شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   منتدى قصص من وحي الاعضاء (https://www.rewity.com/forum/f38/)
-   -   لِتَسكُنَ إِلَي (https://www.rewity.com/forum/t487420.html)

يسمينة مسعود 01-08-22 10:34 PM

لِتَسكُنَ إِلَي
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ☘️

ها قد تجدد لقائي بكم لطرح ثاني عمل روائي لي، مع أنني كنت أفضل أنني آخذ إجازة أطول قبل العودة للكتابة، لكن والله يشهد أنو بسبب الإصرار لكثير من الأخوات والقارئات الطيبات اللواتي صدقا تشجعت بفضلهم لهاذا قررت أنو نزل بداية هذا الشهر كنوع من الإحترام وجبر الخاطر، لأنني لا أنسى ولن أنسى جبر خاطركم لي بكلماتكم المحفزة في عملي الأول ????

والآن بخصوص الرواية الجديدة هي ستكون و كما تعلمون مسبقا ثاني جزء بعد روايتي الأولى "غيث الهوى" ضمن السلسة التي بعنوان "قبسا من نور"

أشكر المصممة المبدعة التي صممت لي الغلاف المتميز ولتحملها لدلالي، الأخت الطيبة
????Meriem Merouani????

https://f.top4top.io/p_2404l3ij50.jpeg

وعنوانها المعروف "لِتَسكُنَ إِلَي" بإذن الله هي رواية طويلة إجتماعية درامية رومانسية، مزيج من كل المشاعر والتي ستجعلكم تطوفون بين ثانيا أحرفها وتتجرعون من خلالها أسمى الأحاسيس من أمومة وأبوة، أخوة،عشق،حب،صداقة، تضحية... كلها دفئ وسلالة

وصدقا رح قولها وعيدها هي كانت روايتي الأولى لكن أجلتها لأنها غالية علي جدااااا حتى كون بكامل قوتي وقدراتي النفسية لكي أفرغ شحناتي بها عساني أستمتع بها وتشاركوني أنتم أيضا نفس اللهفة والإستمتاع ????????????

طلب صغير فقط وإعتبروه دلال مني رجاءا علقوا بعد كل فصل كي يتم الفصل بين الفصول في الموقع ????وشكرا مجددا لكل طيبة حفزتني بكلماتها الحنونة المشجعة أو حتى بالنقد مادام بأسلوب راقي ومهذب فهو على راسي طبعا ????????

ومجددا بارك الله فيكم و رح حاول إلتزم بالفصول قدر الإمكان ❤️
شكر خاص للكاتبة المبدعة الغنية عن التعريف شموسة Shaimaa Yousri Shammosah لخلقها الطيب معي وتحفيزها لي وكذلك الكاتبة الراقية منى لطيفي نصر الدين ????????

بخصوص صور الأبطال لستم ملزمين بالتقيد بهم إن أعجبتكم فلا بئس، ويمكنكم تخيل الشخصيات حسب خيالكم، أنا إخترتهم حسب ما شوفت بخيالي فقط ????

هاذي تصاميم صممتها بنفسي كبداية تعلم فن التصميم ????اذا عجبتكم امدحوني واذا ما عجبتكم نفس الشي امدحوني حبايبي????????

https://j.top4top.io/p_2410narxc0.jpeg

https://k.top4top.io/p_2410zbtiu1.jpeg

https://l.top4top.io/p_2410erkss2.jpeg

https://a.top4top.io/p_2410uuh353.jpeg

https://b.top4top.io/p_2410snk444.jpeg

https://c.top4top.io/p_2410o2rgb5.jpeg

https://d.top4top.io/p_24101jhuv6.jpeg

https://e.top4top.io/p_24105kjm47.jpeg

https://f.top4top.io/p_2410axwjb8.jpeg

https://g.top4top.io/p_2410qef6w9.jpeg

https://d.top4top.io/p_2428dyahl1.jpeg

https://c.top4top.io/p_2428m2o630.jpeg

المقدمة بإذن الله الليلة على ساعة العاشرة مساءا ❤️





روابط الفصول

المقدمة .. المشاركة التالية
الفصل 1
الفصل 2
الفصل 3
الفصل 4
الفصل 5
الفصل 6
الفصل 7
الفصل 8
الفصل 9
الفصل 10
الفصل 11
الفصل 12
الفصل 13
الفصل 14
الفصل 15
الفصل 16
الفصل 17
الفصل 18
الفصل 19
الفصل 20, 21 نفس الصفحة
الفصل 22
الفصل 23
الفصل 24
الفصل 25
الفصل 26
الفصل 27
الفصل 28
الفصل 29, 30
الفصل 31, 32 نفس الصفحة
الفصل33
الفصل 34
الفصل 35
الفصل 36
الفصل 37
الفصل 38
الفصل 39
الفصل 40
الفصل 41
الفصل 42
الفصل 43
الفصل 44
الفصل 45
الفصل 46
الفصل 47
الفصل 48
الفصل 49
الفصل 50
الفصل 51
الفصل 52
الفصل 53
الفصل 54
الفصل 55
الفصل 56
الفصل 57
الفصل 58
الفصل 59
الفصل 60





يسمينة مسعود 02-08-22 01:55 AM

لِتَسكُنَ إِلَي
 
🍂 المقدمة 🍂

:
•♡•
:


☀️"فَعرفتُ أَﻧَّﻪ قد ﻣﺎﺕ.. فخرجتُ أبحثُ عن ﻣﻜﺎﻥٍ
أجلس فيه، ﺃَﺑﻜﻲ ﻭَﺣﺪﻱ."

عمر بن الخطاب، يوم وفاة ﺍﻟﻨﺒﻲّ ﷺ☀️✨


:
•♡•
:



بيد مرتجفة وضع هاتفه على المكتب، إرتعشت مقلتاه بوهن وصدمة قد تجلت بشحوب وجهه المفاجئ، إستند على مكتبه عله يستمد منه بعض القوة كي لا ينهار جراء الخبر الذي تلقاه منذ ثواني، تعالى شهيقه ليزفر بعدها ببطئ محاولا السيطرة على تنفسه، ملاحقا ذرات الأكسجين، فجلس على كرسيه بضعف شديد وقد عجزت ساقاه على حمله أكثر ، رافعا كفه لياقته محررا رقبته من قيد ربطة العنق فاتحا أزرار قميصه عله يتنفس بوتيرة طبيعية، أغلق عينيه هاربا من ذكريات الماضي الموجعة التي إستنزفته كليا، ليفتحهما بعد برهة وقد غشيتهما طبقة شفافة لامعة تروي قصة عجز، فإنسابت دمعة حارقة تداعت لها جوارحه النازفة، سائلا نفسه بأمل قد بث بوجدانه فجأة بعد الخبر الذي أتاه من المشفى، هل سيتحقق حلم طال أمده، أيمكن أن يعثر عليها بعد طول سنين، أيعقل حقا أن يفرج الله عنهم وتعود لهم، تبسم إبتسامة كسيرة ماسحا دمعته متفائلا، وواثقا برحمة الله تعالىx فإستقام من مجلسه حاملا معه هاتفا ومفاتيحه متحركا بخطوات سريعة خارجا من الشركة، وهدفه هو المدينة المجاورة،عله يجد كنزه المفقود بها.


:
•♡•
:


** ربنا آتنا فِّي ألدنيا حسنةّ وفِّي الَآخرة حسنة وقِنا عذابِ النار وصلَى أّلَلَهِ علَى نبِينِا محمَدِ وعلَى آلَهِ وِأصحابِهِ الأخيار وِسلَم تسلَيما كثيرا **


أغلقت مصحفها الأسود ذو الزخارف الذهبية اللون بعد أن أتمت قراءة دعاء الختم ،واضعة إياه على المنضدة الخشبية بقربها ...تمتمت بالحمد كالعادة بعد أن ختمت ترتيل القرآن الكريم كاملاً لهذا الشهر ...تبسمت لذكرى والدتها التي دائما ما كانت تثني على جمال ودفئ صوتها في تجويد آيات الذكر الحكيم ...لازلت تخترق عقلها ومضات من ذكرياتها الماضية حيث سارعت أمها لتسجيلها في مسجد حيهم بمدينتهم السابقة عندما كانت بسن السابعة لحفظ كتاب الله ...لطالما قالت لها أن صوت المرء يزداد جمالا وعذوبة فقط إذا رتل أجمل كلام والذي أنزل من فوق سبع سماوات..عمت الراحة ثنايا قلبها شاكرة الله سبحانه فبعد سنوات قليلة من العزم وحسن الإخلاص تمكنت من ختمه حفظًا وترتيلاً ...وأهدت والديها أعظم هدية وهي عظمة الحصول على تاج الوقار لم تستطع أن تهديهما أغلى من هاذا... كنوز الدنيا لا ولن تعادل نيل هذه الكرامة من الله تعالى ..خاصة بعد أن كانوا نعم الأهل لها


تنهدت سحر مستقيمة من سريرها نازعة إسدال صلاتها بلونه الأبيض المزينة حوافه بورود صغيرة بنفسجية ليتحرر شعرها البندقي الطويل منسابا على ظهرها... إتجهت للنافذة مزيلة الستائر الرمادية قليلا والتي تناسقت مع نفس لون الجدران بالغرفة، هذه الأخيرة التي كانت تحتوي على سريرين منفصلين ذو الأغطية البنفسجية الداكنة حيث توسطهم مصباح جميل ويقابلهم خزانة متوسطة الحجم ذات المرايا الصغيرة وعلى يمينها مكتب صغير وضع فوقه كتب دراستها هي و أختها وكتب أخرى بمختلف المجالات...

فتحت النافذة فهبت نسمات هواء المساء مداعبة بشرتي... وقد تجلى لي أسفل بيتنا مجموعة من الأولاد يركضون خلف كرة جلدية ضاحكين بكل عفوية...إرتفعت زاوية شفتاي بإبتسامة دافئة على منظرهم البريئ.. فليس هناك أجمل من براءة الأطفال... عفوية ونقاوة تجسدت في تلك الأرواح الصغيرة، روح مشبعة بالحيوية والصفاء ليس لها أي غم ولا تحمل هم التفكير في الغد... لا شيئ يكدر صفو يومهم ولا يهتمون بشيئ إلا بالمرح... لو أدركوا حقيقة الكون لفضلوا البقاء أطفالا دون أن يوجعوا أنفسهم بصفعات الحياة...أحسست فجأة بقبضة قوية على قلبي عندما تذكرت أقوى صفعة تلقيتها في حياتي وأردتني أرضا ، مسببة لي قهرًا.. وألما، مخلفةً جروحاً نازفة ولازلت تنزف لحد الساعة دون توقف... تذرف دموعًا ودمًا جراء إنكسار صبيةٍ صغيرةٍ قادمة للحياة... إنكسارًا خلف آهات كثيرة...تمزق قلبها ولا زال يتمزق بسبب الحقيقة.. الحقيقة التي لطالما حاولت بكل قوتها أن تتجاهلها أو تتصنع نسيانها، ببساطة واقعها المرير وهي أنها رميت صغيرة... تركت في الشوارع هائمة...تم التخلي عنها دون رحمة أو شفقة...طفلة لم تبلغ الثالثة بعد حينها...كانت شعلة من البراءة... كيف إنعدمت إنسانية أهلها لترمى هكذا...لأي درجة تحجرت قلوبهم حتى تقذف بصغرها في درب الحياة دون معيل أو معين... مهما بلغت حقارة البشر فلن يبلغ الأمر للتخلي عن طفلة بريئة في الشوارع.. هذه هي أقوى صفعة... نعم تركت مرمية قرب حديقة ملاهي عندما كان عمرها ثلاث سنوات... ووجدها زوجين وتكفلا برعايتها بعد أن يأسوا من إيجاد أسرتها الحقيقية...


