13-10-24, 12:24 PM | #1 | ||||
| اغفرلي فِصامي السلام عليكم ورحمة الله اهل روايتي الرِفاق العِظام عساكم بألف خير وعافيه بما اني والكتابه كلمتين بلا فاصله فلا يمكن ان يطول البُعد اكثر لذا فأنا عُدت بمولودة جديده ذات فكره مختلفه عن سابقتها تماماً، روايه من المفترض ان تكون قصيره كالمنفى والضباب .. نفسيه عاطفيه اجتماعيه دراميه والأهم طابع (الغموض والتشويق) الذي لن تغدو الرحله مُمتعه الا به ارجو منكم بأن تعيروني افئدتكم وتستقبلونها بودٍ ومحبه، ومنذُ البِدء فأنا اعتذر عن اي خطأ او تقصير فإني واياكم بشراً لسنا بمعصومين فقوموني متى استطعتم الروايه بشكل عام صعبه نوعاً ما وتحتاج تركيز ودقه في كتابتها لذلك فأنا بحاجه وبأشد الحاجه الى ارائكم وتعليقاتكم وتوقعاتكم مع كل فصل اعتبروه كعون لي لإكمالها على وجه دقيق وجيد راح اترككم مع المقدمه والتميهد وبإذن الله ان الفصل الاول بين ايديكم في اليومين القادمين فور ان انتهي من كتابته وتعديله دمتهم بعافيه ووِد. | ||||
13-10-24, 12:29 PM | #2 | ||||
| التمهيد .. . . . . ماذا لو كان البِدء هو الخِتام ! نشيجٌ في سكون الليل يتعالى مُختلطاً مع موج البحر الهادر، ليله من اكثر الليالي ظلاماً مُلبدة بالغيم الأسود الذي لايوجد سواه في مدى الأرض المُقفره وعلى طريقٍ مهجور نالت منه الشقوق حتى شوهت ملامحه، يقع البحر الهائج على يمينه والخلاء الشاسع على شِماله طريقٌ أُطلِق عليه بمُسمىٰ "سبيل الموت" .. تراه مُنكباً على ركبتيه مُتمسكاً بيدٍ واحده بالأرض أسفله والأخرى تشدُ من امساك الصخره التي يهوي بها في الهواء ثم يسقطها لتتناثر الدماء ملوثةً طُهر قميصه الأبيض، وجهه القُمحي وعُنقه وساعديه، دماءٌ رسمت عليه لوحه دمويه دقيقة في عشوائيتها مُرعبه في دقتها ! وصُراخه كان وكأنه زئيراً يتخاطب مع الموج الذي يلطم على الحجاره بقسوه وغضبٍ متأجج، وتارةً تراه كطِفل مزق لُعبته تنفيساً عن سُخطه، بُكاءه ذلك كان رِثاءاً وشكوىٰ وبوح، يشكو من ضحيته واليها آبياً عن التوقف .. فأن توقف سيدرك شناعة فعلته ! لكن قواه خارت ويديه تصببتا دِماءاً وعرقاً، قدميه تخدرت والشارع بات مروياً كِفايه حتى سار السائل القاني في الشقوق، دنى بجبينه على صدر الضحيه واتم بكاؤه هناك حتى تلاشى صوته وجفت عينيه ثم رفع رأسه ونظر حوله حين بدأت قطرات المطر بالتساقط وصوت الرعد يأتي من بعيد .. يبدو بأن هناك عاصفة آتيةٌ غاضبه ! نهض من مكانه، مسح بساعده على عينيه التي تكتل بهن الدمع ودنى ممسكاً بقدمي ضحيته ليجرها نحو هاوية البحر الذي سرعان ما ابتلعها بينما المطر تكفل بغسل مسرح الجريمه من كل الدماء التي صنعت فيه العُجاب، ثم سار بخطى بطيئه ووكأنه يحمل كل الأرض على منكبيه حتى توقف بجوار السياره التي تقف على جانب الطريق فنظر بشرود ناحية تيليسكوب الفضاء الموضوع ارضاً على حصيره وجواره فِراش صغير امسك التلسكوب بعنف ثم رماه في صندوق السياره قبل ان يتبعه بالفراش والحصيره بعشوائيه تامه، صعد في جهة السائق وعدل من وضعية نظارته الطبيه قبل ان يشغل محرك السياره وينطلق في ذلك الطريق المُقفر نحو المدينه التي تبدو من هنا كالاطلال العتيقه .. ومِن هُنا تبدأ الحِكايه حكاية بَيْدَر وأخيه مَديّن في " أغفرلي فِصامي " إقترب .. فنحنُ على وشَك الجنون ! | ||||
15-10-24, 01:59 PM | #3 | ||||
| الفصل الاول . . . . قد تصحو في ليلةٍ ما بعد مُنتصف الليل لتجد ان كُل معارك الدنيا قد تسربت الى رأسك، حروب الشرق والغَرب من اقدمها الى احدثها كُلها تُخاض في رأسك دُفعةً واحده ولا تنتهي، صُراخ وضجيج ودويٌ من شِدة علوه قد يدفع الطائر الذي يقف على سياج شُرفتك بالطيران بعيداً هرباً من ذلك الجنون الذي لامفر لك منه لا مهرب .. فأنت لن تقدر على شق رأسك واخراج العالم من داخله ! امام مِرآه مُربعه كان يقف بيدَر بمظهرٍ لايُشبهه بل يُشبه الوحوش الدمويه، على وجهه قطرات الدماء مُلطخِه حتى نظاراته الطبيه ذات الاطارات السوداء وشعره البني شبه الكثيف، رفع انامله المُرتجفه التي تيبس الدم عليها مع التُراب واخذ يفتح ازرار قميصه واحداً تلو آخر قبل ان يرميه في سلة الغسيل المجاوره ويفتح صنبور المياه الذي نزل بارداً كالجليد اخذ غرفةً من الماء مسح بها عُنقه ويديه ثم انزل نظارته وشرع في تنظيفها بسكون عدا من رعشه خفيفه تسيطر على كافة اجزاء جسمه احتاج نِصف ساعه لينتهي من تنظيف جسده من كل بواقي الدماء ودعكه جيداً، ثم خرج ورُغم البرد الذي يعتريه رفع من درجة التكييف ثم دخل اسفل الاغطيه على سريره الدافئ واضعاً كلتا يديه بين جانب وجهه والوساده شارعاً في البكاء والانين الذي لم يتوقف الى ان شعر بأنامل توأمه التي اخذت تعبث بشعره هامساً له بخفوتٍ ولُطف :راح ينتهي .. كل هذا الخوف مصيره ينتهي اول ماتصحى الصبح وتبدأ من جديد .. حتى قوس المطر بكره راح يطلع ويلون سماك .. بيدر ! فغط بيدر في النوم العميق مُطمئناً هانئاً على وقَع كلمات مِدين التي لن تفشل يوماً في بث الراحه في اعصابه وترخيتها .. تلك الكلمات التي لطالما تمناها ! الا ان الكوابيس لن تتركهُ بحاله كأي ليله اخرى، ظل يغفو ثم يصحو مفجوعاً لاهثاً ثم يعود للنوم بتوجس من الكابوس القادم الذي يكرر عليه ذات السيناريو من الفزع حتى سطعت تلك الشمس البارده على المدينه الساحليه مُتسلله من بين زجاج النوافذ لتداعب بخيوط نورها الاجفان المُغلقه، اولائك النائمون مفوتين على انفسهم اجمل ساعات النهار .. الساعات الاولى منه وقد كان كافياً ذلك الضياء الخفيف المُخترق للشيفون الابيض المنسدل فوق النافذه ليوقظ بيدر ذو النوم المُتقطع والمُختل توازنه اساساً، فمسح على وجهه القُمحي ومد يده يلتقط نظاراته الطبيه ليرتديها ناهضاً من على سريره مُتجهاً الى النافذه هرباً من النوم الذي لايفعل شيء سوى تعذيبه، حيث توقف مزيحاً عنها مايغطيها من قماشٍ خفيف وفور ان فتحها هبت تلك النسائم البحريه الرقيقه لتلفح وجهه وتداعب رمشيه فتبّسم وهمس بخفوت :صباح الخير ! تراجع بعد برهه خارجاً بخطى حثيثه الى غُرفة المعيشه التي وجدها خاليه على غير العاده ! نظر ناحية المطبخ المفتوح بابه على مصراعيه منبعثه منه رائحة كريهه لطعام يبدو بأنهم قد نسوا وضعه في الثلاجه ليلة البارحه فأتجه الى هناك اعد الشاي ومقلى من البيض مُخمناً كون مدين قد خرج لشراء الخبز من الفرن الواقع اسفل المبنى المقابل، فتكفل هو بوضع بقايا الطعام المتعفن في كيس القمامه ثم خرج من الشقه لرميه واستعجال توأمه رغم تردده في الخروج من عدمه الا انه لم يُصادف مدين في الطريق ! اتجه الى المخبز وتسائل فور ان دلف اليه قائلاً :صباح الخير عمي، ماجاك مدين ؟ تبّسم الرجل بشوش الوجه وهز رأسه نافياً بينما يجيب :لا والله ياولدي وانا مستغرب من انه للحين ماجاء ! عقد بيدر حاجبيه ووجه ناظريه للشارع بحيره، متسائلاً بداخله عن الوجهه التي قصدها مدين في هذا الوقت الباكر، اخرج من جيبه نقوداً ومدها للرجل ليحصل على الخبز الذي فعلاً فور ان حصل عليه خرج متلفتاً حوله في الحي السكني الهادئ والخالي من الفوضى او الزحام بطريقه تبعث على الاسترخاء خاصه في هذا الوقت من الصباح عاد ادراجه الى الشقه وجلس على مقعده المعتاد على يمين طاولة الطعام، امامه الخبز والبيض وكوبي شاي ينبعث منه الدخان لسخونته، لدقائق طويله وسكون تام اقتطعه هو حينما وضع رأسه على سطح المنضده .. واجهش بالبكاء التقط انفاسه بعد زمن قصير قضاه في البكاء ثم مسح على وجهه وقرر الخروج لينهض فوراً ويستعد لذلك، عاد بعد ان اتم ارتداء ملابسه الى المطبخ، توقف عند بابه قليلاً ثم تبّسم هامساً :وين كنت ! اتكى المعنى على ظهر المقعد الكامن على يسار الطاوله وامامه الطعام لم يُمَس بعد ثم اجاب بإبتسامه طفيفه :بالساحل زفر بيدر واومئ متقدماً خطوتين ناحية الطاوله، انزل النظاره من عينيه وقال :اليوم خف الازعاج في راسي، راح اطلع اغير جو اومئ مِدّين بتشجيع اثار سعادته لوهله بينما مازال محافظاً على ابتسامته، وضع بيدر نظاراته على سطح المِنضده وهمس :ما احتاجها خرج بعد برهه مُغلقاً خلفه باب الشِقه، رفع يديه الى ياقة قميصه الزيتوني، فتح الزر الاول واخرج حافته من اسفل البنطال، خلع عن معصمه السوار الخيطي الاسود الذي رماه في اقرب صندوق قمامه صادفه عند خروجه . . . . وفي قِرنةٍ أُخرى من ذات المدينه الساحليه في غُرفه ذات إطلاله بحريه خلابه، هواء بارد وصوت الموج مُختلطاً مع اصوات زقزقات الطيور التي تقف في حافة النافذه المفتوحه على مِصراعيها وهي في الداخل امام المرآه قد انتهت للتو من الاستعداد ليوم جامعي جديد غيد ذات الواحد والعُشرون ربيعاً وكأنها قد قدمت الى الدنيا على جُنح فراشه فتحل البهجه اينما حلت وتُزهر الدروب التي تسعى فيها وتتورد، نشئت في أُسره مِثاليه زرعت الاخلاق في نفوس بناتها بالحُب كما تُزرع الياسمينات في الأراضي الشاميه فكانت الحصيله هي غيد وشقيقتها الكُبرى ملاذ .. خرجت من غرفتها بعد ثواني بينما تضع هاتفها