28-08-24, 06:03 AM | #1 | |||||||
| طَوْفان , طَوْفان أتحب هدير البحر أم طاف القلم؟ فإن كنت تذهب إلى طاف على الهدير فقد طاف قلمي في هذه رواية. عمر الغياب | عَبِير : : المقدمة الحمد لله مخرج الحي من الميت و رازق البشر نورًا وإحساسًا وعلمًا. الحمد لله الذي جعل من اللحظات أمسيات الأدب في قلبي الحمد لله الذي جعل من كل شيء لكل شيء قيمة وأهمية الحمد لله الذي رزقني والصلاة والسلام على نبيه ولا إله إلا ربي سير لي عملي ومقدر لي رزقي و قدري أما بعد: أنا الأمل .. من تعلمت الأحرف وولدت معه وحفظته في قلبي. حتى صار للورق عقل و أفكار ترتب في كلمات و أحرف الحبر المكتوب كما في أوراق إلكترونية ماهي إلا حكايات قلب مجهولة و لحظات عشق وأمل فرح وحزن ... بل لحظات فراغ هادئة أردت تثبيتها بين وجهي غلاف .. لذلك فلتقرأها بسكون مع قطعة شكولا لذيذة، لتنعم بالحب و الغضب وتسبح على كل الأمواج. : : الإهداء إلى صديقة الأيّام .. من وثقت فيني وآمنت بحروفي فهناك أصدقاء وهناك قطع من القلب إلى نـورة. فطاب العُمر بكِ يا صديقة وطبتِي ليَّ عمراً. 2024 - 8 - 8 12:00 pm روابط الفصول المقدمة أعلاه. الفصل الأول... أسفل الصفحة الفصل الثاني الفصل الثالث الفصل الرابع الفصل الخامس الفصل السادس الفصل السابع الفصل الثامن الفصل التاسع التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 14-09-24 الساعة 02:07 PM | |||||||
28-08-24, 06:49 AM | #2 | |||||||
| التمهيد. * التمهـيد ~ ~ ~ عندما نخوض المعارك في الحياة، وأجسادنا ممتلئة برضوض الأيام وما بنا إلا خاطر متألم وعشق يلفظ آخر أنفاسه، وعقل وقلب وروح تتلهف للقيا حبيب أحدثه ... لِمَ هو بهذا البعد؟ ولِمَ الكبرياء حال ما بينهما؟ ولِمَ أحتر الانتظار؟ * * * * | فيض | [ لست إلا جمود حركته الرياح، لست إلا تضارب ملَّ السكون. لست إلا خدعة تحولت إلى ذا الشعور لست إلا شاب طائش طاف غارق حول البحور لست إلا كاتب يخطئ السطور لست إلا كاذب يحاول في كل مرة تغيير الأمور! ] الواقع بين تلال الصحراء ... بلا ماء ولا ارتواء فأي سيقا وأي عطش لن يرويه و زده، فيزده فإنه (فيضٌ من عطش لم يرتوِ.) في كل منا في قلبه فقد عزيز مفقود، في المجالس وبين الناس يبحث عن هذا الفقيد يبحث بأعينه، ينسى أحيانًا أنه أصبح من اللاموجود، وحين يذكر اسمه عُمر بن محمد مُهـنا. حينها يتذكر ذلك كل من في هذا المجلس يطأطئ رأسه بألم ويتحسر لقياه، ويردد مع حزنه الذي دفن في بؤبؤ عينيه السوداوين حين يرى مكانه الخالي، ألا ليتك هنا أحد الوجود ألا ليتك لم تغب وتصبح عنا مفقود ألا ليتك هنا موجود، فتكفينا حر الدموع ولطم الخدود، فتنسينا حزننا وتحدثنا عن جنتكّ وما فيها من الخلود ألا ليتك أيها الغالي هنا موجود. في ظهيرة السبت ٢:١٢:٠٧م اقتنع بالحوادث كما تكون أبعد من تصورها بحكاية جديدة، ولأن وجهه الآخر يجب أن يكتمل به، فهذا سحر البين، يفسد تلك اللحظة تلطيخ هذا الشرف مدنّسًـا، ومثله في المقابل سيقود إلى تحسينه فالخلاف و المعضلة الأهم هو بأن في عائلة مُهنا الحسن هو الأصل المطلوب من كل شيء. الحسن من الندم الحسن من الجمال الحسن من فرض الإحترام الثقة الأمان فينبغي أن يكون محسوسًا في القلب ذلك الارتباط والحيز الصغير من الجمال الكـلّـي. الذي يميل إليه بجميع إحساسه وبصفته شيئا ترتبط به. نظر إلى أبناء عمومه، و جده محمد مُهنا الذي كان يتكيء على عصاه المزخرف منحوت باسمه، يجلس دائمًا في صدر المجلس وهو يحاذيه بجلوسه بالطرف الأيمن. يستشعر المسـؤولية، فقلد رأى مواطن مختلفة أسباب التآكل الذي يقضم رغبته في المضي قدما، ما أصعب العمل في غمرة النسيان ما هو سيئ، يبدو في وصفه كشاب يفرض على من كل حوله الرئاسة، يلتزم بالتقييد تطوّقه واجبات كثيرة منها عائلة مُهنا. تتوارد عليّه هذه اللحظة كمـوج يتبعه موج، فيشعر بغصة يحبسه من التنعّم بمباهج الليلة. ~ ~ ~ | الماضي البعيد ، قبل الثلاثين سنة | يقف بجبروته وشموخه العنفوان رائحته المميزة بعبق العود يصرخ في ابنه: -تكسر كلمتي يا ياسر، وفوق هذا عصيتني وطلعت من شوري ياسر بضيق: -يبه وين كسرت شورك، يبه الله يهديك عُمر أول العارفين عني، يا يبه تزوجت على سنة الله ورسوله ما سويت شيء حرام. صرخ الجد محمد بوجهه -يــــاسر! عُمر ينزل يخفض روحه بخوف على أخيه من بطش أبيه: -يبه أنفداك امسحها بوجهي ضربه بعكازه أمام الشيخ والرجال الذين ينظرون لهذا الابن العاصي، فلن ولم يقف بوجه محمد مُهنا يومًا أحد بقهر ياسر: -يبَه، أنا طالبك أنت بس اسمع مني صرخ في وجهه: -طلقها وأنا زوجك باللي أحسن منها. لكن نظر إلى أبيه برفعة وشموخ: -يبه أنا ما اهينك لكن بنت الرجال ما لقيت منها إلا بياض فعوله، وش ذنبها اطلقها صرخ في وجهه: -والله لا تبرأ منك يا العـاق. اطلـع عيني لا تلمحك. حينها خرج ياسر، ونظر عُمر لأبيه بحزن: -يبه صرخ في وجهه: -ما أبي أشوف من ذراه أحـد، اطلع الحَقه، حسبي الله ونعم الوكيل. ~ ~ ~ | بعد خمسة عشرة سنة من اليوم | يبتسم جده في ملامح حفيده الأكبر يضع راحة يده فوق فخذه: -وأبوي أنت اشلونك؟ بهدوء ثقيل حدق لعينا جده بضيق طفيف فابتسم إليه ابتسامة تخصه له وحده، فهو قليل التبسم: -لوني الحمد لله، عاد يا أبو عُمر نبي ليلة ترقص بعرسي. بفخر بنبرة صوته الوقور: -الله يوفقك، قم وأنا جدك رح تجهز. -ماهو معزايمنا من الظهر، ترحيبن لهم. الجد ببهجة: -الله يوفقك ويبني لك بيت السعد، وأنت يا جدك ما عليك إلا الفخر الله يحميك و يوفقك بينك وبين بنت عمك. ~ ~ ~ لا تطيق النسيان، ولا تطيق خوض المعارك المرّة معه، تحتاج أن تكون خرساء، عمياء، صماء، عما يلاحقها من ماضيّ. فلا تريد أن تبكي منه كي لا تعلن عن خسارتها، ولا تريد أن تتناساه لكي لا يختم للذكرى على ذاكرتها، ولا تريد الهروب منه كي لا تتبين له إحدى نقاط ضعفها. ولا تريد عيشه ... كي لا يشوه لها مستقبلها. تحاول أن تصنع هذا اليوم المميز مما يجعل غدًا أفضل تحاول أن تصنع في الغد ما يجعل عمرها أثمن. تحاول أن تصنع في عُمرها ما يجعل من ماضيها أجمل. تنظر خارج النافذة وتصرخ للهواء تحلمين يا غدق! تطيرين الآن تضحكين تعيشين ستنفجر السحب لصراخها وتبكي مطرًا ينعش روحها كادت تختنق بين الظلمة. فتح الباب على مصراعيه لتدخل تلك الهادئة الحنونة بخطاها تقترب منها لتغلق النافذة وتحدق في أهداب تلك العروس الفاتنة: -غـدق! ابتسمت بهدوء عكس ضجيج قلبها تمحي دموعها وتستطرد بقوة: -هلا عميمه وسميَّة. -يابعد عميمه وسميَّة، يلا يا قلبي نبي نمشي للصالون. هزّت رأسها، بهدوء اقتربت من الخزانة تلتقط عباءتها ترتديها، فخرجت من غرفتها وخرجت من الممر المؤدي إلى نهاية السلالم لتهبطا للأسفل فتجد جدتها وله لتبتسم لها بنبرتها الحنونة بالترحيب: -يامرحبا بضو بيت محمد مُهنا، يامرحبا. -يابعد روحي يا أرق ولَهَ.. هلا بك يابعد حياتي. لثمت راحة يديها وكتفيها بقبل متتالية، تحدق في عينا جدتها اللامعتين بفرح، مما في عينا غدق ثمة بللٌ رقيق -انفدا ذا الدميعات تكفين ميمتي لا تبكين. تهتف بحُب جدتها أم عُمر: -يوم السعد اللي أشوفك عروس.. الله بلغني ذا اليوم بفيض وغدق، الحمد لله، أسري مع عمتك الله يوفقك يمه. ودعت جدتها وانتقلت مع عمتها لسيارة الفاخرة، كان اليوم اعتياديًا. كل التجهيزات العرس بالتوقيت. فمع خروجها من قصر محمد مُهنا، إلى الصالون ... ساعات طويلة مضت ... وها أتى المساء الميمون ذات الوعود والعهود زفاف أسطوري ... كل الأمور تسري مسارها الصحيح. لكن .... في لحظة غدر ... على موج البحر أغرق قلبين وعلى سفح كان يطرب. * * * | في قسم الرجال | الجميع من قدم ليحضر زفاف فيض بن عُمر محمد مُهنا. يبتسم بثقل هيبته و رجولته يرقص مع جده الذي كان طربَ وفرح فرحًا شديدًا. يقف بجواره و البشت المطرز فوق ثوبه الأبيض أنيق جدًا و هندامة شماغه الأحمر رائحة العود و البخور … تفوح عبر المكان يتأمل في أبناء عمه ليبتسم لهم بثقل خاص فيه. وفي المقابــــل ... دخل بثوبٍ الرث ... تآكل عليه الفقر قلوب لا تحمل حبًا لأحد. سوى لنفسها رصاصة مباشرة .... بإتجاه العريس. فينقلب كل شيء على عقب. فالقاتل قد رمى رصاصته وسط الهدف فهرب سقط عكاز الجد محمد، وبقي ... الأصوات الفاجعة و الهول من المصيبة التي زلزلت أركان قاعة الرجال. * * * يدق قلبها لأول مرة بهذه سرعة، حينما وقعت عيناها العسليتين بعينا عمتها التي تقف أمامها، بوجه باهت كأنما الدم تجمد بعروقها، ترتجف تظن أنها نهاية كل الأشياء موته! لكنها لا زالت هنا ... بياض فستانها، مساعدة الخادمة التي أمرت بأن ترتدي العباءة لتغلق النقاب خلف واجهة وجهها المفزوع. تحاول أن تتماسك مع يدين عمتها تمرر أصابعها لتتحسسها تفتح عيناها: -حلم صح. تحاول أن تسيطر أن لا تبكي وسميَّة تردف: -الله يلطف فيه يا غدق، فيض نقلوه للمستشفى. ببرود تجيب: -وأنا، و مع ها الفستان، وين اروح، عمتي! -مع عمك عياش .. يلا يا قلبي خلينا نخرج. انطفئ الأنوار الشوارع، فمن كانت ستزف عروسة إلى منزلها... أصبحت على هذا الحال! كانت ترفض ذهاب لوحدها: -عمي عياش، مين؟ مين؟ تنهد بغيض: -مـــين بعد واحد مريض، المجنون إبليــــس الأرض وسميَّة بخوف: -عياش البنت جاء لها رعب من وصفك، الله لا يوفقه -ما عليك وأنا عمك، إن شاء الله إنها بسيطة. -عمي تكفى خذني له. -يا أبوي ... وين أخذك المكان كله رجال .. من يقوم أبي أكلمك وأجيبك عنده. وسميَّة التفت إليها تمسك بكفيها الثلجيتين: -ما عليه وأنا عمتك، اليوم أنا اللي أبات معك. عياش بضيق: -أقول بس.. بنتنا وبيتها بنفس القصر أبوي، وشوله تباتين؟ وسميَّة: -يا ربي عيّاش.. عاد بنتنا. -اششش خلاص .. وصلوا إلى القصر .. لتدخل إلى القسم المنعزل لطابق الذي يفصل عن قسم جدها محمد وجدتها وله. ساعدتها عمتها وسميَّة للوصول إلى بيتها بعد أن كانت تمتلك مفتاح احتياطيًا عند جدتهما وله.. لتستخدمه و تفتح الباب لتلج تساعد غدق التي لا زالت في برود و صدمة.! وسميَّة: -يلا يا قلبي بعد وش أسوي عمك عياش ما راح يخليني في حالي.. أي شيء تحتاجينه متوفر هنا. غدق ببرود: -طيب. أغلقت الباب من خلفها، لتقف تتأمل المكان المضيء بضوء الاباجورة الخافتة، خطواتها كانت باردة ... وكأن طَوْفان الحقيقي يسكن في ضربات قلبها ... تقدمت تتعرف على شقتها بكل فتور حتى وجدت غرفة الملابس لتسحب بيجامة قطنية من الخزانة، و تفتح فستانها ناعم لتضعه فوق الأريكة نظرت للمرآة ... بحثت بين الغرف حتى تجد غرفة النوم المكان كان راقيًا ... بطراز أمريكي ... غالب اللون البياض كالجدران و الارائك جميعها غلب عليها اللون العاجِي. مشت بروب الإستحمام، لتدخل دورة المياه تأخذ حمامًا سريعًا حينما خرجت بعد أن ارتدت بيجامة قطنية ... تفاجأت بحضــــوره لم تستوعب حتى تشهق أتسعتا بؤبؤ عيناها مما انتهز الفرصة -غدق! والله وما لحقنـا نشوف الفستان. بقسوة بلعت ريقها بل برود تخفي خوفها منه: -ما امداني بسم الله ، من وين طلعت أنت؟ بصداع يضرب على جانبي رأسه، أمسك ذراعها بقسوة يهمس، يديه التي تنزف لكن كان يكتم ألم نزيفه: -الحـــين حتى صورة ما جمعتنا يابنت ياسر، لا يكون في بالك إني مت وتخلصتِ مني. غدق بهدوء: -والله هذا مو تفكيري يا ولد عُمر. -عُمر ذا عمك المرحوم ... اتبعيه بالرحمة. بوجع لم ترى وجهه سوى إن هيبته طغت على هدوئها: -طيب عمي عُمر الله يرحمه، فك يدي. بأمــــر فيض: -قومي بدلي ها البجامة يا عروس وارجعي البسي فستانك باقي ما حللته. رمى جسده الضخم على أريكة الغرفة فنظر لها بتهديد، فتح أول زري من ثوبه الأبيض، فسحب شماغه و عقاله لينام على الأريكة بجواره التفت حتى يجدها ساكنة هادئة -وش فيك واقفة! غدق بقهر: -إن شاء الله. * * * | السعُودية – الريَاض | قبل ذاك في العصر ٤:٤٠:٠٤ مَ فيلا ياسر بن محمد مُهنا. وضع كفيه فوق رأسه وتنهد، فلقد فات الأوان ... وإن إصلاح أخطائـه ... فمعاكسة الحياة .. إن كنت بفرح تأتي بأحداث حزينة وإن كنت بحزن تأتي بأحداث سعيدة التضارب، الاختلاف، التفاوت والاغتراب.. يعلم أنه يريد أن تعيش الهدوء عند والدتِه و والده. بعيدًا أن تعيش معه في العصف و المزاجِ الرديء ... فكيف يرتوي ألم هجرهم .. (كيف كنا على بعضنا نلتوي.) كيف أن يرجع أرفف حياته كما كانت عليه.. قبل أن تفسد ترتيبها ... و تسقط حياته! ثم بعد سقوط مُنكسر مُنخذل ... كيف أن الرب عادلٌ .. بحكمة إلهية .. صفاء علاقته مع زوجته الثانية كيف كانت أقرب مما يتوقع. الغربة هي أن تعيش بلا حياة. لكن من رممت روحه شريكة حياته كما يسميها (وداد الرَّوُح). بعد ما حدق في وجوه أربعتهم ... بلع ريقه .. وتناول كوب الماء من زوجته ممتنًا لوقوفها بجانبه: -حياتي يا عيالي .. كان و سبق تزوجت قبل أمكم وداد بزوجتي هويدا.. لبنانية الجنسية ... عصيت جدكم محمد و استفزيته لأقصاه، حاول فيني وعمكم عُمر الله يرحمه ويتغمد روحه الجنة، حاول ... لكن من طيش تهوري تزوجت بها .. والله كتب لي منها بنت. البنت هذِه أختكم غدق بنت ياسر محمد مُهنا، خلونـا احكي للأخير ولا تقاطعوني. ماهر بعدم صدق من هول الخبر: -بس يا أبوي ها الأخت اللي ظهرت اليوم من العدم!!! ما لها حقوق علينا!! نظر له بأسى: -بس أنت و إيـاه، جدك تبرى منـي و اضطريت أخلي أختكم مع جدكم محمد وجدتكم ولَهَ، ايه نعم استفزيـته يوم إني درت ظهري لأبوي وانحنى رأسه، تسمعني يا مُلهم، تفهمني يا مهاب، حط برأسك يا ماجد ... لكم أخت ... مُلهم بقهر: -يبه بعد ذا العُمر طويـل لنَا أخت!! عارفين بحكاية جدي محمد لكن ماتوصل إن يحكمك بالنفي والاغتراب عنه.. و فوق ذا يتبرأ منك!! ياسر بتعب: -أنتم ما تفهم ما كإني أكلم لي رجال بعمر الثلاثين. مسح وجهه مهاب: -تأمـر يبه، تبينا نرجع بنرجع لكن أمُـي وداد!! ابتسمت وداد بطيبة قلبها :الصدق بحضر الزواج ويمكن وقتها اقولها أنا مرة ولدك يـاسر وإن يـاسر بخير، والله رزقه بالضـنا أربعة أسود، مُلهم و مهاب وماهر و ماجد. قال بلهجة شديدة بسخرية: -أمي ولَهَ بتقبـل لكن أبوي معصـي.. ثم تنهد ياسر بحنين و وجع لابنته :بتأخذ نفسك يا مُلهم وتبي تقابـله. مُلهم بضيق أجاب: -مايصير خاطرك إلا طيب. * * * نهاية التمهيد. | |||||||
29-08-24, 04:14 PM | #7 | |||||||
| مساء الخيـر طاب مسائكم مساء نبراسًا يضيء حياة طَوْفان ✨ مساء الوصوف … سنعيش هذه المرة في داخل طَوْفان في جنون مشاعرهم ، حوراتهم ، ربما تشعرون أوقـات إنهم لوهلة أولى الأحداث حقيقية … هذا شعور إذا شعرتوا به يعتبر أكبر الإنجازات عندي. بعد قلـيل سيطرح .. و أستميحكم بعدها بإجازة قصـيرة. الفصل الأول الطويل. الشخصيات و القصص ستكون بتدريج … ركزوا فقط في قراءة الأحداث جيدًا … حتى لا تتشتون. عطوا لروحكم العنـان مع مركب عَبِـير ⛵️. ولا تلهيكم رواية عن الصلاة بوقتها. ستأمل تعليقاتكم بكلَّ حُبْ. | |||||||
29-08-24, 05:48 PM | #8 | |||||||
| الفصل الأول * الفصل الأول ~ ~ ~ | غدق | [ تقف في العتمة الصامتة هذه المرأة المضطربة المنحنية قامتها من الغرابة والألم مثل زهرة خريفية في المطر البارد، مثل زهرة خريفية تذروها الرياح ولا ترفع رأسها ثانية ] * * * * ابتعدت عنه بتوتر رفع حاجبه ساخرًا منها يردد في داخله: (مسوية نفسها مستحية دكتورة وهي كل شغلها اختلاط برجال.) نظرت إلى كتفه المصابة، فذهبت نحو حقيبتها الصغيرة الملحقة بالإسعافات الأولية بهدوء لفظت غدق: -قبل ما ألبس لك الفستان فك ثوبك جرحك واضح عميق. نظر إليها يكفيه فاجعة جده الذي أصر عليه أن يذهب للمشفى فتحدث ساخرًا: -ما أمداك زواج باقي عليييه يابنت هويدا، ما أبي منك شيء تركت الحقيبة مولية ظهرها لفيض مما كان يغمض رموشه الكثيفة تلتفت إليه ترى عرق ينبض بتوتر وبمهنة التزمت بها أمسكت مقص لتقص كم ثوبه الأيمن، ففتح عينيه يتأمل أهدابها: -عسى ما تتبرجين بوجهك يا بنت هويدا؟ كانت ترتدي القفازين الطبي و التقطت إبرة المسكن بيدين ترتجفان أمسكها بيده سليمة ساخرًا: -يا دكتورة عسى ما تقربين من ها الرجال كِذا!! كرهت تحكمه وتسلطه فما هذا المزاج العكر، بهدوء، تحاول أن تهدئ توترها و بتحكم في أعصابها: -خلني أشوف شغلي ممكن أعرف كيف أصبت؟ فيض نظر إلى الجدار ولم يعهرها أي أدنى اهتمام، لفظ: -ما يحتاج إبرة تخفي إنبهارها: -جرحك يبي له خياطة لازم ترجع للمشفى. فيض: -يا حلاتي وانا أخذك بأول ليلة للمستشفى دبري عمرك. غدق بقهر من غروره و صوته المميز: -على كذا ما عندي شيء أفيده فيه، نزيف مو راضي يوقف نظر لها من شدة صداعه: -قومي غيري لبسك و تعالي في ثواني اختفت أمام عينيه، إتصال من جده فأجاب يطمئن روحه الفزع: -هلا يا جدي، هذاني والله رايح، ماعليَّ خلاف، تطمن. بحزن عليه: -فيض واشلون بتسوق؟ فيض بجسورة يكتم وجعه بصمود غريب، بعد أن نظر إليها: -مستشفى عمك عياش مُهنا. انسحبت باختفاء سريع مرتدية عباءتها، خرجا معًا و هبطا من السلالم مشي بضيق نحو سيارته الواقفة في المواقف المخصصة لها ركب فركبت بجواره ... حرك المركبة وخرج من المواقف ومن أسوار القصر .. عبر الشارع العام .. و بعد مضي ساعة و نصف ترجلت غدق مما نظرت إلى ثباته ولجت بداخل المشفى بقسم الطوارئ .. مشي خلفها بثقل خطواته ساعد روحه ليجلس على أقرب السرير، سحبت الستار لتغلق و بآلية سريعة عقمت يديها و بدأت بعملها -فيض تسمعني؟ ~ ~ ~ في الأروقة المستشفى نظرت وريف لوتين -ذي مو دكتورة غدق! حازم بخبث: -أكيد تحتاج مساعدة، دكتورة غدق عسى ماشر؟ تردف غدق بتوتر: -لا مشكور دكتور حازم. دخلت إلى داخل الغرفة لتجد فيض بملامحه الحادة و العنجهية المُتعبة نائمًا، تود أن تبصق على وجهه من شدة غروره بوسامة طاغية فاتنة وكأنما افتتنت للحظة دون أن تشعر بسحر. -دكتورة غدق، في حالة ثانية تحتاج منك تدخل الآن. التفت بتوتر على وريف: -دكتور حازم موجود بلغوه -دكتور حازم طالبك بالاسم دكتورة غدق. تنهدت وهي تخيط الجرح العميق و بعد دقائق تلف ضمادة الشاش أبيض الطبي حول الجرح. كتمت غضبها، نظرت للممرضة: -طيب، يا وريف شوي و بطلع. تقدم عمها عياش الذي سريعًا أزاح الستار يتساءل: -وش الحالة يا غدق؟ وضع راحة يده اليمنى على جبين فيض الذي كان نائمًا غدق بهدوئها أجابت: -الحالة جرح غائر على ذراع سبب له تمزق بسيط، و المريض بحالة جيدة. ابتسم عياش و هو يرى توترها: -وريف تقدرين تطلعين. ما إن خرجت وريف حتى تنهدت رفعت نقابها ليرى وجهها الذي تشرب بالإحمرار، قبل رأسها بحنو يرى طرفي أهدابها المرتجفة بخوف عليه بمرح أبوي: -ضيع على روحه ولد عمك يشوف خوفك عليه. ابتسمت له بهدوء و ثقة تمحي أي ظنون تثير عمها: -عمي! طبيعي ولد عمي وبخاف عليه، بس ما عرفت مين اللي صاوبه؟ مين المجنون إبليس الأرض. تنهد عياش أبو يزيد، مسك كفي غدق التي كانت باردة: -ياعمي مالك به، المهم تهني أنتِ و رجلك. فضحك بحنان عياش يحدق لفيض: -ها العنيـد ما يداني المستشفيات، حاولت أخذه لكن وقتها يقنع جدك. غدق بهدوء سحبت يدها من كفي عمها عياش: -تستاهل سلامته عمي، عن إذنك. تنهد عياش بضيق: -بس قم من نومك يا المغرور، يا خوفي غدق تكون شوك يا فيض، يا خوفي تجرحها بسموم أمها الله لا يوفقها لا دنيا ولا آخرة. * * * لتغادر غدق سريعًا نحو الحالة انشغلت بعملها بحُب و شغف كبير. حتى شعرت بدوخة مما أسرعت لدخول لمكتبها أغلقت الباب بالمفتاح و فتحت نقابها شهقت من تعب يومها الطويل جلست على كرسي وضعت رأسها فوق ظهر المكتب الخشبي … غزا النوم جفونها الثقيلتين لتغمضهما و تغرق في النوم من شدة إرهاقها و تعبها. ~ ~ ~ | في الغرفة الطوارئ | حينما تغضن حاجبيه من شدة الصداع فتح عينيه رمش رمشتين متاليين: -صح النوم يا عريس. حاول أن ينهض كشر بملامحه الوسيم: -عمـي؟ قبل أنفه فابتسم بخبث: -الحمدلله على سلامتك فيض وأنا عمك وراه ها المكابر بصوتٍ أجش من النوم: -مين علمك إني هنا! عياش بثقل و مكر: -مو مهم، المهم اشلونك الحيين؟ فيض: -الحمدلله زين، مدري اشلون غفيت، بعدين مين حكاك إني هنا لا يكون هي بعد بلغتك. عياش بإستغراب و تجاهل: -خف على بنت عمك يا فيض، واللي ضربك بالرصاص المجنون مسكوه. بضيق: -قلته مهبول و مجنون، الله يعين أهله. -والله أبوه جـاي يتعذر من جدك، و جدك عذرهـــم خابر جيرانا ولدهم المجنون من فقد عياله .. انهبل و انجن خبرك ذا ماهي أول مرة يرفع السلاح ... الله يعين أهله، وأبوه ميت إحراج منك. تنهد فيض ينهض من السرير ليجلس، يهتف بصوتٍ الأجش: -ما على المجنون حرج، الله يعنيه على ما بلاه. تحرك من مكانه خرج من غرفة الطوارئ و مشى يخطو يحاول أن يجدها فيسمع همسات الفتيات اللواتي يحاولن أن يميلون إليه. (ياربي وريف شووفي الزين على أصوله، يقولون حفيد محمد مُهـنا. هذا الزيـــن و الرجولة يكون رجل دكتورة غدق يا ما شاء الله. يا حظها والله .. الله يرزقنا من حظها .... ) لم يجدها مما اتصل على هاتفها فلا مجيب مرر سبابته بذقنه بتفكير نظر إلى الكاونتر يستفسر: -مكتب دكتورة غدق وين؟ -عندك موعد! -ايـه. -الاسم الكريم. نظر لها بحدة: -ماهو لازم، وين مكتبها؟ بحدة: -ما عندنا المرضى بدون السجلات دخول، الاسم لو تفضلت؟ يردف بثقله: -فيض مُهنا فوقفت بإرتباك: -العذر و السموحة، مكتبها في نهاية آخر رواق. ~ ~ ~ مشى للمكان المقصود نظر لاسمها برواز المعلق على الحائط الجانبي دكتورة غدق ياسر مُهنا جراحة أعصـاب. فتح الباب، وإذا به موصد، مما نهضت ترمش بعدم إستيعاب، رأسها ثقيل تشعر بصداع يتفجر برأسها نظرت للنافذة و الساعة المعلقة التاسعة صباحًا سحبت نقاب ترميه على وجهها، استقامت تخطو بإتجاه الباب لتفتحه فنومها خفيفًا جدًا رأته يقف أمام عيناها. نظرت إليه بإستغراب: -فيض! دخل و أغلق الباب ليقف أمامها مباشرة: -ليه ما رجعتِ للبيت؟ بتبرير و بهجوم: -مدري خذاني الوقت و نمت. رفع نقابها و أزاح غطاء شعرها بوقاحة: -كم مريض غيري داويته وبدون موعد بعد ما هذا الإتهام الصريح و نظرة الشك التي تطل من عيناه، هتفت ببرود و غيض: -ما أسمح لك تمحور الكلام على سمعتي، و طبيعي دكتورة مجال عملي كله اختلاط. -من يوم ورايح يا دكتورة غدق ما تعالجين إلا الحالات النسائية وإلا اتركي المهنة من ساسها. شدها إلى صدره يريد فقط تخويفها: -وش فيك ترجفـين كل هذا خوف مني يا زوجتنا الموقرة! لمح الدمع بين أهدابها لتشيح وجهها مما أمسك بذقنها يجبرها أن تنظر إليه، بصوتٍ أجش ثقيـل: -شوفي يا بنت هويدا، دام اسمي ارتبط باسمك، تمشين بأوامـري مفهوم، لا و صبحية مباركة إلا سديتي نفسي. كتمت غضبها بل نطقت نظرة عيناها .. وفي داخلها (أكـيد يدك دخل بمخك، ليه ما أحد قال له إنه دكتورة لا يكون يفكر إني أترك عملي عشانه.) رفع حاجبه فضـرب ناصية رأسها: -اكسري نـظرك. -شوف يا ولد عمي، عملي كان شرطي الوحيـد اللي ما أتهاون أو اتجاوز عنه. تلك الجامحة لها لـسان تعترض: -لولا الله ثم جدتك و عمتك وسميَّة كان ما وافقـت من الأسـاس، و كلامي ما يتكرر تريد أن تسـايره فقط: -يصير خير. رمى غطاء شعرها: -تغـطي، و عيـونك بذات لا أشوفها مفتوحة ارمي طرحة. شعرت بالنـار تلسعها، ألا يفهم في خجل الإنـاث، كانت تكتم غضبها بـشدة فهي صـبورة حلـيمة و إلا لـم تعـش طيلـة حياتها عند جدها محمد مُهنا الذي طرد أبيـها. غادرت معه و نظرات الدهشة تملًا الأروقة المشفى. ~ ~ ~ قد هلعت مستيقظة من منامها حالمة به، و لكن كانت على إنتظار له في المنام؟ أدركت بأنه حاضرها في لحظاتٍ عديدة تعيشها في أيامها، وأن لا مفر من ما يكنه داخلها تِجاهه، ها هي تقسو عليه، وقد تكون حربًا قد خاضتها نظرت للنافذة بكسل، لترى والدتها ابتسمت وسميَّة: -صح النوم لانا: -يممه، هلا بعمة العروسين. وسميَّة بحنو: -قومي يمه صحصحي أبي أكلم ناصر، جهزت فطور للعرسان. سحبت وسادتها لتغوص في نوم من جديد بنبرة ثقيلة: -يمـه، أبـي أنام. -الحقي صلاتك و نامي الله يهديك بس. أزاحت غطاء السرير لتمشي بنعاس شديد نحو دورة المياه. بعد أن الحقت بصلاتها تستغفر طويلًا لتأخيرها، دخلت إلى الصالة كانت تجلس مع والدها الذي ابتسم إليها و والدتها في منزل صغير مكون من الطـابق في الطرف الخلفي من قصـر جدها محمد مُهنا دخل عليهم أخيها الأكبـر ناصر بحماس و فرح و هو يجلس معهم ليزف خبر حصوله على عمل .. كان منذ عدة أشهر يبحث عنه بعد تخرجه -أبشـركم خالي باسل أسس له شركة هندسة معمارية، و بأشتغل معه. بإستغراب والده -ماهو خالك معه بارق ولده. -ايـه. ببهجة ابتسمت والدته -الله يوفقك يمه، ما انسى ها الوقفة من أخوي. ~ ~ ~ ركبت السيارة لتجلس على المقعد المجاور، كان يقود بصعوبة يتحكم بالمقود بيده اليسار، خرج من باحة المشفى، بينما هي تراه من خلف طرفي أهدابها فلم تلتفت برأسها، رائحة عطره النفاذ تملأ سيارته، اجبرت أن تحدق فيه بقسوة ملامحه الوسيم، لأول مرة لا تستطيع أن تتحكم في رجفة يداها، مظهره الآن حتى بكم ثوبه الممزق إلا إنه له جاذبية طاغية، بينما هي بمظهرها البسيط بعباءتها حمدت الله أن غطاء رأسها خفيف لنوع ما قد تختبئ مشاعرها، تشعر بتوتر لتسيطر و تتحكم أكثر فأكثر على شعورها، و تركنه هو و وسامته و عطره جانبًا. كان يجوب الشوارع معها بدون هدف، يرى تلك الأرصفة المليئة بحركة الناس و المارين، بينما يتراكم جبال الأحزان فوق صدره، إنـه منذ أعـوام طويلة في حرب يخوضه مع نفسه … لا بداية و لا نهاية لا هزيمة و لا نصـر، من بين تلك الكوابيس المفزعة و الخيالات القاهرة التي لا طالما جثمت على روحه، لكن تسرب هذا الصباح الغريب .. ليوقظ إحساسًا كان غافيًا منذ وقت بعيد فقده منذ أعوام ... يكاد لا يعرفه، و بـات يسترجع بحنين و ألـم في هذه اللحظة، رائحة عطره التي تملأ السيارة فهو يحب أن يمزج بعطر أبيه عُمر الراحل و عطره الخاص، حتى يسكن ضجيج الاشتـياق و الفقد المؤلم، كثيرةٌ عليه، حين أتته لتقطع صفاء مشاعر لم تُلطخها حتى سنوات أرضه المُقْفِر، كان يحُس بها تجلس قريبًا منها، يراها بقلب يقض، لكن يعلم كم هو مسيطر على روحه بهيمنة مشاعر يتمه، يتنفس الهواء .. بكل عزائم قسوته و قوته و صبر تعلم أن لا يصل لحدِ به ... إحسـاس مرعب .. مما يسـتر بصوتٍ مغرور ألمًا ينضج أكثر حينما يرى عمـرًا طويـــلا سرقت أجمل لياليه ... ليطغى مع ظلمه مع قسوة التي ينبض ذكريات موجعة، راقب جيدًا رجفة يديها، ليكشر عن أنياب وحش ليزفر بمرار مما نظر إليها -تبين تفطريـن؟ بكآبة تحتاج مُصلاها و تنام تشعر بحرارة تسكن في جسدها من هذا القرب، فهي كانت ترى عمها فقط عياش و عمتها وسميَّة و إبنة عمها فقط، دائرة معرفتها ضئيلة بحكم عملها الدقيق الحسـاس. نظرت إليه بتعاطف، ثم أشاحت وجهها لنافذة -ما يحـتاج. في أثناء تأمله إلى أثر الطريق أمامه، أكان السلام مُختلق في تلك اللحظات الذي عم فيها الصمت بينهما، أوقف سيارته ترجل، تفتح الباب و هو يراها قد خرجت و هبط و هو يتبع خطواتها بعد أن مسك بـ كيسًا الطبي يحمل به الدواء، تقدم بخطواتٍ حتى وصل إلى باب شقتهما، بحث ميدالية التي جددها صباح الأمس ليبحث دون جدوى، مما كانت تقف بقربه بتوتر و إرتباك، أخذت مفتاح من حقيبتها اليدوية الصغيرة و تضعه بجوف الباب أدارته تسبقه، سخر من نفسه (لا كديت خـير، هذي من عطاها مفتاح البـيت!! بنت هويدا وش تتوقع منها!؟) كانت سبقته لتدخل إلى غرفة الملابس وضعت عباءتها التي علقت برائحة عقاقـير المشفى ترميه في سلة الغسـيل، تشغـل نفسها بعيدًا عن وجوده، اقتربت من الخزانة تمد يدها تأخذ فستانًا صباحيًا أنيقًا جدًا، على اختيار و توصيـات عمتها وسميَّة، انتقلت بحقيبة صغيرة تضع فيها احتياجات للإستحمام، فهي علمـت بأنه بداخل الحمام الرئيسي تابع لغرفتهما، فـثوبه المرمي على الأرض، و صوت حركة تدافع المـياه من داخل يثبت بذلك من أين قوتها الكامنة التي ظهرت من العدم، تدنو لتنتشل ثوبه و ترميه في سلة الملابـس بضيق (يارب ها المغرور رحمتـه عشان يده، بس من يوم ورايح لا أشوف له قطعة ملابس له بالأرض، يا جـدتي وَلَه يمديني الحـين اصبح بوجهها و افطر معها، على أسـاس عملك يخليك تفطرين.) انطلقت لحمام الصـالة لتأخذ حمامًا سريعًا فخرجت أطراف شعرها المبلل لم يجف بعد، فجميع اشيائها في غرفتهما لن تستطيع أخذ حريتها، لكن بخطوات خائفة مشت نحو الغرفة لم تجده بعد، فتحت الدرج تأخذ المشط بحركة سريعة لتنهي تسريح شعرها.. بيدين مرتجفين تحاول يائسة ثباتهما لينزلق حرير الخصلات من بين يديها في كل لحظة، تحاول كتم خوفها منه ... تشعر بالغرابـة شديدة نظرت لبلل عيناها التي شكلت الأنهار تهدد أن تنبع من عينها في أي وقت. ترجو الله أن يمدها بالقوة ... لا زالت بعيدة كل البُعد عنها ... الخيبة التي رشحت من صوتها (غدق! احذري تنهارين ... عادي يعني متوقعة تترك عائلتها و تجي لك أمك هويدا اللي ما عرفتِ إلا اسمها، غريبة هالدنيا والله غريبة، يومك الأول ذا رتبي نفسك... و لا تعطين فرصة يستغل ضعفك تذكري كلام ماما وَلَه. زوجك هو جنتك و نارك، آه يا ماما ولَهَ ... ليت بقيت بحضنك. ) ابتلعت ألمها ... تركت حرير شعرها منسدلاً على ظهرها و النصف الآخر ينـام على كتفها الأيسر، كان كل شيء من بداية هذا الصـباح جنونيًا لكن تجبر روحها على الهدوء، لم تتخيل ولو للحظة بأنـها ستبقى على حدة التوتر و الشعور معًا، فالكـائن الغريب يكون زوجها و إبن عمـها. انشغلت بتجهيـز صينية الإفطار، و رتبت طاولة لشخص فقط، إبريـق الشاي، أطباق من الزيتون و المربى بالتوت، الطـعام مما لذ و طاب فثلاجة كانت ممتلئة بالطعام. نظرت برضـا. ~ ~ ~ بينما هو عندما خرج تفاجئ من رائحة البخور و العطور و الشموع التي كانت تقف برقي عتـيق فوق ظهر الكمدينو الجانبي، نظر لتسريحة ممتلئة و مرتبة ترتيبًا أنيقًا … عطوره و عطورها، اذهلـه ترتيب و نظافة الحمام قبل دخوله، انطلق يمشي فقط منشفة تغطي خصره كشر من شدة الألم يحتاج أن ينـام فهو منذ يومـان لم يذق طعم النوم و الراحـة، مشي بإتجاه غرفة الملابس الخاصة بهما فتح باب الخزانة الزجـاجي التقط بنطال شورت أسود و قميص رياضي بقصته دائرية بلونه العسلي ارتدى فوضـع المنشفة بكل فوضوية على طرف السـلة، المكان من حوله هادئًا، سوى صوت ماهر المعيقلي الذي ينبعث من شاشة التلفاز كان صوته مخفض، عبر الممر المؤدي للمطبخ ولج إلى الداخـل، كانت توليه ظهرها تقف عند المغسلة الغسيل ترفع الكأس لتشرب الماء، عندما شعرت بحركة التفت فرأت ظله الطويل لتشهق اقترب منها بغرور: -وش بـلاك، سمي بالرحمن. كان لا يتلفت إليـها فلو رأى هذا الحـسن من الجمال لشعر بذهول، فهو لم يدقق جيدًا إلى ملامحها كانت فكرة بإنها إبنة هويدا مسيطر على تفكيره كثيرًا .. مما تحدثت برسمية، لم تكن خجولة ولا جريئة، بدأت مهنيـة جدًا و كـأنها بصفقة العُمر -جهـزت لك فطورك و علاجك كتم إعـجابه بتجاهل التقط حبيبات زيتون. فـهو إلـى الآن لم يرى البيـاض، مما شعر بالغيظ حينما رفع نظره لم يجدها، ها هي تختفي سريعًا. (أنـت وش فيك، بنت هويـدا متى تعلمـت السـنع؟ لا تنسى أكيد تعلمت من جدتك، اللي فرت مخ محمد مُهـنا احـذر لا تقع في كيد النسوان. ) ~ ~ ~ بالصالة الداخلية أبو عُمر يحدق لوجه زوجته فابتسم إليها وفي قلبه قلق مما ابتسمت إليه بحنية و وقار ولَهَ: -عيونك تفضحك يا أبو عُمر! بضيق و وجع: -يا خوفي ظلمنا أحفادنا يا ولَهَ، من كثر حرقتي في ياسر وعصاني أمري والله منيب هاقي يرجع ومات اليقين يوم إني شلت ها البنية، تذكرين يوم إني حكمت عليه لا أشوفه ... ويوم إنه جاب ليّ غدق وهي لحمتن طفلة رضيع ... بوجع وهي تمسح دموعها بطرف غطاء شعرها: -اوجعتني وأنت تطرده يا محمد، صحيح عصاك لكن ولدنا ما يطلع من شورنا، اخ لو يرجع الزمن يا محمد كان والله ما خليتك ... ويا خوفي على غدق البنية مالها إلا الله ثم حنّا ... يا بعد حيي هي .. ما تنام عينها إلا وهي معطيتني دواي وإلا ترافقني .. والله إني فقدتها يا أبو عُمر.. والله لولا الحياء .. و فيني حـيل كان شديت نفسي رقيت بلمهم. ابتسم محمد بوجع: -ما عليه باقي ركام احترق من فرقاه يا ولَهَ، قلبي محترق لكن ولدك عصاني ورمى كلامي بعرض الحائط، وهاقي يرجع! وإن على رجـال أبوي هو فيض مبرد كبدي عسى الله يسعدهم و يوفقهم.. يا المرة ما مر عليهم توهم يوم.. عـرسان يا أم عُمر. ولَه بقهر على الأيـام وعلى السنين، بضيق: -انتفض قهري وضلوعي شبوب لا طفت ناري من الماء ولا ادفاني لحاف!! أنت عطيت ثوب لفيض، ومن هوى نجد لو نسمة هبوب غدق إن تكسرها... دق عليهم قلبي ماهو متطمن خلني أكلمه، أسمع صوتهم يا محمد. رفعت نقابها من على رأسها .. ودخلت القصر أبيها تلج للصالة منذ الصباح يجلسان والدها