وضعت يدي على قلبي لعلي أخفف هاذ الألم الفظيع الذي يحتلني كلما تذكرت واقعي المرير...حسبنا الله ونعم والوكيل.. حسبنا الله فقط .. أخذت شهيق ثم زفير... وبدأت أهدأ تدريجيا والألم يخف رويدا...حمد لله على كل حال..لطالما كان قربي من الله معينا لي ،حمدًا للّه على ما أعطى وعلى ما أخذ فهو له الحكمة في كل شيئ...


رفعت كفها حيث رقبتها، متلمسة بأناملها الرقيقة عقدها الفضي، كل ما تعلمه أن هاذا العقد كان حول رقبتها منذ أن وجدت، حيث كان كله بالفضة إلا أن في نهايته إحتوى على إسم من ثلاثة أحرف كان "سَحَر" وحوله ورود صغيرة تزينه، لهاذا أطلق عليها والداها اللّذان كفلاها هاذا الإسم حينها، فقد خمنوا أنه إسمها بناءا على السلسلة التي كانت ترتديها حينئذ و أملا في أن تعثر على أهلها الحقيقيين مستقبلاً، ومن وقتها لم تنزعها من رقبتها، كم مرة كانت تتسائل هلا حقا إسمها سحر، لماذا تركوا القلادة معها إذا، بما أنهم تخلوا عنها؟ ما الجدوى من ذلك يا ترى؟


تنهدت بخفوت، ملقية هاذا الموضوع بمؤخرة ذهنها، لن ترهق نفسها بالتفكير أكثر،على الأقل فلتحافظ على رفاة القوة المتبقي لها علها تستمر بالعيش بسلام مع هذه الحقيقة.


توجهت لباب غرفتي مديرة المقبض مغادرة إياها باحثة عن شقيقتي... سبب عصبيتي في هاذ الكون هو تلك القردة الصغيرة... تحركت نحو غرفة المعيشة لأراها جالسة على الأريكة ذات اللون الخوخي ترتدي منامتها الوردية ذو الرسومات الكرتونية المفضلة لديها وشعرها بتجعيداته الجميلة منسدلا ، مقابلة للتلفاز تشاهده بتركيز وكأن سلامة العالم تعتمد على هاذ ... إقتربت منها بخطوات بطيئة لأرى ما تشاهد.. حسنا كالعادة تشاهد تلك المسلسلات الغبية...بالله عليكم ما الشي المميز في هذه التفاهة التي تعرض يوميا أمامنا... دنوت منها أكثر لأباغتها بأخذ الريموت من قربها مغيرة القناة بعدها.. فإستقامت الأخرة فجأة صارخة بحنق:


- لاااا لماذا غيرت القناة... ؟؟؟


رفعت حاجبي على رد فعلها المعروف ، لأرد قائلة بضجر: هلا أفهمتني فقط، ألا تملين من هذه المسلسلات الغبية... ؟


زمت شفتيها بعبوس ظريف، مجيبة بعنادها المعتاد: لا حبي لا أمل... بالإضافة إنه مسلسل محافظ وليس به ما يسيئ يا سحر...وحتى قصتة جديدة ولم تعرض من قبل... هلا أرجعت القناة الآن..


ضحكت عليها هازة رأسي على حججها المكررة، متجاهلة إياهاx آخذة معي آلة التحكم متحركة نحو المطبخ...


تقافزت شهد بخفة كأنها فراشة ترقص على بتلات الزهور خلف أختها محاولة إقناعها بسخافتها مرددة : سحر حبي... أرجوكِ أريد أن أرى كيف يتقابل البطل و البطلة...


دخلت الأخرى للمطبخ متوغلة فيه، هاذا الأخير الذي كان متوسط الحجم وبطابعه البسيط... فتحت سحر الثلاجة مخرجة الخضار منها... متجاهلة تذمرات شقيقتها التي لم تتوقف...


-سحر... سحرررررر.... ردي..ردي


تأففت الأخيرة عليها واضعة الخضار على طاولة.. مستديرة لهاx مردفة بحنق بعدها: حسنا.. سأخبرك نهاية مسلسلك الغبي ذاك.. حسنا.. البطل يتقابل مع البطلة على جرف جبل أو في المقبرة.. ويقعا في حب بعضهما البعض... ويعترف لها بعد شهر بحبه تحت ضوء القمر.. والأشرار يمنعون زواجهم ....ثم البطلة تنتحر والبطل يفقد الذاكرة.... بلا بلا بلا بلا..النهاية.... حسنا وهكذا إنتهت تفاهتهم...وأنتم تبقون كالحمقى تشاهدون قصصهم المبتذلة... (تخصرت سحر متابعة حديثها بضيق) بالله عليك نفس القصة تكرر في كل المسلسلات مع تغيير الممثلين فقط.. هم يأخذون الملايين لترويج لتلك تفاهة.. وأنتم كالعادة يتم غسل أدمغتكم بها وتقضون ساعات في مشاهدة تلك الحماقة... بدل القيام بشيئ ينفعكم في حياتكم.


رأيت ملامحها تتغير من الصدمة إلى الإستغراب إلى الملل... فأردفت شهد من بين أنفاسها الضاحكة : بالمناسبة البطل أبكم لن يستطيع البوح لها بحبه...


قلبت سحر عينيها على سخافة أختها...متحركة نحو رف الأواني مخرجة السكين منه متخذة مجلسا على إحدى الكراسي أمام الطاولة الخشبية لتقطيع الخضار...مغمغمة بتهكم: ماشاء الله ، بما أنه لديك وقت لتلك التفاهة تعالي وساعديني في الطبخ أحسن ..


همت شهد بالتحدث إلا أن صوت رنين الباب قاطعها، فتحركت لفتحه غير أن صوت سحر الحازم المنبه لها أوقفها: للمرة الألف أخبرك إرتدي إسدالك قبل فتح الباب يا شهد


قلبت الأخرى عينيها على نصائح أختها التي لا تنتهي ،فإتجهت لغرفتهم آخذة إسدالها مرتدية إياه بسرعة متحركة بخطوات سريعة شقية نحو الباب فاتحة إياه فتجلى لها إبن جارتهم الصغير ذو السبع سنوات لؤي، فإبتسمت ملئ شدقيها مرحبة به بلطف: أهلا لؤي، تفضل


تبسم الآخر لها والجا للبيت حاملا صحنا مغطى هاتفا بطفولية: أمي أرسلته لكما


خرجت سحر من المطبخ فأشرق محياها بعد أن أبصرت أحد تلاميذتها فهتفت بحب: أهلا يا بطلي


قهقه لؤي ببراءة فهو يحب حقا عندما تدعوه سحر بالبطل، دنت منه الأخيرة رابتة على شعره البني مستفهمة منه بدفئ: كيف حالك يا ذكي؟


بريق خاطف مر بمقلتاه البنيتاي فأردف بطفولية: الحمد لله بخير يا أستاذة (فرفع الطبق لها هاتفا) أمي أرسلت هذه الفطائر لكما


تبسمت سحر بحب على كرم جارتهم السيدة صفا الذي لا ينتهي، لطالما كانت تتذكرهم كل حين وتحسن لهما.


فغمغمت بإمتنان بعد أن أخذت الصحن منه مقدمة إياه لشهد لتتحرك هذه الأخيرة به نحو المطبخ: أخبر والدتك أن سحر تقول لك بارك الله فيك وجعلها الله في ميزان حسناتك


أومئ لها الأخير ببسمته الطفولية، فجلست الأخيرة على ركبتيها أمامه قابضة على كفيه مستفسرة منه بحنو: والآن يا بطلي أخبرني هل أتممت حفظ سورة التكوير؟ ؟


أومئ لها الأخير وقد تهللت أساريره هاتفا بحماس شديد: نعم أتممتها الحمد لله


تبسمت سحر بفخر مقبلة كفيه الصغيرين وقد توهجت مقلتاها بحب مردفة بحنان: أحسنت يا ذكي،كعادتك أنت مُجِد، كررها خلال صلاتك كي يثبت حفظها بعقلك، وسوف أسمعها منك ومن باقي الأطفال في الدرس القادم بالمسجد ، وقريبا جدا سنختم جزء "عَمّ" لننتقل لباقي الأجزاء من القرآن بإذن الله.


تحمس بشدة مردفا بحيوية: بإذن الله سأختم القرآن كاملا مثلك، وأرتله صباح مساء


إستقامت سحر مكوبة وجنته مغمغمة بلطف وكأنها تبث فيه سرا ،زارعة به عزما كي لا ينضب: تذكر ستكون يوما عالما وعلى ثغر من ثغور الأمة يا بطل، فإجعل القرآن رفيقك وسبيلك الأسمى، حسنا


أومئ لها الأخير بطفولية محاولا فهم كلماتها التي تبثها له هو وأصدقائه كل حين، رغم جهله لبعض مقاصدها إلا أنه يحبها كثيرا فهي معلمته بمسجد الحي والتي تكفلت بإرادتها التامة لتعليم القرآن وتفسيره لأطفال حيهم ، وكم يحب تلك الساعات القليلة التي يجتمع بها مع أصدقائه كل أسبوع معها، تشرف على تدريسهم أحكام التجويد والترتيل، وأحيانا كثيرة تقص عليهم قصص الرسل والصحابة ،وكم يستمتع حينها وتجتاحه موجة إرادة عازما أن يكون شخصا صالحا مقتديا بخير البشر في مقدمتهم الرسول الكريم صل الله عليه وسلم، علَ الله يحبه ويرضى عنه


لتبتسم له بحنو مبعثرة شعره هامسة: إنتظر سأعطيك شيئا خذه لليلى وميس في طريقك


تحركت بخطوات سلسلة نحو المطبخ فترائت لها شهد جالسة على الطاولة تتناول الفطائر فغمزت لها الأخيرة بحلاوة مستفزة، لتهز سحر رأسها عليها قاطعة الأمل منها هي وتصرفاتها الشقية، فإتجهت نحو إحدى الأرفف مخرجة علبة بلاستيكية متوسطة الحجم فاتحة إياها فأخذت الصحن من شهد، هذه الأخيرة التي زمت شفتيها بعبوس مضحك، حيث أفرغت سحر محتويات الصحن في صحن آخر، مخرجة عدة قطع من الحلوى التقليدية من العلبة واضعة إياها بذات الصحن وقامت بتغطيتها مقدمة إياها للؤي مرددة: خذ هذه الحلوى لوالدتك يا ذكي فلتأخذ نصفها والنصف الآخر فلترسله لميس، حسنا


أومئ لها الأخير بإبتسامة مهذبة، فقهقهت سحر بخفة هاتفة بعدها: أتعلم أمرا؟ خذ الصحن لميس أولا وقل لها هذه الحلوى لقد أرسلتها لك سحر فقد طبختها صباحًا، فلتأخذ منها النصف وترسل الباقي للخالة صفا، لأنني أعلم طبيعة أختك ليلى ستأكلها كلها ولن تتذكر ميس


ضحك لؤي بطفولية جذابة مهمهما ب"حاضر"، فغادر البيت متجها حيث أمرته سحر، فتنهدت الأخيرة مغلقة الباب خلفه،عائدة للمطبخ لتزاول طبخها


جلست على كرسيها متابعة تقطيع الخضار
فإقتربت شهد هي الأخرى منها، جالسة مقابلة لها بعد إحضارها لسكين آخر.. لتبدأ في التقطيع معها...بعد لحظات صمت مرت تحدثت بتردد :


- سحورة حبي


- حسنا بما أنك قلت سحورة فأكيد هناك طلب..


