01-09-24, 11:35 PM | #421 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| الفصل السابع عشر •معطف من أمان• تحرك ريبال بسيارة سند التي هرست الأرض أسفلها وصولًا إلى الشارع الذي امتدت الأدخنة فيه وحجبت الأفق. اندفع سند خلفه يشجان الحشود المكتظة بالصراخ، ركض سلطان القاضي بصحبتهم وأوقف شابًا يملأ دلوًا ضخمًا من الماء، لهث سلطان يسأله: -هل هناك أناس في الداخل؟ ترك ريبال الوقوف عن الإجابة وخطا نحو بوابة العطارة فيما استلم كمامةً من سند الذي هتف بحذر وهو يتجنب خرطومًا ضخمًا من المياه سلّطه أحد الشبان نحو السقف العلوي: -لا أحد في الداخل يقول عيسى الحمصي. رشق شابًا طنجرة ضخمة من المياه وصحح له: -لا.. لا يوجد الآن سوى ابنة نجيب آرام، فوالدها استطاع الخروج من السَّقف العلوي. تقطعت كلمات الشَّاب مع سُعاله فأخبرهم: -دخل البعض لجلبها، هي غير موجودة في الصالة الأمامية. شجَّ ريبال الطريق المفتوح وهرول سند خلفه، ارتطما بالناس التي تطفئ النيران التي همدت في صالة استقبال الزبائن، وتعبأت صدورهم بالأدخنة الفائرة التي غطّت المكان، تجاوزا الصالة بأكملها ووصلا الممر المشتعل الذي تعمل الناس على إطفائه، هرع رجل من الداخل يتجنب الزيوت التي تتزلج أقدامهم عليها، وأنجدهما: -البنت في الغرفة الداخلية ويصعب الدخول إليها. زفر ريبال بصعوبة وسارت خطواته حذرة بطيئة حتى وصل مقدمة الرواق الذي يربط الغرف الداخلية، جانبه سند الذي رأى الأمر صعبًا: -رباه، كيف وصلت إلى هنا؟ الدخول خطر يا رجل. تداعت أصوات الجميع وأنجزوا قدرًا من الرواق، دارت عينا ريبال بمخاطرة، وأوجز كل الحلول الممكنة والنيران تلتهم المكان حتى تعطّل شيء فيه مع وصول أنين خافت مستنجد. انضم قلبه إلى رجّة مهولة كادت تسحق عقله الذي كثّف الحلول برفقة سند الذي أخرجه لمكان يستطيعان التنفس فيه. اقترح عليه سند ومهند يصل لتّوه. -دعونا نفتح الجدار الخاص بالغرفة من خلف المبنى ونسحبها. أيَّد الجميع الفكرة وريبال يتحقق من شيء ما، أخيرًا أفرجت شفتاه سؤالًا بصوت أبحّ: -هناك نافذة طويلة بالغرفة كما أذكر، هل ما زالت موجودة؟ تخبط مهند ومسح خصلاته بتوتر: -أجل، أجل ما زالت موجودة. سريعًا ما تبادل سند نظرة معه في حيز التنفيذ، وافترّ عن مخططه: -نخلع النافذة ونخرج الفتاة. ألقى ريبال نظرة نحو نجيب الممدد على كرسي، تخطاه فيما يفر من المكان مع بعض الشبان الذين قصدوا محل الفرج للعدة، وسحبوا فؤوسًا ومجموعة مهدّات للحفر والهدّ، وأمر القائمين على رش المياه أن يسلطوها على الغرفة المقصودة. شمّر سند عن بنيته العضلية والتفوا خلف العطارة من الشارع الخلفي وتسلقوا المكان بفضل سطح حمام ودواجن لإحدى محال الدجاج، باتت الغرفة بمحاذاة السطح الذين يقفون عليه، أوقفهم أحدهم: -شباب لا يوجد أبدًا أي حسّ، أخشى أن يكون عملنا بلا جدوى. كزَّ سند على أسنانه وهدر فيه فيما خلع ريبال سترته البولو وربطها بذراعه: -هذا إن دلَّ على شيء، فهو أن نسرع وننقذ الفتاة يا رجل. كان مكان الهدم محددًا إطار النافذة، تسلق ريبال وفكَّ داعمها الفوقي وثبت قدميه في حالة ركوع على الرافعة الإسمنتية لمعاينة القضبان، هجم يزن من العدم وتسلق جانب سند في فكّ الداعم الحديدي مع ضخ الحفر حتى تشققت وانفكت أول دعامة منه وارتدت مما سهَّل على البقية فك الثانية متحاملين على الأدخنة التي تفور وتسحب كل أنفاسهم، انشقت الدعامة الثانية فقفز ريبال بعيدًا عنها حين انفكت الثالثة وتدلت بشكل جزئي عن الحائط، ركعوا أخيرًا فيما تصلب جسد ريبال حين حاول يزن التسلل وأمره بصوت غليظ: -ساعد سند وأنا سأسحبها. زأر سند فيما يسحب الدعامة كاملة وخلفه الشباب الذين شدّوا عليه، زاحم ريبال الذي اتكأ على النافذة السوداء وعاين المكان: -لقد وجدتها. انزلق ريبال من فوره ومدّ ساقه لأسفل وألحقها بالأخرى، استكان جسدها في إغماضة على الأرضية أسفله بلا مؤشرات حيوية وقد عشش الدخان في كل زاوية من حجرات جسدها، تخطى الطاولة المشحمة بالكامل وقفز حتى بات فوقها، رمقها من علو وأخذ وقته في نظرة متأنية طالت عن حدّ الطوارئ واندمجت في السلامة، سكن في وجهه تعبير إجرامي وهو يركع على ركبتيه وينتشل جسدها كله في حركة واحدة. ارتج ثباته في ومضة جسدية خطرة وازنها بلمح البصر ورفع بصره لسند الذي مدّ ذراعيه كي يتناولها فتراجع سند حين احتشد رفض صريح في عيني ريبال: -الأمر أشبه بمجازفة. -الغرفة شبه مطفأة، اخرج بها من فورك. تدلت كريشة خفيفة بين ذراعيه ينثر أنينها المتواضع نفحات مطمئنة مع حربها ضد صدرها الذي يطلق أنفاسه قصيرة متقطعة. تجمّد فكّه على وجهها المختلط بالزيوت والأدخنة، طالت نظراته عينيها وأهدابها الناجية من اللهب وملامحها النائمة هربًا، وارتطمت بذراعيها الموبوءة بالبقع الحمراء وجسدها الملفوف بمنامة بيتية فوقها وشاح التهمت النيران جزءًا لا يستهان به منه، قلّب جسدها بسهولة وأزاح الوشاح وأسقط السترة من ذراعه ورماها فوق خصرها. شد جسدها وانشق في الغرفة بحذر مع كل خطوة معرضة لمزلاج الزيوت. وتحرك مع أصوات الجميع الذين هتفوا: -الدفاع المدني وصل، الدفاع المدني وصل. اجتاز الممر بسهولة وساعده الناس في الانخراط بيسر على الأرض حيث رموا جوالات النسيج السالم أسفله كيلا يتعثر. نجت أخيرًا حين وصل بها الباب، اشتدت خطواته مع فتح جفنيها اللذين طالعانه وعادا للسكون من جديد، اهتز في صدره شيء أقوى، حاول هزّها لتستفيق وآذاه أن استسلمت للهرب ثانية. لم يدر بنفَسه الذي اخشوشن وتعالى مع حركتها الطفيفة، فأوقعت ثباته في حالة من الشد والجذب حتى أغرقها في حمالة الدفاع المدني الذين استلموها منه وسحبوها إليهم برفقة والدها. انسحب من المكان بذراعيين فارغتين يطالع علب الأكسجين التي تم ربط وجهي الناجيين بواسطتها. خلع الكمامة عن وجهه ورماها أسفله فيما تنطلق سيارة الإسعاف من المكان وسند يجاوره بإنهاك وقميصه مشقق والحروف تسقط عن شفتيه: -أقسم أن مهند هو السبب خلف ذلك. | ||||||||||
01-09-24, 11:35 PM | #422 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| لم يشأ عدي أن يلتحق في الانتداب الذي انربط به دون أن يصحح بضعة خطوط ويقومها. تنهد فيما يتمسّك بسياج منزل عائلته، ويثني جسده، أغمض عينيه وفتحهما فيما يرتكز بصره على فانوس معلق في حديقتهم. تباطأ قلبه مع صورة مرام التي يكن لها مشاعر وتتكون في قلبه غصة مريرة كلما لاحت في خاطره. هذه الفتاة الضائعة تشبهه، تمسّ فيه وترًا طفوليًا أقصاه بعيدًا ولم يربّت عليه أحد. بدأت معه كزميلة وانتهج معها ذلك، ربما أخطأ تقدير صدّه لها وعدم وضع الحدود التي حاول بناءها وفهمتها هي دوافع للتقدم، لم يشك للحظة أنها تحبه، أو أنّ مشاعرها ستنفجر بتلك الطريقة. رباه كان يحسبها صورة عنه، تناسخه في الوحدة والتشتت وتمزق الهوية، حتى نطحته بفاجعة أمها ووجد نفسه فيها حين فقد أمه مريضة وقد جار عليها الزمن وأبوه وأعراف عشيرته. سلخت عنه مرام كلّ جلوده، واجهت فيه مخاوفه وأيقظت كل ما نام في قوقعته، لقد كانت تنمو في قلبه كل مشاعر المواساة والتعاطف والحماية نحوها عدا الحب ولم يعلم أنه غرس فيها أسوأ أشواكه التي ستقتلعها نازفة. رفع ذراعيه والشمس تميل وتتسق خطواتها في احتضار، تذكّر عقد قرانه الليلة، ولم يحاول أن يتمطى تفكيره مما قد تفعله ميسم ويحثها جنونها عليه. تحركت كفّه وأخرج هاتفه من جيبه، وجد رسالة من ميسم تغاضى عنها تتوعده ورمق اسمًا بعينه. ازدرد لُعابه منهكًا، موجوعًا وقد كره طاعون حب استطلاع النساء وجذبهن الذي تناقله بالوراثة عن أجداده وبات محلولًا في دمائهم، مسح صورة مرام بإرهاق عاطفي صرفٍ، ثم فتح أيقونة اسمها وتنقلت الكلمات من قلبه إلى أنامله تمسح عنها وباء الخيانة الذي شخّصته مرام به بعد «لماذا» اليتيمة المرسلة منها. «لا يمكنني جمع الكلمات لتبرير نفسي، أو تقديم صورة حسنة عني، شيء واحد أودّ أن تتبنيه ولا أن تمسحيه بالكلية، حين