14-09-24, 02:28 PM | #1 | ||||
| في لغتي من المنفى ضباب تمهيد . . . كيف يَصِل الإنسان الى مُفترق طُرقٍ من حياته، بعد قطع طوال المسافات والظفر في عظيم المعارك، يجد نفسه في النهاية فارغاً خالِ من أي رغباتٍ او رصيدٍ في الخطوات في مُفترقٍ من طُرقات فإما الصِفرَ وإما الهَلاك .. لكن هذا الإنسان بات خائر القوىٰ وهناً وهَش ماعادت به طاقةً لخوض المَزيد او للعوده الى اللبنةُ الأولىٰ فتأخذه خُطاه الى الحافه حيث النهايات تمد يدها اليه من الأسفل يُحدق بصفراوتيه نحو الهاويه تلك التي وبعد هينه من الزمان قد تصبح مقبرته والى البعثِ رُبما .. وتمُر بهِ طيوف الماضي خاطفةً كبرقٍ يُشتتُ إدراكِه، تلمع في قاعِ رأسه فيبحث في أرصفة الذكريات عن حبيبٍ او رفيقٍ او قريب، يلوح له من مقاعد الإنتظار فَلا يجد .. لا وجهاً من ماضيه قد يُنقِص غيابه شيئاً من ملامحه فيعود كُرمةً لهذا الأثر .. لا احد ! لاشيء في هامِش تِلك المُخيله الآسيه الا فتىٰ الثامنه عشر امام عتبة الميتم خالٍ من الحياه، يجهل الطُرقات وأجبن من ان يسلكها ينظُر نحو السماء بمُقلٍ مُهتزه بينما يشُد بيده على السله الصغيره التي تحمُل جُل ملابسه وتُختم تلك الذكرى بتوقف السياره المُضلله على بُعد خطواتٍ منه وتلك الخطوات فقط كانت هي الفاصله بين نفسِه الضحيه ونفسِه الجانيه، الجَبانه والجَسوره .. بين الغُفران والثأر التليد تمردت اليُسرى من عينيه بقطرةٍ بعد يباسٍ عتيق، رفت شِفاهه حينما انساق جسده لخطواتٍ تقدمت الى طَرف الحافه، وللمره الاولى بعد عُمرٍ حافل بالمنون خشي هذا الكيان رؤية الموت فرفع كفيه يواري بِهما جُل ملامحه وابصاره جُبناً من ان يرى قصاصه مدوياً بإقتراف يديه مُقرراً بالفِعل هذه المره التخلي عن مابقي من أعوامه القادمه قُرباناً للراحلين، تاركاً جسده نحو الهاويه والنهايات المخطوطه منذُ البدايات بالخطيئةِ والنُكران ورُبما يعود .. بثائرٍ ثأر فوجَد أن العُمر قد انتهى، او وحيدٍ طُرقاته فارغه، بيتيمٍ سُرِق منهُ العُمر بغتةً او غزالٍ شاردٍ من فك الموت الى حافة الهلاك .. ورُبما بكفٍ يمتدُ من العَدم فيجتذبه نحو سطرٍ جديد من حكاية كتب الله لها بالإمتداد . . . فِي لُغتي مِن المَنفىٰ ضبابُ Soon. | ||||
14-09-24, 02:40 PM | #2 | ||||
| روايه جديده وتجربه اتمنى من قاع قلبي انها تكون موفقه .. رواية في لغتي من المنفى ضباب ؛ بأذن الله انها تجد هنا الصدور الوسيعه لأستقبالها ومُلاطفتها راح تنزل الفصول بشكل يومي بما انها نزلت في مواقع اخرى الى ان ننتهي مما تم نشره .. ١٤ فصل الى الآن الروايه بشكل عام قصيره وماراح تطول عليكم بشكل كبير، فصولها مايقارب الـ ٤٠٠٠ كلمه اذا حصلت اليوم اي تفاعل او تلميحه ان في قارئ مستعد يستقبل فصلها الاول راح انزله مالم بكره نبدأ ان شاء الله وبس والله ارحبوا واتمنالكم قراءه ممتعه ولاتنسونا من طيب ارائكم وانتقاداتكم البناء منها . | ||||
14-09-24, 07:39 PM | #3 | ||||
| الفَصل الأول . . . العَام ١٩٩٢ .. في المدينه الواقعه في آواخر أراضِ الدوله، منطقه عُرفت بطابعها الجبلي الصحرواي، وعاداتها ذات التشدد المُستفز لكل اطراف المجتمع في مختلف المناطق دلف هذا الرجل بخطى مُهروله وثقيله من بوابة المُستشفى العام حاملاً ابنته بين يديه تمتلئ ملابسه بالدماء وينساب العرق من جبينه مختلطاً بدمع عينه ولأول مره لم يأبه هذا الرجل بنظرة رجال منطقته اليه لاول مره تركز جُل اهتمامه نحو ابنته هذه الراقده بين يديه بهمودٍ دونما حِراك سُرعان ما أُنتشلت من حُضنه بتقدم المختصين في طوارئ المُستشفى، أُفتِعلت الضوضاء والضجيج والذي بقي هو ينظر اليه بسكون، جلس احد الاطباء على متن السرير وأخذ يحاول إنعاش القلب الميت لهذه الطِفله بينما تتفقد احدى الممرضات جسدها حتى نبَست بعلوٍ قائله :مُتعرضه للضرب والتعنيف الجسدي تزامناً مع انفاسٍ سريعه زفرها الطبيب بعدما استطاع انعاش قلبها وبينما يترجل عن السرير هَتف موجهاً أمره للكادر التمريضي :سويلها سونار حالاً، وانته جهز غرفة العمليات راح نضطر نطلع الجنين تقَدم والدها بضع خطوات الا انها لم تكفي ليصل الى جسد ابنته الهامد فقد جُرت سريرها امام عينيه حتى اختفت من مرآه، جلس على بضع كراسي للانتظار قريبةً منه وأخذ دقائق محدقاً بإحمرار كفيه إثر دمائها التي انسابت من اجزاء مُتفرقه من جَسدها بِلا هواده آسيا .. هي ابنته الصُغرىٰ التي زوجَها منذُ عامٍ مضى على احد شيوخ المنطقه ووجَدها اليوم كما أي كيس نفايات بجوار باب منزله مُغطاه ببحرٍ من الدماء وعلامات التعذيب المُفجعه دون مُبالاه بجنينها الذي وصَل الى الشهر السابع في احشائها الحانيه نهض بخطى ثقيله كما وكأن الكون يرمي بثقله على منكبيه، دفعه جهله للتساؤل عن مكان غُرفة العمليات المزعومه متجاهلاً سيلاً من نظرات الشفقه التي وِجهت اليه بهذا الجسد النحيل والمُتعب مُلطخاً بالأحمر القاني، توقف امام البوابه التي تفصل بينه وبين ابنته كما يفصل بينهما اميالاً من الموت المُحدق وسُرعان ما انتفض جسده ممسكاً بساعد ذلك الطبيب الذي كاد لوهله ليدخل الغرفه متجاهلاً اياه نظر اليه الآخر بنظراتٍ مُستنكره بينما يحدق بيده المقيده بفعل هذا الرجل الذي من فرط المه لايدري مايفعل، حتى انزل يده مُتأسفاً بخفوت سرعان ما اتبعه بتساؤل يبدو شديد اليأس :راح تعيش؟ رفع الطبيب حاجبه وبنبره مُحمله بكمٍ هائل من الحِقد والضغينه عَلق بينما يدفعه عن طريقه :لو تهمك ماكان زوجتها بهذا العُمر وساعاتٍ عِده احتاجها الطبيب ليعاود الخُروج من غُرفة العَمليات بحصيلةٍ من نتائج لطالما كان يؤرقه امر صياغتها على اهالي المَرضى المتلهفين لكنه لم يجد احداً .. لقد غادر هذا الرجل تاركاً خلفه ابنه متوفاه بهوية مجهوله وطِفلٍ بِلا أهل او عائله ستُغلق في وجهه كُل الابواب عدا ابواب المآتم والسجون . . . . وَفي الاعوَام المواليه كان قد تغير الكثير في هذه المنطقه، بعد تكرار الحوادث المُشابهه لخاصة آسيا توجهت الحكومه لإجبار الاهالي على اطاعة القوانين المُناهضه لتزويج الأطفال وثارت العديد من التحركات المجتمعيه للتركيز على هذه المناطق وتشبيعها بالأفكار والمُعتقدات المُناقضه لما مَضىٰ بتجاوز تام للوسطيه والاعتدال والنتيجه العكسيه التي لم يتخيل حدوثها أحد كان توجه كِبارات وشيوخ هذه المناطق الى افتعال تنظيمات تهدف الى الحفاظ على الهيكل العام لمجتمعهم وسُرعان ماتحولت تلك التنظيمات الى جماعات ارهابيه تبث الرعب في نفوس اهالي ذلك المجتمع الذي تجاوب للافكار الدخيله وخرج عن سيطرتهم شيئاً فشيئا حتى اصبح الصِراع هو اللون السائد في هذه المنطقه التي يُطلق عليها مُسمىٰ "القُريمزاء" في مطلع العام ٢٠٢٤ .. خُنقت أنفاس مُرتادي احد شوارع منطقة القُريمزاء في بدايات الصباح بهلعٍ وذُعر عام، تتوقف العربات برتلٍ من ثلاث مُصفحات من النوع المعروف بالشاص وواحده مُصفحه من نوع هايلوكس سوداء امام مبنى خاص باحدى الصُحف الحقوقيه هُناك شيئاً ما يحدث بالداخل، وغالباً سيكون مشبعاً بالعنف ذلك مادار في اذهان الماره المتصنمين عن اي حَراك أسفل تهديد الرجال المتوشحين بالأسلحه في بوابة المبنى من رأس الشَارع أقبلت صاحبة الجَسد الممشوق والمُختبأ خلف العبائه ذات اللون الأسود ويلتف حِجاباً من ذات اللون حول رأسها، في يديها اوراق وكُتب مُتراصه، هرعت بخطى سريعه نحو المبنى المقصود لديها حينما استشعرت تلك الفوضىٰ الرتيبه المهيمنه على الاجواء حتى توقفت اقدامها تماماً بالقرب من البوابه بفعل الرجُل المُلثم الذي تقدم بضع خُطى موجهاً سِلاحه نحوها تحديداً شعرت بيدٍ ما تقبض على ساعدها بينما تدفعها للتراجع الى الوراء بضع خطوات وهمسات من صاحبة اليد قائله :انتبهي بتراء، ذول ماينلعب معهم نظرت المدعوه بتراء نحو صاحبة المقهى المجاور التي توكلت بمهمة ردعها عم كانت ستفعل من اعتراضات لن تؤدي الا الى حتفها حتماً وبنبره حانقه قالت :ساره انتِ مستوعبه اللي يسوونه؟ وامام انظار بتراء ابتلعت ساره ريق فمها وهي تنظر بمُقلٍ شاخصه نحو المبنى حتى اتجهت بتراء بناظريها اليه فاتسعت حدقتيها هي الاخرى برؤية رئيس تحرير الصحفيه يجر بطريقه غير آدميه نحو احدى العربات بفعل الرجال ذوي الملابس المدنيه المتفاوته مابين البني والبيج والاسود ولِثامات من شالات عربيه تخفي ملامحهم خلفها فَكت بتراء يد ساره بقوه وتقدمت بخطىٰ مهروله دون ان تثنيها تهديدات الرجال الذين وجهوا كل اسلحتهم نحوها، غير آبهه بحلق الموت الذي فُتح أمامها فاغراً وامسكت بساعد احد الرجال الذين يجرون مديرها ذاته الذي نفض يدها عنه فوراً وابتعد خطوتين واضعاً بندقيته على جبينها بحركه سريعه وبنبره غاضبه قال :ماصارت لكم اخلاق يابنات القُريمزاء! تقدمت هي خطوه بتحدٍ واضح حتى تلاصق جبينها بخشم البندقيه او فوهتها، وبنبره تضاهيه غضباً وحنقاً صرخت توجه كلماتها نحو جميع الرجال الذي يقفون امامها مدججين بالسلاح :وأي أخـلاق في مُداهمة صحيفـه حقوقيـه وإعتقـال رئيس تـحريـرها دون تُهمـه، الطَريقـه اللي تتعاملـون فيهـا مع البشـر وأصحاب المؤهـلات العلميه العـاليه وينها وويـن الإنسـانيه عشـان تصيـر أقرب للاخـلاق! ولوهله شَعرت بطيفٍ من إحتقار لاح في أعين الملثمين أمامها ولم تلبث ان تفتح فاهها لتردف شيئاً حتى ابتدئوا ينسحبون أمامها نحو عربَاتهم بعد ان ادرجوا مديرها بداخل السوداء كما وكأن هُناك من أشار لهم بذلك، ماكانت بتراء لتقف عند هَذا الحَد والاستسلام لاختناق صوتها في داخل حُنجرتها، مسحت بأنظارها المُستهزئه هيئاتهم المُعتده وأردفت :حَتى أسلحتكم وعَتادكـم مُـو قـادر يآمِـن خوفكـم، الخـوف اللي تزرعـه فيكم ورقـه هشـه وقَلـم، "الصَعـتري الجَبـان" بدت وكأنها تبصق آخر كلماتها في وجوههم حتى التقطت أذنيها قهقهً مَرت على مسامعها فألتفت يُسره لتعقد حاجبيها لثوانٍ سُرعان ماتبددت عُقبها ملامحها الى شيء عظيم من الذهول والدَهشه حينما وقع بَصرها على ذلك الذي بادلها النظر بعينين متجعده إثر ضحكه تلوح من خَلف اللِثام البيچ .. عينين غريبتين أعادت بَتراء سِرقةً الى ماقبل ثلاثة عَشر عاماً الى ذِكرىٰ تليده راسخه في عُمقها، الى الصحَراء التي تتلون بِها عينيه وظِلال الجِبال أسفل رِمشيه، الى خوفها ودمع عينيها وأياماً من هَلعٍ وحُزن تركت بها ندوباً لا تُشفىٰ .. الى وعدٍ قطعه آنذاك كفها الصَغير تمخض بكلماتٍ مازالت في الروحِ حيه :حَتجمعنا غيوم السما أغمضت عينيها بشِده حينما داهمت كلماته مسمعيها، ماراً بجانبها الى السياره السوداء التي سُرعان ماتبِعت الرتل وغادرت تاركةً خلفها بتراء بذِكرى تليده وعينين تعلقت بالغيم. . . . توقفت بعد محاولتين لفتح الباب الموصد حالما تقدم احد زُملائها ماداً اليها مُفتاح مُعلقاً بقوله :شاهر قبل ياخذونه وصاني اقفل مكتبكِ عَقدت بتراء كلا حاجبيها بينما تفتح باطن كفها امام المعني الذي اسقط المُفتاح في مُنتصفه وابتعد خاطفاً منها فُرصة السؤال عن مقَصد شاهر من ذلك رُغم كونها وعلى اي حال لن تخرج بإجابه، وقَعت عينيها على واحده من زميلاتها والتي رمقتها بنظراتٍ لاتُفسر قبل ان تُغادر من امامها بالفعل تجاهلت بتراء كل تلك الغرابه التي لم تفارق اليوم من ساعاته الاولى ودلفت الى مكتبها حيث يبدو مازال محتفظاً بترتيبه وتنظيمه مغايراً عن باقي ارجاء الصحيفه التي حضيت بدقائق من طوفان بشري هائج لم يبقي كرسياً واحداً في مكانه جلست على مقعدها قبل ان ترخي رأسها الى الوراء وتغمض عينيها لثوانٍ بينما تدلك اناملها الرفيعه مابين عينيها من صُداعٍ أستقر هُناك، شعرت بإهتزاز هاتفها الذي وضعته منذُ دقائق على سطح المكتب فرفعته واجابت بينما تحدق بذلك الظرف الأصفر الذي للتو حتى لاحظته :هلا هواري من خلف السماعه صدح صوت المعني من منتصف ضجيج حيث يبدو وكأنه يترجل في احد الشوارع :بتراء انتِ بخير؟ وصلتني أخبار تشيب الراس رفعت بتراء ذلك الظرف تقلبه امام عينيها المعقودتين مُلاحِظه فراغ غلافه من اي مسمى او ملاحظه واجابت بهدوء قائله :ايه، تنظيم الصَعتري عيال الحَرام مداهمين الصحيفه وخاطفين شاهر مرت زفرة هواري لانفاسه من خلف السماعه الى اذنيها والذي سكن الضجيج حوله بعد ان وصل لمسامعها صوت اغلاقه لباب سياره مُعلقاً :انا مسافة الطريق وأكون بالقُريمزاء، قالت لي ساره انكِ قاومتيهم .. تدرين هذا غلط بتراء انتِ مو قد الصَعتري فليش تخاطرين بروحكِ! رفعت بتراء يدها الاخرى تمسح بها على وجهها بكلل من كل تلك الاحداث التي ارهقت فكرها وقلقها، تعلم بتراء جيداً بأن هذا النُصح سيكرر عليها كثيراً وليس من هواري فقط، تنهدت واجابت :احس التنظيم صار يحاول يستفزنا ويطلعنا عن طورنا، هواري انت ماشفت الطريقه اللي كانوا يجرون فيها شاهر وكأنه حيوان مو رجال شهاداته تسد عين الشمس! صمت هواري لبرهه عاد عقبها للتعليق على كلماتها تلك التي نبست بها للتو مبرره عن سبب استفزازها وخروجها عن طورها :شاهر مو اول واحد بتراء، الصَعتري خطفوا حتى الاطفال، سواءاً بشهاده او بدون هو مجرد واحد من الف مظلوم راحوا ضحية صراع أزلي بلا اي معنى اعتدلت بتراء في مقعدها بعد سماعها لكلماته الاخيره وفور ان انهى قوله نبست مستنكره :بلا معنى! الصراع بين الصَعتري واهالي القريمزاء صراع بين الحق والباطل، بين الحريه والقمع، الصَعتري عباره عن ارهاب مجرد ارهاب هواري زفر هواري تزامناً مع ارتفاع اصوات الهورنات من حوله بعد ان تحولت اشارة المرور الى خضراء فأسرع ينطلق في طريقه خارجاً من احدى المدن متجهاً الى ارض القُريمزاء، وبنبره خافته تدل على رغبته في انهاء النقاش علق قائلاً :كان التروي هو الحل الأمثل للوصول الى الاعتدال، محاولة قمع افكار معتقدات القُريمزاء قديماً هي اللي ولدت هذي الجماعه مع حقدها اللي صار مع الوقت ارهاب .. ع العموم كلعاده نقاشنا في هذا الخصوص ماراح يخلص بتراء انتبهي لنفسكِ وحاولي تضبطي اعصابكِ لحد ما اجي والا مانوصل لحل في موضوع شاهر تنهدت بتراء وبكلمات قليله انهت المكالمه مع هواري الذي لاتفهم ما اصل هذا المبرر الذي يضعه للاحداث التي تسيطر على القُريمزاء وما الصعب والعسير في تخلي الناس عن معتقداتهم المظلمه بعد ان يروا النور براقاً امام اعينهم، فالإصرار على الرأي لايبرر التوجه الى الارهاب لفرضه على الجميع وضعت هاتفها جانباً والتقطت الظرف بغية فتحه لو لم تدلف احدى زميلاتها الى المكتب دونما استئذان فرفعت هي حاجبيها تلمح ذات النظره في عيني المعنيه التي وجهتها اليها منذ دقائق مضت، صمتت بتراء بينما الاخرى وضعت احدى يديها على المكتب ونبست قائله :مرتاحه؟ او خليني اسألك بالأحرى القُريمزاء استفادت شي من تقاريركم انتي وشاهر اللي ماتنتهي عن جرائم الصعتري، حقيقة الصعتري، من وراء الصعتري، كيف تتنفس الصعتري! .. شاهر وينه؟ وانتي مهدده على اي لحظه يسفكون دمك او يخطفونك سبيه في احسن الحالات، مصدر رزقنا صار على المحك وارواحنا تحت مرمى الخطر بدون اي فائده تذكر! في البدايه شعرت بتراء بالذهول مما تتفوه به هذه المعتوهه أمامها لكن سرعان ماتبّسمت بسخريه من تلك السطحيه المتمثله امامها وفور ان انهت المعنيه قولها، نهضت هي امامها معلقه :انتِ خريجه قانون؟ .. المفترض انكِ ناشطه حقوقيه بس انا قاعد اشوف قدامي فار يرجف خوف من جماعه همجيه ماتسوى فِلس! انا اللي مفروض اسألك؛ خايفه؟ .. او بالاحرى انتِ مُتأكده ان مكانكِ هِنا مو بحضن الماما عيني؟ تقدمت الاخرى بإندفاعيه نحو بتراء التي سُرعان ماشُد انتباهها للصوت الذي نده بإسمها من جوار الباب الخاص بمكتبها وكان ذاته الذي اعطاها المُفتاح منذُ دقائق فتجاهلت تلك الكُتله المشتعله امامها واتجهت اليه مستفهمه :نعم سيف! زفر سيف مقدماً اليها بضع اوراق كان قد التقطها بعد ان اعاد ترتيب مكتب شاهر قائلاً :هذي موضوعات العدد القادم، الكل ماخذ قرار توقيف الصحيفه حالياً والغاء نشر عدد الاسبوع وتقريباً الكل معترض على نهج شاهر في اختيار المواضيع فإذا بقيت في مكتبه راح يضيع مجهود الشباب، خليها معك لحد مايجي شاهر او يتعين مدير جديد التقطت بتراء الاوراق بشرود وبطبيعة الحال كانت احداها تحمل احد التقارير التي اعدتها شخصياً والتي تصدر مره واحده كل ثمانيه اسابيع بعد بحث مطول حول حقائق سوداء من ماضي القُريمزاء قبل تأسس تنظيم الصعتري، اومئت بعد ان شكرت سيف وغادر بالفعل تتبعه الاخرى بصمتٍ مُطبق ونظرات شرسه، اتجهت بتراء الى مكتبها التقطت متعلقاتها الشخصيه، وضعت الاوراق التي جلبها سيف والظرف الاصفر بداخل الحقيبه ثم خرجت بالفعل متجهه نحو منزلها الواقع على بعد شارعين من موقع الصحيفه . . . بابٍ موصد ومِرآه يقبع امامها ماداً كفيه العريضتين أسفل الصنبور يتسرب الماء من بين انامله بينما عينيه الشاردتين تُمعنان النظر في تلك الندبه التي تتخذ مكاناً من مِعصمه الأيسر بالقُرب من الوَريد عادت بِه صِدفةُ اليوم الى ذِكرى عتيقه كان قد تناساها بعد ما مرت عليها سنينٌ غابره وبشكلٍ او بآخر هي ارتبطت بحقبه زمنيه من حياته صنعت منه رجُلاً آخر، نَقلته من الرِعديد الى المُهيب الذي يهاب نفسه اولاً وقبل اي أحد آخر، من الرهيف الى القاتل ذو الجوف البارد الخالِ من دفء المشاعر زَفر بهدوء بينما يرفع كفيه الممتلئه بالماء ماسحاً على وجهه البرونزي لمراتٍ عِده تقاطعت بطرقاتٍ خفيفه على الباب وصوتٍ مألوف قادم من الخارج قائلاً :ياشيخ أديان أغلق صنبور المياه ملتقطاً المنشفه من رفٍ استقر جوار المغسله مجيباً بهدوء :جَاي يامحمد سكن المعني من خلف الباب بينما أديان نشف وجهه واحكم لفة الشال العربي حول رأسه ثم خرج من الحمام دون ان يخفي ملامحه خلف اللثام، اكتفى بنظراتٍ مستفهمه وجهها نحو محمد اقرب الأفراد اليه والذي فوراً افصح عم في جعبته :الشرطه داهمت بيت الشيخ طلحه وفي اخباريه عن انهم قبضوا على ابنه وضَع اديان هاتفه في جيب بنطاله بينما يتسائل بإهتمام حيال الأمر الذي دوى للتو على مسامعه :مبلغين عن المِهذار اللي داخل تبّسم محمد من المصطلح الذي استخدمه الآخر واصفاً به الناشط الحقوقي قاصداً بأنه كثير الكلام او ثرثار واومئ مؤكداً ذلك، فبادله اديان الايماءه متجهاً نحو الغرفه التي يحتجز بها شاهر دلف بعد ان احكم اللثام مخبئاً خلفه جُل ملامحه عدا عينيه، وضع شاهر في مرمى نظراته ذاته القابع في زاوية الغُرفه جالساً في الأرض بقيداً التف حول معصميه خلف ظهره، تقدم ساحباً الكرسي الخشبي الوحيد الموضوع في مكاناً ما من الغُرفه، جلس عليه واضعاً مفصل القدم اليسرى على فخذ اليمنى بعد ان اخرج هاتفه من جيبه، التفت نحو محمد الذي يقف بالقرب منه وافصح عن امره :هات جواله اومئ مُحمد مغادراً الغرفه فوراً بينما هو تبادل مع شاهر بضع نظرات متكلله بالتحدي والكرَاهيه قبل ان ينشغل بالتقليب في هاتفه بتجاهل تام للمعني امامه بضع دقائق استغرقها محمد حتى عاد الى الغرفه مقدماً هاتف المعني لاديان الذي التقطه واشار لمحمد بالمغادره، كما توقع كان الهاتف موصداً بقفل الكتروني فنبس من مكانه بنبره اعتياديه كما وكأنه يحادث صاحبٍ له :الرمز؟ قهقه خفيفه هربت من بين شفتي شاهر المتجرحه من بضع لكمات توجهت الى فمه في وقتٍ سابق، وبسخريه نبس معلقاً :والله؟ امعن اديان النظر فيه لثوانٍ، عاد عقبها ليلقي امره على شاهر منتظراً منه الإطاعه دون اي ازعاج متبادل :الرمز ياشيخ المهرجين، لاتحدنا نطلع عن طورنا هز شاهر رأسه الى الجانبين بسخريه واستهزاء واضح بينما مازالت تلك الضحكه لم تفارق شفتيه حتى نهض اديان من مكانه مُخرجاً سِلاحه من حِزام بنطاله واضعاً اياه على جبين شاهر ذاته الذي نبس بتحدٍ :تخيل أخاف من بربري مثلك؟ كان يبدو جلياً بأنه غير خائف بالفعل، تلمع عينيه بتحدٍ وضغينه وتقابلهما باديتي برود وانطفاء من جهة اديان الذي اشار الى الجدران المحيطه بشاهر بطرف مسدسه قائلاً :تدري كم راس تفجر بين هذي الزوايا ؟ مسح شاهر الجدران بناظريه وكان قد لاحظ مسبقاً تلطخها ببقعٍ متيبسه من الدماء، اعاد ناظريه نحو اديان، هز كتفيه بلا مُبالاه ونبس بقوله :ضيف على عددهم واحد، ماراح تقوم القيامه مثلاً! تجعدت عيني اديان بعد ان هربت قهقه من بين شفتيه ليبادله شاهر الابتسامه التي سُرعان ماتلاشت بعد ان تفجر رأسه متناثره دماءه في تلك البقعه، اعاد مسدسه الى حزام بنطاله بعد ان ازهق تلك الروح بنجاح تام، تراجع الى الخلف ملتفتاً نحو الباب تزامناً مع دخول محمد الذي تداولت انظاره بينه وبين الجُثه القابعه خلفه حتى نبس بقوله :اوامرك؟ وبنبره هادئه اجاب المعني بينما يضع هاتفه في جيب بنطاله ويتخلص من هاتف شاهر برميه على جثته في زاويه الغرفه :راح ناخذ القرار المناسب في جلسة الليله، انا برّيح في بيتي ماتجون حولي الا اذا قامت القيامه اومئ محمد وابتعد قليلاً عن الباب الذي خرج منه اديان مبتعداً لبضع خطوات حتى توقف ملتفتاً نحو محمد نابساً :اقفل الباب وخلي المفتاح معك، لاحد يدري باللي صار والى منزلٍ تغلب عليه الاضاءه الخافته دلف اديان، ذاته الذي يقع بالقرب من مقر الجماعه في ذات التجمع السكني الذي اتخذه البعض منهم في اطراف منطقة القُريمزاء .. عَبر الممر شبه المُظلم والذي قاده في نهايته الى الصاله التي تنتصفها بضع ارائك ذات طابع كلاسيكي بحت، وضع شاله على احدى الارائك وبنبره شبه عاليه هتف بقوله :سُلطانه! ثوانٍ قليله فقط حتى خرجت المعنيه من داخل المطبخ بينما تجفف يديها، وبصوتٍ تميز بالهدوء واللطف تسائلت :تفضل ياشيخ؟ تقدم اديان نحو الرفوف الواقعه بجوار شاشة التلفاز وبينما يوصل هاتفه بسلك الشاحن بعد ان اغلقه تماماً همس بشيء من الاستنكار او اقرب الى الاستخفاف :ياشيخ! زفرت سُلطانه واطرقت برأسها دون تعليق، تُجيد هذه المرأه تنفيذ كلما يتقدم به الآخر اليها من طلبات اياً كانت ماهيتها عدا رغبته بتخليها عن حاجز الرسميه الذي تختبأ خلفها منذُ اعوامٍ عده ممتنعه عن مناداته بإسمه في اي حالٍ من الأحوال .. وكان قد تناسى هو ذلك الا انه لايستنكف عن رمي بضع كلمات بين الفتره والاخرى ملاقياً الصمت منها في كُل مره اعاد انظاره اليها بهيئتها المنكمشه بجوار باب المطبخ مستنكراً هو خوفها منه بالرغم من مرور فتره زمنيه غير هينه من مكوثها معه دون اي شخص آخر! زفر ونبس موجهاً أمره اليها :جيبيلي قهوه وحبة الضغط لغرفتي اومئت وفوراً اختفت من امامه الى داخل المطبخ بينما هو اتجه الى غرفته شارعاً في تبديل ملابسه الى اخرى مريحه، جلس على سرير في ذات الاثناء التي طرقت بها سلطانه الباب وسمعت سماحه لها بالدخول فدلفت مقدمه اليه طلبه لتغادر عقب ذلك بصمت تام بينما هو دَخل في النوم العميق فور ان انهى قهوته وشرب دوائه . . . الى قلب القُريمزاء حيث دَلفت بتراء الى المنزل مُغلقةً الباب خلفها مثيره بدخولها ذاك انتباه والدتها التي خرجت من المطبخ بحاجبين معقودين تتسائل :بتراء، شصار ورجعتي بدري؟ تقدمت بتراء بخطى متثاقله يتضح الحُزن على محياها بتجلي، جلست على الاريكه ووارت وجهها بين كفيها مجيبه بنبره على مشارف البُكاء :كلاب التسعينات داهموا الصحيفه وخطفوا شاهر اتسعت عيني والدتها بذهول فتقربت منها لتجلس بجوارها بينما تضع يدها على كتف ابنتها قائله بفرطٍ من قلق تزامناً مع اتكاء الاخت الصغرى لبتراء ضد الحائط المجاور والتي للتو حتى خرجت من غرفتها :مآذينك بشي بتراء، علميني لاتسكتين جاك اذى؟ انزلت بتراء كفيها عن وجهها وعلقت بقولٍ مُستنكر :واذا تآذيت يمه، هذاني قدامك حيه بس شاهر مايندرى عن اراضيه واذا حي او ميت! رفعت المعنيه احد حاجبيها ونبست قائله :ربي يرده لاهله سالم بس انا حدي اقلق على بناتي من وين اجيب حيل لمداراة الناس كلها؟ زفرت بتراء انفاسها بضجرٍ عظيم قبل ان تشيح بناظريه نحو شقيقتها متجاهله الرد على والدتها موجهه حديثها هذه المره لتلك التي تنظر اليها بلامبالاه تامه :ها زينه فرحانه؟ صار اللي كنتِ تهذرين به رفعت زينه احد كتفيها بعدم اكتراث وبنبره شديدة البرود علقت :لو قافلين حلوقكم ومخلين الناس بحالها ماصار فيكم كذا، هذي نتيجة اللعب بالنار اتسعت عيني بتراء وسُرعان مانهضت تتخذ موقعاً امام كلتاهما صارختاً بإستنكار واستياء من تلك الافكار التي تسيطر على معظم من يحيطون بها :انتم عقلكـم فيه شي، مُستحيـل هذي أفكار نـاس صاحيـه! .. الصَعتري مسببين للنـاس رُعب وخـوف حتى الحكومـه مو قادره توقفهم عنـد حدهـم، مو معقـول نسمع كل يوميـن عن جريمـة قتـل او اختطـاف او مُداهمـات وترويـع للآمنين ونسكـت! منو ياخذ حـق المظلومين اذا الكُل فَـكر بهذي الطريقـه اللي تفكـرون فيهـا! بينما هي مازالت تجلس في مكانها وبشيء من الركود نبست والدتها ترد عليها بكلماتها حينما كانت ترعبها بحق افكار ابنتها واندفاعها دون اي خوف او تردد، ترتعب من ان تفقدها في يومٍ ما :انتِ قلتيها الحكومه مو قادره توقفهم عند حدهم، وش راح تسوين انتِ يا بتراء بعمر ماتجاوز الثلاثه وعشرين حتى! خلي هالمواضيع للمختصين وناظري مستقبلك وحياتك يابنتي! رفعت بتراء احد كفيها تضعها على جبينها بقُل صبر تزامناً مع هروب ضحكه مندهشه من بين شفتيها، قبل ان تضع كلا كفيها على جانبي خصرها بتدخل شقيقتها بقولٍ لاذع رمته على مسامعها :صار رفيق نِضالك واحد من المظلومين، متحمسه اشوف كيف كم كلمه منكِ على جريده بكم فلس راح ترجعه بالسلامه هزت بتراء رأسها الى الجانبين بيأس تام، رُبما ستسطيع يوماً تغير دفة الكون لكن لاتقدر على ازاحة ولا ذره من افكار عائلتها، لذا هي تجاهلت الرد والتقطت حقيبتها متجهه بخطى سريعه نحو غرفتها حيث اغلقت الباب بقوه واتكئت عليه متربعه في ارضيه الغرفه البارده تمعن النظر في الحائط المقابل لها والحاوي على الكثير من الصور والقُصاصات من الجرائد والكُتب والتي تحمل كلاً منها شعوراً خاص وآثراً لايندثر بعبور السنين تنهدت بينما تخضع عينيها للحظه من أبشع اللحظات التي قد تمر على امرأه كبتراء، لحظات الاستسلام للضعف وارتواء الوجنتين بماء المُقل، ابتلعت ريق فمها مع امواساً تكاد ان تُمزق حُنجرتها هامسةً بقولها :احلامي ماتنكِسر جِنحانها دقائق من الصمت هربت بها شكاوىٰ بتراء دموعاً من جوف عينيها حتى رفعت كفيها تكفكف دمعها مُستعيده رباطة جأشها لتعود الى صفوف الكِفاح دونما هواده، اخرجت من حقيبتها الظرف الاصفر الذي خمنت ان شاهر هو من وضعه ولأهميته شدد على اغلاق مكتبها فتحته بفضولٍ تام سُرعان ماتضاعف وهي تقرأ في ورقة واحده حواها الظرف بضع معلومات متفرقه وناقصه حول جريمه ارتكبها احد الشيوخ قديماً والذي يرجح كونه هو المُترأس لجماعة الصعتري حالياً متوقفه انظارها عند السطر الاخير والذي اخذت تتلوه بهمسٍ وبتأني تام :حيث توفيت في المستشفى العام بعد ولادتها القيصيريه والمبكره بسبب تعرضها لجريمة الضرب المبرح المؤدي الى الموت في عام ١٩٩٢ رفعت عينيها عن تلك الورقه وقد فهمت كون شاهر وكل اليها هذه المهمه قبيل اختطافه بعد ان سار فيها بضع خطواتٍ بنفسه دون الرجوع اليها بالرغم من انها هي من تقوم بتولي مثل هذه التقارير في العاده؛ لخطورتها رُبما ! شَردت بتلك التفاصيل المُفجعه بينما تهمس بأسم الضحيه المدون في احد الأسطر البارده :آسيا عِمران . . . أنا الغريبُ بكُل ما أوتيتُ من لُغتي. | ||||
15-09-24, 09:15 PM | #4 | ||||
| الفصل الثاني . . . في مرحلةٍ ما من حياته يدرك المرء بأن أشواك الطُرق مسامير وان العقبات خناجر، وان الممات في سبيل الضوء الذي في آخر النفق هو مُجرد مُسمى يرتكز في آخر قائمة المخاوف، فأن يموت المرء في سبيل بلوغ المَرام مُباح لكن ان يعيش فارغاً وعاجز من أبلغ صور الحَرام .. تجلس على سريرها الفَردي الذي يأخذ زاوية من الغُرفه، امامها جهاز لابتوب مفتوحاً على مصراعيه وبضع اوراق ودفتر مُنهمكه منذُ ساعاتٍ في عَملٍ ليس من اختصاصها لكنها تلقفته حينما رماه أهله تُمرر على صور شخصيه لعددٍ من الأفراد تم نشرها فيما مضىٰ على انهم مطلوبين امنياً بتهم لارتكاب جرائم جميعها أندرجت أسفل مُسمى الصعتري، ومَطلبها معلوم تُدقق في حدقاتهم باحثةً عن جبحي عَسل مائلتين للإصفرار حتى شردت لثوانٍ فيما تفعل .. ماذا لو استطاعت الحصول على صورته لتقديم بلاغاً واضحاً عنه؛ هل ستفعل !! بعد اثني عشَر عاماً مروا سِراعاً هل ستخون النفس الذي تتنفسَهُ بفضله! زفرت تُغلق جِهازها بقوه قبل ان تتجه الى النافذه، تُبصر من هُناك إمتداد المدينه امام عينيها، تلك المدينه ذات الرونق الكلاسيكي المُمتزج بالحضاره، شوارع مُكتظه وأسواقٌ حيويه، قصور حجريه متفرقةً هُنا وهُناك مازال سُكانها يحتفظون بإرث القُريمزاء وتاريخها، قبل ان تهتز مُقلتيها التي حدقّت بالجِبال المُحتضنه للمدينةِ بما فيها حيث ساقتها خُطاها التائهه منذُ عُمرٍ مضى لتقع فريسة الصَعتري وتنجو بأحدىٰ أعجوبات الزمَان التفتت الى الخلف بعد ان سمعت الطرقات الخفيفه على الباب بعد دقائق من سماعها لضجيجٍ في الخارج عائد لسيلٍ من الشكوىٰ ماتوانت عنه والدتها حالما أقبل عليها هواري .. هواري هو ابن الخاله الوحيد لبتراء ومن دواعي الأقدار وأعظمها كانت قد رضعت معه في الصِغر وهي ممتنه لذلك عظيم الإمتنان، تبّسمت لهيئته ونظراته المُعاتبه واللائمه قبل ان تشير له نحو السرير حيث تقدم جالساً هُناك بعد ان وضع متعلقاته الشخصيه بجواره وبادرت هي بالقول :لاتعاتبني على شي، اساساً لو ماساره جت الظهر وعَلمتها كان مادرَت ولا تهاوشنا .. هي الغلطانه مسح هواري على وجهه بإرهاق من طول الطريق الذي امضى به مايقارب الثماني ساعات، زفر ثم علق قائلاً بهدوء تام :لا بتراء، محد غلطان غيركِ، انتِ قاعده تجازفين بروحك في كل فرصه تلاقينها وبدون تردد .. انا فاهمكِ انتِ شجاعه واقوى من انك تخافين من الموت بس وراك اهل؛ وراك ام ارمله وراك اخت يتيمه وأخ .. أخ صرتي له من الدنيا أمنيه وسُلطانه ! ما نستاهل ؟ انكِ تصونين هالروح عشاننا ؟ التقطت نفساً قوياً بينما تشيح بناظريها عن عيني هواري التي لمعت بإنكسار وملامه تقتل ولا تجرح، مسحت على وجهها قبل ان تتجه للجلوس على مقعد مجاور لمكتبها الصغير المقابل للسرير، وضعت يدها على حافة المكتب بينما تهمس :آسفه اومئ هواري بعد برهه قصيره مكتفياً بهذا القدر من العِتاب الذي مل تكراره طوال أعواماً مضت وما انقضت، رفع رأسه ينظر اليها بينما ينبس مفصحاً عم في جعبته من اخبار :مريت على سيف قبل اجيكِ، يقول ان ابو شاهر رجال يده طايله في الجهاز الامني ومخلي الشرطه توقف على تك رجل، داهموا بيوت خاصه بناس مشكوك بأنهم ينتمون لصفوف الصعتري واعتقلوا منهم عدد كبير .. الموضوع طلع من يدنا هذي المره في تحرك جاد من الامن وان شاء الله يجيب نتيجه اومئت قبل ان تزفر نفساً كُتم في صدرها لثوانٍ عِده اخرجت عُقبه بضع كلماتٍ بينما تمسح على وجهها :اللي خطف شاهر أعرفه رفع هواري حاجبه بإستنكار وأمال برأسه مُستفهماً، اي عته تتفوه به الماثله أمامها للتو ومن اين لها معرفة فرد من اولائك الجماعه البربريه الشاذه عن مجتمعهم الحضاري ! دون ان يفتح فمه للتساؤل كانت ملامحه كافيه لتجيب بتراء مبرره :هو نفسه اللي هربني من الجماعه قبل ١٣ سنه زفرت ثم عادت لتشرح الامر اكثر راميه بذلك سلسلة القلق على عُنق هواري، قلق من ان ترتكب هذه المرأه حماقةً ما تجرها نحو هاويةٍ محتومه، بينما هي استغرقت في الشرح قائله :عرفته من عيونه الصُفر .. يعني عَسلي مائل للصفار بشكل غريب وبطبيعة الحال ماراح تمشي كل يوم وتشوف واحد من نفس الجماعه بنفس العيون .. ع العموم انا كنت راح اشك في ذاكرتي خاصه ان الموقف قديم بس لا .. تأكدت انه هو نفسه صمت هواري لثوانٍ عاقداً لحاحبيه بعد ان استوقفته كلماتها الاخيره فعلق حيالها مستفهماً :كيف تأكدتي؟ تبادلت معه بضع نظرات متعجبه من ناحيته، ومُتهربه متشتته من ناحيتها هي حتى نهضت تتجه الى الباب بخطى سريعه اثارت استغرابه قبل ان تهتف من هناك قائله :زينه هاتوا اكل عصير اي شي لهواري شفيكم! سمع استغفار زينه التي مرت بها مُتجهه الى غرفتها متجاهله طلب بتراء برمته، فشَرَد هواري بحقيقة مقت زينه له منذُ اعواماً تجاوزت الأربعه لخرابٍ بقي متروكاً منذُ ذلك الحين كجرحٍ بِلا ضِماد، تجاهل افكاره حينما دلفت بتراء بصحن يحوي لفة ساندويش وعصير قائله :لقيت امي مجهزته لك اومئ متمتماً بالشكر بينما يبتدأ تناول الساندويش، مُراقباً إنشغال بتراء بتمعن احدى الاوراق القابعه في يدها بتركيز شديد . . . يجتمع خمسه لاسادس لهم في هذه الليله على خلاف العاده حينما كانت الجلسات المشابهه لتلك تحوي عدداً لايُستهان به من شيوخ الصعتري وقاداتها يتبادلون نقاشاتٍ سُرعان ما احتدمت بأختلافٍ واضح في الاراء يتقاطع شرود أديان لدقيقه غاص فيها فكره خاضعاً لهوامش عكرت صفو باله بالنبره الحاده للرجل المجاور له والذي شارك في الحوار مُنبهاً هذه الجماعه على خطورة الوضع الحالي :أربعه افراد على الاقل من جماعتنا بالسجن، شيوخ هاربه وبيوت أُنتهكت حرمتها .. المسأله وراها شخص مو قليل ولايمكن الاستهانه به صمت الأربعه الباقيين لبرهه من الزمان بشرود، تسقط عيني أديان في هذه الاثناء على احدهم والذي كان ينظر اليه بحقدٍ واضح سُرعان ماترجمه بالقول :قتله ماكان الخيار الصحيح، على الاقل مو بشور الجماعه وانما بتصرف فردي متهور نظر الرجل الكبير المترأس للجلسه نحو اديان الصامت عن الرد ثم اعاد انظاره نحو القائل معلقاً بشيء من الاستنكار :وأيش راح يكون رأي الجماعه يعني، نرده لبيته ونقوله معليش اخوي ماكنا ندري وراك راس مايلعب؟ زفر المعني وقبل ان ينبس ببنت شفه قاطعه رجُل آخر كان جالساً في الجهه المقابله لاديان قائلاً :مو عوايدنا البكاء على الاطلال! اللي صار صار ولازمنا نطلع من هالجلسه بحل مو بعداوات تشتت صفوفنا حل الصمت لثوانٍ عِده بعقولٍ غاصت في التفاكير التي اقتطعها أديان مُشاركاً في الحوار بعد صمته منذُ البدايه بتساؤله قائلاً :مين اول واحد تمت مداهمة بيته؟ عقد الجميع حاجبيهم واجاب الشخص المقابل له بهدوء :الشيخ طلحه اومئ أديان لكونه يعلم بهذه المعلومه مُسبقاً، ثم عاد ليتسائل بطريقه توضح جلياً بأنه يستخدمها كسبيل نحو هَدف مُعين :ليه الشيخ طلحه بالذات؟ هذه المره جاءه الجواب من كبيرهم المُسمىٰ بأبو عبدالله قائلاً :لانه من ضمن المطلوبين وهويته مكشوفه اساساً تبّسم أديان لتلك الاجابه المتوقعه والتي تعتبر حلقه من حلقات السلسله التي أصبح يجمع حلقاتها بيسرٍ وسهوله :ومين اللي كشف هويته؟ ووكأن السيف الذهبي مَر على رؤوسهم اجمع فسكن المجلس في ذات الاثناء التي همس بها المجاور لأديان بشيء من الشرود :شاهر! رفع اديان يده فوق فخذه بينما تعبث انامله بمفاتيح سيارته مُصدره بذلك ضجيجاً طفيفاً في ظل ذلك السكون الذي اخذ يراقبه بإبتسامه سُرعان ماتبادلت مع المقابل له الذي اومئ مُعلقاً :عصفورين بحجر واحد دقائق قليله تلت ذلك الحوار وِضعت بها خُطة التخلص من التهمه برميها على الرجل المؤثر على الجماعه سلباً بسبب هويته المكشوفه وجرائمه المفضوحه والهارب بطبيعة الحال واضعينه هذه المره في مواجهه مباشره مع الامن واهالي القتيل الذي ترتمي اثيمة مقتله في ذِمة آخر وحَالما تفرَق الجمع خرج أديان علىٰ وتيرةٍ من الهدوء والفتور، ركِب على متن السياره التي تنتظره عند البوابه مُشيراً لمحمد بالانطلاق بينما يورث سيجارته في حالةٍ مِن الصمت المطبق تبادلاها الى ان استقرت السياره على الطريق المعبد بعد قطعها للطريق الوعر النازل من المرتفع الذي تقبع فيه تجمعات الصعتري اقتطع أديان الصمت آنذاك وهو يرى وجهته باتت في مرمى انظاره قائلاً :بكره راح يتصرفون بجثة المِهذار هذا والسالفه راح تتعلق على اكتاف طلحه .. راقب الموضوع بنفسك نظر محمد نحوه بينما يطفئ محرك السياره على جانب الطريق متسائلاً :تتوقع خيانه! همهم أديان كإجابه مترجلاً عن السياره عقبها بخطى قليله اوصلته في آخرها الى باب حديدي ضخم دفعه بخفه متوغلاً الى الداخل الفارغ من أي بشري او حياه، باحه مُظلمه ونافوره في المنتصف متيبسه من شِدة الجفاف تصدر خطاه صوتاً من ضغطها على الاغصان المتيبسه والورود التي توفيت على الطُرقات، وككل مره يدلف بها الى هذا القصر المهجور تتأمل عينيه المبنى المرتفع بشموخٍ رغم جور الزمان، نوافذه المحطم زُجاجها وشبكات العناكب المستقره في الزوايا مُتسائلاً هذا الكيان بداخله عن أي ذنبٍ ارتكبته هاته العائله حتى فَرق الله جمعها وهَجَر اهلها بعيداً عن مأواهم ! ترجل الدرجات ذات السياج الحديدي والمؤديه الى اسفل تحديداً الى قبو القصر حيث تعالى شيئاً فشيئاً صوت ضجيج احتكاك الصناديق ببعضها البعض والذي طغى عليه صوت احد الموجودين في الاسفل هاتفاً بقوله :ارحب ياشيخ اسفَرت وأنوَرت تبّسم اديان في وجه القائل الذي كان يقف جانباً بهالة تدقيق واشراف، تقدم نحوه وتبادل معه صفاحاً سُرعان ما اقتطعاه بإشاحة اديان لانظاره نحو العمال المنشغلين بترتيب عدد من الصناديق المحكمه نابساً :تأكدت من العدد اومئ الآخر ماداً اليه دفتر ملاحظات صغير كُتبت عليه بضع ارقام كانت شديدة الدقه مما جعل من اديان يهز رأسه بإيماءه خفيفه معيداً الدفتر الى صاحبه قائلاً :باقي موضوع التأمين، شددت على سلطان يحاوط المنطقه من الارتفاعات وانت عليك الارض يكفي نضمن مافي نقاط امنيه في الموقع اومأ المعني واجاب مطمئناً اديان بقوله بينما يورث سيجاره :حادثة الصبح اشغلت الامن عن جهة الجنوب كل التركيز حالياً على طرفكم، اذا سويت مجزره هناك محد درى عنك مع ذلك حطيت الف عين تراقب اذا في اي تحركات امنيه مفاجئه همهم اديان برضا بينما تشتد انظاره نحو احد العمال الذي اخذ يوجه قوله اليهما متسائلاً بشيء من التعب من ثقل الصناديق :على اي ساعه تطلع الدفعه ياشيخ؟ ثوانٍ فقط واجاب عنه الآخر بنبره تكفي لتصل الى مسامع الجميع بينما هو يتجه نحو جهه معينه من القبو :على الساعه ٢ الفجر، الهمه ياشباب باقي فقرة النقل راح تاخذ وقت كبير لاتتأخروا راقب عودة الجميع الى العمل بهمه ودأب قبل ان يتبع خطوات اديان الى غرفة متوسطه تحتل مكاناً ما من القبو اتخذا منها مستقراً ومُستراحاً منفصلاً عن باقي اماكن الزحام والضجيج، اغلق الباب حالما دلف يراقب جلوس اديان في منتصف الاريكه منهمكاً في التدخين فنبس بتساؤل بينما يستقر جالساً على مقعد خشبي قريب :وش صار على الصحفي، تدري الجماعه برا قالبين البلد عليه اومئ اديان بمعرفه تامه لابعاد تلك الواقعه وبهوية الرجل الذي قضى نحبه على يديه، مد ايسره امامه يراقب خشونتها بعد ان ارتوت بكمٍ هائل من الدماء متسائلاً عن عدد المرات التي تواجد بها مع عزرائيل في ذات المكان وهو يُلقفه ارواح أُناسٍ قتلوا على يديه او بأمرٍ منه وبشرودٍ اجاب :بكره يهجدون صمت الآخر لثوانٍ بسيطه محاولاً قراءة الاجابه من هالة الماثل امامه حتى تسائل :قتلته؟ رفع اديان ناظريه نحو صديقه قيس ذو الهيئه التي تقل عنه جسمانيه ببشرة بيضاء وملامح هادئه معلقاً بقوله :راح تتلبس التهمه لطلحه، احداثيات موقعه راح توصلكم ببلاغ من مجهول وعليه تتحركون، كذا كذا هو راح يودع في السجن زفر قيس انفاسه بهدوء وشيء من الكلل قبل ان يعلق حيال تلك الاقوال الاشبه بالاوامر بشيء من المنطقيه والواقعيه :تدري اني اواجه صعوبه في كل مره احاول فيها فرض رأيي، بالنهايه انا مجرد ضابط فوقي الف واحد يمشون كلمتهم علي وعلى قبيلتي كلها صمت اديان لثوانٍ علق عقبها مستنكراً كم السذاجه التي لدى صديقه برفضه في كل مره يعرض بها اديان عليه امداده بأدله واثباتات حصريه تتيح له فرصة كسب قضيه شبه مستحيله ستؤدي بكل الاحوال الى ترقيته ! :كان ممكن تصير درجه تصعد عليها بس انت حنيّن هز قيس رأسه الى الجانبين مفضلاً ان تقدم المعلومات ببلاغات مجهوله غالباً ماتبرر بأنها ناتجه عن انقسامات في صفوف الصعتري على ان تأتي من قبله لعدة اسباب معينه مجيباً بينما ينهض من مكانه متجهاً نحو طاوله في احدى الزوايا :لا اديان، ماراح اصعد على جثث الابرياء ولا راح احط نفسي بمثار شك، تهمة الارهاب مو سهله قهقه اديان بخفه بينما يدعس على قطف السيجاره اسفل قدمه هامساً بهزء :ع اساس المتاجره بالسلاح حلال . . . نُحاول .. ان يبدو كُل شيء منطقياً او على الاقل عادياً لكن الحقيقه تكمُن في ان العُمر إستثناء وكُل لحظه فيه لها وقعها الخاص وترانيمها المميزه ولاشيء هنا يُساعد على التجاوز او التخطي تلك المرأه ذات الاقدام الهَشه اتخذت لها طريقاً وعِراً مُظلما وأحمالها على كتفيها ثقيله فكيف تضع احداها جانباً وتمضي ان كانت ستصل خالية الوِفاض! في غُرفه تقبع اسفل مستشفى القُريمزاء العام تجوب بتراء هُنا وهُناك باحثةً عن مطلبها شِبه المستحيل بين رفوف مُحمله باعدادٍ مهوله من الملفات، يُحاوطها الغُبار الذي تراكم مع مرور السِنين على اغلفة الملفات المنسيه يشرد الانسان للحظه في كون كل سطر فيها كان يحوي مصير انسان قد اندثر ومابقيت سوى بضع احرف مازالت مُسطره بحبرٍ على ورق وكأنه كيانٌ لم يكُن يوما، زفرت بينما تصل الى آخر رف يندرج ضمن العام ٩٢ كان يحوي ايضاً عدد لابأس به الا انها ومع مرور الدقائق وَصلت الى مُبتغاها تقرير اولي يشير الى وفود حاله لطفله تعرضت لجريمة الضرب والتعنيف التي اودت بحياتها، ولاده مبكره وطفل تم تسليمه الى الجهات المعنيه في الدوله .. لاشيء دون ليشير الى هوية المرأه او حتى مكان الطفل الا انها وعلى اي حال التقطت صوراً لكل اوراق الملف قبل ان تعيده الى مكانه وتخرج بإبتسامه قابلت بها صديقتها المسؤوله على قسم الارشيف قائلةً :شكراً ملاك ممنونه لمساعدتك والله تبسمت المعنيه ايضاً وبينما تقف من خلف مكتبها واضعه يمناها على كتف بتراء قالت :هذا اقل شي اقدر اسويه للقُريمزاء، احنا اللي ممنونين لكمية التفاني اللي قاعد نشوفها منك رغم كل التهديدات والخطر احتضنت بتراء بضع اوراق وملفات بين يديها الى صدرها واومئت ببهجه لسماع بضع كلمات تقدر لها مجهودها، تبادلت مع ملاك جمل قصيره أُختتم بها ذلك اللقاء قبل ان تصعد الدرجات المؤديه الى الدور الاول تزامنا مع اصوات الضجيج عند بوابة الطوارئ التي وحالما اقبلت عليها ابصرت تلك المرأه ذات المظهر الحضاري المُهندم تصرخ بهستيريه ملفته بذلك انظار الجميع اليها بشفقه توقفت بتراء بجوار مقاعد انتظار تراقب بعينيها المهتزتين ذلك المنظر الحزين بينما تلتقط اسماعها كلمات المرأه تباعاً والتي لم تتوقف حتى بمحاولات تهدئتها من قبل اقاربها تضع يديها على رأسها دلالةً على عظمة مُصابها الاليم وتصرخ بينما تنظر في الارجاء لعل هناك من يكذب ذلك الخبر الذي حل عليها كالفاجعه التي لا اطمئنان عقبها قائله :يُمـه وِلدي ويـنه، تكفـون جيبـوه لاتقولـون مـ..ات، تكفـون جيبوا ضنـاي .. وذلك الصُوت الحَاد والصَرخات الباكيه طغى عليها صوت الإسعاف الذي توقف امام بوابة الطوارئ لبرهه يسيره هرول عقبها المسعفون الى الداخل بينما يجرون سريراً مُغطاه بقُماشٍ أبيض كدلالة على وفاة الكيان القابع عليها، لفت انتباه بتراء وجود عدد من افراد الشرطه والضباط قد تبعوا الإسعاف حتى تقاطع فكرها برمته على صرخات المرأه التي تعالت بينما تجلس على ركبتيها خائرة القوى هاتفه :يـابـعد قَـلبـي ياشـاهـ..ر .. وكل شيء عقب تلك الكلمه اصبح مجرد طنين اطبق على مسامع البتراء التي اوقعت جُلُ مابيديها وتقدمت بخُطى مُهروله نحو جِهة واحده، ثوانٍ مرت كما وكأنها اعواماً غابره بين الخطوه وأُختها تُصارع سقم فكرها وسواد الواقع، تكذب الف مره كل ماسمعت وتنكر كل ماترى دفعت يد المسعف الذي حاول منعها وتماطت ترفع الغطاء عن وجه الراقد حتى بان لها شحوب تلك الملامح المخضبه بالدِماء، وجه لايشبه وجه شاهر لكنه يحمل ذات ملامحه! هل يفتعل الموت كل ذلك الكم من الخراب، وهل تداوى صدَمات الواقع الا بالهيستريا الفَذه ؟ اول من وقعت عليه عينيها بعد ان اُبعد شاهر من مرمى ابصارها احد الضباط المتواجدين، تقدمت نحوه تقبض على سترته بكفيها بينما تصرخ في وجهه بلومٍ وكُره وبنبره متهدجه باكيه :يقتلونا ويرتكبون فينا ابشع الجرائم وانتم ويــ..ن، وينكم عنا ماتقولـي شمسويه لكم الصعتري حتى تسكتون على كل اللي قاعد تسويه فينا تراجعت بضع خطواتٍ الى الوراء تحت انظار الضابط وجميع المتواجدين المترقبه، اشارت بيدها نحو المكان الذي ذهبت اليه سرير شاهر منذُ بُرهه وعادت لتردف هذه المره بنبره متجرحه وشِبه خافته كما وكأنه تعيش حاله من الصدمه :قتلوه بدم بارد، وانتم بس تداهمون بيوت فارغه وتعتقلون ناس وهميه، لـ متىٰ ؟ اشاح الضابط بناظريه الى الجانبين بشيء من الشتات والتأنيب قبل ان يعود لينظر اليها مجيباً بنبره محمله بحفنه من الحزم :احنا نسوي اللي نقدر عليه رفعت بتراء يدها على جبينها لثوانٍ يسيره قبل ان تتقدم اليه رافعةً اصبعها السبابه على صدره قائله بنبره اقرب الى الأمر ولاتخفى عنها الكراهيه :اجل صار لازم تسووون اللي ماتقدرون عليه، مالبسوك ياها عبث اغمض عينيه بقل صبر بعد ان اشارت في قولها الاخير الى بزته العسكريه قبل ان يتشتت فكره بصوت احد الافراد الذي تقدم نحوه قائلاً :سيدي وصلتنا اخباريه بموقع الجاني، صدرت اوامر بالتحرك اومئ قيس قبل ان يعود بناظريه نحو تلك التي تنظر اليهما بتحدٍ وحُقد، تراجع خطوتان الى الخلف قبل ان يخرج من المستشفى بأكمله بينما هي اتجهت نحو مقاعد الانتظار، جلست هُناك بوهنٍ وضيم تمسح وجنتيها بخشونه لدمعٍ تمردَ على زيف القوىٰ، تراقب عينيها الاوراق الواقعه اسفل اقدامها تلك الجهود التي كان ثمنها روحاً أزِهقت بلا أي شفقه، ورُبما اكثر مايؤلم ذلك الفؤاد الجريح هو ان شاهر قد دفع الثمن بمفرده تاركاً خلفه خارطة طريق مخضب بدمائه وتضحيته العُظمىٰ شعرت بأذرع هواري تلتف عليها فأسقطت رأسها على صدره حيث استسلمت هناك الى ضُعفها وهشاشة مشاعرها، وذُرفت دمعُ الرِثاء من عينيها صمتاً وإنكساراً . . . على أريكه جِلديه متكئه على احد اضلع المكتب المغلق، يجلس أديان مقابل لمنضده حوت عداداً طائلاً من الأموال المتراكمه، بين انامله سيجاره وعلى كتفه شاله العَربي بإهمال، تعبث يده الاخرى بأحد جيوب بنطاله بلا اي هدف بينما الآخر يجاوره بوتيره من الهدوء والانسجام في خِضم العمل، يضع الاموال في آله العد دفعاً قبل يلفها بالمطاط ويضعها جانباً في رزم متجاوره زفر بضجرٍ من رتابة الحال قبل ان يخرج من جيبه ورقه صغيره كان قد دون عليها قيس المبالغ مقسمة على ثلاثة حصص مستثنياً منها حصة العمال، وضعها جوار محمد ونبس قائلاً بينما ينهض من مكانه الى جهة النافذه :حط حصتي بجيبك اذا فهمت خطه قهقه محمد بخفه حينما وقعت انظاره على خط قيس الأشبه بالنقش على الصخور فعلق بينما يربط الحزمه بالمطاط :هذي اللغه البابليه ولا ايش! تبّسم اديان بخفه بينما تتوه انظاره في الجِبال الموحشه التي تحيط بالأنحاء الخاويه الا من قله من المنازل التي لاتقطن بها العائلات الا فيما ندر، وغالبيتها تستخدمها الجماعه في نواحٍ متعدده التقطت مسامعه صوت القداحه من خلفه والتي استخدمها محمد في توريث سيجارته يعم الصمت عقبها لدقائق يشرخ سكونها صوت عد الآله وعند آخر رُزمه طُرق باب الغرفه واطلت من خلفه سُلطانه تحمُل في كفيها طبقي حلوى دوماً ما بَرعت في اعدادها، تقدمت من الجالس وضعت امامه واحداً تحت انظار أديان الذي شَرد في كف محمد التي قبضت على قُطف السيجاره غير آبه بإشتعالها قبل ان يتقاطع شروده بتقديم سلطانه الطبق الآخر اليه مد يده بعد ثوانٍ من الصمت المُربكه والتي دققت بها عيناه في خاصتيها حتى اهتزتا من الإرتباك، التقط الطبق واشار الى سلطانه بالخروج في جمودٍ تام، اتم محمد عمله في ظرف ثوانٍ قليله وتناول طبقه ثم خرج بينما اديان مازال شارد الذهن ضائع، قبل ان يضع الطبق على سطح المكتب دون ان يتناول منه شيئاً وخرج يجوب ارجاء المنزل باحثاً عنها حتى استقرت يداه تدفعا باب غُرفتها دون استئذان وجدها امام المرآه تسرح شعرها الذي يمتد على ظهرها كما وكأنه لحافاً ساتراً، سقط المشط من يدها وتراجعت خطواتها بفرط ارتباك واستنكار هامسه :خير ياشيخ؟ نظر اديان نحو نقطه من فراغ قبل ان يعود بأنظاره اليها بينما يغلق الباب متقدماً نحوها قائلاً :أديان اومئت لمراتٍ عده وتراجعت حتى التصق ظهرها بالحائط بالخلف، اهتزت مقلتيها بخوفٍ وهَلع واخذت تبتلع ريق فمها الذي بدا اشبه بالحجاره او اشد قسوةً، بينما اديان فقد اقتطع المسافه حتى توقف على بعد انشات من سلطانه، وضع يديه على الحائط خلفها مُحاصراً ذلك الجسد المرتعش كورقة خَريف عبثت بها الرياح، دنى منها وهمس على مقربةً من وجهها الحَسَن قائلاً :تدرين عينكِ اذا زاغت وش يصير ؟ الصقت رأسها بالحائط كما وكأنها تحاول تهشيمها خلفها واصفَر وجهها بينما تومئ بخفه للذي اردف بقوله :أسويكِ مُعلبات لكلاب الشوارع، وربي عالم اني اديان ومايردني احد قبض على كفِه قبل ان يضعه بشيء من القوه على قَلب سُلطانه الذي يقرع طبول الهَلع في جوف صدرها، اغمضت هي عينيها بألم بينما تلتقط مسامعها كلماته الأخيره المُستهزئه :رفاهيات الحُب وخرابيطه انتهت بتوقيعك على ذاك العقد، فلا تحديني اسويك آلة تفريخ هنا وزع انظاره على ملامحها المُصفَره، عينيها المغمضتين وشفتيها المُرتجفه قبل ان يبتعد بضع خطوات يُراقب هالتها المنكمشه بفزع، ذلك اكثر من مُرضي فلاح على شفتيه شبحُ ابتسامه وغادر مغلقاً باب الغرفه خلفه بشيء من القسوه والقوه حتى افتز جسدها وجلست ارضاً خائرة القوى تبكي حُباً اندثر وحياةً حُكم عليها بالموت منذُ ان وِلدت . . . قبضت اناملها على عُلبة الحمضيات بشيء من القوه، تشعر بالغضب متفجراً فيها والحُزن يخيم بظلاله على الروح والمدينه، حتى الطُرقات رُغم الزحام بدت لها رتيبةً وتشكو حُزناً يؤرقها، يستحق شاهر ان تبكي عليه كل القريمزاء ذلك الذي قدم روحه قُرباناً للنجاة والحياه شعرت بكف هواري التي تقبض على كفها، اخرج العلبه البريئه من فرط ضغط اناملها ووضعها جانباً، ثم نبس بنبره هادئه :بتراء فكري بأن الاقدار بيد الخالق والله غالبٌ على امره، مو من حدنا نعترض ! نظرت اليه بتراء واخيراً بعينين ممتلئتين بالدمع لكن الابتسامه تأخذ مكاناً من ذلك الحزن وتتجلى قائله بنبره شديدة البحه :مو زعلانه عليه، زعلانه على خيبة امله فينا على كل وجع حس فيه واحنا غافلين تاركين مصيره بيد ناس ماتخاف ربها، زعلانه على وطننا الجبان الراكع للبرابره الهمج زفر هواري مشيحاً بعينيه نحو قارعة الطريق رفع انامله يمسح دمعه تمردت عن مقلتيه، شم انفه والتقط انفاسه قبل ان يعود بأنظاره اليها قائلاً :شاهر رجال قارب على الاربعين من عمره وعيه كان كافي انه يعرف وش ينتظره بنهاية هذي الطريق ويعرف الواقع احسن مني ومنك، ماخاب امله فينا لانه ماتأمل شي اكثر من اننا راح نكمل من المكان اللي وقف فيه اومئت بتراء بعد ثوانٍ يسيره واخذت تمسح الدمع الذي بلل وجنتيها تزامناً مع توافد سيارات الشرطه التي توقفت امام بوابة المبنى تباعاً، ترجلت عن سيارة هواري كما تبعها هو وتوقفا في استقبال الافراد والضباط الذين ترجلوا عن السيارات يجرون رجلاً مكبل اليدين ملتحي وذو جسد مفتول، عقدت بتراء حاجبيها بينما تدقق في عينيه ذوات اللون الفحمي حتى اختفى من امامهما الى داخل المبنى التفتت نحو هواري في ذات الاثناء التي قدم بها الضابط الى حيث استقامتهما قائله لكلاهما بثقة تامه :مو هذا اللي خطف شاهر صمت هواري لبرهه يراقب اليقين الذي يشع من عينيها بينما الضابط عقد حاجبيه وتسائل بإستنكار :شدراك؟ زفرت بتراء وتقدمت خطوه تشرح له الامر بإنفعال كما وكأن حياتها تتوقف على ذلك :انا كنت موجوده لما خطفوا شاهر، اللي خطفه رجال عيونه صفر، طويل وجسمه متوسط مو مثل هذا، وحتى سنه مايجي بعمر هذا اللي جبتوه جمد الضابط قليلاً قبل ان يعود للتساؤل هذه المره بحاجب مرفوع وهاله اشبه بالاستهزاء :عيونه صفر؟ رفعت بتراء رأسها قليلاً بضجر قبل ان تعود لتوضح بطريقه اقرب للمنطق والعقلانيه :مو صفر صفر، يعني عسلي مائل للاصفر، مو صعبه تميزه من بين الف واحد .. قاطعها الضابط داحضاً قولها بما يراه اقرب الى المنطق قائلاً :اللي خطفوا شاهر كانوا جماعه عددهم فوق العشره، فيهم قاده واتباع بس المسؤول عن عملية الاختطاف بشكل عام هو هذا اللي القينا القبض عليه، الباقين نقدر نجيبهم عن طريق اعترافاته .. اقدرلك كونك صحفيه وناشطه حقوقيه ويهمك كل تفصيل في قضيه تعنيكم بشكل اكبر لكن ما انصحك تخاطرين بروحك في ظل هذي الظروف .. ماحد وده يسمع بجريمة قتل جديده صمتت بتراء لبرهه بعد قوله فتدخل هواري مقدماً الشكر للضابط الذي غادر على الفور بينما هواري امسك بكتف بتراء قائلاً :يلا خلينا نرجع للبيت، لازم ترتاحين شوي اومئت بتراء وتبعته بهاله من الصمت والسكون المريب .. بينما الضابط فقد دلف الى مكتبه والتقط هاتفه مجرياً اتصالاً قال فيه :راح ارسلك معلومات صحفيه كانت شاهده على اختطاف شاهر، وصفتك بشكل دقيق اعطيها يومين وتجيبك من اسمك لمقاس حذيانك مرت قهقهات اديان عبر مسامعه بينما يجلس على مقعد خلف مكتبه مستمعاً لاديان الذي علق قائلاً :أرسل يابوي، عَدِل كيفي . . . وَحدي أُراود نَفسي الثَكلىٰ . | ||||
16-09-24, 01:23 AM | #7 | ||||
| الفصل الثالث . . . يتسائل المرءُ احياناً هَل الصبرُ هو وجهاً آخر للعجز ام ان كِلاهما ديباجتي إذعانٍ وأستسلام، وإجابة ذلك تكمُن فيكَ انت هل تحيا على أملٍ او تسعى لخلق الأمل ؟ فإن كُنتَ تسعىٰ فلا العجز ولا الإذعان من مفاهيمك والصبرُ لديك مفهومه آخر أقرب الى الإصرار وذَاك هو ماتتحلى به البتراء، الإصرار .. فلا شيء يردع يقيناً بداخلها تأصل ولا هدفاً من الروح تمخض تنظر الى هواري بعينين فارغتين في الشقه الخاصه به .. لا احد يسكنها سواه تستطيع معرفة ذلك من كم العبثيه في الارجاء واكواب القهوه التي تمتلئ بها الطاولات يجلس هو على كرسي مكتبه ترتكز عينيه بإندماج تام على شاشة الحاسوب امامه منهمكاً في خِضم عمله بعد ساعات من الصمت والسكون الذي غدت عليه بتراء تحتضن جسدها في زاوية سريره، مازالت بالعباءه والحِجاب، حقيبتها بجوارها واوراقها التي اهترئت اطرافها من امساكها لها لفترات طويله، ذلك قبل ان يرجع هواري الى الخلف قليلاً بمقعده المتحرك ملتفتاً نحو بتراء التي تشع منها هالة الكآبه قائلاً :اذا مومرتاحه باخذك لبيتكم، وضعك موعاجبني رفعت بتراء كفيها تمسح على وجهها قبل ان تعود للنظر اليه متسائله :هواري مو انته هكر وشغال بالامن السيبراني، تقدر توصل لأنظمة الجماعه يعني مو صعبه تطلع هوية الرجال هذا زفر هواري واجاب محاولاً التحلي بالصبر في مواجهة كمية الاصرار التي تتمسك بها أُخته :بتراء انتي اكثر وحده تعرفين همجية الصعتري فشيء بديهي انها ماتعترف بالانظمه الالكترونيه لدرجة الاعتماد عليها من المستحيل اقدر احصل عليهم ثغره من هذي الناحيه، وبعدين ماتحسين انك بالغتي بهذا الأصفر ! تلقينه مجرد تابع لا يهش ولا ينش طالما كبيره موجود بالسجن ! هزت رأسها تنفي ذلك بينما تنهض من على السرير متجهه نحو النافذه، قائله :لا، من قبل ١٣ سنه ماكان مجرد تابع حل الصمت لبرهه من الزمان بين شرود الاثنين، شَردت هي في عشوائية الواقع وسيره على منحنى من الانهيار وانشغل هو بالتفكير فيما هو آتٍ وكم الخسائر والاثمان التي يجب دفعها لإحلال السلام المشوه في هذه المدينه او على الاقل تجنب فك الموت مع اندفاع بتراء نحوه بلا هواده ونبس متسائلاً بينما يراها تجمع حاجياتها دلاله حلول موعد ذهابها :وين؟ ارتدت بتراء حقيبتها وضمت اوراقها الى صدرها بينما تجيب بهدوء ورتابه :راح امر على الصحيفه قبل ارجع البيت، محتاجه اوراق من هناك اومئ هواري متفهماً قبل ان ينهض خلفها متبادلاً معها بضع جمل وداعيه وتوصيات اعتاد ان يلقيها على مسامعها رُغماً عنه، خرجت وعاد هو الى كآبة منزله ملتحفاً الاغطيه بغية الهرب حتى من هواء القريمزاء الذي يحاوطه بينما بتراء فقد توقفت اقدامها على قارعة الشارع، تنتظر هُناك سيارة أُجره لتقلها الى مبنى الصحيفه، وكالمعتاد في هذا الوقت من النهار تبدو الشوارع شبه فارغه والشمس ساطعه الى حدٍ مقيت، رفعت ناظريها نحو السماء المشتعله في منتصف النهار في ذات الاثناء التي مر بها على مسامعها صوتٍ انثوي من الخلف تحادث اخرى :حَسره علينا الجي كلاس والناس حاطينها بنص الشمس حتى وقعت ناظريها على السياره التي تقف بالجهه الاخرى من الشارع تتسلط عليها اشعة الشمس بشكلٍ مُباشر، مُتعجبة في داخلها عن اهتمام البشر المبالغ فيه بالاشياء الماديه التي لاتسمن ولاتغني من جوع بينما يجيدون تجاهل كل ماهو إنساني وروحاني تتسائل عن كم القسوه التي بات عليها بني الانسان هل كانت منذُ الأزل ام انها تراكمت بفعل الصَدمات ! ركبت سيارة الاجره بعد دقائق قليله وانطلقت الى المبنى الذي بدأ فيه كل شيء .. بعد ان تقرر الغاء نشر عدد الاسبوع القادم باتت الصحيفه على وتيره من الفراغ والرتابه، بضع موظفين والقليل من المكاتب المفتوحه، دلفت تراقب الارجاء التي لطالما اشعت بالحيويه والنشاط الذي خبت بأفعالٍ هوجاء، الحزن مكتمل في وجوه الجميع ذاته الذي مايتوانى عن جرها الى حُفر الأسى والألم جلست خلف مكتبها تفتح الادراج واحداً تلو آخر، اخرجت كل ماهو هام ومفيد من اوراق ودفاتر صغيره اعتادت على تدوين ملاحظاتها بها، تعتزم العمل على مهمتها الجديده والاخيره التي توكَل اليها من قِبل شاهر وذلك قبل ان تخرج متحاشيه مقابلة احد من زملائها .. اتجهت الى المقهى المجاور وحالما جلست على احد مقاعده جُر المقعد الذي امامها وجلست عليه ساره زفرت بتراء بينما تضع حقيبتها على كومة الاوراق الموضوعه جانباً على الطاوله، وتحاشت النظر الى ساره، صاحت على احد العمال وطلبت منه قهوه وحالما ابتعد نبست ساره قائله :بتراء لاتحسسيني سويت فيك جريمه، اهلك لازم يعرفون خطورة الوضع اذا انتي ناويه على الانتحار ع الاقل خلي نفسياتهم تستعد رفعت بتراء حاجبها حينما التمست نوع من السخريه والمبالغه في حديث ساره، امسكت بكفها طرف الطاوله وعلقت بإندفاع :ملاحظه انك قلبتيها دراما على راسي! تدرين من وقت مارحتي امس وامي قاعده تتحلطم وتبكي وكأني لبستلهم حزام ناسف، وكل هذا على كم كلمه قلتها ؟ اتسعت حدقتي ساره بذهول من كم الاستخفاف الذي تتمتع به هذه الفتاه مقابل كم الخطر الذي تتعرض له ومازالت، وبتأنيب قالت :كم كلمه! بتراء انتي من سنه وفوقها ماغير تتحديهم بالمقالات والاخبار، وهو نفس السبب اللي خلاهم يعدمون شاهر، محد فاهم السبب اللي خلاهم مايصفونك معه بس مو من صالحك الحين تستفزيهم اكثر .. ابد مو من صالحك زفرت بضجر من ذات الاسطوانه التي باتت تتكرر عليها حتى اصبحت تحفظها جيداً وتكل من سماعها، اتكئت على ظهر المقعد واجابت بخفوت تقتطع وتيرة ذلك النقاش :راح اخذ فترة نقاهه من الصحافه بكبرها، ارتاحي اومئت ساره بهدوء قبل ان تنهض من مكانها لتتابع اعمالها خاصه بعد ان لاحظت حال بتراء الحَزين ذاتها التي ارتشفت من كوب قهوتها الذي وضعه العامل للتو امامها قبل ان تشرد وتتوه عينيها في الشارع المقابل للمقهى ذو الاضلع الزجاجيه، ابتلعت ريق فمها بينما تراقب ذات السياره السوداء مركونه في مرمى ابصارها مُجرد صُدفه .. ! . . . تقف من خلفِكَ المهام تباعاً وتوجه صدرك نحو الفراغ القاتل، وسطياً انت بين البين والبين لا الطاقةُ تكفي للالتفات ولا الرغبة بالفراغِ تُغري في ساعة من بدايات العصر أُنتشِل جسده من بين فوضى مميته عبثت بعقله حتى جلس على سريره يرفع كفيه ماسحاً على وجهه المتعرق اثر كابوس اطبق على صدره، نظر نحو يديه وجُدران غُرفته ورغم ادراكه ان ذلك لم يكن الا كابوساً احتاج دقائق ليصدق ذلك ويطمئن فؤاده يطمئن بأمن ضميره لم يصحو من قبره فجأه ويزوره في المنام ليؤنبه على افعالٍ إقترفتها يداه! تسحب بخُطى ثقيله نحو خارج غرفته، كلعاده كانت الحياه في هذا المنزل الميت لا تنبعث الا من المطبخ فأتجه الى هُناك متوقفاً عند الباب، اتكى على حافته يراقب تلك التي اجادت تجاهل وجوده بأكثر الطرق استفزازاً تبدو حانقه لكنها ورغم ذلك هي كالجثه لاروح فيها ومنذُ اعوامٍ مضت ادرك اديان ذلك واستوعبه جيداً، زفر نفساً ثقيلاً قبل ان يتقدم نحو ابريق الشاي صب في احد الاكواب شيئاً يسيراً قبل ان يتوقف عن ذلك مراقباً الشاي بشيء من الاستنكار ثم استفهم :ماسويتي شاي بحليب! نظرت اليه بعينين باردتين كالصقيع وبوجهٍ جامد كالتماثيل الخشبيه قالت :الحليب خلص اومئ وسرعان ماعلق ببديهيةٍ تامه بينما يضع الابريق في مكانه قائلاً :كان قلتي لمحـ... اقتطع قوله الذي تجاهلته سلطانه متجهه نحو الثلاجه وكأن ماقاله لم يمر عبر مسامعها، ابتلع ريق فمه وعاد ليردف :راح انزل للمدينه العصر، سجلي النواقص ساق خُطاه الى الباب حينما تجاهلت هي الرد على قوله وهُناك شعر بشيء ما يثبته في مكانه، نظر اليها بينما تكبس يديها على عُلبة زجاجيه بشيء من تفريغ الطاقه الذي دائماً ماكانت تلك حدوده، عاد ووضع يده على كفها مغمضاً عينيه بقل صبر حينما انتفضت تبتعد عنه بضع خطى اشاح بناظريه الى الجانب قبل ان يعيدها نحوها قائلاً بنبره بارده لاتتناسق مع مايقول بطبيعة الحال :ردة فعلي الصبح كان مبالغ فيها وللحظه ماقدرت اسيطر على انفعالي، انتِ عايشه معي من قبل سنين وتعرفين الشخص اللي اكون عليه لما اتعرض لضغط وارهاق .. قاطعت قوله بتساؤل بدا ولوهله مُلحاً اي بعد كل ماسمعت منه في هذه اللحظات التي تبدو استثنائيه فقد عرفته يفتعل الحروب والخراب ولايبرر او يكلف نفسه عناء ذلك فقالت :يعني لو ماكنت منضغط او مرهق ماراح تتصرف بنفس الطريقه؟ هذي مو اول مره تحاسبني على شي مالي ذنب فيه كنت وللحين الدرع المنيع لصاحبك اتلقى عنه كل شرورك ونوبات غضبك، لاتبررلي بس قولي لمتى انا راح ادفع ثمن افعاله؟ رفع اديان يده يمسح على جبينه، متكئاً بالاخرى على طرف الكاونتر وبعد وهله من الصمت علق قائلاً :لاتظهرين قدامه .. انا ما اقدر اوقف قدام صاحبي واحاسبه على حبه سيجاره طفاها بيده لانك تكرهين دخانها وللمره الثانيه قاطعتهُ سلطانه بشيء من القهر والملامه قائله :بس تقدر تحاسبني انا؟ اومئ أديان وببساطه اجاب قائلاً :لانك زوجتي، حتى لو زواج على ورق انت مرتي سلطانه وبديهي شي مثل هذا يستفزني ويطلعني عن طوري تقدمت منه سلطانه خطوه ولوهله تعجب من حالها المتغير عن سابقه، تبدو وكأنها قد خلعت عنها رداء الخوف او قد خضعت لبركانٍ تفجر بداخلها واستعرت نيرانه، رفعت سبابتها تنطق بنبره حازمه :انا مجرد يتيمه ومقطوعه من شجره عطفت عليها وخليتها ببيتك خادمه مقابل اكلها وسكنها، الزواج لا انت ولا انا مسويين له اعتبار تراجعت هي تعود ادراجها الى العلب الزجاجيه التي تفرغ بها البهارات بينما هو رفع حاجبه وتسائل عن الفحوى من قولها الاخير :يعني! صمت لبرهه ثم اردف عائداً للتساؤل بقوله :اذا طلقتك مثلاً وش بتسويين؟ بتتزوجين محمد! نظرت اليه في ذات اللحظه تنفي هازه برأسها لمرات ووكأن ماقاله شيء يدعو الى عظيم الاستنكار مجيبه بقولها :لا، لامحمد ولا غيره انا لو ينفتح لي باب واحد بس غير بابك وبعيد عن الصعتري راح اهج وماتشوفون لي صوره بعد، حياتكم الدمويه هذي ماتصلح لي اعيشها ولا اقدر اتقبلها حتى زفر اديان بينما يراقبها تمر من امامه خارجه من ارض المطبخ بأعين ممتلئه بالدمع وحُنجره تقتلها الغصات المؤلمه، دفع بيده كوب الشاي حتى انتثر زجاجه على سطح الكاونتر وخرج بهاله من السخط والضجر الى غرفته حيث يستعد للخروج ومغادرة المنزل بأكمله . . . عَصراً وبعد دقائق مرت عَسيره وصعبه ودع فيها بعض موظفي صحيفة حق زميلهم الراحل في ثلاجة الموتى قبل نقل جثمانه الى مسقط رأسه كونه ينتمي الى منطقه تبعد عن القريمزاء مسافة يوم ونصف خرجت بتراء من المستشفى بينما تُمسك بساعد احدى زميلاتها التي تأثرت بشده بعد رؤيتها لجثة شاهر الذي كان قبل يومان فقط يبادلهم المُزاح في اروقة المبنى الذي احتضن كفاحهم لاعوامٍ عده، تجيد هي التخفي خلف عباءة القوه رغم كل ماينهش دواخلها من المٍ وحُزن، ترتدي شال ابيض اللون ونظاره تشاطر العباءه سواداً تخبأ ورائها عينين عاثت بهم الاحزان فاسداً وجورا وتوقفت خطاهن على قارعة الشارع المقابل للمستشفى حينما تقدم منهن سيف ينزع عنه نظارته السوداء بينما يعلق بقلق :شفيها نواره! ابعدت نواره يد بتراء عنها واعتدلت بإستقامتها تجيب بشيء من الاستنكار وبنبره تهدجت من شدة البكاء :ترا ماطلعنا من ملاهي، شاهر ميت داخل رفع سيف رأسه قبل ان يومئ متبادلاً مع بتراء نظرات بدت من طرفه مستنكره شدة انهيار نواره رغم علاقتها السطحيه بالمعني وهم قد تلقوا الخبر في الصباح الباكر بينما كانوا ينتظرونه منذ لحظة الاختطاف اساساً، اما بتراء فقد اومئت له تحثه على المسايره لكون من تجاورها لاتملك ذات صلابتهم بل هي ارق من ان تحتمل سودوايه كتلك زفر سيف واشار بيده الى الخلف حيث تقبع سيارته هناك قائلاً :تعالوا راح اوصلكم بطريقي اومئت بتراء وتبعته رفقة نواره التي دخلت الى السياره قبلها بينما هي توقفت تُمسك بحافة الباب مرتكزاً بصرها على ذات السياره القاتمه التي تقف في الجهه الاخرى من الشارع، تتأكد في هذه اللحظه بأنها ليست مجرد صُدفه بل هي قابعةً تحت الرقابه مجهولة المصدر وليس بالمعنى الحرفي للجهل .. بعد دقائق مرت سِراعاً بين نشيج نواره وتنهدات سيف بين الفينه والاخرى والشرود التام لبتراء التي ولوهله شعرت بالخوف من ان تصبح مجرد رقم في عداد الضحايا، ليس بعد فهي لم تصل الى منتصف الطريق حتى! توقفت سيارة سيف على جانب احد الشوارع بعد ان اشارت اليه نواره بذلك، ترجلت نواره بينما بتراء كادت ان تتبعها لولا قول سيف الذي التفت نحوها نابساً :بتراء ابيك بموضوع بخصوص الشغل اذا فاضيه خلينا نروح لمقهى ساره اومئت بعد ثوانٍ يسيره قبل ان تعاود اغلاق باب السياره التي سرعان ما انطلقت تقطع شارعاً تلو الاخر الى الوجهه المطلوبه وفور ان وصلا ترجل كلاهما في ذات الاثناء التي توقفت بها السياره في الجانب الآخر تحت انظار بتراء المتوجسه التفت سيف نحوها قائلاً :بتراء، شفيك؟ وسرعان مانفت ذلك تتقدم سيره نحو المقهى حتى تبسمت لساره التي تقدمت اليهم نابسه بترحيب :يامرحبا بالصحافه، تو مانور المقهى اومئ سيف بطيف ابتسامه قبل ان يتجه نحو احدى الطاولات بينما بتراء توقفت تتبادل مع ساره بضع احاديث قصيره قبل ان تجلس في مقابلة سيف قائله :راح تنصحني ابطل محارشه بالصعتري انت بعد؟ صمت سيف قليلاً قبل ان يهز رأسه بنفي، زفر واستطرد قائلاً :الظرف الاصفر، يخص القضيه اللي كان شاهر ينبش عنها بالفتره الاخيره، صحيح؟ اومئت بعد ثوانٍ قليله وتسائلت بينما تضيق عينيها بتوجس مم هو آتٍ :ماراح تمنعني اكمل فيها سرعان مالاحت على شفتي سيف ابتسامه ساخره نبس عقبها قائلاً :وانا اقدر! انتِ مايمنعك عن شي غير خالقك اومئت تؤكد له ذلك بينما تتكئ بظهرها على المقعد بإنتظاره للافصاح عم في جعبته بينما هو عاد ليردف هذه المره قائلاً :القضيه حساسه واشبه بالانتحار هذا امر مسلم به وانا اعرف زين بأنك راح تمشين فيها بروحك لان مستحيل اي صحفي يخاطر بنفسه خاصه بعد اللي صار لشاهر زفر كما وكأن طاري شاهر اصبح اشبه بالحبال التي تخنق الأنفاس في الحناجر وتكتم على الافئده في الصدور، اكمل بعد برهه نابساً بإبتسامه بما اثار ذهول بتراء :انا معكِ على نفس الطريق، دام كلنا جنازات مؤجله على الاقل نموت بطريقه شريفه ثوانٍ ولاحت على شفتي بتراء ابتسامه ممتنه لقرار سيف الذي اعاد احياء الامل بداخلها مُشعلاً بذلك بارقة بأسٍ وشكيمة في فؤادها الذي بات يترقب اي الابواب سيُفتح في وجهه الضائع . . . في ساعه من بِدايات المساء من ليله مُقمره ينساب بها الضياء بدماثةٍ وطَرواه جاعلاً من الارض لوناً من حنوٍ ولُطف، في منتصف تلك الحديقه المُغطاه بالعُشب الغامق والمُحاطه بسياجٍ حديدي صَدِأ يقف ذلك الرجل مُعطياً بدَر الليلة ظهره يجرُم بحق بشاشة وطُهر الليالي، يتصبب عرقاً ويلهث بتعبٍ وإرهاق بينما تتنافس يديه في ايها شِدة وبأس ذلك قبل ان يرمي المجرفه على الارض ويدنو بجسده مُمسكاً بتلك الجُثه الهامده، جرها حتى اوقع ثِقلها في الحُفره التي اتسعت لها جيداً حتى نهض معتدلاً بإستقامته، رفع كفه يمسح دمعهُ المتمرد بخِشونه دمعةً تِلو أخرى بدت وكأنها سيلاً لن ينقطع فعاد ليلتقط المجرفه بغشاوة عينيه وتشتت فِكره اخذ يطمر الحُفره بعجالة رامياً التُربه البارده على الجسد الذي لطالما اشعل الدفء في روحه وجَمَل الحياة في عينيه ! جلس على ركبتيه امام القبر الذي هو من صنيعة يديه بألمٍ غزاه فأرهقه وقتل النور في ظلامه، يبكي وجعاً وحباً وفقداً أليم .. وذلك السكون الذي يحيط بهذا الرجل الراكع تحت ضوء القمر يواري سوء ليلته شُرخ من خلف السياج الحديدي بضجيج وقوع شيئاً ما على الارض ثم خطواتٍ هاربة مُسرعه وسُرعان ماقام هو يتجه الى مصدر الصوت بعجاله استطاع رؤية الهيئه الهاربه من مسافه بعيده وكل ما قدر على ادراكه انها امرأه وفقط حينما وقعت عيناه على المصباح الصغير الواقع على الارض همس بخفوت بينما يتلمسه في كفه قائلاً :زيـنـه ! في جِهه أخرى كانت زينه تُسابق الثواني والأنفاس، تركض سريعاً رغم شعورها بشللٍ يُخيمُ على جميع أطرافها، شيء من الهلع الذعر وعظيمٌ من الخوف يغزوها ويبرحها هواناً، دلفت الى المنزل واغلقت بابه بقوه كما وكأن هناك وحشاً يُلاحقها ولمَ لا؟ الوحوش ليست اساطيراً بل أناساً تحيا بيننا وقد راهننا يوماً على انهم ملائكه تجاهلت اسئلة والدتها التي قَطعت صلاتها بخوفٍ وقلق من حال ابنتها الصُغرى ذاتها التي اغلقت باب الغرفه على نفسها دون اي قولٍ فقط جسدٌ ينتفض وعينين فارغتين، وضعت كفها على فمها حينما خضعت للدمع المُنساب من عينيها واتجهت بخطى متعثره نحو السرير، جلست ارضاً وبيدٍ واحده امسكت بلحاف السرير بينما تهرب الشهقات الباكيه من جوفها وبهمسٍ باكٍ ونبره شديدة التهدج قالت :ذو الفـ..قار ! . . . طَريقٌ تُرابي، اعمدةُ دُخانٍ تتصاعد وسياره مُهشمه، جُثة ترقد بجوار مقعد السائق ذاته الذي وقع رأسه على المقود ومامن حاسةٍ بقيت فيه سوىٰ الشعور بألم عظيم يجتاح جسده وانين خافت يمر عبر مسامعه من الخلف .. كِلمه واحده تبِعت ذلك الانين وكُِررت مِراراً "هَـ..واري .. هَواري" ثم ضجيجٍ احتكاك عجلات العربات بالتراب واصواتُ رِجال كان آخر ما التقطته مسامع ذلك الذي أطبِق على اذنيه وكُل شعورٍ فيه، كُتمت الانفاسُ في صدره واحتقن وجهه بالدماء تلاشى شعوره شيئاً فشيئاً وحل محله الشلل التام لبرهه كادت فيها روحه ان تفارق ذلك الجسد قبل ان تُفتح عينيه على مصراعيها، بداخل غُرفته يستقبله السقف المطلي بالأبيض والسكون المحيط لحظاتٍ افتقد بها أنفاسه تماماً وصدح في الارجاء صوت الطرق على الباب مد يده بعشوائيه وثقل على الكومود يبحث عن مطلبه هناك فلا يجد سوى مزهريه ونظاره وقعتا ارضاً وانتشر صوت تهشيم الزجاج في ارجاء الشقه البارده اتسعت حدقتي عينيه تزامناً مع شعوره بالثقل يزداد في صدره، لايقدر على التقاط انفاسه وذلك سيؤدي الى موته في ظرف دقائق حتماً، جر جسده واسقطه ارضاً بصعوبه تامه بينما يحاول سحل نفسه الى مكتبه بشيء من العجز رفع يده يلتقط البخاخ الخاص بنوباته المشابهه لترتفع اصوات شهقاته مع الانفراجه البسيطه في مجرى تنفسه لدقائق حاول بها استعادة نفسه لم يهدأ او يتوقف صوت الطرق على الباب الذي اضفى على رأسه تشوشاً وفوضى، كان يزداد بمرور الوقت فنهض من مكانه بصعوبه متكئاً على المقعد الخاص بالمكتب ثم جر خطاه بثقلٍ كالموتى السائرون الى باب شقته، فتحه بأنظارٍ مشوشه ومسامع مثقله لم يستطع تمييز هيئة الطارق لكن صوته كان كافياً لايضاح هويته حينما نبس بقلقٍ قائلاً :هَواري يبه شفيك اقلقتني ولوهله شعر هواري بالإطمئنان يحفه، فإن مال لن يميل الا على جبِلاً لطالما اسنده منذُ الصغر، افلت نفسه واستسلم لوهنه واقعاً بين احضان والده الذي ماتوانى للحظه عن الامساك به بينَ ساعديه الحانيتين وهذه المره كان السكون والرتابه هي من انتشلته من قاع الظلام، فتح عينيه شاعراً بالبروده التي تحاوط جسده والهدوء الذي يخيم على ارجاء الغرفه المغلقه ولوهله تسائل هل كان حُلماً جميلاً زاره فيه آخر من تبقىٰ من عائلته المُندثره؟ رفع يداه على مستوى عيناه قبل ان تلوح على ملامحه ابتسامه، يلتفُ الضماد على كفيه اللاتي تجرحن بزجاج المزهريه، وخِرقه دافئه تستقر على جبينه كإجابه واضحه بأن ذلك لم يكن حلماً بل واقع لمسته حواسه منذُ ساعتين .. تتوقف ****ب الساعه عند الثامنه ليلاً ذلك كل ما استطاع التركيز عليه عندما جلس على طرف سريره قبل ان ينهض من مكانه خارجاً من الغرفه التي اصبحت كثلاجة موتى من برودتها .. اتكى على حافة باب المطبخ وهو يرى والده يقف هناك بإستقامه شامخه وهاله من مهابه لطالما كانت اجمل ماقد يراه هواري طوال حياته، رفع عبدالعزيز كوب الشاي امام هواري الذي اومئ بينما يتجه نحو احد مقاعد الطاوله جالساً هناك لبرهه وضع عقبها كوباً امامه وجلس هو على مقعدٍ آخر دقائق من الصمت مَرت لم يبادر احدهما بإقتطاعها بين شرود هواري في كوبه والبخار المتصاعد عنه غير مُنتبه لعيني والده التي لم تفارق هيئته وملامحه تلك الملامح التي تتلو عليه سيلاً من ذكريات وماضٍ أثير، تسرقه من واقعه الى النقطه التي هرب منها ووكأنه لم يتقدم خطوه ووكأن كل كِفاحه لانتشال نفسه من الغرق لم يكن الا وهماً هو وحده من صدقه زفر هواري بينما يرفع كوبه مرتشفاً منه شيئاً يسيراً ترتكز عينيه على شرود والده حتى وضع الكوب وتبّسم بحسره قائلاً :طبعاً انا الفزاعه اللي كل مره تصحيك على وجعك، رغم ما اشبههم هالكثر اتكئ والده على ظهر المقعد بينما يميل بالكوب شبه الفارغ بين انامله معلقاً بهدوء :انت العين اللي ترويني بكل مره يغلني فيها الشوق، مو مسأله شبه ارواحهم للحين حيه فيك ماماتت اشاح هواري بناظريه بعيداً لثوانٍ قبل ان يرفع يده ماسحاً بها احد عينيه التي بدت وكأنه ستتمرد، ابتلع ريق فمه بصعوبه بينما ينزل انامله على شفتيه بفرط انهيار اردى بقواه الى الحافه، مد عبدالعزيز يده يضغط بها على كف هواري المرتاح على المنضده قائلاً :اذا تدخل بنوبه جديده راح ارجع من المكان اللي جيت منه قهقهه خفيفه هربت من بين شفتي هواري معلقاً بينما يعود بعينيه الدامعتين ناحية والده :هذا وانت دكتور اكثر من ثلاثين سنه خبره! تبّسم والده ونبس بينما ينهض من مكانه واضعاً الكوب في المغسله بقوله :لا هذي سمعه مو حلوه، كأنك تقولي يا شايب بس بطريقه منمقه قهقه هواري قبل ان يخيم الصمت لثوانٍ بسيطه اقتطعها هو هذه المره موجهاً تساؤله الذي تردد في الافصاح عنه ناحية والده الذي شرع في تنشيف يديه بمنشفه صغيره :رغم اني حافظ الاجابه، بس مجبر اسألك من باب تفائلوا بالخير تجدوه .. راح تستقر هذي المره؟ تنهد عبدالعزيز وبينما يضع المنشفه جانباً اجاب متكئاً على الكاونتر خلفه بقوله :ايه، قدمت استقالتي للمستشفى وقفلت العياده .. راح استقر هذي المره اتسعت حدقتي هواري قبل ان ينهض بذهول متقدماً خطوه نحو والده، بدا متهلفاً للاطمئنان لاجابة والده وان ذلك واقعاً ملموساً بلفعل، متسائلاً :احلف! تبّسم عبدالعزيز قبل ان يومئ مؤكداً ذلك وبإشاره نحو المقعد الذي كان جالساً عليه منذ دقائق قال :صار وقتها اجلس على هذا الكرسي اتقهوى من يده زوجة ولدي واتفرغ للهواش والمشاكل نفس اي شايب بالدنيا ! امال هواري برأسه حينما استطاع ادراك الاسطوانه التي ستُفتح على مسامعه منذ هذه اللحظه وقبل ان يعترض عاد عبدالعزيز ليردف بحزم :هواري انا تركت مهنتي وراء ظهري وجيتك مع ان هذي المدينه صارت بعيوني مجرد مقبره ووجع مايخلص، لاتخليها حسره بقلبي عادت عيني هواري لتمتلئ بالدمع قبل ان يتقدم بضع خطى معانقاً جسد والده بين يديه ذاته الذي بادله العناق بينما يمر على مسامعه همس نجله الوحيد قائلاً :ماتصيرلك حسره وراسي يشم الهواء . . . ساعه مَضت منذُ ان غادر سيف بالفعل بعد الاتفاق على خُطه البحث والتحري في قضية آسيا عُمران والتي تتميز بكونها الطريق المضمون الى قمة الصعتري والرأس المُدبر، بقيت بتراء في مكانها ترتشف القهوه كوباً تِلو آخر شاردة الذِهن كما وكأنها قد غابت في غيهبٍ بلا نور وكُل قطبٍ حولها يجتذبها ناحيته وكُل ناحية فيها عُسرٌ لايُطاق لاول مره تشعر بأنها في مرمى الخطر بحق والغريب هو انها لم تَخَف الا من شيء واحد ! خافت من ان تموت فارغة مجرد رقم يمر على مسامع الناس وقِصه يتجاهلون معرفة فحواها بإذعان لخوفهم، هي تُجاهد لأجل القُريمزاء وتخاف من ان تخذلها القُريمزاءُ قبلَ الجميع ! استقامت من مكانها تلتقط حاجياتها وحقيبتها بعجاله قبل ان تلوح لساره بالسلام وتغادر المقهى، الى وجهه معلومه الى ذات السياره التي مازالت في مكانها منذُ العَصر حتى بدايات الليل في الجهه الاخرى كان يجلس هو بجوار مقعد السائق بأريحيه تامه، تحتضن انامله سيجاره عادةً ماترافقه اكثر من انفاسه حتىٰ، يعبث بهاتفه بينما تلتقط مسامعه الصوت الخافت من مسجل السياره الذي يتغنى بموشحاً اندُلسياً لطالما فَضله على باقي الالحان والانغام وذلك السكون المُحبب أُقتطع بالطرقات التي صدحت من النافذه المجاوره لمحمد، استطاع كلاهما تمييز الطارق فنظر محمد نحو اديان الذي اومئ يحثه على فتح النافذه ففعل بعد توشح كلاهما باللثام لثوانٍ ساد الصمتُ في الارجاء قبل ان تهتف البتراء بنبره تكفي لتصل الى مسامع كلاهما قائلةً بتهكُم :الصَعتري! تصرفاتكم صايره مُبتذله على فكره .. دراما تركيه قهقه خفيفه هربت من شفتي اديان بينما محمد تبّسم من خلف اللثام واضعاً يده على المقود بعنين ثابتتين على الدراجه الناريه التي توقفت جوار المقهى، ببحه معهوده نبس اديان عارضاً عليها خِدمه مرفوضه بطبيعة الحال :نوصلكِ؟ لاحت على شفتي بتراء ابتسامه ملحوظه، فإن اعاق الظَلام رؤية عينيه كان الهواء كافياً لحمل تلك النبره المبحوحه التي تلقفتها مسامعها، تراجعت خطوتين الى الخلف قبل ان تسير بخطى هادئه لتعبر الجهه الاماميه للسياره بغية الوصول الى جهة اديان الذي ادرك ذلك وترجل مغلقاً الباب خلفه ومتكئاً عليه توقفت امامه بمظهرها المُهندم تحتضن اوراقاً ودفتر ملاحظات بين يديها، بينما هو كان يرتدي السواد بِنطالاً وسُتره ولِثام، مُسدساً قاتم اسفل حِزامه وسيجاره بين انامله كان مظهره اكثر من كافي للحكم عليه بالإرهاب لذا فهي تسائلت بإستنكار :انتم حاطين الامن بجيبكم! ترى اشكالكم تكفي حتى ينحكم عليكم بثلاثين سنه سجن انزل اديان اللثام عن وجهه في ظِل اضاءه خفيفه تكفي لتمييز شيئاً من ملامحه، سحب نفساً اخيراً من سيجارته قبل ان يرميها ارضاً داعساً عليها اسفل قدمه ثم اجاب :بأي تهمه بالضبط، سجل نظيف سلاح مرخص وسياره مرقمه، مايحكمون علي ساعه سجن ولا الامن بجيبكم حضرة الصحافه؟ رفعت بتراء احد حاجبيها لتجيبه بنبره تتشبع بالحقد والكَراهيه :لو الامن بجيبنا كنت بنظافتك في السجن بتهمة قتل رئيس تحرير صحيفة حق او انا غلطانه؟ اعتدل اديان بإستقامته قبل ان يضع يده في طرف مقدمة السياره بينما يجيب بطريقه لامباليه اطلاقاً :غلطانه آنسه بتراء، غريمكم بالسجن ولا انتِ مادخل مزاجكِ الا ابو عيون صفر ! صدق اللي قال سوي المعروف وارميه بالبحر تقدمت بتراء اليه بضراوه قبل ان ترفع سبابتها في وجهه بينما تهمس بفحيح غاضبٍ :صدقني ماموقفني اتكلم مع بربري مثلك الا هذا المعروف، واول ما اتأكد من انك انت اللي قتلت شاهر .. اذا ماوديتك وراء الشمس ما اكون بتراء الضاري لمعت عينيه بوهجٍ غريب بينما يمعن النظر في عينيها المتلحفتين بالشراسه والحقد، تلك الشجاعه النادره والجموح الفتي اشعل فيه شرارةً من تحدي متبّسماً بطريقه اثارت استنكارها ولم تلبث ان تنطق حتى ارتفعت صرخة السائق بعلوٍ مُفزع قائلاً :أديــان كانت ثوانٍ بسيطه حتى انهال وابلٍ من رصاص على السياره لبرهه بدت وكأنها دهراً طريقاً الى الموتِ مُمهد وحتفٍ مُحقق، جسوراً من نيران وصَلت الى الثلاثه حتى سكنت الاجساد بأنفاسها وآخر ما ابصرته سوداويتها هي دِماءٌ قانيه وضبابٍ ثم سواد وتلاشي مِن مُنتصف الفراغ غُدرت الارواح وقُدِم لها الموت على طبقٍ مِن نار .. . . . ولا تعرف أين ترتمي ، وكل الأماكن تتطلّب منك الوقوف . | ||||
16-09-24, 03:32 PM | #8 | ||||