ضحكت على ملامحها المنزعجة من ملاحظتي..وكأنني إكتشفت سرها الخطير في طريقة أخذ مصالحها مني... فتوقفت عن الضحك رافعة حاجبي مغمغمة : هيا أبهريني بطلباتك؟


- أووه لم أكن سأطلب.. كنت سأسأل فقط


قطعت الجزر حلقات صغيرة الواحدة تلو بعض... مرددة بهدوء: وأكيد سيكون سؤال مستفز كعادتك..؟؟


عضت الأخرى على شفتيها كأنها تمنع نفسها من الثرثرة و قول ما تريده، فهتفت بتهرب:x لا أبدا... حسنا...إنسي


رفعت نظري لها فجأة...لأراها متوترة تواصل تقطيع الخضر أمامها أعرفها عندما ترتبك.. تقول خمسين كلمة في ثانية...تبدو مضحكة حقا أثناء ذلك...تبسمت بحب مردفة :حسنا شهودة أخبريني ما سؤالك ؟


إرتبك محياها الجميل أكثر مهمهمة: حسنا كنت أفكر... أنه...يعني منطقيا فقط... ااا..تعرفين الأمر...


قاطعتها بتململ: لا ، لا أعرف الأمر.. كَوِني جملة مفيدة مثل البشر... و أخبريني ما بك ؟


- ألا تفكرين في البحث عن عائلتك البيولوجية؟؟


إستفهمت شهد بسرعة..


تصلبت أطرافي فجأة وتوقفت عما كنت أفعله... لأرفع نظري لها ببطئ..فترائت لي مرتبكة متهربة بنظراتها مني...صمتت لم أجد ما أقول وكأن بكلماتها تلك أعادت لي ما فكرت به قبل سنوات...لكنني لم أستطع التنفيذ...جبنت حينها.. نعم خفت من الحقيقة التي قد أواجهها و إرتعبت من فكرة إبتعادي عن عائلتي.. صحيح هي ليست أسرتي الحقيقية لكنني عشت منذ طفولتي في كنفهم...كنت منهم وعاملوني كإبنة لهم وأكثر... ربوني فأحسنوا تربتي على طاعة الله ورسوله وزرعوا بي قيم الإسلام الحقيقية..


تكفلوا بتعليمي وتخرجت بشهادة الماجستير من الجامعة الإسلامية بمدينتي هذه..رغم بساطة عيش هذه الأسرة وتواضعها، إلا أنهم لم يترددوا بمنحها ما تريد دون أن تطلب حتى...هاذا الذي لا تكف عن شكر الله تعالى عليه.. رغم أنها كانت يتيمة ووجدت مشردة مرمية.. إلا أن الله أكرمها بأسرة طيبة بسيطة كفلتها وأحبتها كثيرا ولم تميز بينها وبين إبنتهم الحقيقية شهد.. بل زرعا بينهما حب الأخوة والتسامح والتنازل لأجل بعض...لولاهم لكانت الآن الله أعلم ماذا تعاني ، هاذا إذا ضلت على قيد الحياة من الأساس في الشارع ، أو لم تغتصب أو يتم قتلها وبيع أعضائها و إستغلالها في أمور أخرى لا تحمد عقباها ..لكن الله كان بها رؤوفا رحيما ..صحيح أنه تم تخلي عنها ..لكن على الأقل عاشت حياة جميلة بسيطة وسط عائلة أحبتها وإحترمتها ..


- سحر.. أسفة حقا... أنا فقط كنت أتسائل..أقسم بالله لا أقصد إزعاجك


إستفقت من شرود الذكريات على صوتها الذي غشاه الحزن...لأبتلع ريقي بألم و أتبسم لها بحسرة كسيرة متجاهلة وجع قلبي..رغم إختلاف الدم تضل أختي وجزء مني، هي نصفي الثاني الذي لن أتخلى عنه أبدا... فتحشرج صوتي مردفة بخفوت : أعرف صغيرتي...وإجابة على سؤالك هو لا لن أبحث عنهم..


- لكن لماذا ؟؟.. هم يبقوا أهلك.. و....


قاطعتها صارخة بقهر: أصمتي، أغلقي هاذا الموضوع... ممنوووع أن يفتح ثانية..


إرتعبت الأخرى فجأة من صراخي محدقة بي بصدمة...لأسترسل كلامي بعدها بوجع كبير : كنت صغيرة هل فهمت؟ صغيرة جدا.. رميت دون رحمة..لماذا أبحث عنهم.. ها..أخبريني لماذا.. ؟؟ هل لأعرف حقيقة تخليهم عني.. لأنني إبنة حرام و زنا...نتيجة شهوة غاب فيها الدين والعقل.. لأقهر أكثر.. لأنكسر مرة أخرى... بعد أن ضمدت جروحي بكم... لأموت بحسرتي بعد معرفتي الحقيقة... لأتدمر مجددا ومجددا...


إستقمت فجأة مغادرة المطبخ...ودموعي تسبقني جراء نزف جرح متقرح..نارا مستعرة تتقد بجوارحها، تحرقها بجمرات القهر، تنغل جوفها بسياط الألم.. أتنفس بصعوبة أحس أن قلبي سيتوقف من شدة الوجع.. جلست على الأريكة أهدئ نفسي من وقع الإنفعالات ...سكاكين حادة تخترق روحي كلما تطرق الحديث لهاذا الأمر، القهر ذاته بل يزداد مع الوقت دون أن يخف أو ينضب ، سنين طوال وهاذا الشعور لا يغادرني، وجعه مدمي للكيان مهلك للجوارح مستنزف للطاقة، يمتص حيويتي ليرديني بعدها كعجوز هرمة تنتظر سكرات موتها بعد أن جفت أنهر روحها، أحكمت قبضي على طرف الأريكة أكاد اخترق جلدها بأصابع يدي لعلي أهدأ قليلا أو أستمد القوة منها... أغلقت عيني بقوة عاضة على شفتي السفلى علني أتحكم في إشتعال مشاعري... ودموعي ما زالت تنهمر...إهدئي يا سحر إهدئي لطالما كنت قوية ...حتى الألم لن يكسرك حسنا ..تنفسي تنفسي ... تبا ما كان عليا أن أصرخ على شهد... ما كان علي أن أقسو عليها...هي أمانة في عنقي بعد وفاة والداي اللذان كفلاني ...إستغفرت الله تعالى فاتحة ستار جفناي موجهة نظري للمطبخ فلمحتها تقف على بابه وملامحها متألمة بعيونها المستجدية وكأنها هي المعنية بأمر حقيقتي .. زفرت بخفوت وكأنني أريد إخراج أوجاعي عبر زفراتي، إستقمت ببطئ و توجهت بخطوات سلسة لها جاذبة إياها لي أعانقها لعلي أخفف عنها ذلك الألم... وجع حملها لهمي وحقيقتي...هي أطيب من أن تفكر في هاذ الموضوع.. أعرفها جيدا.. تملك من النقاوة وصفاء القلب ما لا يملكه أحد أخر..رغم سنها الثاني والعشرين إلا أن قلبها كقلب طفل صغير في الخامسة من العمر...


تشبثت بي أكثر معانقة إياي هي الأخرى مرددة بصوت متحشرج باكي : فقط كنت أفكر أنه بعد موت والدينا لم يعد لك أحد.. لهاذا عليك أن تبحثي عن أهلك... ليس لأنني أريد إبعادك عني... لا والله... لكن من منا لا يريد أن يجد أهلَا يساندونه ..


أبعدتها برفق عني لأرى وجهها ذو الملامح الجميلة ببشرتها الحنطية الذي تزيد من بهائها والأنف الصغير و العيون البنية الداكنة كحبات القهوة المتلألئة بالدموع وكأنها تروي قصة وجعي الذي تريد أن تأخذه عني..مع شفاهها الصغيرة وشعرها بلون الشوكولاطة ذا الطول المتوسط الذي يصل لنصف ظهرها...أبعدت خصلات شعرها عن جمال ملامحها البريئة هاتفة: أنت عائلتي يا شهد، أختي وصغيرتي وقطعةً من قلبي.. خاصة بعد وفاة والدينا..بك وحدك الآن تختصر عائلتي.. عاهدت الله و نفسي أن لا أبتعد عنك حتى أطمئن عليك بأنك بخير..ولا تشغلي بالك بي حسنا..


أومئت لي بصمت ماسحة دموعها بكفها ..لتبتعد عني متجهة للمطبخ مرددة بصوتها اللَطيف : حسنا سحورتي أنا سأكمل الطبخ إرتاحي انت فقط...


أوووه تبا وداعا يا مطبخ ووداعا يا بيت...لألحق بها قائلة بسخرية: لا أيتها القردة لست مستعدة أن أخاطر بسلامة المطبخ أو إنفجار البيت لأجل حضرتك... أنا سأكمل...


لترد بعناد أكبر : أنِت فقط تقولين هاذا بسبب غيرتك مني لأني بارعة في الطبخ..


نظرت لها رافعة حاجبي إستهزاءا على كلامها وكأنني أقول لَها هل تريدين حقا أن أرد وأخبرك الحقيقة؟


لتقلب عينيها زامة شفتيها مرددة: حسنا...حسنا.. لا تنظري لي بتلك النظرات ،أعترف أنا أسوء من قد يدخل المطبخ يوما...إرتحت الآن جلالة الملكة سحر..


ضحكت بخفة على كلامها مجيبة بعدها: جيد أنك تعرفين نفسك حبيبتي...عاش من عرف قدر نفسه ....أنت و المطبخ ضرتان لا تتفقان أبدا.. هل تريدين أن أذكرك الشهر الماضي كدت تحرقين المطبخ بعد أن أردت طبخ تلك الوصفة التقليدية..


زفرت شهد براحة بعد تذكرها أنها ما زالت حية بعد تلك الحادثة: حسنا توقفي عن تذكيري... سحقا لم أرتعب في حياتي مثلما إرتعبت تلك اللحظات لم أعرف حتى كيف أغلق الغاز بعد أن إشتعلت النار في الموقد..


قهقهت على تعابيرها المنزعجة وكأنها طفلة صغيرة أخذت منها لعبتها المفضلة ... هممت بالرد.. لكن فجأة تعالى رنين جرس البيت مرة أخرى.. خرجت من المطبخ قائلة لشهد: لا تفتحي الباب إياك حتى أرتدي الإسدال هل فهمت؟


فأومئت لي بالموافقة... ذهبت لغرفتنا وإرتديت نفس الإسدال الذي كنت أرتديه قبل حوالي ساعة وخرجت متجهة إلى الباب فاتحة إياه.. لأرى وجه آخر شخص قد أرغب في رؤيته.. تبا.. لماذا أتى الآن... كالعادة لا يمل من أن يكرمنا برؤية وجهه كل يومين.. وكأننا نريد هاذا حقا..


نظر لي بتلك النِظرة التي إعتدت عليها منذ أكثر من إثنان و عشرين سنة أي منذ أن كفلني والداي رحمهما الَلَهِ.. نعم تلك النظرة اللَعينة التي لا ولن تتغير أبدا ..نظرة إحتقار وإزدراء... وكأنني حشرة.. لا أستحق الحياة.. سحقا كم أود أنِ أحرق وجهه البغيض هاذا...


قابلته بنظرة ملل سامحة له بالدخول...مخاطبة نفسي بعدها "صبرك يارب"


دخل بكل خيلاء مستفز...بذلك الجسد الطويل والممتلئ مرتدي قميص باللون الأزرق الباهت وسروال جينز ماثله اللون و شعره المجعد البني ..


