آخر 10 مشاركات
التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          399 - خفقات في زمن ضائع - ديانا هاميلتون ( تصوير جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          396 - دموع على خد الزمن - جين بورتر ( تصوير جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          القبلة البريئة(98)لـ:مايا بانكس(الجزء الثالث من سلسلة الحمل والشغف)كاملة*إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          456 - حطمت قلبي - سارة مورغان ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الستائر السوداء (الكاتـب : ررمد - )           »          305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون (الكاتـب : عنووود - )           »          389 - رقصة على ايقاع الحب - سوزان ستيفنز (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          343 - غرقت في بحر الشوق - جيسيكا ستيل (الكاتـب : سيرينا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-08-22, 12:30 AM   #61

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثالث عشر


كم وداعًا سيتطلبه الأمر منا لنفترق
دعنا علي سبيل المستحيل لمرة واحدة نتفق
دعنا ندير ظهورنا دون أن نبالي بكل نبض
في المساحة المتقدة بين شغاف القلب قد طفق
دع للرحيل مجال سيدي فأنا من خلف قضبان
حبك عيناي تكاد لا تفارق ذلك النفق.
إن كان هناك سبيل للنجاة فأطلق سراحي
إني بجوارك أحال كبقايا ركام يحترق
لا معاهدة سلام قد أقبل بها من رجل لكل قوانين السلم والحب قد تمادى وخرق
ليس هناك مجال أن تعمر حطام روحي
فمن الذي بباتر أوصاله قد يثق
لا تحاول أن تعود لتهادنني فأنا محال أن أقبل بأن أعاود فيك التوحد والغرق
شق طريقك كيفما شئت ولكن حررني من مصاب نُقِش على جبيني كما يُنقَش الورق
أوليس هناك طريق محايد لنقف عليه
لماذا إذًا تضيع من خطواتي جميع الطرق
إن كانت سطوتك تأبى ألا تحل روحي
فهل لإرادتي في هذه الحرب دورًا يستبق
امنحني كلمة الصفح من عذاب عشق دفع بكل الأبواب ما بيني وبين الحياة لتنغلق
أو ارحل صامتًا عني ودعني وقلبي لغروب موحش بارد النسمات ضبابي الشفق
فما دمت لا تريد لي الخلاص منك
لا أظن أنه سيكون هناك أملًا لكي أفق
لقد أحكمت قبضتك حولي لزمن طويل
وخدرت حواسي بما تحويه روحك من عبق
لذلك كن واثقًا يا سيدي أنك وان كنت نار في جوفي
ستظل في عالمي نجم شديد الألق.
༺༻
ليتني كنت أمتلك كل الوقت لأحبك حتى أكتفي، وأمتلك الإرادة لأقطع المسافات بيننا حتى تتلاشى وتختفى، وأمتلك الكلمات لأعبر لك عن مشاعري التي باتت جمار لا تنطفيء، وامتلك أمر نفسي لأقيم الأعياد بقدومك وأحتفي، لكني في الحقيقة لا أمتلك سوى أملًا جئت إليك به عساك أن تقدر موقفي، عساك أن تجعل وداعنا هينًا على نفس أقبلت نحوك بتلهف، لا تأبه لمصيرها إن استعصى عليك وصالها فنأيت عنها بصدود متلف.
༺༻
ماذا لو أصبح عقلك متاهة وأنت بداخلها تائه تدور في مسارات لا تنتهي حتى أفقدتك الأمل بالحقائق من حولك، ماذا لو كان صراعك يدور أمام أبواب موصدة كل ما تعرفه عما خلفها هو محض أوهام أطلقتها في ربوع أفكارك وغذيتها بهوسك حتى استوحشت واستوطنت بخلاياك متلفتة ثباتك وضاربة جدار المنطق داخلك بقوتها ليسقط أرضًا ماحيًا جميع الفواصل التي كنت تضعها كأسس واهية تدعم وعيك داخل هذه الحياة.
ماذا لو اختلطت عليك الرؤية وتشوشت فأصبحت تظن أن ما تراه وهم وأن جميع الأوهام بداخلك باتت هي الحقائق.
ماذا لو كنت تشك في نفسك كيف إذًا السبيل لتقطع الشك باليقين وتدرك الحقيقة ؟؟
كان حذيفة جالسًا بتوتر وتشتت رهيب يظهر من نظرات عينيه المتخبطة وحركة ساقه التي يهزها بانفعال وقبضته المشدودة بعنف غير مبرر لا يتماشى مع ملامحه المبهوتة أمام حديث مؤمن الجدي الغاضب الذي قال وهو ينظر للعديد من الأوراق والصور بين يديه
" ما هذا …ماهذا، أنا لا أصدق "
قال طاهر بهدوء رغم تقديره لحدة الموقف:
" مؤمن اهدأ وبإذن الله سنجد حلًا وسنفهم حقيقة ما يجري، الأمر بالنسبة لي حتى الآن ليس مفهوم مطلقًا "
ألقى مؤمن الأوراق التي بيده بعنف على المكتب ثم أشار على صورة مكبرة لخيال امرأة تتسلل إلى المشفي وقال:
" انظر هذه أوضح صورة وصلتني حتى الآن ورغم ذلك ملامحها غير واضحة بها، لن نستطيع إثبات شيء مطلقًا، لن نستطيع صد حملة التشهير التي تشن ضد المركز منذ ما حدث بالحفل "
قال طاهر بتفكير:
" هل هناك جديد بشأن التحريات "
أجابه مؤمن وهو يدقق النظر في الصورة
" لا جديد، الوضع على ما هو عليه، جواد يحاول بكل جهده وقف أي قرار يصدر تجاه المكان لأنه سيكون كوصمة عار لنا، أما بشأن المرأة …صمت مؤمن بتفكير فسأله حذيفة بارتباك
" ماذا بشأنها "
استدار مؤمن لحذيفة باستغراب كأنه قد نسى وجوده من كثرة ما امتد صمته وقال:
" هناك سؤال يحيرني لا أجد له إجابة، كيف يمكن لأحد التسلل إلى قسم لمركز طبي تعمل به عمالة مهولة بشكل يومي، كيف لم يصل لكل هؤلاء صراخها، كيف يمكنك أنت تحديدًا أن تغفل عن مكان من المفترض أنك تتفقده بشكل يومي وتوليه إهتمام بالغ " وقف حذيفة يقول:
" هذا تحديدًا ما أريد أن أفهمه، هذه المرأة أنا لم أرها من قبل، في باديء الأمر داخل الحفل ظننت …
صمت حذيفة بشرود ليسأله طاهر
" ماذا ظننت يا حذيفة "
تهرب حذيفة من الإجابة وهو يقترب من الملف الذي ألقاه مؤمن على المكتب ويلتقط الصورة التي كان يتأملها مؤمن منذ قليل ويدقق النظر إليها قائلًا:
" ماذا لو أنها فتاة تسللت للمكان قبل الحفل بغرض إفساده والتشهير بنا لا أكثر " قال طاهر وهو يقترب منه:
" هذه الفرضية غير واردة لأن الفتاة تعرضت لتعذيب وحشي محال أن تكون قد فعلت هذا بنفسها، لقد رأيت جروحها بنفسي وانا أحاول السيطرة عليها يوم الحفل "
تجهمت ملامح حذيفة وهو يهز رأسه بعصبية ليقول مؤمن:
" لقد أمرت ببدء تحقيق خاص بنا ستتولاه الشؤون القانونية بالمركز الطبي مع جميع العاملين بلا استثناء وهنا أقصدكما تحديدًا، وأنا في أقرب فرصة سأسعى لمقابلة تلك المرأة "
قال حذيفة:
" لماذا ستقابلها "
قال طاهر يجيب عن سؤال لم يبدو منطقيًا ولا مفهوم له
" لأن هذا ما يجب أن يحدث، أول خطوة في طريق حل هذا اللغز هي فهم ما حدث مع هذه المخلوقة، ربما تتذكر وجه أو صوت أو تفاصيل قد تساعدنا أم لك رأي آخر"
أجابه حذيفة وهو يترك الصورة
" أنا مقدر لحجم المشكلة التي نواجهها، مقدر أن مؤمن لم يلق علينا اللوم كاملًا وجعل نفسه طرفًا في هذا الأمر، لكن في نفس الوقت لا أريده أن يذهب لتلك المرأة فيظن أحد أننا نسعى لإسكاتها أو أن لدينا ما نخفيه، الوضع برمته حساس "
قال مؤمن بغضب:
" هذا سيقال على كل حال فالصحف ليس لديها سوى الحفل وما حدث بالحفل وعلاقته بالمركز الطبي، أنا قد أخسر كل ما وصلت إليه في لمح البصر "
عمّ الصمت للحظات ليقول طاهر:
" ما رأيك أن تتولى أنت هذا الأمر عن مؤمن وتذهب لمقابلة تلك المرأة وفهم الحقيقة منها "
تجمد حذيفة ثم لاح التفكير على وجهه قبل أن يقول:
" لا أتوقع أن هناك ما سنجده لديها، ألا تنظر إلى تفاصيل قصتها حتى الآن، لا منطقية بكلمة واحدة …إنها تلعب بنا " أقترب طاهر وأشار بسبابته تجاه الصورة وهو يقول:
" المنطق يقول أنها جاءت إلى المركز الطبي بقدميها، لكن ما ليس منطقي هو باقي الأمر، اعذرني يا حذيفة ولكنك أكثر واحد منا مطالب بتفسير الأمر"
قال حذيفة
" ماذا تعني "
أجابه مؤمن
" لا شيء لكن فكرة وجودك اليومية بالمكان حيث يوجد امرأة تعذب لأيام تكاد لا تتوقف عن الصراخ غريبة جدًا "
قال حذيفة بجمود:
" لم أكن بمفردي يا مؤمن، هناك ما يقارب الثلاثين عامل، حتى طاهر كان أحيانًا يمر دون موعد أو تخطيط …
سارع مؤمن يقول
" أنا لا أتهمك بشيء لكن إدارتك للمكان أشعرتني بالقلق لذلك بمجرد أن نمر من هذه الأزمة سيكون هناك ترتيبات إشرافية وأمنية جبرية وعليك أن تلتزم بها داخل القسم الخاص بك"
قال حذيفة بغضب :
" أنا أؤسس قسم نفسي للعلاج والاسترخاء وليس سجن مشدد بداخله إشراف وحراسة أنا لن أعمل بهذه الطريقة "
تدخل طاهر قائلًا:
" اهدئا الأمور لن تُحل ما دمنا نتجادل بأعصاب مشدودة، مؤمن أفعل ما تراه مناسبًا لنعبر هذا الأمر بسلام وأنت حذيفة عليّنا أن نتحدث على انفراد "
نظر حذيفة لطاهر وقال:
" لا مانع لدي "
التفت طاهر لمؤمن وقال:
" اسمح لنا سننصرف الآن لتباشر عملك وكن واثقًا أن هذه أزمة وستمر "
تحرك مؤمن وجلس على مقعده خلف المكتب يقول بارهاق:
" بإذن الله "
تحرك حذيفة وحين همّ بفتح الباب استوقفه صوت طاهر الذي سأل مؤمن فجأة
" مؤمن هل فكرت في ارسال صور العاملين بالمكان لهذه المرأة لعلها تتعرف على أحدهم "
توسعت أعين حذيفة وتصلب جسده ليأتي رد مؤمن دافعًا إياه ليلتقط أنفاسه "
صدقني بطريقة غير قانونية لجأت للضابط فارس ليفعل هذا من أجلي لكن للأسف الشديد لقد أنكرت تمامًا أنها تعرف أحد مما أرسلت صورهم، لقد أعطته مواصفات لا تتناسب مع أي شخص أعرفه أو يعمل بالمكان "
سأله طاهر بحيرة
" هل أرسلت صورنا جميعًا، هل أغفلت أحد ..هل أرسلت صورتي مثلًا "
قال مؤمن بتعب:
" نعم فعلت حتى أني أرسلت صور العاملين على تجهيز المكان بعدما طلبت من تولين إحضارهم، لقد أنكرت تمامًا أنها تعرف أحد منهم، حديثها متضارب ربما بسبب الصدمة"
قال طاهر بغضب:
" أو ربما لأنها كاذبة، هل تسمح لي أن أقابلها نيابة عنك"
قال مؤمن دون تردد:
" افعل ما تستطيع فعله لعل تدخلك بالأمر ينجم عنه تحويل مسار للأمور "
هز طاهر رأسه والتفت للباب فوجد حذيفة يتفرس فيه كأنه يحاول سبر أغواره فقال له بهدوء:
" دعنا نخرج لنتحدث "
هز حذيفة رأسه بصمت وضغط مقبض الباب وبعقله تدور الكثير من الأفكار بلا توقف لدرجة جعلته يريد أن يختلي بنفسه فورًا ساعيًا للسيطرة على انفعالاته الداخلية ففكر أن يتهرب من طاهر ومن الحديث معه لكنه لم يحتاج لفعل ذلك لأنه بمجرد أن فتح الباب وجد ممرضة تنهت وهي تقول:
" نريد الطبيب مؤمن حالًا" تحرك مؤمن بسرعة يسألها
" ماذا حدث"
قالت الممرضة:
" السيد الضخم الذي يرافق حالة الانتحار قبض على فتاة تتسلل لغرفة أخيه ويكاد أن يقتلها "
قال مؤمن وهو يجري سابقًا إياها
" هل لا يوجد مكان تتسلل إليه النساء المقبلات على القتل سوى المركز الطبي خاصتي، ثم من قال أنني سأتحمل جنون رجال العزايزة ومعارفهم أكثر، هذا يكفي "
تحرك طاهر يجاوره حذيفة الذي قال:
" ترى من هذه "
أجابه طاهر
" مؤكد سنعلم، كما سنعلم عن هوية المرأة الأخرى ، هل علمت في أي غرفة كانت تلك المرأة محبوسة يا حذيفة " أجابه حذيفة
" أظن ربما بغرف التخزين، أنا منذ أيام أدور مع مؤمن ما بين تحقيقات وتحريات حتى أنهكت ولم أركز بالأمر "
هز طاهر رأسه وقال:
" هذا ما توقعته، نصيحة مني لا تنسى أن تمر على غرفة الحالات الحرجة لعل تجد بها ما يلفت انتباهك "
تجمدت أقدام حذيفة بينما طاهر لم يتوقف مكملًا دربه وهو يفكر أن الأمور تزيد تعقيدًا لدرجة جعلت الشك يتوغل به كأن رؤيته لما يدور كأحبال لا نهاية لها من الظنون تنتظر الوقت المناسب لتتصل ببعضها وهذا ما سيسعى إليه في أسرع وقت.
༺༻
بغرفة فخر كانت يهدين كمن سقطت في الفخ أمام وحش غاضب لن يتوانى في الانقضاض عليها والفتك بها، كانت تنازع رهابها وخوفها ومشاعرها والموقف برمته، كانت تريد أن تنشق الأرض ويخرج حكم ليقف بينها وبين ما يحدث وهي تأخذ وعد لا رجعة فيه مهما استبد الحب بخافقها أنها لن تعاود الكرة لن تقترب من فخر العزايزي لن تسير في دربًا قد يجمعها به ستظل وحدها ومشاعرها وغرابتها ما بين الجدران وحيدة كما اعتادت فهناك أأمن مكان لها، كان كل هذا يدور بعقلها بينما تزحف للخلف مدارية وجهها وهي تصرخ برعب حتى التصقت بالجدار ترى أقدام بدأت تتدافع إلى الغرفة فيزداد ما بها دون أن تستطيع التحرك لالتقاط هاتفها الذي سقط أرضًا بعيدًا عنها بعدة خطوات، أنفاسها بدأت تضطرب ورأسها يدور وعينيها لم تكن تريده أن يرى عينيها في هذه الحالة…لا تريده أن يراها بشعة لدرجة مقيتة ازداد انهيار يهدين حدة بينما ليل يحاول مناورة رجال الأمن ليصل لها وهو يصرخ
" لن أتركك حتى أعرف من دفعك لفعل ما فعلت، من الذي يضمر لأخي كل هذا السوء ليلقي واحدة مثلك بطريقة، إلى ماذا كنت تسعين تحديدًا، أنا لن أتركك حتى أقتص منكِ لكل قطرة دماء نزفها فخر "
قال أحد رجال الأمن:
" سيدي هذا يكفي أرجوك، صراخك يؤثر على راحة باقي المرضى بالغرف المجاورة دعنا نتحفظ على الفتاة ونطلب الشرطة لتتصرف معها وتأتي بحق أخيك "
قال له ليل:
" لن يتحرك أحد من هنا …
ثم حاد بنظراته تجاه أخيه الذي بدأ يحرك رأسه والأصوات تخترق قوقعة سكونه قصرًا
" فخر افتح عينيك هيا …هيا افتحها لترى بنفسك من فعلت هذا بنفسك لأجلها …من فضلت وجعي وأنا الذي آمن بصدقك لآخر لحظة عن التماسك لأجلي، افتح عينيك فخر لأن أي صفح قد لاح بداخلي وأنا أراقبك ترقد بلا حول ولا قوة قد تطاير، لقد جعلتني أهتز وأظن أنك مريض ….
ترقرقت الدموع بعيون فخر الذي لم يكن مفسرًا لما يسمعه ولكنه شعر أن زئير ليل يجذبه من هوة يكاد يسقط بها، كان كأنما يستميت أخيه صارخًا لكي يدفعه ليفتح عينيه ويخرج من هذا الظلام ولكنه كان غير قادرًا على فعل ذلك، لقد بدا ذلك صعبًا للغاية…في تلك اللحظة تدخل مؤمن يصرخ
" ليل ماذا تفعل، صوتك يصلني من على بعد طوابق، ألا تدرك أن المركز في حالة لا تسمح بوجود مثل هذه المشاكل بداخله، لقد قدرت حالتك حين قدومك ولم أتحدث معك بشأن اقتحام غرفة العمليات والذي ليس مسموح به مطلقًا، لم أعترض على تدخلك في عملنا وإصرارك على حمل أخيك رغم أن هذا الأمر يعد تصرف غير مهني مني لكن انهيارك بمصاب أخيك جعلني أتفهمك لأني أيضًا لا أملك من الدنيا سوى أخي د، لم أتحدث معك في الشق الجنائي والذي يعد مسؤولية على المكان في حين وصول حالة محاولة انتحار لكن أكثر من هذا لن أستطيع من فضلك سيطر على نفسك قليلًا "
كان ليل يتنفس بقوة وعينه لا تفارق أخيه ليقول بغضب شديد
" أنا لن أستطيع فعل ذلك حتى أفهم ما يدور، ألا تدرك هول ما يحدث، لقد كدت أن أفقده بسببها "
استدار مؤمن ينظر ليهدين فتراجع رجال الأمن في اللحظة التي دخل بها طاهر الغرفة يقول:
" هل الجميع بخير "
أجابه ليل "
ليس قبل أن أفهم ما يحدث"
اقترب مؤمن من يهدين وقال بحدة :
" من أنتِ، ولما تسللت إلى المكان "
بدأت يهدين تعاني أكثر وهي تنكمش على نفسها وتدفع نفسها تجاه الحائط كأنها تريد النفاذ بداخله وهي تصرخ ليعقد مؤمن حاجبيه وهو يسأل بانفعال
" ماذا فعلت بها "
قال ليل:
" لم أقترب منها حتى لكن هذه التصرفات لن تكون مخرجًا لها من الأمر، ما تفعله لن ينطلي عليّ "
قال طاهر وهو يقترب ويجلس أمام يهدين ثانيًا ساقيه
" اهدأ يا ليل الفتاة تبدو مرعوبة …لا يبدو لي أنها تدعي، اهدأ أرجوك "
قال ليل حين دخل حذيفة
" سؤال واحد وسأرحل عن هنا تمامًا…سؤال أريد إجابته حالا …من الذي دفعها لتفعل ذلك بأخي ولأجل ماذا "
كان فخر قد استعاد بعضًا من وعيه وفتح عينيه متألمًا يحاول الحركة وهو يهمس
" ليل "
فأسرع حذيفة نحوه يقول:
" لا تتحرك، ستؤذي نفسك، فخر استرخي "
صوت حذيفة عبر نحو يهدين كطوق نجاة جائها بعدما فقدت الأمل، كم هو مخزي أن تنهار هكذا وتضع نفسها بهذا الموقف بسبب مشاعر كان عليها وأدها بين شغاف القلب قبل أن تستفحل لذلك صرخت بكل ما تحمله من خزي وقهر وحرقة
" حذيفة "
تجمدت يد حذيفة التي كانت تتعامل مع الأجهزة المحيطة بفخر غير مستوعب لما سمعه حتى ظنّ أنه يُخيّل إليه فأدار عينيه ببطء شديد تجاه طاهر لتعود لتناديه تطلب نجدته بحرقة وانهيار وهي تقول بصوت مهتز
" حذيفة "
حينها فقط تحرك مسرعًا تجاهها فوقف طاهر بصدمة يفسح له المجال ليقترب منها بينما فخر الذي استعاد وعيه كان قد بدأ يتابع المشهد بعدم إدراك لما يدور، جذب حذيفة ذراع يهدين بقوة يوقفها على قدميها يتأملها بذهول قبل أن يسرع في جذب الباب المفتوح يبعده عن الحائط ويدفعها لتدخل في مثلث أضلعه الحائط والباب وهو يقول لها بصدمة " ماذا يحدث"
لكن قبل أن تجيب هدر ليل
" هل تعرفها "
قال له حذيفة بحزم
" توقف عن الصراخ إنها خائفة، هذه الفتاة مؤكد دخلت غرفة فخر عن طريق الخطأ، من المستحيل أن يكون لها علاقة بما حدث له "
قالت يهدين ببكاء وخوف
" أرجوك خذني لحكم أو أعطني هاتفي لأطلب منه القدوم من أجلي "
حادت عينيها تجاه سرير فخر لتجده ينظر لها بعيون مصدومة تحجرت بها الدموع ومشاعر مخيفة فسارعت تعطيه ظهرها لا تريد له أن يمقتها أكثر فتسمعه يسأل بصوت خرج منه بلا روح
" ليل ، ماذا يحدث"
حينها نظر له ليل بحزن شديد وخيبة أمل وانهاك وقال:
" لا شيء سوى أن من فعلت بنفسك كل هذا لأجلها قد ظهرت، لم تكن خيال …لم تكن سوى فتاة تتلاعب بك على ما يبدو "
وضعت يهدين جبهتها على الحائط البارد تبكي بنحيب بينما ينظر فخر بصدمة للجسد اليافع الواقف خلف الباب معطيًا إياه ظهره …ليقول حذيفة
" لا تضع استنتاجاتك لشيء لم تتيقن منه يا ليل، أنا واثق أن …قاطعه ليل قائلًا وقد بدى أنه لم يعد يملك أي مساحة للغضب أو غيره
" لقد خيبت أملي وأوجعت قلبي وهذان الأمران لن أتخطاهما بسهولة، خذ وقتك في التعافي سأرسل سمراء لتهتم بك "
سارع فخر يناديه بحرقة
" ليل …ليل أرجوك "
لكن خطوات ليل كانت قد انطلقت دون توقف تسارع به إلى مكان يسمح له أن يعدل به أكتافه ناعيًا هزيمته النكراء، بينما بالغرفة قال حذيفة ليهدين " دعيني أخرجك من هنا " تكلم مؤمن قائلًا:
" حذيفة خذ الآنسة لأي غرفة حتى تهدأ ونستطيع فهم سبب وجودها بالمكان وكيف تسللت إليه وبعدها يمكنها الرحيل " قال حذيفة معترضًا
" لكن …
قاطعه مؤمن قائلًا:
" دون لكن أرجوك يكفينا جدالات لهذا اليوم "
قال حذيفة وعقله يعمل بسرعة محاولًا البحث عن مخرج ليهدين
" حسنا ولكن أفسحا الطريق لكي تعبر "
تنهد مؤمن يقترب من فخر الجامد بنظرات متألمة يسأله
" هل أنت بخير"
لكنه لم يجبه وهو يراقب ذلك الجسد الذي يتحرك في ظل حذيفة بقرب دفع بأوردته جموح غاضب لم يجتاحه من قبل، انحنى حذيفة يلتقط هاتفها ويضعه بجيبه
بينما رفعت يدها تجذب قلنسوة السترة الضخمة التي ترتديها على وجهها أكثر فتأمل يديها شديدة البياض بشيء من المشاعر الممزوجة بمشاعر أخرى تعاكسها في كل شيء، لتنفر عروقه بشكل واضح وهي تبتعد بخطوات تفر مسرعة
ليغمض عينيه مستوعبًا أبعاد الدوامة التي علق بها وهو يحصي خسائره فيجد أنه خسر خسارة فادحة تتمثل في شيئين ليل وقلبه.
༺༻
بمنزل تولين كانت بتول تجلس بتحفز في مواجهة بشر الذي لا يُعدّ سوى أول وأهون مواجهة في قائمة مواجهات كثيرة عليها خوضها لتكمل الطريق الذي اختارته، لقد أخذ التفكير منها وقتًا كبيرًا ومرهقًا لكنها في النهاية حسمت ترددها بأنه قد حان الوقت لتقطع أحبال الخوف التي كبلتها لسنوات وتعود لتواجه واقعها البشع وهي واضعة قرار واحد نصب عينيها إما أن تغلق الباب هذه المرة وتنجو بنفسها وبفيلو الذي لا تعلم حتى الآن حقيقة تورطه بالأمر أو تموت أخيرًا منهية قصة هروب وضياع طالت أكثر مما ينبغي، طالت حتى أصبحت كل تفاصيلها كنصل صديء مغروس بخاصرتها، لذلك جلست أمام بشر بثبات تسمعه يقول:
" أنا فقط لا أفهم كيف خرجتِ من المطار رغم أنك مطلوبة، هل سافرتِ بشكل غير شرعي"
أجابته بتول
" لم يكن أمامي حل آخر متاح ، لقد طلبت المساعدة من صديق عربي لفيلو ورغم صعوبة الأمر لم يتوان عن تنفيذه، والمهم أني هنا الآن " قال لها بشر:
" حسنا بتول رغم كون حديثك غامض لا أستوعبه، صدقيني أنا لن أتأخر عن مساعدتك ومساعدة فيلو مطلقًا لكن على الأقل وضحي لي أكثر المطلوب مني "
مالت بتول للامام وهي تقول له
" بشر أنا في مصر لأبحث عن شيء يخص الماضي، شيء ربما هو سبب ما يحدث الآن، أنا لست واثقة بعد مما سوف أفعله لكن لدي معلومات تستطيع اعتبارها الخيط الوحيد الذي تمسكت به منذ شهور " سألها بشر
" معلومات عن ماذا تحديدًا، وكيف لماضيكي أو شيء داخل مصر أن يكون له علاقة باختفاء فيلو، كوني واضحة أكثر بتول، فنحن آخر مرة تحدثنا طلبتِ مني البحث عما يربط كارما بفيلو ورغم صعوبة البحث خلف أمر كهذا لأن الطرفين ليسا بالهين البحث خلفهما إلا أنني حاولت لكن محاولاتي لم تُسفِر عن شيء، عامر أخو كارما الذي كان يستميت للتواصل مع تولين الصغيرة من فترة انقطعت أخباره تمامًا وكان هو الطريق الوحيد الذي قد أصل إليه بأي معلومة تخص كارما"
قالت بتول:
" ليس الطريق الوحيد يا بشر، لقد فكرت كيف سأدير معك هذا الحوار طوال رحلتي إلى هنا، حاولت كثيرًا إيجاد أسلوب هين لقول ما سأقول لكني حقًا لم أجد لذلك أتمنى منك أن تتفهمني ويسع صدرك حديثي لأن حياة فيلو قد تكون مرتبطة بهذا الأمر "
عقد بشر حاجبيه بتوجس وسألها بهدوء
" أي أمر "
فركت بتول كفيها وقالت " عادل زوج تولين السابق هل تعرف هويته الحقيقية " توسعت أعين بشر بصدمة وقال:
" ماذا …بتول من فضلك توقفي، ما الذي تحاولين فعله هنا، هذا الأمر لن نتبادل به الحديث مطلقًا، لن نفتحه كأمر كارما تمامًا، تولين لا يجب أن تكون طرفًا من شيء غامض مجددًا هل تفهمين "
وقف بشر بتوتر فقالت بتول بقلة حيلة ويأس
" أنا أدرك جيدًا سبب أسلوبك الحاد لكن صدقني أن تتعاون معي الان لهو أفضل بكثير من أن يأتي يوم تكتشف فيه أن الماضي لم ينته، وأنت و زوجتك بخطر …بشر تولين هي الشخص الوحيد الذي يجمعه علاقة بكارما وعادل، عادل الذي يعد والده رجل من عالم مظلم استلزم القضاء عليه وقت ومجهود وتكاتف ما بين أمن الدولة بمصر والسيد جواد بأمريكا، السيد جواد الذي ربما نكتشف أن له دور بما يحدث الآن "
هدر بها بشر قائلًا:
" هل أنت واعية لما تقوليه، أنا من يقترب من زوجتي سأمزقه بيدي العارية، توقفي عن دفع اسم تولين وسط هذه المعمعة، بتول إن كانت هذه طريقة منك لدفعي لمساعدتك توقفي حالًا لأن مسار الحديث بات غير مقبول "
وقفت بتول تقول بصدق
" أنا لا أحاول ابتزاز عواطفك تجاه زوجتك يا بشر، أنا أتحدث في أمر أصبح الآن واقع مخيف يعود للسيطرة علينا، أنا لن أخفيك سرًا وصولي مصر قد يكون به موتي لكن من كثرة الضغط الذي أعايشه منذ رحيل فيلو حقًا أنا ما عدت أهتم سوى بانقاذه مما هو فيه، الأمر بات كحلقة متصلة كلما مر الوقت دون إدراكها قد تصبح مقصلة حول أعناقنا، أرجوك أنا لا أحتاج منك سوى معلومات تجعلني أدرك خطوتي التالية وحماية لكي أستطيع إكمال طريقي لأطول وقت ممكن " هز بشر رأسه وقد توغل الخوف إلى صدره وقال:
" ما تطلبيه صعب وما تقوليه غير منطقي هذه الدائرة من ربطها ببعضها أعطني دليلًا واحدًا على وجود علاقة بينهم …عمي جواد …وكارما و…أغمض بشر عينيه يصعب عليه ذكر عادل أكثر مما يصعب عليه ذكر كارما كثيرًا، فهو وإن حمل الكره لكارما فتولين لا تحمل لذلك الراحل سوى المحبة، سارعت بتول تقول:
" أنا أيضًا شعرت بالاضراب للوهلة الأولى حين سمعت هذا الحديث لكن بعدها بدا كل شيء منطقي وكل المنطق قابل لكونه لعبة خبيثة "
قال بشر بضغط رهيب يمزق أعصابه
" ماذا تقصدين، أنا بت ضائع في حديثك "
قالت له وهي تحرك رأسها كأنها تحاول تذكر ترتيب الأمور كما تعتقد أنه حدث
" هناك حلقة مفقودة هي ما تجعل استيعاب الأمر صعب علينا، لكن ببساطة …كل شيء مرتبط ببعضه بشكل أو بآخر، دعني أبحث عنها أرجوك فليس من المنطقي أن أتجاهل كل ذلك وأمضي " فرك بشر جبهته بتعب ثم دار حول نفسه وهو يقول
" حسنا أعطني رابط واحد قد يشعرني أن ما تقولينه به لمحة من المنطق "
صمتت للحظة ثم قالت بتعب
" حسنا أنا أشك أن جواد الصالحي تغاضى عن ماضي فيلو عامدًا وتركه يدخل بينكم، في نفس الوقت الذي تخلص فيه من حشاد ليأخذ فيلو المكان الذي كان يسعى إليه والد عادل، عادل الذي نفذ من الموت بأعجوبة ليصل في النهاية إلى تولين في صدفة لا تكاد تقترب من المنطق في شيء، تولين التي سعت كارما لتتخلص منها كما سعت لتتخلص مني، لتكن النهاية أن يتزوجني فيلو ويكشف تفاصيل حادث تولين التي لم يدركها سواه، هل فكرت لما وحده من حل هذا اللغز، صدقني كارما كانت تخطط لأمر كبير وهناك من كان يدفع خطواتها ويوجهها لتصل إليّ ثم إليه ثم إلي تولين "
كانت بتول تتحدث بنوع من الهستيريا التي جعلت بشر يصرخ بها
" توقفي"
قالت ببكاء
" لن أتوقف، لم يعد ذلك متاح علينا أن ندرك من كان خلف كارما ونفهم أين ذهب فيلو….
التفت الاثنين على صوت سقوط الصينية من يد تولين التي وقفت تناظرهما بجمود قبل أن تقول:
" ذلك الاسم لا أسمح لكِ بذكره في منزلي أبدًا… أبدًا " تحرك بشر نحوها لكن تولين كانت قد أطلقت قدميها تجري دون وجهة محددة ليقف بشر ويلتفت لبتول بعصبية قائلًا:
" اجهزي حالًا لنذهب لمأمون، ما دمت ترين الأمور بهذه الطريقة إذا لنطرح وجهة نظرك عليه فلربما كان لديه حديث آخر "
ثم عبر فوق الزجاج المنثور يتبع تولين لتسقط بتول جالسة فوق الأريكة باجهاد تفكر أنها بوصولها لمأمون ستكون قد أطلقت جرس انذار على الجميع أن يستنفر له.
༺༻


