22-11-24, 03:47 PM | #51 | ||||
| الفصل الحادي عشر .. . . . . كيف لظلامِ الليل ان ينقشع وان بزغت شمسُ الصُبحِ فكيف ستُنير عتمة الأرواح وترفع عن الخفايا ستاراً يجعل المخاوف مرئيه والحقائق كشُهب السماء تتساقط على المدارك الحائره ظلامٌ دامِس، ليله اخرى ملبده بالغيوم التي تُخبئ القمر خلفها وتُداريه، تقف هي في النافذه تراقب الخارج الفسيح واليمُ الواسع ويضيع فكرها بين ثنايا اربعه جدران ضيقه رأت بها من الخفايا عُجاباً .. ترقب عينيها حبة الدواء الموضوعه على سطح المكتب وتستذكر القميص المُخضب بالدماء فتجد يديها ترتعش بينما تُمسِك بحافة النافذه وشيئاً ما بداخلها يتهاوى .. ربما تلك هي امالها التي انكرتها سابقاً .. ما الذي يُخفيه التوأمان ؟ ماعاد همها في بيدر نفسه بل تشارك معه آخر .. آخر يغيب عن اللوحه منذُ مده لكنه حاضر بشكلٍ او بآخر فيدور في خلجها سؤالاً ملهوفاً على الإجابه .. ان كان من في السِجن مدين .. فأين بيدر ؟ وفي الصباح لم تُطِق غيد صبراً الى ان خرجت من منزلها مُبكراً بحُجة الجامعه التي يبدو بأنها لن تقدر على تلاحق امرها بعد الآن، توقفت اقدامها عند باب صيدليه قريبه واخذت تضغط بيدها على المنديل المُحتفِظ بحبة الدواء تلك وخوفاً بداخلها ينال منها .. تخاف حتى من ان تتقدم لخطوه واحده في طريق بيدر الذي باتت توقن بأنه سودواي ولا مخرج منه ربما وضعت الحبه على الزجاج امام الصيدلي وبنبره هادئه سألت :ممكن اعرف استخدامات هذا الدواء ؟ اخذ الصيديلي الحبه الصغيره بين انامله واحتاج وقتاً يسيراً قبل ان يجلب شريط دواء معين، وضعهما على الزجاج وبدا الشبه واضحاً بين الاقراص فأجاب قائلاً :هذا دواء مُهدئ غالباً يوصف لمرضى الذهان، فيه نسبة منوم كبيره تساعدهم على النوم وتصفية العقل بشكل مؤقت لكنه مايُعتبر علاج .. مجرد مهدئ وقتي ابتلعت غيد ريق فمها بينما تنظر اليه وشيء من الحيره يختلجها قليلاً قبل ان تعود وتتسائل :الذهان بمعنى انفصام الشخصيه ؟ اومئ الصيدلي مؤكداً فأغمضت عينيها بهلع مما تبادر الى ذهنها، بدت تلك حلقه كبيره حتماً ستضم كل الحلقات الباقيه في سلسلة بيدر المُفككه، ازدردت ريق فمها الذي جف فجأه وهمست بالشكر للصيدلي الذي اكتفى بإيماءه بينما يراها تلتقط قُرص الدواء وتغادر حارت اين تذهب ! هل تعود الى منزلها وتنفرد بتزاحم افكارها الغريبه والسودوايه ام تتجه الى تلك الشقه التي باتت تملك مفتاحها وتبحث بداخلها عن القطع الناقصه من تلك اللوحه التي تفتقد الوضوح كما تفتقد الالوان ! ذلك ماقررته بالفعل .. وتقدمت بخطى بطيئه الى داخل الشقه استقبلها هواءاً بارداً يقشعر له البَدن يتسلل من النوافذ المفتوحه والابواب التي تتحرك بفعل الهواء القادم من الخارج، وضعت حقيبتها على الاريكه في الاستقبال الصغير واتجهت الى الشرفه اولاً مقعد ومنضده صغيره عليها كوب فارغ وقد بدا بأنه متروكاً منذ مده فقد غطى التراب حوافه تراجعت واغلقت الشرفه لتمنع دخول الهواء البارد قبل ان تتجه الى باقي المنزل، بدأت بالغرفه التي قال زياد بأنها لمدين يغلب عليها الرمادي مُدرجاً مُرتبه وكل شيء بها منظم مما ينم على شخصية صاحبها الدقيقه وعقله الصافي عدا من الخزانه المفتوحه والتي تجمعت فيها الملابس بعشوائيه تامه كما لو ان احداً اخرج جميعها ثم ادخلهم دفعه واحده دون ترتيب .. ربما ذلك هو الشيء الوحيد المثير للانتباه في هذه الغرفه بعد الخزنه والغبار الساطي على اجزاء اثاثها خرجت الى غرفه اخرى تراكمت فيها الكتب في رفوف خُصصت لها، عدد هائل من الكتب القديمه والحديثه مكتب يشغل الزاويه وصُوراً مرصوصه في احد اضلع الغرفه على رفٍ مخصص صوراً قديمه يظهر فيها احد التوأمان وهو طفلاً مع والديه .. فقط واحداً منهم، فأين الآخر ؟ ذلك ماتسائلت عنه غيد بينما تتمعن في الصور، ولو لم يظهر لها بوضوح بأن الصور تفقد اجزاءاً منها لسيطر عليها الشك حول حقيقة وجود أخ توأم من عدمها .. خرجت بعد دقائق لينتهي بها الامر تقف عند سلة الملابس وفي يدها القميص الدموي جاحظة العينين مُرتعبه مما تبادر الى ذهنها .. ايعقل ذلك ! وفي تلك اللحظات فقط وصل الى مسامعها صوت خطوات تلج الى الغرفه فتراجعت خطوه بينما تزدرد ريق فمها بهلع .. الصوت يرتفع والخطى تقترب الى ان وقع القميص من يدها وشهقت بصدمه ..... ! . . . . صوت المفاتيح وصرير الابواب الحديديه، ترنيمه تعيسه لاتُطاق تستمع اليها بينما تنام على جانبها في الفراش الذي حرصت على ان يشغل الزاويه من الزنزانه فقد بدت لها تلك البقعه آمنه أكثر تتمعن عينيها في رمادية الحائط غير آبهه بالأصوات المتقاطعه في الممر .. احاديث تهدأ تاره وتنفعل تاره اخرى وقد ميزت كون بينهم امرأه .. ربما هي عفراء تجهزت لرفض مقابلتها، جلست على فراشها بملامح طغى عليها النوم فقد استطاعت الخلود اليه مع بزوغ الفجر الى هذه الساعه التي حتماً تجاوزت الثامنه اتكئت على الحائط واخذت تراقب الآخر الملاصق للزنزانه الأخرى بينما تتفكر في حال السجين ذاك تُشفق عليه ويهون عليها مُصابها فهي لم تقتل عزيزاً عليها على الأقل ولديها من يهمه أمرها ولها عقلٌ موزون تتمتع به وتلك نعم عظمى لم تلحظها الا حينما رأت حال من يفقدها الأيام هُنا مُتشابهه، رماديه لاتطاق والوحده مُهلكه لكنها ايضاً مَلت من تجرع المرار رغماً عنها، ستتكبد عناء البقاء هنا وتدفع ثمن ذلك ولو كان غالياً لكنها لن تخضع لهِشام واختياره للمحاميه غير المُبرر فقد كفاها ما رأته في عيني والدتها من حُزن مُضاعف .. لن يُكسر والدتها عبرها هي .. زفرت وهي تستمتع لباب زنزاتها يُفتح، لم يُطرق عليه مسبقاً مما يعني ان احداً من عائلتها هُنا او امرأه .. وبالفعل رأت هِشام يدلف بخطى هادئه توقف قرب الباب، ملامحه بدت متعبه اكثر من ذي قبل هالات اسفل عينيه المُحمرتان ونور وجهه مطفي وبنبره مبحوحه كما لو كان يصرخ لساعات قال :كيف حالك ؟ رمشت سالي بينما تنظر اليه وقد تهاوت كل قرارتها، يبدو بأن هشام يعيش فتره صعبه ولايمكن ان يكون كل ذلك لأجلها هي ! ابتلعت ريق فمها وقالت :لله الحمد .. اومئ هشام ومسح على وجهه بينما ينطق راسماً على وجهه ابتسامه طفيفه لم تلق بحاله ابداً لكنها تعتبر قليله بحق مانطق به :قومي تجهزي .. صدر بحقك افراج رفعت حاجبيها بذهول ! ايعقل ! لقد وقع الخبر على مسامعها غريباً ولم تكن تتوقعه ابداً .. ليس بهذه السرعه على الأقل ! .. نظرت حولها كما لو كانت تتفكر فيما قال غير مُصدقه ذلك او غير مستعده لتصديقه، سمعت خطى تقترب بكعبٍ عالي فنظرت واذا بها عفراء التي رسمت على شفتيها ابتسامه وقالت :مبروك، العقبى لصدور الحكم في صالحنا ازدردت سالي ريق فمها ورأت هشام يطرق بأنظاره الى الأرض كما لو كان يتجنب النظر اليها، اومئت ولم تقدر على النطق ولو بهمسة شكر .. فوراً ارتدت حجابها وكذا النقاب، اتجه هشام لاخذ حاجياتها المرتبه في حقيبه سوداء صغيره ثم خرج وتبعته هي تجاور خطاها المُحاميه عفراء .. ورغماً عنها تلفتت حولها تبحث بين الوجوه عنه ولم تره ! تنفست الصعداء حينما رأت الشمس لأول مره بعد ايام مرت عصيبه بين الجدران المُظلمه، صعدت على متن سيارة هشام ورأته يتجه الى صندوقها ليضع الحقيبه قبل ان يعود الى حيث تقف المحاميه تراقبه بهدوء .. رفع انامله حاكاً طرف حاجبه وبينما هو ينظر الى الاسفل قال لها شاكراً :ما راح انسالك معروفك عفراء .. قاطعته عفراء بإبتسامه طفيفه حين علقت بقولها بينما هي لم تزح ناظريها عنه بهيئته التي لطالما كانت ذات جاذبيه مميزه وكأنه خُلِق ليُكمَل بزته هذه وصُنعت لتُكمله مُستغله اشاحته بناظريه عنها بطريقه غريبه :ما سويت شيء، كان واجبي اتجاه موكلتي وأديته .. تونا ببداية الطريق وبإذن الله انها سحابة صيف وراح تعدي ونتذكرها .. رفع ناظريه اليها عند آخر كلماته بدا جلياً في عينيه ماهو يُفكر به، فأتسعت ابتسامتها وتراجعت خطوه متمتعه بما اشعلته في داخله من لهيب شوقٍ وأمل .. وبينما هي هامه بالذهاب قالت :متواصلين ان شاء الله ابتعدت من امامه واتجهت الى سيارتها المركونه على جانب الطريق، شرد فيما تغيَر فيها .. من طِفله شغوفه طموحه مُحبه الى امرأه ناضجه تجيد التلاعب بظاهرها وكأن زمام مشاعرها رهن إرادتها كما وكأن مامضى على طلاقهما دهراً ليس مايقارب عشرة اعوام .. تنبّه بطرقاتٍ على نافذة سيارته فالتفت ليجد سالي من مكانها ترمقه بغير رضا فزفر واتجه الى مقعد السائق ليعود بها الى منزلها والصمت هو سيد الموقف .. كلاً في همه غارق . . . . والهمُ الذي تغرق فيه شهلاء كان من نوعٍ آخر، اشبه بالفاجعه ماحدَث لايمكن استيعاب هول الكارثه .. ترى نساء الحي جميعاً على ذات الألم يبكون من بينهم والدتها التي تبدو بحالٍ مؤسف كما لو كانت قد فقدت اختاً او أماً .. السواد والحِداد يخيم على الارجاء بينما هي في زاويةٍ ما تجلس وتتجلى عليها ملامح الذهول .. تبكي لكنها تشعر بأن البكاء لايُفرغ مابجوفها من لهيبٍ وألم كما لو كانت تصطنع كما لو ان حزنها ذاك لايكفيه البكاء ليوفي حقه بل شيء اعظم .. شيء يطفى نيراناً تأججت فيها نهضت بعد دقائق شردت فيها تراقب الزوايا التي شهِدت اسعد لحظاتها مع نور، طفولة ريان وحنان نجوى وطيب فؤادها متسائلة بجوفها عن مدى حقيقة ماحدث ! هل رحلوا ؟ جميعاً ؟ هل انتهى كل شيء وبمجرد ان تنتهي ايام العزاء سيغلق بابهم الى الابد .. لن تفوح رائحة الخبز في ارجاءه ولن تعلو قهقهات نور ولا شقاوة ريان ! نظرت الى الباب الحديدي بينما تغلقه بعيني الحنين والأسى .. ربما هذه المره الاخيره التي سيستقبلها فيها هذا المنزل .. المنزل الذي قضت فيه طفولتها بليالٍ وايام لا تُنسى سارت تجر خطاها بثقل، عينيها تلمع ببكاء محبوس وشفتيها ترتجف بغضب وحُرقه، خطوه تلو اخرى، وانتهى طريقها في الحي ليستقبلها الشارع الحيوي فصعدت على سيارة اجره وبينما هي على متنها اخرجت النقود التي خبئتها اسفل الكم الطويل لقميصها الصوفي .. مايكيفها لأن تذهب وتعود او لا تعود فمن يرغب بالعيش في قاع ذكريات الراحلين الذين لن يعودوا ! توقفت سيارة الاجره حالما وصلت الى وجهتها، مدت المال للسائق واتجهت بأنظارها الى المبنى في ذات الاثناء التي ابتعدت بها السياره .. رأته يقف عند باب القِسم متكئاً على الحائط تحتضن انامله لفافة سجائر متنشقاً سمومها الى رئتيه تبادلت معه نظراتٍ تكللت بالحقد من جانبها والبرود القاتل من جانبه ازدردت ريق فمها وسارت تخطو اليه فرأته يعتدل بوقوفه حالما اقتربت مشيراً للحارس الذي يجاوره بأن يبتعد وفَعَل .. وبنبره هادئه قال :البقيه بحياتكم سكتت شهلاء قليلاً، تُراقبه بسكون حائره فيما اتى بها فارغة الوفاض هل ظنت بأن الكلام نفسه سيطفئ نيران غضبها ؟ نظرت حولها بعينين محمرتين ثم قالت بنبره مهتزه :كان ممكن يعيشوا .. لولاك ! رمى سقراط قطف سجائره وداس عليه بقدمه بينما يعلق بتفهم وهو قد خمن بالفعل ان تحمله شهلاء ذنب ماحدث .. لكن ذلك لايعنيه ! هو لم يقم الا بواجبه وليس في ذلك اي شك :اختار الموت .. كان راح يعيش لولا تهوره رفعت شهلاء حاحبيها ووسعت من عينيها ولوهله كادت لتهرب من بين شفتيها قهقه ساخره، هل هو مقتنع حتى بما يقول ؟ الم يسحب منها الكلام رغماً عنها وتحت التهديد وقام باللحاق به رغم انه غير مختص في قضيته فهزأت بقولها الذي خرج حاداً :لو مالحقته وخيرته بين الموت على يدك او على يده بالأصح .. هز سقراط رأسها بنفي، اتكى على السياج الاسمنتي للدرج واعترض بقوله على طريقة تفكيرها تلك :انا مو قاتل مأجور شهلاء ! انا ضابط شرطه ماشي على نظم وقوانين ماراح احمل ريان تهمه مو مثبته عليه وبنفس الوقت ما اقدر اتجاهل هروب مشتبه به في جريمة قتل .. قاطعته شهلاء حين اقتربت خطوه ورفعت اصبعها السبابه امامه تنطق بحده وإنفعال :انت قايلي مو متهم .. قلت ان اقوالي ماتسجلت كلها .. زفر سقراط، رفع يده الى جبينه واشاح بناظريه الى جهةٍ اخرى، الى باب القسم الزجاجي تحديداً يرى وقفته تلك قد اثارت انتباه العديد من زملائه، لم يجب وصمته ذاك ذكَر شهلاء بكلماتٍ قالها ريان ذات يوم " اذا فرضنا الضابط سقراط هذا ماقاعد يستدرجك عشان يوصل لي، وش المطلوب مني بالضبط ؟ " .. أكان يستدرجها ! ازدردت ريق فمها وعادت خطوه الى الوراء، نظرت حولها بتشوش قبل ان تعيد ناظريها اليه وقد احمرتا اشد من ذي قبل وبغضبٍ وذهول قالت :خدعتني ؟ كنت متفق مع صاحبك عشان تستدرجوني واسلمه لكم ! تراجعت فتحولت ملامحه لاخرى غير راضيه، لسببٍ يجهله لم يُرضيه موقفه هو لم يفتعل خطئاً لقد كان يؤدي واجبه فحسب الا انه .. لايعرف ما على ضيقته تلك .. رآها تلتف لتغادر بكل ما في عينيها من خيبة امل فتقدم خطوه ونبس بإسمها فلم تأبه .. مد يده امامها ليوقفها فالتفتت ناحيته وصرخت بما شد انتباه كل من هو قادر على سماعها حين قالت :ابـعد من طـريقـي، لـك وجـه تتكـلم حتـى ؟ مـات قاصـر وأمـه بسببـك انـت، واجبـك هذا ماعـرفت تسويـه عشـان تجيـب قاتـل نـور، نصـرت الظـالم وخليـت المظلـوم يمـوت بحسـرته وجـاي تقولـي ضابـط شرطـه .. انـت قاتـل سقـراط .. قاتـل حقيـر ومُـنافق عقده كانت تتوسط حاجبي سقراط وهو يستمع لكل ما انفجرت به في وجهه، يتفهم وجعها وحُزنها كما الضغط النفسي الذي تعيشه لكنه لايستوعب موقفه بين حشد الرجال زملائه الذي تنبّهوا لكل مايحدث لكل مانطقت به وعلقته كوسام خزيٍ على صدره، ازدرد ريق فمه بإرتباك لاول مره يغزوه وبنبره حاده زجرها :لاتحديني اتعامل معك بطريقة ماتعجبك شهلاء، انتِ مطلوبه للتحقيق حول السياره المتسجله بأسمك وتجاوزتها عنك بكيفي رفعت شهلاء يدها امامه وعادت لتصرخ مقاطعه قوله الذي خرج بنبره اهدأ من خاصتها :لاتتجـاوز عنـي، خـذني للسجـن وحاكمنـي، اشيـل تهمـه على اكتافـي ولا أشيـل ذرة امتنـان لواحـد مايسـوى مثلـك .. ولوهله خرج سقراط عن طوره، لم يستطع كَتم غضبه أكثر ليس وهو يتعرض للتهزيئ امام الجميع وكأنه طِفلا ليس ذلك الضابط الذي فرض احترامه ومهابته هنا منذُ يومه الأول والى الآن .. لم يتجرأ قادته على التسفيل من قيمته ! قاطع قولها حين امسك بساعدها النحيل ودفعها امامه الى اسفل الدرجات فنزلتها وهي تحافظ على توازنها بصعوبه متكئه على السياج الاسمنتي، تبعها متعجلاً آمراً اياها بصرخه حاده ان تتقدم خطاه ولم تفعل .. توقفت تنظر اليه من مكانها فدنى منها بوجهٍ مُحمَر وعينين جاحطتين مهسهساً بقوله الحاد :قسماً بالله العظيم ياشهلاء لو ماتمشين قدامي لأسويك عبره للي مايتعتبر .. امشـي يـلا :ابو شاهين عسى ماشر، صاير شي ؟ اغمض سقراط عينيه بقل صبر قبل ان يلتفت ناحية احد زملاءه الذي يبدو بأن فضوله احكم السيطره عليه فتبّسم بواحده صفراء قائلاً :لا خير ان شاء الله .. التفت ناحيتها فور ان ابتعد الرجل ونظره واحده منه جعلتها تصِر على اسنانها وتتبعه الى ان توقف امام سيارته فتوقفت رافضه الصعود معه بقولها :تمزح انت ؟ لو مضيعه عقلي ماصعدت معك .. برجع بيتي بروحي روح انت رقع لهيبتك بين جماعتك لاتنشغل فيني . . . . على أريكه الإستقبال يجلس كلاهما بشرودٍ وصمت، تلك البدايه الكلاسيكيه لكل لقاء يجمعهما منذُ الأزل، وكأن بينهما بحراً من البعد، الاف الاميال الفكريه تفصلهما ويُصر القدر على مقاربة الخطى .. على وضع متراً او مترين بينهما في كل مره ولسان حالهُ يقول ( ان القلوب برغم البُعدِ تتصِل ) حولت ناظريها من المنضده الخشبيه الى المسافه التي تفصل بينهما على ذات الاريكه الطويله .. نهضت حين شعرت بغرابة الأمر، ما الذي تفعله ! كيف لها ان تقلل من قدر نفسها هكذا ! كيف للخوف والتشوش ان يسيطر حتى على تصرفاتها، همت بالمغادره دون ان تضيف اي كلمه ولا اي تعليق حول شيء ما قد يحتاج تعليقها .. نوت الذهاب بلا عوده هذه المره ومُشكلتها الأكبر ليست معه بل مع نفسها الأماره بالسوء التي باتت لاتُشبهها ولا ترتضي ماتقوم به الا انه .. قد كان له رأيٌ آخر حين قال :لاتروحين .. قولي اي شيء قبلها توقفت غيد لبرهه قبل ان تنظر اليه وتصمت، لثوانٍ مرت دون ان تنطق بأي قول، صمت اثار في نفسه الإرتباك والحيره .. ثم اقتطعته بقولها :انا ما اعرفك اصلاً ! انا حايره حتى في هويتك ! رفع بيدر يديه الى وجهه يمسح عليه، لم يكن ذلك ماتمناه، لم يسعى لتقمص شخصية مدين ولا العيش بهويه لاتخصه .. لكنه ايضاً لم يبذل جهداً كافياً ليقدم نفسه بقالبها الخاص فحظي بمصائبٍ جما وحياه لايرغبها زفر واجاب بخفوت محطم :انا نفس الشخص اللي عرفتيه من الساحل .. مو مهم اسمه .. التفتت بجسدها اليه، مستقيمه على بعد ثلاث خطوات منه، مستنكره مايقوله ! فإن كان اسمه غير مهماً فأنه بكل مايملك من كيان لابد الا يعنيها فماذا ستعرف عنه الم تعرف اسمه حتى ! وبإنفعال بسيط قالت :يهم .. فقاطعها فوراً بنبره مهتزه وكأنه بات على مقربةً من البكاء الذي يكتمه في كل لحظه تمر بمأسآة من حياته :طيب انا بيدر ! رفعت غيد رأسها ويدها الى جبينها قبل ان تعاود النظر اليه قائله :على الاقل لو ما اني حايره بين اثنين .. وبكل الاحوال اذا انت بيدر فـ مدين وينه ! الدم والدواء والغبره اللي بغرفته .. ! بيدر انا مو بس حايره بأسمك انا حايره حتى ..... توقفت عن الكلام بمفردها هذه المره، لم تقدر على الإكمال فبأي طريقةٍ تقولها .. هي لاتضمن سلامتها وهي معه في ذات الشقه بمفردهما لو لا الباب المفتوح على وسعه امامها والذي شددت على فتحه قبل ان تجالسه فكيف بها ان اتهمته بما تعجز عن استيعابه حتى .. بالقتل ! اطرق برأسه حائراً فيما يجيب .. يستذكر كلمات سقراط التي تتأرجح في عقله وكأنها عقرب بندول، كلمات تقيده وتثبته كما ان الخياران امامه باتا واضحين فإما القصاص بنفس مدين واما الحياة بإسم مدين .. وكل ذلك كيف يوضحه لها ؟ وكيف ستتفهمه ! هل ستبقى بجواره ان اعترف بأنه قاتل ؟ .. رفع ناظريه اليها وادلى بآخر محاولاته :مدين مسافر ... قاطعته غيد بغضبٍ هادر هاتفةً بقولها :مو مسافر .. ملابسه هنا وكل شيء يوضح انه اختفئ فجأه .. بيدر انت وش مسوي لأخوك ! تراجعت حين التمست منه الصمت، ينظر اليها بعينين لامعتين بأسى، ولوهله اعتراها الخوف من صمته فقررت ان ترحل ويكفيها منه ماعرفته الا انه نهض من مكانه متعجلاً سبق خطواتها ودفع الباب مغلقاً اياه ثم اتكئ عليها امامها وقال :دافعت عن نفسي .. مدين حاول يقتلني ازدردت غيد ريق فمها، تراه يضغط بيده على قفل الباب .. الخوف ينال منها والندم، ما الذي ورطها معه .. يظهر جلياً كونه رجُلاً عليل لايملك اي ذرة عقل واعيه، لم تتخيل يوماً ان تصرفاتها العفويه على الساحل قد تجرفها الى كوارث لاتُحمَد عقباها وان مبادئها التي نقضتها كانت بكل ذلك التأثير على سلامتها .. همست بهدوء في محاوله لانتشال نفسها من ورطته :طيب ! انا ما اعرفه ولا اعرفك .. اذا طلعت من هنا راح انسى كل شيء شفته وسمعته هز بيدر رأسه بنفي، من قال بأنه يريدها ان تنسى ؟ تنساه ؟ ومن سيذكره حينها، منذا الذي قد يهتم لأمره سواها، سيسلك طرقه المهجوره ويبحث عنه بين المفقودين ! اهتزت نبرته بينما يقول :مو مضطر اقولك شيء اذا انا ابيكِ تنسين ! رمشت غيد لثوانٍ قبل ان تستفهم بنبره جاهدت على ان تخرج طبيعيه فلا يظهر فيها خوفٌ ولا إرتباك :اجل وش تبي مني ؟ زفر بيدر وتقدم خطوه بينما تراجعت هي واحده فتوقف في مكانه مستسلماً لعاطفته واحتياجه بقوله :بأي لغه راح تفهميني غيد ؟ احتاجك جنبي .. كل اللي قاعد امر فيه ثقيل علي رفع يده الى جانب رأسه يضرب بخفه بينما يردف :عقلي مو قادر يستوعب .. انا اواجه شيء اكبر من طاقة تحملي جال بعينيه كما لو كان يبحث عن جمله تختصره، تُمثل حقيقة شعوره وتشرح عمق مايرغب بإيصاله وحجم معاناته التي تبدو بأنها ليست على وِفاقٍ مع اللغه التي لم تقدر على وصفها جيداً الا ان غيد لم تنتظر سماع الأكثر فهي باتت على قناعه تامه بالصحيح له قائله :انت تحتاج علاج ! ليه قاعد تهرب من هالفكره المهدئات ماراح تفيدك بشيء .. لازم تتعالج .. وقاطعها هو بغضبٍ انفجر فجأه بينما يضرب بيده على خشبِ الباب هاتفاً :لاتـشبهينـه ! لاتتكلميـن بكـلامه غيـد .. تقرب منها بينما هي تقف منكمشه على نفسها بخوف وبنبره اقل علواً لكنها اشد رعباً قائلاً :انا قتلته لهذا السبب .. شد فكه بقوه بينما ينظر اليها منكمشه برعبٍ وهَلع منه وتراجع بينما يهز رأسه بجنون ورفض هامساً بطريقه زادت من ترويعها :انا ماراح اقتلك .. غيد انا راح اقتل نفسي هالمره التفتت غيد بعجاله ناحية المنضده، التقطت من عليها قنينة ماء زجاجيه نصف ممتلئه وقبل ان يتنبه بيدر ماتنوي اليه كانت قد ضربتها عليه فصدها بساعده الذي خُدِش بزجاجها، امسك بيده التي اخذت تنزف الدماء فأستغلت هي انشغاله وهرعت الى الباب، نظر اليها بيدر لبرهه بنظره خذلان من عينين تراكمت بهن الدموع الا انها خرجت ولم تتوقف عن الركض الا حين استقامت على الرصيف تلتقط انفاسها بصعوبه وتمد يدها لتوقف سيارة اجره تستغلها اما هو فقد جلس ارضاً بين الاريكه والدولاب الصغير الملاصق للحائط جوار الباب، ينظر الى حيث جرت خطاها هاربةً منه ومن جنونه، هطل الدمع من عينيه واستسلم خانعاً للاصوات التي تتعالى في رأسه واوهامه التي تتراقص امام عينيه .. عاد متجرعاً ثقل وحدته وآلامه .. بمفرده بعد ان ذاق الأنس للمرة الاولى في حياته ! . . . . تقف في زاوية المطبخ يغزوها عظيم الإرتباك والأعظم من الغضب بينما ترى والدتها تضع الكؤوس وتصب فيهم القهوه، تصر على اسنانها كلما التقطت أُذنيها قهقهاته القميئه وهو يحدث والدها بأمرٍ لايعنيها فهم ماهيته وبنبره حاده مستاءه قالت :بأي عين يجي ، بعد اللي سواه فيني ! زفرت مريم انفاساً ضَجِره بينما تستمع لهذر ملاذ التي لم تصمت منذُ ان اتى عزيز الى منزلهم مُفاجئه، وضعت الدله في مكانها ثم اخذت الاكواب الى الخارج قبل ان تهمس لابنتها قائله :لاتطلعين لأي سبب حتى لو سمعتيه يجيب سيرتك لاتطلعين .. فاهمه ؟ صرت ملاذ على اسنانه وجلست على المقعد بغضب بينما مريم مازالت تقف في مكانها تنظر اليها كما لو كانت تنتظر اجابه او تأكيد فالتفتت ناحيتها واجابت بغضب :ماراح اطلع، مابي اسم بدني بشوفته اصلاً تنهدت مريم وخرجت الى الحوش الذي يجلس فيه كلاً من سلطان وعزيز على مقاعد خشبيه متجاوره، مدت لهم الأكواب وهمس عزيز يشكرها قبل ان تجلس على مقعد مجاور لخاصة سلطان وتستمع لباقي الحديث الذي اخذ عزيز يسرده لسلطان المُنسجم والمُستمتع بأحاديث ابن أخته، الى ان تحولت الاحاديث تماماً بقول عزيز الذي نبس به بعد ان وضع كوبه على المنضده وقال :انا جاي طالب القُرب منك ياخالي .. ادري ان الوقت مو مناسب ولا جيتي بروحي مناسبه لكن انتم اهلي وادرى بالوضع، اعمامي كل مره يحتاجون ثلاث اربع سنين يلا يجتمعون في بلد وحده وانا رجال انتصفت الثلاثين وماجيت من اسبانيا الا وبنيتي زواج بإذن الله تبّسم سلطان بودٍ ومحبه، بدا قراره واضحاً في عينيه اللامعه حينما امسك بكف عزيز شد عليها واومئ بإجابه واضحه، سلطان لم يرى حاجه في التفكير او التمطيط اكثر فتلك ليست الا خطوه رسميه بينما الواقع المتعارف عليه مسبقاً بأن ملاذ لعزيز والكل راضٍ بذلك .. ازدردت مريم ريق فمها ووجهت انظارها الحاده لعزيز الذي فِهم كل مايجري وكما فهم اجابة عمه التي اراحته بحق ميز كون مريم تعلم بكل ماجرى بينه وبين ملاذ اعتذر بعد دقائق وغادر بعد ان اخبرهم بانه ينتظر منهم الرد بخصوص طلباتهم مُحدداً هو بنفسه موعد عقد القِران والزِفاف، تبعته مريم وعند الباب توقفت قائله بعد ان تأكدت من ان صوتها لن يصل الى مسامع سلطان :سواتك الاخيره فيها ماتغتفر ياعزيز، ابوها مايدري واظنك لاحظت هذا اومئ عزيز وزفر نفساً ضيقاً قبل ان يعلق بينما تستقر انظاره على سيارته الجديده التي ركنها بجوار باب خاله مجيباً :لاحظت ومن نظراتك فهمت انها رافضتني، ما الومها يمكن انها شافت مني جانب ماكان المفترض تشوفه لكن انا لي اسبابي ياخاله .. فياض اخوي وعلى عيني وراسي وملاذ انا واثق بأخلاقها دامها بنت رجال مثل خالي سلطان لكن الموضوع استفزني طالما اني سامع عن مشاعره لها .. فكيف مطلوب مني اتجاهل سوالفها وضحكها معه ! كانت مريم تتفهم اسبابه جيداً لكن ما لم تستطع تفهمه هو ردة فعله التي انصب جميعها على ابنتها وبأي حق؟ هي حتى وان اصبحت زوجته فلن تغفر له امر مد يده عليها فكيف لو انها مازالت لم تُخطب رسمياً لهُ حتى ! ربما الأمر برمته ليس سبباً لرفض عزيز بكل ايجابياته امام غلطه ارتكبها الطرفين لكنها ايضاً لن تمر مرور الكِرام :بغض النظر، كنت تقدر تكلمنا واحنا نصحح لها غلطها انت مو مسؤول عنها ولا لك حقوق عليها عزيز، وبعدين مهما كانت غلطتها مالك حق تمد يدك عليها حتى لو صارت بكره حلالك اومئ عزيز بإعتراف واقتناع، هو ذاته أنب نفسه على ردة فعله تِلك لكن الموقف اخرجه عن سطوة سيطرته فأندفع بطريقه لا تُشبهه لكنها تُشبه خيبته وانكساره بتلك اللحظه، تُشبه مدى عشمه بملاذ كفتاه طاهره ارتغبها زوجه واستقرار وآمان وبنبره محمله بالصِدق قال :راح اعتذر منها ومستعد ارضيها بالطريقه اللي تبيها، انا غلطت بحقها واعترف بغلطي والشور لكم على اي حال مو مطلوب منكم تجبرونها علي اذا هي رافضتني بشكل قاطع زفرت مريم وبهدوء علقت حينما كانت هي لاتملك ذاك القرار ولا تشجعه اصلا :يصير خير ان شاء الله، اذا لكم نصيب من ربي ما احد يقدر يرده سكن عزيز قليلاً حينما التمح نوعاً من التردد في قولها، ازدرد ريق فمه واومئ بهدوء قبل ان يودعها ويغادر بحيره وحسره تضاعفت رغماً عنه اما مريم فحالما دلفت تقدمت لحمل الكؤوس من على المنضده وهمست لسلطان بأنها ستجلب له ماءاً بارداً فأومى برضا رغم حيرته من وقوفها الطويل مع عزيز على غير عادتها، دخلت هي فوجدت ملاذ تدور في الصاله بغضب وسرعان ماتقدمت ناحيتها تهمس بسخط :جاء يخطب قليل الخاتمه ؟ خير شايفني بلا كرامه راح ارضى فيه اتجهت مريم الى المطبخ وبينما هي تسير وتتبعها ملاذ بخطاها الضاربه على الأرض اجابت :اعترف بغلطه ووعد يعتذر لك .. قاطعتها ملاذ حينما وقفت بجوارها عند الكاونتر نابسه بإستنكار ورفض تام :نعم نعم ؟ ليه هو داس على ثوبي بالغلط ولا ماد يده علي كأنه ابوي ! حتى ابوي ماسواها نظرت اليها مريم وبحده نبست تذكرها ايضاً بأنها لم تكن بريئه للاخير بل اخطئت مهما صغر خطئها امام خاصته :الرجال يدري عن مشاعر فياض لك، اصلا منو مايدري غير اسمهان وبنتها ؟ وما استبعد ان زوجها الله يرحمه كان قايل لها .. ماتشوفين انك غلطانه يوم تكلمينه كأن مافي شيء ؟ تراه مو اخوك ولد عمك، ماهو بمحرمٍ لك ولا لك حق تاخذين راحتك معه بالسوالف والضحك اتسعت عيني ملاذ بدهشه من تحول لهجة والدتها، نظرت اليها بإستنكار بينما تقوم بغسل الاكواب فهمست بذهول :وش قايل لك وصرتي بصفه بدقائق ؟ رمت مريم الكوب في المغسله بحده قبل ان تلتفت نحو ابنتها وتهتف بنبره حاده قليلة العلو كي لاتصل الى مسامع سلطان :ماصرت بصفه، انا ماراح اشجعك على الغلط ولا راح اقويه عليك، انتي غلطتي وهو غلط وجل من لايخطئ .. طالما كل واحد منكم عارف غلطته وندمان عليها ماله داعي نكبرها ونسويها فضيحه مالها غطاء بدت مريم حاده في كلماتها الأخيره اكثر من ذي قبل كما لو كانت تحث ابنتها على التفكر في خطئها والاعتراف به الا ان ملاذ صرت على اسنانها وضربت بيدها على الكاونتر قبل ان تغادر من امامها الى غرفتها حيث اغلقت الباب على نفسها وكتمت صرخة حنق تكاد ان تتفجر من بين شفتيها بينما تشتم المعني بلا توقف . . . . بجوار باب غُرفتها تجلس محتضنه جسدها بينما كل عضله فيها ترتعش وهي تستمع لصراخ وهُتاف والدتها الذي لم تنفك عنه منذُ اكثر من ساعه .. تحديداً منذُ ان رأتها تترجل من على متن سيارة سقراط الذي اجبرها على صعودها بطريقه لم تتخيلها يوماً .. تُفكِر في مدى صحته العقليه وهو يجرها من يدها كما لو كان يقوم بإختطافها ولم يثنيه احد .. منذا سيُثنيه في أرضٍ هو حاكمها ! ترى لؤي يشاركها البكاء بخوف وحُزن، هذا الطفل يعيش ايام عصيبه الجميع فيها متوترون من حوله لأسباب تتجاوز شعر رأسه، بينما هي فتبكي بسبب كل شيء حُزناً على عائلة صديقتها، خوفاً من والدتها وحقداً على ذلك المعتوه تقدمت والدتها منها وكأنها قد اعادت تشغيل نوبة الغضب، دنت منها وامسكت بساعدها تصرخ في وجهها قائله :قـومي قـومي اطـلعي بيـن اهـل الحـاره واسـمعي وش يقـولون عنـك الحيـن، عمـرك شفـتي بنـت مـن بنـات الجـيران جايـه مـع رجـال غـريب ؟ عمـرك سمـعتي عـن وحـده مخبـيه ابـن جيـرانها بالمجـلس ؟ انطـقي كلميـني ؟ هـذي اخـرة الثقـه فيـك ياشهـلاء ؟ نهضت فور ان انهت كلماتها تلك، امسكت شهلاء بساعدها بألم ذاته الذي جرها به سقراط وقد احمر بشِده فلولا ثوبها ذو الاكمام الطويله الذي تعمدت لبسه لقامت والدتها بقتلها الان، وبينما هي تدور في الغرفه عادت لتردف بنبره صمت آذان ابنائها الاثنين :طبعـاً هـذي آخـرة الـدلع، سيـاره وفلـوس آخـر الشـهر تصـرف علـى عايـله كاملـه .. هـذا اللـي بيـده يسـويه لكـن التـربيه مـو فاضـي لهـا قاعـد يلفلـف مـن دولـه لأخـتها مـن بـلاد الكـفار .. قاطعتها شهلاء بنبره اتضح فيها البكاء والقهر قائله :كان يزورنا، يسأل علينا ويهمه حالنا بس انتي اللي مارضيتي، انتي اللي كنتي رافضه تدخلينه .. ماترضين علي اجي مع رجال غريب بس ترضين اقابل ابوي بالشارع والناس كلها تمر وتطالع فيني تطاير الشرر من عيني سعاد تلك التي اكثر ماتمقته هو سماع كلمة جيده بحق طليقها والد شهلاء ولؤي كما تمقته وتستاء لسيرته او وجوده، بنبره اكثر حده هتفت :وهذا حـده ؟ زيـاره من خمـس دقائـق ! هذا اللي يـقدر عليـه هو لو كـان يبيـكم كان اخـذكم ليله وحـده في بيته وشبـع منكم .. بس لا يعـلم ربي وش من بـلاء مخبيـه عن الخـلق والعـباد هنـاك هزت شهلاء رأسها بنفي، لايمكنها تقبل ذلك الاتهام بحق والدها او اتهامه بالتقصير فهي من كانت ترفض في كل مره لأجل والدتها لذا فصرخت بقولها :ماكـنت ارضـى، عمـره ماعرض علـي انـام عنده ورضيت عشانكِ انتي مابي اخليك بروحك، حتى لـؤي ماخليتـه ياخـذه وهو تفهمـني بمجـرد ماقلتـله انـك متعلقه فيـه .. يمـه ابـوي مو حـاقد عليـك قد مـا انتي حاقـده وشايلـه بقلبـك عليـه تقدمت سعاد خطوتين وهي ترعد بقولها الحاد الهادر وهي تدافع عن نفسها بقولها :لان انا المظلـومه مو هو، ليـه يحـقد علي وانا مو مسـويه له شيء ! انا اللي فضـحته بكل الحـاره وسمعـت فيه اللي مايسـمع على شـيء تافـه مايسـوى ؟ شدت شهلاء من ضغطها على ثوبها بينما تعود اليها ذكريات الليله الفاصله بين والديها حين حدث في منتصف الليل شجاراً لم يبقى احداً في الحي لم يسمع به لسبب لم يكن منطقياً حتى .. بل كانت مجرد تراكمات خرجت في ليله واحده وانهت كل شيء، بين شهقاتها الحزينه وعينيها الشارده قالت :مثل اللي تسوينه فيني الحين ! قطعت سعاد باقي المسافه الى شهلاء وامسكت بشعرها تشده بين ايديها متجاهله صرخات الاخرى ومحاولاتها للدفاع عن نفسها بلا فائده، متجاهله ايضاً صراخ لؤي وطرقات الباب العنيفه، استمرت بضرب شهلاء مُفرغةً بها كل غضبها وما يختلجها من قهر وسُخط وتراكمات بجوارهن لؤي يقفز من شدة خوفه ورعبه وبكاءه الحاد لم يتوقف، ركض بعيداً عنهن بعد برهه متجهاً الى الباب الذي يسمع طرقاته المتواصله بإصرار وعنف وكل امل الصغير ان يجد خالته نجوى قد اتت لنجدتهم .. الا انه تفاجئ برجُلٍ خيم عليه بضلاله فرفع رأسه ينظر اليه وقد توقفت شهقاته وبنبره مهتزه قال مشيراً الى حيث مازال الصراخ لم يتوقف :ماما تضرب شهلاء .. . . . . غُرفه تعُمها الفوضى تماماً كباقي ارجاء المنزل الصغير والذي ليس الا جناحاً من باقي المنزل الواسع على ايمنه، يتمدد هو على سريره بجسدٍ واهن كيس الدواء معلقاً بجواره منساباً سائله بهدوء الى اوردته، بينما يتكى هو برأسه على ظهر السرير يراقب الفراغ المُحيط به فجراً جاء اليه هشام بوجهٍ ممتعض وحالٍ لايسر، جلب طعام وبضع ادويه قد تساعد على شفاءه سريعاً ورحل دون ان ينطق بأي كلمه سوى سؤاله عن حاله ليعود الى وحدته مجدداً لكن هذه المره مع وهن وتعب في صراعٍ مع الحمى التي ما انفكت عنه رغم كل ماتجرعه من ادويه لاجلها افكاره تجوبُ بهِ هنا وهُنا، يمر طيف ملاذ من امام عينيه مرغماً فيهرب منه عكساً لحاله القديم، بات يشعر بأن ذلك الحب ليس الا مرضاً ينهش قلبه فيعجز عن الشفاء منه، يوقن بأن سالي هي دواءه لكنها الان هماً آخر يتحمله عاتقه والطريق اليها رغم انه يبدو يسيراً الا انه ثقيل .. متمنياً بأن صعوباته تلك ستشغله عن ملاذ التي ماعاد له اي امل فيها من جواره رن الهاتف بإشعار رِساله، كانت قادمه من هشام ومضمونها اذهله ! اتسعت عينيه لبرهه بينما يعيد قراءة الرساله التي شملت خبر خروج سالي من السجن، ازدرد ريق فمه ووجد شفتيه تتسع بإبتسامه طفيفه سرعان ما اختفت وهو يقوم بفك الإبره عن يده، اتكى على ظهر السرير بينما ينهض واحتاج لبرهه متكئاً على الحائط كي يستعيد توازنه لايعلم لمَ لكنه فجأه رغب بزيارة منزل عمه، ربما السبب واضح لكن فياض يحاول انكاره، انه يحاول الخنوع لفكرة جديده محاولاً ادراجها في رأسه .. انه راضٍ كل الرضى بسالي ! ارتدى ملابساً ثقيله بسبب البرد الذي يعتري جسده، سار يخطو بخطى ثقيله الى الباب الذي لم يستطع الوصول اليه الا بشق الأنفس، اتكى عليه واخذ يلتقط انفاسه بصعوبه، جلس بجواره وهو يشعر بجسده يمطر عرقاً، اتكى برأسه على الحائط .. يبدو بأنه استهان بحاله اخرج هاتفه من جيب بنطاله، يراقبه لدقائق محتاراً بمن يتصل ومن يستنجد ! اصوات بنات اخيه تخترق مسامعه من خلف الباب الفاصل بينهما ورغم ان علاقته بهن شبه معدومه والتي لم تقصر والدتهن في بترها الا انه وجدهن اقرب من قد ينجده فزحف بصعوبه الى ذاك الباب الذي يشغل حيزاً من ذات الصاله .. طرق عليه لمرات فغزى الصمت ماوراءه .. اعاد طرقاته الى ان وهنت قواه ووقع على جانبه عند عتبة الباب فاقداً ماتبقى لديه من وعي . . . . على المقعد الحَجري الذي بدأ منه كل شيء جلست امام مبنى الجامعه بعد انتهاء محاضراتها التي بالكاد لحقت عليها، تراقب الطريق الذي سُفكت عليه دماء نور والمقعد الذي كان يشغله بيدر في كل صباح مع قهوته وكتابه .. ذلك قبل ان تتبّسم ساخره ! كان اي واحداً منهما ؟ ايعقل ان بيدر يمتلك مثل تلك العاده ! رجل لايملك عقلاً صحيحاً ايملك ذهناً صافياً لقراءة الكُتب ؟ زفرت انفاسها بضجرٍ من الأمر برمته، الحيره تهلكها والأسى قد سلك طريقاً الى فؤادها، تؤسفها نظرته الأخيره تلك كما لو انها قد حملتها كل ثقله ليحط على اكتافها هماً اعظم من سابقه .. تتخيل حاله الان وطوال الوقت الماضي ظلت تتخيل ذلك منذ ان غادرته صباحاً هل اخطئت ؟ هزت رأسها تنفي تلك الفكره من رأسها بينما تنهض من مكانها هرباً من تلك الافكار والذكريات التي حتماً ستلاحقها اينما ذهبت وحلت، استقلت سيارة اجره وعادت الى منزلها منسدلة الكتفين والأسى يلمع في عينيها، استقبلتها والدتها بنظرات مُقيمه بينما تتسائل :حضرتي محاضراتك ؟ اومئت غيد بتأكيد، رمت حقيبتها على المقعد المجاور للاريكه وكذا نقابها قبل ان تتجه بخطى مثقله الى غرفتها رافضه تناول الغداء، تمددت على سريرها وهي تود الخلود الى النوم فحسب، الهرب من كل مايتبادر الى ذهنها وكل الافكار التي تسيطر عليها فتقلق سكينتها التفتت ناحية الباب حينما سمعت طرقتين على الباب ودلفت عقبهن ملاذ بملامحها الحزينه، هذه التي تحيا حُزناً آخر لايليق بها تقدمت نحوها بخطى هادئه قبل ان تتمدد بجوارها على ذات السرير هامسه :لقيتي شيء ؟ شمت غيد انفها حينما كانت تكتم بكاءها غير المبرر برأيها وبنبره حزينه قالت بإجابه :لقيته بكبره صمتت ملاذ بينما تنظر اليها محاوله قراءة ماجرى في عيني شقيقتها التي سرعان ما انساب الدمع منهن كما لو انه تفجر، شهقت بخفوت بينما تهمس مردفه بنبره مهتزه :حِرت وش اسوي .. هربـ..ـت منه .. وبكـى ! رفعت ملاذ اناملها الى عينيها تمسح الدمع الذي تلألأ فيهن بحُزن وكأنها تنتظر فقط سبباً لتخرج مابها من الم، رأت غيد تشم انفها وتمسح دموعها بقسوه بينما تهرب من امر بيدر برمته قائله بتساؤل :امي كلمت ابوي بخصوص رفضك لعزيز ؟ اغمضت ملاذ عينيها بقهر شديد، وبنبره امتلئت بالغيض قالت :جاء وخطبني من ابوي، حدد موعد الخطبه والعرس بالأسبوعين الجايين واهلك وافقوا ذُهلت غيد بما تسمع، جلست في مكانها ونظرت بعينين متسعتين بدهشه، رمشت وهي ترى ملاذ تذرف دموعها قهراً وكمداً، اشاحت بعينيها في نقطة فراغ من الغرفه بينما تعض على شفتيها كاتمة كل الضغوطات التي تنال منها تباعاً .. في جهةٍ اخرى كان بيدر قد تناول حبتين من دواءه المتناثر على ارضية الغرفه غير آبه بإمكانية تلوثه، تمدد على الأرض البارده هارباً من محيا لايُطاق وساعاتٍ من الدهر عصيبه الى كوابيس لا تقل رعباً عن وهم صحوته بل تزيد .. الا ان خنجر غيد لن يؤلمه حينها .. ولن يشعر بالوحده فعمه سيؤنس وحدته بطريقته الخاصه اخذت تتشوش رؤيته تدريجياً وتختفي كل طاقته التي يملكها بينما ترتكز عينيه الثقيلتان بباب غُرفته الموارب، جسده يثقُل وتُبتر في رأسه الأصوات واحداً تلو آخر عدى من صوتٍ واحد عاد لخطوات احذيةٍ يألفها تقترب منه خطوه تلو آخرى فتبّسم وأغلق عينيه شاعراً بدفئ يحتضن جسده فجأه بالغطاء الذي التف حوله واناملاً محببه مرت عبر خصلات رأسه كما الهمسُ الذي مر بمسامعه :انت بخير بيدر .. لاتخاف حتى لو ماحولك احد . . . . خُذني معك خُذ ما لدي وما إلي وما فقدت من الحياة.. لعلّني أسترجعك هذي يدي وقبيلتي خُذ كلّ آمالي وأحلامي وشعري خُذ كلّ ما أدري ولا أدري خذها إليك.. فإنها عمياء صماء أتتك لكي تراك وتسمعك! | ||||
24-11-24, 01:16 AM | #53 | ||||
