكن سهلة أعلم ولكن نحن لا نختار أقدارنا " بكت بصمت وهي تغلق الباب وتهمس " قد لا نختار أقدارنا لكننا نختار الطريق والطريقة " نظر لها ماثيو بغضب ثم انطلق عائدآ وهو يُدرك أنها رفضت أن تبتعد ….ولكن ربما ليس رفض نهائي، ربما هناك أمل أن ينهي هذه المسألة سريعآ ثم يحرص على أن ينهي سيده سفرته التي طالت دون أسباب واضحة.
………………
داخل المزرعة وبغرفة المكتب تحديدآ كان حكم يجلس غارقآ في هموم أصبحت تجرفه في تيارها، و قد ألقى سترته ورابطة عنقه على الأريكة الجانبية ثم فتح مقدمة قميصه يحاول أن يتنفس بعمق وكلمات مأمون التي شعر بها تحمل إتهام قذر واذدراء واضح لا تفارق عقله والنظرات لا تبارح عينيه، أخذ يفكر في ماضيه مجرد طفل نشأ داخل كيان غير مفهوم لكنه يهتم به، لم يكن بمفرده حينها بل كان هناك ستة أطفال غيره لكنه تميز كونه كبيرهم وسابعهم، لا أحد فيهم يملك أم بل جميعهم يملكون نفس الأم والأب وكان ذلك يُعَد رفاهية غير مُتاحة للكثيرين داخل أرض السيد، فمعلومين النسب دائما أفضل من المجهولين أمثاله وأمثال إخوته ورغم ذلك لا أحد يذكُر الأمر لا أحد يجرؤ على التحدث به فهناك لا أحد يتيم لا أحد بلا عائلة ولكن كان هذا فيما مضى …ماذا حدث ولما تغير كل شيء، لا يعرف فقد مضت سنوات هادئة يتلقى فيهم معنى كونه رجل من رجال السيد، يشب عن الطوق ويقوى ساعده داخل أرض هادئه جدآ حتى حانت اللحظة التي ينتظرها كل شاب منهم، لقد كان على وشك الخروج للعالم وأخذ دور فعال في هذا الكيان لتُهدم جميع أحلامه فوق رأسه في يوم أغبر مازال لا يعرف ما حدث به، يومها كان لم يبلغ العشرين من عمره بعد لكنه يمتلك مهارات لفتت إليه الأنظار وجعلته يأمل بالكثير، جعلته يحلم أنه لن يتوقف حتى تؤول السيادة له يوما ما، كان متحفزآ لإثبات نفسه وقدراته على الدوام ليأتيه أمر لا يُقبَل النقاش بخطف طفلة صغيرة جدآ بمواصفات غريبة، يومها لم يفهم هل الأمر حقيقي أم مجرد إختبار له، كان هناك شيء غير مريح لكن باندفاع شاب طائش نفّذ وباحترافية انقلبت لكارثة هو نفسه تغير كثيرآ بعدها وفَطِن لما يحدث حوله، يومها تسلل قريبآ من بيت ذى طابق أرضي بدى عليه البساطة
يراقبه بتحفز يتحين اللحظة المناسبة للتنفيذ، الأجواء بدت هادئة للغاية وهذا شجعه على الاقتراب تجاه نافذة خلفية للمنزل لكن قبل أن يدركها شبت النيران من كل مكان حوله كما لو أن هناك قنبلة قد انفجرت، تداخلت الأصوات ما بين صراخ إمرأة وصراخ رضيع وصراخ طفل بدى له في الجهة المقابلة من المنزل، كانت ألسنة اللهب تخرج من بين القضبان الحديدية للنافذة فتجمد لا يدري هل يغامر أم يتراجع، هل هو اختبار صعب أم فخ وعليه أخذ القرار خاصة وأن النيران تتمادى في الأجيج حتى ظن أنها وصلت إلى عنان السماء وقد خفتت كل الأصوات ماعدا صوت وصوت لم يعرف هل هو لطفل أم لشاب يافع ليرى مشهد لا يستطيع نسيانه مهما رأى من بشاعة ودموية، رأى إمرأة قد أمسكت بجسدها النيران تلف شيء ناعم وتحاول دفعه من بين القضبان، كانت تصرخ بجنون ورغم ذلك تدفع بشيء ملتف أدرك أنه طفل حين رأى يد شاهقة البياض كأنها منيرة في وحشة تلك النيران تنفلت من ذلك الشال الصوفي فسارع دون تفكير يخلع قميصه ويلفه حول كفيه ويجذب بكل قوته القضبان التي قد تآكلت قاعدتها الخشبية من النيران لم يكن الأمر بهين ولكن النيران التي تلتهم الجسد أمامه والصراخ المُعذب كان كلما ارتفع يدفعه ليحارب ويحارب حتى سقط أحد الأعمدة وسقط هو من قوة جذبه بعيدآ عن المنزل ليجد السيدة تقزف له الطفل بكل قوتها المتبقية ثم تسقط لافظة آخر أنفاسها فوق النافذة لتكمل النيران ما بدأته، زحف حينها مسرعآ يرفع الغطاء الصوفي ليكتشف أنها الطفلة التي أتى لأجلها فاقدة لوعيها كجثة هامدة، لم تكن صغيرة كما توقع ولكنها كانت ضعيفة وناعمة فأسرع يقف ويحملها رغم آلمه من حروق كفيه ويعدو في شوارع مهجورة لا صوت فيها ولا صدى إلا لصراخ ذلك الطفل الذي لا يعلم هل نجده أحدهم أم لقى مصير المرأة، ضرب حكم رأسه بظهر المقعد بقوة محاولآ التخلُص من ثُقل تلك الذكرى لينتفض بفزع حين فُتح باب مكتبه فجأة وظهرت يهدين المنهارة تجذبه من ماضيها لحاضرها فوقف حكم يقول بجزع " ماذا حدث، هل أنت بخير " هزت رأسها بعنف وهي تقول " أنا ارتكبت شيء بشع في شخص لا يستحق …أنا بشعة …أنا أبشع مخلوق على وجه الارض " اقترب منها حكم لا يفهم إلى ماذا تشير بحديثها، هو يعلم كرهها الشديد للفظ بشعة فإن تنعت به نفسها لهو أمرعظيم، لذلك أمسكها من رسغها يجذبها حتى أجلسها على المقد المقابل للمكتب وجلس على المقعد أمامها وهو يسألها برهبة " ماذا فعلتِ؟ " شهقت بانهيار غير قادرة على أن تبوح له بالحالة التي أوصلت إليها فخر ليهدر بها حكم " يهدين ..اهدئي وافهميني ما حدث " ظلت تجذب أكمام سترتها الضخمة بتوتر لأعلى وأسفل حتى ظهر أثر الحرق بيدها فاشاح حكم بوجهه بعنف يأبى أن تتمكن منه تلك الذكرى أكثر لتقع عينيه على شيراز التي تقف على الباب متدارية جزئيا تراقب ما يحدث بينهما ليشعر أن طاقته اليوم قد نفذت تماما ولا يريد لوهج شعرها أو جرأتها أو فضولها أو قدمها الحافية أن يزيدوا من انفعاله ….عقد حكم حاجبيه لأنه أدرك ذلك حتى قبل أن يتأكد ثم تحرك بحدة تجاه الباب ووقف أمامها تماما ينظر في عينيها للحظة فأدرك أنها تريد الدخول بل هو شعر أنه سمعها ترجوه لتدرك ما يدور رغم أنها لم تنطق لذلك بحرف ورغم يقينه هدر بها " ما يدور لا يعنيكي " ثم أغلق الباب في وجهها ووقف لحظة خلفه مدركا أنها مازالت تقف ليسمع خطواتها الخفيفة تبتعد حينها التفت لينظر ليهدين التي كانت كمن تنعي شخص عزيز للغاية.