كيف بربك أن تربط قلبي بمشاعر أبدًا لم تنطق، وتحدثني بكلمات صامتة لغير هوانا لم تخلق، وتلمس يدي وبيننا مسافات كأنك تتحدي المنطق، وتتبعني وتجاورني وتتقدمني في كل إتجاه تحاصرني كأنك في عمري الفيلق.
كيف وقد كذب جميع البشر لوحدك في أمري تصدق، وتأتيني بلا موعد كفيض بالنبض تدفق.
ثم تحلق في سمائي كسحاب ممتد أزرق
معجزة أنت قد حلت بروح رجل قد أخفق
قد ظنّ أن الحب آتاه وسكن كيانه وتعمق
قد ظل زمانًا يتألم وحان الموعد ليحلق.
༺༻
مرت عدة أيام منذ أن وقفا أمام الموت عُزل مستسلمين لما تحمله الأقدار، الرصاص كان يحلق فوق رؤوسهم كما لو أنه الألعاب النارية التي تنطلق في الإحتفالات والمشاهد المروعة من حولهما كانت تزداد حدة وبشاعة بشكل يجعل الأمل في النجاة محض أوهام، وبأعجوبة تمكنا من تخطي هذه اللحظات لكن ليس بدون إصابات بالغة، فكم كان من المستحيل أن يعبروا ذلك الوادي متسلقين تلك الهضبة دون أن يتعرضوا للخطر ويشارفوا على فقد حياتهم مرات لا تحصى ولا تعد، وقفت أصالة أمام المرآة الموضوعة بحمام غرف إحدى أفخم مستشفيات مدينة مطروح تتأمل وجهها الذي حرقته الشمس تمامًا وشعرها الذي تأذى كثيرًا خلال رحلتها فأصبح مقصفًا هائشًا وشفتيها الجافتين اللتان تغطيهما القشور بخيبة شديدة فهي أصبحت تشعر أنها فقدت في تلك الرحلة حتى أنوثتها البسيطة، ضغطت أصالة بانفعال على زجاجة الصابون السائل تفرغ في يدها كمية كبيرة ثم تفتح صنبور المياه وتبدأ في غسل وجهها بعنف تحاول إزالة هذا المنظر المؤذي لعينيها ولإحساسها بذاتها ولكن لم يكن هناك تغيير يذكر، ظلت تعيد الكرة حتى ابتلت أكمامها وصدر قميص رائف الفضفاض الذي ترتديه لتتوقف فجأة وهي تسمع باب الغرفة الخارجي يفتح تبعه صوت أنثوي مائع النغمات في أذنيها وان كان الواقع غير ذلك، فأسرعت تغلق الصنبور وتجفف يدها ووجهها ثم تلف الطرحة حول رأسها بإهمال وهي تسرع نحو الخارج لتجد رائف الذي يجلس على السرير باعياء شديد بعد مروره بعملية جراحية لاستخراج رصاصة اخترقت أعلى فخذه يقول للممرضة
" هل سأحتاج الكثير من الوقت قبل أن أستطيع الوقوف على قدمي مجددًا "
ابتسمت له الممرضة وقالت:
" هل بهذه السرعة شعرت بالملل منا، على كل حال هذا ليس شعورنا تجاهك "
ابتسم رائف وقال:
" أبدًا أنا لست متعجل ولكني أطمئن، فالبقاء هنا هو أفضل ما حدث لنا منذ فترة ، الحمد لله " عقدت أصالة ذراعيها على صدرها ووقفت تتأمله بغيرة تزداد كلما شعرت أنها أصبحت دميمة لا تقارن بأي أنثى قد يراها، فاقتربت الممرضة منه تقول:
" دعنا نقيس الضغط ومعدل ضربات القلب لنطمئن عليك وعلى قلبك، أعطني يدك " تنهد رائف قائلًا براحة:
" أنا بخير، وقلبي أيضًا بخير"
اتسعت ابتسامة الفتاة وقالت وهي تشير لأصابعه:
" لقد لاحظت أنك لست مرتبط ألهذا قلبك بخير "
لم يكن رائف واعيًا لمناغشات الممرضة ففكره كان شاردًا في أخرى اقتربت تقول بصوت أفزعه:
" أجب سؤال الآنسة يا رائف، فهي تبدو مهتمة بك "
التفت لها رائف بعينيه ليحيره عبوس محياها فيسألها
" ما بكِ عابسة "
قالت أصالة بانفعال:
" أنا هكذا عابسة على الدوام من الطبيعي ألا يعجبك ذلك " قالت الممرضة بخفة ممزوجة بانوثة أشعلت صدر أصالة
" أخوكِ يا آنسة ملفت للنظر، أتبحثون له عن عروسة فأنا بنة حلال وتعبت من هذا العمل "
توسعت أعين أصالة بصدمة كبيرة وقالت:
" ها هو عندك اشبعي به لن يقف أحد بطريقك "
استغربت الممرضة الرد ونظرت باستغراب لأصالة التي كانت تدب قدميها بالأرض وهي تبتعد ليوقفها صوت رائف يقول:
" أصالة انتظري، إلى أين أنت ذاهبة "
أجابت بصوت به حدة
" سأذهب لأطمئن على آدم بغرفة العناية هل لديك مانع " أجابها بعبوس
" لا ولكن أشعر أن بكِ شيئ غريب دعينا نتحدث "
قالت أصالة:
" في وقت آخر لكي لا أقاطع حديثك مع الآنسة، خذ راحتك كأني لست موجودة بالمرة " عبس رائف من حديثها الغير مفهوم وقال:
" لا تخرجي حتى نتحدث، اقتربي هنا لأفهم ما يحدث معك "
قالت له بانفعال:
" لن أقترب، ساتركك لتطمئن على دقات قلبك الغير مرتبط " ثم أمام نظراته المحذرة خرجت من الغرفة لتسأل الممرضة بحرج "
هل الآنسة أختك تتصرف بغرابة هكذا على الدوام، لولا تأكيدك لإدارة المشفى حين قدومكما عن كونها أختك لظنتتها زوجتك
" قال رائف بصدمة
" زوجتي !!!"
أكدت الممرضة قائلة وهي تباشر تغيير المحلول الملحي الموصول بوريده
" نعم فتصرفاتها واضحة جدًا، إنها تغار "
تجهم وجه رائف كأن الممرضة أهانت أصالة فقال بدفاع
" تغار ممن ، أصالة لا تغار من أحد "
قالت الممرضة وقد انتهت مما تفعل
" أختك تغار عليك كما لو كنت حبيبها، إنها تجلس طوال الليل بجوار الباب لتمنع الممرضات من الدخول لك وأنت نائم، وطلبت تغيير طاقم التمريض الخاص بك إلى ذكور لكن للأسف لم يكن الأمر متاح، كما أنها تتعامل بعدوانية مع كل من يقترب منك كأنها تقول أنك تخصها وحدها وتحذرنا من الاقتراب، تعلقها بك غريب على كونها أختك "
بدت الصدمة جلية على وجه رائف لتقول الممرضة بابتسامة
" هل تحتاج مني شيء، أنا سأتواجد لأجلك بالخارج حتى تتغير المناوبة بعد ساعتين " هز رائف رأسه دون أن ينظر لها فتحركت الممرضة تجاه الباب ليوقفها قائلًا
" من فضلك أغلقي الأضواء من حولي "
نفذت الممرضة طلبه ظنًا منها أنه يريد أن يحظى بالقليل من النوم وخرجت مغلقة الباب بهدوء ليتنهد رائف بعمق وهو يهمس بحرقة وخوف
" تغارين على من، ومِنْ من …وأنتِ قد ملكت القلب من أقصاه إلى أدناه، إنّ النبض سار يحدد من عثرات خطاكِ، فماذا بربك تنتظرين أكثر من ذلك "
༺༻
دخلت أصالة قسم العناية المركزة وهي تبكي بحرقة حتى إن بكائها لفت لها الأنظار فاقتربت منها الممرضة التي ترعى آدم وقالت
" هل جئت لرؤية صغيرك، أنه بخير، لقد نام منذ قليل والطبيب سيمر عليه بعد نصف ساعة، يمكنك انتظاره هنا ليخبرك بآخر تطورات الحالة لكي تطمئني …وحدي الله، الطفل بخير واحسن حال لا داعي لانهيارك هذا "
قالت لها أصالة بصوت متقطع:
" هل يمكنني رؤيته "
قالت الممرضة:
" من خلال الزجاج فقط لكن الطبيب المسؤول عن الحالة لن يتأخر، يمكنك انتظاره معي لعله يسمح لك بالدخول له " ألقت أصالة نفسها على أحد مقاعد الممر بقهر شديد لتشعر الممرضة تجاهها بالشفقة وتقول:
" ما بكِ اليوم، تبدين منهارة أكثر، لقد كنتِ متماسكة ليلة وصولكِ إلى المشفى رغم حالتكِ المزرية حينها عن الآن، لا أظن الأمر يخص الطفل، احكيلي يا حبيبتي أنا بمثابة أختك، أفضي لي بما يضايقك لعلكِ ترتاحين "
لم تكن أصالة لتتمنع على عرض كريم مثل هذا فهي تحتاج بشدة أن تحدث فتاة عما تعانيه، لن يفهم ما بها سوى إمرأة مثلها لذلك اندفعت تقول " منذ وصولنا المشفى وهو تغير كثيرًا ، يُحدّث هذه ويبتسم لهذه، ويكون لطيف مع هذه، ويسمح بتمادي الممرضات معه، هل أنت مرتبط، هل قلبك خالي، هل تريد عروس كأنه تناسى وجودي …كأني غير مرئية له، لا يجيد فعل شيء معي سوى إلي أين …مابكِ…هل أكلتٓ …هل شربتِ …أريحي جسدك ..لا تبتعدي كأني طفلة يراعيها، أنه حتى دفعني لأقيم فحص شامل دون أخذ رأيي كأنه لا يراني ولا يهتم "
بكت أصالة بقوة ورغم أن الممرضة لم تفهم من حديثها الكثير إلا إنها استنتجت أن بالأمر رجل فقالت:
" توقفي عن البكاء، الرجال هكذا لا راحة تأتي من خلفهم أبدًا "
قالت أصالة
" الممرضات يتهافتن على الغرفة كأن لا مريض بالمشفى غيره، هذه تبتسم وهذه تتبادل معه أطراف الحديث وكل واحدة منهن سعيدة ببياض وجهها ونعومة شعرها انعدمت الاخلاق، هل تظنين أني دميمة"
قالت الممرضة باندفاع
" لا تقولي هذا، أنت فتاة جميلة …لا تهتزي أمام ميوعة الفتيات هنا فأنا أعلم جيدًا هذه الحركات لكن نصيحة مني اهتمي بنفسك قليلًا، اجمعي مبلغ حتى ولو بسيط واذهبي إلى عيادة التجميل الملحقة بالمشفى وستدعين لي، ستدخلين واحدة ستخرجين أخرى، أنتِ لا ترين سيدات المجتمع اللاتي يتوافدن عليها، قشري وجهك، اهتمي بشعرك، قومي بجلسات ليزر وعناية بالبشرة وبعدها ابتاعي بعض الملابس وصدقيني لن يلتفت هذا الأبله لأنثى غيرك "
عبست أصالة وقالت بحدة:
" لا تقولي أبله، من فضلك لا أسمح لك "
رفعت الممرضة حاجبها وقالت:
" عجائب، أليس هذا الذي كنتِ تشكين منه بحرقة الان "
قالت أصالة:
" نعم أنا من تشكي لكن أنتِ ما علاقتكِ بالأمر، أتعلمين أنا مخطئة أني تحدثت معكِ، لا ابله سواكِ "
شهقت الممرضة بصدمة من ردها المهين وهي من كانت تحاول تهوين الأمر عليها فيما تحركت أصالة بالممر تخرج من جيب السترة الرجالية التي ترتديها رزمة ملفوفة من الدولارات قبل أن تقف أمام لوحة ضخمة تشرح أقسام المشفيى وتقسيم الطوابق فترفع عينيها تبحث عن عيادة التجميل وحين وجدت رقم الطابق توجهت للمصعد وهي تفكر أنها تحتاج أن تهتم بنفسها، تحتاج أن تزيل آثار تلك الرحلة الكارثية عن جسدها ولتبقى نفسيتها أمر مؤجل حتيى حين آخر، فتح باب المصعد فخرجت أصالة تتوجه نحو الباب الزجاجي الضخم ودفعته بلطف وهي تتحسس نظارتها من فرط التوتر لتقف عاملة الاستقبال تبتسم لها بلطف وتقول:
" أهلًا وسهلًا، كيف أستطيع أن أخدمك "
وضعت أصالة رزمة الدولارات أمامها وقالت:
" افعلي لي كل ما تستطيعين فعله لأتخلص من مظهري هذا"
قالت الفتاة بتوتر:
" لدينا برنامج مكثف للعناية…
قاطعتها أصالة قائلة
" لا مانع لدي لكن لنبدأ الآن " هزت العاملة رأسها وقالت:
" سأخبر الطبيبة التي ستقوم بالكشف عليكِ أولًا لتحدد ما يناسبك، تفضلي انتظريني هنا لحظة "
همّتْ العاملة برفع سماعة الهاتف لتسألها أصالة بتوتر
" هل أستطيع شراء ملابس دون أن أخرج من المشفى، هل يوجد أحد لمساعدتي في الأمر وسأكون جاهزة للدفع مقابل خدماته"
نظرت العاملة للمبلغ الذي بيدها وقالت:
" زميلتي ستأتي بعد قليل يمكنني الاستئذان منها وشراء كافة طلباتك "
نظرت العاملة حولها ثم التقطت دفتر وقلم وقالت:
" اكتبي ما تريدين والمقاس المطلوب وسيعجبك ذوقي أعدك "
قالت أصالة بتوتر:
" أريد ملابس محتشمة ولكن أنثوية مثل الفتيات هنا، هل تفهميني "
قالت العاملة:
" بالطبع أفهمك، اكتبي طلباتك وسترين ذوقي "
تاملتها أصالة بتوتر قبل أن تلتقط الدفتر والقلم وتبتعد لتجلس في ركن قصي وتحرك القلم على الورقة لتخط أولى طلباتها والتي لم تكن سوى مصحف وسجادة صلاة.
༺༻
بعيدًا عن هذا المكان بمسافة طويلة ولكن بمدينة ساحلية أخرى وداخل مشفى أخرى كانت بهية تحاول أن تثبت لنفسها على الأقل أنها تستطيع النهوض مهما سقطت أنها بخير رغم ما حدث ورغم معاملة منذر التي تغيرت كثيرًا معها، كانت تسير بثبات ما هو إلا قشرة هشة قابلة للسقوط عنها في أي لحظة لكن ماذا بيدها أن تفعل، فما فعلته جيلان بالمشفى كان كعيار طائش إنطلق مخلفًا لغط كثير لا هي بقبل التعامل معه ولا هو بقابل للإندثار بسهولة، فالحديث حين يخرج من الشفاه يكون كالنيران التي تضرم في الهشيم يتطلبها زمن لتنطفيء وإن انطفأت تخلف دمار يبقى ما بقي الزمن، تنظر للكشف بيدها لتجد أنه قد طلب العديد من النساء استبدالها بطبيب آخر لمتابعة حملهن لتدمع عينيها بانكسار ورغم ذلك تهمس برضا بالغ
" الحمد لله على كل حال" تقدمت نحو غرفة استراحة الأطباء لتجد الطبيب الذي تحولت أغلب مريضاتها إليه ينظر لها بخبث وشماتة وهو يقول:
" طبيبة بهية لقد كنت أنتظرك لنتحدث بشأن حالة بعض المرضى الذين انتقلوا إلى جدولي، فأنتِ مؤكد أكثر إلماما بحالاتهن "
قالت بهية:
" لا بأس أنا تحت أمرك في أي وقت، لكن جميع الحالات التي انتقلت إليك حملهن طبيعي لا تعقيدات فيه، لو أن هناك ما يستحق لفت نظرك لفعلت من باب الحرص على المرضى ومن باب المهنية " اقترب الطبيب منها لمسافة لم يتقبلها جسدها فابتعدت للخلف تسمعه يقول:
" ما رأيكِ أن نحتسي القهوة معًا ونتحدث قليلًا، ارفعي هذا النقاب أظن أنه لم يعد هناك داعي له وقد أدرك الجميع أنكِ إنسانة منفتحة متعددة العلاقات"
تراجعت بهية مرتدة للخلف وقد اجتاحتها صدمة جعلتها تلتفت مسرعة لتخرج من الغرفة لكنه لم يسمح لها وهو يسد طريقها ويقول:
" لا داعي للإدعاء، ليس هناك أحد غيرنا "
قالت بهية التي استجمعت صوتها الضائع بصعوبة
" احذر مما تفعله وافسح طريقي "
قال زميلها باستمتاع وهو يحاول رفع نقابها
" وإن لم أفعل "
صرخت بهية وهي تدفعه للخلف
" هل فقدت عقلك "
أجابها بعصبية "
لا لم أفقده أنتِ فقط من تمادى في رسم دور العفة، ماذا ألا أشبه ذلك الذي هدمتي بيته وسرقتيه من زوجته، يبدو أني فعلا لا أشبه فأنا سمعت أنه يمتلك أموال طائلة
" قالت بهية
" أفسح طريقي حالًا، أنا سأفضحك وستدفع ثمن ما تفعله غاليًا"
قال لها زميلها ببرود
" حاولي أن تتفوهي بكلمة واحدة مما يحدث وحينها سأقف لاقول أنكِ من حاولتِ إغوائي وحين صددتك سعيتي لتفضحيني "
قالت بهية ببكاء
" اخرس ، فمن أنت لتقذف محصنة "
قال لها
" أنا رجل مثلي مثل غيري أحب العبث وانت متاحة إذًا لماذا لا، على أية حال ساترككِ لتفكري بالأمر لعله يجد لديك صدى، ولعلمك إن لم أستطع إرضاءك ماديًا ربما تجدين لدي ما يعوض ذلك ويرضيك أكثر "
لم تشعر بهية سوى وهي ترفع كفها لتصفعه بكل ما أوتيت من قوه قبل أن تصرخ بجنون اجتمع على أثره القاصي والداني.