بداخل الحقيبه، وجدت والدتها في المطبخ قد انتهت من اعداد ساندويشها المُفضل بالبطاطا المهروسه والجبن فقالت بإبتسامه لطيفه :يسعدلي صباحها الحلوه تبّسمت مريم بينما تحشر الساندويش في حقيبة غيد مُعلقه بتساؤل على نشاط غيد في هذا الصباح الذي بدا زائداً على العاده :مو عوايدك نشيطه هالكثر ، كل يوم تطلعين وانتِ تتحلطمين على الجامعه ! اعتدلت غيد بوقوفها بعد ان انتهت والدتها من اغلاق الحقيبه واجابت بإبتسامه وحالميه :اليوم عندي احساس بأنه يوم مختلف، شي بداخلي قاعد يقولي راح تنبسطين اليوم قهقهت مريم بخفه وربتت على كتف ابنتها بدعاء وتمني :الله لايخيبلك امل يمه، ركزي على دروسك واذكري الله كثير همست غيد بآمين وبينما تخرج من المطبخ وتتبعها والدتها قالت بشيء من التردد :يمكن يمكن امر على بيت جدتي بعد الدوام، اشتقت لها ولملاذ يعني اذا تأخرت لاتقلقون علي همهمت والدتها برضا بينما هي وفور خروجها الى الحديقه الصغيره المقابله لمنزلهم تقدمت تقبل رأس والدها المقعد والمنشغل بقراءة جريدته واحتساء الشاي هامسه :صباحك خير وعافيه يا اجمل اباء الدنيا هز والدها رأسه بإبتسامه عاجزاً عن النطق ورد تحية الصباح لتلك النسمه الجميله التي وِهبت اليه بفضل الله فأغنته هي واختها عن الف ولدٍ ذكر، رآها بينما تخرج وتلوح لهم كعادتها فنظر الى زوجته التي تراقبها وتهمس بالدعاء ولطالما احب ذلك الروتين الصباحي الذي يبرهن له في كل يوم بأنه قد ادى ماعليه فأختار الزوجه الطيبه وربى ابنتيه على الموده والحب وعلى مقعدٍ حجري في احد جوانب شارع الجامعه جلست تُراقب الشارع بسكونٍ وهدوء، جواراً منها حقيبتها وكُتبها في انتظار صباحي مُعتاد لقدوم صديقاتها الاثنتين نور وشهلاء، جابت بناظريها على المقاعد الخارجيه للمقهى المقابل وكالعاده كان ذات الشخص حاضراً ككُل صباح منذُ عامٍ كامل لكنه بدا شارد الذِهن اليوم لايقرأ كِتاباً كعادته ويحتسي الشاي بدلاً عن القهوه .. قهقهت بخفه حين تنبّهت لذاتها فيمَ تُفكِر ! فهي لاتعرفه لكن الصدف الصباحيه المعتاده جعلتها في لحظه وكأنها تحفظه بحق ! رُبما تلك هي الضريبه الطبيعيه لجلوسها هنا في كل يوم لدقائق طويله بإنتظار مُمل غالباً مادفعها الى التركيز في كل شيء حولها وحِفظه عن ظهر غيب بعد دقائق طويله قضتها بالعبث في هاتفها لمحت سياره صديقتها شهلاء تتوقف على الجانب الآخر للشارع فزفرت براحه ونهضت من مكانها تلتقط حاجياتها بينما ترى نور قد ترجلت من المقعد المجاور للسائق ضاحكة الثغر وكأنها قد سمعت من شهلاء نُكتةً ما .. لوحت لغيد وانطلقت اليها بعجاله لتقطع الشارع الذي لم يكن في نصيبها تكملته فقد صدح في الارجاء صوت المكابح الذي تبعه اصطدام نور بمقدمة سياره مُسرعه ثم ارتطام جسدها النحيل على الأسفلت القاسي وفرار الفاعل دون ادنى التفاته .. شيء كان أسرع من قدرة المرء على الادراك، وادهى من ان يُصدق في لحظات .. لحظات فقط مافصلت بين ابتسامة نور ودِمائها التي انسابت على الشارع متناثره في الانحاء القريبه، فشردت غيد لوهله في بياض حذائها الملطخ بالدماء .. انها نور ! رفعت ناظريها الى الشارع .. الى الزحام والصُراخ الذي لم تنفك عنه شهلاء بينما تجلس على ركبتيها وتهز كتفي صديقتها بهلع، رأت احدهم يتقدم ليحمل نور بين ساعديه .. انه ذات الشخص الذي يجلس في المقهى منذُ عامٍ مضى، شعرت بكف شهلاء يقبض على ساعدها لتجرها نحو مكانٍ لم تستطع ادراكه، تساقطت كتبها وحقيبتها وكل ممتلكاتها في ذات القرنه التي صُعقَت فيها منذُ برهه ولم تتنبه الا وهي جالسه في الامام على متن سياره تركبها لاول مره، وفي الخلف شهلاء تنوح بينما تحتضن جسد نور الهامد بين ايديها .. وفي تلك اللحظه فقط استطاعت البكاء مُبلله رمشيها ووجنتيها ونِقابها وكذا كفيها التي غطت بهم مُحياها مكتفيةٍ بدمعٍ ماطر وجسدٍ مُهتز مُرتعش خوفاً من هول ما رأى .. . . . . مَلاذ .. ما الذي ينتابكَ حين تمر تِلك الكلِمه على مسامعك ؟ (الآمان الملجأ والمُعتَصَم) .. تِلك التي لها مِن مُسماها نصيب ففي عينيها كُل دِفء الدُنيا، وفي فؤادها كُل ودٍ قد ترجوه إلا انها تُجيد وضَع الخطوط الحمراء والقِتال ذوداً على حرمتها فتاه انتصفت العقد الثاني من عُمرها، ذلك العُمر الذي قضت خمسة عشر عاماً منه في منزل جدتها لابيها تلك المرأه الحنونه ذات القلب الدافئ والروح الحلوه والتي باتت وحيده بعد ان تزوج كل ابنائها وانشغل كل منهم بدياره وابنائه فأختارت هي السكن معها للتتقاسم معها وحشة الليل وضوء النهار على مقعدٍ خشبي تجلس في الفناء الصغير للمنزل، اجواء بارده ولطيفه تعطي شعوراً بأنك في الجنه من فرط حلاوتها، امام عينيها تقبع زاويه صغيره أجادت الاعتناء بها حتى اصبحت فِتنه في زهو ورودها وجمال تناسقها في احدى يديها كِتابٌ مُغلق والاخرى كوب قهوه دافئ، وقد تلذذت بوحدتها تلك حتى تقاطعت بصوت خطوات قد اتت من ناحية الباب الجانبي للفناء والفاصل بينهم وبين فناء منزل عمها فعدلت من حِجابها ومر عبر مسامعها قول القادم الذي ما كان سوى ابن العم فياض :ليه جالسه وحدك؟ وليتهم يعلمون بأن الوحده هي اعظم اللحظات التي قد تكافئ بها نفسها في اي وقتٍ من النهار فوجهت ناظريها اليه حين توقف قريباً من مجلسها بملابس مدنيه وسيجارته في فمه كالمعتاد واجابت :احب الهدوء يعطيني الهام اومئ المعني واتجه بخطواته الى مصطبة ركنية الزرع الخاصه الخاصه بها ليجلس عليها ثم استفهم بينما ينفض عن لفافة سجائره الرماد المحترق :الهام لأيش بالضبط ؟ رباه كم تمقُت نبرته البارده تلك حين يضع اسئله من المُفترض ان تكون اجوبتها دافئه الا انها وبطريقةٍ ما تشعر وكأن هناك لذعه ساخره في سؤاله رُغم انه لايبديها، زفرت واجابت بإختصار :إلهام للحياه بشكل عام ! سكن قليلاً ثم اومئ مشيحاً بناظريه ناحية قرنة فارغه، لم يناقشها في إجابتها وذلك بديهي من رجُل يحيا العُمر وكأنه واجبٌ عليه تأديته فقط ! حل الصمت لدقائق قليله اقتطعتها هي حين رفعت عينيها للسماء ونبست قائله قاصدةً في قولها ابنة عمها :امس رحنا انا وسالي للسوق .. كانت راح تشتري لك هديه بمناسبة ذكرى ميلادك الجايه رغم باقي لها شهرين بس انا منعتها انزلت ناظريها الى عينيه حيث كان ينظر اليها بسكونٍ تام دون ابداء اي ردة فعل واضافت :ماتستاهل منها كل هذا الاهتمام وانت مو معطيها وجه ! حرضتها عليك من باب انك مو مهتم لمناسباتها الخاصه ولا لاهتماماتها وقدرت اقنعها او يمكن هذا اللي اوهمتني فيه ما ادري بس انا ريحت ضميري لان سالي كنز عظيم انت مو مقدر قيمته كالتمثال ضل ينظر اليها بينما تشرع في سيرة سالي وترد على نفسها كما فعلت للتو حين اردفت بقولٍ حاد :بعمرك ما اهديتها شي، ولا حتى قطعة شوكولا ! تبّسم بطفيف ابتسامه فور ان انهت قولها الأخير واستفهم مُعلقاً :تتعمدين تجيبين سيرتها في كل مره نلتقي فيها ؟ صمتت لبرهه ثم اومئت تؤكد له ظنه ذاك، فهي بالفعل تتعمد ودائماً ما ستفعل مبرره ذلك بقولها :عشان اصحيك على واقعك، اتعمد اجيب سيرتها في كل مره اشوفك فيها غرقت في احلامك البعيده اسقط ناظريه على قُطف سيجارته تلك التي تغيرت رائحة احتراقها بنفاذ تبغها، رماها ارضاً وداس عليها بخفه المنزلي قبل ان يعود بناظريه الى ملاذ التي مازالت تراقبه بنشوة انتصار قائلاً :الحرب البارده تطول .. وانا نَفَسي لها طويل اومئت وتبّسمت بإبتسامه ساخره بينما تنهض من مكانها وتعلق قائله :الحرب البارده واضح وش في طرفها، كفي ماراح تعانق غير كف عزيز وان قامت قيامة الأرض على راسي مرت عبر مسامعها قهقهات خفيفه خرجت بسخريه من بين شفتيه قبل ان تخطو من امامه وتبتعد تزامناً مع اشعاله للفافة سجائر جديده بشرودٍ وتيّه دلفت الى المنزل الساكن متجهةً الى غرفة جدتها التي استقبلتها بإبتسامه بينما تلتف المسبحه على اناملها قائله :شفيك يمه داخله من بدري ؟ زفرت ملاذ بضجر مما اثار تعجُب الاخرى التي عقدت حاجبيها بينما تراها تتقدم لتتمدد بجوارها وتضع رأسها في حجرها فأخذت تمرر اناملها على خصلاتها البنيه الناعمه معلقه :ملاذ ! وش مكدر خاطرك ؟ سكنت ملاذ قليلاً بينما تنظر الى النافذه الزجاجيه وتراقب بعينيها السماء الصافيه بشمسها المُشرقه واجابت :ليتنا ما كبرنا يايمه، كل شيء بعيوننا اختلف، كنا نبدا اليوم وكأنه صفحه جديده ماقبله امس ولا بعده بكره، فجأه صرنا ننتظر ذا ونهرب من ذا .. ذا ناكل همه وذا نشتاق لسوالفه كل ايامنا مترابطه بفكره وحده واحنا قاعدين ندور حولها ناسيين انها من عمرنا ! صمتت الجِده قليلاً تتفكر فيما مر عبر مسامعها للتو قبل ان تضرب على كتف صغيرتها بخفه وتعلق ضاحكه :مو قلتلك خففي من هذي الكتب اللي ليلك ونهارك تقرينها ؟ ضحكت ملاذ على تعليق جدتها قبل ان تنهض لتجلس امامها وتحتضن كفيها قائله :يمه راح احكيلك قصه عن قرين من العالم السفلي .. خقيت عليه بشكل ماتتخيلينه ! اتسعت عيني الاخرى بذهول مما تسمع، ولطالما كانت ملاذ بالنسبه اليها غريبه بإهتماماتها وفضولها ناحية كل شيء في الحياه لكن بعض الامور لاتثير اعجابها فالفضول حيالها ليس جيد مطلقاً، شدت على كف ملاذ وقالت زاجره :ملاذوه بطلي هالسوالف ماهي زينه عليك يمه ! تعوذي من ابليس وقومي سوي لنا قهوه خلينا نتقهوى ونسولف سوالف تشرح الصدر اومئت ملاذ بإبتسامه قبل ان تنهض بالفعل وقبل ان تخرج من الغرفه التفتت ناحية جدتها وقالت :جده القرين اسمه دجن هربت راكضه لتتعالى قهقهاتها في الارجاء بينما تسمع جدتها تؤنبها بصوتٍ عالي وتهتف بحسره :ياعزتي لوليدي العزيز، انشهد ان جده ابلشه بك . . . . قيل بأن المصائب لا تأتي فِراداً .. الا انها في الحقيقه قد تأتي واحده لكنها تحمل من الأثر مايكفي لقتل الحياه في عيني انسان وانطفاء بريقها الى الابد رُبما .. تحتضن يديها المتعرقتين بينما تجلس امام بجوار الباب المُغلقه في وجوههم، بجوارها شهلاء التي لم تكف عن الاستغفار والدعاء بنبره باكيه وعلى بعد مسافه بسيطه يقف ذلك الشخص الذي ومنذ اتوا لم ينبس ببنت شفه مكتفياً بالشرود في نقاط فراغ وهميه تأملت في صباح اليوم ان تحظى بساعات مُختلفه مُبهجه ولطيفه وما حدث كان عكساً لذلك فقد ابتدأ يومها بكارثه ستترك بها ندوباً الى آخر العمر، نور تلك ليست مجرد صديقه فهن ثلاثي قد تلازمت خطواتهن منذ الصفوف التمهيديه الاولى .. ورغم انها لم تود ان يحدث بينهن فراقاً الا انه ان حدث بسبب زواج او سفر او حتى جفاء كان سيبدو الامر اهون .. من فكرة الموت ! تلك الفكره المرعبه وبهذه الطريقه ! بعد مرور ساعات قليله كانت وكأنها قادمه من الجحيم فُتح الباب الواسع وخرج منه رجلاً ينتصف الثلاثين بملابس طبيه وكمام قام بإنزاله بينما ينظر في وجوه الثلاثه ويتسائل :اهل نور عبدالله ؟ نظرت غيد ناحية شهلاء التي شاركتها الوقوف امام الطبيب ذاتها التي اجابت بشيء من التوتر والشتات :اا .. ايه يعني صديقاتها مثل الاخوات تقدر تقول .. اومئ الطبيب متفهماً مما جعلها تتوقف عم كانت ستتفوه به وفقط يكفيها ان الفكره قد وصلت اليه فأستطرد بقوله :الصدمه سببت لها شرخ في الجمجمه ورُغم صغره الا ان خطورته عاليه، النزيف قدرنا نسيطر عليه لكن مازالت في مرحلة الخطر ولازم تبقى تحت المراقبه، اتمنى تتواصلون مع عائلتها لازم يكونوا متواجدين عشان الاجراءات في حال احتاجت لعمليه جراحيه طارئه وكلماته تلك بدت بلا ملامح ! فهي لاتبعث على التفاؤل ولا تدفع الى هاوية اليأس، فأثار سكون الاثنتين اللاتي حقاً وقعن في منتصف الشتات بينما الطبيب فقد همس بـ "معافايه" وسار بضع خطوات توقفت بعد لحظات مثير انتباه الثلاثه حين التفت ناحية الرجل الذي لم يتحرك من مكانه مازال متكئاً على الحائط يراقب المشهد بسكون فتسائل :مَدْيَن؟ نظر اليه المعني ورمش لوهله كما وكأنه قد تباغت بالسؤال او لم يكُن يتوقعه، سكن قليلاً وقبل ان يجيب استقبل ربتات الطبيب على كتفه معلقاً بخفوت ونبره مواسيه :لا بأس عليها ان شاء الله، الله يقومها بالسلامه اومئ الآخر بهدوء في ذات الاثناء التي نبست فيها شهلاء موجهه كلماتها لغيد تزامناً مع ابتعاد الطبيب في الممر :مانقدر نكلم امها ! .. لازم نتواصل مع اخوها ريان نظر اليهن ثم تراجع وابتعد بخطاه خارجاً من المستشفى بأكمله بملابس لطختها الدماء وسياره لم تنجو كذلك من ذات الحال . . . . في ساعه من الظهر صعد بيدر الدرجات المؤديه الى شقته يحمل في رأسه ذِهنٌ شارد وفي صدره فؤاد يبدو وكأنه قد تعِب من خفقانه فبات راكداً نازفاً ما له من حيله سوى انتظار الأجل على اي جُنحٍ سيأتي ! توقف فجأه حينما تبادر اليه وكأنه قد سِمع تراطم الموج واشتد الضجيج في رأسه فتراجع ليلتصق بظهره على الحائط في منتصف الدرج، تهاجمه الاصوات مدويه في آذانه مختلطه بصوت الرعد والصُراخ .. ذلك الصُراخ الذي يصم الآذان مقيماً في رأسه اشد الحروب ضراوةً، اخذ يغلق بكفيه على أذنيه عله يوقف ذلك الضجيج القابع في رأسه دون فائده .. ولطالما كانت تلك الطريقه غير المجديه هي الوحيده المتاحه اليه ! صوتٌ يناديه من قاع رأسه وبجنونٍ على مسامعه يتكرر .. " بَيْدَر .. بَيْدَر " وآهٍ كم بات يمقت بيدر وكل مايتعلق بهذا الشخص المُنفصم والمريض عقلياً الممتلئ بالعقد النفسيه التي ان عددتها فلن تنتهي منها مطلقاً .. بدا وكأن صوت الموج يتعالى اكثر فأكثر وان الوضع لن يزداد الا سوءاً ففتح عينيه مقرراً الهرب بكل مابه من فوضى وحُطام .. وحينها فقط التقطت اذناه صوتٌ لاحد جيرانه الذي بدا وكأنها ينظر اليه بترقب وتعجب مستفهماً بهمس :مدين؟؟ فاعتراه الخوف .. ذلك الخوف الذي يسرقه من مُعظم لحظات حياته ومنذُ الصِغَر وهو يجيد التخييم عليه بسطوته الجباره .. هو ليسَ مدين .. بل بيدر .. العليل بيدر ! وتلك هي الحقيقه التي ترجمها حينما هز رأسه بنفي اجابةً على سؤاله ، ثم ابتعد بخطى سريعه مهروله اسفل انظار الآخر الذي تعجَب لحاله ذاك ! دلف الى المنزل كما وكأنه هارب من وحشٍ يطارده في الخارج، اتجه سريعاً الى المطبخ مرتدياً نظارته لتقع عينيه على الفطور الذي اعده في صباح هذا اليوم مازال على حاله لم يُمس اما مدين فلا اثر له هنا .. رفع يده يمسح بها على وجهه قبل ان ينزل كلتا يديه على المنضده دافعاً بها كل الاطباق والكؤوس الى الارض صارخاً بأعلى صوته صرخه مدويه خرجت من قاع قلبه من عمق معاناته والمه الذي يبدو بأنه لن يُشفى .. فكيف يشفى ان كان لا يُعَالج؟ جلس على الارض محتضناً جسده اليه ودمع عينيه على الوجنتين مدراراً، يتلفت في الارجاء بخوف باحثاً عن آمانه من مدين .. اين مدين ! مر عبر مسامعه وبعد دقائق مرت عسيره بهلعٍ وخوف وضجيج لم ينكف في رأسه قرع اقدام من الممر القادم من غرف النوم .. خطوات انتهت بظهور مدين من الباب متكئاً على حافته قائلاً بشيء من الاعتياديه :سمعتك تصيح وتكسر ! اومئ سريعاً بينما ينظر اليه وكأنه طوق نجاته وبينما احدى يديه مازالت تغطي اذنه ارتفعت الثانيه لمسح دموعه التي على وجناته قائلاً :صوت البحر .. الموج للحين بأذني .. ماقاعد يتوقف مدين ! زفر مدين وتقرب نحوه حتى جلس مقرفصاً امامه، وضع احدى يديه على جانب رأس اخيه متخللةً انامله في شعر بيدر الكثيف رابتاً عليه لمرات قبل ان يعلق بقوله :ليش طلعت من البيت ؟ ابتلع بيدر ريق فمه واجاب بينما يعود لاحتضان نفسه قائلاً بشيء من الالم والاعتراض :ماقدر اكمل حياتي بالبيت ! سكن مدين قليلاً بينما ينظر اليه بغرابه، بعينين باردتين شابهت نبرته حين قال :انا زهقت منك بيدر ! يكفي لاتحاول تواجه مخاوفك لانك اجبن من انك تتغلب عليها، انت سجين لهذا المرض حد مايفنى عمرك .. انت عليل للابد بيدر ! اتسعت عيني بيدر بذهول مما مر عبر مسامعه، مابه ! لمَ يفعتل به هذا ! هل يغرقه اكثر بينما هو يتخبط راجياً منه ان يمسك بيده وينقذه من كل تلك العاصفه التي عبثت به كالقارب الصغير في منتصف المحيط الهائج ! هز رأسه بنفي، بل هو يستطيع .. وسينجو ! رأى اخيه ينهض ويتراجع بينما يأمره قائلاً :روح نام ! اخذ منوم اذا ماتقدر .. محتاج ارتاح تعبت اليوم عاد صوت قرع الاقدام مبتعداً هذه المره حين خرج مدين ولم يتوقف ذلك الصوت، لم يتوقف بل تعالى وتعالى الى ان طغى على كل الاصوات في رأسه، فتخبط في مكانه رافساً بقدميه كالذبيح بينما يضع يديه على اذنيه ويعض على شفتيه كي لايصدر صوتاً فيزعج اخيه ! . . . . مازِلتُ أراكَ ولستُ أرىٰ فبماذا سأبدأ ياتُرىٰ؟ هل سبقَ وان هام أحدهم بحبيبٍ .. دمهُ قد جرىٰ . | ||||
15-10-24, 02:32 PM | #4 | ||||
| ياسلام ياسلام ايش داالابداع يا آيات قرات المقدمه والفصل الاول واعجبني ابداعك فرحت لما شفت اسمك مره تانيه أشغلتني الظروف عن المنتدى حوالي اسبوعين او اقل وللاسف ما كملت هوايتك السابقه ودوبني دخلت الا واشوف اسمك مبروك مولودتك الجديده ويارب تخدميها قريب ياقلبي | ||||
15-10-24, 10:00 PM | #5 | |||||
| اقتباس:
حبيبة عيني الله يسلمك ويامرحبا بك، شكراً لثقتك فيني وان شاء الله ان الرحله هذه المره مرضيه .. اتشرف بوجودك بين صفحات المولوده الجديده | |||||
15-10-24, 10:50 PM | #6 | ||||
| ليش حاسة انو بيدر ومدين واحد فيهم ميت قصدي مقتول على يد اخوه والي بقى حي مريض بانفصام الشخصية وعايش بشخصيتين لحد الان ماعرفت من قتل الثاني يمكن مع الوقت راح يبان لان في البداية كان واحد ماسك ايد الثاني على صخور شاطى البحر وبعدين وقع هيك فهمت ان شاء الله مايكون توقعي صحيح الله يوفقك | ||||
16-10-24, 12:04 AM | #7 | |||||
| اقتباس:
حبيت تفكيرك وتحليلك الأولي اتمنى ماتبخلين عنها في الفصول القادمه، ماراح اجاوبك بإذن الله الاحداث راح تعطيك الاجابه مفصله وواضحه، شكراً لتعليقك واتمنالك قراءه ممتعه على طول الرحله✨. | |||||
18-10-24, 03:42 PM | #8 | ||||