أخبرتك أنني أمتلك مشاعر لك كنت محقاً، ربما كنت سيئًا بما يكفي بعدم توضيحها من جهتي وأسأت تصريف الأمور ولم أترجمها بشكل واضح، لكنك كنت تمثلين كل ما حُرمت منه كشاب لا أخت يملكها ولا أم ولم تكن في حياته رفيقة. لا أودّ أن تسامحيني أو تكرهيني، أو حتى أطالبك بالاستمرار في حُبي إذ لا أظنني امتلكت في قلبك هذا المقدار ولا أستحقه، كنت موبوءًا أنا الآخر بحبٍ لا شفاء له ولا حلول. لم يكن قلبي مُلكاً لي، كان معها ولا أودّ أن أثيرك بكلماتي وإن فعلت وسخطتِ عليّ سأشكرها لتكون حافزًا في إثارة كرهي الذي أستحقه منك كي أمضي وأنا مطمئن كأناني بذلك. كنتِ مميزة مرام وستبقين كذلك، ستتعافى أمك وتشاهدك تُزفّين لمن استحقك. شخص آخر غيري أنا. أتمنى أن تتجاوزي ما أحدثته رغم أنني لم أنويه ولم أخطط له ولم أتقصّد أذيتك، ورغم أنني فعلت ذلك بأسوأ الطرق. فاللعنة عليّ مرام، أنا لا أستحق دموعك وحزنك. كوني بخير أيتها الفراشة وافتحي جناحيك وانتقي زهورك بعناية. عدي. » لم يعلم أنه يرتجف لولا أن أخطأ في اسمه ثلاث مرات، ولم يدرك الوقت حتى ناداه أبوه لكي يلتحقوا بمنزل جده لعقد قرانه **** -يا شيخي لديّ شروط في زواجي هذا ولن أمضي الوثيقة دونها. هبط سقف الغرفة على من فيها، تخلخلت عظام صالح الشملان واهتزّ كفاه بعصبية، انفجر صوته في غضب رافض مستهين: -ما الذي تتفوه به ابنة رضا؟ منذ متى وعقود الزواج لدينا تتذيل بالشروط؟ مسح رضا وجهه بكفيه واستدار بمللٍ من المشهد فيما يتخذ راضي صوتًا مشابهًا لصوت أبيه وهو يأمر بفجاجة: -يا فضيحة آل شملان بين العشائر! هل هذه تربيتك يا رضا؟ تصرف يا رجل واقطع لسان ابنتك. سحب عُدي كف عمّه وضمّها في كفّه بقوة إذ تناغمت أنامله في رجّة عصبية، فردَّ رضا بهزة كتف متراخية بعد أن أسدل جفنيه بسخرية: -البنت ابنتكم، لا شأن لي بها، تصرفوا معها ونادوا إليَّ حالما تتفقون. تجاسر صوت ميسم وأملت شروطها التي دقتها وتدًا قاتلًا لتجبر عائلتها: -لن أسكن هنا في بيوت أعمامي بل سأكون في المدينة، وشرطي التالي أن أكمل مهنتي كما كانت. شرخ صوت جدها المجلس مستهزئًا والشيخ يحذرهم من مغادرته إذا لم يتفقوا. -هذه شروطك يا ابنة رضا فقط؟ ألا تظنين أنك قصرتِ؟ اكتبي أنك ستتركين له دور النساء في المطبخ والحكم بيدك أيضًا. فكَّ عدي زرَّ قميصه الثاني إذ يتجاوز الأول كالمعتاد وتنفس بعنف، لقد استنزفه اليوم في رسالته التي كتبها لمرام ولا طاقة له لصراعات عائلته، فيما أدار رضا عينيه بقهر وأشار للشيخ أن يقوم برفقته، كاد رضا يستقيم فجرّه عُدي الذي ينتفض عرق جبينه وأطبق حروفه المصابة في وريد رجولته من بين أسنانٍ كزَّها بحرقة فخرجت نبرته مبحوحة بطيئة: -ميسم ابنة عمي شروطها تمضي على رقبتي. أمال رأسه واستل كفّه يربت بها على رقبته، وعيناه تخنقان عينيها، تُلقّنان لها الحروف بتحدٍ: -وعنقي سدّاد لها ولكل ما تطلبه. شهق راضي وصفّق جدّه بغبن فيما انغلق المشهد على عينيه وعينيها، حربهما ونزالهما، ووعد نظراته قبل الغزو، فارتجفت، وتكثف الرعب فيها بجرعات مركزة، ساح وعيها بين إمضاء يديه على الوثيقة التي مررها لها الشيخ وضاع صوتها وهي ترمي الإجابات وكلها في حيز عينيه وحدٌّيهما، تبعثرت أناملها في التوقيع على ثلاث نسخ، لم تعد القلم لمكانه إذ علق في أناملها لحظات عناق عدي ورضا. توقف عدي وخلع سترته وتوجه نحوها بخطوات مفترسة ثم وبلا مقدمات بوغتت بمعصمها المرفوع لكفّه حتى ارتطم جانبها بجذعه فشهقت وهو يخبر الجميع: -من فضلكم أود زوجتي على انفراد. غرق وجهها في حياء وحرج ورفض، فاكتسح المشهد بركضه على السلالم وكفها تضربه وتتوقف: -اخجل من نفسك، لقد أحرجتني . لهث صوته وهو يحمل ثقل جرّها: -ما فادني الخجل كل تلك السنوات ميسم، عار عليّ لو انتظرت أكثر. غاب رضا في الداخل وترك والده الذي رمق أثر حفيديه وتمتم بضحكة متمرسة وحاجبه ارتفع بمشاغبة فخورة: -هذا الولد تربيتي. نزق صوت راضي واستقام: -والدي ليس وقت مزاحك، البنت علّمت على سمعتنا. قالها راضي وترك والده يتبسم في غموض ورجاء، فحفيده الثعلب فاقه دهاء وفريسته تتهاوى ويراقصها على أطراف أسنانه قبل الالتهام. وصلا السطح الذي أقبض قلبها إذ يحوي كل تاريخ حبهما وذكرياتهما وكل الوعود التي أطلقاها في صغرهما. توسطت برفقته السطح فوقفت لاهثة ونظراتها تصب حممًا حارقة عليه هتفت به من فورها كي تزحف عن قلبها مُرّ الذكريات وتنحّي مشاعرها جانبًا: -كيف تفعل ذلك وتتصرف بصبيانية، ألا تخجل من عمرك؟ أنهت ما قالته مرتجفة وقابلته فـارتطمت بكرتي النار المندلعتين في عينيه، استحوذ على مساحتها وجذب كتفيها في قبضتيه القويتين وهتف بصوت غليظ: -أنا لستُ راضي ولا صالح ولا خلدون، أنا عدي الشملان ومشكلتك معي فلا تدخّلي جدّي وأعمامي معي. تنفست بقوة وتمايل صدرها في صعود وهبوط فرمق ثوبها واستطرد بمشاعر مستبدة: -لم تنل مني شروطك، لقد وافقت بمزاجي. ازدردت لعابها فيما يكمل: -ألف حيلة وسد لن يحيلوا بيني وبينك يا ابنة الشملان فمتى تفهمين أنك تنتمين إليَّ. تبخر غضبها وانجذبت لصوته رغمًا عن كل محاذيرها، تتالت شهقاتها حين جذب الوشاح الذي تستخدمه هنا عن رأسها: -لقد حان وقت الإيفاء بالوعود. ختم على وعده الأول حين نال من شفتيها بنظراته مقدار قبلة وما يزيد، فتذكرت وعده حين كان مراهقًا أن يقبلها في بقعة الأرجوحة التي كان يلاعبها عندها. ارتدّت للخلف برفض فأخذها لأحضانه بحركة واحدة، مارست نظراته الاحتجاز والاكتساح بغير إنصاف، كادت تغمض عينيها مهزومة فحذّرها: -إلا عينيكِ المتحديتين دعيهما في مواجهة عينيّ. تزلجت أنفاسه فوق ملامحها الصغيرة وقبلت بقانون التحدي الذي فرضه بسلطوية، اختل جسدها وانضربت في هزة كهربائية حين لامست جسده، وارتفعت كفاه في ضمة حميمية لوجنتيها. هربت من وعيها صاغرة قبل أن تنضم شفتيها لختم أول مواثيق عهودهما ووعودهما، فقد مارس بحكمه على شفتيها كل ما حلمت به من افتراس واشتهاء خطر. **** | ||||||||||
01-09-24, 11:36 PM | #423 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| -يا مصيبتنا لو علمت أمي بما فعلته. انقطع تنفس يافا التي اصطدمت بروّاد المشفى الذي وصلته توًّا وتخبطت في مشيتها متذمرة: -سيقولون يافا التي تمشي بلا ذهن هي السبب. عقدت حاجبيها وأكّدت لنفسها: -بالفعل أنا السبب لقد نسيت في خضم تجهيزات خطبة مؤيد ومع ذلك غيم.. توقفت في مكانها وحذرتها: -لن تخبري أحدًا أنني فوّت موعدك هذا الأسبوع وإلا.. أشارت يافا لعنقها بطريقة إجرامية فأومأت غيم بلا حيلة وركضت تجري خلف يافا التي فوّتت عليها موعدها الطبي في المشفى. وصلت إلى قسم الطبيب منذر وسألت عنه فأخبرتها الممرضة: -الطبيب منذر خارج البلاد هذه الأيام. ضربت جبينها متذكرة سفره بشأن أخته نجوى، كادت تستسلم قرب غيم الواجمة لولا أن التمع في مخيلتها إشعار تذكيري ذكرها بنسيبهم الطبيب سند، وإن كانت رها ليست شقيقتها فهي بمثابتها وأعز، استدارت حول غيم متحمسة: -وجدتها، الطبيب سند هو من سينظم لنا موعدًا. نطّت من فورها صوب الممرضة وسألتها: -الطبيب سند القاضي أين هو قسمه؟ عنونت لها الممرضة مكانه فالتفتت لغيم وأملتها إشارة الركض وانطلقتا حتى وصلتا قسمه، وصلت مكتبه ووجدته مغلقًا فهمّت بسؤال المارّة، تبرع لها أحدهم: -هو في المقهى الآن. تنهدت بتعب ورفعت كفها مستفهمة فدّلها على الطريق. هبطتا السلالم وضاعتا في البحث عنه بهذا المقهى الواسع حتى ارتطمت برأسه الذي يعلو ظهره الواسع، شهقت تشير لغيم التي تم نضجها من التعب والركض: -ها هو لقد عرفته من رأسه وخصلاته البنية الكثيفة. حجمّت خطواتها حال قربها الوشيك من طاولته التي يشارك أحدًا ما فيها: -إحم، السلام عليكم طبيب سند. رفع سند رأسه والتفت لها فوجدها تقدم قدمًا وتؤخر أخرى، قطّب جبينه فيما يتعاون معها ببسمة عملية: -وعليكم السلام تفضلي. توقف سياف عن التركيز مع هاتفه فيما أراحته أنامله من انهماكها، فرفع رأسه مع تجاوب سند المرحب مع الفتاتان اللتان جاءتاه حتى بات وجهًا لوجه مع يافا -لقد نسيت موعد شقيقتي وأنا في حالة اضطرارية لإجراء فحوصها اليوم فهلّا أمكنك أن تعطي لنا دورًا وتمشيه بسرعة؟ تحقق سياف من عينيه، حرّك الهاتف جانبًا كي يتأكد. تنفس بهدوء وطالع وجهها بتمشيط كامل ولم يجد في نفسه شكًّا، هذه يافا التي عرفها. تحركت حنجرته بتأثر تحكم فيه بسلاسة حين طارت مشاعره وباتت وجبة مسلية. فقد وجد شيئًا يعجبه دون أن يبحث عنه وهنا اكتملت متعته وهو يترك نفسه كاملًا للحديث الدائر. نقر سند على جسر أنفه وصحح وضعية نظاراته بعدما عرّفته يافا بنفسها، هو قبل دخولها كان خارجًا لقسم الأورام فله هناك جلسة مطوّلة، رمق سيّاف الذي اتكأ بمرفقيه على الطاولة في متابعة لحديثهما وطلب منه: -سيّاف هذه من طرف منذر هلّا أمكنك مساعدتها فمواعيدي باتت على وشك! تمطى فم سيّاف في كسل فيما يتناول دثار الإنسانية والمساعدة ويضرب على صدره: -حسنًا قل لي أين هي مواعيدها. استقام سند وفعل سياف مثله فرمقتهمها يافا بنجدة وتركت ثقل جسدها على قدمها المتحركة بتردد، أخبرها سند قبل أن يغادر: -هذا سياف سيساعدك ويقضي أمر موعدك، بالشفاء لكما. هزّت رأسها عدة مرات واستسلمت لسياف الذي قادها بعملية مطلقة نحو موعدها، لاحظ أنها لا تتبعه بل تمشي معه. توقف فجأة في منتصف الممر وسألها بجدية: -ما هي العلاقة التي تربطك بـ الطبيب منذر؟ ارتدت للخلف مع مفاجأتها من حركته وتحريك عقلها بكون وجهه مألوفًا، نظمت حديثها سريعًا شارحة له: -شقيقي يعمل في مصرفهم مديرًا للودائع. مؤكد هذا أحد الشبان الألف والمئة الذين تقع في حبهم كل يوم، أخبرت نفسها بذلك مع حركة حاجبه البطيئة وملاحظته السريعة: -أجل عرفته، نديم علّام أليس كذلك؟ هزَّت رأسها موافقة فاستدار بذات الطريقة المريبة وتبعته إلى قسم غيم. تولى الإجراءات وتمّت تمشية دورها بوساطة كما طلبت، أشرف على كل لحظة لغيم ولم يتركها حتى تأكد من نتائج الفحص الدوري للقوقعة التي ترتديها غيم بفضل السيد علاء الذي تكفّل بحالتها علاجيًا. خرج برفقتهن من مكتب الطبيب المشرف وأخبر يافا بصرامة مرعبة: -اسمي سيّاف، لا تنسيه وتذكري ذلك جدًا. **** سحبت فِضّة فك أسنانها من فمها ووضعته في حافظة خاصة بالمحلول فيما تنادي: -البصل سيّاف، رائحته وصلت حتى الغرفة. وصلها صوته الذي توقف عن الغناء وأخبرها: -لونه ما زال ذهبيًا، لا تقلقي أم سياف ستخرج من تحت ذراعي أشهى قلاية طماطم. ضحكت فيما يصدر الزيت صوتًا منفجرًا مع سكب محتوى الطماطم عليه، رفعت كفها بتعب ولسانها يلهج بالدعاء له وفكّت ربطات ضفيرتيها. انتظرت دقائق فعاد إليها محملًا بصينية ضخمة وقدمها لها -الآن ستخبريني أيهما أزكى طعامًا! أطباقي أم أطباق ابنة شقيقتك. بسلاسة رفعها عن السرير وحرك ساقها السليمة ومدَّ الأخرى المبتورة وخفّض سريرها الطبي بمحاذاة الطاولة الخاصة به، ضحكت فيما يناولها أرغفة الخبز وقالت: -كلا الأطباق لذيذة سياف. ضمَّ قطعة خبز وغمسّها باللبنة ورفعها لفمها: -لن أقبل، كوني ذات موقف واحد وأخبريني الحقيقة. لاكت اللقمة في فمها: -أقسم لك أن مذاق طهوكما واحد. صرخ بمزاج نزق: -اتقي الله أمي، نَفسي في الطهو لا يشبه نَفس ابنة شقيقتك التي تركت ضفائرك بلا تمشيط ولا تعديل. رفعت كفها وبررت له: -لا، لم تهمل شعري لكنني أنا من طلبت منها أن تمشطه اليوم. نفخ شفتيه مشمئزًا: -دافعي عن أساس البلاء والخراب فضّة، ابقي هكذا مدافعة. ضحكت وأشارت له بكفها كي يقترب وجعلته يقبلها، ولدها وحيدها الذي لم يترك المنزل منذ حادثة ريبال، يسمح لخلود التي يستخدمها بشكل مأجور أن تمر لبضعة ساعات ويبقى طوال اليوم لأمه. شعرت بغضبه وسخطه وسمحت له أن يداوي نفسه بالقرب منها، فعمله مرهق ويقضي فيه أيامًا بعيدًا عنها. استسلمت له فيما يبلل شعرها ويقوم بتمشيطه وتركه في ضفيرتين صبغهما الشيب، أنهى آخر لمساته: -قولي لخلود هكذا الناس تضفر. ضحكت ورفعت كفها لضم الضفائر فأبدى انزعاجه: -لم لا تحنّين شعرك أمي؟ دعيني أمر على نجيب الآغا في العطارة وأجلب لك بعضًا منها. تأوهت بحسرة: -هل بقي عطارة بني، لقد احترقت وانحرق خيرها كله، عظّم الله أجر نجيب في مصابه. قطّب متذكرًا وتمتم من فوره: -الناس تعاونت على جمع المبالغ لأجل خسارته لكنه رفض. هزَّت فِضة رأسها: -لن يقبل بني، لن تسمح له عزَّة نفسه بقبول الصدقات. تكثف شيء حارق في عينيه فيما يسحب نفسه من وراء ظهرها: -لم تجبره الحياة على قبول المال والتسول أمي، لذا لن يقبل الآن. تركها في نتوء مرير استقر بحلقها، فسيّاف تسوَّل ومدَّ يده واستقبل ولا زالت تلك الذكريات تصاحب أنفاسه، زفرت بتعب وطلبت منه الاقتراب منها ومساعدتها حتى تنام وفعل. دثّرها جيدًا وبقي حتى لحظات سقوطها في غيبوبة النوم ثم تحرك من مكانه وهاتف سند الذي يتفاوض مع ابنة خاله على موافقتها الزواج من ريبال: -أنا في حديقة المنزل، أمي نائمة ولا أحد عندها تعال واقضِ الليلة عندي. | ||||||||||
01-09-24, 11:37 PM | #424 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| قبل هذا الوقت.. «اهبطي سراب لحديقة النافورة كما طلبت منك» ردت عليه من فورها باستهجان: «هل جننتَ طبيب؟ اذهب وابحث عن عقلك بعيدًا عنّا ولا تصب إلينا جنونك» اندفعت كلماته بلا حذر: «عسانا نسلم منك ومن والدتك، اهبطي سراب وإلا سيكون لي شأن آخر معك» سألته بجدية: «هل تدرك ما تفعله؟ تقابلني بهذا الشكل ليلًا؟ هل تود جلب الفضائح إليّ!.» طبع حروفًا متهكمة: «الآن باتت تهمك الفضائح التي تهوين صنعها مع والدتك» توقفت لحظات عن التنفس وقد سحق نبتة غرور كادت تتسلق قلبها، استبدلتها بحروف حاقدة: «للأسف أنا أعيش اليوم وتركت الماضي خلفي ولا تسرّني زيارته، اذهب طبيب سند وبلّط البحر كي تنفّس عن تأثير فضائحي أنا وأمي» أسقط الهاتف ورماه، استغفر بصوت مسموع، رباه هو يفقد بشريته معها قبل علمه وطبّه، كتب من فوق شاشة تهشمت بفضل ابنة تغريد سيترك شأنها لله يتدبر أمرها واكتفى «سراب اهبطي، قبل أن آخذك لتشاركيني بلاط البحر» اختارت السِلم لولا دقة قلبها الخائنة لرؤيته، غطت ملامحها بنظرة واكتفت بأسدال الصلاة فيما تتحرك حذرة صوب الحديقة، اختارت مكانًا حذرًا وشهقت مرعوبة حين تجلى لها حبًّا وحبيبًا حاقدًا لا يراها. عاجلته مهاجمة بعد وقوفها أسفل شجرة الكينا: -بالإضافة إلى كونك طبيبًا لا تفقه في مهنتك شيئًا لتطبيقها، تبرعت وبتَّ حامي الحمى عن ريبال أليس كذلك؟ قل لي ماذا تريد الآن؟ نطّ جوابه من فوره وهو يثبت كفيه داخل سرواله: -لا أنتظر منك رأيًا بمهنتي وسأحرص على عدم سماع صوتك. تهكمت ملامحها مستنكرة ورفعت حاجبًا مستهزئًا فأمر من فوره: -هذا الزواج لن توافقي عليه ودعك من ريبال. تسحّب منها الألم مُرًّا فسند لا يضعها على منضدة القبول أو التفهم بل يسحقها بصورته الوضيعة عنها: -لن تكون أعلم بمصلحة ريبال أكثر منه يا ابن عمتي. انزلق بين مسارات ضعضعت وعيه، وهدوءَه، وغيبته عن تعقله وهو يغمد في قلبها سُمّه: -ريبال لا يستحق امرأة تكسره وتضيّعه باتباعها أمر والدتها التي تكرهه كأكثر مخلوق وُجِد على سطح البشرية. وصل إلى قلبها كثيرًا، كثيرًا جدًا و تمكّن من نزفها حتى قيّحته نفحات حقيقته، سحبت ردًّا ساخرًا سقط من فوره عن شفتيها: -حسنًا، سأعمل في زواجي منه على تصحيح نظرتك وأثبت لك كم أنك مخطئ تمامًا. استحوذت على أعواد ثقاب وعيه وقذفت كبريتًا أشعله فهددها: -والله لو فعلتها يا ابنة تغريد لأقلبن الدنيا وأتـ... رفعت حاجبًا واستدارت له بنصف ميل، باغتته وسحبت الحديث عن أطراف لسانه وحوّرته: -هل ستتزوجني تضحية لـ ريبال وإنقاذًا للبشرية جمعاء من شروري أنا وأمي يا ابن عمتي؟ تسحّبت خطواته نحوها وهي يرمي سمّ حروفه مجبرًا: -اللعنة على كيد والدتك الذي سرى في دمائها واندس بك. ابتلعت كلماته وهو يستطرد قبل مغادرته جانًا: -أجل أفعلها لو اضطر الأمر لذلك. رمقت ظهره الذي تجاوزها بعصبية نافرة فأوقفته وصححت له بمرارة كاسحة: -أنا لا أعيش مع والديّ سند، لقد انفصلت عن أمي منذ زمن. رفع كفه التي اهتزت ورمقها صعودًا وهبوطًا بلا معنى واستأنف مشيه: -بعد ماذا؟! **** - «أ ستتأخر أم أنتظرك؟ » طبعت رها الحروف وجسدها يتهالك على الأريكة خلفها، دست خصلة خلف أذنها وتثاءبت فيما يجيبها: «-أنا في الطريق لا تنامي » ارتمى رأسها بثقل وبعثت تسجيلًا فوريًا: -لا أعدك، لأنني أموت من الإرهاق وأكاد أغفو على نفسي. حذرّها: -لا تنامي رها، إياكِ. بعثت إليه بإبهام تبعته حروف متقطعة مما يعني أنها نامت بالفعل. حرّك المقود بسلاسة وتبسم مشفقًا عليها، في الليلة التي حاول بدء صفحة جديدة لهما معًا، استيقظا فجرًا على رنين الإغاثة من عائلتها، كانت والدتها قد دخلت المشفى ويحتاجونها كمرافقة لها. قضت بضعة أيام هنالك وهربت منه عقبما حدث بينهما ولم يقفا عنده، رغم أنه راعاها وضمها ضمة الغريق وهدهد عبراتها. في داخلها شيء لا تستطيع الإدلاء به، هي لا تحل لهاشم لقد وقع طلاق بينهما تتذكره ولم يخبروا أحدًا فيه ووقع الشكّ في قلبها حتى استفتت شيخًا وأخبرها بضرورة تثبيت الطلقة الأولى التي لم يتم ثباتها في المحكمة. تقلّبت في نومها بلا وعي حتى وجدت نفسها بين ذراعي سند الذي حملها إلى حجرتهما، فقط مددها وأخذها في احتضان طويل لم تشأ أن تفتح عينيها فيه وتفسد بقعة الأمان التي احتلتها، لا تود تواصلًا حميميًا بينهما. لم تتكرر تجربة الليلة الطويلة الأولى بينهما. انشغلت مع أمها ثم انخرطت في عادة شهرية زادت عن معدلها الطبيعي. -لقد أذيت سراب اليوم وجزء مني يكره هذا الجانب الذي دفعني لذلك. تصلبت بين ذراعيه فدلّك ذراعها وانحنى يقبل البقعة التي فركها بقسوة: -لقد أثبتت لي أنني لم أتعافى مما فعلتاه بي. تراخت وضعيتها واختفى تحجر جسدها، مما دعاه أن يستطرد. -كرهت بقائي في تلك الدائرة من الماضي، يبدو أن ما حدث جعلني أواجه كل ما هربت منه. رفعت كفها واحتوت وجنتيه برقة وعناية، فتكسر صوته بقهر: -لذا ما عاد يهمني إن كانت مع ريبال، ربما هو الأجدر بها وهي تستحقه. وجهها.. وجهها الذي تركه في الحديقة يخبره أن سنين من العذاب والوجع قد ختمت قلبها، وجهها السائح في الانكسار رغم شحذ الكبرياء والغرور، وهمسها المتعب بكونها افترقت عن والدتها، شال من حقده وكرهه، فبات يحجم نفسه عن سوءتها ويترك نفسه كما تركت نفسها تتجاوز. -سيمر، سيمر كل شيء صعب، أنت تشعر أكثر مما ينبغي ولذلك أنت متعب. ترقق وجهه تحت لمساتها وهمسها: -ربما ما حدث كان جيدًا في خطوتك الأولى للاجتياز، أو كان اختبارًا حقيقيًا لك. ندت عن شفتيها قبلة لجبينه حين تسلقته واحتضنت رأسه: -طالما أنك وافقت على ارتباطهما، يعني أنك تعافيت. حين استيقظ صباحًا وجد رسالة من ريبال تخبره: «سراب أنهت عدتها اليوم وستكون في المشفى، استقبلها واعتنِ برعايتها الطبية جيدًا، هي في أمانتك» خاض حربًا مع أعصابه وفازت ابنة تغريد بتحويلها إلى نار صرفة، وصل المشفى وهبط لساحة الاستقبال ليكون وجهًا لوجه مع ريبال والأفعى تختبئ خلفه. مسح ذقنه بصبر وحفر في لحيته الطويلة أنامله. -سأمر لأخذها معي، أخبرني حال انتهائكم. تبادل سند معه نظرة متحدية وريبال يستعرض وجوده بجسارة، فتحدث سند بعملية: -لا تهتم، سأشرف على حالتها كاملة. ارتجفت ونط عرق في عنقها، لا تود معرفته لما حدث معها. تركها ريبال بحوزته وكادت تبكي. -سآخذك الآن للطبيب منذر. بالكاد خرج صوتها: -حسنًا. تحركت خلفه إلى قسم منذر فأخبروه أنه في قسم المحاسبة، توقع غرسه في مكتب جيداء ولم يتأخر، طرق الباب بهدوء فوجده على وشك مشاجرة معها. -منذر أريدك في أمر ما. خطت جيداء للخلف بحرج فيما تقدم منذر منهما وعيناه تمرران نظرة متوعدة لجيداء ختمها بهمس: -أسافر وأعود لك . **** | ||||||||||
01-09-24, 11:37 PM | #425 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| كبحت إيلياء جماح انهيارها واستندت على نفسها، لن تشك بمقدار في كون المسبب ليس عمها والمنفذ حبيبها، حبيبها الذي قدمت له عمر والدها وكدّ تعبه على طبق من ذهب. انتحبت وشقشقت العبرات وجنتيها، انسحبت من سجادة الصلاة وولجت لغرفة آرام التي خرجت قبل والدها من المشفى، راحت خطواتها بطيئة صوبها حتى وصلتها ووجدت ذراعيها وكفيها وأناملها مدهونة بالكامل فوق نتوءات الحروق واللسعات، وجبينها وحاجبها الأيسر. راقبت عماد الذي يحتل سريرها هي وينام عليه بسكون وقد تحجرت ألف عقدة من ذنب في حلقها. وجدت صوتها أخيرًا فخرج باكٍ: -أنا أعرف الفاعل. رفرفت آرام أهدابها بتعب وهمست بصوت منهك: -كان عمّي وابنه اللذين فعلا ذلك. لم تتفاجأ إيلياء بل سألت: -كنت تعرفين ذلك؟ أشاحت آرام برأسها ناحية النافذة: -لو لم يفعلاها عقب نقل الملكية كنا سنستغرب. ازدردت إيلياء لعابها بمشقة وصاغت حروفًا مذنبة: -أنا، أنا السبب. بسطت آرام شفتيها وكتمت زفرة حارّة فلا طاقة لها للمواساة أو تقديم الدعم، بل اكتفت: -ماذا قال لك حين تحدث معك؟ انحسر اللون من وجه إيلياء لحظات حتى وازنت ردها الصادق: -أنا، أنا لم يحادثني منذ أسابيع انقطعت كل اتصالاتنا. نبض قلب آرام بقوة وتبادلت نظرة صلبة معها فشرحت إيلياء بتوتر: -لقد توقفت عن الحديث معه منذ أحسست أنك لست بخير وأنت معه. انتظرت ردًّا من آرام فتابعت: -وأمي طردتهم من المنزل حين جاؤوا، لكن الأوغاد الكاميرات لم تثبت أي وجود لهم. تحمست وضربت كفها: -مؤكد أن مهند عطّل الكاميرات لحظة دخوله، لكن.. تفتحت عينا آرام مع اكتشافات إيلياء: -الشارع ألم يحوي كاميرات؟ ارتدت آرام بتعب إلى السرير وتركت حماسها فيما تملي لإيلياء: -من الآن سأعاود العمل في نقش الحناء للعرائس وأنت ستبدئين في العمل بالحياكة والخياطة وتستقبلين الطلبات. نفت إيلياء مهتزة فتأوهت آرام التي رمت ذراعها بعصبية: -سنفعل مساعدة لوالدي، حان دورنا إيلياء لقد تعب بما يكفي لأجلنا. **** لقد نأت ضحى بنفسها بعيدًا ووجدت شيئًا يلهيها عن نفسها ولسانها منذ اللحظة التي تُوفي فيها صاحب يزن ووجدت نفسها أمام اختبار عظيم هزَّ عالمها وزلزلها هي وموسى على حدٍ سواء. اليوم تركت أذنها لثرثرة خديجة وبعض الموظفات في المكتب. -مزاجه بات نزقًا ولا يطاق مُنذ أن فُسخت خطبته. اطفأت ضحى سماعة هاتفها بالكلية وتقدمت صوب الفتيات المتجمعات وسألت: -من الذي تمّت فسخ خطبته؟ تجاهلتها واحدة منهن رفعت الحاجز الزجاجي لمكتبها وتمتمت: -متى تم تسريح الأستاذة ميسم؟ من الذي فعل ذلك هو أم والده؟ نفخت ضحى بقلّة صبر وميّلت رأسها بعصبية لقلة اهتمامهن وسألت بلا صبر: -أنا أسأل هنا؟ لماذا لن تجبنني؟ هل أدخل إلى السيد ريبال وأخبره بمحتوى أقاويلكن؟ أشارت لها خديجة أن تخفض صوتها وهمست فيما تضرب على فمها وكفها يشير لباب مكتب ريبال: -الأستاذ ريبال رفضته ميسم هو وجاهته أمام الناس. شهقت ضحى وانسكبت كل هدوئها واتزانها بعيدًا، فرفعت ذراعيها بمصيبة: -ميسم الشملان فعلت هذا بالأستاذ ريبال؟ صبّت كل ضيقها وحزنها وتوجهت له من فوره، فتحت الباب فوجدته قد خلع سترته وعلقها على كرسيه وشمّر عن كميه وجهده منصب بالكامل على ما بين يديه وقدمت حروفها بلا استئذان: -هذه الحياة سنعيشها مرة واحدة، لم نأت هنا حتى نُعذب أنفسنا. سقطت العبرات عن عينيها متتالية فلطخت وجنتيها، توقفت أمامه منهارة: -إياك أن تحزن أو تضع شيئًا في قلبك، أقسم أن لا خاسر سواها. انتحبت أكثر وشوشت العبرات عينيها: -افتح لي قلبك أستاذ ريبال، صدقني لن أخبر أحدًا. مسحت ضحى أنفها فاضطر ريبال لسحب محرمة ورقية وملامحه تنضح بتكشيرة مشمئزة تناولتها من فورها بلجلجة باكية: -آه، أعرف كيف يكون كسر القلب صعب، سأدعو الله أن يكسر قلبها. لأول مرة يجدها متفاعلة عقب وفاة قريبهم، ساءَه أن يؤذيها بكلماته أو يجرح قلبها. تأكد من عدم وجود أي دموع على وجهها وأخبرها: -ضحى أنا بخير، أنت التي لا تبدين بخير. انفرط وعيها بعيدًا: -لا تدّعي شيئًا لا تحسه، أنت لست بخير ولا أريد أن أرى أستاذي هكذا. لانت ملامحه قليلًا وتلونت في وجهه لمحة المشاكسة: -هل أمطرك بالطلبات وترتيب جداول المتعاملين وأرشفة المهام لتطمئنّي عليّ؟ ضحكت من بين دموعها التي تم تجديدها واعترضت: -لا، ليس إلى هذا الدرجة أنا أمزح وعد إلى وضعيتك الصامتة التي أقلقتني عليك. أجلى حلقه مع عفويتها المطلقة وبساطتها حين أضافت: -الآن أطمأننت أنك بخير، قبل ذلك لم أشعر بهذا. تناول رزمة من الملفات ومدّها لها، وقد شعر أنه يحتاج وجودها البريء الخالص من المنغصات فطلب منها: -راجعيهن هنا، فوق المكتب قبالتي. كرمشت حجابها وقفزت مكانها تتطمئن عليه كل حين فيما تعاملت مع الملفات بعملية وجهد، تنفست بعمق وفركت عينيها فيما تخبره: -جدول طلبتك أربعة من أصل خمسة سيحضرون. توقف قلمه مع تثائبها حين نقرت على الحاسب وأضافت: -مرام الآغا اعتذرت ونوار بهجت يعتذر أيضًا عن الموعد ويطلب موعدًا جديدًا. لقد اعتذرت على هاتف المكتب واستثنت هاتفه لأول مرة بطريقة تثير الشكوك، تأكد منها: -تقصدين آرام؟ أومأت له في تتابع وأضافت: -سالم بعث لي ملاحظة بشأنها حين اعتمدتُ أسلوبك ورفضتُ اعتذارها، انتظر أقرأ لك ما بعث. تحكم في بسمة ملحة وسأل: -اعتمدتِ أسلوبي؟ هزت رأسها بضحكة: -اقتبستك واستنسختك كأنك من تتحدث، انظر لترى. قفزت بذات الطريقة وتقدمت منه ومدت له الجهاز اللوحي، مسح الرسائل بنظرة تعجبية ورفع رأسه لها فوجدها تنتظر مديحًا وإشادة، ناولها الحاسب: -سأعتمدك الناطق الرَّسمي باسمي هنا. **** حدث الكثير في امتناعها عن الخروج من المنزل، انفصلت زوجة خالها إنصاف عنه في عشيرة ضخمة بعدما التجأت للشيخ طالب القاضي، كانت أول مناسبة لا يحضرها والدها الذي بدأ يتعافى بشكل تدريجي، وتمّت خطبة راوية ولم تستطع حضورها بكل أسف. اليوم جرت مدفوعة بشوقها لعفراء، باتت أيامها ثلاثين دونها، شقّت الطريق الذي أصبح يقبض قلبها بلا مسببات واتفقت مع عون لسحب عفراء التي تخضع لرعاية طبية بسبب حملها وإن لم يتوافر طبيب المزرعة دائمًا فكما علمت لديه ظروف عائلية تمنعه. تخطت سياج حقلهم وباتت في مواجه المزرعة التي حلقت رؤيتها لها أسرابًا من حمائم، لقد اشتاقت المكان وافتقدته، تحركت سريعًا وسابقت خطواتها حتى وجدت عون يقود عفراء وأصيل يتمشى خلفه ببطء. ضحكت من قلبها لأول مرة وقفزت في مواجهتهم، ضمّت عفراء بأسلوب ملتاع كعادتها، فقال عون: -الحمدلله على سلامتك، لقد أنرتِ المزرعة.. توقف متنحنحًا واستطرد بحياء: -لقد افتقدتك عفراء والأصيل والمكان بأكمله. مسحت كفها على عنق عفراء التي خضعت وأحنت رأسها في عناق لها: -سلمك الله من كل شر، أنا أيضًا افتقدتكم جدًا. اقتربت من أصيل واستلت قمعًا من السكاكر في جيبها، فردته في كفّها فيما تقترب منه متوددة وتطبع على رأسه وشعره القبلات: -هل اعتنيتَ بابنتي جيدًا ولم تغضبها؟ تمسكت بعنقه وقدحت عينيها مكرًا وشرًّا مفتعلًا: -لو جاءتني عفراء تشتكي سأجهز عليك. مازحها عون: -لن يجرؤ على إغضاب حماته. ربتت على شعره الذي يغريها بأن تصنع له تسريحة: -أنت صهر جيد. اقتربت عفراء منها وتزلجت أنفاسها خلف عنقها، فتمايلت بضحكة وقد أصبحت بينهما وكلًا منهما يريد حصته من الشوق فيها، اختارت جسمها بوضعية محايدة بينهما، وعون يخبرها: -أصيل بات يحبك ويتعرف عليك فور رؤيتك. أضاءت عينيها وانبثت الحياة في وجهها فيما تلتفتت لأصيل الذي يتناول الحلوى وهمست: -وأنا أحبه أيضًا، من الذي لا يحب أصيل؟ شاركها عون الرأي وأكده فيما يسوقهم للحقل الأقرب، كانت هزيلة وجهها شاحب بلا ذرة ضوء، وافتقدت عدة كيلو غرامات بما لا يدعو للشك، والدها في أسوأ حالاته، باشر في صيانة العطارة ولم يرحم نفسه في الارتياح، متكدر وجهه وقلبه ويغلق على نفسه معظم الأوقات وما أسقط قلبها وجوده أمس في الحديقة يحادث نفسه. وصلت بهم إلى الحقل وهناك تركها عون ربما جاءت لأجل عفراء لكنها امتنت بالصحبة الإضافية التي جلبوها، انحنت نحو الحقل وقطفت بعض الأوراق وقسمتها فيما بينهما ورمتها فوق الأرض الجاهزة للرَّعي، تحرك شيء بحجم ورقة وانساب على طول ظهرها وعنقها فيما يصدر حفيفها هزّة لحواسها مع صوت الخطوات القادمة، تجذرت في وقفتها مع صهيل أصيل لصاحبه الذي تأكدت من قدومه حالما ضربتها الفوضى وأشاعت في جسدها النبض، لقد تجنبته، فعلت، ولم تشأ لقاءه بعدما عرفت أنه هو من حملها يوم الحريق رغم امتنانها بل أخجلها ولا تدري بأي وجه تقابله، حتى أنها لم تعد ترتاح لتوالي المصادفات وربطها به فكيف جاءت به إلى هنا وكيف استدعته، نصبت جسدها في وضعية ثابتة لم يخدشها إلا ردّ تحيتها إليه. تحرك نحو أصيله فجنبت نفسها المكان وابتعدت خطوتين. -أرى أنك بحال جيد مما يبدو على عفراء أيضًا. سمحت لصوتها أن يخرج هادئًا رغم أن هناك شرخ في حنجرتها يتفاعل مع رفضها الحديث: -أجل ولله الحمد، نحن بخير. أخذ وجهها في لمحة اطمئنان متفقدة: -هل أنت بخير؟ ووالدك بات أفضل؟ تقلصت وضعيتها مع سماحها التمعن في وجهه، بدا شيئًا أصعب ووجهها يتعاون في بث حمرته، حتى صوتها خرج سريعًا منفعلًا: -كلنا بخير، والدي يتعافى والأمور جيدة تسير على ما يرام. لم يُحمّلها أكثر من طاقة وقوفه لذا أخبرها: -نجيب جبل ولا يهتز، محنة وتزول. هزّت رأسها وشعرت بسخف كسر النظرات التي تحرقها أو نكس رأسها، فتفحص الخيل واطمأن عليها فيما يتكسر صوته في همس ناعم لأصيل قبل أن يغادرها. لم تسمح له بالمغادرة أكثر من شجرة البلوط واستدعى صوتها إياه، فتوقف لحظة قبل أن يستدير وتركت صوتها له في امتنان: -شكرًا لك على كل شيء. ظل وجهه ثابتًا بلا حركة سوى من ومضة تصويرية لما قصدته وأذابها بما يكفي لتلاعب ثوبها وحين تجاوب قائلاً: -لا تعاودي الاختباء وعودي لرسالة الماجستير. **** | ||||||||||
01-09-24, 11:41 PM | #426 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| مطت راوية شفتيها وأفرغت إحباطها: -ما الذي قصدته خالتي احتسان أمي؟ هل ترمي لنا أن لا نعمل حفلًا كبيرًا في الخطبة لأن الزواج بعد شهرين؟ نفخت نوال التي صبّت من قدر الرشوف فوق الأرز وردت: -لا أعلم، لا أعلم وإن كان الزواج قريبًا سنصنع لك حفلًا لم يمر مثله. وزعت الحمص والعدس على وجه الإناء واضافت بحماس: -ما رأيك بقاعة سراب القاضي في الخطبة؟ كشرت راوية وأشارت لنفسها بترفع: -هل سأذهب لفضلات سراب وأمها؟ لا لقد رأيت فندقًا يفوق قاعة سراب. مصمصت نوال شفتيها وحديث احتسان كون الزفاف سيكون قريبًا يتلاعب في عقلها، هي تريد ثوبًا ضخمًا وحفلًا استثنائيًا وخائفة ألا يفعل نديم ذلك مع المصيبة التي وقعت فوق رؤوسهم والحادث الذي تعرض له نادر وتكفّل به شقيقه. -أيًا كان أمي، أود حفلًا لم يحدث مثله في البيادر ولو اضطر نديم لأن يأخذ قروضًا من مصرفه. وضعت نوال كفًا فوق كف واقترحت عليها: -اسمعي، أخبريه أنك لا تودين حفلًا الآن وبعد أسبوع اقترحي عليه ما تنويه. حركت راوية الحديث في عقلها وترجمت مخاوفها: -لا أريده أن يهرب مني ويظنني صائدة أموال. نفخت نوال وقرصتها: -لا تخبريه عن الفندق والثوب إلا بعد عقد القران، الآن لا تخبريه كي لا يطير منا. ثم أشارت لهاتفها وذكّرتها: -وهذا الشيء ستدّعين كسره ليجلب لك واحدًا جديدًا. ازدردت راوية لعابها وعادت لدهن جسدها الأبيض الذي لا يحتاج المراهم ونزقت: -سراب لن تحضر على ما يبدو. ردت عليها نوال من فورها: -هذا أفضل لا نود وجود نعيق الغربان فوقنا. تنهدت راوية بإحباط وتذكرت حال آرام: -وآرام أيضًا لن تحضر بسبب والدها. جهّزت نوال زينة الطبق وضحكت: -لا نريد واحدة منهما، أخبرتك لا أود رؤية غيرك في الحفل لن تغطي عليكِ إحداهما وستكتسحين الحضور بجمالك. أصاب راوية ما قالته أمها: -أنا أجمل منهما ووجودهما فارق معي أمي. شوحت أمها بكفها غير راضية: -ماذا أفادك وجودهما؟ هل تودين سراب التي يقول عنها الناس تمنعت عن زوجها لعيب بها أن تحضر؟ تخيلي لو سمع نديم لفك الخطبة. اشتعلت راوية وأخبرت أمها: -عمها أحمد يقاضي الناس التي تقول هذه الأشياء أمي. سخرت نوال متهكمة: -هه، سيقاضي آل البيادر على حديثك هذا. استغفرت راوية ونوال تتابع: -والأخرى التي سمعت والدة يزن تخبرني أنها تتواصل معه وهي على ذمة خطيبها. ازدردت راوية لعابها بخوف وسألت بحذر: -كيف؟ ماذا قالت أمه؟ تنهدت نوال والتفتت إليها تخبرها: -ما سمعته والدته قالت أنها تتواصل معه. انحرق صوت راوية: -حرام، أقسم بالله حرام ما تفعله وتقوله الناس، هذا ظلم. أخرجت نوال الطبق وتمتمت ساخطة: -لا تحلفي غير عن نفسك. **** صبيحة اليوم التالي حاولت الالتقاء بآرام خفية، جاءت آرام ومررت رسالة لسراب كي تأتي، تأخرت سراب عليهما قليلًا فيما تغمر راوية آرام بالأحضان. -خطوبتي غدًا آرام، ولن أعمل حفلًا ستكون جاهة ومعها شيخ لعقد القران. تبسمت آرام لها وتمتمت لها بالتوفيق فأضافت راوية: -نديم لا يريد حفلًا تقليديًا في المنزل بل غالبًا سنصنع حفلة الخطبة في فندق «...» غامت عينا آرام بفرحة وبثت لها الدعوات فتمتمت راوية بنزق حالما لمحت زول علياء وابنها بلال الذي يمشي رفقتها على الشارع العام. -انظري إلى ابن امه، يقولون أنها خطبت له عروسًا جديدة. تنهدت آرام ورمقتهما بلا اهتمام: -هنأ الله سعيد بسعيدة، اللهم حوالينا لا علينا. ضحكت راوية فيما تضيق عينيها: -أ تعلمين أنهم يشيعون الطعن في شرف سراب ويخبرون الجميع أن الخلل منها. لم تكن آرام في مزاج لتبادل الأقاويل والأخبار المهمومة بل لديها طاقة متفجرة وتود تفريغها وعفراء حامل ولن تستخدم فرسًا لا يخصها ولا يمكنها الركض أو خوض شجار، حين رأتها راوية بهذا الحال لم تشأ سؤالها عن أحوالها مع يزن. واكتفت بكيل الشتائم إليه، رفعت آرام رأسها لها وحين رأت الشرر يتقادح من عيني راوية سألتها: -هل نفعل ما كنا نفعله ونحن صغار؟ تحققت منها راوية ولمّا رأتها تنسحب نحو الحصا والحجارة سألتها: -نقتص لسراب؟ أومأت آرام في قوة وركعت بين العشب الأخضر الطويل وفعلت راوية مثلها، وبدأتا في قذف بلال ووالدته بالحجارة، تخطت أول حجرة بلال فالتفت مصعوقًا لما خلفه ولم يجد أحدًا، بدأت علياء برمي الدعوات والسباب فأخبرها بلال: -هؤلاء صبية صغار أمي، الآن سأوبخهم. استدار وتوجه نحو رمي الحجرات فانهالت عليه بقوة وردته للخلف فكان همه النفاذ بنفسه وصوت راوية يصله: -أيها النذل الخسيس قليل الرجولة والحياء. تحكمت آرام في قذف حجرة كبيرة ورمتها صوبه فركض بلال بأمه وصوت آرام اللاهث يصله: -الصبية يمتلكون رجولة أكثر منك يا ابن أمك. ضحكت راوية ومسحت آرام وجهها، حين غابا عن ناظريهما، قفزتا من مكانهما وتسحبتا بين العشب كي لا يعرفهما أحد وانفلتت كل واحدة نحو منزلها هربًا. **** تعرقلت كفا مؤيد في تثبيت ربطة عنقه وفشل، مسح العرق المتصبب عن جبينه مع رسالتها الأخيرة الصوتية «لا تتأخر نديم، أنا أنتظرك» لقد سمحت له بشق الأنفس أن يتبادل معها بضعة عبارات صباحية، فالعروس خجلى ولا تعرف كيف تتبادل الكلمات معه. دخلت عليه يافا مصفقة وحين رأت حاله تقدمت منه تضحك: -أعرف أن العروس هي التي تتوتر لا العكس كما يحدث معك. ضرب رأسها وتمتم لها بتوتر: -اضبطيها جيدًا دون تعليقاتك المستفزة. أتمّت ربطها وضبطتها فيما استغرق مؤيد في حمام عطري قبل أن يتم غزو المكان من احتسان وجيشها، دمعت عيناها ووجهها يحف وسامته وطوله وكل العلامات التي المتمددة على وجهه التي صنعت منه رجلها ومؤيد اليوم، اقتربت منه وحاوطته بذراعيها ولسانها يلهج بالدعوات والحب. -شيخ الشباب حبيبي، الله يتمم لك على ألف خير. انحنى نحوها وقبّل كفها مستمتعًا بفيض حنانها ودعواتها. -حبيبتي الغالية أجمل أم عريس، عساك ِ تفرحي بنا جميعًا. دخلت يافا مجددًا بالبخور ووقفت على المنضدة وحوطت جسده به. -هيّا بنا لا نود التأخر عن جاهتنا. مثّل الجاهة الكريمة السيد ناظم الفقيه وحشد من عشيرته وجاء والده كضيف منبوذ اختار مكانه بعناية. ساق إلى راوية ثوبًا اختارته لعقد القران برفقة يافا واستجاب لها بعدم عمل حفل الليلة، ومرعي والدها يطلب منه أن يلغي حوار الحفل بأكمله، يلبسها الدبلة هنا ويكفي. وصلوا قبل المغرب، أدّوا صلاة المغرب وانطلقوا حتى منزلها وابتدأت المراسم بخطبة ناظم الفقيه وشهادة ابنيه وانتهت بـ -بارك الله لكم وبارك عليكم وجمع بينكما على خير. انطلقت الأحضان والتهاني من الجميع حتى أدخلوه لها. استقبلته أمه عند الباب وأخذته لعروسه. لقد تخيل لحظته الأولى كثيرًا، وجد نفسه كشاب يرسمها معها منذ أضحت له بصيغة رسمية. كل ما تبنته مخيلته كان بعيدًا عمّا يشعر به، عمّا حوّطه من تعويذة كسرت كل اتزان يملكه أو يظن نفسه كذلك. لا شيء يشبه البداية، أو الاستحواذ، أو نيل امرأة أعجبتك، تحركت حنجرته مع لفيف الأصوات والزغاريد ولم ير في كونه سواها، تقلص التواجد البشري إلى عدم وتركها هي القِبلة، كانت زاهية، فاتنة تشبه كل الأشياء التي بدت أبعد من أحلامه البريئة، ثوبها أبيض بالكامل غطاه بضعة نقوشات السنبلة حفت جوانبه نقش المناجل عن كل طرف. بسّط كفيه وتناول كفيها، أثنى كفه اليمنى فوق كفّها وضمها بتملك فيما يهيمن على جسدها بحرارة ويلفها في مصافحة تطرقت فيها شفتيه لجبينها ووجنتيها ثم عاد لجبينها. -راوية من كل حسن راوية، سبحان الذي كمّلك. انشقت الحروف التي جهزتها وبلعتها رجفتها وريقها الجاف. كل ما خططت له ذهب سدى، كانت لها تجاربها لم تكن تلك أول كف تستلم كفها، ولم يكن أول رجل يتعدى مساحتها، ومع ذلك هي تذوب، أناملها تتجعد وتتقرفص عروق ذراعيها، والوخزات تضربها من كل جنب. كان أخطر شيء عاشته، أومض مسار نجمي شوّش رؤيتها، ما أسوأ حروفها وما أشد سخفها حين همست بصوت يتلاشى: -مبارك علينا نديم. مارست أنامله غلظتها في سحبها وشدها له فيما يهمس بصوته الذي يقصف عينيها. -حين أكرمني الله بعثك إليّ، ليتك مباركة راوية مثلما جلب وجهك الخير لقلبي. تحكمت في نفسها، أن تبدو واثقة، ووجها في وجهه، لكن السبق انتهى لصالحه وخرجت بصفر كارثي، حضوره، وخشونته، وكل لمحة بربرية من وجهه الذي يطمسها بقوة تثير جنونها وتزحف بولعها به أسفل مسامها. سألت حالما تم إخلاء المكان: -هل أعجبك شكلي الليلة؟ وثوبي هل أعجبك أيضًا؟ حرصت نظراته أن تكون مهذبة وفشلت، كان في عمر تجربته الأولى وانفضح، انخنقت لهفته عليها فطلب: -هل يمكنني احتضانك؟ كل جلسات الخجل والأدب والثقة ودروس كيف تحافظين على نفسك بعيدة المنال عنه: -أرجوك افعلها، أنا أريد الإحساس بك، فما أشعره أنني في رحلة خارج الوعي. ضحك ولاعبت سبابته شفته الممتلئة، لم تشأ النظر إلى أنامله نقطة ضعفها، بل انتظرت اكتساح ذراعيه لجسدها. ما حدث أبعد من ذلك، أكثر من ذلك، احتوى، ضم الفراغ وجسدها، سحب الفضاء الشاسع في عقلها وأخذه، بطريقة واحدة لا تفسير لها، كانت لأول مرة في صندوق مغلق عرف كيف يستوعبها. تنشّق رائحة عطرها، لامس أنوثتها وعرف معنى الالتحام فيما تتزلج حروفه فوق أذنها والحجاب يفصلهما: -أتمنى لو أنني أبقى في هذا المكان. تهدج صوتها الذي غرق في نبعه فالتهمت منه ما يبقيها في سكرة سحره فيما تنفض تنهيدة ذائبة: -نديم سيدخل إلينا أحد ويرانا. **** -اهدأي راوية وألغي حفل الخطبة، الشاب صرف تحويشة الخطبة من أجل أخيه فلا تخرجي شياطيني من محلها وأحرمك إياه. نددت راوية بأمها وقد اتكلت لعواطفه نحوها: -لن يرفض لي طلبًا أمي، هذه فرحتي. شدت أمها ذراعها وأخبرتها من بين أسنانها: -حفل خطوبة مناسب، شأنك شأن بنات البيادر ما الذي تحملينه أكثر منهن؟ عقدت راوية ذراعيها فوق صدرها واتخذت موقفًا معاديًا: -لا، لن أقبل أمي. في تلك الليلة وفي نزهتهما التي أخذها إليها في أرجاء البلدة وحقق لها ألف مطلب وثقتها جميعها بعدما استبدل هاتفها وأتى لها بواحد حديث، عممت اللقطات على كافة محطات التواصل الاجتماعي، ثم نهجت بخطتها، شالته بهدوء مدروس حيث واجهة زجاجية ضخمة تضم أثوابًا لعرائس. تنهدت بحالمية أوقفته ودفعته: -هل أعجبك؟ تمتمت بنظرة بريئة: -كم تمنيت أن تكون حفلتي في فندق جميل وأرتدي ثوبًا يماثله. كلامها مسَّ رجولته فانطلق من فوره: -وما الذي يمنعنا من عقد حفل خطوبة كما تحبين. هزت كتفيها بيأس: -أمي تقول أن لا داع لها يكفي ما صرفته من أجل أخيك. عيناها بارقتان بالحزن والألم الذي يكتسي بوابات الأمل، كانت كأي شابة تحلم، ولا يحق لأحد منعها مما تريده حتى لو اضطر لقصم نفسه. اتخذ مكانًا يلاحمها وسحب كفها بكفه: -سنعقد حفلًا على ذوقك الأسبوع القادم. **** بعد وقت أخذها لاستراحة تنام فوق مطل جبلي مرتفع، استأنست في المكان وأنست، لاعبت أناملها قشّة العصير المُثلَّج وسألت بعد همسها اسمه: -لقد أخبرتك تطلعاتي كثيرة ومتطلباتي أكثر و قد تبدو مُرهقة، إلى أي حد ستذهب في إرضائي؟ وجدت عيناه لمعة عينيها، فيما تشكلت بسمة ناعمة حول شفتيه التي أطلقت الردَّ من فورها بثقة: -إلى حد أكون فيه راضٍ عن نفسي. أطلَّ الطمع المرتقب مع تفرقة شفتيها بخيبة إذ توقعت نفسها قبله هو، فلم يتأخر بتتمة ضاعفت درجات استحقاقها: -بأنني أرضيتك!. تجول فمها في بسمة تمطت وأذهبت بغرورها بعيدًا فسألت: - لو طلبت الغيم أو ما هو أبعد منه.. ستجلبه إليّ؟ اهتز كتفه مع ضحكة خافتة راقبتها مستمتعة وأجاب فيما تتنفس خياشيمه دخان لفافته: -إمم، سأرفع من سقف طموحك وأتجاوزه للسماء!، هل يرضيكِ؟ أمالت برأسها واندفعت في ثرثرتها التي أفقدت صوت المخطوبة نغمته وعادت لنغمة راوية الحقيقية: -أرسلك إلى الفضاء، أطلب منك نجمة وتعود لي بالقمر، أليس كذلك؟ هزَّ رأسه فيما يثبت كأس القهوة المُفسد طعمها بالسكر المحروق وحوائج الكريمة المخفوقة التي لا يحبها ولم يرغب بها ولا يعترف بها أصلًا من أصول المزاج بل لافتة ضرورية في قوائم الأثرياء، في حين كل ما احتاجه وتاق إليه عقله المحشو بالحسابات كأسًا من الشَّاي ولأجل خاطرها وافق على طلبها، الذي فوجئ بأنها وثقته من فورها على صفحتها الشَّخصية : -أجل، ونكرر ديباجات صفحات العشاق وملصقات المراهقين. انطلق ضحكها رنَّانا، وشفتاها مع لسانها الطويل سرقوا لون الفراولة وتلطخوا بها: -يبدو لي أنكَ ختمتَ مناهج الترندات كلها!؟ بسط شفتيه مؤكدًا بيأس: -أجل، والفضل كله للأديبة يافا. أخفت حنقها من ذكر أخته الفاتنة وركّزت على هدفها: -ألن تحقق لي ترندًا واحدًا وتترك لي صعود الموجة؟ ضم كفيه البارزة عروقهما وهو يؤكد بثقة: -أجل راوية، لو طلبتِ النجمات سآتيك بالقمر، وهذه ليست فقرة ترويجية كي أبهرك بها، بل هذا أنا مؤيد مع كل الذين أحبهم. يروي ظمأها، فكّرت في ذلك وهي تستمع إليه مشدوهة، لكن لا، لن تنل كفايتها، فنبعه عذب حلو المذاق ونبعه لا ينقطع وهي العطشى!، ضمَّت أناملها في بساط مريح أسفل ذقنها وتأملته، نصَّ فمها تنهيدة ناعمة فيما ارتدى صوتها شذر النجمات وطاف أرجاء الفضاء وعاد مُحمَّلًا بالسِحر: -صارتْ السماء بحوزتي مُذْ بِتُّ معك، فهلَّا تغريني نجماتها أو أعبأ بالقمر؟ **** | ||||||||||
01-09-24, 11:41 PM | #427 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| اندمجت مع الحزن ووالفته، آخر شيء تتذكره عما حولها هو رسالتها لعدي بعدما بعث إليها كلامًا طويلًا ذرَّ فيه الملح فوق نزفها، فلم تستطع كتم الكلمات وبعثت إليه: -لن أسامحك، لا سامحك الله عُدي. قلّبت صفحة عدي وانطوت في الصفحة الأكثر وجعًا، نامت في صفحة أمها. باتت السوائل المحبوسة في جسدها تتمدد، تعاني، أحيانًا تبكي كطفل صغير، تتعامل معها بشكل مضحك تخبرها أنها مشاكل القولون رغم صفرة وجهها، تخبرها تقلصات معدتها المعتادة وكفها يعتصر خاصرتها. هذه الليلة قررت أن تكون لأمها، تحركت ببطء صوب غرفتها وتمنت أن لا تقابل والدها، لقد اتخذت جدارًا بينهما وأقامته ولن تنقضه كل فؤوس الدنيا. ولجت الغرفة السابحة في الظلام واندمجت خطاها بها، كانت نائمة كأميرة خيالية جسدت حزن الدنيا وحسنها. رفعت الغطاء بمقدار وانضمت إليها حتى باتت أقرب لها من جسدها ومارست معها طقس حنان أمومي بين الأم وابنتها. تحركت سوزان مما أتاح لمرام أن تتمرغ في حضنها أكثر. -ما فعل الخفافيش هذه مدام سوزان؟ هيّا استيقظي كي أقص عليكِ حماقاتي. تحركت أجفان سوزان ورفعت كفها الهزيل لوجنة مرام وأخذت نبرتها بحة أجشة: -أخبريني لن أسخر منك بالمطلق. مطت مرام شفتيها واعترفت: -من عاب اُبتلي قضيت حياتي في تنمر عليك أنت ووالدي حتى وجدت نفسي أفعل ما فعلتماه. تجمدت أنامل سوزان فوق وجنة ابنتها واستخلصت عبرة عمرها: -نحن نقع في كل الأشياء التي جاهدنا أنفسنا ألا نفعلها. ازدردت مرام لعابها وسمحت لخدر العبرات أن تغشاها، فالعبرات تغسل القلوب، ستغسله الآن وتجفف مأساتها أمام أمها: -كان هناك شاب اعترضت طريقه دون أن يعترضني، لاصقته وتركت نفسي له وأحببته وأحببته وأحببته.. وكررت ما فعلته وأنا التي هربت عمري كله كي لا أحب. طرقت بأناملها الرفيعة فوق قلبها، توقفت في الحديث أكثر من مرة، غصت وقد كان الإفراج عمّا حبسته صعب. زفرت باختناق ورفعت رأسها فقد عطّلت جيوبها الأنفية في بكائها وأغلقت مجرى التنفس عن أنفها. أخيرًا خرج صوتها مخنوقًا. -كنت معه وبرفقته وغادرت الجامعة بصحبته، ولم أجد في اليوم التالي إلا التهاني تتساقط فوقه مهنئة بخطبته من ابنة عمّه. لكمت صدرها بقبضة واهية وسوزان تستقيم وتسحبها فيما تركل مرام الكلمات: -لقد أحرق قلبي باستغفاله لي، ما كنت ساذجة بهذا الشكل ليفعل ما فعله. ارتطم في صدرها شيء ثقيل، تنفست بصعوبة ووالدتها متهدجة أنفاسها تطير مواساتها في ضياع -هوّني عليك حبيبتي، لو كان خيرًا لك لبقي. ظلت سوزان تهدهدها بالكلمات والأحضان حتى أخبرتها: -آنسه مرام، امحه من حياتك فهذا الرجل لا يستحق حبك ولا مشاعرك. غرق رأسها في صدر أمها التي تمسح عليه: -لن تكوني ابنتي لو لم تكرري ما فعلته، نحن صورة أهالينا الأخرى، كنت ستقعين وقعتي سواء أكنت راغبة بذلك أم لا. كان أسوأ نص تمنحه أم تعرف ابنتها معضلة قلبها، كانت مكشوفة وقدوة سيئة تتجنبها ابنتها. غرست مرام حروفًا باترة في صدر أمها وكفها تشير لقلبها: -هذا يحترق. قبلت الأم رأس مرام وهمست لها: -كان إرثك حبيبتي. ابتعدت عنها مرام للحظة فتنفست سوزان سائلة: -هل اعتكفت عن الدوام إلى الجامعة بسببه؟ أجابتها بالصمت فطلبت سوزان: -مخطئة، عليك أن تكوني في مواجهته كل يوم. قطبت مرام بأجفانها المحمرة: -لا تحزني على قلب رقيق امتلكته وكان صادقًا وانتقى بشكل خاطئ، بل اعتزي بما تحملينه. أحسّتا بصوت الخطوات فعرفت بقدوم والدها فانسحبت وسوزان تملي عليها: -اذهبي إلى الجامعة، أنت لم تمارسي عملك لأجله. بل لأجلك. ولكي تتعافي وتتجاوزي أحزانك. واجهيها. هزت مرام رأسها وانسحبت من السرير مع ولوج والدها الغرفة، انطلقت بعيدًا عنه فأخذها مستسمحًا وقلبه ينفطر من جفائها له: -ألن تسامحيني. صدر عن وجهها الذي يحتضنه والدها رجة نافرة فأخبرته: -لو تركتها تعيش ما تبقى من عمرها بعيدًا عنك سأسامحك. وانطلقت من المكان وتركت والديها مواجهين لبعضيهما، كان متحمسًا بعرض حالتها على طبيب من المستشفى العربي وقرر أن تخوض العلاج تحت إشرافه فيما يختار فيلمًا لليلتهما بعد فشله في انتقاء رواية لهما. -وائل ما يحدث معي لا تتجاوب معه الأدوية، دعك من الأحلام. التف إليها بعصبية: -كفاكِ تشاؤمًا، ستتعالجين فكفي عن الاستسلام. ارتخى عنقها للخلف بتعب وهمست: -لقد أضعت حروب عمري في استيفاء ودك، بت مهزومة بلا طاقة. وصله صوتها، سمعه وانحرق، هو يصلح وإن لم يكن عطّارًا، يحاول تعويض المسروق بلا فشل. جانبها بإنهاك وشدد على حروفه فيما يجذبها إليه: -سوزان وفّري طاقة اليأس واشحني نفسك بالعلاج لأجل ابنتك، لن تموتي سوزان، كيف أدس ذلك في عقلك. **** أخذت الحديث من فيّ والدتها، ومن فورها انطلقت صباحًا زمّت رزمة روايات تتسلى بها عوضًا عن بحثها حول عدي ويحيى، يحيى الذي باتت تخجل من وجهه أكثر من الآخر. اختارت طريقًا نائيًا خلف المبنى وربطت نفسها بالطابق