و والدتها ، ما أن القت السلام عليهما اقتربت وسميَّة بإبتسامة وضعت الصينية فضية بوسط الصالة. هتفت: -صبحكم الله بالخيـر. ابتسم والدها بالترحيب: -يا صباح الورد و الكادي، يالله إنك تحييه وسميَّة. رأت أعينهما من الفرحة لاستقرار الحفيد الأكبر، مما دخلت بقليل ابنتها التقطت يد جدها و جدتها تسلم عليهما لانا: -ما شاء الله وش هالصباح الحلو، اشلونكم عسى أموركم طيبة. رفع نظره الجد بمحبة: -يالله حييه بنت الشيخة وسميَّة، يا مرحبا بلانا. ابتسمت بغرور: -انفدا ذا المبسم، يا ربي يمه وش ملحه وش زينه، أنا كيف بـ أقاوم طيبة قلبك يا جدي محمد، وإلا زين جدتي ولَهَ، يمه من الحين أعلمك أبي عريس يشابه جدي كأن توافيقي ماهي إلا دعوة كفوفك وآمينك. *تختمها حديثها بغمزة ابتسم أبو عُمر، مما ابتسمت: -عيون وسميَّة، بودي هالفطور للعرسان وبعود لكم، ما أظن به من جيـل أبوي وأمـي، راحت عليك يا لانا. لانا بمرح: -هاه جدي، ما قلت لي ما به أحد مثلك، ضاقت علي الوحدة بعد ما عرست دكتورة غدق.. يمه الصدق لها فقدة حيــل. ولَهَ بإشتياق: -ايه بالله ... الله يوفقهم، وأثرك رأسك عنيد.. تعالي بس تقهوي. تربعت تجلس بينهما مما نظرت ولَهَ لابنتها أم ناصر: -الله يكثر خيرك، ايه بالله ما تقصرين دوم راعية الأولة. -هاوو يمه وش سويت، بعدين ذولي أغلى من عيوني. * * * صعدت السلالم وسميَّة، ابتسمت و هي تطرق باب شقتهما ليفتح الباب فيض ابتسم بمحبة -عميمة! -تفضل يا عمتك ذا الفطور بسيط، ماهو قدركم -يا بعد روحي وشوله ذا العنا! -كان ما تعنا لك أنت و غدق اتعنا لمين.. ابتسم فيض: -يا فديتك عميمة. ابتسمت: -يا بعد قلبي.. المهم اشلونك واشلون العرس معك. ابتسم فيض: -الحمدلله، حيـاك داخل. نظرت له بمزح و مرح -يا ولد وش يجلسني عذول بين العرسـان، بالعافية عليكم. حمل الصينية بيده اليسار السليمة لترفض عمته بلباقة و تعود مما أغلق الباب من خلفه، وضع الصينية فوق طاولة الصالة، لم يجدها ... إلى في غرفة الغسـيل ... نظر إليها -أنتِ فطرتِ؟ تعالي هذا من عمتي وسميَّة. بضيق وهي تخفي بداخلها: (يالله ولا فيني شهية آكل) ابتسمت إليه بهدوء -عليك بالعافية. فيض بهدوء -براحتك. نظر لهدوئـها .. لكن لن ينخدع مثلما انخدعوا بقنـاعها! انفلتت ابتسامة ساخرًا .. ما الذي يهتزه هذا المبجل الضخم! أجابها بصراحة و صدق -غدق! كانت عيناها تتأمل كل شيء عداه! لماذا شعرت بتوتر من لفظة اسمه بهذا الصوت المميز المغرور المتعجرف المتعالي .. استفزه صمتها .. مما أراد أن يفتح أي حديثٍ باحثًا بروحه عن أي هم ينافسه: -وينك؟ وش مشغل تفكير زوجتـي ولا و أول أيـّامنا! رفعت خصلتها من عيناها تنظر لعينيه التي ترمقانه من شدة فضوله لتبتسم له برقة خلابة ، رقت قلبه من هذا المبسم لأول مرة يتمعن في أسنانها اللؤلؤية، كان قد شدها من ذراعها: -تعالي و اتركي عنك الأفكار ماهو ناقص عليَّ بعد تطحين من طولك. أجـبرها على الجلوس أمامه بينما هي التقطت ذاك الخبز الساخن و تغمره بالجبن و المربى ... كانت لا تستطيع أن تآكل من شدة خجلها رفع حاجبيه: -وش فيك ما تآكليـن! شعرت بغصة بسعال فأخذ قنينة المياه القريبة الموضوعة فوق الصينية و فتحها مد لها بعفوية: -سمي بالله، وش فيك تقل شايفة عفريت! ابتسمت بهدوء بعد أن اكتفت من شرب الماء وضعته فوق صينية: -لا بس مو متعودة أحد يناظرني وأنا آكل. ابتسم بغرور: -عاد مو أي أحد يناظرك!!! فيض بن عُمر محمد مهنا، ما عليه آكلي. في داخلها تردف: (سبحانه شرح صدري قبل يبتل منديلي ... نبت غصن الأمل فيني رجع يضحك يعني الحمدلله مثل الآودام، بس لو يترك العنجهية شوي.) فيض بهدوء: -خذي لك إجازة يا مدام.. سفرتنا بعد باكر. رفعت نظرها بهدوء: -فيض!! أنـا ما عندي إجازة خصوصًا قسمي حساس للأسف.. فيض ساخرًا أردف: -لا ماعليك عمك عياش موجود يكتب لك شهرين لو بغيتِي، جهزي روحك أنا نازل لجدتي. نظرت إليه مما شعرت بالخجل أكثر فأكثر -احترينـي أبي اسلم عليهم. فيض نهض قد تركها مما شعرت بالكره من غروره (اففف وبعدين معه ذا! وش مزاجه ذا المعفن! اللهم طولك يا روح.) ~ ~ ~ | قـبل سـتة و عشرون عامًا | في نفق مظلم به إضاءة بيضاء باهتة، يرتدي معطفًا مهترئًا على مقاعد المستشفى، منتظرًا زوجته التي تلد ابنه الأول و أعظم ذنوبه، مشاهدًا المأساة الأولى و الأعظم في حياة الإنسان، يتمنى ألا يكتمل و هو يبكي، يتمنى العفو من أن يكون أبًا. كم من الغباء و الغرور تطلب ليحي ملاكًا من العدم، أكل هذه نشوة؟ ملاكًا بريئًا سيلطخ بقاذورات الحياة، هل سيضمن له حياة كريمة؟ هل سيضمن له الحماية؟ هل سيلقي باللوم عليه كما هو فعل مع أبيه؟ ها هو يخرج من الأمان إلى المجهول. ها هي الصرخة الأولى سمعها و انهار أرضًا. أيعلم هذا الملاك بما سيمر؟ منهارًا ناظرًا إلى الطرف الآخر من النافذة الزجاجية إلى تلك الحياة البادية، المليئة بالخيارات التي ستحدد هل سيكون جراحًا منقذًا للحيوات أم سيكون سفاحًا. يفتح باب الغرفة وهو يركض، حاملًا ابنه ويهمس في إذنه قائلًا: "أنا آسف" مشى بِه نحو سيارته العتيقة جدًا .. عبر الشارع فكان الظلام شديد اقترب إلى إحدى المساجد فوضعه في سلة مع ظرف بريدي، فغادر سريعًا … ~ ~ ~ | الحـاضر – الليلة الإثنين | ينتهي يومه و يصاحبه الحنين لوسادته، و التأمل لنافذة مفتوحة في ظلام سائد، ما بعد منتصف الليل بساعةٍ و خمسون دقيقة، لقد آلم بها بعاصفةٍ قاسِية، ينتابه الحنين و الوَلَه فأن الليل يطول و تزداد لوعة الشوق المُرَة، ولا يزال فؤاده مُصِرًا على أن يبقى مستطردًا خلف العاطفة التي تكنها روحه اتجاهها، يعلم حقًا رغم اعتياد خوض داخله لحالاتِه المتعددة، لم يكن علمًا بأن الشوق سيجعلُ منه حالةً مأساوية و شديدة القسوة أوقف سيارته عند باب المنزل، ترجل بهدوء فكانت تنتظره تقف عند نافذة الصالة تتأمل خطواته بحُب: -جَسـار. التفت نحوها مغلق باب المدخل، رفع حاجبه بحدة: -ميـثاء! ليه سهرانِة؟ فاقتربت منه بحُب رفعت قدميها فحتى الكعب لا يصله إلا طوله الفارع، ليدنو إليها: -يا مجنونة لو لمحني أبوي فهد، وإلا حازم. بإشتياق: -خلاص أنت لا تتأخر عشان ما أسهر. دفعها إلى ممر حتى يصل إلى غرفتها -بس، بس ما أبي أسمع أي اعتراض، تدرين فيني كثير أكون مشغول، يلا تصبحين على خير. بطفولة و دموع امتلأ بطرفي أهدابها: -ما أنت قد حُبي لك، متى راح نتـزوج جسار؟ مـتى! -اشششش لا أحد يسمعك، يـلا ميـثاء، نامي. -راح اصحى و بكره تفطر معـنا. هزَ رأسه مما ساعدها الاستلقاء على سريرها الزهـري، ترك إضاءة خافتة من أباجورة فخرج مغلق الـباب. رفع عيناه لـسقف، نظرة سوداوية قاتلة تجرفه إلى بـئر لا نهايـة له. انطلق لغرفته سريعًا أخـذ حقيبة الظهر و رمى فيـها جميع احتياجـاته … دخل الحمام بإستحمامٍ سـريع عندما أراد هذه المرة الهـروب من النـافذة ليفعل بنجـاح. فـقد ترك جميع اشـيائـه … كما لم يعيش من قـبل. صعد سيارة الفـان فابتسم إبتسامة لـعوب -هلا بجَـسار. ابتسم مستفـزٍ: -متـأكد من ها الخطوة. أجـاب بدون تفكيـر: -انطلق يا بَـطي. ~ ~ ~ بعض الذكريات تَنْخُرُ عظمه تنهَشُ قلبه وتُبْكي عقله. كذكرى التي التهمت أضلاعه و افترست سعادته، و في كل ليل يسأل قلبه ما بقدرته كي يفعل؟ ما بقدرته كي ينجو؟ فقد هوانه القاع و خرق جسده بأربطةٍ غرق! فيا ذكرى يا خانقة أطلقي سراحه و اعفيه ... كيف يستوعب رحيلها، ساعة الرحيـل .. هو لم ينسى شعوره للحظة .. كيف يفهم روحه بأنه هادئ، هادئ كنبضٍ رجل ميت، بعد أن امتلك زمام الوقت، انهياره كان كارثيًا، خرج من أروقة المشفى ... عرف بأنه يحبها بشدة، عندما شعر بوجود حاجز المرض! بينها و بين قدرته، كيف أن توصي قلبه على أن يحب أي امرأة أخرى من بعدها؟ كيف سينسى جرحٍ ينزف من جديد ... ؟ كل ... ذكرياتها ... في هذا القصر .. رحيلها .. منذ عامـــين .. تحدث البدر .. بها أدّور عن ذهب عمري بقايا كنزي المفقود وأشوف الموج يطوي الموج ويبحر مركب أيامي. يعرف كم ماتت من الألم .. يعرف كم عانت ... يعرف أن الموت راحة لها من بعد عذاب .. طويل . لم يستطع .. إلا ... أن يتقاعد .. من عمله .. ليأخذ .. من رحيله ... وحدةٍ طويلة .. لم ينام إلا ويقرأ روايتها الأخــيرة. وكأن تناجيه عبر حروفها. لم يشفى من بعد غيابها. [ سمعت مقولة يا سيّاف تقول: يمكن للإنسان أن يخلق حياة لن يندم فيها على نفسه ولن يموت. ] كيف يفهم بأنها كانت تتحدث عن نفسها، وعن وضعه الحالي ...! ولا توجد وحشة أشد على المرء من أن يغيب عنه خليل روحه. هبط من سريره بعد أن أغلق الكتاب وضعه فوق الكمودينة الجانبية .. نظر لنافذة إضاءة المدينة الخافتة تنير الطرقات.. أخذ حمام سريعًا ارتدى ثوبًا أنيقًا .. نزل من السلالم .. خرج من القصر نظر إلى راجو الذي كان يجلس بجانب باب القصر نهض واقفًا -بابا .. سيّاف. نظر إليه وهو يضع نظارته الشمسية تخبئ عينيه، بأمر: -جهز السيارة يا راجو. ها هو الآن يخرج من قصـره اليوم! يمضي في سيارته الفارهة .. يركب فيها يحركها تناول هاتفه .. يجد أول مكالمة من إبن عمه خيال.. ابتسم ساخرًا: -يا مرحبـا! خيّال بقهر: -ياخي ذبحت عمرك وأنت حابس نفسك في سجن قصرك! بضيق: -وش تبي؟ اخلص! خيّال: -نبيك طال عمرك .. الشركة عمي الغماس ما راح يعرفها إلا أنت.. وعمي الغمـاس .. كم مرة يحن فوق رأسـي. يردف سيّاف: -خلاص هذاني جاي. ~ ~ ~ | في قريـة تبعد عن الريـاض، ديار وجد | تختل كل الأشياء التي تخلو منه، الربيع ذابل و الشاي فقدت لذة كل ما كان به جميل، الكلام صامت و الضحكات كأنها بكاء جمود، بل لم تعد عصافير القرية التي تسكن فيها تغرد ، الكتب جامدة، و ليس للشمس ضياء، لا أنُس الليل ولا نسيم عند البحر بل باتت بهجة العالم من بعده أشلاء و انقلبت المدينة على عقب قد صارت الأرض تمطر على السماء، هي ربانة سفينتها كل أمورها لا تتعدى حدود سيطرتها وحدها عيناها تقيدها تحكمها بنفس عيناها التي سرقت من الليل لونه ترشقهم بأسهم تثقب سطح السفينة و يتسربها البحر حتى أوشك على الغرق خرجت هذه المرة إلى الفناء ترفع غطاء رأسها، نظرت لذاك الذي يسرق منها نظرات لترمي عليه الحجر: -والله لو شفتك واقف ثاني مرة لا افقش رأسك، انقلع ضحكت جدتها من خلفها: -أخوك ذا مهبول، تعال يا عارف. عارف يتراقص بحاجبيه: -علميها جديدة طفشتني لُجين تنظر إليه بحدة: -يلا جديدة عندي مناوبة ما أقدر أتأخر الجدة بغير رضا: -لُجين يا جدتك، الوقت توخر؟ قبلت كتفيها و يدها بحنو: -يا بعد لُجين خبرك عروستنا تزوجت، البارحة كان عرسها والصدق استحيت أسري بلمها و ابد قلت لها أنا اللي بعوض عن مكانها -ما شاء الله، بنت ياسر -ايه جديدة -زين يا جدتك انتبهي على نفسك عارف بقهر: -لُجين ماهو لازم تروحييين ، اجلسي -أقول يا البزر وراك امتحان بعد بكرة، ونام الحيييين ما راح أمشي إلا ومتأكدة إنك نمت عارف: -حشى ما أنتِ دكتورة كأنك عسكري!! رفعت حاجبها بغيض: -لا تتهرب ترى هذه الثانوية ماهي لعب، يـلا قدامي. * * * بعد أن تأكدت من نومه ، ودعت جدتها فخرجت من خارج البيت الشعبي، ركبت سيارتها العتيقة المستخدمة، كان يومًا ماطرًا لذلك أشغلت الماسح الزجاجي، ضغطت على زر لتشغيل المذياع فيتسرب صوت الشيخ القارئ الشعراوي ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [ سورة النور – ٣٥ ] تمشي في شارع مظلم و هادئ، مع صدى صوت قطرات المطر، تنظر إلى عواميد الانارة جميعها مهترئة و مكسورة لا تشتغل فلفقد جار عليها الزمن، أم أن احد صبية الحي قام بكسرها بالحجارة، رياح قوية تحمل معها ذرات التربة التي تتضارب على زجاج الأمامي من السيارة، لقد بدأت الغيوم السوداء بتغطية السماء، اختفى نور الشمس و ها قد حل الظلام، بدأت قطرات المطر تتوارى على السيارة، تشعر بالبرد فهي نسيت معطفها الصوف، هه لقد قاربت على الوصول فلا يفصل عنها سوى شارعان من القرب إلى عملها، إن الطقس باردًا، بدأ هطول المطر أقوى و أقوى انعدمت الرؤية لديها، لكن كانت تحاول أن تشغل الماسح ليمسح زخات المطر لكن لا يشتغل، ترى بعض بصيصًا من النور، جسدها بدأ يرتجف اشغلت المدفأة السيارة لكن كانت معطلة أيضًا! يديها المتجمدة تسمع لصوت الرعد و ترى ضوء البرق، مر بعض الوقت لتقف على جانب الطريق .. قفزت من الفزع و الخوف بدأ بضرب مزمار الشاحنة نظرت إلى ما خلف الزجاج ترى رجل كبير في السن يملأُه الوقار، وإذا به ينزل زجاج النافذة. ويقول: -وش تسوين يا بنتي؟ هنا في تالي الليل. تنهدت بضيق: -ياعم سيارتي تعطلت، وصدق لازم أتحرك، بس احتري المطر يخف. قال لها: -يابنتي المطر غزير.. تعالي أوصلك، إلى من بنته؟ بدأ بطرح الأسئلة التي يطرحها كبار السن، ما اسمك ، في أي فصل دراسي تدرسين؟ يقول لها بأن له فتيات من جيلها. بدأ يسرد لها قصص و مواقف حدث في شبابه، يملي بعض النصائح التي قد تفيدها في حياتها، لكن هناك احدى النصائح قد هزتها و هي ، ( تمسك جيدًا بكل فرصة تأتي بين يديك. ) تنهدت لُجين من هذا رجل كبير: -ياعم جزاك الله خير، المطر هدأ عن قبل .. تنهد العم، بضيق: -الله يوفقك يا بنتي. غادر مما اشغلت السيارة من جديد بعد أن أخذت بقطعة قماش قديمة من صندوق السيارة الخلفي، مسحت زجاج الأمامي -ياربي وش هاليوم اللي مو راضي اوصـل، الله المستعان. نظرت برضا و عادت من جديد تركب سيارتها لتحركها بهدوء. كانت تحدق في الطريق جيدًا ، إلى أن سقط هاتفها عند قدميها فكانت قد اقتربت من الشارع تحديدًا لا يفصلها سوى بعد شارعان حتى تصل لمشفى عياش مُهنا. حتى تصيبها ثم تتقاذفها الأقدار تلقيها على صدمة السيارة ما أن أتسعت عيناها ضغطت على الفرامل بقوة حتى ترجع للوراء على ظهر المقعد بقسوة فشهقت وهي ترى السيارة الفارهة التي اصطدمت بها -أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يالله يارب تستر، وش سويتي بعمرك كله ما جاتك مخالفة ولا صدمتِ يا لُجين! يارب أنت عالم بحالي وقل حيلتي.. يارب اللهم اجعل كيده في نحره. حتى تنهار بخوف و عينان من خلف نقابها تحدق إلى ظل رجل حتى جمدت بخوف حقيقي كانت فقدت التنفس لثوانِ تقع قطرات المطر الخفيفة على النافذة طرق و بأمر: -انزلي فتحت النافذة تحاول أن تكتم خوفها و يداها المرتجفة -اعذرني ما انتبهت لك، خلني امشي نظر لها بحدة سيّاف -انزلي هذا من أولها الصدام الأمامي راح فيها، وين أودي اعتذارك!! بهجوم و بغباء تدعيه -تراك أنت اللي طالع لي، يعني أنت الغلطان سيّاف بجمود مشاعر و قسوة -هاتي رخصتك، الإهمال و تجاوز سرعة غير مسموحة فيها، و غير انعكاس مسارك! لترى بأنها بالفعل كانت تسير بسيارتها بعكس الاتجاه، فالخوف سكن فيها من الطرق الخالية لذلك كانت مطمئنة لكن هذا من أين خرج إليها الآن! -خلاص أخوي، نعتذر منك مرة ثانية سياف بهدوء: -رخصة القيادة بذكاء: -وليه تكبر الموضوع، عطني سعر التصليح وأبي أعطيه لك نظر لها بغرابة: -نعم؟ -مثل ما قلت لك عطني سعر المبلغ و بعطيه لك سيّاف نظر لها بهدوء: -الله يسهل دربك، ومرة ثانية لا تخالفين النظام، ها المرة جات سليمة مو كل مرة تسلمين. تنهدت في داخلها و هي تغلق النافذة لترجع بإرتباك للوراء و تحرك سيارتها جانبًا حتى تسير عبر الاتجاه الصحيح. مسحت دمعتها: -يالله يارب إنك سترت عليَّ ما إن وقفت سيارتها في المواقف الخاصة، تجد دكتور حازم يثرثر بهاتفه المحمول في البهو الاستقبال كشرت بضيق: -يا كرهي له، ملييييغ و تافه. -دكتورة لُجين دكتورة ابتسمت و هي تنتمي لمكانها الحقيقي، انشغلت سريعًا في عملها. ~ ~ ~ بينما هو ذهب إلى إحدى المقاهي، نظراته المتعلقة نحو السماء يتأمل نجومها و كواكبها بحنين دفين اقترب منه خيّال مرتدي ثوبًا أبيضا و كاب بلون الكحلي الداكن -مساك الله بالخير. نظر إليه بهدوء -هلا مساك الله بالنور -ايه والله النور اللي شفت وجهك يا النقيب ساخرًا رفع احدى حاجبيه، تلك النيران لم تخمد، و الشروخ لم تلتئم بعد، و الحزن الذي يخفيه تحت طيات قلبه المعارضة لفكرة رحيلها التي تفلت من محاجره بحثًا عنها و إن مشاعره المشتاقة لمرآها… بعد أن زاد وجعه عن الحد المعتاد و بلا شعوره بالذنب منتهاه بسبب اذيته لروحه قال بغضب: -تدري برفع قضية على نفسي خيّال بفزع من جنون إبن عمه: -والله تعلق اللي أنت فيه ماهو طبيعي!! -تصدق المدعي و المدعي عليه هو أنا قرأ الذعر في حين ضحكته تتسرب بتهكم: -النقيب تقاعد البركة فيك يا كابتن. -النقيب يا حليلك أنت بس ارحم حالك، بعدين ماهو كافي هجرت أرض المدينة وعلى الرياض، حتى قصرك اللي بنيته بعته؟ سيّاف بهدوء: -يعني الشركة عمي كانت حجة عشان تقابلني -فطين الله يبارك في عقلك -وش بغيت؟ -ترجع لنا يا سيّاف، أنت حتى بعد وفاة خالتي الله يرحمها ما عاد نشوفك سيّاف: -مشغول منيب فاضي.. تناول قهوته سوداء المّرة ثم نهض واقفًا -يلا أشوفك عقب. ~ ~ ~ مُنسدح فوق سطح المنزل بعد عناء يوم شاق، مُرتَمٍ مثل جثة هامدة تتجول الحشرات بجانبه تتنظر الإشارة لكي تبدأ النهش في أشلائه رغم أن الشيء الوحيد الذي يثبت أنه على قيد الحياة هو شهيقه و زفيره. ينظر إلى السماء من فوقه يحاول أن يقوم بِعَدْ كامل النجوم لكن مُحاولاتُهُ باءت بالفشل مثل مُحَاولاتِهِ في العيش في هذا العالم كإنسان طبيعي. يلوح بمُقلةِ عيناه يميناً و يساراً يستمع لصوت الصراصير، ترن في اُذنَيهِ ظنّاً منها أنَّهُ سَيتجاوبُ معها لكن هيهات. يُواظِب في جلب الأفكار إلى عقله لكن آلة التفكير تحطمت بسبب ضغط التفكير اللا استيعابي. باقٍ على هذا الحال على أمل أن يُراودهُ طيفٌ من الاحلام الجميلة لكن نور شروق الشمس يتْلِف عليه لذّة اللحظة. (عُدي... أنسى الماضي.. وعيش هاللحظة .. بس اشلون ... اخرج من ضيق الحـــال! ... ) هاتفه المحمول الذي يشبه روحه يرن بصوت خافتٌ يكاد يسمعه: -أمُـــي! ضاقت الدنيا بما رحبت و هي تمسح دموعها -وينك عُدي!! ماهو كافي عليَّ حازم و علومه، و أختك و ضياعها من بعد غياب أخوك العود!! ايه ... جَسار ماهو موجود.. و أختك منهبلة الحقني يا أمك. نهض عُدي بضيق: -أبشري يمه، ها الخبل .. يعني تملكت خلااااص ما بقى غير رجلها آخر حبة في الكون أم حازم: -يا يمه لا تقول كِذا تعرف ميثاء و دلعها ... عُدي بضيق: -أبشري يمه، أبشري أنا أساسًا في سطوح هذاني نازل لك. تلك عقبات جعلت منه الشخص الذي هو عليه حالياً، جسده المحارب الذي يأبه الاستسلام و يحاول أن يكون صامداً أمام هذه الحياة الصعبة ليس جسداً فحسب بل هو درع حديدي يتلقى جميع أسهم الحياة التي يطلقها القدر له. هبط من السلالم إلى غرفة أخته المدللة، حينما هم بفتح الباب، طل برأسه -ميثـــــاااء! نظرت إليه بعد أن تركت الستائر كادت أن تقع في وعثاء الإنتظار من جديد، بخيبة -عُدي! اقترب منها بهدوء: -وش فيك؟ وراه مزعجة أمُي، وعشان منو! جساروه ذا اللي ما يساوي ظفر منك! بدفاع وقسوة: -لا تتكلم عن زوجي بهذي الطريقة لو سمحت يا عُدي! عُدي رمى نفسه على الكرسي الزهري -يلا غردي وش فيك الحين تصايحين!! بوجع تبلع ريقها: -زواجنا عُدي... جَسار كل ماله يهرب مني... عُدي بغضب: -كله من أبوي فهد.. وأخوك حازم.. تمسكن لين ما تمكن... وش لاقيه فيه لا شكل .. ولا تصرفات!! ميثاء بوجع: -يكفي إنه بنظري أفضل الرجال، تكفى يا عُدي كلمه.. تكفى يا أخوي. بوجع ضمها إلى حضنه وشد أرنبة أنفها: -اخخ بس من هالنبرة، خلاص بكلمه و بجيبه من فوق خشمه و تتزوجين ونفتك منه ومنك. ضربت صدره، بغيض: -عُـــدي!! ضحك عُدي بمرح: -خلاص ولا تزعلين يا دلوعة جَسار .. ما عرفتِ إلا تحبينه هو، بالله وش اللي ينحب فيه؟ ميثاء بهيام: -والله أحبه يا أخوي.. جَسار حب الطفولة .. ما عرفت غيره.. تذكر لمن كان يحامني من كل شيء ... حتى من أخوي حازم. رفع خصلتها بحنان: -أبشري .. والله بكلمه لك وتله من هدومه.. كم ميثاء عندنا. قبلت رأسه، و بؤبؤ عيناها تبتسم: -الله يسعدك يا أخوي. -يلا عطيتك وجه .. انزلي ذا الحين وغسلي وجهك أمُي قلقانة عليك. هزت رأسها بإيجاب. تنهد و هو يتصل على جَسار، لكن هاتفه مغلق! -من عرفتك يا جَسار وأنت مبعد المسافات ... افف منك! ~ ~ ~ في شقتهما .. تحديدًا بعد أن استيقظت تصلي صلاة الوتر جلست طويلًا في محرابها تذكر أذكارها و تقرأ بعض من وردها كانت في الصالة، أغلقت مصحفها و نزعت ثوب مُصلاها لترتبه وتضعه في مكانه المخصص التفت إلى النائم في السرير كل ما اقتربت منه بتوتر و خجل أنثى رفعت خصلتها عن عيناها لتضعها خلف إذُنها اليسرى، حدقت فيه تسمع لأنينه من وجعٌ .. اقتربت أكثر فأكثر، تقف على رأسه: -فيض! فيض تسمعني؟ نظرت إلى حبيبات العرق التي تنضح من جيبنه، شهقت و هي تضع ظهر يدها اليُمنى لتتسرب الحرارة إليها، مما قشعر بدنها من سقمه مؤكدًا بعد الرصاصة ويده التي تؤلمه -يالله من متى وأنت مسخن! فيض! فتح عيناه بصداع، حدق إلى عيناها طويلًا، ثم يتذكر بأنها نسخة والدتها في كل شيء .. بياضها .. شعرها الطويـل .. عنقها .. سوى ملامح وجهها تشبه لجدته ولَهَ ... تمتم في كره و غرور مرهق مستفزٍ: -ابعدي. بعناد تكتم غيضها منه، و بمهنة إنسانية: -متى أخذت دواك! فيض ساعة قربت على ٤ الفجر! بكره ولا مبالاة، نهض استقام بترنح ابعدها عن طريقه بقسوة: -بنت هويدا لا أشوفك مقربتني مفهوم. غدق بتحكم بأعصابها ابتسمت إليه بثقة و وقار: -إن شاء الله .. بس خلني أساعدك. كاد أن يغشى عليه من الحرارة التي لا ترحمه لذلك نظر إليها بهدوء: -مالك شغل فيني.. خليك مثل المزهرية و الجدار اللي وراك. تعلم بأن الأولوية أن تحارب .. أهو عنده ... عظمة الغرور و العجرفة إنه لا يستحق حتى بمد يد المساعدة له! هو كقلبه كل ذرية آدم لهم فيه حق ... إلا سواه المغرور أتتركه يجوب بتعثر أم تريح نفسها من هذا العتاب القاسي على ضميرها. بهدوء شديد اقتربت منه برحمة بين كفي راحتها وبين لفحات الغضب التي يحدقها بعينيه السوداوين، حتى ينفجر غضبًا منها رقَّ قلبها وهي تبتلع كل كلماته المسمومة بإبتسامة باردة: -خلاص.. ممكن تهدأ شوي بساعدك تدخل الحمام تأخذ شاور على بال ما أسوي لك شوربة تدفئك شوي. ساعدته حتى الوصول إلى الحمام .. مما أمسكها بشدة فكانت كما عاش في فراغ طـويل لم يجد غيرها يحاول أن لا يستسلم ... هذا الهوس تجاهها بأن تكون نسخة والدتها هويدا في كل شيء حتى في هذا الإغراء .. يعلم من هي زوجة عمه التي ... أخذت أعـز وأغلـى عم لديه، فهو كثير يسمع من قصص والده عُمر .. و قصص حكاياته ... غدق التي ترتدي بيجامة قطنية طفولية برسومات غيوم بلونها رمادي .. -لا تتغرين في هدوئي يا بنت هويدا، وبعدين ما عندك إلا ها البجايم!! متأكد متزوج عروس! فتحت باب الحمام ونظرت إليه بحنو، حاولت أن تكتم شتيمتها و تبتسم إليه برقة شديدة مما بان أسنانها اللؤلؤية -أولاً بنت هويدا وبنت ياسر .. لها اسم، غدق! بغرور رفع حاجبه، بصوتٍ واهن مميز، يستند على طرف باب الحمام، ساخرًا -غدق!!! ابتسمت إليه -لا تنسى دعاء دخول إلا الخلاء، وايه غدق! يثرثر في داخله فيض: (الصبر من عندك يارب، أنا وين وهي وين، مسوية لي مهتمة فيني، وأنت وش فيك كإنك ملسوع من قربها، هذي من متى كانت فتنة كِذا! لا تنسى تشبه أمها كثير.) ~ ~ ~ خرج جَسار من المصعد من خلفه يتأمل لبطي الذي ابتسم: -أهنئك صراحة، ما خيبت نظرة طويل العُمر، بس سؤال يراودني منت ببزر تلعب بشغلك على أبوك فهد. رفع سبابته بتهديد: -بــطي مالك شغل باللي ما يعينك. بطي بخبث: -ولد خالتك أنـا! يعني نسمة هالدلوعة وش تبي غير قربها. نظر إليه بنظرات نارية تفوح حممًا: -بتنقطنا بسكاتك، وإلا .. -ابد خلاص سكتنـا. خرج من المبنى يرى رنين هاتفه المحمول باسم زوجته [ جرحٍ لم يندمل ] اسم زوجته ميثاء. * * * من هو لم يفكر أو هذا ما ظننهُ حينما كانت قدماه تجوب الشوارع دون هدفٍ يذكر .. يجوبها ذهابًا و إيابًا والأفكار من حوله في تزايدٍ حتى أصبحت خطواته تتسارع و كأنها تحاول الهروب منه و هو يأبى التوقف، تلحقه الأفكار أينما ذهب أينما كان و كأنها صحنٌ طائر يقذفُ بها بعيدًا فتُعاود الظهور مُهيمنةً أجزاء عقله.. يقف من خلفه بطي يتأمل شروده -جَــــــسار! لا يتذكر شيئًا عدا ذاك الشعور، شعورٌ اجتاحه و انتصف جسده، شعورٌ غريب حربٌ بداخله حربٌ يجهل وصفها، و هل حقًا يجهلها؟ يقف كالأشجار هادئًا، نسيم الهواء ينبعث من حوله محركةً أوراقه مع تيارها يتحرك يمينًا شمالًا. هوائها يود تحريكه و جذورٌ تربُطه ثابتًا في بقاع الأرضِ كالأشجار تمامًا. صرخة بطي لم توقفه بل زاده يأسًا .. رفع هذه المرة هاتفه يلقي اتصاله .. بأمـــر: -ايه، وش تبي؟ عُدي بغضب من نبرة صوته الغامض، بل يدور الغموض منذ زمن حوله: -أنت وش فيك!!! وش الجرح العطيب ... وش اللي يداوي جراح ميثاء من غيابك! جَسار بلع ريقه بهدوء: -مشغـول .. ماني فاضي يا عُدي صرخ فيه عُدي -لا والله يا جَــسار شرع الله ما ينسكت عنه، لو شاري قربها للحين حدد زواجك ... ماهو ٤ سنوات عقد قران!!! وكل مرة توعد تخلف فوق إذا حازم مفلــوت فأخوها الصغيـر عُدي موجود ماهو غايب! فوق لنفسك. جَسار بهدوء و ثقل: -واعتـبر جَسار ماهو موجود .. قلت لك يحكمني أعمــال و زواج راح يضيق علي هالدائـرة، أدري مفروض ما أتكلم ولا شك ماني قاوي على ميثاء ... بس ... صرخ فيه عُدي: -إلا أخـــتي تراني أبيعك ... وأشتري أخـــتي .. تسمعني يا جَسار. ~ ~ ~ في مساء يومٍ من أيام الشتاء الماضية، خرج ماهر الزمان مع صديق له يدعى : سرحـان. لغرضٍ يطلبه الثاني من السوق، وكان سرحان صديق مقرّب، نادر الخروج قليل الظهور، لا يبادر بطلب أحد، ولا يطلبه الآخرون، يختار سفّ الكعك، و يُلحِقُ الخبزَ بالماء كما كان يفعل الأوائل، لما في ذلك من تفاوت الأوقات والساعات، وتراه فيها يطلبُ كتاباً يطالعه، أو فائدة يسطرّها. وله نوادر كثيرة، شاهدناها ونرويها خلف عن سلف، و تابع عن سابق، و آخر عن أول. ومن نوادره ما نرويه مما حدث في السوق ذلك اليوم، دخل عبدالرحمن سرحان بصحبة ماهر الزمان ( بن ياسر محمد مُهنا ) إلى السوق وفي زقاق من ازقته شعر سرحان بضيقٍ شديد، و حسرة لازمة، و لم يجدا لها سبباً مفهوماً ولا علّة، وبينما كانت الحال على تلك الصورة، إذا بفتاة لا أصفها احتراماً لعهود الأصدقاء مقبلة نحو سرحان. توارى ماهر الزمان خلف أحد أعمدة السوق ليسمع حوارهما بعد أن شعر بإضرام الجو و اضطرابه، وقد فهم ماهر الزمان أن تلك الفتاة هي الموحية لسرحان قصائده و أشعاره، و هي من ادعى أنها ملك من الملاك. وما أصاب ماهر الزمان بالذهول، أن سرحان اختار أن يحاور معشوقته بقصائد غنتها أم كلثوم، لأنها كانت مطربتها المفضلة. وقد سجّل ماهر الزمان هذا الحوار بالكامل، ولو لم يصدر عنه لما ارتأيت سرحان: -تبعيني ليه؟ كان ذنبي ايه؟ مين للفؤاد يبقى يواسيه، فين العهود؟ فين العهود؟ عليلة-و هو اسمها- : -راجعين بقوة السلاح! ثم كشفت عن وجهها فقال سرحان: -كشف النقاب عن الوجوه الغادرة وحقيقة الشيطان بانت سافرة! ثم راحت تذكره بالأيام (السوالف) قائلة: -هل رأى الحب سكارى مثلنا؟ كم بنينا من خيال حولنا وضحكنا ضحك طفلين معاً فعدونا فسبقنا ظلنا! أجاب سرحان: لقد ذهب الوفاء فلا وفاء وكيف ينال عهدي الظالمينا؟ عليلة: -ضاع الحب؟ سرحان: -ولا بنلقاه عليلة: -طول عمري بخاف من الحب سرحان: -صحيح مساكين -سرحان تبي نرجع زي زمان؟ سرحان: -قول للزمان ارجع يازمان عليلة: -اروح لمين؟ شوف دمعي! لوعني حبك واليوم في بعدك بيفوت سنين شوف دمعي! سرحان: تفيد به ياندم؟ وتعمل ايه ياعتاب؟ بيني وبينك هجر وغدر وجرح في قلبي دريته سرحان من جديد: -كنت باخلص لك من كل قلبي وأنت بتخون الوداد من كل قلبك عليلة: -إياك! إياك! فاكرني احب حد تاني؟ وأحب امتى وانت الي عارف: أول وآخر حب أنت عليلة: -سرحان! -لا أعرف العنوان. -تلك الربوع الناضرة، تلك الربوع الناضرة يقول ماهر الزمان: ظلّت عليلة تردد تلك الربوع حتى غاب صوتها وعاد سرحان إلى منزله مترنحاً يردد هو الآخر: -درات الأيام ومرت الأيام... بينما ماهر الزمان ابتسم على صديقه ثم قهقه وفي داخله (أنا في رجاء ربـــي إن لا تبلاني بهالحب و البلـــية، الحـاصل إن الفرصة ما تحصلها مرتـــين اضرب الوتر وهو حامي يا ماهر. ) ما إن ودع ... ظلّ سرحان .. ركب سيارته وابتسم وهو يرى اتصال والده -يا مرحبا بياسر القلوب. ياسر بضيق مسح وجهه -يا ولد غدى اليوم الثــاني وأنا من عطيتك ولا شفت منك خبر! ماهر بخبث الماكر: -لك مني يا أبو مُلهم .. وإلا يا أبو غدق إن جدي محمد يبي يعطيك فرصة بس اصـبر عليَّ. ياسر تنهد من عناد هذا الإبن: -مُلهم قلته يراقب زواجهم من بعـيد ولا قصـر، وأنت ما جاني أي ردة فعل منك!! قاطع أبـيه بنبرة ثقة: -ولا يهمك يا أبومُلهم، أوثق في ماهر الزمـان. ضحك أبيه: -والله إني داري ماعندك سالفة، لكن بنشوف نهاية حكيك لـوين! ماهر بخبث كان يمشي الشوارع حتـى وصل إلى القصر جده: -مين يقـوله .. ترى ما يفصلني عن جدي إلا باب القصـر لوحة مكتوب فيها ( هذا من فضل الله .. القصـر محمد مُهنا. ) بتوتر ياسر أبو مُلهم -ماهر لا تلـعب على أبوك. بحب لوالده: -قسم بالله .. وذا إثبات، افتح الواتس آب يبه. إشعار وصل إلى هاتفه المحمول، تأمل جيدًا في المبنى القصر الشامخ ... كما شموخ و عنفوان والده محمد أبو عُمر ياسر بوجع: -يا ماهر يا أبـــوي الله يرضا عليك لا تشدها، لو رفضك جدك تبي تجي! ماهر بثقة: -ما عــاش إلا يردني وأنا أبوياسر. ~ ~ ~ منذ مدة طويلة عقد صفقة مع نفسه لا معارك بلا جدوى أو نقاشات لا قيمة لها، لا خصوم ولا صداقات مرهقة ... لا شيء غير السـلام وقلة الكلام فنتيجة مستحقة ... سعة في الروح .. و الحب و الحياة وبسطة في القلب و الوقت و الأيـام. طوق الليل دروب ذابت .. ماذا يساوي كسير الروح؟! ماذا يساوي بإرهاقه فحزنه نبيل و لوعته لوعة يجيء .. يجمع الأحلام في بـاقة .. جاءت ريح الزمان (تنسف) مشروعه...! مّرُة .. أحلى من العمر .. يجري وكل حلم ينطفئ يجف ينبوعه فهو من يسلم جميع أمره لخالقه -طال عمرك اخلاقه انتهت ضيقته وانحل موضوعه. نظر إلى مساعده بهدوء وإلى الشركة عمه الغماس .. -كيف يعني انحل! الغماس الذي ولج لداخل مكتبه الوقت قارب على ... منتصف الليل .. وصوت عكازه يسبقه ليعلن حضوره نظر طويلًا إلى سيّاف: -ارتاح يا عمك. سيّاف اقترب منه يقبل رأسه و كتفيه بمحبة: -هلا عمي .. تنهد و هو يجلس في الكنبة الجلدية الوثيرة: -وأنا عمك اللي مريت فيه ماهو هين .. ولا إني ألومك مير لمتى تدفن حزنك تقاعدت ... يا أبوك الفائدة من الحياة ... نجمل الزين ولو إنه حسرة في القلب .. نظر إليه بوجع: -لا تحكي يا عمي في موضوع دفنته مع أهله. -غلطان .. ما دفنته يا سيّاف ... الخطأ اللي تسويه أنت .. شايف روحك ذقنك مهمل ... علتك الداخلية تبين بعيونك، وتمشي بسكات. -عمــي! -الله يرحمهم جميع ... ما يجوز عليها إلا الرحمة .. والحب مع الوقت يبي يجي مع الصبر ... الجزع يا عمك ما يجوز.. تجور على روحك وتقتلها ببطء ... القصـر اللي تعبت فيه .. بعته وأنـا الشـاري وأنا الـبايع يا عمك. ازدرد ريقه يبلع حشرجته يبتلعها بحنجرته بصعوبة: -مابي من رغد دنياي وأوراقي غير.. صحة بدني وغالية ربوعها ... وش تبيني لو أحكي ... لك ياعم إني .. أتمنى الموت من بعدها .. لكن تظل ليـت. غضب الغماس يكزه بعكازه على كتف سيّاف: -أعوذ بالله من حكيك الميت، البنك ما قصروا عيالي اشرفوا علـيه .. وداخل مثل ما أنت خابر شريك مع سهم أبو وتد. وكبر الخـير وازدهر واثمـر ... وفتحت الشركة الثانية الجديدة هذي يا عمك ... أبيك أنت اللي تمسكها .. و تكون أنت المدير الكل بالكل. سيّاف بضيق مسح وجهه: -جيت للإنسان الغلط.. أعرف اضرب الرصاص أمسك المجرمين .. لكن أمور الإدارة و الشركة مالي فيها. الغماس بتفاوض: : معك الشريك الجديد فيض بن عُمر مهنا.. ما راح تلتقي فيه الحين لأنه متزوج البارحة .. لا جاء وقضى من زواجه بـ اجتمع فيكم . ابتسم بهدوء سيّاف: -مالي حيّلة اردك يا عمي. * * * إلى هنا سأقف في إنتظار ردودكم. سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك. #عمر_الغياب_عبير | |||||||
01-09-24, 11:37 AM | #10 | ||||
| والله يا عمر الغياب عبيري. أن الرياح تجرفنا جرف نريد أن تقودين ولا نريد نرسى (خليك على ماعهدتك بالهدواة بالهدواة) وما ظنتي آل طُوْفان يعترضون على قولي. كتبت آل طُوفْان .. أصبحنا آهل .. وأكثر . أغسطس أبهرنا بنهاية حنينٌ بقلبي .. وبكت عيوننا .. وبنفس الوقت فرحنا وابتسمت قلوبنا ... برواية جديدة ألف مبروك يا عبير .. ما شاء الله تبارك الله. ( مرحباً عد ما سقى الودق أرض غفار ). | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|