بعد ما يقارب الساعتين…

كان منذر يفتح باب منزله بهيئة تجعله كمن انتهى من شجار شوارع عنيف للتو يدفع بهية بغضب شديد ثم يغلق الباب بحدة وهو يتخلص من ملابسه المغطاة بدماء ذلك الطبيب الذي مؤكد تسبب له في عاهة مستديمة وهو يصرخ بها
" هل ارتحتِ هكذا، لقد كدت أن أقتل الرجل لولا جذبوه من يدي، كدت أقتله بسببكِ وبسبب قلة عقلك وليتني قتلته "
قالت بهية ببكاء وهي ترفع النقاب كاشفة عن وجهها
" أقسم لك هو من تطاول بالحديث معي، لقد حذرته وحاولت أن أوقفه عند حده لكنه هددني إما أن أخضع له أو أن يدّعي أني أغويه "
قال منذر بصدمة كبيرة وغضب:
" تغويه !!! لماذا لم تخرجي إحدى مشارطك الطبية وتدفعيه نحو قلبه وترديه جثة هامدة، هل كل ما استطعتِ فعله هو الصراخ، ماذا أقول وأنتِ لا تجيدين شيء سوى التورط في المشاكل "
قالت بهية بانهيار:
" لقد صفعته بكل قوتي " كانت تريد أن تثبت أنها قادرة على أخذ موقف لكن منذر وأد محاولتها وهو يقول:
" حقا ..يا فرحتي بكل قرار وفعل يصدر عنكِ، بل يا فرحتي بتلك الزيجة التي لم أخذ منها سوى الخداع وإهدار الكرامة، بهية اجمعي ملابسك حالًا أنا لا أريدك حولي، اذهبي إلى منزل والدك حتي أهدأ، لا أريدك هنا "
تقطعت أنفاسها وهي تشهق بصدمة عنيفة وتقول بخفوت ذليل:
" هذا منزلي يا منذر إلى أين سأذهب وأتركه ، أرجوك افهمني لقد أخذت موقف من هذا القذر بالفعل وفعلت كل ما باستطاعتي حتى أني هاتفتك لكي لا أكون قد أخفيت عنك شيئًا "
قال لها منذر بسخرية غاضبة: " بعد ماذا، بهية توقفي عن دور البريئة حالًا ولا تزيدي غضبي، هذا الحقير لم يكن ليتجرأ عليكِ لو أنكِ من البداية كنتي صريحة معي، ما جرى اليوم وحدك السبب فيه، فلو كنتِ أخبرتني بأمر القذرة الأخرى منذ بدأت تتعقبك لسيطرت على الأمر ولم تكن لتتجرأ على افتعال فضيحة لكِ ولم يكن غيرها ليتجرأ عليكِ ويظن بك السوء "
لقد بدى كلامه منطقي لها، بدى غضبه وجنونه حين هاجم ذلك القذر صادق إلى أبعد حد وهذا دفعها لتقترب منه تمسك ذراعه برجاء وهي تبكي بشدة وتقول:
" أرجوك يا منذر، لقد أخطأت أعلم لكن نيتي كانت خيرًا، الله يعلم وانتم لا تعلمون، ليت ما بالنوايا تستطيع العيون رؤيته لكان به ما ينصفني أمامك " قال منذر بهياج:
" توقفي عن نحيبك أنا ما عدت أتحمل هذا الوضع لذلك أسلم حل أن نفترق قليلًا حتى نهدأ وبعدها سنجلس لنضع حلًا فيما نعيشه "
قالت بهية بانهيار:
" حسنا ولكن لا تعدني لأرض العزايزه، أرجوك يا منذر لا تفعل بي هذا، سأذهب لبشر وتولين أو حتى لأسمهان لا مانع لدي ف….
حينها فقد منذر البقية الباقية في ثباته وأمسك فكها بعنف وقال:
" توقفي عن ذكرها بيننا، عن الالتصاق بها، إنها تعد غريمتك في هذا الجسد وهذا القلب، توقفي فأنا أصبحت لا أفهم إلى ماذا تسعين بالضبط " أنهي حديثه ودفعها على الأريكة بعنف ثم توجه نحو باب الشقة مغادرًا تاركًا إياها تناجيه دون أمل، تستجديه أن يفهم أن وقفته لأجلها اليوم كفيلة بجعلها تحمله فوق رأسها العمر كله، وأن من يقول أنها غريمتها عاملتها باحترام لم تجده ببيت والدتها ، بكت بهية حتى بدأت عينيها تنطبق بنعاس من شدة الإرهاق ورغم ذلك لسانها بدأ يلهج بالدعاء لمنذر الذي تشعر أنه في أشد حاجته ليعود إلى الله.

༺༻

أمام شركة الشحن الخاصة بسلطان توقفت سيارة كرم الذي ظل يرمق المكان بتفكير وشرود قبل أن يفتح الباب ويترجل من السيارة وهو يتنفس بعمق ثم يزفر أنفاسه التي خرجت مشتتة ما بين خزي شديد وحزن أشد، فسلطان أعطاه درسًا
قاسيًا على روحه ليس حين كسر له ذراعه فأوجعه ولكن حين جره جرًا ليقف أمام قبر والده وهو يهدر به
" إن كنت تريد أن تحاسب شخصًا ما علي هذا الوضع، ها هو والدك حاسبه إن كنت تقدر، أسأله عن أسبابه التي جعلته يتزوج وينجب ابنة دون إخباركم، أخرج به غضبك كيفما شئت لكن أحذرك أن تقترب من فاطمة مجددًا لأني حينها سأكسر عنقك يا كرم " ثم تركه ورحل ليبقى هو وهذا القبر وجهًا لوجه كأنه يذكره بالنهاية الحتمية لصراعات الحياة الزائلة، حينها فقط شعر أنه يحتاج أن يعيد جميع حساباته ويسيطر على اعوجاج روحه وأول ما قد يساعده على ذلك هو إعادة الأمور لمساراتها الطبيعية، لذلك تقدم إلى الداخل ليقابل سيد الذي أقبل عليه مرحبًا يقول:
" أهلًا يا كرم، تفضل …هل تريد سلطان، إنه يشرف على صيانة بعض السيارات التي ستنطلق للسفر اليوم بالساحة الخلفية، يمكنك الدخول إليه، شفاك الله وعافاك ما به ذراعك"
تنحنح كرم بحرج وقال
" مجرد حادث، أنا سأذهب إليه "
ربت سيد على كتفه وهو يقول " المكان مكانك تفضل "
سار كرم يتأمل العاملين من حوله والذين كانوا في حالة استنفار كل واحد منهم يعمل بجد كأن العمل عمله شخصيًا، الجميع أصحاب مكان لا أحد هنا عامل أو أجير وفكر أن سلطان دومًا ما استطاع كسب قلوب البشر يعكسه تمامًا، عبر كرم نحو الساحة الخلفية ليجد سلطان يتسلق سيارة نقل ثقيل ويمسح بنفسه زجاجها وهو يقول لأحد الشباب العاملين لديه
" اذهب وأحضر ما طلبته منك ولا تتأخر فاليوم مكدس جدًا وليس هناك براح للمماطلة" رفع الشاب يده في علامة طاعة واسرع يخرج من المكان ليرى كرم فيقول بصوت مرتفع
" يا معلم سلطان هناك من يريدك "
وبعدها ابتسم لكرم وأكمل طريقه بينما التفت سلطان يتأمل كرم قبل أن ينزل عن السيارة وهو يمسح يديه ويقف مكانه دون أن يبادر بخطوة نحوه أو كلمة ترحيب فقال كرم وهو يقف أمامه
" أريد أن أتحدث معك لو كان لديك وقت "
قال سلطان بجمود
" لدي وقت حتى يعود الشاب دعنا نجلس بالمكتب "
سار كرم خلف سلطان يتجهان إلى المكتب الذي دخله سلطان وأغلق الباب ثم استدار لكرم قائلًا
" عساه خيرًا، لم أتوقع قدومك"
قال كرم:
" ولا أنا توقعت أنا آتي إليك لكن ما حدث بيننا كان لا يجب أن ينتهي هكذا لذلك تحتم عليّ القدوم والتحدث معك
" دار سلطان وجلس خلف مكتبه ثم قال:
" أنا أسمعك "
نظر كرم للأرض للحظات ثم قال:
" لقد أتيت للإعتذار منك عما حدث، لقد ذهبت للمحامي وتيقنت أنه بدأ في إجراءات إعلان الوراثة دارجًا اسم فاطمة في أسماء الورثة وهذا يعني أنها عما قريب ستحصل على مالها "
قال سلطان:
" ستحصل على حقها، ما أمر به الله لا يمكن للبشر الجدال فيه يا كرم "
هز كرم رأسه وقال:
" فعلًا ..فليسامحني الله، أخبر فاطمة أنه لم يعد هناك داعي لتركها المنزل هي وعيسى فلتعد إلى منزل والدها وأعدك ألا أقترب منها حتى "
قال سلطان وكل حواسه ترفض الفكرة:
" هذا قرارها، اذهب واعتذر منها وإن صفحت وعادت فهذا من كرم أخلاقها وإن لم تفعل فلها كامل الحرية لا أحد يستطيع دفعها لتفعل شيء لا تريد فعله "
هز كرم رأسه بتفهم ثم قال:
" سلطان أنا اليوم لم أت لأعتذر عما صدر مني في حق فاطمة فقط، بل جئت لأعتذر عما مضى واطلب منك مسامحتي وتخطيه كأنه لم يحدث "
تجهمت ملامح سلطان وقال:
" أغلق هذا الموضوع يا كرم، أنا لا أريد التحدث به "
قال كرم بإصرار:
" بالعكس يا سلطان فأنا أشعر أنه قد آن الأوان لنتخطى ما مضى وجئت اليوم لأطلب منك يد سارة مجددًا، أرجوك يا سلطان لا ترفض "
صمت سلطان للحظة يكظم غيظه قبل أن يقول بجمود:
" تطلب يدها مجددًا، وهل كنت طلبتها بالسابق "
قال كرم:
" أرجوك يا سلطان لأجل أخوتنا تخط ما حدث بالماضي ودعنا نفتح صفحة جديدة أعدك ألا تجد به ما يسوءك أو يحزن سارة "
قال سلطان:
" أتخطى ماذا، هل جئت اليوم لتمزح معي، أنا لن أنسى مطلقًا ما حدث يا كرم، لن أنسى حين أرسل لي عمي وطلب مني يد سارة لك فوافقت دون تردد ..دون أن أعود إليها …كنت أظن أني لن أجد لها رجلًا أفضل منك ….لقد اتفق معي على موعد عقد الخطبة وعقد القران وأنا قلت سمعًا وطاعة دون أن أسأله عن تفاصيل فنحن أهل…أختي وأخي فيما سأتحدث، وبدأت سارة تخرج مع الفتيات لتشتري فستانها وتخطط للأمر، كانت سعيدة راضية وأنا كنت كمن أخيرا شعر أنه سيسلم أمانته ليد أمينة وكل هذا كان أمام عينيك وأنت لم تتكلم نهائيا ، أتذكر من تكلم ؟؟؟؟؟
أحني كرم رأسه متهربًا من نظرات سلطان المميتة الذي أكمل قائلًا:
" عم صلاح جاءني يوم الخطبة، الرجل كان كمن وقع في فخ …محرج لا يقوى على النظر في عيني وهو يخبرني أنك تطارده بكل مكان طالبًا يد صديقتها المقربة، حتى بعدما انتشر خبر خطبتك منها، أنسى والله وان نسيت هي كسرة فرحتها وصدمتها أنا لن أنسى، ماذا تظن أني ربيتها وكبرتها وعلمتها وحافظت عليها لأتهاون في حقها والله لن يحدث أبدًا "
قال كرم بيأس:
" كانت لحظات طيش وتمرد" هدر به سلطان
" لا علاقة لي بما تقول، ولن تدفع أختي ثمن طيشك وتمردك …أخرج سارة من رأسك تمامًا فهي لم تعد لك، لا تحاول فتح الموضوع مجددًا أو الاقتراب منها، لا تعكر صفو صلة الرحم بيننا أكثر من ذلك "
قال كرم:
" ولكن سارة ….
هاج سلطان قائلًا:
" لا تذكر اسمها حتى، انساها تمامًا ولا تفقدني أعصابي يا كرم فما تجرأت أنت على فعله لم يتجرأ عليه بشر قبلك " وقف كرم وقال بإصرار لم يستسيغه سلطان:
" أنا لن أضغط عليك يا سلطان بالحديث الآن، لكن سيكون لنا حديث آخر في وقت قريب جدًا، فأنا لا أنوي على التراجع في أمر قد استخرت فيه الله وعزمت عليه "
وقف سلطان بغضب وقال:
" سأدّعي أني لم أسمع إصرارك هذا لأن ما حدث لك مني بالسابق يكفيك، ارحل يا كرم "
تصلب فك كرم وبرقت عيونه بغيظ تفاقم حتى بلغ ذروته قبل أن يستدير ويخرج من المكتب ومن خلفه سلطان ينظر لرحيله بغضب جم وأعصاب ثائرة وغضب أعمى فهو لن يتخطى له أنه وحده من تعدى على كرامة سارة …وفاطمة …
༺༻
لا بشر بلا خطيئة …وكل الأخطاء في عرف السباع سواء، فمن لا يلزم حذره في حدودهم يصنف بقوانينهم من حجافل الأعداء، ومن يتناسى أهوال ماضيهم يكن مغيبًا يتعجل غضب الأشداء، إنّ تاريخهم عامرًا بمعارك أبدعوا فيها بالمكر والارداء، فمن ذا الذي قد يسلم من إعصار إيذاء ومن ذا الذي قد يجد له منهم مفر في الارجاء، فإنّ من سقط بالفخ أصبح كمن وجب عليه الرثاء.
༺༻
الحذر حين يشتد بك أعلم أنك قد تكون مكشوف تمامًا لبعض الأعين، فهناك أعين من شدة حذرها تلتقط الحذرين من على بعد أميال لذلك كان أواب يحاول أن يتعامل بصورة طبيعية تمامًا وهو يتحرك بجوار فارس تجاه غرفة الاجتماعات داخل إحدى المنشآت الأمنية وهو يقول لفارس:
" ترى لماذا نحن هنا "
قال فارس:
" لم يبق الكثير وسنعلم لا تتعجل فهل لدينا سوى العمل، أواب أنا أريد أن أشكرك على ما فعلته مع كيان بعقد القران رغم أني لم أتوقع منها أن توافق بأمر كهذا دون تفكير، حقًا لقد فاجأتني، إنها هكذا على الدوام تتخطى التوقعات " قال أواب وشعور بالخيانة تجاه فياض يملأه
" لقد أصبحت كيان زوجتك وفي منزلة أخت لنا جميعًا وأردت أن أشعرها بالدعم، فكم هو صعب أن تشعر بالاختلاف والغربة وأنت بين أقرب الناس إليك "
قال عماد بمزاج سودوي:
" ادعوا لي أن أستطيع أنا أيضًا إقناع فاطمة بالموافقة، لقد قررت زيارتها غدًا وأخشى مما سيدور بيننا، إنها المرة الأولى التي سنتحدث بها وجهًا لوجه رغم أني أعرفها منذ زمن "
قال وائل:
" من لف حول نفسه أربعة سنوات أدخل الفتاة في القفص أخيرًا، تفاءل خيرًا وباذن الله سنسمع منك خبر سعيد بعكس ما سنسمعه بالداخل، قلبي غير مطمئن "
قال عماد:
" ولا أنا، أظن تقدمنا في قضية أرض السيد لا ترضي المسؤولين، لكن الأمر ليس بالهين أبدًا، إن الأمر متشابك ومتشعب والكثير من الأسماء متورطة به، ولا اسم منهم استطعنا جعله طرف خيط واحد "
قال فارس:
" بالعكس جميع الاسماء التي مرت عليّ تجعلني أشك أن هناك سلطة عليا تدعمهم بالخفاء، لو اتضح أن هذه قضية فساد سيكون القادم ليس سهلًا أبدًا "
قال أواب يحاول موارة قلقه
" هل تظنون أننا هنا لأن لديهم معلومات جديدة "
تقدم فارس يطرق الباب وهو يقول:
" سنرى "
جائهم صوت جهوري يقول تفضل
" دخل الأربعة يؤدون التحية العسكرية بانضباط أمام ذلك الضابط ذو الرتبة العالية والمنصب الحساس والذي بادلهم التحية وقال:
" اجلسوا لأن هناك من سينضم لكم، دعونا نناقش تطورات الوضع معكم وما وصلتم له حتى الآن"
تحرك الأربعة يجلسون على جانبي طاولة مستطيلة يترأسها ذلك الضابط الذي قال:
" حمد لله على سلامتك يا فارس، لقد سمعت أن سفرتك كانت موفقة وعدت بما ذهبت لجلبه"
قال فارس:
" الأمر لم يكن هينًا واقناعها تطلب وقت ومجهود وفراسة، فهي لا تثق في أحد وتهاب مما ينتظرها هنا لكن الحمد لله تخطيت هذا وعدت بها "
قال الضابط:
" جميل جدًا، ما خطوتك التالية …
همّ فارس بالرد ليقاطعه طرق على الباب جعل الضابط يقول " ها قد وصل "
ثم يقول بصوت حازم
" تفضل"
فتح الباب ليدخل منه شاب بملابس ملكية أنيقة يحمل حقيبة بها حاسوب محمول على كتفه ويؤدي التحية العسكرية وهو يقول:
" أسف على التأخير "
أجابه الضابط
" بالعكس لقد جئت في موعدك تماما يا ودود، تفضل لتتعرف على المجموعة التي ستنضم إليها "
ثم نظر للجالسين وقال:
" المهندس ودود يعتبر من أكفأ العاملين لدينا، أنه ذو خبرة وحنكة وهذا سيساعدكم كثيرًا في الفترة القادمة، ويوجد لديه ما بخبركم به " أخرج أواب جهازه من الحقيبة بسرعة ومهارة ثم سارع يغلق الضوء ويقف أمام شاشة كبيرة وهو يقول
" ملف أرض السيد من أقدم وأخطر الملفات الموجودة لدينا وهذا لأنه فتح في العشرين عام المنصرمة وأغلق أكثر من ثلاثة مرات دون الوصول إلى أي شيء يساعدنا لندرك مهية هذا الكيان وتوجهاته، كل ما لدينا لا تتعدى كونها عمليات مبهمة ارتبطت ببعضها بسبب وشم متشابه ظهر مصادفة على رسغ أشخاص متفرقون في أزمان متفرقة ما يجمعهم داخل هذا الملف معًا هو ظهورهم من العدم ليتحولوا إلى شخصيات ذواتِ سلطة وتأثير، الفكرة أن دائرة الشك التي نعمل عليها جمعت أسماء حساسة في مناصب حساسة أيضًا وهذا جعلنا نتأنى في البحث ولكن حتى الآن لا شيء مؤكد "
قال أواب:
" كل هذا نحن ندركه لا جديد، ما تقوله فعلًا يجعل خطواتنا في هذه القضية بطيئة جدًا"
قال ودود:
" ما سأعرضه الان يمكنكم إعتباره طرف خيط مؤكد " أظلمت الشاشة لتظهر عليها صورتان الأولى جعلت فارس يضيق عينيه بصدمة والثانية جعلت أواب يرتبك فقال قائدهم " هل تعرف أحدكم على واحدة منهم "
قال فارس:
" نعم ملاك لدي معرفة سابقة بها، إنها فتاة انطوائية هادئة لا أعرف كيف سيكون لها علاقة بمثل هذه القضية "
قال الضابط
" والأخرى "
تأملوا جميعًا الجسد الضعيف المتواري في ملابس رجالية فضفاضة دون أن يظهر منها شيء وقال عماد:
" ملامحها مخفية تمامًا "
قال ودود:
" هذه تحديدًا تعد خطرًا كبيرًا على أمن الدولة، إنها لديها القدرة على اختراق أي نظام أمني والتلاعب بالمعلومات وهذا يجعلنا كلما وصلنا لشيء نعود لنقطة الصفر، نحن مخترقون لذلك في هذه القضية لن نستخدم سوى الأوراق وعقولنا وسنسعى خلف هذه الفتاة لأنها حين تكون بين يدينا، سنكون حللنا نصف هذه القضية ولا يتبقى سوى النصف الاصعب "
أظلمت الشاشة مجددًا وظهرت هذه المرة أكثر من ثمانية صور جعلت فارس يحرك رأسه بعدم اقتناع أما أواب فسقط قلبه بين قدميه.
༺༻