انتهى الفصل العاشر
قراءه ممتعه للجميع


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-07-22, 03:21 AM   #40

جنة سعيد

? العضوٌ??? » 419123
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 119
?  نُقآطِيْ » جنة سعيد is on a distinguished road
افتراضي

ظƒط§ظ„ط¹ط§ط¯ط© ظ…ط¨ظ‡ط±ط© ظ?ط§ط´ظ‡ظ?ط±ط© ظپطµظ„ ط·ظˆظ?ظ„ ط±ط§ط¦ط¹ ط£طµط§ط¨ظ†ظ? ط¨ط§ظ„ط?ط®ظ…ط© ظ…ظ† ظƒظ… ط§ظ„ظ…ط´ط§ط¹ط± ظپظ?ظ‡
ط§طµط§ظ„ط© ظˆط±ط§ط¦ظپ ظ…ط§ط§ظ„ظ…طµظ?ط± ط§ظ„ظ…ط?ط¸ط± ظ„ظƒظ…ط§
طxظˆط±ط³ ط¹ظ„ط§ظ…ط© ط§ط³ط?ظپظ‡ط§ظ… ظˆظ„ط؛ط² ظƒط¨ظ?ظ?ط± ظˆظ‡ظˆ ط®ظ?ط· ظ…ظ† ط®ظ?ظˆط· ط§ظ„ط³ظ?ط¯
طxظƒظ… ظ?طxظ…ظ„ ظ‡ظ…ظˆظ… ظˆظ…ط§ط¶ظ? ظ…ظ„ظ?ط¦ ط¨ط§ظ„ظپظˆط§ط¬ط¹
ظ?ظ‡ط¯ظ?ظ† ظ„ط؛ط² ط§ط®ط± ظ…ظ† ظ‡ظ? ظˆظ…ظ† ط§ظ? ظ…طµظ?ط± ط£ظ†ظ‚ط°ظ‡ط§ طxظƒظ…
ظˆظ…ط§ظ‡ظ? ط¨ظپط§ط¹ظ„ط© ط¨ظپط®ط±


جنة سعيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:47 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.