أغلقت الباب وأنا أزفر بقوة هااا قد بدأنا...إستدرت له مجبرة نفسي على الإبتسام مرحبة به هاتفة : أهلا عمي ، تفضل


ناظرني من الأعلى للأسفل بنظرة أقل ما يقال عنها أنها إستفزازية..تبا لك ولعيونك الخبيثة ..


تقدم بخطوات بطيئة متخذا مجلسا على الكرسي الذي بجانب الأريكة..


تنهدت بخفوت محدثة إياه بهدوء: هل أحظر لك شيئا تشربه؟؟


تجاهلني كليا ..ما خطب هاذا المخبول ...حيث وجه بصره لشهد المرتبكة من نظراته مخاطبا إياها: ألن تسلمي على عمك يا فتاة؟؟


إقتربت شهد بخطوات مرتبكة بطيئة مرددة : أهلا عمي... كيف حالك؟


رفع المعني حاجبه بإستغراب مجيبا إياها بتهكم :حالي؟ أتسئلين عن حالي يا إبنة أخي؟ لو أهمك حالي حقا كما تقولين لكنت أتيت لزيارتي و إطمئننت علي بنفسك؟ ؟


سحقا ، المحاضرة المملة التي لا يكف أبدا من تكرارها على مسامعنا ...تحملي يا سحر تحملي ..لا تنسي أنه ضيف في بيت الرجل الذي قام بكفالتك وأحسن إليك....أحسني إليه إكراما لذلك العظيم الذي جعلك كإبنة له ...أردفت بلطف حاولت إختلاقه:


- شهد حاليا تدرس وليس لها الوقت يا عمي ، بالإضافة إلى أنه في أوقات الزيارة تكون زوجتك تعمل وأنت خارج البيت ولا يبقى فيه إلا أبنائك الذكور ..لهاذا...


قاطعني هادرا في وجهي ناظرا لي بإزدراء: كلامي موجه لها وليس لك أفهمت؟؟ ...ولا تناديني مجددا بعمي ..لست عما لك...وإذا كان أخي قد أشفق عليك وأنقضك من الشوارع هاذ لا يعني أنك فرد من أسرتنا أو تنسي أصلك الحقير ...


-عمي ما هاذا الكلام الذي تتفوه به...سحر فرد منا وهي أختي رغم إختلاف الدم الذي بيننا ووالداي أحباها كثيرا ولا أحد سيغير هذه الحقيقة أبدا..


ردت شهد بحنق شديد فهي لا تحتمل أبدا أن تجرح أختها الكبرى أو تتأذى


أغمضت عيني ضاغطة على ركبتي براحة يدي بقوة أحاول التماسك وأن لا أمسح بكرامته الأرض ..تنفست بهدوء ... هو أكبر مني حسنا ....تحملي هاذ ليس بجديد طوال السنوات الماضية وأنت تسمعين نفس التجريح هاذ ليس بجديد أبدا ...إذا لا تحزني ولا تغضبي...تحملي ...

وجهت بصري نحوه مبتسمة إبتسامة بلاستيكية مستفزة مستفهمة: يا زهير ...هلا أفحمتنا لماذا أتيت؟ ؟


صك الآخر على أسنانه مجيبا: تعرفين جيدا لماذا أتيت؟


رفعت حاجبي بمكر متسائلة ببرائة مصطنعة: لا ،لا أعرف...أكرمنا وأخبرنا ؟


أجابني بحدة وإصرار : لن أترك إبنة أخي الوحيد تعيش بمفردها بعد الآن...لن أطمئن عليها إلا وهي بقربي...ستأتي للعيش معي في بيتي ووسط أسرتي؟


شهقت شهد فجأة مقتربة مني ببطئ وكأنها تطالب بحمايتي ...نظرت لها وقد علت ملامح الهلع والتوتر ووجهها الذي كان قد شحب فجأة ...يريد أخذها إذا ؟..كمية الخبث الذي عنده تزداد يوم بعد يوم حقا...


أعدت بصري له متسائلة بتهكم صريح: أوه حقا، تريد أن تعتني بها ...حسنا هلا أخبرتني أولا من أين نزلت عليك هذه الشهامة؟ ( إبتسمت بإستفزاز مسترسلة في كلامي) من البر أو البحر يا سيد زهير؟


ضحكت في سري على محياه المنصدم من ردي وكأنه قد تفاجأ من تحول شخصيتي فجأة من الفتاة الهادئة المهذبة إلى أخرى شرسة متمردة...أووه تبا لم يعرفني بعد إذا ...شهد خط أحمر لم يولد بعد من يحزنها أو يأذيها وأنا لازلت أتنفس ...زمجر بعنف هادرا: إحترمي نفسك يا إبنة شوارع ..ماذا تقصدين أنني لست شهم أو ماذا؟


رفعت حاجبي مجيبة بحدة مماثلة : لا يهمني ماذا تفهم أو لا تفهم...لم تهتم بشهد سابقا ،ولم تبالي حتى بأخيك أو زوجته طوال حياتهما، ولم تكلف نفسك عناء أن تزورنا وتتفقد أحوالنا إلا إذا تكرم أبي و أمي وأخذونا عندكم طمعا فقط في صلة الرحم لرضا الله تعالى ..وبعد وفاتهم فجأة أصبحت العم الطيب الحنون ..وااو طيبتك ستقتلنا يا زهير


توسعت عيناه منصدما مرة أخرى..يبدو أن صدماتي له لن تتوقف


لتحمر عينيه من الغضب عاقدا حاجبيه بشدة ويرد بحدة أقوى: لا دخل لك في أمور لا تخصك ...شهد ستعيش معي شئتم أم أبيتم


لأهدر بقوة مماثلة وشراسة : أبدا لن يحدث ...في أحلامك الوردية ولن يتحقق هل فهمت ؟ ...وإن كنت تظن أنني سأصدق دور عمها النبيل المسؤول عنها الذي تمارسه فجأة فأنت واهم ...أعرف ما تريد الوصول له ...تريد أن تأخذها عندك فقط لتستولي على البيت ومعاش والدي ...وبعدها تطردني وتبعدها عني نهائيا ..


هب الآخر فجأة واقفا صارخا: أيتها اللقيطة أتتهميني أنني طامع في بيتكم ومعاش أخي؟


لأستقيم أنا الأخرى مزمجرة بقوة رافعة إصبعي في وجهه مجيبة بسخط: لسانك إنتبه له لكي لا أكرمك برد يناسب حجمك حسنا ...وإن فكرت أن تكرر طلبك بأخذ شهد مني أو تبعدها عني فأعلم أن نجوم سماء أقرب لك من أن يتحقق مطلبك هذا...تريدها أن تعيش مع زوجتك اللعينة وإبنك السكير ...خسئت، وخسئت سلالتك كلها...هل فهمت ؟


فرد هو بحنق : حسنا إذا يا إبنة الشوارع سنرى كلام من سيتحقق....


رفعت حاجبي بإستفزاز مرددة: حسنا إذا..والآن طريق الباب تعرفه أليس كذلك ؟؟..


توسعت عينيه بتفاجئ أكبر ليعلو الغضب محياه فإتجه للباب فاتحا إياه بقوة مغادرا البيت متمتما بكلمات لم نفهمها ...


جلست على الأريكة بضعف أدلك جبيني بحيرة وقد تشتتت أفكاري، فزفرت بتعب أفكر في هذه المعضلة، فأنا موقنة أنه لن يهدأ أبدا حتى يحقق ما يريده...يارب رحماك فقط...وجهت أنظاري إلى يميني لأرى شهد ترمقني بنظرات متألمة خائفة ودموعها قد إنسابت على وجنتيها...لأبتسم لها بدفئ: تعالي يا شهدي...


دنت مني متخذة مجلسا بقربي ،فرفعت يدي ماسحة لها دموعها مقبلة جبينها أبث لها شرارات الأمان: لا تقلقي صغيرتي لن يأخذك أحد ،حسنا


أنزلت نظراتها للأرضية شابكة أصابعها مع بعضهما البعض بتوتر وخوف كان قد تملكها مرددة: لكن ماذا سنفعل لمواجهته لا أحد لنا من بعد الله يا سحر؟ لا أخوال ولا أعمام آخرين ليقفوا في وجهه ...


تبسمت بدفئ أمسح على ذراعها بلين مردفة بعدها: ها قد قلتها بفمك يا شهد ...لا أحد لنا من غير الله تعالى ...حتى ولو كان كل العالم معنا والله لن يفعلوا شيئ من دون أمره عز وجل ...مادام من فوق العرش معنا ...فأكيد لن نخاف ممن تحته..حسنا


أومئت لي بإبتسامتها الدافئة...لأستقيم متجهة للمطبخ لأنهي طبخي وذهني مشغول بإيجاد حل لهذه المشكلة التي حلت علينا...



:
•♡•
:



ضلام يسود الأرجاء ..كنت تائهة في غابة مضلمة ذات أشجار ضخمة كثيفة ..أجول ببصري في المكان بنظرات متوترة مشوشة ...أبحث في الأنحاء علني أجد مخرجاً ..ليخترق مسمعي فجأة صوت هدير الماء..فركزت السمع متبعة مكانه ، متحركة نحوه بخطوات متعثرة خائفة...مبعدة الحجارة وتلك الأغصان المرمية على الأرض من طريقي ...لأتوقف برهة أمام مصدر الصوت، فإذا به نهر كانت مياهه هادرة والضباب منتشر بالمكان ...والذي بدأ ينجلي تدريجيا، لكن ما صدمني أكثر هو أن الضفة الأخرى منه يوجد به شيئ يتحرك ..فإقتربت أكثر من النهر عله يتضح لي مرآه..أمعنت نظري فيه ليبرز لي أن ذلك الشيئ كان عبارة عن أسد ضخم لونه أسود فاحم كليا يزئر بشدة وصوته قد ساد المكان ....وعيونه داكنة بنفس اللون.. كأن بها بريق حزن وإنكسار..لكن ما أثار إستغرابي هو أنه كان جريحا بجروح تنزف بدماء متدفقة وهناك سلاسل حديدية صدئة ممتدة من الأرض تقيده وتحيط به مانعة إياه من التحرر ...فجأة أدار رأسه لي بعيونه تلك، ذات النظرات العميقة ليتوقف زئيره بغتة ..كأنه كان يعاينني ...يتأملني ..ثم عاد يزئر مجددا مرة أخرى لكن هذه المرة كان مختلفًا وكأنه كان يطلب نجدتي..راجيا مساعدتي..


شهقت بأنفاس متسارعة وجبين متعرق ..وقلب خافق..تسارعت أنفاسي بشدة ..فعدلت جلستي بجسد مرتجف متكئة على ظهر سريري ..رفعت كفي ماسحة ذرات العرق...ثم وضعته على جانب صدري الأيسر حيث قلبي ذا هديره العنيف علني أريحه من نبضه الخافق..مرددة أية الكرسي عدة مرات ..


هاذا الحلم كان مرافقني منذ حوالي سنتين أو أكثر هو ذاته يتكرر كل مرة ..لكن هذه الأيام أصبحت أراه بكثرة ..فسابقا كنت أحلم مرة في الشهر غالبا ..لكن منذ ثلاث أشهر أصبح يتكرر لي شبه يومي ..أكيد ليست بأضغاث أحلام...إستلقيت على فراشي مجددا مرددة أذكاري علني أنام قليلا ...


رنة تلو رنة ...يتعالى رنين ذلك المنبه بهذه الغرفة البسيطة ..لتتحرك تلك النائمة وتمد يدها ذات الأصابع الرقيقة مغلقة إياه عله يكف عن إصدار ذلك الصوت المزعج ..رفعت سحر ستار جفنيها...محاولة فتح عينيها تدريجيا ..تلك المقلتين ذات اللون الأزرق اللازوردي ، تحيطهما رموش طويلة كثيفة، وذلك الأنف الصغير البهي لتكتمل ملامحها الجذابة مع وجهها الدائري وبياض بشرتها .. كلوحة فنية أبدعت أنامل رسام في رسمها وإتقانها ..