في نفس الوقت كان رجال حكم قد أبلغوه بحادث فياض المروع فسارع دون تفكير نحو المشفى التي نقل إليها وهو يشعر أن تقاربهم الذي زاد في الفترة الأخيرة مؤكد سيلفت إليهم الأنظار وسيتسبب في الكثير من المشاكل الذي لا يعرف كيف سيسيطرعليها، الكوارث التي تضخمت وتفاقمت دون سابق إنذار كانت كأنها إشارات تنبهه إلى ضرورة الحذر أكثر وأكثر فلو اختل ذلك التوازن الذي ظل محافظًا على أرواحهم منذ سنوات ستصبح حياتهم جميعًا على المحك، ركض حكم ما بين الأروقة والخوف والقلق ينهشان صدره ليقف خلف الزجاج بصدمة يراقب فياض الذي شعره يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يصعق بالكهرباء مرة بعد مرة فلا تقبل الحياة أن تعود إلى قلبه الذي لا يعرف هل هو من قتله أم كيان أم جميعهم، ضم حكم قبضته بانفعال وضرب الزجاج وهو يصرخ
" هيا …هيا يا فياض، لن تكون هذه الموتى التي تليق بك، هيا عد، هيا "
تحرك حكم تجاه باب الغرفة الذي كان موصدًا من الداخل حاول فتحه بعنف وحين لم يستطع أسرع عائدًا نحو الزجاج وهو يصرخ "
تنفس يا أسدي …هيا، لن نموت هكذا، نحن لسنا مثل بقية البشر "
بدأت نظرات اليأس تلوح على وجه الأطباء من حوله وهم يهزون رؤسهم ويتهامسون في صورة أفزعته فطرق على الزجاج من الخارج يحثهم على إكمال عملية إنعاشه التي لم يتوقفوا عنها فعليًا، ليعد أحدهم بصوت مرتفع قبل أن يصدم الآخر صدر فياض لتعود إشارات النبض التي غابت لثواني ورغم ضعفها كان هذا كفيل ليجعل حكم يتنفس الصعداء وهو يدرك أنه مازال حي ويستدير محنيًا رأسه يستجمع كل قوته ليجد باب الغرفة يفتح والطبيب يخرج منها فسارع يسأله
" ما حالته "
قال الطبيب بتأثر
" جسده متضرر بشدة، مؤشراته الحيوية ليست جيدة ولقد قمنا بكل ما نستطيع لكن فرصة نجاته تكاد شبه معدومة، آسف ولكن مهنيتي تحتم عليّ الصراحة فيما يخص حالته "
قال حكم بقوة وجمود
" أنا سأنقله الآن إلى الخارج أعده للسفر وقم بالاجراءات اللازمة"
قال الطبيب برفض
" حالته لن تسمح بذلك "
قال حكم:
" بل ستسمح وسيعيش، أنا خير من يدرك أننا لم يقدر لنا موت سريع وسهل كما البشر لذلك نفذ حالًا دون مماطلة" قال الطبيب:
" لكن ….
هدر به حكم بصوت جمد الدماء بعروقه
" دون لكن، أسرع فهذه الدقائق هو أحق بها "
حرك الطبيب رأسه بطاعة وعاد إلى الغرفة مسرعًا فيما التفت حكم لرجاله وظهر على ملامحه التجهم والتفكير العميق قبل أن يقول
" اسمعوني جيدًا "
تاهبوا جميعًا أمامه فهم باملاء أوامره لكن قاطعه رنين هاتفه ليجيب مسرعًا على رقم يهدين التي ظن أنها أفضل من ترتب لسفر فياض ليتفاجيء من صوت حذيفة يأتيه قائلًا:
" حكم تعال إليّ حالًا، تعال لتخرج يهدين من هنا"
حرك رأسه بغضب وتمزق ينظر لفياض الذي يستعد للسفر ثم يستدير للممر الذي سيأخذه نحو الخارج وبسرعة قال لاثنين من رجاله
" ابقيا هنا، لا تغفل عيناكم عنه حتى أعود ثم انطلق ومن خلفه باقي رجاله يفكر فيما قد يكون حدث مع يهدين، يفكر وما يحدث من حوله يجعله متيقن أن الأمور لن تعد مثل سابق عهدها.
༺༻
بالمركز الطبي دخلت سمراء تهرول حتى وصلت إلى غرفة فخر وفتحتها باندفاع لتجده يجلس على طرف السرير بوهن يضم معصمه المبتورة إلى صدره وكفه الأخرى تتمسك بعمود حديدي يحمل محلول ملحي موصول بها، ويبكي بصمت وعينيه تدور من حوله بحثًا عن أخيه لتقترب من قائلة:
" ماذا حدث، لقد هاتفني ليل وأمرني بالقدوم إليك ثم أغلق الهاتف دون أن يخبرني عن مكانه "
قال لها فخر:
" أظن أنني خسرته، لقد ألمته بشدة لكني لم أقصد أنا كنت خائف ومتعب "
قالت سمراء وهي تربت على ذراعه برفق "
ليل طيب وقلبه كبير وسيسامحك لكنه الآن غاضب، بمجرد أن يهدأ سيأتي إليك وحده لا تقلق…هل ما سمعته من مؤمن صحيح، هل ظهرت فتاتك "
قال لها بحزن
" لا تقولي فتاتي، هذه المؤذية آلمتني بشدة "
قالت سمراء بتعاطف:
" هذا الألم ربما سيفيدك في المستقبل يا فخر، التجارب هي ما تصنع الإنسان صدقني، ومن هذه اللحظة اعتبر نفسك هنا في فترة نقاهة، وانسى كل ما حدث وفيما يخص ليل لا تحمل همًا أبدًا، اتركه لي وسآتي إليك به فاتحًا ذراعيه لك، ما رأيك "
ظهر الوجع الشديد على وجه فخر فقالت سمراء
" هل أنادي لك مؤمن، هل يؤلمك الجرح "
صمت للحظات لكنه بدى كمن يصارع حاله ليتكلم وقال:
" قلبي ما يؤلمني يا سمراء " تنهدت مهمومة لحاله لتتفاجيء به يقول:
" أريد رؤيتها "
عقدت حاجبيها وهي تسأله
" من تقصد "
أجابها بسخرية مريرة
" لا أعرف إسمها، لقد تحفظ عليها مؤمن باحدى الغرف، ربما إن رحلت لن أستطيع الوصول إليها ثانية أو فهم ما فعلته بي، أرجوكِ يا سمراء ساعديني واجعليني أراها" وضعت سمراء يدها على قلبها الذي دق بعنفٍ شديدٍ تأثرًا برجائه وحزنه وقالت:
" حسنا سأفعل.. لكن كيف سأفعل، أنا لا أعرف أين هي " سارع فخر يقول:
" إنها مع حذيفة أظنها تعرفه، أرجوكِ سمراء …أرجوكِ أختي "
قالت سمراء بتفكير:
" حسنا يا عيون أختك، انتظرني لن أتأخر "
تحركت سمراء مسرعة خارج الغرفة فيما بقي فخر يحدق في أثرها بألم وانكسار
༺༻
بعد قليل ….
كانت سمراء تسير بجوار فخر في الممر الممتد بين غرف المشفى وهي تدفع بالعمود الذي يحمل المحلول الملحي وتقول
" احترس أن تسقط، تمسك بهذا العمود "
قال فخر بتعب:
" كنت أستطيع إخراج هذه الإبرة من كفي والتخلص منها بدلًا من أن أسير بهذا الشكل " قالت له سمراء:
" مؤمن حذرني من أن حركتك قد تصيبك بدوار شديد ورغم ذلك رضخت لرجاءك و أكثر من ذلك لن أفعل، اسمعني جيدًا أنا سأطرق الباب وحين يخرج حذيفة سأتحجج له بأي أمر لأشغله وأبعده عن الغرفة لتدخل أنت، حاذر لخطواتك وارتكن بثقلك على العمود ..قف هنا متواريًا حتى لا يلمحك، لقد أخبرتني إحدى الممرضات أنه بهذه الغرفة" هز فخر رأسه بطاعة و قلبه يرتج بصدره بقوة كبيرة وهو يراقب سمراء التي تطرق الباب وهي تشير له ليتوارى أكثر فيخرج لها حذيفة يحدثها بهدوء بينما تقف هي أمامه مصرة في إجتذابه بعيدًا عن الغرفة وبعد عدة محاولات نجحت في ذلك فتقدم فخر بسرعة تجاه الغرفة يقتحمها دون استئذان فيسمع صوتها الذي سكن عقله دون أمل في أن يبارح يقول:
" هل وصل حكم يا حذيفة، أرجوك أريد الرحيل من هنا " لم يكن صوتًا رائقًا خاليًا من التوتر كما اعتاده بل كان باكيًا …خافتا…مرهقًا يصدر عن أنثى لا يتبين ملامحها تتكوم في وضع الجنين على أريكة مقابلة للنافذة الضخمة للغرفة ليقول بصوت موجوع:
" إلى أين بهذه السرعة " شهقت يهدين وانتفضت واقفة تنظر له بصدمة وتقول بما يشبه الاعتذار
" فخر "
ثم استدارت مسرعة تعطيه ظهرها وتجذب القلنسوة على وجهها بسرعة غير واعية أن أنه تجمد إثر رؤية جمالها الفريد، تجمد حتى أضحت المشاعر بداخله في صراع عنيف ما بين ألم وتهلل،
ما بين وجل وغبطة، كان ينشطر إثر نظرة لم تدم سوى ثانية، لتستدير لتواجهه ثانية دون خوف ولكن هذه المرة وقد أخفت ملامحها تمامًا عن عينيه فسألها
" ألن تخافي مني، قال لي مؤمن أن لديك رهاب من البشر ولا يدري أنكِ أرهبتي رجل مثلي حتى أفقدته عقله وتوازنه"
قالت يهدين ببكاء مرير
" لا يمكنني أن أشعر بالرهبة منك فخر، أنا فقط لا أشعر بذلك معك أنت مختلف وهذا ما أوصلنا إلى هنا "
قال فخر بغضب
" لا تتحدثي معي هكذا كأنكِ لم تؤذني، لا تظلي تقتربين من قلبي بصوتك، لا تشوشي غضبي منك بحديثك هذا، توقفي يا. …بالله عليكِ ما اسمك، أنا حتى لا أعرف اسمك "
قالت وهي تبتسم من بين بكاءها كأنها لا تصدق أنه حان الوقت ليتعرفا وجهًا لوجه
" يهدين، اسمي يهدين "
نطق خلفها فخر الاسم كما المسحور ثم قال بحدة
" اسمك مثلك يخترق الوجدان، إنه يليق بك، اكشفي وجهك وانظري في عيناي وأخبريني لما فعلتِ معي ما فعلت " تراجعت يهدين وهي ترفع يديها بتوتر وتقول
" سنتحدث فخر لكن وجهي لا أرجوك دعني أخبرك بكل شيء ثم أعتذر منك وأغادر " رق صوته وهو يسألها
" ما به وجهك "
قالت بصدق وهي تتمنى لو تستطيع أن تصدق معه في كل حرف
" ليس وجهي ، إنها عيناي …حين أبكي تصيرا بشعتين للغاية، لا أريدك أن تراني هكذا، بل لم أتمن أن أراك أنا أيضًا هكذا ، أنا لم أقصد إيذاءك فخر "
كأنه قد تذكر ما فعلته به للتو فهاج قائلًا:
" هل هذا كل ما لديكِ، هل هذه مبرراتك على ما حدث لي، لقد خسرت أخي بسببك ومررت بأيام صعبة ومعقدة، لماذا تركتيني أظن أني مجنون لماذا لم تظهري وتتمسكي بي حين احتجت إليكِ "
ضمت نفسها وقد أصبح واضحًا لعينه أنها ترتجف ثم قالت ببكاء:
" لم أقصد حقًا، أنا فقط أردت التواصل معك، أردت أن نقترب ونتعرف، لقد شعرت أنك قريب جدًا من قلبي لدرجة أني كلما تذكرت كيف منعتني من السقوط أرضًا لا تستنفر خلايا جسدي برفض لك، أنا شعرت أني أرتاح إليك وهذا لم يحدث لي من قبل، شعرت أني أتمنى لو كنت فتاة طبيعية لأستطيع الاقتراب منك ولقائك وجهًا لوجه دون أن أخشى أن تنفر مني وخاصة من عيناي، أنا فقط …فقط حاولت تحقيق الأمر بما تتيحه لي الظروف، لذلك لم يكن هناك سوى أن نتواصل من خلال الهاتف، لقد أحببت حديثنا سويًا .. وأفتقده كثيرًا، أنا أسفة "
كاد أن يقول وأنا أيضًا كاد أن يصف لها كيف لقلبه أن يتحول لهلام يغوص لقاع روحه ثم يقفز فجأة في حلقه من فرط الشوق لكن وجعه وخيبة أمل ليل التي تقتله جعلته يقول
" أتدرين أنكِ أسوء شيء حدث لي منذ سنوات "
أرخت يهدين رأسها لأسفل تبكي بقوة ليقترب منها ويسحب القلنسوة عن رأسها وهو يقول:
" ارفعي رأسك، انظري إليّ، كيف استطعتِ قلب عالمي هكذا "
رفعت له عينيها بصدمة فشهق مأخوذًا بها وهو يتراجع إلى الخلف مو هول ما اعتراه فتسرع هي لتعيد القلنسوة وتبتعد عنه حتى أصبح في أول الغرفة وأصبحت هي في آخرها فسألها بحرقة
" لو أنك أحببتني لما فعلت بي هذا "
غطت فمها بكفها وهي تهز رأسها تمنع قلبها من الانفجار بوحًا ليقول بحرقة
" لماذا ظهرتي الآن "
قالت وحديث فاطمة يرن في أذنيها بحزم
" لأوضح لك ما حدث وأعتذر…أنا أسفة فخر، لكن لتعلم أني كنت أتمنى لو تقابلنا بشكل آخر في زمن آخر وواقع آخر ربما حينها كانت لتكون إجابة سؤالك لدي هينة"
يا إلهي أنه يريد أن يعتذر نيابة عنها وينهي هذا الموقف المحتد لتعود بصوتها الهاديء لتتحدث إليه مرارًا وتكرارًا لكن ما تسبب فيه لليل يحول بينه وبينها لذلك همّ بالتقدم مخبرًا إياها بكم الأهوال التي عاشها لكن الباب الذي فُتِح على مصرعيه وظهر منه حكم كطود عظيم جعلها تناديه ببكاء " حكم "
تقدم حكم ينظر له بتمعن كأنه يبحث فيه عن شيء يجهله قبل أن يقف أمامها ويقول
" ليس هناك صفح هذه المرة يا يهدين، أنتِ خذلتني "
بكت بضياع عاجزة على أن تبرر أي شيء وتحركت خلفه يحاوطها رجاله في كل إتجاه في مشهد جمد فخر قبل أن يقول:
" من أنت، وكيف تقتحم الغرفة، والى أين ستأخذها " وقف أمامه حكم وهدر به بنفاذ صبر
" لا تتدخل، لا تحاول حتى أن تقترب منها "
ثارت عيون فخر وبدى أن هناك اشتباك على وشك الحدوث فقالت يهدين لحكم برجاء
" أرجوك يكفيه ما حدث له " زم حكم شفتيه والقى فخر بنظرة محذرة قبل أن يتحرك إلى الخارج وياخذها معه بينما فخر يقف دون حول ولا قوة يتأمل رحيلها بغضب، فتقترب سمراء قاطعة على حكم طريقه وهي تقول
" ماذا يحدث "
نظر لها حكم لكنه لم يكلف نفسه بالرد لكنه رمق حذيفة بنظرة تتحدث بالكثير قبل أن يكمل طريقه لتقول سمراء
" أنا أعرفه هذا حكم …حكم لا أتذكر باقي اسمه، لكنه من يطالب بحضانة رحيل، نعم هو"
التفت لها حذيفة بصدمة وقال " لا لا مستحيل أنت مؤكد تقصدين شخص آخر، هذا حكم المنصوري "
هزت سمراء رأسها بيقين وقالت:
" هو صدقني يمكنك أن تتأكد من تولين "
ثم اندفعت داخل الغرفة تطمئن على فخر الذي جلس على طرف السرير بارهاق وألم تاركة خلفها حذيفة يسقط في هوة افتراضات جديدة.
༺༻

انتهى الفصل قراءة ممتعة❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-22, 02:14 PM   #62

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

ف انتظار اراءكم ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 04:06 PM   #63

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

مشهد من الفصل الجديد 💥
أين كنت "
نظرت له بتوتر شديد ثم خجل ثم قالت بعبوس
" لو كنت افتقدت وجودي كنت بحثت عني وأتيت إليَّ لكن مؤكد لم يحدث ذلك لأنك وجدت من يأخذ اهتمامك في غيابي "
قال لها رائف بعبوس
" هل أنت جدية، أم تحاولين منعي من لومك على عدم اخباري بمكانك، لقد قلبت المشفى رأسًا على عقب حتى علمت مكانكِ وما تفعلين "
شهقت أصالة بخجل وسألته بعدم تصديق
" هل حقًا فعلت ذلك "
أجابها
" إن كنت لا تصدقين دعيني أخبرك أن وجهك أضاء كقمر حل في ربوع ليل مظلم "
ابتسمت كطفلة تستمع لأول إطراء سيخط في تاريخها كأنثى ثم قالت باندفاع
" لقد خشيت أن تعلق صورتي في ذهنك بمظهري المزري، أردتك أن تذكرني دومًا وأنا جميلة كما أذكرك الآن وسأظل أفعل دائمًا"
قال لها وقد نهشت بقلبه غيرة غير مبررة
" أنتِ دومًا جميلة يا أصالة، لم أركِ يومًا سوى هكذا "
حركت رأسها كأنها منتشية بحديثه عنها فتأملها مبهورا إلى حد جعله يخشى اندفاع مشاعره التي أصبحت تأخذ نحوها منحنى عاصف ليسارع بتغيير مسار تلك اللحظة وهو يقول
" فستانك جميل …
ثم عقد حاجبيه كأنه للتو تأمل ما ترتديه وقال بغضب
" هل خرجتِ من المشفى دون إخباري "
أسرعت تقول
" لا …لقد أرسلت إحدى العاملات هنا لتشتري لي بعض الملابس، لم أكن لأبتعد أكثر دون وجودك …لقد صار إخبارك بالأشياء وحده لا يكفي "
أجبرته جملتها على أن يقول
" ما فائدة كل الأشياء إن لم تكوني بجواري"
سقط قلبها في قاع سحيقة ثم ارتفع لأقصى ما يستطيع الوصول إليه بسرعة جنونية ليكمل رائف حديثه
" أهذا ما تقصدينه أصالة "
هزت رأسها بطاعة وتأثر بالغ وهي تقول
" هذا ما قصدت قوله تمامًا " ابتسم لها وقال
" كم أهدرت من المال "
عقدت حاجبيها كأنها لا تفهم سؤاله ثم قالت بانطلاق
" الكثير، حقائب الملابس حين تأتي سأريك ما اشتريته رغم أنه ليس بذوقي لكن لائمني، لقد اهتممت ببشرتي وشعري وأظافري وحجزت لدى طبيب الاسنان وسيخبروني لدى وصوله، واشتريت لك بعض الأغراض، متى تظن بإمكاننا التسوق معًا "
قال رائف بمرح
" سبحان الله، فهذا المال ظل حورس يربطه على خصره لأيام عدة لكي لا يدري أحد المهربين بوجوده وهولا يدرك أنك بمجرد أن تصلي إلى هنا ستدللين نفسك بالمال بينما هو سيظل يدور حول نفسه و يبحث عن طريقه لمغادرتنا هذه المدينة "
قالت أصالة
" هذا المال أنقذ حياته هناك أم نسيت الرصاصة التي عبرت إحدى الرزم فلم تنفذ إلى جسده ولم يصبه شيء سوى جرح بسيط، عليه أن يكون ممنون لي وعليك أن تفعل"
قال لها
" أنا ممنون على الدوام يا أصالة، ممنون إلى حد لا أظن أني قادر على وصفه لكِ …لكن دعينا نتحدث في المهم "
سألته بسعادة
" ما المهم رائف
" أجابها "
لقد اتفقت مع فريق من جراحي العيون هنا بالمشفى لكي نستغل فترة علاجي ونجري لك عملية تصحيح النظر التي تحتاجين إليها"
بهتت كأنها قد نسيت أمر من كانوا بالغرفة ثم قالت بصوت مكتوم
" أنا لا أريد "
استغرب رائف من ردها وقال
" لماذا أنا متيقن أنك تريدين إجراء هذه العملية، لماذا ترفضين"
تبدلت ملامحها إلى حزن أوجعه وقالت
" أنا خائفة رائف، أرجوك أنا لا أريد "
قال لها بقلق
" مما أنتِ خائفة، أنا واثق من أن الوضع آمن والوجع سيكون بسيط لقد أكد لي الأطباء هذا " هزت رأسها تقول
" أنا لست مستعدة أرجوك أغلق هذا الموضوع "
قال بإصرار
" لن أفعل أصالة …لن أفعل حتى تخبريني عما يجعلك ترفضين الأمر بهذا الشكل "
قالت له ببكاء بدأ فجأة
" أخشى حين ياخذوني واعود ألا أجدك تنتظرني "
توحشت نظراته وقال بانفعال
" أنا لن أتركك مطلقًا ومن سيأخذك مني سأخذ روحه كما سيفعل بي "
همّ بأن يقول فأنت روحي لكنه صمت يتنفس بحدة فسألته بتعلق بلغ منها مبلغه
" هل يجب عليَّ فعل ذلك "
مدّ رائف كفه وأمسك كفها جاذبًا إياها لتقترب حتى وقفت بجوار السرير تمامًا وقال
" دعيني آفي بوعد واحد لي معكِ قبل أن نفترق "
ازداد بكائها حدة فرفع كفها نحو شفتيه يقبله قبلة طالت فابتسمت من بين دموعها تتلقى منه تلك اللحظة باحتياج شديد وقالت
" أمازال للوعود بقية "
رفع شفتيه عن كفها وقال
" مازال وأنا سأفي بها جميعًا طالما يتردد بصدري نبض " أغمضت عينيها فقال
" تخلصي من ضعف نظرك فلن أتحمل أن تتخبطي خطواتك وانا بعيدًا عنكِ، لن أتحمل ألا تلتقطني عينيكِ إذا اخترقت مدارك فلا تهرعين نحوي، لن أحتمل أن يكون بداخلك احتياج لتلك النظارة أكثر مني، لن أحتمل أن أنظر لعينيكِ دومًا من خلال حجاب " قالت بصوت مرتجف
" تتحدث كأنك تهيئني لشيء لا قدرة لي عليه "
أمال رائف جبهته على كفها وقال بتعب شديد
" لا تستبقي الأحداث، دعي كل شيء يسير كما اعتدنا دون تخطيط "
هزت رأسها برضا عن فكرة ألا تتطرق للقادم وقالت
" أريد قبل رحيلنا أن أرى البحر فما رأيته من قبل أبدًا "
قال رائف
" سنراه معًا، وسنقترب منه وسنسير على الرمال، وسندع الماء يغطي أقدامنا، لقد ذهبت إلى البحر كثيرًا لكنّي لم أقصده يومًا ولاجلك سأفعل "
ضمت شفتيها بخجل بالغ تتساءل لما حتى الآن لم يصارحها بمشاعره لعلها تتجرأ وتعترف أنها تريد أن تبقى معه للأبد فتنهدت بأمل تسأله
" أليس لديك ما تود قوله لي " نظر لها بعمق شديد قبل أن يقول " صحيح، ما الذي كان يضايقك حين كانت الممرضة هنا " تفاجئت من رده ثم زمت شفتيها كأنما تذكرت وقالت
" فتاة مائعة لم أتقبلها، ماذا هل تضايقتِ من طريقة معاملتي معها"
نظر لها بصمت لحظات قبل أن يقول
" لا بالطبع لكني شعرت أن عليّ أن أخبرك أنه لا داعي لتشعري بالضيق، مائعة كانت أو غيره أنا لا أراها أصالة، فالعين لها قبلة لا تحيد عنها وان أقبل في مدارها ألف أنثى "
انفرجت شفتيها ترتجف بتأثر فأكمل قائلًا يكاد لا يشعر سوى بأن ما بداخله قد فاض دون إرادته
" والقلب له عقيدة لا يرتد عنها وإن غرس به ألف سهم يدفعه للردة، والروح لها مسلمات لا جدال فيها وان كان المستحيل يعلن سطوته ويجابها محاصرًا " ارتعش ذقنها وقالت
" أنا لا أفهم شيء
" تنهد بعمق بالغ وهو يقول
" ولا أنا ..لكني متلهف للنظر إلى عينيك وأنا أدرك أنك تريني أيضًا، هلا سمحتي وتكرمتي وحققتي لي هذا الطلب "
قالت
" تحدثني كما لو أني أميرة، لا تحتاج لكل ذلك، فقط قل كلمة السر الخاصة بنا وأنا سأدخل تلك الغرفة دون تفكير "
قال رائف
" حسنا أصالة … أنا أعدكِ..أن أنتظرك هنا حتى تعودي لي "


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-22, 12:25 AM   #64

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل الثالث عشر

وكيف لمثلي أن يقاوم فيك الغرق، أو أن يحيا وجدًا و تيهًا فيما ترسمه عينيك من طرق، أو أن يتجاهل خلايا قلبه التي باتت ولها بالمشاعر تحترق، إنك كشهب لا تكبل في عنان السماء بل كالسهام الحرة تنطلق، لا قوة قادرة على صدها حين تستهدف قلبًا أو حين تنوي لظلام روحه أن تخترق.
من أنا لأقاوم اجتياحك الذي جائني زحفًا مشعلًا قناديله كشمس شديدة الألق، من أنا سيدتي لأعترض درب وعودنا التي خطت إليه أقدامنا بأمل قد صدق.
من أنا لأبدل شمس العمر بألوان باهتة قد تلوح بالأفق، أنتي هنا وكفى ما عاد يعنيني بالكون شيئًا انتهى صراعي وبالماضي قد طفق.
༺༻
الدقائق تمر دون توقف حتى شارفت على جذبه إلى حد مخيف من الجنون، لو كان بإمكانه لدفع بنفسه إلى مسار الزمن واوقف الوقت تمامًا حتى يراها تفتح باب الغرفة وتندفع نحوه بغضبها وانفعالها وانطلاق حديثها الذي دومًا ما كان دليله الوحيد أنها بخير، لقد غفت عينيه من شدة الإرهاق ومن كثرة ما أعاد حديث الممرضة بداخله ليستيقظ فجأة فيجد الغرفة مازالت مظلمة من حوله وهي مازالت غائبة كأنها لا تبالي به وبخوفه الشديد عليها ولا تراعي الأفكار التي سيسقط فريستها كلما مر الوقت أكثر دون عودتها، ظل لدقائق يستعيد وعيه ويجلب صبرًا لروحه التي لم تطق الصبر أكثر فبدأ يتحرك بصعوبة بالغة رغم خطورة ذلك على جرحه العميق لكنه لم يلتفت لشيء سوى أنها لابد في خطر منعها من العودة، ظل يكافح ليقف وهو يجلد نفسه أنه سمح لها بمغادرة الغرفة والابتعاد عن عينيه لتدخل الممرضة مندفعة عند انطلاق جهاز الانذار تقول بصدمة
" سيدي إلى أين، توقف من فضلك، الحركة الانفعالية هذه ستؤذيك حتمًا"
قال رائف بحدة
" أرجوكِ ساعديني لاقف، فعلي إيجادها "
سألته الممرضة بتوتر
" من تقصد "
قال رائف وهو مازال يجاهد
" أصالة، لقد تأخرت جدًا لقد غفيت ولم أعِ للوقت، أرجوكِ أنا قلق عليها "
نظرت له الممرضة باستغراب وقالت
" حسنا رغم أن المكان هنا آمن ولا داعي لقلقك، سأطلب من غرفة المراقبة البحث عنها ونداء اسمها بمكبر الصوت، هي ليس لديها هاتف أليس كذلك "
قال رائف
" للأسف لا، من فضلك أسرعي ربما تكون في مأزق" رفعت الممرضة حاجبها بعدم فهم ورغم ذلك أسرعت تنفذ ما أمرها به ليوقفها سائلًا
" كم مر من الوقت وأنا نائمًا" أجابته وهي تنظر لساعة يدها " عشرون دقيقة …نصف ساعة على أكثر تقدير "
عقد رائف حاجبيه وهو غير مصدق فبداخله وحشة وخوف يخبرانه أنها غابت عنه لساعات، رفع يده يشير للممرضة لتكمل طريقها فلا يمر سوى عدة دقائق قبل أن يستمع رائف لتردد اسم أصالة ورقم غرفته بمكبر الصوت وظلت عينيه معلقة بالباب و قد وقف نبضه وجلًا عليها.
༺༻

بعد ما يقارب الثلاثة ساعات..