| اما لعبة الرصاص بين عزيز وفياض تجاوزت المعقول هههههه شهلاء فعلاً حتى انا احملها الذنب!! يعني ما قدرت تتهربي من سقراط وتألفي اي عذر او تاخريه مثلاً . سقراط كيف شفت السياره سقطت وتقلبت فيهم وانته ولا اهتز فيك شعرررره معقوله ووين الانسانيه ،حتى بالعسكريه ما اعتقد الانسانيه معدومه عندهم . بيدر اتوقع تصير شخصيته ثانيه مع العصابات واتوقع اللي دخل عليه سقراط ،وهو اللي بيمسك بيده وبيغير شخصيته ويعالجه . اتوقع اللي دخل على شهلاء وامها تضربها هو سقراط وما قدر يمشي مباشرةً ،حاسس بتأنيب الضمير ومثل ما توقع امها سوت لها مشكله وطبعاً هو المنقذ وراح تعرض عليه امها ان يتزوجها ويأخذها من عندها عشان القيل والقال وهم اهم ما عندهم سمعتهم. يعطيكِ العافيه يا ايات ابدعتتتتي ،ومنتظرينك يالغلا بالقادم المشوووق❤ | ||||
03-12-24, 06:57 PM | #55 | ||||
| الفصل الثاني عششر . . . . بعد يومان .. كذبنا ان قلنا عادت الأيام الى مجاريها، فكل شيء بات مختلفاً، وكأنما الزِلزال توقف بغته لكن الحال بعده لايشبه الحالُ قبله، هناك مرحله جديده من حياة كل واحد تلوح بالأفق يسير الى الخيار المطروح امامه مجبراً لاطوعاً وجبراً عليه ايضاً الرضوخ لما بات عليه من حال لكن هل يرضخ احدهم ؟ جميعهم شتى وجميعهم ينسلون من تحت الركام كي يحاولوا .. فقط محاوله لكنها محمله بكل الأمل والعزيمه بأن تغدو الايام افضل والحياه تستحق ان تُعاش بحق والا الموت في سبيلها والكفاح كفاح الى ان تبلغ الاجساد مثواها الأخير وعلى رأس الجمع بيدر، ذاك الذي بات لايعرف للنوم طريقاً ولا للصحوه مذاق، يحيا في خِضم نوباته واوهامه وإنكساراته، وحيداً في الدار الموحِشه .. ربما ليس وحيداً فمدين عاد اليه وهماً وذلك على الاقل يؤنسه فيشكو اليه ويتحدث معه كما لو كان حياً .. بل اقرب اليه من مدين الراحل اقرب كثيراً وكأنه ليس الا نسجاً من اماني وآمال علقها ذات يوم على كتفي اخيه فأوقعها سهواً او عمداً على مقعدٍ خشبي وحيد في الشرفة المهجوره كانت ترتكز انظار بيدر فيراقب خيال اخيه ويتبّسم، ابتسامه ليست صادقه فهو يعلم بأن ذلك ليس الا وهم وخيال مجرد خيال سيختفي بمجرد ان يأذن له هو بذلك الا انه خضع .. وآمن بأن ذلك هو باب الحياه الوحيد المفتوح امامه ( ان يموت على قيد الحياه )، اطرق برأسه ذو الشعر الكثيف الذي بات يهطل على عينيه فيزعجها، رفع كفه على مقدمته محاولاً تجنيبها قليلاً عن منتصف رأسه ثم قال هامساً :انا .. احاول اني احصل نقطة بدايه، جماعتك ماجوا حولي من يومها .. ما اعرف لهم طريق وهو قالي انتظر .. هالكلمه الوحيده اللي جاوبني فيها لما قلت له كيف اوصلهم ؟ رفع رأسه بعد برهه يسيره ونظر في وجه مدين الساكن على مقعده متكئاً على ظهره بكاريزما مميزه، مميزه جداً، ولطالما كان مدين مهيباً في نظر اخيه وايقونة تستحق ان يُحتذى بها وليته يقدر .. ليت ! فقط اردف بإستنكار مستفهماً :مدين انت كيف طحت في هذا الدرب ؟ .. انا مو قادر استوعب ! صح ماكنت اعرف شيء عن شغلك او من وين مصدر فلوسك بس كان هذا آخر شيء ممكن افكر فيه .. مخدرات ! لم يُجب مدين، او وهمه المزعوم بل بقي على حاله يراقبه صامتاً كما لو انه يُشاهد فيلما او مشهداً ممتع، بينما بيدر فقد زفر انفاسه ونهض بخطى ثقيله الى زاوية الشرفه يراقب النهار الذي بدا منذُ ساعه او ساعه ونِصف، مازال الوقت مبكراً فلا احد يسير هنا او هناك وبينما كفيه تضغط على سياج الشرفه عاد قائلاً :غيد ماصدقتني .. لما قلت لها بأني كنت ادافع عن نفسي هربت مني، حقها ! صح بس انا محتاج لها يامدين، كانت الحقيقه الوحيده في حياتي كانت القشه اللي تمسكت فيها وانا مابيني وبين الغرق الا نفس واحد .. همس خافت جاء من خلفه، بصوت مدين الأجش الذي يفوقه خشونه بنسبه بالكاد تُلحظ حين قال :انت تبالغ بمشاعرك ناحيتها كان صوتاً من قاع بيدر من قناعةٍ ما راسخه في جذوره الا انه لم يجرؤ على سماعها الا من فاه الوهم والخيال، فالتفت ناحيته واجاب بقناعةٍ اخرى تتفوق على تلك :شفت الحياه بعيونها لاول مره، تعشمت فيها ماتسحب اليد اللي مدتها لي .. تقدم ناحية المقعد الفارغ واخذ يعيد ذات القناعه التي يتمتع بها، ذات الصفه التي يجدها لائقه بغيد وسيتغنى بها طالما هو حيٌ يُرزق :الحقيقه الوحيده .. بين كل السراب اللي عشته غيد هي الواقع اللي آمنت فيه مدين، انا ما ابالغ انا احاول اتمسك بحبل نجاة زفر حين التمس الصمت ممن امامه وسُرعان ماتحول المقعد الى فراغ، لا احد يجلس عليه .. لم يجلس عليه احد منذُ تلك الليله التي قضى فيها مدين نحبه ورغماً عنه عادت به الذاكره الى تلك الليله فزم شفتيه واعاد الالتفات نحو ذات المقعد بينما يهمس بنبره اختلجها شيئاً من الشك بات ينتابه مؤخراً بعدما استطاع الاقتناع بأن كل ماحوله وهم حتى غدى يشك في هويته .. هل هو بيدر ؟ ام رجل آخر لايمت لبيدر ومدين بصِله ! :انت .. حاولت تقتلني ؟ .. مدين ! قهقه عاليه صدرت من مكانٍ ما، ليست لمدين بل لعمه الراحل، انكمش بينما يتراجع بخطاه الى السياج الجانبي للشرفه، يرى المعنى يتقدم ناحيته بسوطه الذي يقطر دماً .. حشر جسده بين السياج والحائط وهو يراقب السوط بحدقتين متسعتين تهتزان برعب .. يرغب في الصراخ، في ان يخبره بأن الندبات الاولى لما تُشفى بعد، مازال يعاني من الامها .. جلس على ركبتيه واحتضن جسده وحينها فقط صوت ضربه قويه من المبنى المقابل .. من الشرفه المواجهه له تحديداً نظر وفوراً ميز كون باب الشرفه قد أُغلِق بقوه، هل كان هناك احداً ما يراقبه دون ان يلحظ ؟ وجد الفراغ حوله لا عمه ولا مدين فقط باب شقته يُطرَق بقوه فنهض من مكانه واتجه بخطاه المتعثره اليه وفور ان فتحه تم دفعه بقوه الى الداخل حتى كاد ان يقع، تماسك بصعوبه وهو يرى رجلان تختفي ملامحهما خلف اللثام اندفعا اليه وقيدا معصميه مع عينيه .. ثم دقائق قليله وسكن كل شيء حوله ثم راح في خِضم الظلام واللاوعي . . . . ( هالمره بعديها لأجل خاطرها ، لاتختبرين صبري فيهم ، ماراح يعجبك اللي بتشوفينه مني .. ) كِلماته تِلك في مُخيلتها تتردد، تُعاد وتُكرر وفي كل مره تشعل فتيل غضبها أكثر، حنقها يتضاعف في كل ثانيه والوحده لاتُساعد على النسيان .. فقد بات المنزل خاوياً بِلا روح ولا حياه باهت والمحيا فيه لايُطاق، تدور في ارجاءه بلا هدف وعقلها لم ينكف عن التفكير في ابنائها الذين سُلبوا منها على حين غره قبل البارحه تؤمن بأنها لم تخطأ، ربما بالغت قليلاً لكنها لم تخطأ فشهلاء ابنتها وهي من يجب عليها تقويمها ان اخطئت .. لايمكن ان يعاقبها على فعلٍ صحيح بانتشال ابنائها منها ! تركت الهاتف على منضدة الصاله بعد ان تعلق في يدها لما يُقارب الساعه، لم تبرحها منذُ ان انتهت من مكالمة شقيقتها الوحيده التي تقطن في منطقه بعيده، تعيد التفكير في نصيحتها .. هل هي سليمه ؟ ماذا لو جلبت لها المصائب ! لكنه لن يعيدهم بعد ان تلقفهم تؤمن هي بذلك بقدر ماتعرفه منه .. سارت بخطى عجوله الى خزانة الملابس ومن بين طياتهم اخرجت ثوباً كان ملفوفاً بإحكام وبداخله كيس معتم، تأملته قليلاً والخوف بداخلها يقرع طبولاً، تلك ورقتها الوحيده الرابحه ضده .. الورقه التي تؤجلها منذُ اعوام فقط للحفاظ على ابنائها .. خوفاً من فقدانهم غفله هل حقاً حان اوانها ؟ .. في جِهه أخرى كانت شهلاء تتمدد على فِراشٍ وثير رفقة شقيقها الذي يتشبث بأحضانها رغم انه نائم، تكذب ان قالت انها آمنه مُرتاحه فهي بطريقه او بأخرى تهفو الى منزلها الذي وِلدت وترعرعت به بل تهفو وتشتاق الى والدتها التي وان قسَت فهي أم والأم لاتُعاقَب بأبنائها اعتدلت بجلوسها على السرير وأخذت تدفئ لؤي باللحاف، ثم نهضت تسير بخطاها الهادئه على الأرضيه التي تلسعها من شدة البروده، خرجت ورغم انه مازال باكراً الا انها توقن بأنه ستجده هنا او هناك، والدها ... :صباح الخير يبه باغتتها كلماته تلك فور نزولها من الدرج فأتجهت اليه حيث يجلس على اريكه مرتاحاً وبين انامله فِنجان قهوه، تبّسمت وقبلت رأسه بينما ترد التحيه قبل ان تجلس جواره حيث احتضن كتفيها وتسائل :مرتاحه ؟ زفرت شهلاء وشردت لثوانٍ، اسوأ ماقد يمر به المرء ان يجد نفسه مخيراً بين والديه، بين حنان الأم وآمان الأب .. ما فائدة الدفئ لو لم يكن المرء امناً وما فائدة الآمان اذا كان البرد يعتري الصدور، اعادت ناظريها لوالدها الذي يبدو بأنه تلقى الإجابه مسبقاً :مرتاحه .. وراح اكون مرتاحه اكثر اذا امي معنا سكت والدها لبرهه قبل ان يعتدل بجلوسه ويعيد ساعده ليريح كفه على فخذه معلقاً بهدوء :راسها اقوى من الصخر، ماخليت طريقه تعتب علي ماسويتها معها، كأن كرهها لي كل يوم يتضاعف رفعت شهلاء قدميها لتضمهما اليها واتكئت بذقنها على ركبتها قائله :راسها قوي بس قلبها طيب، متأكده من انها راح ترضى بيوم من الأيام .. عشان لؤي على الأقل مايستاهل يعيش متشتت اومئ والدها بعد برهه فرأته ينظر الى الفراغ شارداً، تشهد هي على كل محاولاته لمراضاتها واقناعها بالعوده اليه، حتى انه ترك المنزل لتبقى هي به ولا ترحل الى عائلتها التي تقطن بعيداً لكن والدتها صعبه، صعبه بحق رفع الرجل فنجانه واحتسى مابقي فيه قبل ان يتركه على المنضده ويستفهم حول تفاصيل سر النِزاع الذي حدث بينهن وقد تجنب هو مناقشتها فيه الى ان تهدأ نفسيتها قليلاً :تقول انك جايه على سيارة غريبه ! وش القصه ؟ كتمت شهلاء ابتسامة امتنان الحت عليها، ففي كل مره تراه ينتقي مفرداته عند محاسبتها على شيء ما كما لو كان يتجنب استخدام اي مفرده قد تشعرها بأنه لايثق بها فأجابت بعد لحظات بهدوء :حسيت بأني خرجت عن طوري، فوق الندم والحسره اكلني القهر .. رحت بإندفاع احاسبه على تصرفه اللي بسبته مات ريان .. وخاله نجوى، اعترف بالبدايه اجبرني اركب سيارته بس لما وصلنا قالي بأنه شاف حالتي النفسيه شينه لذلك اصر يرجعني للبيت بنفسه .. سكتت قليلاً ووجهت ناظريها لوالدها الذي اطرق بأنظاره الى المنضده يراقبها بصمت وتركيز، ازدردت ريق فمها ودافعت عن نفسها بقولها :انا غلطت صح، ماكان لازم اروح من الاصل بس .. قلبي واجعني يبه احس ان لي سبب بكل شيء صار لنواره واهلها .. والله ماكان قصدي احط امي بموقف محرج مع الجيران انا اصلا ماكنت راضيه ارجع معه وجه والدها ناظريه اليه، بدا العتب جلياً في عينيه حين قال بهدوء :غلطك كبير ياشهلاء من يوم رحتي للقسم، نواره صديقتك واهلها يهمونك انا ما اختلف في هذا لكن انا ويني ؟ يوم ارسل لك واقولك ياشهلاء وش محتاجين ليه ماتقولين الصدق ؟ انا ماراح اعرف الغيب وانتي تدرين ان معارفي مالهم آخر اي واحد اطلبه راح يتكفل بكل الاجراءات .. تنهدت شهلاء واومئت بخضوع معترفه بكامل خطئها رغم كونها تعلم بأنها لو لجئت لوالدها لوجدت والدتها معترضه على ذلك، ثم قالت :وعد آخر مره اسويها، انا اصلاً ما اعرف اتحمل مسؤوليه مثل هذي .. اللي صار خلاني اكتشف عجزي، اللي يقهر يبه ان الثمن غالي .. ما اعرف اذا انا قادره بيوم من الايام اتخطى هالكارثه والفقد والحسره عاد والدها ليحتضنها وهذه المره ضمها الى صدره بينما يهمس بخفوت :ربك رحيم يايبه قادر على انه يرقع قلبك ويمنحك الصبر والسلوان .. خذي فتره ريحي فيها وبالوقت اللي تحبينه راح آخذك لأمك واعتذري منها مهما كان انتي بعد غلطتك كبيره تمسك شهلاء بقميصه وكأنها ترغب بالدخول الى صدره فتحيا الباقي من عمرها بين اضلاعه الحانيه . . . . بُكاء الروح لايُسمَع بل تفضحه العينين فتراهما تتموجان بالقهر والكمَد وذاك ذاته هو حالُ غيد .. لم تتوقع خِلاف ذلك اساساً فمنذُ اللحظه الاولى وهي تشعر بأن هناك شيء ما تركته خلفها، شيء جمدته نظرة الخُذلان من عينيه فأبى ان يرافقها في هروبها تتربع وتعبث يديها بالرِمال اسفلها، بينما عينيها غارقه في الموج المتلاطم امامها، الخروج مبكراً كان اقتراح ملاذ التي لم تنم طوال الليله الماضيه، فتراها بوجهٍ شاحب نالت منه الهالات وخيم عليه الأسى .. يوم واحد فقط ماتبقى على اليوم الموعود .. اليوم الذي تواعد عليه الجميع دون ان يأبه احد برأيها والحُجه (تستطيعان معاً تسوية الخِلاف - مجرد سوء فهم - لحظة غضب) بُح صوتها وانكسرت نبرتها فخرجت مُشبعه بالخُذلان حين قالت :يمكن عندهم حق .. غيد انا ابالغ ؟ نظرت اليها غيد بهدوء قبل ان تتكلم بمصداقيه قائله :من حقك تزعلين لو مازعلتي وما اخذتي موقف راح يستخف فيك، راح تصير عاده له .. يجوز ان الانفصال بكبره مبالغه بس هذا مايعني انك ماتوقفينه عند خط احمر يحرم يتجاوزه مره ثانيه اهتزت عيني ملاذ وهي تستمع لقول غيد ذاك، جميعهم يملكون ذات وجهة النظر بإختلاف الطريقه التي ينمقونها بها، لكنها نافره ! هناك شيء ما ينفرها يبعدها الف خطوه عنه يُشعرها بأنها لاتخطو الا ناحية مهلكه وخراب ! قاربت نبرتها الى البكاء عندما نبست بقولها :احس بأني .. غيد انا مو متقبلته مو متقبله اخطي هالخطوه معه، مدري يمكن عندكم حق بس يمكن مو هذا السبب .. انا متأكده من اني كنت اميل له وكنت طايحه له ... قاطعتها غيد حين قالت بنبره هادئه لكنها تضج بالحقائق والتي يجب ان تُسلم بها ملاذ :ماكنتي تحبينه ملاذ، كان مجرد ميل واعجاب ورضا، شيء بديهي هالمشاعر تتغير حسب شخصيته وتصرفاته اللي تشوفينها منه لان لو كان حب راح يخليك تشوفين اللي صار بنظره مختلفه على الاقل ردة فعلك ماراح توصل لرفض الارتباط فيه وهذا ينطبق عليه بعد سكنت ملاذ قليلاً تتفكر فيما تسمع بينما غيد اردفت :الموقف الاخير هو المتحكم بمشاعرك الحين وهذا طبيعي ترى لانك ماتعرفين عنه شيء فقاعده تبنين مشاعرك له حسب اللي يظهر لك منه .. يعني حتى نفورك منه الحين راح يتغير بمجرد ماتتعرفين عليه بدون قيود وحدود ثم اشاحت بناظريها الى الشاطئ ذاك الرفيق منذُ الصغر والذي الى القريب كانت تراه بحراً وهي ابنة الساحل التي لاينافس حب البحر في فؤادها الا صوت امواجه ثم وبين ليله وضحاها باتت تراه معقداً، مخيفاً ومُظلم يشبهه كثيراً وكأن احدهما انشطر من الآخر فأصبحا نِدان ضِدان كسالبٍ وسالب وقالت بشرود :لايمكنك ان تحب البحر وانت تقف على الشاطئ، يجب ان تغوص اعماقه، تضربك امواجه، تضرب قدمك صخره، وترى قاعه المظلم. فتلمس عيوبه، وترى ظلماته، وتعرف كيف يغضب، وبعدها فقط إما ان تحبه كله .. او تكرهه كله. اعادت ناظريها الى ملاذ واردفت اضافه الى قول احمد توفيق الذي تلاه لسانها :يبدأ الحب عندما ينتهي الحماس. ورُغماً عن دمع عينيها المتكتل همست ملاذ بإبتسامه :هالكلام ينطبق عليكِ اكثر مني، اذا دققنا فيه بتطلعين عاشقه مغرمه ! اتسعت عيني غيد وهزت رأسها بنفي تام بينما تشيح بناظريها الى البحر مره اخرى قائله :ما اعرف عنه شيء صاحي، كل اللي اعرفه ينفرني منه الف خطوه للورا .. انا متعاطفه معه غير كذا يعتبر غباء مني ضيقت ملاذ عينيها كما لو كانت تدقق في مدى صحة قولها قبل ان تستفهم بطريقه ساخره :ينفرك ؟ لك يومين تبكين ومكتئبه وحالتك ماهي حاله وينفرك ؟ غيد انتي واضح متجاوزه مرحلة التعاطف بكثير هزت غيد رأسها بخفه قبل ان تعلق بينما ناظريها مثبته على البحر :راح انتظر .. حكم القدر والنصيب . . . . هل سيتكرر ذات السيناريو ؟ ام سيغدو الوضع أسوأ .. كل مايتبادر الى ذِهنه يخبره بأن الحال هذه المره لن يشابه المره السابقه، كان مجرد إنذار ولم يفلح بالنجاه منه ! للتو حتى شعر بأن آثار التخدر انسحبت من اطرافه وبدأ يشعر بها الا انه لم يستطع تحريكها، عقد حاحبيه واخذ يقاوم محاولاً النهوض او على الاقل فهم الوضعيه التي هو بها قبل ان يُدرك بأنه مقيداً بالحِبال على مقعدٍ ما اغمض عينيه المعصوبتين بقوه واخذ يهز رأسه برفض للفكره، رفض لذلك الكم من الجنون الذي يعيشه .. هل هو في فيلم او مسلسل ! اتعيش الخلائق هكذا ام هذا محتوماً عليه هو ليقع في كل مره في شراك المصائب التي لايتقبلها عقلٌ او منطق .. التقطت مسامعه اصوات خطوات تتقدم ناحيته ثم نبره حاده انتفض لها جسده :بيدر عمر الطارق يا الهي .. ما الذي يحدث ! يدٌ امتدت بقسوه لإبعاد تلك العصابه عن عينيه لتتضح له الرؤيه شيئاً فشيئاً ورغم الظلام النسبي استطاع تمييز تلك الملامح التي حبست الأنفاس في صدره فأخذ يبادل انظاره بين الرجل المقابل له والآخر الذي يقف بجواره ذاك غير المحسوب على البشر مطلقاً .. ازدرد ريق فمه وهمس بخوف :انا .. ماسويت شيء كنت راح اجيب لكم الفلوس تقدم غالب منه خطوه عاقداً يديه خلف ظهره قائلاً بسخريه :خليك من الفلوس يبه، سولفلي كيف طلعت من السجن ؟ التقط بيدر نفساً طويلاً وراح يحاول السيطره على ارتباكه وتذكر كلمات سقراط التي صفها امامه كعُذر ايقن للتو مدى سُخفه .. هل كان يجازف به هذا المجنون ! الا انه لايملك سواه لايملك حجه اخرى يستطيع ان يرميها عله ينجو بها :ماضبطوا شيء معي، انسجنت يومين بسبب البلاغ المتقدم ضدي ولما فهموا ان مافي اي دليل افرجوا عني رفع غالب حاجبيه كما لو انه لم يصدق ماتبادر الى مسامعه الا انه سايره بإستفهامه :ووين كانت الفلوس والملف ؟ كنت جاي تخدعنا، لهذي الدرجه انت بايع روحك ؟ هز بيدر رأسه ومازال في اطار محاولة التشبه بهالة مدين الواثقه الا انه يحاول فقط والمحاوله لاتعني النجاح دوماً :موجودين بشقتي، ماكنت راح اجازف بنفسي واجيبهم معي .. و وطريقة التسليم هالمره مختلفه قهقه عاليه صدرت فأخترقت مسامعه وتردد صداها في الأرجاء، ابتلع ريق فمه وهو يراه يتأخر خطوه، يرفع يده التي تتبعتها انظار بيدر الى ان استقرت على ذاك الضخم فحول ناظريه اليه ووجده يتقدم منه بطريقه خشنه انتهت بلكمه حطت على وجنته وتبعتها اخرى فأخرى ... . . . . لايُوجد ماهو أقسى من فرحٍ ناقِص، بسمه غير مُكتمله وضحكاتٍ لم يكن القلبُ منبتها، يومان مروا لم يعُد فيهن هِشام الى منزله بعد ان ترك سالي على بابه وغادر .. انشغلت اسمهان بإبنتها وتجنبت كُل حديثٍ قد يضم هِشام في سياقه، كما ان لولوه باتت تتجهز للمغادره الى منزلها هي الاخرى استعداداً للمناسبه القادمه التي قد تقدر على قشع غيمة الأسى تلك التي احاطت بكل العائله فغدى كل واحداً منهم في فُلكٍ أسود يسبح تدورُ سالي امام والدتها وجدتها بفُستانها ذو البياض المُشِع فتلتف اطرافه حول قدميها لثوانٍ قبل ان تستقر مُنسدله برِقه تليقُ بها دون سِواها .. ابتسامه لطيفه تُزين مُحياها وبتساؤلٍ تنبُس :كيف ؟ لايق علي ؟ دمعت عيني لولوه وهي ترى حفيدتها قد عادت الى ذروة بهجتها وحيويتها بعد كل مامر من مُصابٍ أسود وبحبٍ اجابت مُبالغةً في مديحها تماماً كما تُحب سالي :كأنك القمر وانا جدتك، ماخذه منه كل حسنه ونوره تقهقه سالي بخفه بينما تنظر لوالدتها مُنتظره منها جملة مديح هي الأخرى فوجدتها شارده والأسى يلمع في عينيها، لم يفت عن سالي كون اسمهان تحيا حُزناً ما فتخفيه في صدرها وتواريه عن عيني ابنتها .. فتقدمت لتقرفص امامها محتضنه كفيها، جفلت اسمهان وهمست مستفهمه :سالي .. شفيك ؟ ازدردت سالي ريق فمها، دنت تقبل كفي والدتها ثم قالت معلقه على حالها الغَريب :لاتخفين حزنك عني، انا ابي اشوف الضحكه بعيونك قبل شفاهك عقدت اسمهان حاجبيها وهربت بحدقتيها الى الفراغ المُحيط بينما تُعلق بقولها :اي حُزن، دامكِ قدام عيني حُره معافايه مايهزني حُزن ولا زعل هزت سالي رأسها برفض لتصديق قولها ذاك، نظرت الى جدتها التي اومئت تحثها على طرح الموضوع ذاته الذي تفكرن به الاثنتين وتتجاهله اسمهان منذُ يومان مرت .. اعادت ناظريها الى المعنيه وقالت مستفهمه :هِشام ؟ سحبت اسمهان كفيها من يدي سالي بتوتر وبمُكابره قالت :مايهمني .. بعد سواته مايهمني وينه جاء ولا راح .. هو يدري اني ماعاد طايقه اشوف خلقته حتى اومئت سالي واراحت ركبتيها على الأرض بينما مازالت تجلس عند قدمي اسمهان وبنبره هادئه نبست بقولٍ بدا مُتعقلاً ليس وكأنه خارجاً فاه سالي التي يبدو بأن السِجن قد نال من فِكرها فروضه :ما اخفيكِ بالبدايه زِعلت وتعصبت وبنفس اللحظه ادركت شيء كنت معميه عنه .. وقتها اكتشفت ان مو كل اللي نشوفه هو الوجه الحقيقي وان مشاعرنا احياناً تعمينا عن اننا ندرك الحقائق، هشام احتاج لعفراء لأجلي انا ولو ان نيته فيها مُختلفه كان اخفاها عننا ولا كنا عرفنا عن تواصله بها نظرت اسمهان في عيني سالي، ولم تقتنع بما قالته ابنتها، فالخيارات امامه كثيره وكونه انتقاها هي ليس له مبرر الا واحداً فقط :وليه اختارها دون غيرها .. الحنين ؟ سكتت سالي قليلاً قبل ان تضع احتمالاً آخر بقولها :مش يمكن يكون الثِقه ؟ يعرفها وبينه وبينها ود قديم وذكرى راح تحطها عفراء بعين الاعتبار عشان تساعدني ؟ بالنهايه قبل عشر سنوات من الحين كنت اناديها عمه ! هزت اسمهان رأسها برفض للايمان بالفِكره تلك، هي اكثر من تعرف زوجها وانه مازال حبيساً لركام تلك العلاقه التي حتى مرور السنين الغابره لم يثنيه عن دروبها .. فهل ستثق بأن عفراء تلك التي رأتها غير قادره على تطويعه وقد بات ارق من ذي قبل ؟ صوت القُفل الذي إحتضن المُفتاح كان كفيلاً بأن ينبه الثلاث فهربت من صدورهم تنهيدة راحه، بأنه عاد واخيراً .. استقامت اسمهان تبتعد بخطاها عن ابنتها التي تبعتها بالنهوض وامسكت بساعدها حينما دلف هِشام وبنبره هادئه قال بينما يوزع انظاره عليهن اجمع :السلام عليكم خلصت اسمهان ساعدها من كف سالي وابتعدت بخطى عجوله الى غُرفتها تحت انظار هشام الذي شيعها بعينيه قبل ان يزفر ويتقدم الى والدته مقبلاً رأسها ماراً عبر مسامعه عتابها :الله يسامحك ياهشام، هالفتره كلها مافكرت تسأل او تطمنا ؟ اعتدل بإستقامته وبينما يجر سالي الى حضنه اجاب بهدوء :كنت عند فياض وانشغلت معه عقدت لولوه حاجبيها وتسائلت بشيء من القلق حول ذاك الذي لم يظهر منذُ ان سُجِنت سالي بل انشغل بها عن كل من حوله وحتى بعد خروجها لم يجد احداً له ظِل :انشغلت معه ؟ وينه هو بعد ! لا هو ولا عزيز ولا احد منكم فكر يدق على الباب مرتين بس ويطمني عن حاله ووين اراضيه .. بعد هذا العمر تبوني انا اللي اسأل عليكم وادوركم ؟ تنَهد هِشام وبينما يخرج هاتفه النقال من جيب بنطاله ويرميه على المنضده اجاب مبرراً غيابه وانقطاعه حتى عن التواصل معهم هاتفياً :لقيته مسخن وحالته حاله ولما دخلته تحت المويه ابتل جوالي واحترق، مافضيت اصلحه حد ماتطمنت على فياض اليوم رفعت لولوه يدها الى صدرها وبنبره مهتزه قالت :كل هذا ومحد منا يدري ؟ نظر هشام الى سالي التي اشاحت بناظريها الى جهه اخرى بينما يجيب بنبره لائمه لها حين قال :جربت اتصل من جواله لقيت حرمته المصون مدخلته الحظر هذا غير عن انه متوحد ماعنده غير كم رقم مايفيدوا احد لولوه ايضاً نظرت الى سالي لكنها تجاهلت الأمر واخذت تتسائل عن حال فياض حالياً ومُطمئناً جاء جواب هشام بينما تتعلق انظاره بباب غرفته واسمهان :لله الحمد داوم اليوم، هذي للحين راكبه راسها ؟ امسكت سالي بكفه الكبيره بين رقة كفيها وهمست برجاء وعينين لامعتين اثارت ذهول هِشام الذي اعتاد مقتها لعلاقتهما على الاقل ان لم يكن مقتاً له هو الآخر :راضيها عمي .. تكفى والله شايله بخاطرها عليك كثير وانت مطنشها لك يومين مافكرت تبرر موقفك او تجبر بخاطرها ابتعد هشام خطوه واخذ ينظر لسالي بشيء من التقييم قبل ان يرفع مفتاح يحك به طرف حاجبه مستفهماً بشيء من التعجب :مبدلينك ؟ فياض بالحظر وانا طالع منه ! اشاحت سالي بناظريها الى جهة فراغ وبينما تشبك اناملها اجابت قائله :ترى ماكنت حاظرتك لاتفتري علي ! ضحكت لولوه وتبّسم هشام بخفه، رغم ان موقفها من فياض اثار حنقه خاصه بعد ان اخبره فياض عن الموقف الاخير بينهما والذي رآه لايستدعي كل ذلك الصد ليس بعد مابذله فياض لأجلها وكل ذلك الجنون الذي خيم عليه لشأنها .. الا انه بالتأكيد لن يدخل وسيطاً في نزاعهما التافه وهو بحربٍ مع زوجته العنيده .. قاطعت لولوه افكاره حين قالت بينما تجر سالي من يدها لتجلس جوارها :رح انت لزوجتك وخليها لي هذي انا اتفاهم معها تعلقت انظار سالي بهشام بشيء من الرجاء الا انه ضحك بشماته ثم اتجه بخطاه الى غرفته وكُله أمل بأن سيقدر على اذابة حصون الجليد التي حالت بينهما بغته . . . . بعد الجامعه خرجت الى السوق وحيده، تكفلت بالتحضير لخِطبة ملاذ التي رفضت حتى اختيار فُستانها او اللون الذي ترغبه .. احاطتها الحيره وهي تدخل وتخرج من المحال بلا اقتناع فذوقها لايُشابه خاصة ملاذ مطلقاً وتعرف شقيقتها حق المعرفه تلك التي لاتقتنع بسهوله ولا بأي شيء كان جلست على مقعدٍ بلاستيكي اخضر مقابل طاوله تشاطره ذات اللون امام بوابة احد المطاعم الموجوده في ذات المول، اتكئت على ظهر المقعد وراحت تفكر في كيف ستحل المُعضله وهي قد استنفذت كل طاقتها بمحاولات اقناع ملاذ بأن ترافقها فواجهتها برفضٍ قاطع اخرجت هاتفها بعد لحظات واخذت تجري اتصالاً هاتفياً بسالي لاجئه اليها كآخر حل معها وبالفعل اجابت سالي فوراً بقولها :هلا بغيدوه شعندك متصله على غير عوايدك زفرت غيد وبينما تعبث يدها بحقيبتها المتروكه على المنضده قالت :محتاجتك بأمر ضروري، ملاذ مارضت تجي معي للسوق عشان اجهز لخطبتها وانا ماعرفت اختار لها فستان ! سكتت سالي قليلاً حائره في امر ملاذ الذي اختلف فجأه، هي ربما كانت دائماً لاتميل للتحدث عن عزيز او ذِكره وهو بعيد لكنها ايضاً لم تكن رافضه له ! وجهت ناظريها الى غرفة هشام المغلقه ممايعني انه نائم لكنها ورغم ذلك وافقت بقولها :بجيك، ارسلي لي بأي مكان انتي تنفست غيد براحه والتمعت على شفتيها ابتسامه متمتمه بالشكر قبل ان تقوم بالفعل بإرسال موقعها لسالي، اشارت للموظف في المطعم وقالت فور ان تقدم اليها :شاي عدني ثقييل بالله عليك جفلت حين جُر المقعد المُقابل لها واخترقت اسماعها بقول خرج بنبره ثقيله موجهاً الى الموظف بينما انظاره تستقر عليها هي :اثنين شاهي عدني، ثقله قد ماتقدر .. توقفت عند باب الغُرفه تطرقه مراراً وتكراراً بخفوت خوفاً من وصول صوت طرقاتها الى جدتها التي حتماً ستقوم بتقطيعها وصلاً، تعض على شفتيها وتسير هنا وهناك .. لايعقل انهم لم يسمعونها ! هل يقومون بتجاهلها للتو ؟ يأست من ان الباب سيُفتح فصعدت الدرجات بعجاله الى غرفتها، بدلت ملابسها البيتيه الى بنطال جينز وبلوزه رياضيه تحمل شعار فريق فياض المُفضل وحينما استقامت تنظر الى نفسها عند المرأه تبدلت ملامحها الى اخرى مشمئزه فأخرجت بلوزه اخرى ورمت هذه الى الشبك الصغير الخاص بالقمامه في ركن غرفتها هامسه بحِده :راح تتبدل الادوار يا ابو الشباب نشوف كيف راح اخليك تلبس فستان باربي من هوسك فيني .. ارتدت بلوزتها والتقطت عبائتها وكل حاجيتها وكذا حذائها في يدها قبل ان تترجل بعجاله وتعود الى الوقوف امام باب غرفة هشام ووالدتها تطرقه بقوه اكبر هذه المره ففتح في وجهها وخرجت اسمهان بملامح حاده رغم اثار النوم التي بها، تنحنحت سالي بحرج وقالت :ابي هشام يوديني السوق ضروري عشان ملاذ سكنت اسمهان قليلاً قبل ان تشير الى الغرفه بلا مبالاه قائله بينما تتجه الحمام القريب :صحيه عقدت سالي حاجبيها واتجهت بناظريها لهشام النائم على سريره بعمق متسائله بداخلها عم اذا كان لم يستطع مصالحتها ! دلفت بخطى سريعه ورمت حاجياتها على الاريكه ثم شرعت بمحاولات ايقاظه التي كانت معاناه اخرى الى ان فتح عينيه بثقل وهمس بإستنكار :شعندك ! تنفست سالي الصعداء وبينما تتجه الى الاريكه لتشرع في ارتداء عبائتها :غيد متصله علي تبيني ضروري ضروري موضوع مايحتمل التأجيل ولازم الحين تاخذني للسوق عشان ننقذ ملاذ، تخيل للحين ماعندها فستان للخطبه .. ولازم اكسسوارات وكعب وتنسيقات حتى لو الحفله ملمومه على الأهل لزوم التصوير والتوثيق رمقها هشام بنصف عين مستعجباً حماستها تلك كرجل يمقت التسوق حتى لشراء ساعة يد معتمداً بكل احتياجاته على زوجته يتعجب كيف النساء تميل لهذه الاشياء المستفزه بنظره، كاد ان يعود للنوم للحظه بينما هو شارد فأرتفعت نبرة سالي تنبهه بإستعجال :عمييي لاترجع تنام ماعندنا غيرك يساعدنا ! تأفف بضجر قبل ان يزيح الغطاء عنه وينهض معلقاً بحنق واستخفاف :والله لو انه نداء الجاسوسات، انشهد ان معكم ثياب اكثر من شعر راسي تجاهلت سالي الرد عليه منشغله بالإستعداد للخروج بينما هو اخرج ملابسه من الخزانه وخرج من الغرفه بثقل وضجر .. ازدردت غيد ريق فمها تنظر اليه من تسريحة شعره المُرتبه الى ملامحه ذات الرونق المُختلف عن عادته، وانتهاءاً بملابسه المهندمه، حتى جسده يبدو امتن قليلاً فهمست بإستغراب :بيدر ؟ اتكئ على ظهر المقعد، يرى عينيها تجول فيه بشيء من الذهول والتقييم، اناملها تضغط على حقيبتها بتوتر كما لو كانت خائفه منه، فأشاح بناظريه الى الارجاء معلقاً بقوله :شرايك ؟ ازدردت ريق فمها واطرقت بناظريها الى اناملها، هناك بهجه تحاول ان تطفو على سطح عينيها الا انها خجِله من الظهور، ليس بعد كل ماحدث وكل مايختلجها من اضطراب وتناقض حوله، بينما هو فقد اعاد ناظريه اليها بأريحيه وقال :ليه ساكته ؟ بإمكانك تفتحين موضوع حول اي شيء ! سبب تفضيلك للشاي العدني مثلا ! رمشت غيد بينما تنظر اليه عاقدة الحاجبين تحاول ربط مايقوله مع القالب الذي وضعت به شخصية بيدر فلا تجد اي رابط ! هل كان بيدر سيظهر امامها مهندماً هكذا ام كان يستغلها ويخادعها ! رأت الموظف يتقدم بوضع الاكواب امام الاثنين وسمعته يشكره قبل ان يغادر فالتفت اليها مردفاً كما لو كان ينبهها :غيد ! رفعت ناظريها اليه بعد لحظة شرود قصيره متسائله بما تعجز هي حتى عن استيعابه :انت بيدر ؟ قهقه بخفه واعتدل بجلوسه قبل ان يتكى بكلتا يديه على الطاوله واستقرت انامله على طرف الكوب ثم قال :انتباهك مواسم .. لسنه كامله كنت تحت مرمى انظارك اراقبك وتراقبيني واول ماشفتي بيدر اقتنعتي انه انا ! دوار احتل رأس غيد فجأه، فتراجعت تتكئ على ظهر المقعد بإستسلام، ما الذي يحدث هنا ! من المنفصم هي ام بيدر ام هذا الميت الذي بُعث من موته فجأه ! شعرت وكأنها ترغب بالهرب من هذه المدينه بأكملها علها حينها تنجو من هذه الدوامه غير المفهومه .. ثم اخذ الضباب يتضح شيئاً فشيئاً حينما اردف مدين وقد فهم ماتعيشه من حيره وشتات :بيدر مريض بالإنفصام وثنائي القُطب، نِصف الحقائق اللي في ذاكرته عباره عن اوهام وخيالات وللاسف انه واصل لمرحلة عدم التمييز بين الوهم والحقيقه مازالت عيني غيد فارغه، تنظر اليه بذهول ودهشه محاوله لملمة اقطاب فكرها والتركيز فيما يتحدث به هذا المجنون الآخر، ازدردت ريق فمها ومن خارج وعيها تسائلت :يعني انت ميت ولا حي ! تبّسم مدين بخفه قبل ان يقهقه رغماً عنه فالأمر يبدو جنونياً من زاويته هو كذلك، اما هي فقد لمعت عينيها وبدت على مقربه من البكاء حين همست بإستنكار واعتراض :طيب انا وش ذنبي ! احس بأني قربت اجن ! تنهد مدين واومئ قبل ان ينطق وعينيه تغرق في عينيها تلك التي افتعلت بأخيه اهوالاً في ايام قلائل كما أسرته هو لعامٍ كامل قبل ذلك :مالك ذنب، تقدرين تديرين ظهرك له وعهد علي ماعاد تشوفين خياله .. بس بالمقابل انتي تقدرين تاخذين بيده للحياه الصحيحه، بيدر شاف فيك امل وحقيقه، اكتشف الحياه لاول مره معك .. ما اكذب اذا قلت لك بأنك اول انسانه يجالسها بعد امه، وانك اول شخص من بعدي يطلبه بيدر مايخليه وهو اللي يهرب من الناس كأنهم اعداءه رآها تنظر اليه مميله برأسها، متعاطفه والشفقه تلمع في عينيها الحائره لكنها لن تصل الى الاطمئنان بتلك السهوله ليس بعد كل ما اكتشتفته من حقائق تناقض ابسط ماكانت تظنه من الثوابت، اسم، هويه، محيا او ممات ! كل ما صدقت شيئاً حصلت على نقيضه فوراً !، عبث بهاتفه لبرهه يسيره قبل ان يمده اليها قائلاً :هذا آخر مقطع تسجل لبيدر بالكاميرا في البلكون .. اليوم الصبح " غيد ماصدقتني .. لما قلت لها بأني كنت ادافع عن نفسي هربت مني، حقها ! صح بس انا محتاج لها يامدين، كانت الحقيقه الوحيده في حياتي كانت القشه اللي تمسكت فيها وانا مابيني وبين الغرق الا نفس واحد .. " " شفت الحياه بعيونها لاول مره، تعشمت فيها ماتسحب اليد اللي مدتها لي .. " " الحقيقه الوحيده .. بين كل السراب اللي عشته غيد هي الواقع اللي آمنت فيه مدين، انا ما ابالغ انا احاول اتمسك بحبل نجاة " وضعت الهاتف من يدها فور ان انتهى المقطع فرفعت كفيها الى عينيها تحجب عن ناظريه دمعها المتساقط بلا توقف، تحاول ابتلاع غصة الم تخنق حنجرتها بل تحاول السيطره على نوبة البكاء والإنفجار تلك، والمشهد القصير ذاك كان كافياً ليجلسها امام حقيقة انها كاذبه .. ان بيدر قد نال من فؤادها ماناله وان شعورها ناحيته لم يعد ملك يديها بل متمرداً نافراً من سيطرتها، وانه ليس كأخيه .. تلك المشاعر التي داهمتها فجأه وهي ترى مقطع له لم يظهر فيه واضحاً حتى بينما هب تجلس امام مثيله الذي لايختلف عنه الا فب تفاصيل تكاد لاترى .. كل ذلك يدل على شيء واحد حقيقي لاكذب فيه ولا بهتان ( ان الشيء المختلف في بيدر قد رأته هي ووقعت له دون ان تدري ) رفعت ناظريها المحملين بدمع العين اليه وبنبره نالت منها البحه قالت :كيف اقدر اساعده ؟ . . . . ورضيتُ حين مضيتَ عني قد قُلتَ لي يوماً تمني فأملتُ الا تخلو مني أقُتِلتَ ام مازلت حيا زفر نفساً حاراً من صَدره بينما يتكى على ظهر مقعده لم يزل على متن سيارته التي توقفت للتو عند المنزل الكبير المحاط بسورٍ متين، تلتقط اسماعه ذاك الصوتُ العذب من مسجِل السياره المُتغني بزفة الشهداء في عُرسِ المنون بـ (زفوا حبيب القلبِ إني .. لله دُري رُغم حُزني .. القاهُ في جناتُ عدنِ .. في موطنِ الفردوس حيا) شردت عينيه في الطريق وقد اتت هذه الأغنيه من الراديو بغته فراح يتسائل في طيّات روحه .. هل بقي لنا من جِنان الخُلِد مكان بعد ان تزاحم فيه أهلُ غزه؟ التقط انفاسه بعد ان حُبست في صدره ثم راح يستغفر في سره عل كثرة الإستغفارات تلك تأتي بالفرج في هذا الكربِ العظيم، بينما يرى باب المنزلِ يُفتح ويخرج منه الرجل الذي ينتظره ثم رفع حاجبيه وهو يراها تتبعه رفقة شقيقها الصغير فترجل عن سيارته وتلقائياً وضع يده على سلاحه المُستقر في حزامه معدلاً وضعيته تراجعت شهلاء خطوه برؤيته واتسعت عينيها بذهول، تنظر لوجه والدها الذي لا يبدو بأنه تفاجئ او استنكر وجوده فتقدم ناحيته خطوتين بينما ينبس بإبتسامه :هلا يابو شاهين ! وبينما تستقر انظار سقراط على شهلاء المُرتابه بينهما اجاب بهدوء وقد حول ناظريه الى الصغير الذي ينظر اليه بإبتسامه واسعه :هلا فيك .. ابو لؤي عقد عُثمان حاجبيه، نظر ناحية ابنته واشار اليها بالصعود على متن سيارته ففعلت سريعاً كما لو كانت هاربه من الموقف برمته تتخابط خطواتها وتجر اخيها معها رغم اعتراضاته وقربه الى البكاء .. تقدم عثمان من سقراط وكاد ليستفهم عن سبب حضوره ونظراته الغريبه ناحية ابنته حينما كانت ليست عاده متوقعه منه الا ان سقراط قاطعه بقوله بينما يتكى على باب سيارته الموصد :جت زوجتك للقسم .. قدمت بلاغ ضدك عند الضابط هِشام زفر عُثمان وقد كان ذاك آخر ماتوقعه آشار الى سيارته التي يجلس بها ابنائه يراقبونهم بتوجس ثم تسائل :بأني اختطفتهم ؟ اومئ سقراط بعد برهه قبل ان يجيب بينما يخرج علبة سجائره ليورث واحده منها :في سبب آخر .. للحين مصره تورطك .. وبالتالي راح تورطني معك، انا محيت كل الادله اللي ضدك بس اللي معها يقدر يوديك في ستين داهيه سكت عثمان لبرهه بينما ينظر اليه وقد خمن تماماً مايقصده سقراط بقوله وماقد يكون بحوزة زوجته السابقه ذاته السبب الذي انفصلا لأجله ولم تقبل منه بعد ذلك لا عُذرٍ ولا حُجه، شتت ناظريه في الارجاء قائلاً :هشام مو غريب، يدري بكل التفاصيل قادرين انت وهو تتخلصوا من ... نفث سقراط سموم سيجارته وقاطعه بقوله المُقتضب :المقابل يا عثمان ! اعاد عثمان ناظريه اليه سريعاً واعترض بقوله المستنكر :دخلت صاحبك في وسطهم يا سقراط ! كسبتك ثقتهم وانت تتمنى تطولها .. كل اجراءاتك القانونيه مافادتك ولا قدرت تعطيك فرصه انك تتقدم خطوه وحده في درب غالب الرضوان اومئ سقراط وتقدم من عثمان خطوه هامساً بحِده :صاحبي مُختطف مو مضمونه سلامته رفع عثمان كلتا يديه على جانبيه وبإنفعال راح يتنصل من مسؤوليه كتلك وهو الذي لم يعد يملك مع غالب اي قُرب قد يعينه :وانا ماعاد لي مكانه في قلب اخوي .. لاتتوقع اقدر اساعدك اكثر من كذا ! وكل ذلك لايمرُ على سُقراط مرور الكِرام فهو لن يترك طرف حبل قد يوصله في النهايه الى غالب مهما كان ركيكاً او طويلاً دامه الحبلُ الوحيد المتاح حالياً فقد آن اوان المُجازفه :سلّمني غالب بكبره، زمن المناورات انتهى راح اكتفي باللي معي من ادله عقد عثمان حاحبيه واستفهم بشيء من التوجس :كيف اسلمه لك ؟ زفر سقراط واعاد الاتكاء على سيارته حين وصل للفقره المُمتعه في الأمر برمته فهو هُنا يضرب عصفورين يرغبهما بشده بحجرٍ واحد :اذا عندك مناسبه ماراح يشاركك فرحتك ؟ بهتت ملامح عثمان ولوهله ضاع حائراً في المعنى الذي فهمه فأنكر بقوله :ماعندي مناسبه ! حينها فقط تبّسم سقراط بخفه واشار الى سياره الآخر حيث تجلس شهلاء قائلاً بخفوت :عندك مناسبه وكما لو ان قوله ذاك نفض عثمان فتراجع خطوه الى الوراء ببهوت، ينظر الى سقراط تاره والى سيارته تاره اخرى والصدمه تشل حواسه .. ثم هز رأسه بدهشه معلقاً بعدم تصديق :انت ماكر ياسقراط، دهائك مرعب ! . . . . لا تقرئيني من خلالِ ملامحي إن الملامح لا تُضئُ صفاتي بي كبرياءُ الآلفين جراحهم والمثقلين بحكمةِ السنواتِ الهابطين إلى جحيم نفوسهم والصاعدين إلى اكتشاف الذاتِ نحن - الصباحيّين - عشاق المساء نختار نصف الضوء والعتمات نأوى إلى دمعٍ يخُص عيوننا وإلى ابتسامٌ ساطعُ القسماتِ. | ||||
03-12-24, 11:41 PM | #58 | ||||
| سلامتك ياروحي ماتشوفي شر أجر وعافيه يارب نجي للبارت فعلا يا آيات لعبتي بعقلنا طلع مدين ماميت وكل هذا تخيلات من راس بيدر ولا توقعتها صح نعرف انه بيدر مريض لكن ماتوقعت لدرجة أنه ينسج فعقله سناريو لأخوة وانه قتله يعني مرضه فعلا واصل درجة متقدمة وممكن بعد يضر نفسه كل أملنا ألحين بغيد أنها تكون معه وتقدر تقنعه بالعلاج وتكون خطوة بخطوة معه | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|