تثائبت قليلا لتجاهد نفسها محاولة الإستيقاظ فتصلي صلاتها المعتادة وتقوم الليل ...رفعت نفسها قليلا مبعدة خصلات من شعرها البندقي عن وجهها متكئة على ظهر سريرها مرددة أذكارها ..


أبعدت اللحاف عنها مستقيمة متجهة للحمام لأتوضأ كي أصلي ..لطالما شجعني حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يصف فيه ضحك الله تعالى للشخص الذي يقوم الليل وأنه يتباهى به أمام ملائكته ...فمنذ أن أتممت حفظ القرأن بسن الثالثة عشر عاهدت أن لا أترك شرف القيام أبدا والحمد لله رغم مرور إثني عشرة سنة إلا أنني لازلت متمسكة بعهدي مع لله .


وضعت سجادتي أرضا وبدأت أصلي ...عندما أتممتها فتحت مصحفي على سورة يوسف ..هذه سورتي المفضلة...بدأت أرتل وأنا أحس بنغزات في قلبي ...سيدنا يوسف أبعد عن أهله وأرضه وتعرض للفتنة و كان قد سجن وعذب لكنه صبر فجزاه الله تعالى فأصبح عزيز مصر ...لطالما علمتني هذه السوِرةّ ‏
"أن الجبر الإلهي إذا تأخر لا يأتي عاديًا أبداً."


أغلقت المصحف بعد إنتهاء القراءة ودموعي لازالت تنزل وتتسابق كموجات بحر متنافسة...يا ليتني أعود أو أجد أهلي مثل سيدنا يوسف فأكحل عيني بمرأى والداي الحقيقيين ..تذكري يا سحر هاذ إبتلاء من ربك إصبري فقط وكوني أهلاً له..كتمت شهقتي بيدي لكي لا أوقظ شهد...وجهت أنظاري لها وهي نائمة بسريرها ..تذّكرت عمها الذي يريد أخذها مني ..هو قاسي وخبيث القلب سيأذيها ،أعرفه جيدا وزوجته البغيضة نفس الشيئ والأسوء منه سيجرحونها ويعاملونها كالخادمة لهم ..خاصة مع وجود إبنها السكير لطالما كانت نظراته لنا وقحة وخبيثة... فسمعته سبقته بعلاقاته وتحرشه ببنات حيه ...شهد لن تصمد طويلا معهم فشخصيتها حساسة ورقيقة كثيراً ..تنهدت بقلق ملأ قلبي ورفعت يدي للسماء أدعوا الله بالفرج والقوة والصبر..." يارب لا أحد لنا غيرك أنت المعين والناصر والرحيم فإرحمنا يا رحمان، و لقد دعوتك موقِنًة بإجابتي ‏متضرعًةً مُتذَلِلًة في المسألة"...فجأة صدح صوت آذان الفجر فإنهمرت دموعي أكثر سائلة إياه القوة والثبات..


مسحت دموعي وإتجهت لشهد وقبلتها على جبينها محركة إياها لأوقظها للصلاة مردفة بهدوء: ..

-شهد...شهد..إنه آذان الفجر ، إستيقضي يا قردة..


همهمت الأخرى بخفوت ناعس : مممم سحر أتركيني خمس دقائق فقط...




إبتسمت عليها مجيبة إياها بشقاوة: ولا دقيقة..هيا إنهضي لتتوضئي ...لا تأخير في الصلاة ..المحافظة على صلاة الفجر من أسباب رؤية الله تعالى في الجنة لهاذا فالصلاة خير من النوم..يا كسولة


تجاهلتني متابعة نومها، فحركتها أكثر هاتفة بوعيد: إلا إذا أردت أن أسكب عليك الماء البارد مرة أخرى..


لتستيقظ فجأة بتعابيرها الفزعة مستفهمة : لن تفعليها؟


ضحكت بخفة عليها غامزة لها بتأكيد : صدقيني سأفعلها.


إستقامت مغادرة السرير، هاربة من تهديدي لتتعثر بركضها لكنها تماسكت في الأخير راكضة للحمام وأنا أتابعها دون أن أمسك نفسي من الضحك على ظرافتها ...


:
•♡•
:


تتحرك بالمطبخ محضرة الفطور ...فدلفت شهد بشغبها المعتاد هاتفة بفرح: سحر لدي خبر جيد وسيغير حياتك نهائيا


فأجابتها الأخرى بسخرية وهي تطفئ الموقد: حقا؟؟...دعيني أخمن إذا..إكتشفت أن سبونج بوب الغبي ذاك يعيش بالبحر


تحدثت شهد بتهكم مع تعابيرها الساخرة : يا إلهي سأموت من شدة الضحك ..

جلست على كرسي واضعة إبريق القهوة فوق الطاولة لتجلس شهد مقابلة إياها متابعة كلامها: لا حبي ...بل إزددت سنتيمتر طولا ..إنني أنمو حقا ..


ضحكت سحر بخفة عليها مردفة : بالله عليك لما كل هاذ الفرح طولك جيد مثل طولي تماما، أي طول متوسط لماذا تهتمين بزيادته ...


تحدثت الأخرى بتهكم وقد رفعت حاجبها: أولاً أنا أقصر منك بثلاث سنتيمتر وأيضا لأننا قصيرات يا ذكية ..




قهقهت سحر هازة رأسها على تفكير أختها فغمغمت: نحن متوسطات ولسنا قصيرات هاذا أولا.. ثانيا حتى لو كنا قصيرات أين الضير في ذلك، لم يكن القصر يوما عيبا، بل العكس تمامًا أحيانا يعتبر ميزة يا صغيرتي ..


سكبت سحر لها العصير ، فإسترسلت شهد حديثها: أنت وزنك مناسب لك ..لكن أنا عليا أيضا أن أسمن قليلا ..


قلبت سحر عينيها على سخافتها هاتفة: الفرق بيننا فقط اثنان كيلو غرام لا غير ، وعليك أن تتوقفي عن تفكيرك الغبي هاذا وأنهي إفطارك و إذهبي لجامعتك


-ممم تذكرت ...(وضعت حبة زيتون في فمها )متابعة حديثها : البارحة عندما كنت عائدة للبيت رأيت ذلك الرجل أسفل عمارتنا


عقدت حاجبي متسائلة: أي رجل؟


تحدثت شهد بهدوء متابعة فطورها: ذلك الذي وجدناه في المكتب بالمستشفى عندما رافقنا الممرضة قبل أيام ..عليك أن تري سيارته وااو حقا ..مشاء الله لم أرى سيارة بمثل جمالها ..


شردت في ومضات من ذلك اليوم ،فتنهدت مغمغمة بعدها: عادي ما الغريب هنا؟ ..قد يكون له أقارب أو صديق بعمارتنا و حينا


هزت شهد كتفيها شاربة رشفات من عصيرها مردفة ورائها: طوال عيشنا هنا لم أره ..لكن الأمر الأغرب هو أن أنظاره كانت موجهة لنافذتنا أي بيتنا بالضبط


إستغربت كلامها وتملكتني الحيرة وتشتتت أفكاري ...لأحاول أن أرمي كلام شهد بمؤخرة ذهني مرددة: المهم يا شهد ..لقد أحضرت البارحة معاش أبي ...لكن فكرت أنه علينا أن نزيد المبلغ الذي نمنحه لجارتنا هدى ...


نظرت لي مستفهمة بهدوء: لماذا؟


تنهدت سحر بخفوت وقد عم الحزن ثنايا قلبها هاتفة : إبنها صغير كرم يحتاج لعلاج أخر..هناك بعض الحقن عليه أن يلتزم به ..وإن تأخر أهله في العلاج فسينتشر سرطان أكثر...أشعر بالأسف تجاهه حقا ...أبوه مجرد موظب بسيط لن يكون بمقدوره توفير العلاج كله ..لهاذا فكرت أن نمنحها نصف المعاش على الأقل هاذ شهر ..وعندما أجد عمل سأمنحها راتبي حتى يتم شفاءه بإذن الله ..لهاذا سئلتك فهو مالك يا شهد ملكك أنت وحقك من والدك لن أعتدي على أمانة والديك أبدا ..


إبتسمت لي وكان مرحها قد تجلى بلمعة مقلتيها: سحر يا قلبي، أنت أختي وقدوتي لك كل الصلاحية بأمور المعاش أو البيت ...(ضحكت بخفة متابعة حديثها )أساساً جيد أنك هنا ..والله لو لم تكوني معي لكنت أسرفت المال بأول يوم وأحرقت البيت بثاني يوم..





قهقهت عليها وعلى صراحتها مجيبة: من الجيد أنك تعرفين نفسك قردتي ...إذهبي إلى جامعتك قبل أن تتأخري هيا ...


إستقامت حاملة حقيبتها ذات اللون الأسود الذي تناسق مع حجابها الوردي الجميل مقتربة من أختها مقبلة إياها على وجنتها هامسة لها بحب: أحبك يا أجمل سحر ...



:
•♡•
:



بشرفة مطلة على تلك الحدائق الخضراء الفسيحة الشاسعة المحاطة بالقصر الكبير المهيب ..تجلس صاحبة ذلك الجسد الرشيق وروحها ذابلة تأن من نزف كيانها الذي تشبع من طعنات خنجر مسموم بفعل شوقها الذي أنهكها وإمتص طاقتها ...قطرات من الجواهر البلورية تسقط من محاجر عينيها الزرقاء لتستقر على تلك الصورة التي بين يديها ..ملامح رضيعة بريئة كانت بها..وجه إبنتها الصغيرة تتأمله دون ملل لسنوات طوال ..علها تتشرب من جمال ملائكيتها قليل من القوة لتجابه الأيام القادمة بمزيد من الصبر والصمود ...


تراقصت خصلات من شعرها ذا اللون الأحمر النحاسي بطوله المتوسط أمام وجهها الأبيض الندي وكأنها تضمها تواسيها في عتمة لياليها ...أما آن أن يرحم قلب أم من لوعة شوق لاهبةٍ حارقةٍ ..أما آن أن يرفع ستار الآهات عن فؤادها...صغيرتها أخذت منها ..سلبت من حضنها ..قهرت ببعدها ..أدميت جوارحها بسهام ضلم فراقها.... وما زالت تعد الدقائق والساعات لتجمل مرآها بها.. فلعل الله سيعيد لها جوهرتها الضائعة..


تنهدت بإرهاق مضني ماسحة دموعها ..متفائلة بأنه سوف تفتح أبواب الفرج لها بعد سنوات طويلة من الأمل والدعاء


لتشعر فجأة بذراعين قويتين تضمانها من الخلف وقبلة رقيقة توضع على رأسها ...و قد إقتحم شخص ما خلوتها ..لتفزع مديرة رأسها له ..


- كيف حال أروع وأجمل إمرأة بالكون؟ ..


إبتسمت بحنو على مشاكسته مخاطبة إياه بحنو أمومي: الحمد لله بخير ..ألم تذهب إلى عملك أم أنك أصبحت تتكاسل ..؟؟


ضحك الآخر بخفة غامزا لها بجاذبية مرددا: جولي حبيبتي لماذا أنت قاسية هكذا..لقد تركت عملي لأجلك فقط يا حلوتي ..وأتيت ركضا لحضنك الدافئ حبيبتي


زفرت الأخيرة بملل مغمغمة بعدها: غزلك هاذ لن يشفع لك أمام والدك أو جدك إن علمو أنك تهاونت بعملك يا ولد


قلب عينيه على مبالغة والدته هاتفا بضجر : جدي هتلر لن يعرف مادمت لن تخبريه.. وأبي سأخدعه كالعادة وأخبره انني وقعت في حب والدتي لهاذا سيسامحني كالعادة...