كانت أصالة تقترب من غرفة رائف بتوتر وتورد تطاي أدراج الرياح وهي ترى باب غرفته مفتوح على مصرعيه وعدد من الأطباء يقفون بالداخل، أسرعت بفزع لداخل الغرفة وهي تقول
" ماذا يحدث "
ليلتفت رائف إليها بعيون غاضبة تجمد فيهما الغضب بعدما سيطرت عليه صدمة رؤيتها، الحديث فر من شفتيه وعقله كله أصبح مشدوهًا بها حد التيه، نظراته من غاضبة لائمة أضحت عاشقة متيمة متأملة وما بين جوانحه هناك عاصفة مدمرة يتصدع لها كل إنش به على حدا، لقد بدا مأخوذ بها إلى حد لم يستطع السيطرة عليه فأضحى كما الأبله وهو يحاول أن يستجمع كلمة أو أن يغير من تعبيرات وجهه، حاول أن يعطي رد فعل طبيعي واحد ولكنه فشل لينقذه أحد الأطباء الواقفين وهو يقول
" هل هذه هي الحالة "
التفت له رائف بصدمة وهو يقول
" ماذا "
سأله الطبيب بنفاذ صبر
" هل هذه الحالة التي حدثتنا بشأنها"
تنحنح رائف وقال
" نعم الآنسة …
صمت قليلًا وهو يلتفت لها ثم قال
" أصالة "
فبدا اسمها من بين شفتيه كغزل لا كنداء فتوردت وهي تكاد لا ترى وسط الحاضرين سواه، منذ ولجت الى الغرفة وهي تبحث عن إجابة شافية لسؤال يؤرقها في نظراته ليتشتت انتباهها ورائف يكمل قائلًا
" هل سيحتاج الأمر لتهيئة مسبقة أو فحوصات "
أجابه الطبيب بعملية "
نعم سنحتاج لبعض الفحوصات التي لن تأخذ وقت ويمكننا إجراء الأمر الليلة، سأعد كل شيء فلترسل أحد للحسابات فقط لتسوية الأمر " قال رائف تحت أعين أصالة التي توسعت بعدم فهم
" سأفعل حالًا، بمجرد عودة صديقي من الخارج سيتولى الأمر "
نظر الطبيب الآخر لأصالة بلطف وقال
" سننتظرك بعد نصف ساعة في قسم العيون لنبدأ لا تقلقي الأمر بسيط جدًا "
ثم تحرك هو وزميله وتبعتهم الممرضة لتقول أصالة وهي تنظر في أثرهم بصدمة
" رائف ماذا يقصد بقسم العيون "
لم تتوقع صوته الهادر أن يجيبها سائلًا
" أين كنتِ "
نظرت له بتوتر شديد ثم خجل ثم قالت بعبوس
" لو كنت افتقدت وجودي كنت بحثت عني وأتيت إليَ لكن مؤكد لم يحدث ذلك لأنك وجدت من يأخذ اهتمامك في غيابي "
قال لها رائف بعبوس
" هل أنتِ جدية، أم تحاولين منعي من لومك على عدم اخباري بمكانك، لقد قلبت المشفى رأسًا على عقب حتى علمت مكانك وما تفعلين " شهقت أصالة بخجل وسألته بعدم تصديق
" هل حقًا فعلت ذلك "
أجابها
" إن كنتِ لا تصدقين دعيني أخبرك أن وجهك أضاء كقمر حل في ربوع ليل مظلم " ابتسمت كطفلة تستمع لأول إطراء سيخط في تاريخها كأنثى ثم قالت باندفاع
" لقد خشيت أن تعلق صورتي في ذهنك بمظهري المزري، أردتك أن تذكرني دومًا وأنا جميلة كما أذكرك الآن وسأظل أفعل دائمًا"
قال لها وقد نهشت بقلبه غيرة غير مبررة
" أنتِ دومًا جميلة يا أصالة، لم أركِ يومًا سوى هكذا " حركت رأسها كأنها منتشية بحديثه عنها فتأملها مبهورًا إلى حد جعله يخشى اندفاع مشاعره التي أصبحت تأخذ نحوها منحنى عاصف ليسارع بتغيير مسار تلك اللحظة وهو يقول
" فستانك جميل …
ثم عقد حاجبيه كأنه للتو تأمل ما ترتديه وقال بغضب
" هل خرجتِ من المشفى دون إخباري "
أسرعت تقول
" لا …لقد أرسلت إحدى العاملات هنا لتشتري لي بعض الملابس، لم أكن لأبتعد أكثر دون وجودك …لقد صار إخبارك بالأشياء وحده لا يكفي" ط
أجبرته جملتها على أن يقول
" ما فائدة كل الأشياء إن لم تكني بجواري ….سقط قلبها في قاع سحيقة ثم ارتفع لأقصى ما يستطيع الوصول إليه بسرعة جنونية ليكمل رائف حديثه
" أهذا ما تقصدينه أصالة " هزت رأسها بطاعة وتأثر بالغ وهي تقول
" هذا ما قصدت قوله تمامًا " ابتسم لها وقال
" كم أهدرتِ من المال " عقدت حاجبيها كأنها لا تفهم سؤاله ثم قالت بانطلاق
" الكثير، حقائب الملابس حين تأتي سأريك ما اشتريته رغم أنه ليس بذوقي لكن لائمني، لقد اهتممت ببشرتي وشعري وأظافري وحجزت لدى طبيب الاسنان وسيخبروني لدى وصوله، واشتريت لك بعض الأغراض، متى تظن بإمكاننا التسوق معًا "
قال رائف بمرح
" سبحان الله، فهذا المال ظل حورس يربطه على خصره لأيام عدة لكي لا يدري أحد المهربين بوجوده وهولا يدرك أنكِ بمجرد أن تصلي إلى هنا ستدللين نفسك بالمال بينما هو سيظل يدور حول نفسه و يبحث عن طريقه لمغادرتنا هذه المدينة "
قالت أصالة
" هذا المال أنقذ حياته هناك أم نسيت الرصاصة التي عبرت إحدى الرزم فلم تنفذ إلى جسده ولم يصبه شيء سوى جرح بسيط، عليه أن يكون ممنون لي وعليك أن تفعل"
قال لها
" أنا ممنون على الدوام يا أصالة، ممنون إلى حد لا أظن أني قادر على وصفه لكِ، لكن دعينا نتحدث في المهم "
سألته بسعادة
" ما المهم رائف "
أجابها
" لقد اتفقت مع فريق من جراحي العيون هنا بالمشفى لكي نستغل فترة علاجي ونجري لكِ عملية تصحيح النظر التي تحتاجين إليها " بهتت كأنها قد نسيت أمر من كانوا بالغرفة ثم قالت بصوت مكتوم
" أنا لا أريد "
استغرب رائف من ردها وقال " لماذا! أنا متيقن أنكِ تريدين إجراء هذه العملية، لماذا ترفضين "
تبدلت ملامحها إلى حزن أوجعه وقالت
" أنا خائفة رائف، أرجوك أنا لا أريد "
قال لها بقلق
" مما أنتِ خائفة، أنا واثق من أن الوضع آمن والوجع سيكون بسيط لقد أكد لي الأطباء هذا " هزت رأسها تقول
" أنا لست مستعدة أرجوك أغلق هذا الموضوع "
قال بإصرار
" لن أفعل أصالة …لن أفعل حتى تخبريني عما يجعلك ترفضين الأمر بهذا الشكل " قالت له ببكاء بدأ فجأة
" أخشى حين ياخذوني واعود ألا أجدك تنتظرني "
توحشت نظراته وقال بانفعال " أنا لن أترككِ مطلقًا ومن سيأخذك مني سأخذ روحه كما سيفعل بي "
همّ بأن يقول فأنت روحي لكنه صمت يتنفس بحدة فسألته بتعلق بلغ منها مبلغه
" هل يجب عليَّ فعل ذلك "
مد رائف كفه وأمسك كفها جاذبًا إياها لتقترب حتى وقفت بجوار السرير تمامًا وقال
" دعيني أفي بوعد واحد لي معكِ قبل أن نفترق
" ازداد بكائها حدة فرفع كفها نحو شفتيه يقبله قبلة طالت فابتسمت من بين دموعها تتلقى منه تلك اللحظة باحتياج شديد وقالت
" أمازال للوعود بقية "
رفع شفتيه عن كفها وقال
" مازال وأنا سأفي بها جميعًا طالما يتردد بصدري نبض " أغمضت عينيها فقال
" تخلصي من ضعف نظركِ فلن أتحمل أن تتخبط خطواتك وانا بعيدًا عنكِ، لن أتحمل ألا تلتقطني عينيكِ إذا اخترقت مدارك فلا تهرعين نحوي، لن أحتمل أن يكون بداخلك احتياج لتلك النظارة أكثر مني، لن أحتمل أن أنظر لعينيكٓ دومًا من خلال حجاب "
قالت بصوت مرتجف
" تتحدث كأنك تهيئني لشيء لا قدرة لي عليه "
أمال رائف جبهته على كفها وقال بتعب شديد
" لا تستبقي الأحداث، دعي كل شيء يسير كما اعتدنا دون تخطيط "
هزت رأسها برضا عن فكرة ألا تتطرق للقادم وقالت
" أريد قبل رحيلنا أن أرى البحر فما رأيته من قبل أبدًا " قال رائف
" سنراه معًا، وسنقترب منه وسنسير على الرمال، وسندع الماء يغطي أقدامنا، لقد ذهبت إلى البحر كثيرًا لكني لم أقصده يومًا ولاجلك سأفعل " ضمت شفتيها بخجل بالغ تتساءل لما حتى الآن لم يصارحها بمشاعره لعلها تتجرأ وتعترف أنها تريد أن تبقى معه للأبد فتنهدت بأمل تسأله
" أليس لديك ما تود قوله لي " نظر لها بعمق شديد قبل أن يقول
" صحيح، ما الذي كان يضايقك حين كانت الممرضة هنا "
تفاجئت من رده ثم زمت شفتيها كأنما تذكرت وقالت
" فتاة مائعة لم أتقبلها، ماذا هل تضايقت من طريقة معاملتي معها "
نظر لها بصمت لحظات قبل أن يقول
" لا بالطبع لكني شعرت أن عليَّ أن أخبركِ أنه لا داعي لتشعري بالضيق، مائعة كانت أو غيره أنا لا أراها أصالة، فالعين لها قبلة لا تحيد عنها وان أقبل في مدارها ألف أنثى"
انفرجت شفتيها ترتجف بتأثر فأكمل قائلًا يكاد لا يشعر سوى بأن ما بداخله قد فاض دون إرادته "
والقلب له عقيدة لا يرتد عنها وإن غرس به ألف سهم يدفعه للردة، والروح لها مسلمات لا جدال فيها وان كان المستحيل يعلن سطوته ويجابها محاصرًا"
ارتعش ذقنها وقالت
" أنا لا أفهم شيء "
تنهد بعمق بالغ وهو يقول
" ولا أنا ..لكني متلهف للنظر إلى عينيكِ وأنا أدرك أنكٓ تريني أيضًا، هلا سمحتي وتكرمتي وحققتي لي هذا الطلب "
قالت
" تحدثني كما لو أني أميرة، لا تحتاج لكل ذلك، فقط قل كلمة السر الخاصة بنا وأنا سأدخل تلك الغرفة دون تفكير" قال رائف
" حسنًا أصالة …
أنا أعدك أن أنتظرك هنا حتى تعودي لي "
تعلقت عينيها بعينيه تكاد تشعر أن رائف أصبح كما لو أنه جزء منها، حين تنظر إليه تشعر بالأمان والحب والراحة التامة، لتدلف الممرضة إلى الغرفة التي كان بابها مفتوح على مصرعيه تقول
" آنسة أصالة هل ستؤجلين موعدكٓ مع طبيب الأسنان لأنه تداخل مع موعدكِ بطيب العيون "
قالت أصالة
" نعم، سأفعل بالطبع "
قالت الممرضة
" حسنا من فضلك تفضلي معي فطبيب العيون ينتظرك " هزت راسها والتفتت تقول لرائف
" لقد حان الوقت"
قال لها
" نعم كوني قوية "
قالت له بصدق
" أنا بجوارك قوية "
شعر كأنه من رباها من بنى كيانها شيئًا فشيء، شعر تجاهها بالتملك الشديد لم يشعر باحتياجه للانتماء كما سعى دومًا في علاقته السابقة بتولين، نعم هذه المرة تختلف كثيرًا، وهذا الاختلاف بقدر ما يريحه بقدر ما يخيفه، تحركت أصالة عدة خطوات لتقف وهي تشعر به مازال متمسكًا بيدها رافضًا تركها فالتفتت له وقالت
" ساعود لك بنظرات ثاقبة لن تحيد عنك "
قال لها
" وإن حادت فكل مسار لها مساري "
صمت وترك يدها لترتجف حاجة إليه مثلما يحدث كل مرة ثم تبعت الممرضة بخطوات هادئة من خلفها رائف يراقبها بشجن وهو يقول بتأثر
" أنا خائف أكثر بكثير لكني لا أقوى على البوح، لا أقوى على مواجهة نفسي أكثر فكيف بربك تكونين لي يا بنت الرجال وأنا.. من أنا؟؟ "
༺༻

في نفس الوقت كان حورس يدخل الممر نحو غرفة رائف بوجه مجهد وعيون حذرة تتفقد الأرجاء من حوله ليرن هاتفه الذي اشتراه من يومين لكي يهاتف رقم يحفظه عن ظهر قلب لكن لساعات طويلة كان لا مجيب حتى فقد الأمل، أخرج حورس هاتفه بتجهم ينظر له لتضطرب نظراته وتتراجع خطواته للخلف قاصدًا المصعد مجددًا وهو يقول
" لقد وصلنا، الطفل والفتاة بخير، ما الخطوة التالية ".

༺༻

م.دم.رة …منذ دخلتِ إلى مداري ومشاعر قلبي خاضعة صاغرة، وثوابت فكري تتزلزل وتتبدل كأنكِ صرتِ على العقل مسيطرة، الأوقات باتت مزدحمة بحضوركِ كأنه ما عاد بالعمر لحظات شاغرة، والطريق إلى روحي بعدما كان مقفرًا كثير العثرات أضحر جنان عامرة، والعينان اللتان اعتنقتا الغض تمردًا يسافران و يبحران بهالتكِ الغامرة، كلي يخونني إليكِ حتى خطواتي التي تدفعني نحوكِ أشعرها عليّ متآمرة، صرت أمامكِ لا أعرف لمن منا كلمة الفصل في جسد كل جوارحه لسطوتكِ ناصرة.
༺༻

الشرود حين يصبح عادة لديك فاعلم أنك وحيد لدرجة تجعلك لا تريد الشعور بالواقع أكثر، لا تريد التمعن في التفاصيل من حولك، لا تريد التشتت مطلقًا داخل الحياة كأنك تسعى لأن تصبح منحنى مغلق لكن يظل سعيك غير واجب النفاذ، هذا ما كانت تفكر فيه فاطمة وهي تعد بعض الشطائر داخل المطبخ، فالتفكير في وحدتها لهو خير من أن تترك نفسها فريسة للقلق الذي لا يرحمها تجاه يهدين المختفية تمامًا منذ ساعات، إنها تخشى أن تتورط يهدين في مشكلة بسبب دفعها لها لتذهب إلى فخر وتعترف له بكل شيء لكي لا تظلم نفسها ولا هذا الشاب الذي مازالت لم تتخط مشهد إنهياره أمامها بعد، هي مدركة جيدًا أن حياة يهدين معقدة وأن شخصية يهدين لها سمات خاصة لكن قد لا يتفهم أحد ذلك، فمازالت تذكر أنها احتاجت مجهود جبار لما يقارب العامين لكي تكسب ثقتها وتكسر حاجز خوفها وتقترب منها إلى أن صارت صديقتها المقربة والوحيدة، التقطت فاطمة هاتفها بتوتر تطلب رقم يهدين للمرة التي لا تذكر عددها لكن أيضًا هذه المرة لا مجيب وهذا جعلها تدخل أحد تطبيقات المراسلة وتكتب لها
" لقد بلغ قلقي عليكِ ذروته، هل ذهبتِ لفخر… هل كل شيء بخير، يهدين تواصلي معي فورًا بمجرد رؤيتك للرسالة، أتمنى أن تكوني بخير"
أنهت فاطمة كتابة رسالتها ليجفلها رنين جرس الباب الخارجي فتحركت خارج المطبخ لترى عيسى يمر مسرعًا نحو الباب وهو يقول
" فاطمة أنه سلطان، ارتدي حجابك فهو يريد التحدث معكِ "
عادت فاطمة إلى داخل المطبخ تجذب حجابها وتلفه بحرص وهي تفكر بحيرة في الأمر الذي قد يريدها به سلطان العطار والذي تزحزح اليوم بصعوبة عن عرش أفكارها الذي يعتليه منذ فترة دون منافس، فما زالت الشحنات التي كانت تملأ السيارة من حولهما في رحلة عودتهما من المطعم تدور من حولها، ومازال الطعام الذي صدمت حين رأت كميته موضوع على أرفف المبرد تسخن منه أصناف مختلفة كلما تطلب الأمر، فقد أحضر يومها قائمة الطعام كاملة في تصرف جديد يضاف إلى قائمة التصرفات الغير مفهومه والمربكة والموترة لها.
تنفست فاطمة بعمق وهمّت بالخروج من المطبخ لتقع عينيها على الشطائر فتتحرك بعفوية لتنسقهم فوق صينية وتضيف بجوارهم ثلاثة أكواب من العصير ثم تخرج فيصلها صوته القوي ورائحته التي أصبحت تميزها وتحيرها قبل عينيه التي رُفعت نحوها دون إرادة منه فتقول
" السلام عليكم"
أجابها سلطان
" وعليكم السلام"
فيما سارع عيسى ليحمل عنها الصينية ويضعها أمام سلطان الذي سألها
" كيف حالك "
جلست بجوار عيسى وهي تقول
" بخير الحمد لله"
قال عيسى بمرح
" كانت تصنع الشطائر لنا كشيء خفيف بعد أن تناولنا علر الغذاء من الوليمة الذي أحضرتها، كان هذا كثيرًا حقًا يا سلطان "
قال سلطان
" ليس كثير إنه يكفي لعدة أيام فقط "
قال عيسى
" ولما سنحتاج لطعام يبقى لأيام وفاطمة تطبخ "
نظر سلطان لفاطمة وقال
" لقد ظننتكِ لا تجيدين الطهي"
قالت فاطمة بهدوء وهي ترفع كوب العصير عن الصينية لتضعه أمامه
" لقد فهمت أن هذا ما ظننته حين رأيت كمية الطعام لكن في الحقيقة أنا أجيد الطهي كل ما في الأمر أني يوم التقينا بالمطعم اضطررت للخروج ومقابلة صديقتي ولم يسعفني الوقت لإعداد الطعام من أجل عيسى ففكرت في حل سريع لكني أقدر حرصك على المساعدة، شكرًا لك "
كانت عيون سلطان معلقة بها بشكل يربكه وعقله واقفًا عند كونها قد فهمت ما فعل فشتت نظره بسرعة نحو الأوراق التي وضعها على المنضدة حين دخوله وقال
" لقد جئت اليوم لأبلغك أن إخوتك أنهوا إجراءات إعلان الوراثة وقد تحددت جلسة وهذا الاخطار به الموعد واستدعاء رسمي لكِ ولعيسى كورثة رسميين "
قال عيسى بتوتر
" سلطان هل إخوتي مازالوا غاضبين، لا أحد يتواصل معي سوى هلال وهو لا يخبرني بأي شيء "
أجابه سلطان
" لا تقلق لقد تقبلوا الأمر وانتهى، لقد جائني كرم اليوم وطلب أن تعودا إلى المنزل واعدًا أنه لن يتعرض بأي شكل من الأشكال لفاطمة " نظر عيسى لسلطان بذهول وقال
" حقًا، إذا كان الأمر كذلك لماذا لم يهاتفي إذًا "
أجابه سلطان
" ليس مهمًا أن نركزعلى تصرفات كرم يا عيسى، المهم الآن هو أن تفهم فاطمة أن حقها سيعود لها وبيت والدها سيُفتح لها، وأنّ كل من أخطأ بحقها قد أدرك خطأه، وأنها ستظل معززة مكرمة لا يجرؤ أحد على مساسها"
ابتسم عيسى ونظر لفاطمة التي كانت تنظر لسلطان بتأثر وصمت وقال وهو يربت على ظهرها بحنان
" أظنها بعد كل هذا قد باتت تعلم ذلك، أليس كذلك يا فاطمة"
هزت فاطمة رأسها وقالت بخفوت "
شكرًا يا سلطان، لقد كنت أخشى أن تتوتر العلاقات بينك وبين إخوتي بسبب تدخلك فيما يحدث لكن الحمد لله "
تنحنح سلطان وصوتها الخافت بدي كتهويدة ناعمة تجر قدميه لتأمل خطر في ملامحها وقال " الشكر لله وحده "
قال عيسى متنهدًا براحة
" إذًا سنعود للحارة "
بهت سلطان وقال
" ولما الاستعجال، ابقيا لبعض الوقت "
قالت فاطمة
" بالعكس لم يعد لبقائنا هنا داعي لكني متخوفة من كرم و…
قاطعها سلطان يقول بغضب
" إن أردتِ أن أحضره ليعتذر لكِ هنا سأحضره …
لا تفكري أنه قد يجرؤ على تكرار ما حدث منه ثانية " قالت فاطمة بتوتر
" لا داعي، فما دمت قلت أنه لن يحاول مضايقتي أنا واثقة بكلمتك"
زفر سلطان نفس لا يدري لما خرج ساخنًا يسحب من بعده باقي أنفاسه المعلقة بدقات قلبه وهو يقول بلهجة آمرة
" أنا أفضل أن تبقي هنا قليلًا فالمنزل منزلكِ كما قلت سابقًا، فأنا هنا سأكون مطمئن أكثر حتى تنتهي كافة إجراءات توزيع الميراث "
لقد أدركت أنه يقصد أنه سيكون مطمئن عليها بل هي واثقة أن هذا هو مقصده لذلك ارتبكت بشدة ورغم ذلك قالت " شكرًا على كل شيء، أنا أقدر عرضك وأدرك مخاوفك لكن منزل أبي أولى بي ألان ثم أنا لن أكون بمفردي فمعي عيسى "
هز سلطان رأسه بتفهم لأنثى تفهم في الأصول إلى حد أبهره وجعله يقول بحدة غير مقصودة
" إصرارك لا داعي له، فبقائك مرحب به جدًا، كم مرة سأقول أنتِ بمنزلكِ "
ردت عليه بهدوء
" لا داعي لتكرارها فقد أخذت قراري "
تبادلا النظرات ..عينين قويتين لمعت فيهما شرارات من الغيرة، وعينين جميلتين لا يملك أحد في حضرتها سوى الرضوخ الذي لم يعتد سلطان على الشعور به وهذا جعله ينفعل قائلًا
" خذي رقمي من عيسى وان حدث أي شيء أخبريني " ابتسمت بتفهم لفظاظته وقالت " إذا كان هذا سيريحك سأفعله"
صدمه ردها المتفهم، صدمه عينيها الهادئة أمام انفعاله صدمه ابتسامتها الناعمة التي كأنما رسمتها على شفتيها لتطمئنه وتهدئه فقال
" سيريحني لأن هذا ما يجب أن يحدث "
بحث عيسى عن هاتفه على المنضدة وحين لم يجده وقف قائلا
" سأحضر هاتفي "
تحرك عيسى نحو غرفة المعيشة التي كان يجلس بها قبل قدوم سلطان الذي حرك عنقه قسرًا ينظر في أثر عيسى مقاومًا الالتفات لهاا حتى سمعها تقول
" تفضل العصير أم تفضل شيء آخر، بامكاني إعداد القهوة "
حينها كأنه قد وجد ذريعة تمكنه من النظر إليها وقال
" لا أحبها "
قالت
" ماذا تفضل إذًا "
نظر سلطان للعصير وسألها
" هل أنت من أعددته أم هو عصير معلب "
قالت
" بل أنا من أعددته، تذوقه سيعجبك "
رفع سلطان الكوب إلى شفتيه وتذوق العصير ثم تركه فجأة وهو يقف ويقول
" سأنتظركما بالخارج لكي أوصلكما إلى الحارة فسيارة عيسى ليست معه "
ثم انسحب بسرعة مثيرًا استغرب فاطمة التي أسرعت تحمل الكوب وتتذوق العصير فلا تجد به ما يريب بل بدى مزاقه مميزًا فوقفت محبطة من ردود أفعاله الغير مفهومة لها وهي تقول
" رجل يحتاج مئة عقل لكي يدركوا مقصده، محير في وضوحه أكثر مما يكون في غموضه "