| الفصل الرابع . . . " والذي أجرىٰ دموعي عِندما عِندما اعرضتَ من غيرِ سبب ضَع على صدري يُمناكَ فما أجدَر الماءَ بإطفاءِ اللهب " تهادىٰ النغمُ في مُنتصف السكون، ظلامٌ خافت ودِماء تتراقص مع اللحن الحَزين، مشَهد مُفزع جعل من الناس اوثاناً وتماثيل يُراقبون بعينين فَزِعه السياره التي مازالت مُغلقةً تخفي خلف ابوابها مايخافون رؤيته وعلى الرصيف الخائف تراجع ذلك الجَسد الذي ينبضُ ألما، اتكى بظهره على اطار السياره بينما يزفر انفاساً لاهثه، ارتكزت يمناه على كتفهِ الايسر حيث تنساب الدِماءُ من هُناك بغزاره، وتَنشغِل عينيه بمراقبة تلك التي ضمت جسدها اليها بعشوائيه بجسدٍ مُرتعِش وعينين غارقتان بالدمع .. هَمس لها يتسائل :انتِ بخير؟ رفعت بتراء يديها على جنبي رأسها بنوع من الهستيريا والفَزع، ذلك اعظم من طاقة احتمالها بكثير والى حدٍ لايطاق، ارتجفت شفتيها بينما تنطق مقدمةً تسائل الح مما سمعت منه قائلةً :ليه .. للمره ثانيه! صَمَت لثوانٍ بملامح بدت وكأنها ستقع في وحِل الضياع والإغماء ودون اجابه اشاح بناظريه الى الذي دنى منه يتفقده متسائلاً بقلق :في احد بالسياره؟ اومئ بصعوبه بينما تشحب ملامحه وتجف منها الدماء قائلاً بخفوت رُغم علمه التام بأن محمد سيكون بخير حال لكون السياره مضاده للرصاص لكنه يحتاج تشتيت الانتباه عنه في اخر لحظات وعيه :ايه السايق ارتفع الرجل وآخر ليفتحا باب السياره بينما هو استغل الظلام وقلة الناس من حولهم ملتقطاً سلاحه الذي وقع اسفل السياره حين سقوطه، وضعه في حجر بتراء وهمس قائلاً :خليه معك، لاحد يشوفه اومئت بعد لحظات من الذهول، فتحت حقيبتها ووضعته بالداخل في ذات الاثناء التي سمعت بها نشيج ساره وعويلها بجانبها بينما تتفقدها وتساعدها على النهوض، نظرت ناحية اديان لمره اخيره وكان قد فقد نفسه بالفعل غائباً في سراديب الظلام بينما يقوم الرجال بإنتشاله وإسعافه على مقعدٍ خَشبي جلست تحاول هباءاً السيطره على اطرافها المُرتعشه والخوف الذي تأصل في قاع روحها، ذلك الشعور كان غريباً، غريباً بحق فأن تصل الىٰ لحظه تصبح فيها اقرب الى الهلاك من النجاه شيء قمه في الرعب والهلع، مدت يدها بصعوبه تلتقط كأس الماء الذي مدته ساره لترتشف منه شيئاً يسيراً قبل ان تحتضنه في حجرها، مر على مسامعها تساؤل ساره القلِق للمره الألف في هذه الدقائق القليله :انت بخير بتراء، تحسين شي، شي يوجعك تبين اخذك المستشفى؟ هزت رأسها تنفي ذلك بينما ترفع ناظريها نحو ساره، بتلك العينين المحمرتين من إثر الدموع التي تمردت منذ تلك اللحظه ولم تتوقف الى هذه الاثناء لتتسائل غائبة في خِضم ماكانت فيه من موقفٍ صعب :راح يمـ..وت؟ عقدت ساره حاجبيها بينما هي مقرفصه على الارض مقابل بتراء، ربما تلك اكثر فقرة غريبه في هذه الحلقه المرعبه، من ذلك الرجل ومالذي تفعله بتراء معه! امسكت بكفي الاخرى ونبست بخفوت تتسائل :مين هذا بتراء، ايش وداك له زمت بتراء شفتيها بينما ترفع كفيها لتواري وجهها الباكي خلفهما، بدت وكأنها بهذا البكاء تشكو وجعاً لاتشرحه الكلمات ولا البوح، نهضت ساره تجلب مقعداً آخر وجلست بجوار بتراء احتضنت جسدها بين ساعديها واضعةً رأس بتراء على صدرها بينما تمسح بكفها على رأسها بهدوء قائله :اهدأي حبيبتي لاتخافين، لحظه وعَدت ماراح يجيه شي بأذن الله مسحت بتراء دمعها بكفيها، شمت انفها وقالت بنبره متهدجه إثر البُكاء والنحيب بينما تستذكر الموقف الذي حُطت به حينما كانت هي في زاويه تحت مرمى النار مباشرةً قبل ان يتقدم هو جاعلاً من جسده درعاً بشرياً لها بينما يسقطها على الارض معه :لولاه ماكنت حيه للحين، اذا مات ماراح اسامح نفسي ساره شدت ساره من احتضانها بينما تهمس قائلةً :ششش، ماراح يموت ماحد راح يموت بتراء اهدي.. وجهت عينيها نحو العامل الذي يقف بعيداً يراقب الموقف بصمت ورَمت قولها عليه بعجاله :طاهر وقفلنا تاكسي، راح اخذها للبيت اومئ الشاب قبل ان يخرج سريعاً ممتثلاً لامرها، وفي ناحيه اخرى ضَجت طوارئ المستشفى بوفود الحاله على سرير متحرك يجرها المسعفون بعجاله حتى نبس احدهم للطبيب الذي استقبلهم قائلاً :مصاب بطلق ناري، رصاصه بالكتف الايسر والثانيه في الجانب الايمن من الظهر اجراءات طبيه بسيطه جُر وراءها اديان الى غرفة عمليات المستشفى بينما محمد جلس عند الباب على مقاعد للانتظار، رفع هاتفه واحتار للحظه على من يتصل ومن يعنيه امر اديان ليبلغه بما جرىٰ له؟ لا عائله ولا زوجه بزواجٍ كامِل ولا حتى رِفاق الى ذلك الحد من الأهتمام! وحيد هذا الرجل ويديه هما مجدافي نجاته في خِضم عاصفة الحياه، عاش يبتلع مرارات الدنيا علقماً دون ان يشكو او يبوح، وفقط يدفع بنفسِه في غِمار الحياه مواصلاً الكفاح امام الخلق مُحتفظاً بإنكساراته بينه وبين نفسه ضغط اخيراً على رقم قيس، ربما هو الاقرب الى اديان من بين باقي البشر، احتاج لبرهه بسيطه حتى صدح صوت قيس من خلف الهاتف قائلاً :هلا محمد زفر محمد وافصح عم في جعبته دون مقدمات :اديان تصاوب، اذا يهمك .. قاطعه قيس بنبره اشتد بها القلق والخشيه متسائلاً بعجاله :تصاوب بأيش وينه الحين! نهض محمد يجيب بينما يخطو واضعاً يده على مؤخره رأسه قائلاً بهدوء لطالما كان من طباعه حتى في اشد الظروف ارباكاً :رصاص، مدخلينه قبل دقائق لغرفة العمليات في المستشفى العام وجاءت كلمات قيس مشتعله ارتباكاً وقلقاً بينما يردد قائلاً :طيب طيب، انا الحين جاي مسافة الطريق انزل محمد الهاتف مغلقاً المكالمه بينما يعود ادراجه الى المقعد متكئاً هناك برأسه على الحائط خلفه متعباً من مواجهة الايام والليالي التي باتت تحمل ذات اللون الأسود من الموت وقانية بالدماء النازفات . . . وبالِرُغم مِن ثُقل هذه الليله وعُبورها بكُل محطات الخَراب الا ان الشمس اشرقت ونشرت انوارها في ارجاء المعموره، تلك الانوار التي تسللت من بين زجاج النوافذ الى المنزل الذي لم يزوره الرقاد ليلة البارحه وكأنه قد تناساه لوهله! عَلى سجاده في منتصف الصاله تجلس هذه المرأه محتضنه الكِتاب الكريم بين كفيها ترتل الآيات لعل خوف الفؤاد يأمن والحال المائل يعتدل ومنذ البارحه لم تبرح مكانها سوى الى غُرف بناتها الساكنات، وكِلتاهما كانتا بحالٍ مُفجع ليلة البارحه، منذُ عودة زينه بذلك الوضع المُنهار نحيباً وفزعاً لم ينتهي حتى منتصف الليل الى رتابة وكآبة بتراء بملامح عاث بها البكاء فساداً والتي بدا ركودها وحُزنها غريب بحق .. وحجة الحزن على شاهر لم تمر على هذه الام مرور الكرام! قديماً وبعد ان توفي زوجها ظنت بأن تربية البنات لن تكون بذلك العسر الا ان ذلك الظن بقي مجرد ظن لايمس الواقع بِصله .. فالامر اصعب ولايحتمل تنبّهت لخروج زينه من غُرفتها بخطى بطيئه انتهت بجوار والدتها، تمددت ووضعت رأسها في حجر الاخرى بينما تهمس :اقري علي، محتاجه اسمعها اومئت سُهاد قبل ان تضع كفها الحانيه على جانب رأس زينه واخذت تتلو الآيات بسكينه وهدوء، لدقيقه تلو الاخرى اقتطعتها حينما رأت الدمع المنساب من عيني زينه واحمرار انفها، انزلت كفها تمسح الدمع ثم قالت :هالليله اخذتوا من عمري عمر، ابي وحده منكم بس تعلمني وش اللي قاعد يصير معها، وحده تحسسني اني امها اللي راح افتح صدري لوجعها واصير لها الملاذ من الدنيا .. شفيكم يازينه وش صاير معكم؟ رفعت زينه كفيها تمسح على وجهها من دمعٍ تمرد قبل ان تجلس متربعه بجوار والدتها، اصطنعت الابتسامه رغم الألم الذي يخيم على كل ملامحها وقالت :واحنا نقدر نزعل هالعيون الحلوه؟ لاتخافي يمه مافي شي كايد، بتراء وتعرفيها اذا سمعت على واحد مات بالدوله المجاوره راح تزعل عليه فتخيلي واحد يهمها وتشتغل معه؟ شي طبيعي تمسك عليه حداد ثلاث سنوات لقدام لم تبدو على سهاد اي ملامح مطمئنه او مصدقه، لاشيء سوى الحيره والخوف والقلق قبل ان تتسائل لمره اخرى قائله :وانتي وش حجتك؟ ابتلعت زينه ريق فمها وبأقرب ما مر على عقلها نبست تتحجج بوضوح تام :البارحه لما رحت لفاطمه تهاوشت معها وطردتني من بيتها رفعت سهاد كلا حاجبيها بعدم تصديق لهذه الكذبه الواضحه، فزينه ابنتها التي تعرفها ان تعرضت لهكذا موقف فستحرق المنزل بفاطمته دون ان تنزل لها دمعه واحده لامرٍ واهي كهذا! بينما هن في ذات الجلسه رن جرس الباب فنهضت سهاد تتجه اليه بعجاله تحت انظار زينه المستغربه لهفتها وتبدد ذلك الاستغراب بمجرد ان مر على مسامعها صوت هواري بقوله :السلام عليكم اغلقت سهاد الباب بمجرد دخول هواري واجابت بينما تشير اليه بالدخول الى الصاله التي تجلس بها زينه :وعليكم السلام، تعال يمه ادخل وبصمت دخل هواري بينما يتحاشى النظر الى زينه التي تراقبه بنظراتٍ جامده تشع حقداً ذاتها التي نهضت تسير الى جهة الخروج بينما توجه قولها الحاد الى والدتها :ترى في شي اسمه حجاب، اذا ماوصلك هالاختراع يعني ولوهله شعر هواري بعظيم من الحرج، ودائماً ماكانت خالته تضعه في مواقف مشابهه فهي وبجهلها التام تحاول ان تضع هواري في خانة الاخوه مع زينه ايضاً غير مدركه بأن هذه المحاولات بحد ذاتها لم تأتي بِثمار طيبه مطلقاً دلفت سهاد الى الغرفه تتبع زينه بينما تلقي بأوامرها قائلةً بحزم :البسي اي زفت وتعالي الحقيني للصاله والا والله يازينه ماتشوفون لي ظِل بهالبيت لحد مالله ياخذ مني امانته رفعت زينه حاجبيها وتقدمت من والدتها تتسائل بإستنكار :لاتقولين جبتيه بدور ضابط تحقيق! يعني اكيد مو ناويه تجلسيني قدامه اسولفله عن مشاكلي وحياتي الخاصه؟ رفعت سهاد سبابتها امام وجه ابنتها بينما تنبس بحده :مافي حياه خاصه تجيبك بالليل تبكين وجسمك ينتفض، هواري يصيرلك اب واخ وعم وخال، اذا تفكرون بأنكم راح تعيشون بكيفكم وتتجاهلوني ماراح تتجاهلوا هذا اللي برا ولوهله كادت زينه لتعترض بعظيم من الاستنكار خيم عليها قبل ان تعود سهاد لتردف :اذا عندك كلام تقولينه بالصاله مو هنا مسحت زينه على وجهها بقل صبر بينما سهاد خرجت بالفعل ولم تدلف الى الصاله الا رفقة بتراء المتعبه والتي يتضح عليها شيء من الأرهاق والأرق، وقف هواري يرتقبها وبإستنكار قال :شفيك انتي، وش هذي الحاله؟ زفرت بتراء قبل ان تجلس على مقعد مجاور للاريكه التي يجلس عليها هواري مجيبه بهدوء :مافيني شي، مرهقه بس وسرعان ماسخطت سهاد بقولها المعترض على اجابة بتراء في ذات الاثناء التي دلفت بها زينه ترتدي قميصاً للصلاه :لا لا البنت مو طبيعيه هواري، وهذي الثانيه ماتفرق عنها، انت متخيل وضعي جالسه بالصاله بالليل انتظرهم وكلما دخلت وحده جتني تبكي وتنتفض كأن الحرب قايمه برا وزع هواري انظاره المستنكره على الاثنتين يلتمح الوهن لدى البتراء وشيء من الاستخفاف يلمع في عيني زينه حتى قال متعجباً لخالته :وانتي ليه تسمحين لهم يطلعون بالليل؟ قهقه ساخره هربت من بين شفتي زينه لفتت انتباه الجميع اليها قبل ان تنبس بسخريه بينما تجلس بالمقعد المجاور لبتراء :اوه معليش، كمل بس الدور مو لايق ع حضرتك نظرت سهاد اليها بحده قبل ان تهتف ناهره اياها :بنت .. قاطعها هواري الذي تحدث بينما مايزال واقفاً في مكانه موجهاً حديثه لزينه خصيصاً :لا انا ماجيت اخذ عليكم دور مو من حدي ولا جاي على بالي اسويها، بس الغلط غلط يستنكره حتى الغريب .. طلعة الليل مو حلوه عندك النهار كله روحي للمكان اللي تبينه طالما امك تدري وراضيه بس الليل لا مو لصالحك ولا لصالحها لان الضرر ماراح يجي غير عليكم والحسافه وقتها ماتنفع! رفعت زينه حاجبها تستفهم قائله :لايش تلمح بالضبط؟ زفر هواري وهز رأسه نافياً اي مقصد له من قوله بينما يجيب بهدوء :ما المح لشي، اتكلم بشكل عام .. امس الصبح كان وضعك احسن ايش طرأ فجأه وقلب حالك؟ وجه اخر جمله لديه لبتراء متجاهلاً حدة زينه ووقوفها على اكثر كلماته بساطه ووضوح لتخرج من خلفها مقاصد مبطنه وتضعه عقبها في خانه من الاتهامات والاقاويل، وبنبره راكده اجابت بتراء :ماطرأ شي، انا راح اجهز نفسي واذا خلصتوا اجتماع ابيك توصلني لساره اومئ هواري مقرراً استغلال مسافة الطريق لالتقاط الحقائق من فاهها لكن سهاد كان لها رأيٌ اخر حيث لم تستطع التماس اي فائده تذكر من تلك الجلسه التي لم تحتوي الا على مشادات كلاميه فارغه لذا فهي نبست بحده :كلامي هذا راح اقوله قدام ولد خالتكم وماراح اكرره مره ثاني، اللي صار البارحه واللي قاعد يصير من بديتوا تدخلوا وتطلعوا بروحكم مره تجوني بمشاكل اكبر منكم ومره تبكون بدون ما اعرف السبب هذا ما ابيه بعد اليوم .. والا قسماً بالله العظيم اني راح اخذكم واهج من القريمزاء بكبرها وهناك عند عمكم سعد اشوف مين اللي راح تقدر تخطي خطوه وحده برا عتبة البيت نهضت زينه من مكانها وبينما تتجه نحو غرفتها سخرت بقولها الماقت لذكر عمها المزعوم :بالله عليك لاتهدديني بهذا الـ... لا اسبه هو وجده السابع اتسعت عيني هواري بذهول مما سمع وكذلك سهاد قبل ان يشد انتباههم لبتراء التي اضافت بحقد :وقتها اذا ماسفكت دمه بنص بيته قولي بتراء ماقالت رمش هواري بعدم استيعاب لما مر على مسامعه بينما يرى بتراء هي الاخرى تتجه الى غرفتها حتى وصل اليهم صوت اغلاق الباب بقوه مباغته . . . في قَرنةٍ أُخرىٰ وفي ذات البُقعه التي شهد البدر على سوئتها زفر ذلك الرجل انفاساً ثقيله بعد ان نجح بوضع الاريكه الرثه في المكان الذي يرغبهُ خافياً اسفلها قَبر محبوبتهِ فاطمه، وبالرغم من مظهرها النشاز في منتصف الحديقه الخلفيه لمنزله الا انها هي الخيار الوحيد حالياً ! مسح بناظريه الارجاء الخاليه من أي بشري يكن، وربما ذلك هو اكثر مايميز هذه القرنه فبالرغم من كثافة الاشجار هنا والعشب الذي يغطي الاراضِ الا انها مهجوره لايقربها احد الا فيما ندر دلف الى المنزل الساكن من اي حراك او نفسٍ يؤخذ، التقط متعلقاته الشخصيه من على المنضده وسترتة الرماديه المعلقه وحيدةً تحكي للزوايا عن منزلٍ تصدعَت بالكآبةِ جُدرانه ثم خَرج تاركاً خلفه كل شيءٍ وحيداً وبينما يتمشى في الشارع بخطى هادئه وقصيره، يرتقب السكينه التي تتميز بها القريمزاء عن باقي المدن بسبب قلة تعداد السكان فيها وربما يعود ذلك الى الاوضاع الامنيه المترديه هنا، كرجُلٍ بات يرى الابيض اسوداً وباقي الالوان رماديةٍ قاتمه، لاشيء يلفته او يثير انتباهه كئيباً بات رغم عن روحِه التي قيل بأنها كانت حيويةٍ مُشعه .. يوماً ما جلس على سور قصير جداً على قارعة الشارع، ترتقب عينيه المبنى السكني امامه بشرودٍ لدقائق اقتطعها برساله كتبها على هاتفه ولوهله تردد في ارسالها بينما يقرأها لمراتٍ عده "انزليلي .. ذو الفقار" الا انه فعل ذلك في الاخير ولم ينتظر رداً لقد توقع ان يتم تجاهله تماماً خوفاً منه ربما الا انه ولإنشغاله بمراقبه المبنى لاحظ النافذه التي فتحت لبرهه يسيره ثم تم اغلاقها، زفر وبقي لدقائق ينظر الى يديه اللازمتين للهاتف بينهما قبل ان يتنبه من شروده لخطواتٍ داست على اوراق الاشجار المُتيبسه أمامه حتى رفع ناظريه اليها تلك التي كانت الميزه الوحيده التي رآها في هذه المدينه منذُ ان خلق فيها وحتى هذا عامهُ الثامن والثلاثين ربما هو البارحه خسر الطريق الذي لم يتعبد يوماً اليها ولم يكن ليوصله الى مايبتغي وان افنى عمره الباقي لذلك، اشار الى جانبه من السور وارتقب نظراتها اليه قبل ان تهز رأسها رافضةً لذلك .. فزفر يستقيم امامها قائلاً :زينه وجودكِ البارحه كان غلط، انا مابي اوصل معك لمرحلة التهديد .. قاطعته زينه بتساؤلاً ربما كان هو اعظم ما آلمها وأرهق فِكرها منذُ البارحه، سؤالاً الح عليها حتى شعرت بأن صدرها ليس الا قضباناً حديديه زادت من ألم الفؤاد والروح، والأهم سؤال تخاف من اجابته كخوفها من فضاعة ما ابصرت عينيها :الجُثه .. لفاطمه؟ اطبق على شفتيه واشاح بناظريه في الارجاء قبل ان ترتكز ناظريه على الأرض المـحمله بورق الخريف الحَزين، وايماءه واحده منه كانت كافيه لتهرب شهقه باكيه من بين شفتي زينه .. تلك التي رفعت كفيها على وجهها تواري انتفاض شفتيها بينما يتراطم الدمع من عينيها تباعاً في سباقٍ غير مُنقطِع تراجعت قدميها الى الخلف تحت انظار ذو الفقار الذي ولوهله شعر بالخطر يطغى على كل مشاعر اخرى، فمد يده يقبض على ساعدها قبل ان تُفكر بالهرب منه قائلاً بإندفاع :لا زينه، لاتجبريني اقسى عليكِ اوقفي خلينا نتفاهم نفضت يده عنها وبعظيم استنكارٍ وجزع هتفت في وجهه قائلةٍ بنبره محمله بالبكاء :على وش نتفاهم! شقاعد تقول انت .. انت قتلتها ! قتلت فاطمه ودفنتها .. ذو الفقار انت قاتل انت سايكو حقير وعند آخر كلماتها تراجعت بحق قبل ان تستدير وتركض بخطى متعثره كما وكأن قطيعاً من كِلابٍ يُلاحقونها حتى انتصفت الطريق تتوقف في منتصفه بفزع مقابل السياره التي تهرع اليها وسُرعان ماصدح في الارجاء صوت المكابح التي شرخت سكون الحي في هذا الوقت من الصباح ترجل صاحب السياره بعجاله الى تلك التي مازالت تقف في مثبتها بهاله من انهيار تلوح بيديها رفضً لحادثٍ كان سيودي بحياتها للتو، امال الرجل برأسه يرتقب بلل النقاب الذي يوضح بأنها قد ذرفت كما عظيماً من الدموع فنبس بتساؤل :اختي شفيك عسى ماشر تأذيتي هزت زينه رأسها تنفي ذلك لمراتٍ عده قبل ان تمضي من امامه بخطى عجوله نحو منزلها الواقع على الجهه الاخرى من الطريق، التفت الرجل الغريب نحو الآخر الذي يقف على قارعة الطريق واضعاً كفيه في جيبي سترته ويراقب الموقف بسكونٍ تام فتسائل :شفيها البنت؟ اظهر ذو الفقار ملامح حاده بينما يهز رأسه بنفي مجيباً في ذات الاثناء بثقه :مافيها الا العافيه، توكل انت ضرب الرجل كفيه ببعض وبينما يعود الى مقعده اخذ يردد :لاحول ولا قوة الا بالله وبرهه قليله حتى انطلقت السياره في مسارها تحت انظار ذو الفقار الذي اخذ دقائق يراقب بها الدور الثالث من المبنى الماثل امامه قبل ان يبتعد بخطى راكده عائداً في ذات الطريق الذي جاء منه . . . ضَربت باب السياره بقسوه بعد ان ترجلت عنه متجهه الى المقهى، كان الطريق ليس الا دقائق قليله لكنها شعرت وكأن دهراً مر بها بين مسائلاتٍ لم تنتهي الا بشجار شب بينهما حتى انتهى بهما الأمر كشواظٍ من نيرانٍ مُستعره دلفت الى المقهى في ذات الاثناء التي غادرت بها سيارة هواري مصدراً صوت احتكاك عجلاتها بالطريق بشكلٍ مزعج، واجهتها ساره في منتصف المقهى بنظراتٍ قلقه نحو المكان الذي ابتعد اليه هواري قائله :خير شفيكم، متهاوشين من وجه الصبح! جلست بتراء على مقعد مجاور بينما تضع حقيبتها بقوه على المنضده قائلة بسخط :تصرفاته صايره تخنق وماينبلع، غير عن هذا الوضع اللي انا حتى مو طايقه نفسي فيه عقدت ساره حاجبيها وبينما تجلس امامها عادت لتستفهم بشيء من الاستغراب :تتكلمين عن هواري! اومئت بتراء بسكون بينما ساره طرقت بأصابعها على المنضده قائله :اعوذ بالله، عين وصابتكم .. وفوراً قاطعتها بتراء بضجر ولا مبالاه نابسةً :يلا يلا تجهزي رايحين للمستشفى، مابي اروح له بروحي استقامت ساره بينما يبدو عليها شيئاً من التردد، خطت خطوه واحده وعادت تتسائل بحيره :بتراء متأكده تبين تروحين له؟ عقدت بتراء حاجبيها وبإستنكارٍ هتفت بينمة تتكئ على ظهر المقعد :ساره شفيك اي متأكده .. لازم اروح مو بكيفي اصلا زفرت ساره قبل ان تومئ بموافقه على مضض، ابتعدت من امام بتراء بينما تخلع عنها مريول المقهى، اما بتراء فقد اغمضت عينيها ورفعت اناملها تفرك مابين حاجبيه لصداعٍ أرهقها منذُ البارحه لبرهه تنبهت عقبها بكوب قهوه ورقي وضع على المنضده ففتحت عينيها ليظهر امامها العامل المسمى بطاهر والذي دوماً ماكان يلفت انتباهها بناظريه القاتمتين والمُريب مابهما من اقوايلٍ مدفونه، اومئت بشكر ورأته يبتعد خطوه قبل ان يلتفت نحوها قائلاً :لاتجرجرينها وراكِ، غامري بروحكِ مو بأرواح الناس فتحت بتراء فاهها بذهول مما سمعت ورفعت يدها تشير اليه بينما يبتعد نابسه في ذات الاثناء التي اقتربت بها ساره :هذا شفيه! عقدت ساره حاجبيها واستفهمت بينما توزع ناظريها بين بتراء التي مازالت تجلس في مكانها وطاهر الذي ابتعد عائداً الى عمله :شفيه! زفرت بتراء قبل ان تستقيم من مكانها ملتقطه حقيبتها وكوب القهوه قائلة :انسي، مو قت انشغل فيه تجاهلت ساره الأمر بالفعل فهي تعلم جيداً بمزاج بتراء المتقلب وبهدوء طاهر وانزوائيته، ودقائق عِده استغرقتها مسافة الطريق حتى تَرجلت كِلتاهما عن سيارة الأجره ودلفتا الى المستشفى حيث توقف بتراء عند الاستعلامات وهناك نظرت لثوانٍ في وجه الموظفه ثم نبست بشيء من الحيره :في رجال تصاوب البارحه بالليل واسعفوه لهنا .. ابي اعرف وين غرفته صغرت الموظفه عينيها قبل ان تظهر على وجهها ملامح من عدم المعرفه قائلةً :محتاجه اسم، ما اقدر افيدك بهذي الطريقه نظرت بتراء نحو ساره بشيء من القهر قبل ان تبرق في رأسها لحظه من ذكريات ليلة البارحه حينما صرخ سائق السياره بإسمٍ ما فأفصحت عنه للموظفه لعله صحيحاً :أديان .. اتوقع هذا اسمه اومئت الموظفه وانشغلت قليلاً بالجهاز الآلي امامها حتى اعادت ناظريها لبتراء مجيبه :غرفه 103 في الدور الثالث تبّسمت بتراء وهمست بالشكر قبل ان تمسك بساعد ساره وينطلقان الى الدور الثالث عبر المصعد، وخلافاً لما توقعت فقد اصابها عظيمٌ التردد حالما توقفت اقدامها امام باب الغرفه المنشوده، همست ساره في اذنها قائله :بتراء احس لو نرجع، تخيلي يطلع ارهابي نظرت بتراء نحو ساره المتوجسه واجابت بينما تمسك بمقبض الباب وتنزله الى اسفل :هو ارهابي اصلا شهقت ساره واتسعت عينيها مما سمعت في ذات الاثناء التي فتحت بها بتراء الباب وترجلت الى الداخل فتبعتها بشيء من الشتات والخوف ترقب عينيها الرجل المتمدد على السرير بضمادات تلتف حول صدره ومعدته بإحكام، وبجانبه آخر يجلس على مقعد مجاور للسرير ذاته الذي قال موجهاً قوله لبتراء :ماعلموكِ اداب الاستئذان ياصحفيه؟ وزعت بتراء ناظريها على الاثنين بملامحهما المكشوفه وتبّسمت بإستخفاف نابسه :عشان تخفون وجيهكم وراء اللثام؟ تبّسم الراقد من مكانه وبنبره خافته تحكي عن كم الألم الذي يشعر به صاحبها نبس قائلاً :هالكثر مشتاقه تشوفينها قهقه محمد لما مر عبر مسامعه من اديان بينما بتراء تقدمت بضع خطوات من السرير تتبعها ساره التي تمسك بساعد الاخرى بإحكام، ومن عند طرف السرير نبست بقولها :فضوليه اشوفها، عشان بكره اميزها وراء حدائد السجن حافظ اديان على تبّسمه، اومئ مغمضاً عينيه لما قالت وعلق بنبره خافته قائلاً :لا تقصري، بكل ما اعطاكِ ربي من حيل ولثوانٍ صمتت بتراء بينما تتبادل معه نظراتٍ لايقرأها سواهما تسأله قاتمتيها لماذا؟ وتجيب صفرواتيه بـ لا اعرف! لاجواب للمحطه التي يقفون عندها، فالمحطه عادةً ماتجهل اتودِع ام تستقبل الناس! طفيفٌ من الحيره يختلج السواد وخضوعٍ للجهل يطغىٰ أصفر اللون، ذلك الكيان لايريدُ جواباً من نفسه حتى فعلامَ تسأله هي؟ بضغطٍ على ساعدها تنبّهت بتراء من شرودها في قاعِ الوعي، ابتلعت ريق فمها وشرعت تفتح حقيبتها قبل ان تخرج منها كيساً ورقياً ذا لونٍ بني غامق وعلقت بينما تضعه عند اقدام اديان يجهل الجميع عم فيه عداهما الاثنان :على اي حال الحمدلله على سلامتك .. هذي المره ثم تراجعت وغادرت الغرفه رفقة ساره التي تنفست الصعداء حالما دلفتا الى المصعد الكامن في نهاية الممر وأغلق عليهما تحت انظار هواري الذي خرج من خلف سياج الدرج تترقب عينيه الغرفه 103 بسكونٍ تام وبالعوده الى الداخل فقد اشار اديان الى محمد بأعطاءه الكيس الموضوع عند اقدامه وامتثل محمد مغادراً عقبها بهدوء بعد ان نبس بقوله :راح اجيب قهوه ودك بشيء ثاني؟ نفى اديان هازاً برأسه بينما يلتقط السلاح الملفوف جيداً بداخل الكيس وسابقاً ظن بأنها ستحتفظ به او على الاقل ستنتظر حتى يطلبه هو منها، وضعه على جانبٍ منه واخرج القطعه الاخرى الموجوده بداخل الكيس حتى اخذ ثوانٍ يتأمله قبل ان ترتسم على شفتيه ابتسامه لبساطة مايرى كانت كره زجاجيه أصغر من حجم الكف، معباه بالرمال على شكل كثبانٍ رمليه تعتليها سلسله من الجِبال البُنيه الفاتحه، لوحه شديدة البساطه الا انه شعر لوهله وكأنها تنتمي اليه كشيء ابسط من تعقيده الا انه يشبهه بشكلٍ او بآخر، حتى ضغط كفه على تلك الكره بتبجيل بينما يقرأ الجمله التي دونت بخط يد على كرتٍ صغير تدلى من رأس الكره كُتب عليه "واحِده من أشباهكَ الأربعين" . . . وإن كان لابد من فرح فليكن خفيفاً على القلب والخاصرة .. | ||||
17-09-24, 01:12 PM | #10 | ||||
| الفصل الخامس . . . تهادى على المَرمَر مدركاً بأنه وفي هذه اللحظات لايعدو عن كونهِ مُتطفلاً وحُشري لكنه مُجبر ! بتراء لم تكن يوماً له اختاً بقدر ماكانت عوضاً عن يباس الايام التي تهشمت بداخله، أُنسه في وحشته وسكينته في شتاته وآمانه عند الخوف .. انها عائلته كل عائلته التي فقدها ذات يومٍ أسود طَرقَ على الباب لمرتين ثم سمِع الأذن في الثالثه فدلف الى الغُرفه 103، شيئاً ما تمزق ارباً بداخله وهو يرى من عَلى السرير يراقبه بصمتٍ تام، رجُلٌ غَريب اويسأل الغَريب عن علاقته بأخته! هو يوقن بأن أخته لن تملك مع هذا الرجل اي علاقه ذات نوعٍ عاطفي ولا رِفقه حتى لكنه الاسوء .. ان يكون سياسياً، ارهابياً، او مطلوباً للعداله حينها وعندما تغدو حياتها على المحك لايبدو بأن هناكَ حلاً مثالياً فتقدم بضع خطى تحتَ مرمى الراقد الذي يرقبه حتى توقف فنبَس برويةٍ يتسائل :اهلاً ، تفضل؟ وكَاد هواري ليجيب لكن بمَ يجيب! وما يسأل حتى وبأي طريقةٍ يفصح عن سؤاله! .. زوبعة من شتات لم تتجاوز الثلاث ثوانٍ عصفت برأسه قبل ان يرى اجابتة ماثلةً امامه، إجابةٌ من العسل المُصفّر الذي يقبع في مُنتصف عيني الغَريب .. فعَرف من هو دون ان يستفهمه حتى! تِلك الزياره الصامته التي لم تتجاوز الدقيقه الواحده انتهت بالفعل بطرقاتٍ على الباب ثم دخول شخصٍ ما، كان تحت مرأى أديان الذي وجَه ناظريه اليه وخَلف هواري اي يقابل ظهره امال مُحمد رأسه ناحية هواري مستفهماً من اديان عن هويته، لكن أديان يجهلها ! اما هو وفي اللحظه التي التقت بها عينيه مع عيني هواري سقط كوب القهوه عن يده مُلطخاً الأرض البارده ببقعاً بنيةٍ حَاره منتشراً رذاذها على ملائة السرير والاريكه البيضاء الطاهره ! تراجع هواري وبنبره خافته غير آبهه بالحادث الذي حدت للتو مع الشخص الآخر في الغرفه قال بينما يغادر :مخربط برقم الغرفه عقد أديان حاجبيه ولوهله لم يصدق تلك الحجه! فتصرفات هواري في البدايه كانت توضح بأن هناك الكثير مما يرتص في حنجرته منتظراً الإفراج، الا ان حال الآخر بدا له اكثر غَرابه .. حاله من الذهول والإرتباك غزت كتلة البرود هذه فنبس مستفهماً :خيرك يبه! تعرفه؟ بدا محمد وكأنه يحتاج للمزيد من الثواني لترتيب تلك العشوائيه التي تتملك عقله للتو وللهاتف كان رأيً آخر فقد ارتفع صوت الرنين شارخاً سكون المكان، ابتلع محمد ريق فمه قبل ان يضع الكوب الناجي على المنضده المجاوره للسرير، اخرج هاتفه وحالما لمح الأسم رفعه الى اذنه مجيباً بقوله :هلا سلطان ارحب سلطان قناص متقاعد عن الجيش، رجل توكَل بمهمة المراقبه والتأمين اثناء صفقات بيع السلاح وفي باقي الاوقات فهو الرقيب والمدقق على بعض مواقع وشخصيات لها تأثير مباشر على اديان وجماعته، عادةٍ مايأتي بمعلوماتٍ دقيقه لذا فأي اشارةٍ او اتصال منه فهو في منتهى الاهميه شُد انتباه اديان نحو محمد بشكل مُكثف، يسمعه يتلو بضع جمل معتاده عن حالته الصحيه ثم صمتٍ يسير فتساؤل اثار قلقه بالفعل حينما قال الاخر :بالله! متى صار هذا؟ .. لا مالنا علم .. تمام دقايق وارجع اتصل عليك لاتتصرفون بكيفكم ! . . . في ساعه من عَصر ذلك اليوم كان لدى زينه أعظم ماقد تفعله بعد ان انتشلت نَفسها من خضم الصراعات المُضنيه ومنذُ البارحه كانت اسوء ماقد يمر عليها من سويعات العُمر حتى الصباح الذي شمل اقسى ماقد تسمع، لوَث ظلام البارحه عينيها وقَتل نور الصبح مسامعها تقف قدميها في ثباتٍ يحاوط كماً من شتات لا يقرأ ولا يُكتب .. فقط يبكى حد اللانهايه امام المركز الخاص بشرطة القُريمزاء نعم تنوي الابلاغ عن ذلك الرجل .. ذلك الذي ماكان لعينيها ان تراه الا رجُلاً صلباً متيناً يلفت ناظريها بجاذبيتهُ تاره وبلمعة حُزن في محياه تاره! تستذكر جيداً المره التي ضعُفَت بها وأفصحت لصديقتها فاطمِه عن كم هي محظوظةً بزوجٍ كذو الفقار؛ وحينها كانت إجابة فاطمه بإبتسامه لطيفه ومجرد سؤال، مجرد فضول، وشيء من الحيره لكنه كان يعني لزينه ذكرى مقيته ويومٌ من العُمرِ ليتهُ يُنسى! "كنتِ انتِ بعينه، أيش اللي خلاكِ ترفضينه!" ما السبب الذي دفعها لرفض ذو الفقار بعد ان كان حُلم مُراهقتها وحُبها الاسطوري، الرجل الذي كانت تتعمد المرور من جوار منزله بعد العوده من المدرسه .. لتلتقيه صدفةً على الطريق المجهور الذي لايمر به احد سِواهما فقط لتحظى بإبتسامه وهزة رأس كسلام مختصر لم تتجرأ يوماً على التقدم خطوه ولم تنتظر منه المبادره فقط عاشت ذلك الحُلم الوردي حتى قُتل يوماً على قارعة الطريق بِلا شفقه حتى السبب القديم لم يعد يساوي شيئاً بعد ايماءه واحده منه اكدت لها اجابةً مرعبه حينها في صباح اليوم، ايماءه عقبت اسوء ماقد تنطق به شفتيها .. "الجُثه .. لفاطمِه" :من فاطمه؟ يدً تضغط على الحقيبه بقوه وعينين فارغتين نفذ مخزونهما من الدمع وهيئه منكمشه، واجابه متهدجه كانت :صديقتي .. تعرفت عليها صدفه في الحديقه بعد زواجها دون الكلمات على ورقٍ ابيض كم حوى من سطورٍ دمويه بين طياته وكم بكى حبراً على ماخُط فيه، اومئ وعاد ليسأل :ماعندها اقارب، ماتعرفين لها اهل او معارف او اصحاب غيرك؟ هزت رأسها تنفي ذلك، ربما هذا اكثر ماضجت به دواخلها الماً ان فاطمه ليست الا يتيمه لفظها دار الايتام يوماً ما والتقطها المعني من معرض كتاب كانت تعمل خادمةً فيه فتزوجها واصبح كل ما ملكت يوماً من عائله، اطرقت برأسها واجابت بخفوت :مالها احد، يتيمه ومقطوعه من شجره زفر الرجل الموشح بلباسٍ عسكري نفساً ثقيلاً، متسائلاً بداخله؛ هل ستشكوه مسامعه الى الله من قسوةِ ماتسمع! عبث بالقلم بين انامله قبل ان يرفع ناظريه اليها، تلك الفتاه التي تبدو قد تجاوزت العشرون ربيعاً ! واستفهم بقوله :وش اسمه، اللي بتبلغين عنه؟ وللمره الاولى قد وضعت عينيها بعينين الماثل امامها، ولم تخفى عنه لمحة الحيره تلك التي اشعت هناك من كواكبها المظلمه، حيرةً بثت اليه مثيلتها غير عالمٍ هو عم اختلجها من صراعٍ حين قالت :ذو الفقار سعد الرشيد التقطت هاتفها بعد ان اتم الآخر استقبال التسجيل الصوتي الذي فتحته قبل دقائق على مسامعه بعد ان قامت بتسجيله صباح اليوم، مرفقاً بصوره من حديقة ذو الفقار التقطتها قبل نصف ساعه من الان وخرجت من المبنى قاطعة الشارع بخطى بطيئه في حين تلتقط مسامعها اصواتاً رنانه من سيارات الدوريه التي تحركت تحت ناظريها بينما تقف في الجهه الاخرى من الشارع، صعدت على التاكسي بعد برهه يسيره قائله :الحق الدرويه اللي قدامك توقفت سياره الاجره بعد دقائق على بعد مسافه من سيارات الشرطه، وترجلت ترتقب عينيها افراد الشرطه الذين دلفوا الى الحديقه الخلفيه، منهم من طرق الباب الخلفي لمنزل ذو الفقار ومنهم من اخذ يتفقد الحديقه تتوقف اقدامهم تماماً عن الاريكه التي اظهرتها زينه في الصوره خرج عقبها ذو الفقار بمظهر يوحي بأنه كان نائماً وربما كان آمنا ذلك التعبير الاصدق، ظهر عليه الذهول والدهشه مما يسمع من الضابط الماثل امامه قبل ان يتراجع متكئاً على الحائط في ذات الاثناء التي توجه بها الضابط مشيراً للبقيه بالحفر اسفل الاريكه وقعت عيني ذو الفقار على زينه بعد ان خمن بالفعل وجودها في الارجاء، تبعد عنه بمسافه كافيه لئلاً تسمع بها صوته ان تحدث لكن توقن جيداً م سيقول لو فعل وسمعت! دقائق مرت من شرودهما تنبها عقبها باقتراب الضابط من ذو الفقار .. اعتذاره ومغادرة الدوريه ! كانت الدهشه هي اعظم ماحاوط هيئة زينه، فتقدمت بخطى متوجسه الى الحديقه التي فرغت من كل ضجيجٍ احاط بها منذُ برهه، كان ذو الفقار جالساً القرفصاء عند الحفره التي تركها افراد الشرطه يراقبها بصمتٍ وسكون فتسائلت هي وحالما اقتربت منه قائله :وينها .. فاطمه! رفع عينيه اليها بعد هينه من الزمان .. عينين تأصلتا بالحيره، الفزع والدهشه التي لاتقل عن خاصتها بشيء، وبنبره خافته قال :ما ادري! . . . خُطوه تِلو اخرى، تسير بينما تراقب عينيها محط خطواتها، على رصيف احد الشوارع الهادئه، على ايسرها سياجٍ حديدي عائداً الى احدى الحدائق الخضراء التي تغلب عليها السكينه والطمأنينه في ساعه من العصر واجواء تبعث على الصفاء، اجواء مناسبه للعمل ! فتحت باب السياره التي تقف عند نهاية سياج الحديقه بعد ان طرقت نافذتها لمرتين وحالما استقرت في المقعد المجاور للراكب وسلمَت على سيف شرعت في فتح النافذه والتنعُم بالنسيم المنعش مد اليها سيف بكوب قهوه دافئ فالتقطته تهمس بالشكر بينما تدخل يدها في الكيس الورقي الحاوي على بذور دوار الشمس الذي مده اليها كذلك تلتقط منه شيئاً في كفها وقالت :الاجواء شاعريه، محتاجه جلسه عائليه، جيتاره وصوت حلو، صحاب ولمه حلوه او حتى فيلم .. نظر اليها سيف بينما يتناول البذور وعلق قاصداً ماينشغلون به في هذه الاجواء :او قضية قتل من التسعينات تبادلت معهُ قهقه خافته بينما ترتكز انظاره على الرصيف امامه، ثم نبست هي بعد ان ارتشفت شيئاً من القهوه قائله :سمعت عن البارحه اومئ سيف، التقط كوب قهوته مرتشفاً منه ثم علق قائلاً :ايوه بأنكِ نجيتي من الموت بأعجوبه .. للمره الثانيه طبعاً تبّسمت بتراء وبينما تتناول البذور استطردت :عادي قولها بشكل مباشر، الثالثه ثابته! اومئ مقهقهاً بخفه قبل ان يمر بهم طيفاً من الصمت اقتطعه سيف حينما اعتدل بجلوسه واستفهم هذه المره بجديه تامه مخالفه للسخريه التي احاطت به منذُ ثوانٍ قليله :ايش اللي صار بالضبط! او بالاصح مين المستهدف! انتي؟ رفعت كتفيها دلالة على عدم معرفتها وبينما تحتضن كفيها كوب القهوه مستشعرةً دفئه على اناملها تحدثت بخفوت :ما اتوقع، اذا انا كنت واقفه مع الشخص اللي خطف شاهر بحد ذاته مين راح يستهدفني غيره! صمت سيف لوهله ثم طرح قولاً ما معلقاً على الزاويه التي تفكر الاخرى من عندها حينما تُضيق الحلقه على شخص واحد من بين افراد التنظيم بأكمله قائلاً :هو مجرد واحد بينما الصعتري تنظيم كامل بتراء! نظرت اليه بتراء تدحض تلك الفكره التي راودتها مسبقاً بمبررها الذي طرحته قائلةً :طيب انا كنت واقفه مع فرد من هذا التنظيم ومو اي فرد، سيف انا مؤمنه بأن هذا الرجال مو هين في التنظيم وله مكانه مؤثره .. بس لو اقدر اثبت عليه شي! اعاد سيف انظاره نحو الطريق امامه بينما يعلق بخفوت :لو تقدرين ماكان ظهر قدامك من الاساس اومئت واكدت ذلك بقولها :فعلاً ويتبجح بأن سجله نظيف واني ماراح احصل عليه اي ثغره، الغريب لو فعلاً انا مستهدفه من الصعتري وهذي كانت حركه منهم فليش يخاطرون فيه! معقول انقسامات امال سيف برأسه ونبس بينما يرفع حاجبيه وتلوح على شفتيه ابتسامه خفيفه :او يمكن حركه منه عشان يضمنك ماتبحوشين وراه! عقدت هي حاجبيها بغرابه مم سمعت! ولوهله بدت وكأنها لم تفهم مايرمي اليه فأوضح سيف مقصده قائلاً :بمعنى انك تصيرين مدينه له بروحك وتجنبينه من حساباتك! شردت بتراء فيما سمعت، أيُعقل! أهناك رجلاً عاقلاً سيضع نفسه على مِحك الموت فقط ليصل الى نتيجه فارغه مثل هذه بينما هو يقدر على قتلها وتجنيبها هي من حساباته تماماً ..! زفرت نفساً ثقيلاً خرج من قاع الشتات وهزت رأسها بينما تقول :ما ادري، احس الموضوع هذا قاعد يشتتني بشكل مزعج تأففت واخرجت هاتفها من داخل الحقيبه، عبثت به لبرهه ثم مدته لسيف قائله :هذا كل شي متسجل على ملف المستشفى، مافي اي طرف خيط انشغل سيف لبعض الوقت متمعناً في السطور المدونه على الورقه المصوره في هاتف البتراء قبل ان يتبّسم ويمده اليها قائلاً :واضح قريتيه وانتِ بعز شتاتك، ركزي على الاسم اللي بآخر الورقه .. طرف خيط ولا؟ عقدت حاجبيها بينما تلتقط الهاتف قبل ان تتسع عينيها بذهول ودهشه نابسةً بإندفاع :اسم الطبيب! عبدالعزيز السلطان!!! اومئ مقهقاً بخفه قبل ان يشغل محرك سيارته قائلاً :من حسن حظنا انه رجع للقريمزاء . . . في مُنتصَف الغُرفه التي يغلب عليها البياض! يقف ذلك الرجل بمظهرٍ مدني لايفرق كثيراً عن هيئة مُحمد ولا اديان في احواله العاديه، ببنطالٍ رمادي وقميصٍ يشاطره اللون وشالٍ عربي يلتف معظمه فوق رأسه والباقي منسدلاً على كتفه، يضع انامله على فمه في هاله من التفكير اثناء مازفر محمد وجلس على الاريكه الوحيده بالغرفه مستمعاً كلاهما لقول اديان الخافت بإعياء اتضح عليه جلياً :الباقي عليكم ، لبكره راح يبين كل شي فخليكم راكدين لوقتها رفع سلطان يده بإستفهامٍ يستغرب الثقه المتعاليه التي يتمتع بها اديان حيال المواقف كما وكأنه يسيطر على كل الاحداث وردات الفعل المتوقعه :انت ضامن يفكر فيك بالذات! اومئ اديان بتأكيد لذلك زافراً انفاسه بتعب ثم خرج عن سياق هذا الموضوع الى آخر موجهاً توصياته للاثنين امامه :بكره موعد تسليم الدفعه الثانيه، سلطان انت كالعاده ومحمد راح يباشر الشغل بمكاني لاتخلون قيس بروحه، حنيّن هذا ما يعرف يتصرف اومئ سلطان متراجعاً بغية الخروج بينما محمد عقد حاحبيه ونبس مستنكراً :واخليك انت بروحك؟ تعقيباً على استنكار محمد استفهم اديان بشيء من الاستغراب، فعادةً ماكان محيط اديان آمن ولا خوف عليه كونه لايظهر في اي عداوات مابين التنظيم والمجتمع الا متخفياً لاتعرف هويته :وش عليّ انا؟ نهض محمد من مكانه يفصح عن مقصده تحت انظار سلطان الذي يقف بجوار الباب ممسكاً بقبضته يرتقب الحدث بصمت :ياشيخ انت متذكر حالك هذا وش سبّته! مامر كثير على البارحه! نظر اديان نحو سلطان متبّسماً واشار اليه معلقاً بمُزاح بينما يبادله الآخر ابتسامه خفيفه :عدوي معك ليه اخاف؟ وزع محمد انظاره نحو الاثنين بشيء من عدم الفِهم قبل ان تتسع عينيه بذهول قائلاً بدهشه عظيمه :لا مستحيل! بالله عليكم! قهقه سلطان بينما يفتح الباب مشيراً الى محمد بمرافقته الى الخارج لترتيب تسليم السلاح المباع مع قيس قائلاً :ماسموني المقناص عبَث خَرج سلطان وبينما يتجه محمد الى الباب بغية الخروج توقف لمُناداة اديان بنبره متعبه واهنه، فالتفت نحوه ونبس :سم وآمر ابتلع اديان ريق فمه وتسائل بما اشغل فكره منذُ الصباح قائلاً :الرجال اللي جاء الصباح، في حاجه اني اعرف هويته دامه خربط وضعك بثواني؟ بدا اديان لوهله وكأنه يترك لمحمد خيار اخباره من عدمه مخمناً بأنه امراً خاصاً بالآخر لايمت لعملهم بِصله الا ان محمد نفى ظنه ذلك بقوله :القصه قديمه وتخصك بالأكثر .. ارتاح اليوم وبكره راح نتكلم فيها اومئ اديان وعاد محمد ليردف قبل خروجه مباشره :راح ارسل واحد من جماعتنا، كذا ما راح اتطمن لم يجد رداً من اديان او لم ينتظر هو ذلك، خرج بالفعل تحت انظار الآخر الذي مد يده يلتقط الكره الزجاجيه من جانبه محتضناً اياها بين انامله وبينما عينيه تتمعنها من جميع النواحي استسلم لإرهاقه وكُل وهنه مستغرقاً في النوم ضائعاً بين آهات ماضيه في الحُلم وبرود حاضره وقَسوته مع طيفٌ من لُطف زار خياله وللمره الأولىٰ منذُ ان استقبلته الدنيا قبل اثنان وثلاثون عاماً . . . في طريقِ العوده كان الفراغ ذاته والروح المتجرحه لم تُشفىٰ، اختارت ان تغادر بعد برهه يسيره من امام عينيه، نعم صدَقت جهله لكنه لايستحق ذلك، لايستحق ان تصدقه وتؤنب ذاتها لذلك اشد التأنيب هي لاتعرفه بعد ان ظنت ذلك، لاتعرف عالمه ولا حقيقة الحكايه التي مازالت مجهوله بكل مافيها، لكنها تعرف بأن فاطمه هي الضحيه وتعرف ايضاً بأن القدر ساقها في ظلمة البارحه اليها كي تشهد على ظلمٌ حط على تلك اليتيمه التي لن يسأل عنها ولن يأخذ بثأرها أحد! لكن لمَ! لمَ هي يالله وهي أضعف من ان تحتمل كل ذلك، هي حتى لاتملك صلابة البتراء ولا قدرتها على تقبل تلك الصدمات المفجعه! لمَ وهي ان نظر احد الى عينيها في هذه اللحظه سيعرف بكل ماجرى من فزعٍ تأصل بهما واستقر، رفعت ناظريها نحو السماء مع قُرب اذان المغرب هامسه لربها بخفوتٍ :يالله كُن معي وانصرني على القوم الظالمين صعدت الدرجات ببطئ وثُقل حتى وصلت الى باب المنزل الذي فتحته بمفاتيحها وهنا كانت اعظم فقره قد تمر عليها، ان تتصنع الابتسامه والبهجه! في خضم مابها من الم وفزع ! تبّسمت بالفعل في وجه والدتها التي خرجت من المطبخ تراقبها بشيء من الترصد بينما تستفهم :غَريبه، ماتبكين اليوم؟ قلبت زينه عينيها بكلل بينما تضع نقابها وعبائتها على الاريكه في الصاله قائله بإعتراض :ليله وحده جيت ابكي طلعتيها من عيوني، مو حاله والله! زفرت والدتها وبينما تعود ادراجها الى المطبخ صاحت تتسائل :واختك وينها، ولا ماسمعت وش قال ابن خالتها! رفعت زينه احد حاجبيها بينما تتبع والدتها الى المطبخ وبعد ان اتكئت على حافة الباب علقت بسخريه :ع اساس انا سمعت، لو ادري راح تفكرين رجعت خوف منه كان جلست برا لآخر الليل نظرت اليها سهاد وبنبره مؤنبه وناهره قالت تشير بالمعلقه في يدها تزامناً مع كلماتها :غصب عنك، اختك ومعها شغل انتي وش تسوين برا عصر وليل؟ دوامك للظهر وحجة المذاكره مع صحباتك ماعاد تصرفلي تذاكري هنا وصحباتك اذا يبونك يجون لك غيرها ماعندي كلام زفرت زينه وبينما تلتقط اصبع شيبس من الصينيه الموضوعه على المنضده نبست بتساؤل متجاهله تماماً كل ماقالت والدتها والتي بدت وكأنها هجوميه هذه الفتره بشكل مضجر :مسويه البطاطس عشاني؟ عادت سهاد لعملها عند القدر الموضوع على النار تحركه بهدوء وبإجابه محبطه قالت :لا، وعدت هواري عشاهم علي الليله روحي بدلي ملابسك وتعالي ساعديني مو حلوه يجي والعشاء ماجهز رفعت زينه حاجبيها وبإستنكار هتفت بإندفاع :السم الهاري ان شاء الله، تخيلي اطبخ لهواري عشاء! شفيك يمه عقلك فيه شي! وضعت سهاد الملعقه من يدها بقوه واتجهت الى ابنتها بطريقه هجوميه وملامح لاتُفسر حتى اصبحت امامها تماماً في ظِل سكون زينه في مكانها نبست هي بحده :انتي اللي عقلك فيه شي! الكره اللي بعيونك لولد خالتك صار مو طبيعي زينه ولا قادره بعد اتحمله او اتحججلك بشي، الولد مايطالع فيك حتى ولا ينطق معك كلمه فهميني على وش حاقده عليه هالكثر وبإندفاعٍ وهجوميه اشد نطقت زينه بإستنكار في سياق حديثٍ لايلبث ان يُفتح حتى يصبح شرراً من نارٍ تتوقد بين كلتاهما :لا وانا منتظره يطالع فيني او يكلمني مثلاً، يمه ركزي معي ولد اختك هذا ماينبلع معي ببترول فلاتحاولين ولاتحطين لكرهي له اي حجج، ما اطيقه من رب العالمين صعبه تفهمونها هذي! وفور ان انهت كلماتها غادرت من امام والدتها بعجاله وخطى غضبانه، التقطت اغراضها من الصاله بعصبيه مفرطه اتضحت من اغلاقها لباب الغرفه بقوه ارتج لها كل المنزل فهمست سهاد بسخط :حتى البيبان ماسلمت منكم، راح يسلم ابن اختي .. حسبي الله بس . . . وضع صينية الشاي على المنضده بعد ان طاف بها على والده وسيف متجاهلاً وجود بتراء التي التقطت كوبها بنفسها وعادت الى مكانها تجلس قدماً على قدم بينما توجه الى هواري ابتسامه متعاليه ومستفزه حتى قاطع تلك الحرب البارده عبدالعزيز بعد ان تحمحم بقوله لبتراء :صار زمان عنك يابتراء وش اخبارك ووين صرتي من الدنيا؟ نظرت اليه بتراء بإبتسامه محبه وهادئه تعدل من طريقة جلوسها بينما تجيب قائله :والله بخير ياعمي لله الحمد مثل ما انت شايف وين صفت بنا الدنيا .. مع هذي الاشكال رفع كلاً من هواري وسيف حاجبيهما بذهول حينما اشارت اليهما في ختام حديثها فقهقه عبدالعزيز ينظر اليها ولسيف تاره بتاره متسائل :صحافه! اشاح سيف بناظريه عن بتراء بعد ان رمقها بحده واجاب على تساؤل عبدالعزيز بقوله :ايوه، يعني نوعاً ما .. انا تخصصي صحافه اما بتراء حقوق واساساً الصحيفه حقوقيه يغلب عليها الطابع الجنائي اومئ عبد العزيز متفهماً معلقاً بقوله الذي استنتجه من شرح سيف المبسط :نشطاء حقوقين! اومئ كلاهما قبل ان يتنبّهوا للصوت الذي اطلقه هواري بينما يرتشف من كوبه بمحاوله لتنبيه الاثنين اليه وحالما اجتذب انظارهما افصح عن قولٍ مُبطَن :طبعاً مو عوايدنا نتجمع .. الثلاثه، جيتك يبه دخلت علينا بالخير تبسم سيف قبل ان يتحمحم ، وضع كوبه على المنضده واشار الى بتراء التي فهمت فأخرجت هاتفها بينما يمر على مسامعها صوت سيف موجهاً حديثه لعبدالعزيز :ماودنا نزعجك بسوالفنا بس عندنا استفسار معين اذا ماعندك مانع .. اومئ عبدالعزيز ببشاشه يشير اليهما بالاسترسال بلا تردد فأردف سيف بينما بتراء نهضت تقدم هاتفها الى عبدالعزيز :في بداية التسعينات حصلت قصه سببت ضجه كبيره بوقتها، عن طفله ١٦ سنه تعرضت للضرب والتعنيف وهي حامل .. تركوها اهلها بعد ماتوفت .. تقاطع استرسال سيف بقولٍ عبد العزيز الشارد في الصوره التي عرضت عليه من هاتف البتراء قائلاً :وهي حيه .. رفع ناظريه لسيف واردف بحزن لمع في عينيه بغته :لما طلعت من غرفة العمليات ماحصلت احد حتى اعطيه خبرها، ابوها هو اللي جابها وهو اللي خلاها بعز حاجتها له وراح .. زفر هذا الرجل نفساً حزيناً كان كافياً ليوضح للثلاثه كم كان موقفاً ثقيلاً ذلك الذي شهد عليه ولم يتشافى منه رغم مرور السنين العجاف منذ ذلك الحين، نبس حينها هواري ذاته الذي ماكان ليفهم يوماً لمَ يتخلى الرجل عن ابنته! قائلاً :يمكن كان يدري انها ميته لامحاله وخاف من انه يتسائل قانونياً عن تزويجها بعمر صغير نظر عبدالعزيز ناحية ابنه الذي يجاوره على مقعد آخر وعلق قائلاً :ماخاف من القانون، خاف من زوجها اللي كان شخصيه معروفه وقتها بأنه شيخ يهج القاع ويرجها .. هرب حتى مايكون في مواجهته او ينفهم غلط بأنه ممكن يفكر مجرد التفكير بأخذ حق بنته سواءاً بالقانون او غيره اغمضت بتراء عينيها بسخط حيال ماتسمع وقبضت على كفها، لطالما كانت تلك الافكار القديمه والجهل المستفز يشعل فتيل غضبها وتود لو تعود الى ذلك الزمان فتحرق القريمزاء بمن فيها، بتساؤلٍ نبست محاولة التركيز على هدف مجيئهما الى هنا :تعرف عنه شي .. زوجها اقصد .. مكانه او وين صفى به الحال! بدا سؤالها في غير محله وذلك ما ادركه سيف فوراً كما ادرك اندفاع بتراء للوصول الى طرف الخيط الذي يؤمن بأنه لن يكون سهلاً ابداً، وكما توقع هز عبدالعزيز رأسه بنفي مجيباً :اعرف اسمه .. كان مشهور وقتها واتوقع انكم تعرفون هالمعلومه مسبقاً اومئ سيف بتأكيد حينما كان ذلك مم وصل اليه شاهر سابقاً فهمس بخفوت :عصام ردمان زفرت بتراء وطرحت سؤالاً آخر بدا اكثر بعداً عن سابقه لكن وعلى اي حال لابد ان تخرج بفائده من ذاكرة هذا الرجل الماثل امامها لابد وان تصل الى نقطة انطلاق فقالت :خالي ماعندك اي معلومه تقدر تفيدنا ! غير النواقص اللي انكتبت على تقرير المستشفى صمت عبدالعزيز ساكناً لبرهه يسيره وجه ناظريه عقبها الى هواري نابساً بطلب :هات دفتر الملاحظات من عندك وبالفعل التفت هواري نحو المنضده الصغيره التي تشغل الزاويه المجاوره له تحت انظار سيف وبتراء المترقبه بحماسه، التقط عبدالعزيز الدفتر الصغير ذو الاوراق الملونه وقلماً مده ايضاً هواري، كتب شيئاً ما على واحده ومدهها لسيف الاقرب اليه من بتراء والذي كان يجلس على الاريكه الطويله في المنتصف عقد سيف حاجبيه بينما يقرأ العنوان المدون بخط عبدالعزيز ذاته الذي وضح ذلك بقوله :عنوان بيت عِمران، والد آسيا اومئت بتراء بحماس وابتسامه سعيده تبادلتها مع سيف الذي شكر عبدالعزيز ونهض من مكانه بغية المغادره فاستقامت معه بتراء التي قاطعها هواري قائلاً :بتراء خليكِ، راح اوصلك انا بعدين تنهدت بضجر واومئت على مضض، عادت للجلوس في مكانها بينما سيف غادر وتبعه هواري الذي عاد فور ان ودعه قائلاً بحده :فرضاً طلعوا ذول ناس من الصعتري هذا اذا ماكنت تدرين اصلا، ناويه على روحك انتي ولا ايش؟ اطبقت بتراء يديها على حقيبتها وقالت بإعتراض على تدخله الذي بات خانقاً بحق :مالك شغل، ملاحظ انك صاير حشري بشكل مقرف هالفتره ولا منتظر انبهك! وكأني اليوم بديت اشتغل في ذا المجال .. شفيك هواري اصحى! رفع هواري يده على جبينه بقل صبر قبل ان يهتف بإندفاع قائلاً تحت انظار والده المتعجبه لحالهما :انا صاحي بتراء بس انت اللي قاعده تطلعيني عن طوري! هذا شغلك تمام ماحد اعترض من يوم اخترتيه بس الطريقه هذي لا، لا انا ارضاها ولا اهلك الصعتري مو شي ينلعب معه وانتي ماغير مركزه عليهم وكأن مافي بالدنيا غيرهم نهضت بتراء من مكانها فور ان انهى هواري حديثه وبتجاهل لنوبة غضبه وسخطه التفتت نحو عبدالعزيز العاقد لحاجبيه قائلةً :خالي استئذنك الحين، ان شاء مره ثاني راح نجلس بهدوء من غير هالكائن المزعج اومئ عبدالعزيز بإبتسامه بينما هي اتجهت الى الباب عابرة هواري الذي هتف بغضب بينما يلتقط مفاتيح سيارته عن المنضده قائلاً :انتظري، راح اوصلك وبالفعل فرض هواري امره واصر على توصيلها رغم رفضها لذلك، وخلافاً لما توقعت التزم هواري الصمت طوال الطريق عدا تحركاته التي تنم عن عصبيه مفرطه تخيم عليه، وعلى اي حال صمته قد ازاح عنها هم الجدال معه بشيء من القوه اوقف السياره اسفل المبنى السكني الذي يقبع به مسكن البتراء، شهقت من مباغتته بايقاف السياره ولم تعلق، استغفرت وفتحت باب السياره وقبل نزولها قالت :ماراح تطلع معي، صار ليل وحضرتك محرض امي بشكل محترم نظر اليها وقد امتلك للتو فرصه لاستفزازها فعلق ساخراً :لما اكون راضي عن طلعتك اصلاً! اظهرت على وجهها ملامح صفراء تبّسم لها هواري بإستفزاز قبل ان يعلق بينما تنزل :نزلي العشاء من عند امك دنت بتراء تنظر اليه من الخارج بينما تتسائل بإستغراب :اي عشاء وبهدوء اجاب هواري كما وكأن لم يحدث شجاراً بينهم قبل ثوانٍ من الان :حلفت تطبخلنا العشاء الليله ربي يطول بعمرها اومئت بتراء بإبتسامه بينما تهمس بـ آمين، ولم تنسى ان تغلق باب السياره بقوه مُقهقةً بخفه بينما تستمع لصراخ هواري من الداخل بإعتراض . . . "أَلا تَحفظونَ قليلاً من الشِّعرِ كي تُوقِفوا الْمَذْبَحةْ؟" | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|