ضحكت عليه بخفة متحدثة: حسنا سنرى أيها الشقي ..


جلس أمامها على الكرسي المقابل لها، فوقعت عيناه على تلك الصورة التي بين يديها وعلم كالعادة أنها كانت تفكر في أخته الصغرى التي إختفت منذ إثنان و عشرين سنة ..كم يحرقه ألمها ...لو علم أن هناك سبيلا لإقتلاع وجعها لفعل هاذا دون تردد...يعرفها عندما تختلي بنفسها ويحس بجمرات القهر تحتل جنبات صدرها ...لهذا أحيانا كان يفضل البقاء معها بالبيت وبغرفتها بدل الخروج مع أصدقائه... أو يختلس لحظات من عمله و جامعته ليأتي لها أو يتصل بها ليزعجها بأموره ، حتى ولو كان إتصال تافها ، لعلى أغبى إتصالاته أنه كان يتصل بها ليسئلها عن الساعة أو سائلا إياها لماذا السماء زرقاء... وكانت ترد عليه بحنق شاتمة إياه قائلة له إنضج مغلقة الهاتف في وجهه ..كان يريد إشغالها بأي شيئ المهم ألا تبقى لوحدها تتذكر وتتألم وتبكي ..حتى أنه بحث بنفسه عن أخته في سنواته الأخيرة لكن للأسف دون جدوى ..ليزفر بحدة بسبب قلة حيلته مردفا:

-أمي خمني ماذا حدث البارحة؟ ؟


رمقته الأخرى بنظرات متسائلة: ماذا حدث؟


تبسم بلطف مستفهما منها بخفة : أتعرفين صديقي رمزي ؟


عقدت حاجبيها في تفكير مجيبة: ذلك الذي رسب في أول عام له بالجامعة ستة مرات


ضحك عليها بشدة دون توقف ليهتف من بين أنفاسه: نعم ..نعم هو نفسه


رفعت حاجبها بتهكم مستفسرة: ما به مجددا..هل رسب للمرة السابعة؟؟


هز رأسه ضاحكا على تساؤلها مرددا بعدها: لا يا جولي..بل رآكِ في الأسبوع الماضي بتلك الجمعية الخيرية التي تديرينها ...والغبي إعتقد أنك أختي الكبرى ..لم يصدق أنك والدتي ..قال أنك صغيرة من أن تكوني أم لرجل مثلي...


رمقته الأخيرة بلامبالاة مستفسرة بملل: و المطلوب الآن؟


إنحنى لها قليلا قارصا خدها بشقاوة هامسا بعدها بمكر: المطلوب الآن يا حلوتي ...أن تكبري بسرعة لكي لا نستقبل الخاطبين بالأيام القادمة


ضربت كفيها ببعضهما البعض هاتفة بسخط: جيل قليل الأدب ..عديم الحياء حقا، إخجل يا فتى..


هز كتفيه ضحكا عليها مستفهما ببراءة مصطنعة: ما ذنبي أنا يا أمي ؟...هاذ ذنبك لوحدك..فأنت مازلت جميلة وصغيرة وكأنك بالثلاثين فقط وأنظار الخطاب لا زالت عليك ..هل يرضيك أن أحطم وجه شباب أخرين ...مثل ما فعلت مع الأحمق رمزي


شهقت بقوة ضاربة بكفها على صدرها بفزع : هل ضربته؟


قطب جبينه بإستغراب مجيبا عليها بتهكم: لا حبي ... قبلته و رقصت له ...أكيد ضربته يا أمي ..يتكلم عنك ويغازلك وتريدين مني أن أصمت ..ماذا ، هل أبدو لك كيس بطاطا ؟؟


أمسكت كفيه بيديها هامسة بخفوت: زياد بني حاشا لله أن تكون هكذا ..أنت فخري، لكن لا أحب أن تصيبك أي مشاكل بني أرجوك لا تتشاجر مع أي أحد ، من فضلك لا تحرق قلبي مثل حرق قبل أكثر من عشرين سنة ..


قبل كفيها بحب شديد مردفا بلطف: حسنا ، حسنا أمي إهدئي ولا تزعجي نفسك فقط..


وقف مقبلا إياها مرة أخرى على جبينها متابعا: الأن حبيبتي سأذهب للشركة لأتابع عملي قبل أن يأتي هتلر العائلة ..


لتبتسم له بحنو مرددة :وفقك الله يا بني


عقد حاجبيه فإستفهم بهدوء:على فكرة يا أمي متى سيأتي أبي ..ألم يكن يجدر به أن يعود قبل أيام؟


تنهدت بخفوت مجيبة إياه: نعم إتصل بي البارحة قال أنه سيتأخر قليلا ... لكن لا أعرف سبب تأخره ..


عقد حاجبيه بإستغراب مستفسرا بعدها: غريب حسب علمي أن مستشفانا وشركتنا بالمدينة المجاورة على خير ما يرام لا يوجد مشاكل بهما ..


لتبتسم والدته بحنان هاتفة: أنت لا تشغل بالك بني ...مساءا سيعود ونستفهم منه إن كان هناك خطبا ما ..


أومئ لها برزانة مغمغما بعدها: بإذن الله أمي ..حسنا أنا ذاهب الى اللقاء..


فأردفت الأخرى بدفئ أمومي: في حفظ الله بني ..



:
•♡•
:



غادرت سحر بيتها متجهة لبيت جارتها هدى مرتدية حجابها ذو اللون البني مع وشاحها الطويل القمحي...وما إن كادت أن تغلق الباب وتتحرك حتى سمعت صوت يناديها ..


-آنستي ..


إستدارت الأخيرة لصاحب الصوت وإذا به رجل طويل عريض المنكبين ببدلة رسمية رمادية مع ربطة عنق بنفس اللون و ذا بشرة قليلة السمار وشعر بني داكن به خصلات بيضاء بفعل السن مع عينين كستنائيتين وأنف حاد وتلك اللحية متوسطة الكثافة بها شعيرات رمادية وكأنها تروي سنه الذي تجاوز الخمسين سنة ..يبدو أنه من الطبقة البرجوازية الراقية، عقدت سحر حاجبيها محاولة تذكر أين رأته فملامحه بدت مألوفة لها ، لكن دون جدوى..فأجابته بهدوء: نعم يا عم هل ناديتني ؟؟..


أجابها الآخر بإبتسامة وقد تزايد بريق عينيه الغامضتين: نعم ...هل لي أن أكلمك وآخذ من وقتك لحظات ؟


طرفت برمشها عدة مرات مستغربة من الأمر فإستفهمت منه بهدوء : بشأن ماذا؟ ؟


إبتسم لها بحنو مردفا برزانة : أنا الذي تقابلنا بمكتب المستشفى قبل أيام إن كنت قد تذكرتني؟؟


عادت سحر بذكراها لتلك اللحظات متذكرة إياه إذا لا عجب أنه بدى مألوفا لها، فغمغمت : نعم تذكرتك ...تفضل؟


تنهد براحة مرددا بعدها: هناك موضوع أريد أن أتحدث به معك ، أتمنى أن لا ترفضي يا أنسة


زفرت سحر بخفوت، فتحدثت بإعتذار: أنا لا أعرفك يا سيد ، لهاذا لا أظن أنه هناك بيننا أي موضوع ؟


تحركت الأخيرة مغادرة المكان متجاوزة إياه لكنه فجأة أمسك معصمها هاتفا برجاء: أرجووك إسمعيني أولا


حدقت سحر بيده الممسكة بمرفقها ، فنفضتها بقوة و قد رفعت إصبعها في وجهه مخاطبة إياه بغضب و حدة :
يدك ..يدك هذه إن لمستني بها مرة أخرى لن تجدها بمكانها هل فهمت؟


إبتسم أكثر مخاطبا إياها بلين علها تقتنع : عذرا آنستي لم أقصد ..فقط أحتاج للكلام معك بموضوع هام جدا... حتى إذا أخبرتك أن هناك حياة أو موت به ..هل ستوافقين؟ ...من فضلك أنا بعمر والدك ونيتي سليمة لا ترديني أرجوكي..


ترددت سحر للحظات مجيبة: حسنا تفضل ماذا تريد؟


تلألأت عينيه بدفئ غريب قائلا: مارأيك أن نجلس في مكان ما ونتحدث بهدوء أحسن ..هناك مقهى في آخر الشارع بحيكم فلنذهب إليه أفضل ..


رمقته سحر بنظراته حائرة، مجيبة: حسنا لا بئس لكن ليس الآن ..سأمر على بيت جارتي وبعد ربع ساعة سأقابلك هناك ..وأتمنى أن لا يكون الموضوع تافها لأنني لست على إستعداد أن أضيع وقتي ...


تبسم الآخر بحنان مردفا بعدها بإمتنان: شكرا لك يا أنسة ..سأنتظرك هناك بعد ربع ساعة كما طلبت


أومئت له سحر بالموافقة متجاوزة إياه متجهة لطابق الأعلى حيث بيت جارتها ...



:
•♡•
:



فتحت السيدة هدى الباب فقابلها وجه سحر البهي الذي زادته إبتسامتها الحلوة ضياءا ونقاءا والتي حيتها:

-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا هدى


رحبت بها الأخيرة بسرور حاضنة إياها: وعليكم السلام يا سحر أهلا ..تفضلي


دلفت الأخيرة للبيت الجميل والذي كان رغم بساطته وتواضع أثاثه مرتبا و نظيفا كالعادة ، حيث تكلمت صاحبته بترحيب:

-إجلسي، وأنا سأحضر لك شيئا تشربينه ..


عارضتها سحر بسرعة متخذة مجلسا على الأريكة: لا لا من فضلك يا هدى...أرجوكي لا وقت لدي ...أتيت فقط للزيارة والإطمئنان على إبنك كرم.. كيف حاله الآن وماذا قال الطبيب؟ ؟


تنهدت الأخرى بحسرة وكأنها تصارع ألما جسيما بقلبها ..رغم أنها لم تتجاوز الخامس والثلاثين بعد، إلا أن مرض إبنها زادها سنوات جديدة لعمرها ..ملامحها تبدو أكثر تعبا بفعل التفكير بسلامة إبنها الصغير..فرغم بياض بشرتها وشعرها الأسود الذي لا يتعدى كتفيها وعيونها البنية مزال جمالها يشع كالعادة


فإتخدت مجلسا بقربها على الأريكة مغمغمة بعدها: الحمد لله على كل حال ...نحن نواصل قدر الإمكان أن لا نتهاون بالعلاج يا سحر ..وسنبذل قصارى جهدنا لكي يشفى..الطبيب طمئننا أنه في حالة ما داوم على العلاج والحقن فسيشفى بإذن الله ...والعلاج أصبحت تكاليفه تزداد ..وزوجي علي لا يقصر رغم ضيق حاله ..وأنا بحثت عن عمل لكن للأسف لم أجد ..إن تحتم الأمر فسنبيع بيتنا أو نرهنه مؤقتا ليتسنى لنا دفع تكاليف تلك الحقن وباقي العلاج...


مسحت دموعها مع تنهيدة مريرة بحلقها ..