بالخارج

وقف سلطان متخشبًا يثني ذراعيه على صدره يرتكن إلى سيارته لا هو ينتظر من بالداخل ولا هو ينوي التقدم للاطمئنان على أخته لكنه غارق في شرود جبري فرضه عليه الموقف، لا يصدق ما طرأ على عقله وهو يرتشف هذا العصير، لقد ظن من هول الفكرة أنه ربما ارتشف شيء تلاعب بوعيه وخشي لو ارتشف المزيد من أن تصبح أفكاره أكثر جنونًا وكارثية، حرّك سلطان عنقه بانفعال ثم استدار حول السيارة يفتح الباب ويخرج زجاجة من المياة يرفعها على فمه باندفاع كأنه يتخلص لأي أثر باق من مذاق ذلك العصير وحين لم يشعر بأي تغير رفع الزجاجة وأفرغها على وجهه لعله يفيق وحين ابتلت ملابسه سارع يجذب علبة المناديل الورقية من داخل السيارة ويجذب منها المناديل بعنف ليجفف نفسه قبل أن يسقط جالسًا على المقعد ساقيه ترتكز على الطريق محني الأكتاف يمسح وجهه وهو يتنفس بعنف لتهب نسمة هواء تحركت لها أغصان الأشجار من حوله بقوة تشابه قوة ذلك الصوت الذي مازال مصرًا على التردد بداخله، لا يعلم كم مر من الوقت قبل أن يرى عيسى يقترب منه وهو يجر حقيبة ضخمة بكف والكف الأخرى تحمل حقيبة أصغر فوقف وتقدم يفتح له حقيبة السيارة فسأله عيسى باستغراب
" ماذا حدث لملابسك "
هز سلطان رأسه بعبوس وقال " لا شيء أسرع فقط لأن علي العودة إلى العمل "
جائهما صوت فاطمة التي تجر حقيبة ضخمة تنادي
" عيسى "
قبل أن يتحرك عيسى كان سلطان قد تحرك نحوها بانفعال وعبوس واضحيين جعلاها تنكمش حين جذب منها الحقيبة وهو يقول بحدة
" اجلسي بالسيارة وعيسى سيجلب البقية "
بقدر ما أصبح بداخلها احترام له بقدر ما كانت حدته جارحة فأسرعت تدخل السيارة بغضب وتغلق الباب بعنف جعله ينظر له بطرف عينيه نظرة موبخة فأشاحت بوجهها ليتحرك هو كأنه يدك الأرض تحت قدميه ليجلس خلف عجلة القيادة ويغلق الباب بعنف أشد انتفضت له تاركًا عيسى ليقوم بنقل باقي الحقائب وحده وحين انتهى فتح باب المقعد المجاور له وقال
" لو أنك على عجلة من أمرك إلى هذا الحد ما كان عليك انتظارنا يا سلطان، هل حدث شيء بالعمل "
قال سلطان
" لا شيء، هل أنت واثق من كونك لم تنس شيء "
قال عيسى بتوتر
" لا يمكننا الانطلاق "
رفع سلطان عينيه إلى المرآة ليقعا في مدار عينيها، تأمل حاجبيها المعقودين كحاجبيه فوق عينيها الغاضبة كعينيه وبداخله جانب يعلن استسلامه الكامل فثورة الدقائق الماضية لم تسفر عن شيء يذكر فهو مازال مصدومًا ومأخوذ باعترافه الداخلي في كونها الأنثى الوحيدة التي ضبطها تركض بين أفكاره بجرأة وتطرق باب ما ظن أنه سيفتح يومًا لقد بات جديًا يفكر في الزواج فيا للهول.

༺༻

في مزرعة حكم …
لم يكن الوضع ينحصر في انفعال وتشتت، لم تكن المشاعر تنحصر في صدمة وخوف بل لم يكن هناك شيء مطلقًا تحت السيطرة خاصة حكم الذي دخل من باب المنزل خلف يهدين يخلع سترته بعنف ويلقيها أرضًا وهو يسألها بصوت ارتجت له الجدران
" لماذا يهدين، ألم آمركِ بالابتعاد عن هذا الشاب"
بكت يهدين بحرقة وارتجفت وهي تقول
" حكم …أنا لم أقصد مخالفة أمرك لكن ….
قال بغضب وهو يمسك ذراعها ويهزها بقوة
" لكن ماذا …هل تدركين حجم الكارثة التي فعلتيها، كيف استطعت الإقدام على أمر هكذا دون علمي، ألم تفكري في الخطر الذي تضعين نفسك به، ألم تفكري فيما قد تصل إليه الأمور لو التقطتك إحدى الكاميرات، ماذا هل تظنين روحك وأرواحنا لعبة "
هزت رأسها وهي تشعر بالذنب الشديد وتقول برجاء
" حكم …
قاطعها قائلًا
" لقد ظننت أن بامكاني الوثوق بكِ، ظننت أن بإمكاني الاطمئنان لنضوج عقلكِ الذي يعد من أذكي العقول التي تعاملت معها لكن كل هذا كان وهم على ما يبدو "
قالت يهدين بانفعال ناتج عن كسرة قلبها
" أذكى العقول في مجال الاختراق الأمني وليس بالحياة يا حكم، أنا لست سوى غبية دميمة لن يحبها أحد أبدًا حتى فخر "
في هذه اللحظة كانت شيراز تنزل السلم مسرعة على صوت الصراخ لتقف مبهوتة وهي ترى حكم آخر غير المتزن الناضج اللبق الذي رأته من قبل مرارًا لقد بدى آخر وحشي الغضب جامح البطش والتنكيل لدرجة أخافتها وجعلت عينيها تتوسع ذعرًا على يهدين التي ترتجف أمامه وهو يقول
" لن نعود إلى تلك النقطة، لن أدعكِ لتجذبيني لذلك النقاش يهدين، لن أكون هذه المرة المتفهم الداعم الدافع لأنك خذلتني، ثم لا تنطقي اسمه أمامي ..ماذا فعل بكِ بالضبط، هل أذهب عقلك "
قالت يهدين بأسف بالغ
" لا حكم أرجوك لا تقل هذه الكلمة مطلقًا، أنا أخطأت لن أنكر لكني لم أخذلك وفخر …
قاطعها حكم وهو يدفعها بعيدًا ثم دار حول نفسه بعصبية وهو يقول
" فخر، مجددًا الوغد، أتعلمين إنه خطئي من البداية أنا الذي تركت لكِ كامل الحرية حتى ظننتِ أنك الوحيدة المتاح لها فعل ما تريده رغم كل ما يحدث حولنا "
قالت يهدين بصراخ لم تقصده به تمرد ولكن شدة الضغط عليها جعلت حاجزها النفسي يتهاوى
" لا حكم، لا تقل حرية، نحن لسنا أحرار، نحن من لا ننام إلا وعيوننا مفتوحة ومن لا نأمن للغد الذي يتربص بنا ومن لا نعيش بسلام لأن أرواحنا مرصودة "
قال لها حكم بحدة
" مصيرنا جميعًا أفضل بكثير من غيرنًا، أم نسيتِ …
جرحك الذي أراه بعينيكِ أنتِ من جلبته لنفسك يهدين، لقد حذرتكِ أخذتُ منكِ وعدًا، كسرتي وعدي وخذلتني وما النتيجة "
لم تكن شيراز تفهم شيء مما يدور بعكس سيادة التي تقف أعلى السلم تضم ابنتها لصدرها وتبكي فقد كانت تعلم القليل جدًا وحاولت إدارك ما تجهله من المخفي بين سطور الحديث حين قالت يهدين
" أرجوك أشعر ب ، توقف عن جلدي، كيف تلومني على شيء لم ترضخ له أنت بالماضي، أنا لا أريد تكرار ما حدث لفايا "
شهقت يهدين تكتم شفتيها بعدما نطقت ذلك الاسم الموجع بينما مد حكم ذراعه نحوها بجبروت قد لا يبقى عليها لتتوقف يده على بُعد شعرة منها فيطبقها بعنف وهو يرفع وجهه لأعلى ويصرخ صرخة دكت المقابر المظلمة في روح شيراز وجعلتها تقترب أكثر تتأمله عن قرب لترى في هذه اللحظة ما غفلت عنه فيه سابقًا وهو يقول
" لقد تماديت يهدين، تماديث كثيرًا "
قالت يهدين
" أنا آسفة ..
أقسم لك أني لم أقصد سوى شرح ما بي، سامحني يا حكم …سامحني أو اقتلني لقد أدركت اليوم أن لا نصيب جيد لي بهذه الحياة "
عند هذه النقطة كان حكم قد وصل إلى أقصى تحمله فكمم فمها بكفه غير متحملًا لكلمة الموت التي تربط به نفسها ودفعها نحو الحائط فصرخت شيراز خوفًا وهي تندفع وتمسك بذراعه لتجذبه بعيدًا عن يهدين التي صرخ بها
" الموت يحاصرنا، إن كنتِ على عجلة للفراق سنفترق لا تقلقي، ففياض كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة منذ أقل من ساعة وهو الآن يرقد على سرير بارد كجسد تنسحب منه الحياة، لقد ظننتك في لحظة كتلك ستكونين عونًا لي لكني لم أجدك، ربما يكون فياض الأول ولكنه لن يكون الأخير، سعي السنوات الماضية شارف على الانتهاء "
عمّ الصمت وعيون يهدين تتوسع بصدمة بينما كفوف شيراز ترتخي عن ذراع حكم لكنها لا تتركه لتسأل يهدين بصوت متقطع
" هل فياض بخير "
أبعد حكم كفه عنها وقال
" أريد أن أخرجه من البلد خلال ساعات وبعدها سيتعين علينا تنظيف الفوضى الذي خلفتها باندفاعك والذي خلفها فياض بجنونه وتهوره "
بكت يهدين بصمت وقالت
" سأتولى الأمر حالًا، لكن قبل أن أتحرك أريد أن أقول لك أنك أبي الوحيد الذي عرفته …الآباء يسامحون دومًا اندفاع أبناءهم وتخبطهم وطيش أفعالهم لذلك أنا أرجو أن تسامحني وتتفهمني وتدرك أن مشاعري كانت أقوى مني" قال لها حكم
" هذا الحديث لم يعد له فائدة الآن يهدين، اخرجي فياض من مصر واحرصي على أن ينال العناية الفائقة وألا يموت بتلك الطريقة "
ثم التفت إلى شيراز ينظر إلى عينيها بقوة قبل أن تنخفض نظراته نحو كفيها الممسكان به فرفعتهما فورًا بصدمة كبيرة وهي تتراجع للخلف فتظل نظراته معلقة بها لثواني قبل أن تحيد نحو سيادة فيقول لها بصرامة
" لقد بدأ عملك للتو، اتبعيني إلى المكتب "
نزلت سيادة درجات السلم بوجل فارتطمت بكتف شيراز التي مازالت عينيها معلقة بحكم الذي تحرك بخطوات قوية تجاه مكتبه لتلتفت لها شيراز وتقول
" يمكنك ترك ماسة معي، لا تقلقي عليها "
نظرت لها سيادة بقلة حيلة ثم ناولتها ماسة فضمتها شيراز بحنان ثم اقتربت من يهدين وقالت
" من الذي لأجله عرضت نفسك لكل هذا، ماذا يعني أنكم تنامون وعيونكم مفتوحة…
بل هل ما فهمته صحيح من كونكِ بارعة في الاختراق الأمني، من أنتم تحديدًا …
لما تتحدثان بصيغة الجمع دومًا "
لم تجبها يهدين وتحركت مسرعة نحو الأعلى وهي تمسح دموعها بعنف فتبعتها شيراز وهي تقول
" من فايا"
التفتت لها يهدين بصدمة وقالت
" أنسي هذا الاسم واحذري من أن تذكريه، فنطقي له كان خطأ فادح، لقد صرت مشوشة منذ فترة وتركت نفسي لهذا الشعور حتى أذيت نفسي وحكم وشخص آخر لا علاقة له بشيء "
أنهت يهدين حديثها ببكاء مرير واكملت طريقها لكن شيراز تبعتها بإصرار وهي تقول
" ما علاقتك بحكم، أنا بت ضائعة "
أجابتها يهدين وهي تسير في ممر الغرف
" أنه أبي وعائلتي الوحيدة، وقد أساءت إليه "
توقفت أقدام شيراز عن فقد ظنت أن يهدين حين قالت له أنت أبي كانت تحاول توضيح مكانته في حياتها لكن تكرارها لنفس التعبير جعل الشك يتغلغل إلى صدرها أنها ربما لا تقول سوى الحقيقة دون تذيف، رفعت شيراز عينيها للممر لتجد يهدين قد اختفت تقدمت تبحث عنها بعيون قلقة لكنها كانت كمن انشقت الأرض وابتلعتها، فتحت أبواب الغرف جميعًا فلم تجدها، فشهقت وهي تجري نحو النافذة التي بنهاية الممر وقد خطر على بالها أنها ربما ألقت نفسها لتتنفس براحة حين أطلقت عينيها في البراح الاخضر الممتد ولم يكن هناك ما يريب وهذا حقًا أخافها فضمت ماسة كأنها تطمئن قلبها الفزع من هذا الاختفاء الغير طبيعي وأسرعت نحو السلم متوجهة مباشرة نحو غرفة المكتب ووقفت على نهاية الجدار قبل باب المكتب المفتوح بانشات تستمع لما يدور بالداخل وهي تدرك لأول مرة أنها ليست في مكان آمن فقط، بل في مكان مريب به الكثير من الأمور المخيفة والأسرار الصادمة.
༺༻

أنا رجل حروب لا يرغم، بصراعات القلب والعقل والروح متخم.
ما بين جوانحي صرح بُني من قبل التاريخ فكيف لهوة في وجنتكِ أن تزلزل حصن لا يهدم.
كل المشاعر من قبل مجيئك كانت تعلن تمردها حتى أتيت فصار كل تمردي معدم.
والأفكار الثائرة كانت تقاتل لتنتصر بداخلي لكن عينيكِ أنذراني بأن لثورتي قد أرجم، ألزمتني حد الهوى فأعلنت اعتزالي وبت عاشق مغرم.
بليتني….
فليبتليك الله لعلك بحال الهائمين قد تعلم، فلو أنك عن صهوة الأمجاد انزلتني قسرًا فلن أبارحك حتى ترقي كنجم في الليل المظلم.
༺༻

مرت ساعات وهو منحني يكثف تركيزه على تركيبة العطور التي بين يديه والتي يعمل عليها منذ أيام عديدة لكنه مازال يشعر أن بها شيء ناقص، إحساسه بالعطر كل مرة عند تجربته تكن فاشلة تمامًا فحواسه لا تنتشي به ولا هو يلمس الجزء العميق بداخله والذي يتفاعل مع قوة العطر واختلافه، كل الملاحظات التي سجلها على مدار أيام لم تكن كافية ليدرك أين الخلل ورغم ذلك إصراره وهوسه بالأمر جعلاه يترك عمله ويتفرغ تمامًا لأن هناك عطر خطير النوايا يطن في رأسه دون توقف يناديه ليجسده على أرض الواقع لكي يملأ بشذاه الكون ولن يهدأ مطلقًا حتى ينتهي منه.
كان شاهين يقف بركن خاص بالتركيبات العطرية داخل محل العطور الذي أهداه له آصف في عيد ميلاده لافتًا أنظار الفتيات العاملات من حوله والذي يتجاهل وجودهن تمامًا واذا حاولت واحدة الاقتراب منه لأي سبب لا تجد منه سوى عبوس وجهه وفظاظة حديثه، يشمر أكمامه عن ساعديه ويعمل دون توقف لكن من شدة إحباطه ألقى ما بين يديه بحدة فانسكب على الطاولة الرخامية أمامه ليأتيه صوت آصف يقول باستهزاء
" ماذا، هل هو فشل جديد يضاف للائحة "
قال شاهين بعصبية
" هناك شيء ناقص عقلي لا يساعدني للوصول إليه، لقد طبقت كل ملاحظاتي التي دونتها خلال الأيام الماضية وكان يجب أن ينجح الأمر هذه المرة "
قال آصف وهو يجلس على مقعد مرتفع يدور مقابل له
" لا شيء يأتي بهذه الطريقة، اهديء …لقد ظننت أنك اقتنعت أن هناك أمور لا ينفع فيها فرض الإرادة لأنها لا تخضع لارادتك "
نظر له شاهين شزرًا وقال
" ماذا، هل تركت عملك وجئت لترفه عن نفسك وتسخر مني، آصف ألا تظن أن الوقت قد حان لننهي تلك العلاقة الغير متكافئة بيننا " فتح آصف زر سترته الأنيقة وهو يضحك بانطلاق وقال
" أصبحت تتحدث عن العلاقات الغير متكافئة بأريحة، لم يعد الأمر يجرح كرامتك هذا رائع "
جلس شاهين على مقعد مماثل وهو يقول
" يبدو مزاجك رائق بشكل لا يحتمل ، بربك لماذا جئت إلي" قال آصف وهو يتحكم في ضحكته
" اليوم موعدي مع الفتيات من أجل تجهيزات الصومعة الجديدة، هذا الأمر تأجل كثيرًا وأريدك أن تكون حاضرًا " قال شاهين
" لا أريد، أفعل ما تراه مناسبًا، عقلي ليس متفرغ لهذا الأمر "
سأله آصف
" ما بك، تبدو لي كأنك يائس" سأله شاهين بحيرة
" من بعد حديثي مع مؤيد وانا كذلك بالفعل، آصف هل تظن أن قراري بالزواج منها قرار متخبط ومندفع "
صمت آصف للحظة قبل أن يدفع طرف سبابته نحو العطر المسكوب ثم يقربه من أنفه ويضيق عينيه يتفرس في ملامح صديقه قبل أن يقول
" لا يهم إن كان قرار متخبط أو مندفع ..المهم أنه نبع من داخلك …أنه قرارك الذي كان من المستحيل أن تأخذه لو لم تقابل تلك الفتاة، تزوجها وافعل كل ما يحلو لك، عش حياتك كيفما شئت ليس لأحد أن يحاسبك أو أن يراجعك فيما تريد، ما دمت تجد بنفسك ما يجذبك إليها اتبعها دون تفكير"
تنهد شاهين ومشاعره تتكابل عليه، إصرار يشوبه حيرة، إرادة يشوبها توتر، ومشاعر يشوبها ماضي ورغم ذلك قال " كيف سأفعل وهي وأخيها ليس لديهما أي استعداد للتفاهم، هذا غير أني كلما حدثت شخص بشأنها يكن رده …ابتعد …لا تناسبها …ليست لك
ماذا يحدث!
أنا أطلب يدها هل كانت تتوقع أن يطلب ودها رجل مثلي ….مغرورة "
رفع آصف حاجبه وقال
" هي مغرورة …إذًا ما أنت، أتريد رأيي إنها تناسبك "
قال شاهين
" لكن أخيها لا يناسبني، لقد تعبت من التفكير في كيفية إقناعه، أنه ثابت كجبل لا يهتز ..لا يقل كلمته سوى مرة واحدة، يرفض دون أن يغمض له جفن، يقصف الجباه ولا يبالي مثلها تمامًا"
ضحك آصف بشماته واضحة فطبق شاهين كفه ورفعها لتأخذ وضعية الملاكمة وقال
" توقف قبل أن أجبرك على ذلك "
رفع آصف كفه وقال
" حسنًا دعنا لا تناقص من قدرنا أمام العاملين لديك وأخبرني …هل لو ساعدتك بهذا الأمر ستساعدني بالمقابل"
تجهمت ملامح شاهين وقال
" ماذا تقصد، هل تعرف لهذا الوضع حلًا "
قال آصف
" لن أجيبك حتى تجيب عن سؤالي …هل لو ساعدتك يا شاهين ستساعدني لأجعل علاقتي بسيدرا تأخذ شكل رسمي "
هدر به شاهين
" علاقتك بمن …وهل بينكما علاقة من الأساس "
همّ آصف بالوقوف وهو يقول " حل مشاكلك وحدك فأنا لدي اجتماع مهم "
سارع شاهين يدفعه بخشونه ليبقى جالسًا وهو يقول
" مبتز حقير "
قال آصف بترفع
" هذا لا يسمى ابتزاز بل تبادل مصالح فكر وأخبرني "
تنفس شاهين بعنف وقال
" هات ما لديك لنرى على كل حال الفتاة جلست معك ويبدو أنها عميت وتراك شخص مناسب "
سأله آصف بلهفة مخفية
" هل هي من أخبرتك بذلك " زغره شاهين فناظره آصف ببرود وهو يقول
" سلطان العطار ابن بلد كما يقولون، الرجال أمثاله تحكمه العادات الأصيلة لذلك إذا أردت إخضاعه إجبره على ذلك ولكن بالأصول "
هز شاهين رأسه بعدم فهم وقال
" لم أفهم "
قال آصف
" ضعه أمام الأمر الواقع في حضرة رجال لا ترد كلمتهم فليزموه بقبول وساطتهم إكرامًا لقدومهم ومجلسهم "
شرد شاهين يفكر في الأمر فيملأه الاقتناع أن هذا بالفعل هو الحل الوحيد ليسأل
" وكيف سأفعل ذلك "
قال آصف وهو ينظر لهاتفه" الأمر يحتاج بعض الترتيب، أطلب العون من كل عائلة معروفة قد تجمعكم بها علاقة، تقصي عن الرجال المحترمين ذوي الكلمة في دائرته واطلب وساطتهم واجمعهم في يوم دون موعد واذهب إليه، وسيكون عبد الله شهدان على رأسهم أخبرني فقط بالموعد " همّ شاهين بسؤاله عن شيء لكن دخول علِيّ جعله يصمت فقال آصف
" عليّ التحرك الآن، هل ستأتي معي "
كان علِيّ قد وصل إليهما فسأل " إلى أين"
التفت له آصف الذي وقف يغلق سترته ويقول
" في الحقيقة لدي موعد مع حرمك المصون "
نظر له علِيّ بتفكير ثم وضع يده على كتفه بود وقال بمزاج رائق
" ليس اليوم "
༺༻
في نفس الوقت داخل المكتب كانت كنزي تقف أمام سارة وتقول لها
" كيف سنذهب بدونك، هكذا سيتحتم علينا تحديد موعد آخر لنتناقش في الأمور المالية، بربك هل نطيق رؤية آصف شهدان مرة لتبلينا بها مرة أخرى "
وقفت سارة واستدارت حول المكتب تقول
" كنزي أرجوكِ لا تضغطي عليّ، لقد هاتفت سلطان منذ قليل وبدا لي ليس على طبيعته، أنا قلقة عليه جدًا، ورغم أني حضرت الكثير من الطعام مع فرحة أمس لكي أخذه لبيتنا بالحارة بعد الاجتماع مع آصف لكني لم أستطع صبرًا، لعله مريض ولم يبح لي بذلك "
قالت كنزي
" أنا أعرف وكنت أنا وتولين ننوي الذهاب معكِ للحارة فهي تريد أن تجلب شيء يخصها من شقة عادل، لذلك لن تصنع هذه الساعة فرقًا كبيرًا، سننتهي من الأمر وسنرحل معًا "
دخلت تولين تحمل هاتفها وتقول بتفكير
" أين ملاك، لا أجدها " أجابتها سارة
" لقد عرضت عليّ أن تذهب للبنك بدلًا مني مجددًا فوافقت لأني على عجلة من أمري، لكن في الحقيقة لقد استوقفني إصرارها على الذهاب للبنك كلما تحتم الأمر، إنها ليست عادتها "
قالت تولين بتوتر
" أنا خائفة أن تكون تأخذ من أمر الذهاب للبنك ذريعة لتقابل يونس"
قالت سارة
" هل تظنين ذلك، أنا ظننت أنها تخطت الأمر بعدما توقفت عن الحديث عنه أو التلميح إليه "
قالت كنزي
" تكهننا لا يكفي، علينا التأكد ولكن يومًا آخر لأن لدينا اجتماع طاريء "
رفعت تولين هاتفها تلوح به وتقول
" السيد آصف غيّر موقع الاجتماع وأرسلت لي مساعدته خريطة الموقع الذي سنتقابل به "
قالت سارة بضيق
" هكذا سنتأخر "
قالت تولين مواسية
" ماذا نفع ، هذه ضريبة التعامل مع أشخاص نرجسية لكن المعاينة الأولية تكون دائمًا سريعة لكن يجب وجودك ربما قرر مضايقتنا فيما يخص الجانب المادي، دعينا ننجز الأمر ونذهب للحارة سويًا، لقد اشتقت لها "
تنهدت سارة باستسلام وشرعت في جمع الملفات المكدسة فوق مكتبها ثم حملت حقيبتها ورافقتهما للاجتماع.