الثاني، نظمت الصالة الرياضة وبدلت ثيابها من سروال أبيض ضيق وبلوزة قطنية قصيرة ليمونية. قضت كل الوقت برفقة نفسها في الرقص، حتى انتهت لاهثة ترمي نفسها على الأرض وتشتم نفسها لعدم اهتمامها بتقلصاتها الشهرية المعتادة. بدّلت ثيابها وانسحبت للسلالم الأرضية قرب المرسم غير المشغول. انطوت في زاوية الجدار وتكورت على روايتها تقرأها، قضت وقتًا أكثر من اللازم ولم تنتبه أنها التصقت بالبلاط أسفلها، ذات اللحظة خرج يحيى من مكتبه جريًا على السلالم وهبط نحو المرسم لسحب عدة مثلثات ومنقلة احتاجها، تخلص من آخر درجة وبات في العتبة حتى التقى بوجودها، ارتد لوهلة من مباغتتها فتشبث وجهها بالكتاب دون أن تجرؤ على مطالعته. انخرط في المرسم وسحب معظم الأشياء التي احتاجها، أمّن نظرها حركته في المرسم واستغلت وجود من فيه وقفزت من مكانها، تحركت بحذر ودون ضوضاء كي لا تثير انتباههم ولسوء حظها سمعت مزلاج المرسم يغلق فتأوهت وأكملت مشيها بطبيعية، احتضنت الرواية أكثر مع اقترابه العجول نحوها وهمسه الشديد خلفها: -مرام، مرام انتظري هناك شيء ما. تجاهلته وحثت خطاها حتى سبقها وحاصرها وهدر بعصبية: -توقفي مرام أريدك في شيء هام. انكسرت وقفتها وتراجعت في رفض فأشار مغمضمًا عينيه حولها مما استدعاها أن تلتف حول نفسها -هناك شيء ما، بقعة على ثيابك من الخلف. شهقت ورفعت أناملها لفمها: -ماذا تقصد؟ ما الذي على ثيابي؟ لم تساعده كعادتها تصطف هي وكل شيء فوقه، لا يعرف كيف سحب حرجه واضاف بجدية: -بقعة دماء على ما يبدو من عادتك الشهرية. تأوهت وارتطمت بالجدار خلفها، كادت تبكي من حرجها وغرقها في مأساتها: -لا ليس مجددًا يحيى وبرفقتك كل مرة. انخرط وجهها في حمرة كاسحة وتقطع صوتها في بكاء محتج: -ما الذي لم تشهده لي، أنا مدينة بكل مواقفي المحرجة معك. تعثرت في الشكوى فأخبرها وقد مسح جبينه بورطة: -لا يمكنك التحرك هكذا ابقي هنا. تنفست بتعب وسألت: -هل كان الأمر هكذا طوال الوقت؟ بلل شفتيه ولم يكتف برد، قميصه الربيعي لا يساعد ففكّر في جلب شيء يغطيها ريثما تعتني بنفسها فتذكر سترته في المكتب، توقف وأملى عليها من فوره: -قفي هنا ولا تتحركي، دقائق وآتي. هرع لمكتبه من فوره وفتّش في خزانته حتى عاد إليها ورمى السترة فارتدتها على عجل. واجهت الموقف رغم ذوبانها، وغرقها ومعافرتها النظر في وجهه. ظل متحركًا خلقها حتى وصلت الباب الخاص في صالة الرياضة. توتر صوته وتحركت حنجرته فيما تغطيها سترته بالكامل: -هل.. هل أنت بحاجة مسكّن أو ملابس أو أشياء تخص تلك الأمور. سمحت لصوتها أن يخرج، كيف خرج لا تعلم : -أريد عدسًا مهروسًا من المقهى. تشكك في وقفته منها: -فقط! أومأت في خزي وباعت كل ذرة حياء تملكها: -لدي أشياء هنا تكفي. تحركت أنامله فوق شفتيه: -ملابس. -معي. -دواء. -هل تريد إذلالي أكثر من ذلك؟! غرقت في بكاء طويل وهي تستخدم حمام الصالة، بدّلت الثياب وتعاملت مع الوضع بأكمله وخرجت فوجدت كأس العدس وكعكة بانتظارها. شكرته في خزي والسترة تلتف حول كتفيها: -ستكسر الرقم القياسي في استشهادك على فضائحي. اختلط عليه موج المشاعر وفاض بما فيه وسترته فوقها رغم سترها وملابسها. -أنا مرسول لأجلك، بعثني الله لكِ أنتِ. | ||||||||||
01-09-24, 11:42 PM | #428 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| عاد يحيى مختضًا يقفز قلبه من محجره ونبضه يعصف فيه، أخذ ريبال مجبرًا إلى المقهى لحضور مباراة كالمعتاد. هناك وجدا يزن، تقاسموا الطاولة برفقته وبدأت المبارة بشكل غير مريح لثلاثتهم، يزن يغوص في هاتفه كل حين ويبعث برسائل موحية ويحيى معهم وغير معهم، أما ريبال أعلن انفصاله عن الجلسة حتى هبّ حضور مهند الذي جاء بعصبة من الشبان خلفه. خبط واحدهم بعصاه الضخمة الباب وتولى كلاً منهم استعراضًا عضليًا حتى وصل صوت مهند: -أين المرأة التي تتنكر بشارب ولحية؟ انطبق الصمت على الجميع وفهم يزن القصة، تجاهل الأمر برِّمته فوصلهما وضرب الطاولة: -أهلا بـ المخنث بيننا، هل تم فحص جيناتك يا فلولة؟ استقام ريبال مهددًا تعدي مهند عليهم: -ما الذي تفعله مهند؟ التفت مهند لريبال وأخبره: -لم تكونوا المقصودين. صرخ به يحيى: -لكنها طاولتنا وتجرأت علينا. ابتعد يزن وقال: -هذه بيننا. مسح ريبال ذقنه فيما التفت يزن ليواجهه: -اخرس يا عديم الرجولة، واخفض صوتك كي لا أسمعه وألوث رجولتك. قبض عليه مهند من تلابيب قميصه: -كيف تجرؤ، كيف تجرؤ أيها المخنث؟ فكّ يزن نفسه منه فيما سحب ريبال مهند وقبض على طرف قميصه من فوق ويحيى يسحب يزن من ظهره خارجًا فالقصة باتت بينهم مكشوفة. -المقهى بريء من مشاكلكم لن تصنعوا الفوضى فيه. رموا بهما خارج الكوخ المرتبط بالمقهى فبقي الاثنان في فضح ما بينهما، فمهند وصلته رسالة من يزن أن علّم عليه وانفضح شأنه وأعلمه أنه من فعل هذا. تبادلا الضربات مع محاولة باردة من ريبال ويحيى في فض الخلاف. همس ريبال له: -دعهما، يستحقان الضربات بضمير. أوقف يزن الضربات حين فجر لغمه: -آرام ابنة عمك من بعثت إليّ وطلبت مني ذلك. زأر مهند ونفى جانًّا: -محال، محال أن يحدث. تحلقت النيران حول مهند ويزن حيث كدّم كل واحد منهما وجه الآخر وجعل منه خريطة زرقاء وبنفسجية: -لقد أرسلتْ إليَّ كي تتخلص منك ومن شرورك أيها اللعين. انلجم يحيى وحاول التدخل فأعاده ريبال بإشارة كفّه ومتابعة ما يحدث دون تدخل، هدر صوت مهند في وجه يزن وقد بات كل شيء مكشوفًا حقيقيًا: -أقسم أني سأحملكما ثمن ما فعلتماه. بصق في وجه يزن حروفه وغادر. **** نامت مرام بعمق بعد جرعة المسكن التي أخذتها، استفاقت على تعب وتحركت نحو أمها في غرفتها، وجدت الغرفة مطفأة فتنهدت ومشت بنعومة حتى وصلتها. همست باسمها فلم تستجب، حشرت نفسها جانبها ومارست ما تفعله كل ليلة، أُحبطت من قلة استجابتها وحاولت سحبها. ازدردت لعابها وحرّكتها بقوة فوجدتها ساكنة لا تستجيب عيناها ولا ذراعها في التفاتة نحوها. انتهى الفصل | ||||||||||
02-09-24, 02:45 AM | #429 | ||||
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في هذا الفصل تتكشف خسة راوية وحقارة يزن ومهند اللذان لا يستحقان آرام الأبية .ريبال الغامض الجسور ومؤيد الذي سيندم بزواجه من راوية "لم احب شخصيتها فهي المدعية للطهر والعفاف" . سند الذي يساند الكل إلا سراب الملتاعة بحبه وعقدة الذنب التي لا تفارقها ,مرام التي تخطئ المرمى وتصيبها الفوضى المتكررة في لقاءاتها مع يحيى أما سياف المضحك فخلف قناعه هناك ندوب يخفيها بالمرح والضحك. بوركت لميس فأنت قامة أدبية تستحق المتابعة بوركت حبيت تفاصيل هذا الفصل شكرا لك | ||||
02-09-24, 10:40 AM | #430 | ||||
| فصل فاق التوقعات مرام وفضايها أمام يحيى تبشر بالخير????????????متل ما ريبال عم يكون بوقت أزمات ارام الاتنين ادمنت من اقتباس انت كابل وللاسف شكلو مهند راح يكون سبب بفضيحة لارام وزين تخلي ريبال يقوم بخطوة الارتباط يزن بئس الرجل انك تجيب سيرة ارام وطلبنها منك وكمان تسمح لوالدتك تحكي عنها بالعاطل يعني انت موقد المسؤولية الله يستر من مهند عدي وميسم وجرب شد وجذب لنشوف آمين الغلبة سياف ويافا وبداية قصة بتلاقي سياف والوجه الستخبي منو حبيت مشهدو مع والدتو جدا أفضولية لأعرف جملة تسولو شو وراها من شقاء و معاناة أخرى يافا سكرة كل الفصول لهلأ لنشوف وجعها وجع الماضي كيف راح يظهر جيداء ومنذر والله كانت ايام معكم ???????????? ضحى سكرة وعسل بحبك???????? راوية الله يعينك يا مؤيد راح تستنفذ راوية كل طاقتك وجيبتك الله يستر نوال منك لله من سبب كون راوية هيك راوية رغم علانهاةبس صديقة جيدة مشاهدها مع ارام آه من عم يرموا بلال وعلياء بالحجارة رووعة منجي القفلة هل يعقل سوزان ماتت زعلت عليها وقلقامة مم تأثير هالشي عا مستقبل علاقة يحيى فيها فصل مبهر القادم متل ما عو دتينا لموس العسل ما شاء الله تسلم ايدك يارب | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|