أمسكت سحر كفها بحنو بين يديها وإبتسمت لها لعلها تزرع الأمل بين ثنايا قلبها هاتفة بحنو: لا تقلقي ...وثقي بالله تعالى فهو رحيم ..هذه فقط فترة إبتلاء لك ولزوجك يا هدى..والله إذا أحب عبدا إبتلاه لكي يرفعه ويطهره ويجزيه بكل خير إكراما له لصبره..لهاذا لا تيأسي أبدا مادام الله معك وإعلمي ما كان لا يخيب عبدا صالحا ..حسنا ..


إبتسمت لها جارتها بكل حب رابتة على ذراعها: لطالما أحببتك يا
سحر أنت مثل النسمة الدافئة التي تعم الأرجاء ...شكرا لك حقا على كلامك الجميل


فتحت الأخيرة حقيبتها الوردية متوسطة الحجم مخرجة منها ضرف صغير مقدمة إياه لها مردفة: خذي هاذ المبلغ ..إنه نصف معاش والدنا ..هو من أجل علاج كرم ...وأنا سأضع بعض الملفات في المدارس الخاصة لتعليم الأطفال لعلي أقبل للعمل...وأعدك أنه في حال ما قبلت أن كل الراتب سيكون لعلاج إبنك حتى يشفى بإذن الله ..لهاذا لا تخافي ستفرج بإذن الله..فقط أبشري خيرا


إنسابت دموع جارتها فمسحتهم ...فتوالت دمعاتها تأثرا لدعم سحر وأختها لها، فتحدثت بحشرجة : بارك الله فيكم يا سحر..أنت..أنت إنسانة رائعة حقا لا أعرف كيف أرد دينك أنت وشهد ..


تبسمت الأخيرة بتعاطف وقد لانت ملامحها فهمست: ردي ديننا بأن لا تستسلمي فقط وإثبتي لأجل زوجك وإبنك فهما بحاجتك كثيرا ...


حضنتها بقوة مرددة بإمتنان حقيقي: شكرا كثيرا، صدقا شكرا لن أنسى هاذا لكما أبدا ...


قهقهت عليها سحر مشاكسة إياها: توقفي عن هذه دراما بالله عليك ..أصبحت مثل شهد تتأثرين بتلك المسلسلات الغبية


إبتعدت عنها سيدة هدى لتستفهم ضاحكة: بالله عليك شهد تجننك كالعادة ..؟؟


تنهدت سحر تزم شفتيها بعبوس ظريف مجيبة: تجنني فقط !!..إذا هربت من البيت أو إنتحرت يوما ما ستكون تلك القردة هي السبب في ذلك صدقيني ...


قهقهت هدى هاتفة: كما توقعت إذا


إستفهمت سحر بهدوء: المهم الأن أين إبنك أريد أن أسلم عليه


إبتسمت هدى بلطف مجيبة: إنه بغرفته إذهبي إليه


إستقامت الأخرى متحركة بخطوات سلسلة لغرفتة فاتحة بابه بعد أن طرقت عليه وقد أذن لها بالدخول ،فتجلى لها مرأى طفل صغير لا يتجاوز عمره الست سنوات يلعب بلعبه المتنوعة، فهتفت بحب: كيف حال البطل اليوم؟


قفز كرم إليها بكل خفة معانقا إياها: بخير سحرور وأنتي؟


ضربته بلطف على رأسه مغمغمة بعبوس: سحر يا شقي سحر ، وليس سحرور ..


ضحك بقوة عليها مرددا: حسنا ،حسنا سحرور لا تغضبي


قلبت الأخيرة عينيها عليه دون فائدة مستفسرة بحنو: أخبرني يا بطل كيف حالك؟


إبتسم لها الآخر بطفولية مجيبا : بخير، فقد قال الطبيب أنني سأشفى إذا تعالجت فقط


ربتت سحر على شعره بحنان مردفة: جيد إذا....إسمع أتريد أن أخبرك سر يا كرم ..بشرط أن يبقى بيننا فقط؟ ؟


أومأ لها بفضول فجلست على ركبتيها أمامه لتصل لطوله ممسكة كلتا يديه الصغيرتين بين كفيها مقبلة إياهما بكل حب قائلة له: أتعلم أن الأبطال يقاومون ولا يستسلمون أبدا ...وإذا مرضوا أو شعروا بالتعب فسيحاربونه بكل قوة حتى يتغلبوا عليه، لهاذا عليك أن تكون قويا ولا تسمح لهاذا المرض الغبي بأن يهزمك...فأنت بطلنا الصغير الذي نفتخر به أليس كذلك؟


نفخ الأخير أوداجه بكل طفولية بريئة مجيبا بزهو: أكيد أنا بطل ولن أستسلم أبدا ، أبدا وسأخرج سيفي وسأقتل هاذ المرض الشرير يا سحرور


ضحكت عليه الأخرى بحنان ومازحته بشقاوة: إذا لن أخبر صديقاتي بأن كرم هزم ...بل سأخبرهم أنه قوي يواجه وينتصر، أليس كذلك يا بطل؟


تفاخر بكل شقاوة مجيبا إياها: طبعا ..وإذا مرضوا هم أيضا ...فسأحارب لأجلهم كذلك ،وأقتل المرض الشرير الذي لديهم..


تابعت ضحكها على برائته ووقفت مقبلة إياه على جبهته: الأن سأذهب وسأزورك مرة أخرى يا بطل ولا تنسى سرنا أبدا يا كرم ..وعد


رفع إبهامه لها كعلامة إتفاق مجيبا إياها: أعدك سحرور ...


كانت السيدة هدى تراقب وتسمع كلام سحر مع إبنها ..لطالما كانت سحر فتاة ذات قلب طيب حنون محبة للخير ولا تتوانى لحظة في مساعدة أي محتاج حتى ولو كان ذلك على حساب وقتها وصحتها...روحها النقية وتفكيرها المميز جعلها محبوبة من قبل الجميع كبارا وصغارا ..سمعتها كانت عطرة بفعل رفعة أخلاقها ودينها المشهود لها بكل حسن ...فعندما علمت بمرض كرم منذ تسعة أشهر لم تتأخر لحظة في دعمها هي وأختها الصغرى شهد سواء ماديا أو معنويا ، حتى أنها منحتها نصف معاش والدها رغم تواضع حالهم المعيشي هي وأختها..لكن لطالما كان الألم بعينيها الجميلتين وهاذ بسبب حقيقتها ...فهي قد تمت كفالتها منذ صغرها من قبل والدا شهد ..عاملاها كإبنة لهم وأكثر وأحباها حبا عظيما ...وهي كانت نعم البنت لهم فقد برت بهم وأحسنت لهم وكانت تعاملهم كأبويها بكل طيب خاطر ...حتى لحظات وفاتهم فتوفيا راضيان عنها وعن شهد .. تنهدت هدى داعية الله أن يجبر بخاطرها وأن يجمعها الله بأهلها عن قريب يارب..


دنت منها سحر مرددة بهدوء: سيدة هدى أنا سأذهب الأن، وسأزورك بأقرب فرصة بإذن الله


فقبلتها هدى على وجنتها وعانقتها بخفة بإمتنان: حسنا ، بحفظ الله وشكرا على كل شيئ حبيبتي ..


تبسمت لها الأخرى مشاكسة إياها: عفوا ..هاذا واجبي ..سحقا توقفي عن تلك دراما


ضحكت عليها هدى بخفة مجيية إياها: حسنا ،حسنا يا صغيرة ها قد توقفت ..


غادرت سحر بيتها مودعة إياها ،متجهة لذلك الشخص الذي ينتظرها بذلك المقهى محتارة بأي موضوع قد يكلمها ...



:
•♡•
:



يقف أمام تلك النافذة المفتوحة على مصراعيها بشموخه المعتاد مع هالته الغامضة الغاضبة التي تحيط به وكأنها تعانقه وتحميه من ما هو غريب.... سامحا لرياح شهر تشرين الأول بأن تقتحم غرفته بكل عنجهية علها تخفف من ضلمة دربه الحالكة وحرب هواجسه الشرسة ..واضعا كلتا يديه بجيي بنطاله الأسود الذي ماثل لون قميصه محددا ومبرزا جسده الرياضي ذو المنكبين العريضين مع طوله الفارع ..يراقب ناطحات السحاب المتجلية أمامه، وكأنها متنافسة فيما بينها ..محدقا بذلك الفراغ وعقله ينجرف خلف قهر تلك الليالي التي أنهكت قلبه وأحرقت روحه ، لتتحول حياته بعدها لرماد من وجع الأحداث المريرة كمرارة العلقم..لا زالت ومضات قاسية من أيامه الماضية غير آبهة لإفلات عقله من موجات الذكريات ..فتجعله هائما طريدا في عالمه الأسود البارد الموحش، تاركة إياه يعاني من سهاد الليل المضني ..


وضع يده بين عينيه مسدلا ستار جفنيه محاولا الفرار من جرح روحه النازفة ، هاربا من سواد ماضيه البائس الذي لا ينفك عن إرهاقه كل حين ..تنهد بتعب فاتحا عينيه ذات الرموش الغزيرة المحاطة حول مقلتيه السوداء الذي تماثلت مع لون شعره الفحمي ولحيته المشذبة بعناية التي تناسقت مع قمحيتة بشرته ...


شعر فجأة بكف تحط على كتفه وصاحبها يخاطبه بنبرة هادئة:


- ناديتك عدة مرات يا صديقي أين كنت شاردا ؟؟


تجاهل سؤال الأخير ، فأردف مستفهما منه، مغيرا الموضوع بنبرة باردة :هل أنهيت دراسة ملفات الصفقة الجديدة؟


تنهد مرافقه بخفوت مدركا طبيعة صديقه، فغمغم مجيبا إياه: نعم أنهيتها منذ ساعتين ولم أرى أي إشكال بها .. وقد إتصلت بهم وغدا صباحا سنقابل العملاء ونعقد الإجتماع لتوقيعها..


رمقه الآخر بنظرة جانبية هامسا له: جيد ..


إقترب الآخر منه ليقف إلى جانبه معاتبا إياه بهدوء: رعد ما بالك هذه الأيام ؟ أصبحت باردا أكثر لا تتكلم إلا قليلا ..أي كان ما يشغلك فأنا هنا سأساعدك..ثق بي


حول الأخير نظراته للذي يقف بجواره... أدهم صحيح أنه يعد إبن عمه لكنه كان كالأخ الحقيقي له والصديق الجيد الذي لا يتخلى عنه مهما كانت الظروف ...فهو لا يثق إلا بأفراد يعدون على الأصابع لا غير من بينهم إبنا عميه أدهم وزياد وأبوهما العم عصام ووالدتهم ماجدة وجده فقط ...فهو أيقن أن الثقة هي الدمار...تعني الطعنات والخذلان ...


ربت رعد بكفه على كتف صديقة هاتفا مع شبه إبتسامة: لا تقلق يا أدهم ..إرهاق العمل لا أكثر .


قابله الآخر بنفس البسمة مرددا: حسنا كما تريد لن اضغط عليك، لكن إن أردت التحدث فستجدني دائما إلى جانبك يا صديقي لا تنسى ذلك أبدا..


أومأ له رعد بخفة متجها للأريكة حاملا سترته السوداء مخاطبا إياه : فلنخرج لنبحث عن مطعم يعرض الأكل الحلال لأنني لا أثق إن كان هاذ الفندق طعامه حلال أم لا...


ضحك أدهم عليه مجيبا إياه بهدوء: معك حق صباحا طلبت فطور فوضعوا لي قارورة خمر معه !.. وصباحا أيضا ! لا حول ولا قوة إلا بالله ..


إرتدى رعد سترته هاتفا بعدها: ماذا توقعت إذا ؟..أنت بلندن ولست ببلدك العربي ..هيا فلنغادر وبعدها لنبحث عن أقرب مسجد لنصلي صلاة الظهر ..