بعد بعض الوقت
أوقفت تولين سيارتها للمرة الثالثة أمام محل عطور شهير داخل تلك المنطقة الراقية وهي تشعر أنهن تائهات، نظرت من نافذة السيارة للمحل ثم عادت تنظر لشاشة هاتفها وقالت بضيق
" مؤكد مساعدة آصف أرسلت لنا موقع خاطيء، ومؤكد تأخرنا على الاجتماع، ماذا نفعل الآن"
قالت كنزي
" هذا خطأ مساعدته فلتتحمله بمفردها، هاتفيها وأخبريها بالوضع، ما يحدث يعد عدم مهنية منها، ما هذه المهزلة "
قالت سارة
" هذا ما كان ينقصنا، هلا تأكدت أن الموقع صحيح مرة أخرى يا حور لعلنا نحن التائهات، فٓصف شهدان في حركة كهذه قد يقطع رزق الفتاة "
قال تولين بصوت متعجب
" مهلًا …ماذا يحدث "
نظرت لها كنزي وقالت
" ماذا "
أجابتها تولين
" أنه علِيّ أليس كذلك " نظرت كنزي باستغراب نحوه ثم تأملته لثواني قبل أن تقول بعبوس
" نعم أنه هو، تحركي قبل أن يرانا "
قالت سارة
" أنه يمشط المكان بعينيه كأنه ينتظر أحدًا، دعينا نراقبه لعله يخونك ويكون هذا سببك لتتخلصي منه، ماذا يفعل في محل عطور هل ينقصه أناقة " احتدت ملامح كنزي أكثر لتقول تولين
" ربما يشتري هدية لها، لا تفرضوا سوء الظن في الرجل أنه يبدو راقيًا "
قالت سارة
" حور ركزي جيدًا في القيادة ودعينا للمراقبة فرجال هذه العائلة لا أمان لهم "
نظرت لها كنزي باستنكار وقالت
" لماذا تتحدثين عن جميع رجال العائلة، لاحظي أنكِ تأخذين إخوتي بمنتصف سخطك"
قالت سارة بتجهم
" ماذا هل سنفسد المراقبة من أجل بضعة تعابير خاطئة، ثم اخفضي رأسك أنتِ هكذا كأنك تقولين له أنا هنا "
أخفضت كنزي رأسها وفعلت سارة المثل لتقول تولين باستمتاع
" ارفعا رأسيكما، أنه فخ …السيد علي ينتظرنا نحن لا غيرنا "
سألتها كنزي المنخفضة
" ماذا تقصدين "
قالت لها تولين بابتسامة واسعة " السيد آصف شهدان هنا، انظري "
قالت كنزي
" هل تفهمين ما يحدث " أجابتها تولين
" لست متأكدة لكن دعينا نرى"
ترجل الثلاثة من السيارة وتقدمن نحو علِيّ الذي بمجرد أن لمح كنزي تحفز جسده كالوتر المشدود واجتاحته موجات عنيفة من التوتر وهو يتأملها تتهادى نحوه بعيون غاضبة لا يخفى الغضب فتنتها لذلك بأمر من قوة الشوق الذي أضناه لأيام ترك لعينيه العنان لتطوف على كل شبر منها بتملك، بحب لا هو قادر على كتمه ولا هو قادرة على السيطرة عليه وقد باتت زوجته، كانت خطواتها نحوه تحسب لقلبه بعد العمرعمر، يكفيه أن يراها تقبل لا تدبر ..وحين صارت أمامه لا يعرف من أي عمق سحيق بين أضلعه استقبلها قائلًا بصوت توحد من صداه
" مرحباااااا "
༺༻


كم أقبلت نحو أحباب لها من قبل، كم وجدت في استقبالها أحضان تضم وتحتوي، لكنها لأول مرة تجد في استقبالها كلمة واحدة بكل الأحاديث التي لا نهاية لها من غزل قادر على ضحد مقاومتها ونحر مخاوفها من الوريد الى الوريد، كانت مرحباااااا مرنمة بها حياة …ووعود …ومشاعر …وأحلام كانت شغفا …كانت تطرف …كان اجتياحًا وامتلاكًا جعلاها تشعر بالخطر وتشهر أسلحتها دون تفكير فلا تجيب ترحيبه بالمثل بل قالت بحدة
" ماذا تفعل هنا "
ابتسم لها علِيّ فصار الخطر أكبر بكثير …دقات قلبها وصلت إلى حلقها ورأسها المرفوع نحو وجهه صار كأنما يخرج منه نيران وهي تسمعه يقول
" أحضرتك حيث أريد بالحيلة بدلًا من أن أدخل معكِ في جدالات فارغة لن تنتهي "
انفعلت كنزي من رده الهاديء بشكل جعلها تريد الركض من محيطه الغير آمن حالًا وقالت " لماذا فعلت ذلك، ألسنا متخاصمين، ثم ألا تجد أنك تستخدم الطرق الملتوية بكثرة، هذا شيء يدعوا لإثارة حفيظتي تجاهك أكثر "
قال علِيّ بروية
" وما هو سبب خصامنا يا أنستي، فيما أخطأت لتفرضي الخصام بيننا دون إخطاري نظرًا لكوني طرفًا بالأمر " قالت سارة
" كنزي نحن هكذا ندخل في منطقة الخصوصيات، سننتظرك بالسيارة "
قالت لها كنزي بإصرار
" لا تتحركي "
قالت تولين
" هل يمكنني أنا التحرك" قالت كنزي بحدة
" ولا أنتِ "
ثم التفتت لعلِيّ وقالت
" سبب خصامنا أنت تعلمه جيدًا، أم نسيت آخر مقابلة بيننا"
أجابها علِيّ وهو يحاول التحلي بالصبر "
لا كنزي أنا أذكر جيدًا آخر مرة رأيتك بها وما دار بيننا لكن لا علم لي أن الأمر وصل إلى خلاف يجعلك تحظريني من جميع التطبيقات، وتضعين رقمي في القائمة السوداء " نظرت كنزي لتولين وسارة بطرف عينيها وقد ملأها الحرج فقالت بتلعثم
" هذا كان ردي على ع.نفك معي في النقاش "
نظرت سارة لتولين وحركت شفتيها يمينًا ويسارًا لتبادلها تولين النظرات بحرج وهي تشير لها أن ترافقها ليبتعدا وهما تسمعان علِيّ يقول
" ع.نف …عن أي ع.نف تتحدثين، كل ما في الأمر أني طلبت منك أن نخرج بمفردنا أو على الأقل أن تسمحي لي بزيارتك من وقت لآخر لنقضي بعض الوقت معًا ونتعرف على بعضنا أكثر " قالت كنزي
" وأنا قلت يومها ما لدي، أنت كخاطب لك يوم محدد بالاسبوع يمكنك زيارتي به إما أن يكون في منزلي في حضور مؤيد وأما أن يكون في منزل أم ملاك في حضور الجميع غير هذا ممنوع "
قال علِيّ
" ماهو الممنوع، كنزي أنا لست خاطب ..أنا زوجك …قسيمة زواجنا لدي منها نسختان بالمنزل هل أرسل لك واحدة "
قالت كنزي
" لا تستخدم معي هذا الأسلوب، أنت لست زوجي بعد، هل لديك صورة لي وانا أرتدي فستان زفاف وأقف بجوارك عابسة..لا أعتقد …إذًا أنت خاطب لا أكثر " قال علِيّ بصدمة
" تقفين بجواري عابسة …كنزي لو أن لدي تلك الصورة لمزقتها "
قالت له بحدة
" ماذا تعني ، هل ستمزق صوري "
مسح علِيّ وجهه وهو يستغفر الله ثم يرفع وجهه للسماء تاركًا لها المساحة لتتأمله من ذلك القرب وتفكر في أنها حقًا ليست خائفة منه لكن حذرها نحوه في أوجه، أخفض علِيّ عينيه نحوها وقال
" تملكين عقلًا لا يصيب مطلقًا بعكس عينيكِ التي لا سهم لها قد أخفق…أنتِ مؤلمة جدًا " كأنها قد سمعت منه هذه الكلمة من قبل تاهت في وصفه لها بالمؤلمة ثم قالت بضياع
" لا تتحدث عني هكذا " وضع علِيّ كفه علي فكه بقلة حيلة وقال
" كيف تريدين أن أتحدث عنكِ إذًا "
أجابته بخجل
" كما يتحدث البشر عن بعضهم البعض"
قال لها
" لا أحد بالبشر قد يدرك مقدار القوة التي أحتاجها لأتكلم عنكِ، فأنتِ تعدين الجانب الذي إذا ما ركنت إليه أصير مستضعفًا حتى في تعابيري، مستضعفًا في بوحي بمشاعري، مستضعفًا من أحكامكِ ورفضكِ ونظرات الريبة بعينيكِ، قولي لي كيف يمكن أن تكوني محض بشرًا عاديًا في كلماتي وأنا أقبل كل ذلك منكِ "
قالت كنزي بخوف شديد
" أنا لا أفهم، هل ارتباطنا مؤذي لك لتلك الدرجة، هل هناك ما لا أعلمه بشأن إصرارك على إكمال تلك الزيجة، علِيّ أنا لا أكرهك ولا أحمل نحوك أي مشاعر سلبية صدقني لذلك هلا وثقت بي وكنت صادقًا معي لمرة، أرجوك علِيّ أخبرني بسر تمسكك بي وأعدك أن أتفهمك" سألها بوجع
" لما تظنين أني لست صادقًا معكِ يا كنزي "
قالت بتخبط
" لأن لا أحد يُرغم على الزواج من أحد ويحدثه هكذا ويتعامل معه هكذا، لقد قلت هذا لك سابقًا …لماذا حين يتعلق الأمر بي تتعامل كأنك تح…
قطعت حديثها لا تقوى على نطقها ليقترب منها علِيّ وهو يعقد ذراعيه خلف ظهره ويدنو منها بوجه ويقول
" كأني ماذا كنزي …هيا أيتها الشجاعة أكملي …هل تقصدين كأني ….أحبك " اضطربت ملامحها كأنها على وشك البكاء أو الموت من شدة الخجل ليقول هو متنهدًا بعمق حتى لفحت أنفاسه جانب وجهها
" مال الحب بنا كنزي، إن الحب خرافة المجاذيب، نحن حين نصنف لن نكون سوى شقي في هذا العالم وإن استمر خوفك مني فلأسألك الآن وتجيبي "
أمسك رسغها ورفعه للأعلى وقال
" إن كنتِ تخافين مني لهذا القدر، لما لا تخافين من الدماء بين عروقك …لن أقل لما لا تخافين من مؤيد لأني لن أجعله يومًا طرفًا في حديث يدور بيننا.
أتعلمين أن تلك الدماء هي ذاتها دمائي، إن كان الحب مشكلتك فدعيني أخبرك أن مشكلتي أكبر ..وإن كان الحب ما يؤرق عليكٓ أيامي فلتعلمي أن هناك ما يؤرق أيامي.
انتماء قلبي بكافة مشاعره التي بلغت حد التورط…
هل تفهمين ما يعني التورط " كان علِيّ دون إرادته أصبح قريبًا منها تكاد تتعانق أنفاسهما ليصدمه ذلك القرب ويجعله يرتد للخلف وهلة قاطعًا لحظات التواصل الروحي التي أشعرت كنزي أن كل خلية بها ترتجف متأثرة بهذا الرجل، كانت ساكنة في قربه إلى حد ملأها بالوجل والانبهار، نظرات عينيها كان تشي بشتات أفكارها ليقول علِيّ بتجهم
" تفضلي معي للمحل، هناك ما أردت شرائه ولكن وأنتِ معي، هذا إن لم يكن لديكِ مانع"
ظنت أنه ربما سيسبقها بغضب تاركًا لها المساحة لتلتقط أنفاسها ليفاجئها وهو يفرد ذراعه في حركة لبقة مصرًا على أن تجاوره ..أن توازيه في الخطوات، فلا خطوته تسبق خطوتها يأسًا ولا خطوتها تتأخر عن خطوته تيها.
༺༻
قبل دقائق

بعيدًا عنهما وقفت سارة تقول لتولين بحاجبين معقودين كأنما عقد الحواجب سما من سمات آل العطار
" بربكِ هل هذا الهمس يناسب حركة الحظر الكلي، الرجل متفهم لدرجة غريبة …هذا لو كان سلطان لمنع عنها الهاتف حتى تشعر أنها عادت للعثور الوسطي "
قالت تولين بتوتر
" أخشى أن ينفذ صبر علِيّ في يوم ما وتضطر كنزي للتعامل مع الجانب نافذ الصبر منه، لا أظنها ستحبه مطلقًا " سألتها سارة بتفكير
" هل تظنين علِيّ يحبها حقًا، أحيانا أخشى أن يكون دفعنا لكنزي نحوه خطأ جسيم ستدفع ثمنه وسنشعر بالذنب لأجله، كيف يمكن للإنسان أن يتأكد أن هناك شخص يحبه بصدق …هذا شيء صعب حقًا " قالت تولين بتفكير
" الأفعال وحدها القادرة على إثبات ذلك، والاستمرار بإثبات ذاتك لشخص يكاد يرفضك بشكل معلن لهو درجة يائسة من الحب "
قالت سارة
" أو الخبث …مازلت أجد لكنزي عذرًا في تخبطها، الأمر لا ضمانات فيه ..أتعلمين أنها لو أحبته واكتشفت أنه يتلاعب بها مؤكد ستكون قد خسرت نفسها التي تبنيها بصعوبة منذ سنوات " قالت تولين
" القرار بيد كنزي، عليها مواجهة نفسها بما تريد ..ربما قد حان الوقت لتغامر فإما أن تجد بر الأمان وإما …
تركت تولين كلماتها معلقة وعينها لا تحيد عن كنزي وبداخلها مخاوف كثيرة يخالطها أمنيات عدة تخص تلك التي أصبحت أختها ورفيقة الدرب والكفاح والنجاح لتقول سارة
" دعينا نتفقد ذلك المحل حتى ينهيا حديثهما، وقوفنا هكذا بلا معني حقًا "
دفعت تولين قدميها ليتحركا بجوار سارة التي حين اقتربت من الباب فُتح على مصرعيه بشكل آلي ووجدا آصف يخرج منه لتقول تولين
" يبدو أن موعدنا اليوم مؤجل أيضًا سيد آصف "
قال آصف بتعالي
" هذا ما يبدو لي "
قالت سارة بغيظ
" ما حدث لا ينتمي للمهنية مطلقًا سيد آصف "
زغرها آصف بغضب، ثم بدت عينيه كأنها شديدة التفحص والتفكير قبل أن يقول " لا بأس بكِ "
ثم يكمل طريقه نحو سيارته فقالت تولين بعبوس
" ماذا قال هذا بالضبط " هزت سارة كتفيها وقالت
" يقول لا بأس بي، ماذا هل ظن سخريتي مدح …أبله " دخلت سارة تتأمل المكان بانبهار لتقول تولين
" تعالي لنسأل عن عطر بشر المفضل ربما يوجد منه هنا، كثيرًا ما لا أجده وأهاتف نزار ليرسله لي أو يجلبه في زياراته السنوية "
قالت سارة بامتعاض
" بالخارج غراميات الاستاذ علِيّ وبالداخل تفاصيل السيد بشر وأنا عقلي مع أخي، متى سنرحل "
قالت تولين التي توقفت قدميها تنظر لما يفعله شاهين بتعجب ثم قالت
" تغادرين قبل أن تلقي السلام على عريسك …لا هذا لا يصح "
قالت سارة
" عريس من …
لتقطع حديثها وعينيها تلتقط شاهين الذي كان يرفع عينيه نحو المكان بنظرة عابرة لتتوقف عليها، علقا معًا في تبادل نظرات لحظي قبل أن يستدير شاهين حول الطاولة وقد كانت وجهته محددة، لقد كان يقترب منها قالت تولين
" سأبحث عن العطر حتي تنهي السلامات "
قالت سارة بغضب
" حور "
لكن تولين لم تقف أكثر بل تحركت لتجد سارة شاهين أصبح يقف مقابلًا لها ويقول
" ظننتكِ ربما لن تأتي "
قالت سارة
" والله أنا كنت قادمة إلى اجتماع تحول لشيء مريب، ماذا تفعل هنا…أقصد خلف الطاولة تحديدًا "
قال شاهين
" دعيني أريكِ "
تحرك شاهين فتحركت بجواره تشعر بالعيون المسلطة عليها حتى وصل إلى الطاولة فأشار للأدوات وقال
" منذ أيام وانا أحاول صنع عطر جديد لكنّي لم انجح بعد" قالت سارة بتعجب
"يبدو أن صقر آل الجوهري له وجه لم يكشف عنه بعد، آخر ما توقعته أن يكون لك اهتمام بالعطور، انظر كم مرة أنقذت حياتك وكم مرة أطعمتك ولم تفكر في أن ترسل لي زجاجة تركيب كنوع من الشكر لعلنا نصبح زبائنك " طرأ على فكر شاهين خاطر مفاجيء جعله يقول
" ولما لا …دعيني أصنع لكِ عطرًا خاصًا بكِ، هل لديك مانع "
قالت سارة وهي تقفز لتجلس على المقعد الذي كان يجلس عليه شاهين
" ما الذي سيمنع، لكن هلا وضحت لي ماذا تعني بعطر خاص بكِ، إنها جملة غريبة " قال شاهين وهو يعيد ترتيب الطاولة الرخامية بدقة
" ألا تعلمين أن لكل شخص منا نوع عطر يبرز شخصيته، فقوة العطر واتجاهه يتحدثان دومًا عن الإنسان، لذلك أصبح المختصين في العطور ينتقون الأنواع التي تلائم الشخصية التي أمامهم ومنها يصنعون تركيبات خاصة بالشخص ذاته لا تتوهج سوى حين تختلط بعبق جسده فهي كما يقولون صنعت له "
رفعت سارة حاجبها باستغراب وقالت
" لا منطقية في حديثك اعذرني …لا أفهم كيف سيعرف صانع العطر شخصية من أمامه إن كان عميل لديه يلقاه لأول مرة أو حتى التقى به آلاف المرات، التعرف على شخصية وجوهر البشر يحتاج معايشة واحتكاك …تعامل ومواقف …عشرة وعمر طويل، ما تقوله مجرد حديث تسويقي بحت إن كنت تتبعه في الترويج لهذا المكان نصيحة مني توقف فورًا …المصريين لا تتماشى معهم تلك الطريقة"
نظر لها شاهين وهز رأسه بتعجب وقال
" حقًا لا أفهم كيف تكونين أفكارك …الأمر لا يتخطى بضعة أسئلة قد يسألها صاحب العطر للعميل لكي ينتقي له ما يناسبه "
قالت سارة
" هذا لا يعني أنه سيجيب عن الأسئلة بصدق "
سألها شاهين
" ولما سيكذب في أمر كهذا " قالت له ويدها بدأت تعبث في الأدوات أمامها "
لأنه حينها لن يكون كاذب بل يتجمل، الكثير من البشر هكذا …لا تقل لي أنك لم تلتق بشخص تجمل حتى أحببته " أخذته كلماتها على حين غرة فرفع عينيه يتأملها فتقابله ملامحها المسترخية والتي يشع الصدق من قسماتها، كانت لا تعطيه اهتمام مطلقًا وهي تنظر للقوارير الكريستالية أمامه لكنه مدرك أنه كان يعطيها كل اهتمامه رغم أن كلماتها نبشت في مواطن وجعه فقال
" بل التقيت بشخص فعل ذلك ببراعة شديدة، لكن في النهاية من يتجمل هو الخاسر الوحيد، سيدفع ثمن عطر لا يلائمه " قالت سارة وهي ترفع عينيها له
" هذا يعد غباء "
هز شاهين رأسه وقال مؤكدًا " بل قمة الغباء في الحقيقة
" جذب شاهين قارورة تتماوج بها ألوان الطيف ووالها اهتمامه يعمل على تركيب العطور داخلها بحماس فقالت سارة
" حسنا ألن تسألني بضعة أسئلة قبل أن تصنع العطر، سأكون صريحة إذا وصل الأمر لدفع بعض المال …تفضل "
قال شاهين وعينيه لا تفارق ما يفعل
" أظن أني أعرف عنك إجابة كل الأسئلة مسبقًا "
ضيقت سارة عينيها بتعجب وقالت
" حقًا …مثل ماذا "
صمت شاهين لثواني وقال
" أنت شرقية الملامح والتكوين، النوتة العطرية الخاصة بكِ دافئة ومثيرة، تفاصيلك متفردة بذاتها …فيكِ من نعومة الورد وصلابة العود …لكنكِ متجددة لذلك تملكين انحياز للعطور البحرية المنعشة … تأثرين الفكر والنظر، سلامك الداخلي ينعكس على كل ما حولك …يناسبك عطر هادئ راقي ومختلف لكنه في نفس الوقت متمرد "
رفع شاهين الذي قد انتهى عينيه تجاه سارة ليتفاجيء من نظرتها لقد بدا لها غير واعيًا لما قاله …كأنه يصف لها شخصًا يحفظه عن ظهر قلب، كانت ملامحها ساكنة بشكل غير طبيعي وشفتيها تضغطهما بقوة حتى صارت كخيط رفيع، بدت غاضبة جدًا وليست غاضبة أبدا …بدى كأنه يرى وجهها هذا لأول مرة وهذا أربكه فقال
" ماذا "
قالت سارة
" لا شيء، لكن عليّ الرحيل " انزلقت بسرعة عن المقعد المرتفع وتحركت لتبحث عن تولين فسارع شاهين خلفها وهو يقول
" انتظري، ماذا حدث "
قالت بهدوء
" لا شيء …لم يحدث شيء فقط تأخرت "
قال لها
" ألن تجربي العطر "
هزت راسها برفض وقالت
" أنا لا أضع العطور خارج المنزل "
قال لها
" علي الأقل دعيني أختبره لعله لم ينجح هو الآخر "
قالت سارة
" اختبره كيفما شئت فأنا لن أخذه أنا لا أضع العطور "
قال شاهين وتركيزه مشتت ما بين القارورة في يده وما بينها " لقد صنع لأجلك عليّ أن أجربه عليكِ "
توسعت أعين سارة وقالت
" ماذا "
تنفس شاهين بهدوء وقال
" أقصد كف يدكِ …أو ربما رسغك أنسب، هذا العطر يدور برأسي منذ أيام هلا ساعدتني لأنتهي منه "
لم تكن مقتنعة بحديثه، لكن بعينيه رجاء دفعها لتتحرك معه نحو الطاولة وهي تقول
" حسنا ولكن دون كلمة واحدة "
أدرك مقصدها ولم يمانع فشغفه لاستنشاق هذا العطر على رسغها دفعه ليتحرك عائدًا يشعر بها تجاوره …تتحامل على نفسها كي لا تخذل رجاء عينيه الذي لم ينطقه….تمنحه دون مقابل ومع ذلك عن التمادي تكبله، كانت كل ما تمنى أن يخترق قلبه من قبل أن يعطب، والآن أصبحت كل ما يراه العقل صحيحًا إذا استثنى قلبه المغدور، وقفا متقابلين وما بينهما الطاولة الرخامية ليقول لها
" رسغك …مكمن النبض ..المكان الأنسب للعطر" كلماتها أربكت النبض صار متسارعًا يفر إلى اللا مكان، رفعت رسغها إليه ليمرر رأس القارورة الزجاجية عليه بخفة وقد ظهر على نظراته التوتر الشديد ثم اقترب بأنفاسه مغمضًا عينيه نحوه ليخلق بحركته تلك ملحمة سقوط بين تباريح فكرها لم تكن بقادرة على التصدي لها ليجهز على إحتمالها وهو يقول منتشيًا برائحة العطر
" هلا تزوجتيني"
حينها كانت وبكامل قواها تفر راكضة هي التي لم تركض من الموت أصبحت تفر من شاهين الجوهري، عبرت الشارع تنهت…ترتجف …حتى وصلت للسيارة فاستدارت ترتكن عليها كأنها تتدارى من عينيه وهي التي شعرت بأقدامه تتبعها وأسرعت تخرج هاتفها تطلب تولين التي حين أجابت قالت سارة بانفعال
" حور إما أن تخرجي لنرحل حالًا وإما سأخذ سيارة أجرة وأرحل وحدي أنا واقفة بجوار السيارة بالخارج "
لم تعط تولين المساحة لتسألها عما حدث بينما هي تقف أمام ذاتها بغضب شديد تجلد نفسها أولًا وبقسوة ثم تسألها جديًا عما باتت تفكر به.
༺༻

ارحل عن القلب يا رجلًا أحكم القيود من حولي، يا من في حبه فقدت أحلام وتنازلت حتى عن ظلي، ماذا بقى في روحي صامدًا لتستمر في قهري وذلي، لماذا تعاديني وأنا منحتك مشاعري وصرت لك تابعًا يولي.
كل الوعود التي قطعتها بيننا كأنها كانت لكل النساء وليست لي، والتفاصيل التي ظننت يومًا أنها تجمعنا وحدنا كانت تجمعك بكثيرات غيري، كيف لي أن أتخطى رجلًا كان بالحشا يسري، رجل يقف على باب قلبي أينما وليت ليحكم خافقي بسطوة الجبر.
༺༻