| الفصل الثاني . . . . أجربت ان يأتيكَ الموتُ مُجزءاً، كُل جزءٌ منه ينال من روحك له نصيباً ومن جسدك الماً ومن حُنجرتك صرخه ! هل جربت ان تتلوى اسفل السوط وتدفع ثمناً منك لذنبٍ انتَ من ارتكبته ! لا احد يرحمك ولا حتى انت ؟ حينما تصبح الذكرى ملموسه فتشعر بألمها ينتابك وكأنك تعيد تمثيلها لا تتذكرها، في ذات سريره يجلس محتضناً جسده الذي ينبض الماً بينما عينيه شاردتان في الحائط امامه، شاخص البصر وفي عقله لا يرى حائطاً ابيض عليه ساعه مُعلقه ! بل يرى غُرفه مُظلمه وهو في احدى زواياها يتلوى وجعاً والماً بينما يتلقى الضربات متتاليه من سوط عمه ! وتتلقى مسامعه الشتائم الكبيره عليه كطفل لم يتجاوز العاشره بعد .. ذلك المشهد المأساوي مازال يتكرر في ذهنه منذُ عشرون عاماً، مازال داخله يصرخ في كل مره ويزداد الالم في كل مره فهو ومنذُ عمر العاشره مازال في حُفر الهلاك يتخبط بل مازال في ذات اليم والموج الهائج لم ينفك عن العبث به منذُ عشرون عاماً .. نهض من مكانه بعد دقائق بعد ليله لم يزره المنام فيها، دلف الى الحمام وشرع بغسل وجهه لمرات باحثاً عن الصُبح في ملامحه قبل ان يتكى على جانبي المغسله بساعديه متأملاً وجهه الحزين بعينيه المنكسره وخلاصة القمح في بشرته آهٍ كم تذكره ملامحه بأبيه .. هُناك شيئاً ما في وجهه لايُشبه مدين يختلف عنه ويماثل والده .. شيء لاتقدر على وصفه لكنه يعود لذلك الصياد الراحل وقعت ناظريه على سلة الملابس المتسخه وعلى القميص الابيض المُحمر بالدماء خاصه ! ازدرد ريق فمه وحاول تجاهله بينما يغتسل ويخرج ليرتدي ملابساً نظيفه قاصداً الخروج ! الى اين لايعلم لكنه سيخرج لن يبقى حبيس الديار كي يواجه امراضه وعلله بل سينفر ويهرب قدر مايستطع .. .. في جِهه اخرى وبينما هو يتخبط في الموج يرجو النجاه كانت تلك التي كُتِبَت في قدره قد سقطت في قاع المُحيط، وكأن لاهواءاً يصل الى مجرى تنفُسها، الالوان حولها باهته ورماديه، السماء مظلمه رغم شمسها الساطعه والأرض مقفره وهامده .. ذلك الشعور الأليم الذي ينتابها ليُشعرها بأن كل شيء قد انتهى .. ولن يغدو الحال الا الى ماهو اسوء منه تتعلق عينيها بالنافذه في صُبحٍ يُصنف بأنه الاسوأ منذُ ان وِلدت في هذه الدنيا، صُبحٍ كان هو الاول بعد رحيل نور .. تلك الجميله التي سُرق منها العُمر بغته بينما هي تخطو نحو يومٍ منه جديد لم يكن في قدرها ان تنتصفه حتى ! حين تراها .. غيد .. تعلم بأنها ليست على مايرام ولن تكون، ممدده على سريرها بسكون بلا بُكاء، شارده في شيء ما تجسد لها في الفراغ، وكأنها مازالت لم تدرك تلك الحقيقه المريره التي ستبقى غصتها في الحُنجره الى ان تُبكى .. لاعوام ربما ! تربت ملاذ على كتف شقيقتها بينما تجلس خلفها بوجنتين قد خط عليهما الدمع مساراً هامسةً :غيد ! ابكي طلعي اللي بقلبك ووكأن غيد ليست الا جثه بلا روح فلم تبدي اي ردة فعل بل بقيت على حالها الجامد ذاك، تستمع لشهقات ملاذ الباكيه ويديها التي تربت على كتفها وشعرها المُهمل حتى تقاطعت بطرقات خفيفه على الباب تبِعها دخول والدتها بملامح حزينه لتهز رأسها مُستفهمه عم اذا كانت غيد قد تجاوبت مع شقيقتها لكن ملاذ نفت ذلك قبل ان تدنو مقبله رأس غيد مُردفه :راح اخليك ترتاحين حاولي تنامين كانت برهه يسيره تلك التي مرت حتى خرجت ملاذ رفقة والدتها، فبقيت هي في مكانها لدقائق انتهت بجلوسها على السرير واحتضانها لجسدها لبرهه بينما تنظر في الارجاء بشرود .. ترغب بالبكاء لكنها لاتقدر .. وكأن عقلها ذاك يأبى الاستيعاب والإدراك ! نهضت من مكانها متجهه الى الدولاب حيث ارتدت عبائتها وحجابها ثم خرجت بينما ترتدي النقاب، واجهت عائلتها في الاستقبال ذاتهم الذين ارتسمت على ملامحهم الدهشه ! زفرت حين رأت جدتها هنا فتقدمت ناحيتها وقبلت رأسها لتمر عبر مسامعها كلماتها الحانيه المواسيه :الله يعصم على قلبك يمه، قولي يالله تراجعت وبينما تومئ بخفه تسائلت والدتها بتوجس :غيد وين رايحه ؟ نظرت اليها بعينين لاتُشبهان عيني غيد المُشعتان بالبهجه بل بدت فارغه وكأن كل شعورٍ بداخلها قد تبدد وبنبره تغلبت عليها البحه قالت :للساحل .. هزت رأسها بالنفي حين عرضت عليها ملاذ ان ترافقها ثم خرجت دون ان تتلقى اعتراضاً من احد، فالساحل قريب لايفصلهم عنه سوى بضعة امتار .. حربُ الانسان ضد مخاوفه قد تنتهي بإنتصار الخوف على القلب الضعيف، قد تدفعه الى الهلاك إما انتحاراً او موتاً من شدة الهلع .. الخوف ليس بهين بل قاتل مُحترف يجيد اختيار ضحاياه لقد احتضن جسده الذي لم ينكف عن الرعشه، تصدح صوت الامواج في رأسه وكأن البحر واقعاً بين اذانه متفجراً هُناك والمكان لايتسع اليه، بدا له الامر وكأنه ليس مواجهه بل محاوله للانتحار بجلد الذات حتى الموت .. جبينه على ركبتيه مغمض العينين ويود لو انه يقتلع عينيه من مكانهم، يأن وانينه مسموع بينما دموعه قد بللت وجهه ولحيته الخفيفه وكذا ملابسه .. لم يرى مدين هذا اليوم ورُغم انه سُعِد لذلك قبل خروجه من المنزل وفي طريقه الى هنا لكنه الان في هذه اللحظه وبينما يشعر بنفسه وكأنه ورقه متيبسه بين اقدام البشر المتزاحمين فهو يحتاج اخيه .. يحتاج اماناً ومنقذاً فقد نفذت حتى طاقته التي قد تعينه على الهرب ! التقطت مسامعه صوت خطوات اتية من خلفه ورُغم الضجيج القابع في رأسه الى انه قد ميز صوت الخُطى .. لقد اتى مدين ! التفت الى الخلف بوجهٍ قد عبث به البكاء مُبتلاً بدمعه الماطر وخاب امله .. بل وقع من اعلى قمه عاليه الى ارضٍ مكتسيه بالصخور، تابعت عينيه تلك الفتاه التي اتجهت للجلوس على بعد خمس خطوات منه، فعلت كماه واحتضنت جسدها النحيل ثم وضعت جبينها على ركبتيها وارتفع انينها حتى وصل الى مسامعه .. لقد بكت ! لوهله بدا بيدر مذهولاً يتسائل في داخله هل هذه اتت من وحي خياله ؟ اما انها حقيقةً تبكي امامه .. ايعقل ان هناك من يتجرع من ذات كأسه .. انه ليس الوحيد الذي يعاني هنا ؟ نظر الى البحر ولوهله بدا وكأنه قد نسي همه فجلس متربعاً يستمع لبكائها ولموج البحر وللاصوات المرعبه في رأسه .. ساكناً بلا حراك ولا بكاء ! . . . . بينما تتَرجل الدرجات تتهادى الى مسامعها قهقهات والدتها أسمهان صوت عمها ايضاً مسموع بكلماتٍ لم تستطع فهمها لتتعالى عقبها قهقهات الاخرى اكثر من ذي قبل .. مشهد مُعتاد دوماً مايثير غثيانها فهي ورُغم مرور السنين مازالت لم تخرج من طور الاستنكار ناحية هذا الزواج وماكانت لترى حاجةً اليه بعد وفاة والدها ! لا احد سيحل محل ابيها ولن تعجز امها عن تربيتها فهناك من فعلن ذلك مع حاشيه من الاطفال فمابالك بواحده ؟ دلفت الى المطبخ لتجده ببزته العسكريه جالساً على احد مقاعد الطاوله، يعبث بهاتفه بينما يلقي على مسامع زوجته احدى القصص التي حدثت معه في العمل وتتجاوب معه هي بينما تنشغل بإعداد الافطار .. ربما هو مشهد عادي لأي زوجين وان كانا في التسعين من العمر لكنه بدا لها مزعجاً وغير مقبول جلست على مقعد مقابل لمقعده بينما تضع كتبها على احد اطراف المنضده فمرت عبر مسامعها كلماته حين قال بنبره لائمه :وعليكم السلام تراه يرفع عينيه اليها فور ان انهى قوله، ينظر في عينيها التي تشع حقداً وان انكرته او ادعت خلافه، فأبتلعت ريق فمها هامسه بخفوت :وعليكم وضعت اسمهان طبقي خبز وطماطم مقليه يتشارك الاثنين تفضيلها في كل صباح بينما تنبس متجاهله امر تحية الصباح التي دوماً مايعلق هشام بشأنها :سالي اليوم عمك راح ياخذني بعد الظهر لبيت عمك سلطان .. يقولون جدتك بعد هناك لان غيد توفت صديقتها تروحين معي ؟ سكنت سالي قليلاً ثم تسائلت بقولها :وملاذ؟ اومئت اسمهان واجابت بينما تجلس وتضع امامها طبق من البيض حينما كانت لاتشاركهم حب الطماطم واجابت بتخمين منطقي :اكيد راح تكون هناك ! اومئت سالي بموافقه بينما تبتدأ تناول طعامها بصمت، اما اسمهان فقد نظرت ناحية زوجها وقالت :فياض للحين ماخذ اجازه ؟ عقد هشام حاجبه وبينما يضع الهاتف جانباً ليبدأ تناول طعامه قال مجيباً ومتسائلاً في ذات الحين :لا اليوم انتهت اجازته، ليه تسألين؟ هزت اسمهان رأسها بنفي واجابت بخفوت :مافي سبب اومئ هشام متجاهلاً الأمر برمته بينما اسمهان فقد نظرت بطرف عينيها ناحية سالي لتجدها قد توقفت عن الطعام لبرهه .. بعد دقائق مرت مابين تبادل اسمهان وهشام لاطراف احاديث عشوائيه في ظل صمت سالي المُعتاد التي نهضت من مكانها وهمست قائله :بالعافيه نظرت اليها والدتها بينما تحمل حقيبتها وكتبها وتخرج مسرعه ناحية الدرج المؤديه الى غُرفتها بينما تبرر بقولها :نسيت جوالي ! خرجت بعد دقائق بينما تحتضن حقيبتها وعلى شفتيها بسمه طفيفه، سعيده لمعرفتها بأمر عودة فياض الى عمله بعد اجازه دامت لايام ثلاثه لاسباب تجهلها وتأكدها من ان المرض ليس واحداً منها كافٍ بالنسبه اليها، راحت الى الجامعه سيراً على الاقدام لقربها من مكان سكنها وكالعاده وجدت صديقتها ريما تنتظرها على احد المقاعد الموجوده في باحة الجامعه فجلست جوارها وبعد التحيه قالت :فياض رجع للدوام نظرت ريما اليها وتسائلت :راح تروحين له ؟ فأومئت سالي بينما تفتح حقيبتها وتخرج علبه سوداء صغيره وبينما تمدها ناحية ريما قالت :اظن انها راح تعجبه، احسها ذوقه صح ؟ نظرت ريما الى الخاتم قليلاً قبل ان تومئ بمسايره فهي لاتعرف شيئاً عن ذوق المعني ! ثم وجهت ناظريها الى سالي وبينما تعيده اليها علقت :ماقلتي لذكرى ميلاده ! توها بعد شهرين اومئت سالي مؤكده وبينما تعيد العلبه الى الحقيبه اجابت :ماقدر اصبر، لوقتها راح اشتريله شي ثاني سكنت ريما دون اجابه، هي حقاً لاتعلم عن طريقة تفكير صديقتها ففياض يتضح جلياً من ردات فعله التي تشرحها لها سالي بالتفصيل بأنه بارد ناحيتها لا يرى بعينيه اياً مما تفعله هذه المهووسه له، لا هدايا ولا نظرات ولا كلمات .. وكأنه لايملك ناحيتها اي مشاعر تذكر ! خرجت من الموضوع برمته حين قالت متسائله عن امرٍ يتحدث حوله كل فتيات الدفعه منذُ ايام :وش قرارك راح تروحين لحفلة ملاك ؟ هزت سالي كتفيها بعدم معرفه عن قرارها الى الان ثم قالت :تو ماقلت لاهلي واصلاً ما فهمت العنوان .. هذيك المنطقه انا ما اعرفها فما اتوقع عمي هشام راح يرضى ! اومئت ريما واجابت بينما تنهض حين حلول موعد المحاضره الاولى وتتبعها سالي كذلك :سألت امي وقالت اذا راحت سالي روحي معها، املي فيك كبير تقنعين عمك احس مخنوقه وودي اغير جو وبنفس الوقت علاقتنا ببنات الدفعه مو جداً واو فحلوه لو نجتمع معهم ونتعرف اكثر همهمت سالي بموافقه لرأيها ذاك رغم عدم اهتمامها بتوطيد علاقتها مع باقي زميلاتها فهي عادتاً ماتحبذ صغر دائرة معارفها مكتفيه بريما وملاذ كأقرب صديقاتها ولا ترغب بتوسيع تلك الدائره . . . . حَركت يديها في الهواء بينما تجلس في مكانها، وتتحدث بنبره متهدجه مُختنقه، تشكو من المٍ الم بها وجرح فؤادها وادماه، تشكو من وجع فِراق صديقتها على مسامع الرجل الذي فقد كل عائلته واحداً تلو آخر، العليل الذي يرى روحه تتساقط امامه قطعه قطعه ويستمع هو اليها بإنصات وتيه في كلماتها تلك التي انتشلته من حاله وغيبته عن مآساته، انخفضت الاصوات في رأسه وتوقف الدمع الساقط من عينيه التي ترتكز على نقطة فراغ في الرمال امامه غير مُشتت عم يسمع حتى نظرت اليه بعد نِصف ساعه من الشكوى وقالت :دورك ! نظر اليها بشيء من الفراغ وكأنه يحاول تحليل ماتقصده، متربعاً ويديه تحافظ على رعشتها الخفيفه .. اطرق برأسه وراح يتسائل بداخله، احقاً تريد ان تستمع لشكواه ؟ ازدرد ريق فمه واجاب :مو مُهم ! عقدت حاجبيها ورفعت كفها لتمسح الدمع الذي بلل وجهها اسفل النقاب ثم قالت بينما تنظر ناحية البحر :لا تكذب، شايفه قد ايش وجعك كبير اعاد الاطراق برأسه بينما ينظر الى يديه ولوهله ود لو يملك اريحيتها ويطلق العنان للسانه فينطق بكل ما يختبأ بداخله منذُ اعواماً غابره، رفع ناظريه الى البحر مما جعل الخوف يبرق في رأسه بينما يجيب :ما احس بوجع .. فيني خوف وفراغ ووحشه، دائماً اتخيل وضعي مثل الغريق اللي طاف عمره وهو يتخبط بين الموج لاهو اللي مستسلم للموت غرق ولا هو الناجي الواصل لبر الآمان ! اعادت ناظريها اليه قالت بخفوت :انت في بر الآمان، شوف نفسك وين جالس .. آمن ماحولك احد يهدد حياتك، ماعدا غريب عرض عليك يسمع همومك ! الوحشه مو شرط تؤنسها بالبشر ! .. مثلا عندك هوايه تحب تمارسها ؟ سكن بيدر قليلاً وكأنه شارد فيما سمع قبل ان ينظر الى الرمال بجانبه وبعد تردد بسيط ضغط بأصبعه على الرمال محركاً اياها لثوانٍ قبل ان تنهض غيد بفضول ناحية ما رسم فوجدته قد خط على الرمال رسمة نجمه بسيطه، فقهقهت قائله :لحظه رآها بينما تركض بعيداً عنه فتبّسم مذهولاً عن كيف خرجت من اطار تلك الكآبه وكأنها قد أستقطعتها قليلاً فقط كي تؤنسه هو ! تعجب من وجود بشر كهذه بعد ان ظن ان من حوله هم اكثر وحشيه من الحيوانات المُفترسه حتى ! نهض بعد برهه بينما يراها تقترب من الجبال القريبه، نفض الرمال عن ملابسه واتجه اليها بخطى بطيئه متوجسه حريصاً على ان يبقى بعيداً من ماء الشاطئ وتوقف حين وصوله الى منتصف الطريق بينما يراها تنزل من على الصخور وتتجه اليه بخطى سريعه، اتسعت عينيه بدهشه مما بيديها قائله :ابوي كان دايم يجيبنا هنا ومانرجع الا بنجوم وصدفات، عندي بالبيت منهم كرتون ضحك بخفه ومد يده يلتقط النجمه الخاويه التي رمى بها الموج على الصخور، مسح على اطرافها بأنامله بينما يمر عبر مسامعه تعليقها :ادري انك تقصد نجوم السماء ويمكن فضولك ناحية الفضاء مو البحر، بس تقدر تتخيلها نجمه من السماء وان البحر هو فضائك الاقرب ! نظر الى البحر لبرهه قبل ان يعيد ناظريه اليها ويعترف بواحده من نقاط ضعفه التي تعد ولا تُحصى :عندي فوبيا من البحر اومئت وقد توقعت ذلك من تحاشيه للنظر الى البحر الممتد امامه، سكنت قليلاً وقدمت اليه نصيحه لطالما كانت تفضل العمل بها :جرب تجي هنا بالليل وتشوف النجوم فوقه، راح تحس ان صدرك اوسع من السماء واعمق من البحر، يُعتمد كمضاد للاكتئاب همهم بعد قهقهه يسيره قائلاً :ان شاء الله اومئت وتراجعت سالكةً الطريق المؤدي الى منزلها حتى اختفت من امامه غير عالمه بأن تلك النصيحه التي القتها على مسامعه للتو لو انها التقت به قبل سنوات وبحاله الافضل من هذا بالشيء اليسير لكان هو من بادر بها .. وان ضيقه يكمن في عمق البحر وسعة السماء ! لكنه وعلى اي حال فقد ابتعد عن الساحل وهذه المره لم يكن هارباً ولا مهلوعاً بقدر ماهو سعيد ومُبتهج تتعلق عينيه بالنجمه كالطفل الذي مُنح للتو لُعبه جديده، او ككاتب حصل على نسخته الاولى من كتابه الاول .. اما هي فوجعها مازال وجعاً قاسٍ يخيم على صدرها وافكارها، ليست المره الاولى التي تساعد فيها شخص حزين على الساحل بمحاوله لزرع ابتسامه طفيفه على شفتيه متعمده بذلك على ما احاطها الله به من قبول وشخصيه لطيفه ومحببه للغريب قبل القريب لكنها المره الاولى ترى فيها عينين قد تراكم بهما الحزن بهذا القدر ! ولوهله شعرت بأن هذا الرجل قد حظي من الدنيا بالنصيب الاعظم من الالم ثم تقاسم باقي الخلق ماتبقى منه من فتات وهذه المره لم تعود بهمها فقط بل بهم الغريب الذي جعلته صدف العام الماضي قريبا غريباً في ذات الآوانه متمتمة بالدعاء والتمني لاجل فقيدتها نور ولأجله ! وكِلاهما لايعلمان بأن تلك هي احدى ابتسامات القدر ! . . . . خُطى عجوله وروحٍ تائقه الى اللُقيا المُنتظره، تخطو على الطريق الفارغ في هذه الساعه من النهار شاتمةً في جوفها مُدرس الماده الاخيره الذي تجاوز وقت محاضرته بكثير .. هي لاتعلم بحق ان كان فياض مازال موجوداً بالقسم بعد ان باتت ****ب ساعة يدها تشير الى الثانيه ظهراً زفرت براحه عظيمه حينما رأت سياره فياض مازالت متوقفه بجوار باب القسم، فأتجهت سريعاً الى الزقاق المجاور للسياره وتوقفت هناك بتوتر من تأخرها عن المنزل وماقد تلاقيه من والدتها اذا تأخرت اكثر من ذلك ! دقائق يسيره احتاجت فيها الى رفض اتصالات والدتها لاكثر من مره قبل ان يطل فياض بخطى سرعان ماتباطئت وحاجبين معقودين تقرب منها متسائلاً بحده بينما يراقب الانحاء :وش جابك؟ مو قايل لك لاعاد تجين ؟ ازدردت سالي ريق فمها بخيبه رغم انها وكالعاده ستبرر بأن تصرفه ذاك من دواعي قلقه بأن يراها احد رفاقه ففتحت حقيبتها بعجاله واخرجت العلبه بينما تقول :سمعت انك كنت في اجازه، عسى ما شر ؟ زفر فياض بضجر بينما يرى العلبه في يدها رافعاً انامله الى جبينه بشيء من الكلل من رمة تصرفاتها مجيباً بإقتضاب :راحه بس اومئت ومدت العلبه ناحيته قائله بإبتسامه :شفته صدفه بمحل اكسسوارات وتمنيته لك، لاترده ! التقط العلبه من يدها بشيء من العنف ورغم رغبته برميها بعيداً الا انه لم يود ان يغدو جرحاً في فؤادها فهي لاذنب لها في انه لم يرغب بها يوماً ! فتحها واخرج من داخلها الخاتم الذي لايقدر على انكار جماله، رمى العلبه بداخل السياره وحينما كاد ان يرتديه تقدمت هي وامسكت بكفه فأنتفض وابعدها بدفعها بعيداً عنه مما جعلها تقف في مكانها بذهول ! ازدرد ريق فمه وارتدى الخاتم بمفرده هامساً بخفوت :مشكوره فتح باب سيارته في رغبه منه بالهرب منها بعيداً ومن الضغط الذي يوجه اليه حائراً هو في المنتصف بين نفسه التي تأبى الميلان اليها وبين مشاعرها التي تداس كل يوم اسفل ردات فعله فقاطعته هي حينما علقت بنبره متهدجه خائره :فياض ! تراني زوجتك ! اغلق باب سيارته بقوه كبيره قبل ان يلتفت ناحيتها ويعلق بغضب وسخط :مجرد عقد قران سالي، منتي بزوجتي اللي داخل عليها فلا تتصرفين بهذي الطريقه .. اسلوبك خانق ترا ! ابتلعت ريق فمها بخيبة امل فضيعه، اغرورقت عينيها بالدموع وتراجعت متكئه على الحائط بينما تراه يصعد سيارته وينطلق بعيداً عنها فرفعت كفها تمسح الدمعه التي تمردت على وجنتها وهمست بخفوت :مجرد عقد قران ! مر عليه سنتين .. اما هو فرفع هاتفه فور ان انطلق في طريقه ووضعه على اذنه بعد ان اجرى اتصالاً، بكامل غضبه وسخطه على نفسه واهله وحياته من اقصاها الى ادناها وعليها تلك التي لم تفشل يوماً عن استفزازه، وبكل اندفاعه ذاك صرخ فور ان مر عبر مسامعه صوتٌ رقيق بـ الو : شيـليـها من راسـي مـلاذ، صاحبتـك هذي اذا تطـول على ذا الحـال راح ارتكـب فيـها وبنفسـي جريمـه .. ياخـي مو طايقهـا فهميهـا اني مـو طايقـها ذُهلت ملاذ لوهله من صوته العالي ذاك الذي اخترق منافذ سمعها ورن في رأسها بطريقه مزعجه، رمشت واستفهمت هي كذلك بإندفاع واستغراب :عفواً ! شدخلني انا تراها زوجتك ! زفر فياض انفاسه الحاره من لهيب غضبه بينما يدير المقود ناحية اليمين ملتفاً بسيارته الى جهة منزله قائلاً بنبره اهدئ قليلاً :ملاذ انا ماودي اكسر بخاطرها، انتِ تدرين انا ليه عقدت عليها وتدرين بأني ما اكن لها ولا ذرة شعور، ياخي لمحي لها فهميها اعتقيني بجاه النبي محمد سكنت ملاذ قليلاً بعد قوله، مر عبر مسامعه همسها بالصلاه على الرسول الاكرم محمد عليه الصلاه والسلام ثم زفيرها وقولها الذي خرج بسكون وهدوء :وش مسويه لك ؟ وجه فياض ناظريه للخاتم الذي في يده ثم اجاب بينما يوقف سيارته بجوار حوش المنزل اسفل ضلال الشجر التي تتدلى غصونها الى الخارج :مثل العاده جايه للقسم بهديتها، بعيداً عن اني منزعج من تصرفاتها افترضي عمي هشام شافها معي؟ الرجال حاقد علي بلاها همهمت ملاذ ثم علقت بقولها :راح احاول انصحها، واساساً انا مو مقصره من هالناحيه مو عشان سواد عيون حضرتك وانما عشانها هي، سالي مثل اختي وما ارضى عليها تستنزف مشاعرها عشان واحد مثلك مايستاهل .. اغلق فياض هاتفه ورماه جانبه ممتنعاً عن سماع الباقي من حديثها فهو يعلم تتمته التي لن تخرج عن اطار الشتائم الموجهه اليه بلا انقطاع، اتكى بظهره على المقعد واغمض عينيه حينما شعر بصداع فضيع يفتك برأسه هامساً بخفوت :صبراً جميلاً والله المُستعان . . . . شربتُ كؤوسَ الحبّ وهي مريرة وَذُقتُ عَذابَ الشّوْقِ وَهوَ أليمُ فيا أيها القومُ الذينَ أحبهمْ أما لكمُ قلبٌ عليّ رحيمُ؟ | ||||
18-10-24, 03:44 PM | #9 | ||||
| السلام عليكم ورحمة الله .. كانت النيه الفصل اطول لكن الظروف ماساعدت وماحبيت اطول عليكم اكثر خاصه اننا مازلنا بالبدايه وفي طور المُقدمات قراءه ممتعه ولا تنسوا الدعاء لاخواننا في غزة العزه وللبطل الذي جرعنا الحُزن والفخر البارحه من اناءٍ واحد طيّب الله ذكره واثره وتاليته. | ||||
21-10-24, 06:43 PM | #10 | ||||
| الفصل الثالث . . . . احدى المساءات الهادئه، نسيمٌ عليل وقمرٌ منير، تتحرك الاشجار الوارفه مع هبوب الهواء في حديقة منزل سلطان حيث تلتم العائله على حصير مع كؤوس الشاي الدافئ والمحادثات اللطيفه في محاوله منهم لاخراج غيد من سوء الحال الذي تمر به بينما تجلس هي في مقابلهم متكئه على الحائط تراقب كل المشهد بسكون لقد كانت تتمنى ان تحظى بلحظات بينها وبين نفسها كي تحيا حُزنها بالطريقه اللائقه به الا انها لا تستطيع تجاهل وجود الجميع هنا لأجلها، يسافر عقلها بين الفينه والاخرى الى الصُبح ولقاء الشاطئ ذاك الذي يواسيها بأنها ربما تقل حُزناً عمن امتهن الحُزن حتى تلونت به عيناه وتستغرب كونها ولعامٍ كامل لم تراه الا رجُلاً مُثقفاً ممن ينتمون الى الاماكن اكثر من البشر تنبّهت من شرودها بإرتفاع صوت جدتها بينما تعاتب هشام الذي يجلس في المقاعد الواقعه في بداية الحديقه مجاوراً لأخيه سلطان وعلى ايمنه فياض بهالته المُقتضبه كما وكأنه حاضراً تحت التهديد .. الجِده لولوه :تخسي وتعقب ام سالي بعدها صغيّره ما الشايب الا انت ماتشوف نفسك؟ قهقه هشام بعلو حينما كان لايكبر المعنيه الا بعامين فقط ومازال في بداية الاربعين من عمره الا ان ليل شعره قد اقمر قليلاً، نبس معلقاً بمزاح :افا يمه هذا وانا اصغر عيالك وتقولين شايب انتِ وش نقول عليك ؟ رفعت لولوه يدها المُحناه كإشاره بينما تجيب قائله :الحمدلله خذيت من العمر كفايتي، ماعاد ابي من الدنيا غير ان ربي يفرحني بزواج احفادي هالخمسه همس الجميع يدعون لها بطولة العمر حينما كانت هي بمثابة الشمعه التي تضيء طُرق هذه العائله وملجأهم وملاذهم حين تضيّق عليهم الدنيا خِناقها، التفتوا جميعاً ناحية سلطان الذي اشار لوالدته بيده بمعنى انهم اربعه وان غيد لايرغب بتزويجها .. اومئت غيد كتأكيد وقبل ان تنطق بقولٍ ما، مر عبر مسامعها تعليق فياض الجالس على مقعده بأريحيه وبرود :منو يبيها اصلا اندفعت فوراً غيد بحنق وحُقد مُعلقةً رُغم انها لاتملك سبباً يدفعها لكُره فياض الا ان شخصيته البارده وكونه ذو تفكير دائماً مايعارض تيار البقيه ولا يتفق معهم الا فيما ندر ذاك مايثير استفزازها حوله ويجعلها في حاله من النفور منه :انت بالذات وجودك هم ثاني وكتمه مايعلم بها الا ربي لو تروح تنفذ واجباتك وتحصل اللي قتل نور خير وابرك لك تبّسم فياض بطفيف ابتسامه بينما يتكئ على مقعده واضعاً يديه على جانبي الكرسي ممتنعاً عن التعليق، فتسائل هشام بهدوء بينما ينظر الى غيد قائلاً :عمد ؟ سكنت غيد قليلاً قبل ان تهز كتفيها بعدم درايه مُجيبه بخفوت :ما اتوقع ! اومئ هشام وعاد معلقاً بما استطاع معرفته من خلال عمله كضابط بذات القسم الوحيد في المنطقه قائلاً :اخوها اتهم شخص معين، اتمنى مايتهور ويسوي شي يندم عليه لم تجيب غيد او تعلق بل اتكئت على الجدار وشردت فيما مر عبر مسامعها، هي تعلم من ذا الذي قد يتهمه ريان بقتل شقيقته فهذا الفتى وان كان صغيراً في السن الا انه اقرب البشر الى نور ويعلم منها مالا تعلمه هي حتى نهضت بعد ثوان مبرره بقولها :دقائق واجي اقتطعت والدتها حديثها مع اسمهان ونبهتها قائله :شوي ويجهز العشاء لا تتأخرين اومئت غيد بطاعه قبل ان تركض الى غرفتها وهناك وبعد ان اغلقت باب الغرفه التقطت هاتفها واجرت اتصالاً بشهلاء التي وردها صوتها بعد برهه مُنكسراً وحزين على غير عادته حين قالت :هلا غيد ازدردت غيد ريق فمها وافصحت فوراً عم في جعبتها قائله :شهلاء ريان اتهم ناصر ! معقول يكون هو صاحب السياره ؟ زفرت شهلاء واجابت بطريقه توضح كونها تعلم بتلك المعلومه مسبقاً حين قالت :ما استبعد هو كان مشتعل عليها اصلاً من بعد مافسخت خطبته وهو يبرق ويرعد وحتى بالدفن امس ماظهر ولا اليوم شفته بالعزاء ولوهله شعرت غيد بأن الهم قد تراكم على صدرها حتى بات اضعافاً، ايعقل بأن ذلك ممكناً حتى ! هل يقدر بشري موحد لله ان يفتعل ذلك بفتاه في مقتبل عمرها فينهي حياتها في ظرف رمشه من العين فأمست وكانها لم تكن على وجه الارض ! انتابها القلق على اخ نور فتسائلت قائله :وريان ! ماشفتيه عمي يقول خايف لايتهور وينتقم من ناصر بنفسه ! اكدت شهلاء على ماقاله هشام حين قالت من واقع ما رأت فهي جارة نور الجنب بالجنب وتربط فيما بينهم رابطة ودٍ عظيم :ريان يهدد بأنه اذا حصل ناصر راح يقتله، فوق الحزن التوتر الف وماحنا داريين متى بيدخلون علينا رجال الامن يدورون على ريان وتصير علينا بعد ماكانت معنا في جهه اخرى وبالمطبخ حيث كانت كلاً من ملاذ وسالي منشغلتين بإعداد العشاء وتبادل اطراف الحديث حول مواضيع عِده وصَلن اخيراً الى فياض .. وهذا ماكانت ترغبه ملاذ التي فوراً تسائلت بينما تقوم بتقطيع السلطه :قاعده تسمعين كلامي اللي قلتلك عليه صح؟ غزت سالي هاله من التوتر ولمعت عينيها بشيء من الانكسار قبل ان تشيح بناظريها الى ابريق الشاي الذي بدأ بالفوران فتركت ملاذ مابيدها واتجهت اليها تمسك بساعدها وتؤنبها قائله :رحتي له كمان مره وكسر قلبك مثل العاده ؟ رفعت سالي ناظريها ناحية ملاذ بعينين اهتزتا بألم بينما تقول وتفصح عم لم يبقى احداً في الدنيا لم يعرف به :ملاذ انا احبه ! قلبت ملاذ عينيها بضجرٍ مما تسمع، تركت ساعد سالي وابتعدت قليلاً قبل ان تعود وتعلق بقل صبر نال منها :ياخي تحبينه ما اختلفنا وانتِ اصلا زوجته وكلها فتره مهما طالت راح تنزفين له .. ماتقدرين تصبرين لوقتها ؟ هذا ماصار حب سالي هذا هوس وراح ينفره منك اكثر ازدردت سالي ريق فمها وقد استوقفتها كلمات ملاذ الاخيره فأستفهمت بخيبة امل عظيمه :ليه منو قايلك انه نافر مني الحين؟ زفرت ملاذ وسحبت لها كرسياً من جوار المنضده، جلست عليه وبررت معلقه بمنطقيه تامه متجاهله شكوى فياض اليها من سالي والتي تكررت لمراتٍ عده اخرها كان في ظهر اليوم :مو شرط احد يقولي، انا شايفه بعيونك الكسره كلما رحتي له او فكرتي تتقربين منه، فياض قاعد يتفنن في تحطيمك وكسرك قدام عيني سالي .. خذيها نصيحه مني وانتِ تدرين انا شكثر احبك واعتبرك مثل غيد تماماً ابعدي عنه قد ماتقدرين يمكن هذا ماهو جوه يمكن مايقدر يندمج معك ويتقبلك كزوجه الا بعد ماتعيشون سوى وقتها يقدر يعبر عن مشاعره ويتقبل مشاعرك بحب سكنت سالي قليلاً في مكانها كما وكأنها تفكر فيما قالته لها الاخرى مما احيا الامل في قلب ملاذ قبل ان تتقدم ناحيتها وتسحب كرسياً لتجلس جوارها قائله بشيء من السعاده :بس هو ماشال الخاتم من يده ! قبل شوي شفته للحين لابسه وواضح معجبه .. قاطعتها ملاذ حين امسكت بكفها وقالت :حتى ولو ! يكفيه ما اعطيتيه من هدايا عطور وساعات وخواتم وحتى اساور ماعرف وش كنتي تفكرين فيه لما شريتي له اساور .. تبادلت كلتاهما ضحكه قبل ان تعود ملاذ لتردف بنبره لطيفه مازال اثر الضحك فيها :صدقيني العمر بعده قدامكم بطوله وراح تشترين له السوق بكبره ووقتها حتى هو راح يشوف هداياك بطريقه مختلفه وودوده، اسمعي كلامي سالي بس هالمره اسمعي كلامي، تجاهلي وجوده لفتره بسيطه بس ! زفرت سالي واومئت موافقه على مضض، هي حقاً لاتجيد تطبيق تلك النصيحه لكنها ورُغماً عنها ستحاول فقط لاجل ملاذ ولاجل رِضاها . . . . في زاويه من زوايا الشرفه ذات السياج الحديدي يجلس متكئاً على الحائط خلفه، اعلاه السماء متناثره عليها النُجوم بطريقه مُبهره دوماً ماكانت تثير ذهوله وتسرقه من قاع افكاره، عينيه مُعلقتان بالسماء بينما يديه تتلمسان النجمه بين يديه ويمر الوقت على هذا الحال ساعه واخرى وثلاث ليس بحالٍ جيد لكنه هذه الليله بدا مُستسلماً لكُل مافيه، ساكناً بِلا حراك وكأنه قد مات منذُ مُده ولم يبقى منه سوىٰ جسدٍ فارغ وذِكرى تعاملها انامله وكأنه كنزاً عظيماً .. رأى شُهباً يمر بضياءه سريعاً ثم يخبو منطفئاً فعقد حاجبيه واغمض عينيه متمنياً أُمنيه ورُغم علمه بأنها ليست الا خُرافه اخترعها الاولين ولا تمد للدين بِصِله الا ان اخيه دوماً ماكان يفعلها .. مد يده يلتقط المنظار الفضائي لينظر عبره الى النجوم والسماء على نحوٍ مُختلف وبهي، انزله بعد دقائق واخذ ينظر اليه ولأثر الدماء الذي يلوثه .. متسائلاً بداخله عم حدث ! وكيف سولت له نفسه ! ماذا لو ان مدين هنا ؟ لكان الان جالساً على مقعده المعتاد في هذه الشرفه، بيده كوب قهوه دافئ وكِتاب ذو قصه عاطفيه، لكان هذا المنظار بجواره وهاتفه على المنضده يدندن بأغاني كلاسيكيه قديمه لكن السؤال اين هو من هذا المشهد ؟ لكان هو وكعادته في احدى زوايا غُرفته يلفظ كل ليله جزءاً من روحه من فرط مايمر به من المٍ وفظاعه مريعه ! اشاح بناظريه عن كُرسي مدين ونهض من مكانه يجر خطاه الثقيله الى حيث لايعلم .. فقط يجوب في الطرقات حافي القدمين بعينين شاردتين وفي يده نجمه ووكأنه مع كل خطوه يفقد عاماً من عمره فيضمر وتنسدل كتفيه ويحل به هوان الجسد والقوى، حتى وصل الى الشاطئ .. حيث استقام امام الموج ورفع ناظريه الى السماء وتذكر .. " جرب تجي هنا بالليل وتشوف النجوم فوقه، راح تحس ان صدرك اوسع من السماء واعمق من البحر، يُعتمد كمضاد للاكتئاب " إذن لما هو يضيق صدره الان ويحبس النفس فيه وتضغط اضلاعه على قلبه فتعصره وتخرج من جوفه كل شعورٍ اليم قد اختبأ به منذُ عشرون عاماً ! صوت الموج ! وابيه من على قاربه هناك يلوح له ! فتقدم خطوه تلو اخرى لتُحتضن قدميه من الماء اسفله ويجتذبه التيار اليه كما يجتذب الصياد فريسته وكلما اقترب كان ابيه يبعُد ووكأنه لم يعد يرجو لقائه ! لكن لمَ ! هو لم يرتكب خطأ بل هم من فعلوا ! هم من صقلوا هذا الوحش الذي بداخله والذي التهمه والتهمهم دُفعةً واحده .. ابهذه الطريقه يُعاقب الطِفل ؟ صوتٌ من خلفه ارتفع منادياً : بيدر ! التفت خلفه ولم يكن سوى مدين فتبّسم وتهللت عينيه، عاد ادراجه بخطى بالكاد تقوى بعد ان ابتلعه الماء الى خاصرته وفور ان تخلص من قيد التيار على قدميه التفت نحو البحر منذهلاً من نفسه كيف فعل ! لقد تجاوز للتو خطاً احمراً كان قد وضع امامه قديماً، اعاد ناظريه نحو مدين فلم يجده ! لا احد حوله .. فقط هو في هذه البقعه الخاليه وحيداً رمى النجمه على الشاطى وسار بخطاه تلك عائداً ادراجه الى المنزل الذي لم يصل اليه الا بعد ان حل الفجر وأُضئيت الدنيا، فأرتدى ملابساً نظيفه واتجه الى المطبخ حيث وضع النظاره على المنضده وعاد الخروج من المنزل الى المقهى الذي اعتاد مدين ارتياده كل صباح ! ووجدها هُناك، تجلس على مقعدٍ حجري على جانب الطريق تلك النجمه التي اخذت بيده البارحه وسامرته نِصف ليله، ابتاع من المقهى كوب شاي وآخر قهوه خمن بأنها تُفضلها لسببٍ يجهله .. مد واحداً اليها فألتقطته بصمتٍ وازاحت جسدها الى طرف المقعد حيث جلس هو في الطرف الآخر .. حل الصمت لدقائق، يراقب كلاهما الشارع بشرودٍ تام غارقين في بحورٍ مُختلفه لايُشابه احدهما عمق الآخر، واقتطعت غيد ذلك السكون بقولها :ماحد راح يجي .. شهلاء منشغله بالعزاء اللي عجزت احضره ونور .. نور خلاص ماعاد باقي منها الا ذكريات مجرد ذكريات سكن بيدر قليلاً قبل ان ينطق في سياقٍ آخر وكأنه الان قرر ان يحظى بدوره الذي منحته اياه يوم امس على الشاطئ :عرفت نفسي مع اخوي التؤام بين اب وأم كبار في العُمر في بيت قريب الساحل، ابوي كان طيار متقاعد راتبه كان يكفينا ويزيد ورغم انه مصاب بالقلب الا انه كان يمارس الصيد على قارب صغير كهوايه وفي كل مره يروح فيها كان يحب ياخذني معه بغير رضى امي اللي اصلا ماكانت راضيه بسالفة الصيد من اصلها التقط انفاسه بعد ما استحضر تلك الذكريات الجميله من اول عشر سنوات من عمره ثم زفر واتمم قوله مردفاً :بيوم ٢٨ مايو ٢٠٠٤ الصبح طلعنا انا واياه .. طول الطريق كان يشرحلي كل التفاصيل وكأنه يبي يرسخها في بالي لاني ماراح اسمعها مره ثانيه ومن زود فضولي طليت من القارب بعدما رمى شباكه وفجأه لقيت نفسي بين الموج عاجز عن اخذ النفس وكالعاده كان ابوي هو بطلي ومنقذي اللي استنفذ كل طاقته ورجعني للقارب بس ماسعفه الباقي من حيله يرجع معي سقط الدمع من عيني غيد فور ان انهى كلماته الاخيره تلك مستشعرةً هول ما مر به، نظرت اليه وتسائلت بألم :كم كان عمرك ؟ فنظر اليها واجاب بإبتسامه غريبه بها من الحزن لوناً عظيماً :عشر سنوات زفر وهو ينظر اليها تغمض عينيها بإستنكار لذلك الموقف الرهيب الذي وِضع فيه فأردف بينما مايزال محافظاً على ابتسامته بخفه :وقتها ولما رجعت وحدي، استقبلني عمي استقبال حار، هذي اثاره باقيه فيني للعمر هذا نظرت الى حيث اشار، الى ساعده الذي يتضح عليه اثراً كندبه لجرحٍ قديم يمتد الى اعلى حيث يغطيه كم القميص الذي كان مرفوعاً الى مرفقيه، ومر عبر مسامعها اتمامه لحديثه بينما ينظر الى الفراغ امامه وقد اختفت ابتسامته تماماً وكأن الجزء الباقي هو الاسوأ حتى مما مضى :امي بيومها ماتت من حزنها، وانسجنت في مخزن لثلاث سنوات انجلدت في كل ليله ضعف اللي قبلها حد ما صفيت من الدنيا وحيد ماحولي احد غير طيوف وذكريات وضعت غيد الكوب الورقي جانباً قبل ان ترفع يديها وتمسح دمعها من اسفل النقاب، وبنبره متهدجه قالت :آسفه، يجوز امس ثقلت عليك بهمي وانت فيك اللي مكفيك هز بيدر رأسه بنفي ثم نبس بينما ينهض من مكانه ناوياً المُغادره، مكتفياً بهذا القدر من تجاوز مساحتها الشخصيه :بعدني على حياة الدنيا بمعنى للحين عندي طاقه اتحمل الاكثر .. وبالمناسبه نجمتي ضاعت دام عندك كرتون اكرمي علي بوحده غيرها قهقهت بخفه بين دموعها واجابت بينما تشير على خشمها قائله :ابشر بها اومئ بيدر والتف هاماً بالذهاب قبل ان توقفه غيد نابسة بأسمٍ جعله يتصلب في مكانه للحظات دون ادنى التفاته .. :مَدين ! ازدرد بيدر ريق فمه ولوهله ود لو يصرخ بها ويخبرها بأنه بيدر وليس مدين، رفع يده الى عينيه حيث لاتوجد نظارته التي تمثل فارقاً ملحوظاً بينه وبين مدين فسكت عن الاعتراض والتفت اليها بسكون ليمر عبر مسامعه قولها :باقي في العمر ايام حلوه تنتظرك لاتطول عليها تبّسم بعد برهه واومئ قبل ان يبتعد من امام ناظريها سيراً على اقدامه الى وجهه غير معروفه لديها لكنها معروفه لديه هو .. . . . . في منزل الجِده وحينما كانت ملاذ تعُِد القهوه قُطِعت لولوه عن انشغالها بالتسبيح والاستغفار برنين الهاتف الثابت الموضوع على منضده مجاوره لسريرها فالتقطته واجابت دون علمٍ بمن هو المُتصل تزامناً مع دخول ملاذ بصينيه القهوه والكعك الجاهز الذي ابتاعه لهم فياض حينما اعادهم البارحه الى المنزل وسرعان ماصدح صوتها ببهجه قائله :ياهلا ياهلا ويامرحبا بعزيز جدته الغالي ازدردت ملاذ ريق فمها واهتزت الاكواب التي في يدها بسبب الرعشه التي سرت على كامل جسدها حينما مر عبر مسامعه اسمه .. ذلك الغائب منذُ زمنٍ بعيد كان كافياً لتُمحى من ذاكرتها معظم ملامحه ولم يبقى منه في عقلها سوى بضع ذكريات مموهه اما قلبها فيكن له شعوراً بالانتماء والميلان وربما الحُب فهو النصيب الذي قُرن بإسمها منذُ الصغر وعُرف بأن ملاذ لعزيز وعزيز لملاذ جلست بجوار جدتها ووضعت الصينيه بينهن بينما تستمع لعبارات السلام والسؤال عن الاحوال، تربعت ووضعت هاتفها على احد فخذيها مدعية الانشغال به بينما كل حواسها وتركيزها مع ماتقول جدتها شارعةً بتخيل ردوده رغم كونها لا تعلم كيفية اسلوبه بعد دقائق من تبادل احاديث اعتياديه وعشوائيه تنبّهت لاختلاف نبرة جدتها لاخرى مبتهجه اكثر وسعيده بينما تقول :يا انه يوم السعد وانا جدتك، والله اني البارحه قايله ماعاد ابي من الدنيا غير اشوف زواج احفادي وجت في ساعة استجابه .. اكيد يابعد قلبي من الحين نبدأ نجهز وماراح تجي الا على امور متممه بأذن الله .. ايه البنيه راضيه ولد عمتها وين تحصل مثلك هذي هي جنبي ووجهها متورد ماشاء الله ! اتسعت عيني ملاذ في ختام كلام جدتها، من اين لها التورد وهي مازالت في اطار الصدمه والذهول ! ازدردت ريق فمها ونهضت من مكانها بشيء من الحياء والخوف هاربةً من الغرفه بأكملها تزامناً مع ارتفاع صوت ضحكات جدتها التي اكملت حديثها مع المعني بينما ملاذ فقد اغلقت على نفسها باب الغرفه ووضعت يدها على فؤادها الذي يرفرف سريعاً، اتجهت الى سريرها وجلست على طرفه متربعه ثم لاحت على شفتيها ابتسامه طفيفه وفوراً التقطت الهاتف واجرت اتصالاً بغيد لكنها تراجعت حينما تذكرت بكونها الان قد تكون بالمحاضره وكذلك سالي .. جلست قليلاً في مكانها شاردة الذهن قبل ان يرن هاتفها بإتصال من فياض ! سكنت قليلاً بينما تنظر الى الهاتف الذي استمر بالرنين الى ان انتهت المكالمه، فرمته بجوارها وتمددت على السرير بينما تنظر الى السقف بإبتسامه لم تُمحى الى ان عاد الهاتف الى الرنين فألتقطته واجابت هذه المره لكنها لم تنطق، صمتت وصمت هو لبرهه اقتطعها حين قال :ملاذ ! زفرت واجابت بقولها :نعم ؟ فنطق بعد ثواني قائلاً :البارحه كان ودي اكلمك لكن ماحصلت فرصه .. لما اتصلت كنت متعصب ومتضايق ماكان قصدي اصارخ عليك ولا لك ذنب في مشاكلي اياً كانت همهمت ملاذ واجابت بنبره اعتياديه :لا ولايهمك، انا نصحتها للمره الاخيره والباقي من حياتكم مالي شغل فيه .. سويت اللي علي وحاولت اطلعها من حالة الهوس هذي اللي مالها معنى ... قاطعها فياض حينما قال بنبره تتضح بها الضحكه بينما يتكى بظهره على المقعد وامامه المكتب الخاص :ماله داعي موال الشتائم، على الاقل وانا متصل عليك اعتذر صمتت ملاذ قليلاً ثم هربت من بين شفتيها ضحكه خفيفه انهتها بقولها :طيب، هالمره راح اتجاوز هالفقره .. بس انت مو متصل لهذا السبب فياض اللي اعرفه مايعتذر ولا يهتم لمشاعر احد زفر فياض وصمت قليلاً ثم علق بقوله :فياض لو تعرفينه صح كان وصلك اللي بقلبه بدون مايتكلم لم تجب ملاذ، ولم يبدو بأنها ستجيب مرت دقيقه من الصمت قاطعها فياض حين اردف :ملاذ ! اعتدلت ملاذ وجلست ثم اجابت قائله :وصلني يافياض وسبق وقلت لك، انا لعزيز مو لك .. قاطعها تزامناً مع اعتداله هو الآخر على المقعد قابضاً بأحدى يديه على قلم كان يتلاعب به منذُ برهه بأريحيه والان هو ضاغطاً عليه كما وكأنه سيكسره حين قال :عزيز مين هو باقي حي هذا ! زفرت ملاذ واجابت بحِده :ايه حي وتو متصل على جدتي راح يجي وراح يتحدد زواجنا، وانت لو تنتبه لزوجتك وتراعي مشاعرها ابرك لك من هذي السوالف الناقصه اللي ماهي للرياجيل ولو عمرك ماتصير رجال ولا فيك خير أغلقت ملاذ هاتفها بغضب ورمته جانباً بينما تشتم في داخلها هذا الرجل الذي ابهرها مُسبقاً بجُبنه وخنوعه والان جاء ليتبجح برجوله وحب لا يلوحه منهم شيئاً اما هو فقد انسدلت يده بجانبه بألم ! ينظر لهاتفه بشيء من الذهول .. هل انتهى الأمر ؟ متسائلاً بداخله عن والده هل ارتاح الان في قبره بعد ان تركه خلفه بحبٍ يتيم مُجبراً على تحمل مالايطيق على حمله ! هل سيرتاح مُستقبلاً بينما هو يتجرع ايامه من كأس العلقم والفِراق ؟ . . . . شاردة الذِهن وشيءٌ طفيف من السعاده ينتابها، لاتعلم لمَ لكنه شيء مرتبط بفياض بشعورٍ يفيض بداخلها ويشتاق اليه في كل صُبحٍ وليله تتبّسم للفراغ بينما تنشغل بتقطيع سلطة الغداء في ساعه لازالت مُبكره لكنها اليوم مُتغيبه عن الجامعه ولاتنشغل بشيء لذا قررت مع والدتها بأن تعدا الغداء مبكراً زفرت نفساً ثقيلاً بينما ترى اسمهان بجوارها قد قدمت لغسل احد القدور فأستوقفتها ابتسامه ابنتها للاشيء معلقه بحِده :بنت ! اصحي شوي ترى وضعك مو معجب احد ! قلبت سالي عينيها بملل ضجراً من هذا الحديث الذي باتت لاتطيقه من ملاذ حتى لتأتي والدتها الان وتشرع فيه ! مدت يديها تغسلهم اسفل الصنبور بعد ان انتهت من التقطيع قائله :بليز مو قادره اعيش الا اذا وضعي اعجب احد ! يمه شفيك ع اساس وضعك اللي معجبني ! اتسعت عيني اسمهان بذهول من تلك الوقاحه في الرد ! هي تملك مع ابنتها علاقه اشبه بالاخوات وليس ام وابنتها لكن دائماً مايزعجها هو نفور سالي من تقبل النصيحه سواءاً منها او مِن شخصٍ آخر، احتدت نبرتها حين قالت :شفيه وضعي يابعد عيني؟ سمعيني ملاحظاتك اشوف ؟ زفرت سالي ولم ترغب بالرد، التقطت طبقاً وشرعت بسكب السلطه عليه بينما تخرج من سياق الامر برمته قائله :اليوم العصر معنا حفلة تعارف لبنات الدفعه في بيت ملاك بنت رضوان السيف، ريما بعد راح تروح وانا ابي اروح اغير جو اومئت اسمهان بينما تضع القدر على الموقد وتشعل النار اسفله معلقه :انا موافقه بس قبلها راح اسأل عمك، اليوم ماراح يتأخر شوي ويجي تنهدت سالي واتجهت الى المقعد بينما تعلق :وتقولين شفيه وضعي ! شدخل عمي بالله ؟ انا اسألك انتي امي هو مجرد زوجك ماله شغل فيني ولا له قرار علي ترى انا محترمته للحين بس لانه اخو ابوي ولا مستحيل اتقبل وجوده في مكان ابوي ! نظرت اسمهان ناحيتها دون ان يقوم ذلك الرد بإستفزازها فقد تعودت عليه ولن ترد ككل مره بأنها لم تُضطر الى الزواج الا بسبب اطباع سالي المتمرده والتي لاتُقمع بسهوله ان لم تضع في اعتبارها احداً تخافه او تخاف عليه، اتكئت على الكاونتر وقالت بإبتسامه بينما تضع يدها على بطنها غير البارز :بكره اذا صار ابو اخوانك راح تتقبلين وجوده .. عقدت سالي حاحبيها ونهضت من مكانها متسائله بإستنكار من تلك اللهجه الجديده :حامل ؟ اومئت اسمهان بإبتسامه ومالم تتوقعه هو ان تركل سالي المقعد بقدمها وتهمس بحده وغضب :الله ياخذكم الثلاثه اتسعت عيني اسمهان بذهول ! مابها الم تسعد بالخبر الذي من الواجب ان يدخل البهجه الى فؤادها بعد ان كانت تتمنى ان يصبح لها اخاً او اخت ! تقابل كلاً من هشام وسالي عند باب المطبخ وبالطبخ اثارت هالتها ريبته فتسائل :هذي شفيها ؟ ازدردت اسمهان ريق فمها في محاوله للملمة شتاتها امامه وقبل ان تجيب او تنطق صرخ هو على سالي التي اتجهت الى الدرج المؤدي الى اعلى قائلاً :بنـت ويـن رايـحه تعـالي سـاعدي امـك! تبعها بعد برهه حينما لم يجد رداً منها فوجدها تجلس على اعلى الدرجات منهاره بالبكاء ! رق قلبه فصعد بضع درجات مستفهماً بقلق :سالي ! شفيك ليه تبكين ؟ نظرت اليه ساالي بعينين يشعان بالحقد والكراهيه وصرخت في وجهه بقولها :حسبي الله عليك يامجرم، مايكفيك خذيت مكان ابوي في بيته والحين تبي عيالك ياخذون امي، شسويت لك انا قولي ! فوق ما اني يتيمه قاعد تحشر نفسك بحياتي مع الانسانه الوحيد اللي صافيه لي من الدنيا لوهله شعر هشام وكأنه يستمع لسالي الطِفله التي لايرضيها شيئاً يكن متعجباً على اي مكانٍ قد أخذه وهو الذي لم يحاول فرض ذاته عليها ولا ان يضيق عليها خناقاً او حتى معاملتها كأب حينما رأى نفورها منه ذاك ! عكساً لذلك فقد احتمل على كاهله كل نفقاتها ووفر لها كل ماتحتاجه ومازال يضع في يد زوجته مبالغاً فقط لاحتياجات سالي، لقد اصبح لها غطاءاً مادياً حينما وجد نفسه مرفوضاً من الناحيه المعنويه وذاك اكثر مايقدر عليه ! زفر وكاد ليتراجع هاماً بتجاهل كل ماسمع، فهو لن يضع رأسه برأس من هي برأيه مازالت طفله مدلله ولم تكبر، الا ان سالي كان لها رأيٌ آخر فقد نهضت من مكانها وعادت الى لفظ كلماتها السامه التي ادمت فؤاد هشام وحتى اسمهان التي تقف في الاسفل تراقب الوضع بتوجس وحزن :ماتقدر تقول شيء ! لانك نكره .. بيت وراتب ورتبه ماعرفوا يسووك رجال بعين المره اللي حبيتها رمتك وراء ظهرها وبدت الصياد عليك .. قاعد تحاول الحين تسترجع رجولتك فينا انا وامي تبي تثبت لنفسك انك مو ناقص شي .. ! وللحظه اندفع هشام ناحيتها وربما لو امسك بها لفتك بها وانهى حياتها بين يديه فقد تجاوزت لديه خطاً احمراً عريضاً من حياته يُحاول حتى هو الهرب منه، لكن اسمهان كانت اسرع فقد تنبأت بما قد يفعل، امسكت بساعده وهمست بنبره باكيه واهنه :تكفى هشام، لاتكسرني ببنتي ! صك هشام على اسنانه وقد بادل ناظريه بين سالي التي تقف في الاعلى بتحدٍ واضح وزوجته التي بجواره وكل وهن الدنيا وحسرتها في عينيها، دفع اسمهان عنه بلطف ثم غادر كما جاء لكن شعوره مُختلف فالذكريات قد نالت منه والوجع قد عاد متفشياً في فؤاده والاعظم من ذلك خيبة امله في ابنة اخيه التي اعدها يوماً ابنته التي لم تأتي من صلبه ! . . . . على ذلك الطريق المُتشقق وامام الصخور الراسيات مُتجرعات غضب الموج دون شكوى او انين، على ارضٍ مُقفره وطريقٍ مهجور يجلس ذلك العليل ارضاً متكئاً على اطار سيارته يُراقب اليم امامه بسكون وفي يده منظار الفضاء الخاص بمدين مدين .. متسائلاً بداخله عم آل اليه حاله ! هل لفظه الموج الى الشاطئ ام ابتلعه كما ابتلع ابيه ! ولوهله لاحت على شفتيه ابتسامه حينما ادرك بأنهم قد حظوا بذات المصير .. كل عائلته من ابيه الى عمه وانتهاءاً بمدين جميعهم انتهى بهم الامر بين الماء امواتاً ولم يخرج منهم احد ولا بنصف جثه ويثير فضوله مآله هو .. هل سيحظى ايضاً بذات النهايه .. غريقاً رُبما ؟ . . . . الذئب الذي افترسني تركني وحيدًا في الغابة مَن يغطي جثتي بالأعشاب بأوراق الأشجار اليابسة بقليل من تراب؟ مَن يقرأ الفاتحة على روحي مَن يغمض عيني الهلعتين مَن يضع على صدري صليبًا من أزهار؟ الذئب الذي افترسني صار أنا أخذ وجهي الشاحب و شفتيّ المرتجفتين و قلبي الطيّب و ظل محتفظًا بأنيابه أنا الذئب ذو اليد البيضاء أدور في المدينة و أعوي أنا الذي قتل الصياد في الغابة أنا الصياد احذروا حبي و احذروا أنيابي | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|