تحركا الشابين مغادران الغرفة يتناقشان بأمور العمل التي لا تنتهي أبدا..



:
•♡•
:



دلفت سحر للمقهى البسيط بخطوات هادئة ..ليتضح لها مرأى ذلك الرجل بهيبته الكبيرة الجالس قرب تلك النافذة على طاولة خشبية مستديرة وبين يديه فنجان قهوته التي يتصاعد بخار حرارتها منها....


حضوره هنا يأكد تناقض هيئته وشخصيته مع تواضع المقهى وحتى الحي ..فهو واضح أنه ينتمي لعالم الطبقة البرجوازية ذات الثراء الفاحش..التي تختلف كليا عن عالمهم البسيط..إقتربت منه تدريجيا وإذا به يحول نظراته لها مبتسما بدفئ غريب مع لمعان مقلتيه البنيتين ...عادت بذاكرتها ليوم لقائها به ..حيث إتجهت مع شقيقتها شهد لمستشفى المدينة كعادتها بكل شهر كي تتبرعا بالدم..فلعله يكون هناك مصابا أو مريضا يحتاج لنفس زمرة دمهما فتكونا ساهمتا في إنقاذه ومساعدته لوجه الله تعالى وبالتالي يكونا لهما أجر صدقة جارية ..ولكن ما إن أنهت ما أتت لأجله حتى طلبت منها إحدى الممرضات التوجه معها لإحدى المكاتب لإجراء بعض الأمور الروتينية وما كان منها إلا أن سايرتها هي وشهد..فدلفتا معها للمكتب الذي كان أقل ما يقال عنه أنه فخم ...حيث كان هناك رجلا ذا هيئة محترمة جدا جالسا على ذلك المكتب الفاخر بحاجبين منعقدين وملامح غريبة متفاجئة..أو أنا من ظننت هاذا..لكن ما وترني أنه لم ينزل نظراته عني بل كان يتأملني دون أن ترمش عيناه ..لم تكن عيونه تحمل أي خبث، بل كانت نظراته عميقة جدا مع إرتعاش مقلتيه مركزا معها وكأنه يبحث عن شيئا معين بها...عن جواب لأحجية معقدة ..عن حقيقة كونية ما.... فبدأت الممرضة تستفهم مني عن عمري وعن مكان إقامتي ..والذي كان قد أثار توجسي فما كان منها إلا أن طمئنتني أنها فقط تساؤلات عادية يخضع لها كل المتبرعين بالدم كنوع من الحيطة وهاذا هو نظام المتبع بمشفاهم ..بعد أن أنهت ما حضرت لأجله غادرت المكتب تاركة إياه شاردا شاحبا مفكرا في أمرا ما ....


إستفاقت سحر من غمرة ذكرياتها بعد أن وصلت لطاولته قائلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إستقام الآخر مجيبا إياها بلطف: وعليكم السلام ..أهلا بنيتي، تفضلي ..


جلسا متقابلان ثم تابع سائلا إياها: هل تشربين شيئا ما؟


رفعت سحر حاجبها مردفة بهدوء: لم آتي لأشرب معك ...من فضلك هلا إختصرت وأخبرتني بماذا تريدني؟


تبسم لها بحنو متأملا عينيها، هامسا: حسنا سأخبرك لكن عديني أن تسمعيني للآخر دون مقاطعة


أومئت له الأخيرة بصمت منتظرة إياه أن يتكلم ..فأنزل نظراته لفنجان قهوته عله يستمد بعض الشجاعة منه..فتحدث بشرود:


عندما كنت طالبا بالجامعة أحببت فتاة كانت تدرس بنفس جامعتي...حيث درست أنا إدارة أعمال وهي كانت تدرس الأدب..كنت أراقبها كل يوم كانت فتاة رائعة تلتزم بحجابها ودينها غير مختلطة أبدا مع الجنس الأخر...فرضت إحترامها على الجميع فأحبها الكل بما فيهم الأساتذة ...كانت تخجل جدا لأبسط الأمور وذات حياء جذاب ...تميزت بإختلافها عن باقي فتيات الجامعة.. وكأنها قطعة ألماس محاطة بقطع من الحديد....لطالما راقبتها وهي تجلس بالحديقة مع صديقتها أو بالمكتبة تبحث عن كتاب ما ...كانت بديعة بإلتزامها ..جوهرة لا تمس أبدا..بل خلقت فقط كي يتمنى رجال أن تكون من نصيبهم ...كان إعجابي بها يتزايد يوم بعد آخر، حتى تحول لحب ومع الوقت لم يعد قلبي يسع لمزيد من حبها ...راقبتها لعدة سنوات من دراستي وبحثت ورائها فوجدتها محبوبة حتى بين جيرانها وبوسط حيها وتساعد الجميع رغم بساطة حالتها الإجتماعية ..فقررت أن أتقدم لها قبل أن يفوز بها شخص ما قبلي..ولحسن حظي أن إبنة خالتي كانت صديقتها المقربة..أي لها معرفة حتى ولو كانت بعيدة بأسرتنا.... لكنني كنت خائفا من أن تصدني كما صدت العديد من الشباب قبلي ...لهاذا قررت أن أخاطر فلا حل أخر أمامي...لازت أتذكر ذلك اليوم جيدا وكأنه حدث البارحة فقط...كان يوما شتويا ماطرا
إنتظرتها بسيارتي لتغادر الجامعة ..حتى أنني حفظت جدول دراستها ومواعيد إنتهاء محاضراتها من شدة تتبعي لها ...رأيتها تخرج من باب الجامعة متجهة للحافلة عائدة لبيتها ... أتذكر أنني إعترضت عليها الطريق بسيارتي مترجلا منها بعدها...و كنت قد تبللت بالكامل من شدة قوة المطر حينها وهي كذلك ..وإقتربت منها محدقا بعمق عينيها الزرقاوين ..همست لها بكلمات بسيطة لكنها تحمل بجوفها كل مشاعري تجاهها: بعد ثلاث أيام سأكون أنا ووالدي ببيتك لخطبتك ...فكري ووافقي، ولا فرصة لك للرفض ،فأنت زوجتي شئت أم أبيت


وتركتها مع ملامح الصدمة والذهول التي علت وجهها حينها..لا أستطيع أن أكتم ضحكتي كل ما تذكرت تقاسيم محياها أنذاك...وبالفعل وافقت بعد إقتنعت بي وبعدها بسنة فقط تزوجنا ...


رفع عينيه لها فأبصر سحر بملامحها الهادئة المستمعة المستغربة، وكأنها تتسائل ما الذي يدفع رجل لا تعرفه مطلقا أن يروي قصة زواجه من فتاة أحبها لفتاة أخرى غريبة عنه ..لهاذا أكمل كلامه علها تجد جوابها بين ثنايا أحرفه:

- تزوجنا وعشنا أجمل سنوات حياتنا مع بعض وكان حبنا يزداد يوم بعد يوم خاصة بعد إنجابها لطفلنا البكر أدهم فإزدادت حياتنا نورا على نور ..ثم بعدها بسنتين أكرمنا الله بطفلنا الثاني زياد فأنيرت أسرتنا الصغيرة بقدومه ...ثم حابانا الله مرة أخرى بحمل زوجتي وعلمنا أنها فتاة ..كم فرحنا وحمدنا الله عليها لأننا لطالما حلمنا بإنجاب أميرة صغيرة تزين حياتنا ...وبالفعل أتت هذه الأميرة ..كانت جميلة جدا..أحببناها حبا فوق طاقتنا ... و قد تجملت أسرتي الصغيرة بها ..كنا سعداء كثيرا بقدومها ..أخواها كانا يتشجاران لحملها واللعب بها ..أما أمها فهي حكاية أخرى كانت تمنع الجميع من الإقتراب منها حتى أنا ، وكأنها تخشى أن نلوث ذلك الملاك البريئ..مرت الأشهر وبدأت صغيرتي تتعلم الحبو ثم المشي وتدريجيا الركض بعدها ، فكانت زوجتي تركض خلفها وتلاعبها ..طوال حياتي لم أرى أما تحب إبنتها مثل ذلك الحب ..كان حبا غريبا مزيجا من غريزة الأمومة والحماية والعشق البريئ..وهكذا سارت حياتنا بكل سعادة حتى بلغت إبنتي عيد ميلادها الثالث..تغير كل شيئ منذ ذلك الوقت ..




أبعد نظراته عنها مبتلعا ريقه بملامح وجهه الشاحبة الحزينة وكأن هموم العالم كلها فوق كتفيه متابعا:


أرادت أن تكون هدية عيد ميلادها لسنتها الثالثة مختلفة عن باقي الهدايا فإتفقت مع محل المجوهرات أن يصنع لها هدية مميزة بعد أن أرته تفاصيلها..فصنع لها ما أرادت..قلادة بسيطة من الفضة الخالصة بحكم أن زوجتي تفضلها على الذهب ..(فضحك بحسرة وإبتسامة منكسرة مردفا بوهن ) غريب أن نرى نساءا تفضل الفضة على الذهب..كانت القلادة عبارة أن إسم إبنتي منقوش بالطريقة الكوفية..


أعاد نظراته لها ليراها ساكنة بجمود وكأنها تكتشف حقيقة ما، لتتسع عينيها تدريجيا بهلع بعد أن تابعت كلامي صادما إياها أكثر: كان إسم إبنتي المنقوش هو.. "سحر"

:
•♡•
:

🍂 إنتهى 🍂

☘️Yasmina Messaoud☘️

مياده احمد محمود 02-08-22 03:33 AM

بداية تحفة اوووي ومشوقة جدا مستنية الفصل علي نار 😍😍😘

مياده احمد محمود 02-08-22 03:34 AM

مستنية اشوف مقبلت سحر مع مامتها واخواتها 🥺 ولما تقابل رعد ياقلبي انا 😍😍😍

مياده احمد محمود 02-08-22 03:35 AM

سحر هسميها ابلة الناظرة 🙊 شهد قمري وحلاوتها 😍

مياده احمد محمود 02-08-22 03:36 AM

بابا سحر ولما قال لمامتها هنيحي نتقدملم ووفقي علشان انتي مراتي يخلاثي علي الجمال انا اكرشيت عليه خلاص 😌😌😌

يسمينة مسعود 02-08-22 01:14 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مياده احمد محمود (المشاركة 16024647)
بابا سحر ولما قال لمامتها هنيحي نتقدملم ووفقي علشان انتي مراتي يخلاثي علي الجمال انا اكرشيت عليه خلاص 😌😌😌

مهو عيب يا بت 😂😂😂الراجل متزوج ومعو ثلاث أبناء 😏شوفي شي شاب من شباب الرواية مناسب لسنك احسن 🙊🙊

يسمينة مسعود 02-08-22 01:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مياده احمد محمود (المشاركة 16024645)
سحر هسميها ابلة الناظرة 🙊 شهد قمري وحلاوتها 😍

حرام يختي سحر دي قمراية عسولة 🥺🥺🥺
بتفق معك بشهد فقط 🌚🙈

يسمينة مسعود 02-08-22 01:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مياده احمد محمود (المشاركة 16024643)
مستنية اشوف مقبلت سحر مع مامتها واخواتها 🥺 ولما تقابل رعد ياقلبي انا 😍😍😍

هالمشهد كثير مؤثر وأجمل ما كتبتت لهلا 🥺🙈

رعد تشه مهو نحنا بالبداية يختي 😂🤷‍♀️

يسمينة مسعود 02-08-22 01:21 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مياده احمد محمود (المشاركة 16024642)
بداية تحفة اوووي ومشوقة جدا مستنية الفصل علي نار 😍😍😘

استني يختي استني 😏


الساعة الآن 04:44 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.