الأفكار في عقلها أضحت وساوس لا ترحم وكل شيء يأخذ مسار مخيف واختفاء يونس يجعل مخاوفها في تزايد مستمر، لا تعرف لمن توجه الأسئلة التي بداخلها، لا تعلم مطلقًا إن كان أحدًا غيره يدرك إجابة عن الجنون الذي تفكر فيه، فكل شيء يترابط من حولها كقيود تتشابك لكنها تخشى أن يكون تشابكها يغزل فخًا لا سبيل لمن بسقط به أن ينجو من متاهة الخيوط، إنها خائفة جدًا وتحتاج له ليطمئنها ويبث فيها شعور بالراحة وهو يخبرها أن كل شيء بخير، وأنه بجوارها في القادم لن يتركها أبدًا، تحتاجه ليرشدها نحو الصواب وليوضح لها أن كل ما يدور في عقلها محض ظنون، ظلت ملاك تبث في نفسها العزم وهي تبحث بعينيها يمينًا ويسارًا عن المنزل الذي أحضرها موسى له من قبل، فكانت كمن تبحث على إبرة وسط أكوامًا من القش لكنه أملها الاخير تعالى فجأة صوت سائق السيارة يقول بنزق
" يا آنسة نحن ندور منذ ما يزيد عن النصف ساعة داخل هذه المنطقة، إن كنتِ تائة قولي لي اسم المنزل الذي تودين الوصول إليه وأنا سأسأل أحد حراس الxxxxات من حولنا لعله يرشدنا "
قالت ملاك بتوتر
" أنا أذكر جيدًا أنه في هذه المنطقة لكن لا أعرف أين تحديدًا، ابق معي حتى أصل وسأنقدك ما ستطلبه"
تأفأف السائق وقال
" الأمر ليس مالًا يا آنسة لكن أنا لديّ زبائن ملتزم معهم بمواعيد لذلك إن كنتِ مصرة على هذا الوضع فلتكملي البحث على قدميكِ أو استعيني بسيارة أخرى فأنا لدي عمل" قالت ملاك بخوف
" حسنا انزلني أمام الxxxx ذى البوابة الحديدية"
سارعت تنقده ماله وتترجل وهي تمسك الهاتف بيدها تبحث عن رقم موسى لتهاتفه لعله يجيب لكن الرقم بدا لها كأنه مسح عن هاتفها، وقفت مذهولة تتفقد الهاتف لتجده خاليًا تمامًا من الأرقام والصور والبيانات كأن هناك من قام بفلترته فعاد كما لو أنه جديد رفعت عينيها تبحث عن ذلك البيت بخوف شديد لكنه لم يكن في مرمى نظرها لذلك عبرت الطريق وسارت لما يزيد عن العشرة دقائق في شوارع لا تعرفها حتى وقفت أمام البيت ترمقه بتفحص لتتأكد أنه هو وحين أصبحت واثقة من ذلك اقتربت من الحارس الجالس أمامه بيقظة رغم كبر سنه وقالت
" من فضلك، أليس هذا منزل السيد يونس والسيد موسى " أجابها الرجل
" وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته، عن منزل من تبحثين بالضبط يا ابنتي فهذا المنزل ليس به أحد، مالكيه مهاجرين منذ سنوات طويلة وانا أحرسه من قبل رحيلهم ولا أحد منهم اسمه موسى أو يونس "
قالت ملاك بصدمة
" كيف هذا لقد كنت هنا من أسبوعين تقريبًا وكان أصحاب البيت بالدخل، إنه المنزل أنا واثقة من ذلك، أليست الحديقة الخلفية بها ينبوع ماء بمنتصفه تمثال لأنثى "
قال الحارس طاعن السن
" هذه حقيقة لكن يا ابنتي هذا المنزل لم تطأه رجل سواي لأكثر من عشرون عامًا، لعلكِ تخلطين بينه وبين منزل آخر، تذكري اسم المالك أو شيء يخص العنوان وأنا سأساعدك" قالت ملاك بإصرار
" يا حاج أقسم لك أنه هذا المنزل يمكنني وصف لك تفاصيل داخلية خاصة به لتتأكد أني كنت هنا، أرجوك دعني أقابل يونس لدقائق فقط، قل له ملاك بالخارج "
كان صبر الرجل بدأ ينفذ من جدالها لذلك قال
" قلت لك مُلاك المكان مهاجرون، لا تتعبي قلبي معكِ وارحلي واما سأطلب لكِ الشرطة لتتفاهم معك "
جزعت ملاك من تهديده لكنها عادت لتقول بصوت يائس
" أرجوك …
ليقاطعها الرجل وهو يصرخ بصوت أفزعها
" إن لم ترحلي سأطلب الشرطة "
أسرعت ملاك ببكاء تجري مبتعدة دون أن تلتفت للخلف وحين انقطعت أنفاسها من الركض توقفت قدميها بتعب شديد فانحنت للأمام وهي تنهت بعنف و تهمس
" كيف ..ماذا يحدث، يا إلهي رحمتك…أين أنت يا يونس " ظلت واقفة تبكي على قارعة الطريق لدقائق طويلة قبل أن تشير لسيارة أخرى فتركبها عائدة للمنزل وهي في حالة ضياع وفزع لا تظنه سيغادرها مطلقًا حتى تجد يونس.
༺༻

بعيدًا عن العاصمة وتحديدًا في المدينة الساحلية كانت بهية تمشي تزرع غرفتها ذهابًا وإيابًا في انتظار عامل التوصيل.
لقد عزفت عن المداومة بعملها بعد ما حدث فقد قدمت على إجازة لعدة أيام محاولة التفرغ التام لتصفية الأجواء فيما بينها وبين منذر ومحاولة إمتصاص غضبه، في النهاية هي ترى في كل جدال وصدام يحدث بينها وبينه كم الرحمة التي شملها الله بها حين رزقها زوجًا مثله أقصى ما يستطيع فعله في نوبات غضبه هو الصراخ وتكسير بعض الاشياء التي قد تعوض، لا هو قاسي يعنفها ويجلدها بالكلمات ولا هو متجبر فيكسر عظامها ويذلها كما كان يفعل يوسف ولأجل ذلك كان عليها أن تحاول قدر إستطاعتها السيطرة على الوضع وشكر الله دائمًا وأبدا علر النعمة التي تعيش فيها الآن، لكن فترة انقطاعها عن العمل جعلتها تنتبه أن هناك تغيرات تحدث لها، أعراض لم تزرها سابقًا، كم خافت أن يكون الضغط الذي تحياه جعلها تتوهم تلك الأعراض لكنها لم تجد بُدًا من التأكد.
ابتسمت بهية مستبشرة بالخير ليدق جرس الباب فتنزل النقاب على وجهها وتسرع وكلها يقين أن الله كما جبر خاطرها بمنذر سيكمل نعمته عليها.

بعد قليل..

كانت بهية تقف بترقب أمام اختبار الحمل وكل ما مضى يمر أمام عينيها كشريط عمر شديد المرارة، تذكرت أول فترة حيض زارتها بعد زواجها من يوسف والذل الذي عاشته يومها ولثلاثة شهور متتالية قبل أن يفرض عليها الذهاب لطبيبة أمراض نساء أكدت لها وله أنها لا تعاني من شيء قد يؤجل الحمل وأن عليه أن يقوم بفحص شامل ليتأكد من عدم وجود مشكلة لديه ليعود بها إلى المنزل ويضربها ضربًا مبرحًا كان يتكرر مع كل عادة شهرية لها حتى جاء إليها في يوم كانت تستعد فيه لامتهان جديد تتلقاه على يديه لكن يوسف دخل هادئًا على غير العادة كأن هناك ما يشغله، راقبت شروده دون أن تجرؤ على الاقتراب منه لكنه لم يدعها لتلتقط أنفاسها بعيدًا عنه وهو ينادي بصوت جهوري
" يا امرأة "
اقتربت منه تجري لتحمل عبائته عن أكتافه وتقول بخوف
" الحمام جاهز …الطعام جاهز …ملابس خروجك المسائي جاهزة …كل شيء يخص والدتك أنهيته وسأقوم الفجر لأبدأ في الخبز من أجل زيارة إخوتك "
لم يبد أنه استمع لها مطلقًا بل قال بحدته المعهودة
" أريد ماء ساخن لأقدامي أولًا"
سارعت نحو الحمام تجهز الماء وتضع به الملح الفوار والمعطرات ثم تعود فتجلس تحت قدميه تدلكهما برفق خوفًا من أن يبطش بها إذا استثقل حركة كفيها لتسمعه يقول
" ماذا تعرفين عن أعراض الحمل "
رفعت بهية عينيها له وقالت
" ماذا تقصد "
انحني نحوها بشكل أخافها وقال
" النساء حين تحمل يكون هناك أعراض مثل الدوار وغيره ماذا تعرفين عن ذلك " قالت بفزع
" أعرف الكثير فأنا درست كل هذه الأمو ، القيء ..الإعراض عن الطعام ..تغير الهرمونات …الأعراض كثيرة وتختلف من إمرأة لآخرى عما تسأل تحديدًا "
قال لها
" أنا تزوجت وزوجتي حامل الآن، لكني سأسجل هذا الطفل باسمك لذلك اليوم سأخبر أمي بحملك وبعد شهرين ستسافرين معي ولن تعودي إلا والطفل معكِ "
كأن هناك من ضربها بمطرقة حديدية ضخمة على رأسها، أصابها دوار مفاجيء وأصبح كل الكلام الذي يلي هذه الجملة مشوش يكاد لا يفسره عقلها لتشعر به يجمع شعرها بيده ويقول مهددًا
" لو علم أحد بما دار بيننا الآن سأقتلك، أريدك أن تقنعي الجميع حتى أمي بحملك، دعيني أداري على عقمك الذي بليتني به "
قالت بهية بانهيار
" أنا لست عقيمة، الطبيبة قالت"
هز يوسف رأسها بعنف وقال " ماذا تقصدين، هل الطبيبة ستفهم أكثر مني، لقد تزوجت وزوجتي حامل، العيب من من الآن "
قالت بهية
" حسنًا مبارك، لكني لا أريد طفل ليس لي أن يسجل باسمي، سجله باسم والدته، لماذا أنا"
وقف يوسف ودفع إناء الماء ليغرق السجاد من حولهما وهو يقول
" ماذا هل أصبح لديكِ لسان لتعترضي، هل نسيتِ نفسك ، أنت لا تتفوهي سوى بحاضر ونعم، أبنائي واسجلهم كيفما شئت، وتربيهم من شئت، فهذه الزيجة كانت من أجل الحمل وبمجرد وضعها للطفل سترحل "
قالت بهية محاولة إعلان الرفض قدر استطاعتها
" كيف ستترك ابنها، لا أم تترك ابنها، ثم الزواج المحدد باطل، هل ستأتي بطفل من زواج باطل ثم ستسلبه من أمه، أين ستذهب من الله " يومها كان عنفه مختلف، كان شيء قذر جديد عاشته معه، آلمها لا تستطيع تخطيه حتى الآن، كأن عظامها مازال تئن وجعًا مما حدث لها وياليت ما قاله كان الحقيقة فقد كانت الحقيقة أبشع بمراحل، تنبهت بهية لاختبار الحمل لتجد به خطين يمتدان جنبًا إلى جنب كطريق ممتد رسم لها لتسير به نحو النعيم، قلبها كان ينبض بعنف كدق الطبول، والإبتسامة تتسع أكثر وأكثر لتجري خارج الحمام ثم تسجد على الارض وتقول ببكاء
" الحمد لله…. الحمدلله…
الحمد لله، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته …الحمد لله " ظلت بهية على سجودها وكيانها بأكمله خاشع يبتهل إلى الله، سعادتها لم يكن لها وصف، واحساسها بكرم الله جعلها تقول ببكاء
" اللهم وفق بيني وبين زوجي واجمع بيننا على خير، اللهم اجعلني قرة عين لزوجي واجعلني قرة عين له، اللهم ارزقنا الذرية الصالحة " وقفت بهية تدور حول نفسها تكاد لا تعرف ماذا عليها أن تفعل، اقتربت من المرآة وكشفت عن بطنها تتأملها بابتسامة باكية ثم قالت
" هذا لطف من الله، الحمد لله، فتاة …بإذن الله فتاة، ما رأيك أن نفاجيء والدك بهذا الخبر، سأفعل لأجل هذه المناسبة شيء لم أفعله من قبل وسأقوم بزيارة مفاجئه له بالشركة ولعلنا نتناول الغذاء معًا بالخارج، مؤكد بعد هذا الخبر سيضع والدك كل خلافاتنا جانبًا وسيكون كل شيء بخير"
تحركت بهية بحماس لتتوضأ وتصلي ركعتين شكر لله ثم ارتدت أجمل ملابسها وتحركت خارج المنزل وهي تحدث صغيرتها كأنها تسمعها وتجيب، روحها من فرط السعادة خفيفة تحلق لم يكن يخطر لها على بال أن ما ينتظرها سيسقطها من سابع سماء لسابع أرض.
༺༻

بعد عدة أيام..

كان سلطان يساعد الشباب في صيانة سيارة نقل ثقيل تستعد للسفر مساءًا وقد التزموا جميعًا بالصمت فالحالة المزاجية لسلطان منذ أيام تجعله كمن يحك له على أنفه، من أقل تصرف غير مقصود يثور بشكل كبير رغم حرصه الشديد على ألا يؤذي أحد بقول أو بفعل، رنين هاتف قطع لحظات الصمت من حولهم فقال سلطان بعصبية
" من يرن هاتفه فليجب أم لم يسمعه "
قال سيد
" إنه هاتفك يا سلطان "
رمق سلطان هاتفه الملقى على طاولة الأدوات وتحرك مبتعدًا عن السيارة يمسح يديه بخرقة بالية قبل أن يجيب قائلًا " ماذا هناك يا عيسى "
رده أقلق عيسى الذي شعر أن سلطان منذ أيام وهو على غير طبيعته ودفعه ليقول
" سلطان هل أنت غاضب مني"
سأله سلطان بحدة
" لماذا تقل هذا "
أجابه عيسى
" لا أعرف ولكن طريقتك في الرد عليّ بها شيء مختلف، هل …
قاطعه سلطان قائلًا
" عيسى أنت لم تفعل شيء، رأسي فقط به أفكار كثيرة تشوشني هذه الأيام، لذلك لا تقلق وقل لي هل الأمور عندك بخير "
أجابه عيسى
" إلى حد ما، منذ عودتنا ورضا لم يدخل الشقة وكرم يتجاهل وجودنا تمامًا وهلال يحاول إظهار مودة وترحيب تجاه فاطمة لكنها تتعامل بحذر"
قال سلطان متنهدًا بعمق
" هذا الوضع أفضل بكثير من السابق، إذا هي بخير "
كان يريد سماع أخبارها بأدق التفاصيل لكن السيطرة الجبرية التي فرضها على ذاته فيما يخصها لكي لا يصدر منه تصرف غير محسوب جعلت هذا السؤال أقصى ما قد يبوح به ليجيبه عيسى
" بخير لا تقلق، في الحقيقة فاطمة هي سبب اتصالي بك اليوم "
سارع سلطان يسأل
" ماذا حدث "
أجابه عيسى
" إنها بالجامعة اليوم وكان عليّ إعادتها بعد نصف ساعة لكن رضا كوّم على رأسي كل العمل المتأخر وترك المحل ولا أعرف أين ذهب لذلك لن أستطيع الذهاب لها "
تصلب فك سلطان وقد أدرك مقصد عيسى لذلك في محاولة واهية للرفض سأله
" أين هلال "
قال عيسى بعشم طيب
" يشتري قطع غيار تخص الورشة، أعرف أني أثقل عليك في طلبي يا سلطان لو كان بامكانك إعادتها للمنزل سأكون شاكر "
قال سلطان
" لا بأس سأذهب إليها "
قال عيسى
" أنا لن أخبر فاطمة أنك من ستذهب لاحضارها لأنها لو علمت لن ترضى بتعبك وربما تأخذ سيارة خاصة إلى المنزل، فقط حين تكون عند الجامعة أخبرني وسأهاتفها لتخرج لك، أم تريد أن أرسل لك رقمها "
توتر سلطان بشدة وسأله يتقصى أمر في نفسه
" هل أخذت منك رقمي " أجابه عيسى
" لا.. لم تفعل "
عبس سلطان كأنه كان يعلم وقال
" حين سأصبح هناك سأخبرك"
ثم أغلق الخط وخرج بملابس العمل التي ترك بها الشحم أثر غاضبًا لا يدرك سبب غضبه كأنما تعانده وتضع كلمتها فوق كلمته وإن لم يكن بينهما كلام مطلقًا.
༺༻
بعد عشرين دقيقة كانت فاطمة تخرج من بوابة الجامعة ترتدي نظارتها الشمسية التي دومًا ما تلازمها في أيام الجامعة تحديدًا لأنها ترتاح في ارتدائها هنا، كأنها تعطي لعينيها المساحة لتحجب وتتفقد العالم من حولها على مهل دون أن يلتقط أحد نظراتها ويفسرها حسب أهوائه وظنونه، ربما ليست سعيدة كما كانت سابقًا، ليست مقبلة على الحياة كما ظنت أنها ستكون لكن يكفي أنها بخير، توقفت قدميها وهي ترسل رسالة صوتية لعيسى تقول بها " أنا بالخارج أين أنت " لتلتفت على صوت يقول لها
" السلام عليكم فاطمة " تفاجئت فاطمة بوجود عماد أمامها فظنته ربما جاء لمقابلة شخص ما بالجامعة فقالت بارتباك
" وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته"
ثم صمتت لا تدري ماذا تقول وحين همّت بالتحرك أوقفها صوته يقول
" هل تسمحين لي بالتحدث معكِ قليلًا "
قالت فاطمة بحزم
" وماذا بيننا لنتحدث به "
قال عماد
" ألا يمكننا الجلوس في مقصف الجامعة بدلًا من الوقوف هكذا "
قالت فاطمة برفض قاطع
" للأسف لا جلوسنا معًا يصح ولا وقوفنا معًا يصح لذلك أنا عليّ الرحيل ومن فضلك لا تتبعني"
قال عماد بإحباط
" أنا لا أريد سوى أن أفهم أسباب رفضك لي، في الحقيقة أنا معجب بكِ من فترة طويلة وأرسلت في طلب يدكِ من خالكِ ثم من إخوتكِ وحين أتى ردكِ الذي لم أتوقعه أحبطت كثيرًا لكن بداخلي عزيمة على تغيير رأيك بإذن الله، لذلك دعينا نتحدث لعلّي أفهم أسباب رفضك وأوضح لك أني سأكون زوج صالح بإذن الله "

༺༻
بالجهة المقابلة من الطريق ترجل سلطان من السيارة يتلفت يمينًا ويسارًا وهو يقول لعيسى بالهاتف
" أنا لا أراها "
قال عيسى
" لقد أرسلت لي رسالة للتو تقول أنها بالخارج، لعلك تقف على البوابة الخاطئة "
همّ سلطان بركوب السيارة قاصدًا البوابة الأخرى لتقع عينيه عليها، تقف مع شاب يعرفه فقد رآه يوم عقد قران كنزي، غضبه البائت بين أصابعه من أيام هاج ككرة نار تتدحرج من خافقه لتكوي كل أخضر ويابس بداخله، لم يهتم لكون عماد ضابط، لم يهتم لكونه لا يعرف ما يدور
وقوفها مع آخر يريدها لنفسه أجهز على كل سيطرة قد يتحلى بها، بخطوات مارد عبَر الطريق نحوهما وحالته الغير طبيعية تنذره بأنه مُقبل على شيء غير محسوب العواقب.
༺༻

في نفس الوقت وأمام جامعة أخري كانت رودين تسير بوهن ساقيها لا تكاد تحملاها وجسدها البض أصبح هزيل للغاية، شاردة وقد خبت الطفولة المتقافزة في أحداقها سابقًا، والحزن رسم على قسمات وجهها بدقة متناهية، رن هاتفها ففزعت كأنها استمعت لصوت سوط يجلدها بلا رحمة ورغم ذلك لم يكن متاح لديها خيار تجاهل تلك النغمة المتلفة لأعصابها فوضعت الهاتف على أذنها باستسلام ليأتيها صوته الرحيم الذي أصبح بالنسبة إليها صوت الشيطان
" ما بكِ تبدين كمن على وشك الموت، إن كنتِ تريدين الموت أخبريني فقط "
تلفتت رودين حولها بجزع وقالت
" هل تراقبني، أين أنت" أجابها
" حولكِ، هل فكرتِ بما أمرتك به "
هزت رأسها وقالت بخوف
" أنا لا أستطيع صدقني " جائها صوته المسترخي يقول " حسنا، إن كان هذا قرارك فتفقدي رسائلك لعلك تغيرين رأيكِ " ثم أغلق الخط في وجهها فأسرعت تتفقد رسائلها لتتفاجيء بكم الصور الفاضحة لها والتي لا تدري متى التُقطت لها، حالة من الصدمة و الفزع المميت اجتاحتها
فظلت ترتجف بعنف والعالم يدور من حولها حتى سقطت أرضًا فاقدة لوعيها، تجمع من حولها المارة الذين سارع أحدهم ليطلب الإسعاف ليخترق الجموع رجل ينحني ليلتقط هاتفها الذي سقط بجوارها ثم يحملها ويخترق الجموع بسلاسة متوجها نحو المركز الطبي.
༺༻
بعد قليل….

كانت أثينات تدخل المركز الطبي تهرول بخوف شديد لدرجة أنها ارتطمت بالحاجز الرخامي لعاملة الاستقبال فكادت أن تسقط أرضًا لتتماسك بصعوبة وهي تقول
" أرجوكِ …رودين السيد، طالبة جامعية وصلت منذ قليل"
قالت العاملة
" نعم اهدئي سيدتي، إنها بالطابق الثاني الغرفة رقم سبعة وعشرون، المصعد على يسارك "
اندفعت أثينات داخل المصعد وبعقلها تدور خيالات بشعة لدرجة جعلتها تصرخ بصوت مرتفع كأنها تثور على تلك الافكار المفزعة، لينفتح باب المصعد فتخرج منه تتخبط بين الابواب التي بالممر حتى لمحت رقم سبعة وعشرون فتقدمت نحوه في لحظة كانت أبطأ من كل لحظات الزمان، لحظة لسنوات لم يكن لها في العقل حسبان، اللحظة التي يخترقها صوته ويضربها كصاعقة أحالتها فتات دون موعد، كان ليس مجرد صوت ولكن ماضي عبر نحوها من بُعد سحيق ليقف على بُعد خطوات و يقول
" أين حالة الصدمة العصبية" توسعت عينيها وزاغ بصرها والقلب التفت بكله وإن لم يلتفت متلهفًا ليراه وان لم تره العين، كان من خلفها والغرفة من أمامها والخطوات تفصلها عن اللقاء.. لقاء لا يجب أن يكون، لا يجب أن يحن مطلقًا، بسرعة دومًا ما اتسمت بها دارت تولي وجهها للغرفة السادسة والعشرون وتقتحمها دون استئذان ثم تغلق الباب من خلفها وتستند عليه وقد تزعزعت روحها وتزلزلت وأضحت هي تدور في توابع الزلزال.
༺༻
انتهى الفصل الثالث عشر
قراءة ممتعة
ف انتظار آراءكم ❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-22, 03:39 AM   #65

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

فصل أكثر من رائع سلمت يداك

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-22, 07:38 AM   #66

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي ارض السيد

فصل اكثر من رائع في شخصيات نسينا قصصن من الجزء الأول والان عم حاول اتذكر مع الفصول القادمة اكيد منتذكر متابعة للنهاية شكرا بمجهودك معنا

سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-22, 08:13 PM   #67

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة داليا انور مشاهدة المشاركة
فصل أكثر من رائع سلمت يداك
شكرا لزوءك ولطفك
سعيدة ان الفصل نال اعجابك اتمنى افضل عند حسن ظنك ❤️❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-22, 08:14 PM   #68

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سناء يافي مشاهدة المشاركة
فصل اكثر من رائع في شخصيات نسينا قصصن من الجزء الأول والان عم حاول اتذكر مع الفصول القادمة اكيد منتذكر متابعة للنهاية شكرا بمجهودك معنا
تسلمي حبيبتي كلك زوء ولطف
قولبلي ايه الشخصيات ال نسيتيها وانا احاول اساعدك


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 03:15 PM   #69

nagah elsayed

? العضوٌ??? » 266456
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 922
?  نُقآطِيْ » nagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلم ايديك اول مرة اقراء رواية دسمة جدا كدة بالاحداث والأشخاص بس بحب جدا شاهين وسلطان عموما فى انتظار باقى الفصول

nagah elsayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 10:18 PM   #70

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nagah elsayed مشاهدة المشاركة
تسلم ايديك اول مرة اقراء رواية دسمة جدا كدة بالاحداث والأشخاص بس بحب جدا شاهين وسلطان عموما فى انتظار باقى الفصول
شكرا لزوءك ولطفك
اتمنى ال جاي ينال اعجابك وأفضل عند حسن ظنك ❤️❤️
ف انتظار رأيك ف باقي الفصول ❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:01 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.