آخر 10 مشاركات
أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          شظايا القلوب(3) سلسلة قلوب معلقة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          للحب سجناء (الكاتـب : طيف الاحباب - )           »          سيف باردليان - ميشال زيفاكو (الكاتـب : فرح - )           »          الفرصة الاخيرة للكاتبة blue me *كاملة* المتسابقة الثانية** (الكاتـب : ميرا جابر - )           »          دوامة الماضي (14) للكاتبة المميزة: فـــرح *كاملة & مميزة* (الكاتـب : فرح - )           »          78-انتظرتك طويلا - لانسي ستيفنز - عبير جديدة (الكاتـب : miya orasini - )           »          74-السر الدفين - ماري ويبرلي- روايات عبير القديمة** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          صفات يجب تجنبها !!!! (الكاتـب : Habiba Banani - )           »          وآخرون يعشقون *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : انسام ليبيا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree47Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-01-25, 02:11 PM   #31

ام سامي

? العضوٌ??? » 519366
?  التسِجيلٌ » Jun 2024
? مشَارَ?اتْي » 265
?  نُقآطِيْ » ام سامي is on a distinguished road
افتراضي


فصل رائع ضحى تصرفها خطأ الله يجيب العوافب سليمة أحس راح تخرب علاقتها بوائل
ميرنا شخصية قوية و مجد الغبي مشوش و مشاعره ملخبطة ميرنا راح ترجعها لمسارها الصحيح هههه
يوليا و نائل عصافير الحب لو يسمع أبوها راح ينجلط ههه
عالعموم شكرا مبدعة دايما ❤️❤️❤️


ام سامي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-25, 05:28 PM   #32

شيماء أمارة
 
الصورة الرمزية شيماء أمارة

? العضوٌ??? » 485558
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 55
?  مُ?إني » المغرب
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » شيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond repute
افتراضي

ملاحظة ؛
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته غالياتي..
حابة أعتذر منكم بشدة بسبب عدم نزول الفصل في موعده المعتاد (يوم الأربعاء) و ذلكٓ بسبب إنشغالي الشديد..كما أنني كنت أمر بوعكة صحية امتدت لأيام و الحمدلله..
بإذن الله سينزل الفصل اليوم..ربما بعد بضعة ساعات قليلة ❤❤
ثانيًا..
كنت أفكر في تنزيل رواية أخرى لي في المنتدى..رواية مكتملة تمامًا عندي و جاهزة مسبقًا بما معناه أنني لو قمت بننزيلها فعلًا فبإذن الله التنزيل سيكون سريعًا و على فترات مقابلة..ربما فصلين في الأسبوع..
لكنني أريد أن أسمع بعض الآراء أولًا ????????
فقط..أحبكم في الله ❤

ام سامي likes this.

شيماء أمارة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-25, 05:33 PM   #33

شيماء أمارة
 
الصورة الرمزية شيماء أمارة

? العضوٌ??? » 485558
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 55
?  مُ?إني » المغرب
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » شيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام سامي مشاهدة المشاركة
فصل رائع ضحى تصرفها خطأ الله يجيب العوافب سليمة أحس راح تخرب علاقتها بوائل
ميرنا شخصية قوية و مجد الغبي مشوش و مشاعره ملخبطة ميرنا راح ترجعها لمسارها الصحيح هههه
يوليا و نائل عصافير الحب لو يسمع أبوها راح ينجلط ههه
عالعموم شكرا مبدعة دايما ❤️❤️❤️
ضحى تصرفها خاطئ جدًا فعلًا لكن العجز و الخوف من فقدان وائل أوقعها في فخ الكذب..
ميرنا أحبها رغم أن مشاهدها لا تزال تعتبر قليلة حتى الآن..
يوليا و نائل عالم ثاني ❤❤
+شكرًا على ابداء رأيك الجميل حبيبتي..أكثر شيء أحبه في تعاليقك هو المحايدة في إبداء الرأي و اهتمامك بالتفاصيل ❤❤❤

ام سامي likes this.

شيماء أمارة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-25, 11:05 PM   #34

شيماء أمارة
 
الصورة الرمزية شيماء أمارة

? العضوٌ??? » 485558
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 55
?  مُ?إني » المغرب
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » شيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond reputeشيماء أمارة has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل التاسع

● الفصل التاسع

كانت تشعر بالعجز التام..و كأن هناكٓ مجموعة من الاسلاك الوهمية تقيد أطرافها حائلة بينها و بين إمكانية بلوغها نهاية هذا الطريق الذي من المفترض به أن يكون قصيرًا للغاية..

لكن حتى ذلكٓ الشعور لم ينجح في دفعها للتراجع.. فكانت خطواتها تصبح أسرع..و كأنها امرأة وحيدة تركض في مٓمر خال من البشر آملة أن تعثر على مستقر آمن في النهاية..

تحديدًا منذ أن نظرت في عيني يوليا و همست بكل صدق..

" يوليا أنا...أنا فعلت شيئًا سيئًا جدًا...جدًا ! "

و تلقت ردة الفعل الأولى المتوقعة من ابنة خالها..كانت أن استقامت قليلًا ناظرة لها بحاجبين منعقدين قلقًا..قبل أن تفتح فمها لتسأل بدون تردّد..بصوتٍ ثابتٍ جاد ؛

_أخبريني !!

حينها تسمرت ضحى تنظر لها بضياع كبير..ضياع مألوف لها حصرًا و غير مألوف لدى يوليا التي استطاعت منذ الوهلة الأولى أن تخمن بأن الموضوع يخصّ......وائل بالطبع !

و ساد صمت طويل..طويل و كئيب من طرفها هي.. صمت انتهى بأنامل يوليا التي امتدت تغطي بها كفها بمساندة..ثم همست تحثها بأكثر نبرة دافئة و متفهمة سمعتها في حياتها ؛

_أخبريني بكل شيءٍ ضحى..أنا أسمعكِ !

و أخبرتها..بعد تردّد قصير إضافي..كانت تفتح فمها أخيرًا لـ...تبدأ في سرد مكنوناتها بصوتٍ شرع يتحشرج أكثر بعد كل كلمة جديدة تلقيها على مسامع يوليا..

إلى أن انتهت بأن أخبرتها عن موقفها الأخير مع ذلكٓ الرجل النذل في منتصف منزلهم ثم موقفها الكارثي بعده في مكتبها !

حينها..كان دور يوليا لأن تتسمر تمامًا فاغرة الشفاه على نظرة فاقت حدود الصدمة..و تخللها غضب واضح..نفسه ذلكٓ الغضب الذي لون صوتها الذي ارتفع هامسة بغير تصديق ؛

_يا إلهي ! و أين هو هذا النذل الآن ؟!!

كانت أنظار ضحى مستقرة بعيدًا الآن..عيناها تتأملان الأفق بدموع جافة لم تعد احتمالية توقفها عن ذرفها قائمة بعد..حينما همست تجيب بدون أن تنظر لها بصوتٍ أجش و نبرة استسلام ناقضت تمامًا الطريقة التي كانت يدها تعتصر بها المقود ؛

_طردته !

قابلها صمت جديد من طرف يوليا..فزفرت نفسًا ثقيلًا مرتجفًا..قبل أن تلتفت إليها ببطءٍ..و حينها..و كما توقعت تمامًا فقد قابلتها تلكٓ النظرة البالغة المعنى في عيني يوليا..نظرة شخص ينتظر تتمة كلامها بتأهب..شخص يعرفها حق المعرفة و يعلم بأنها لا تزال لم تنتهي بعد..

و بما أن هذه كانت غايتها من فتح هذا الحوار منذ البداية..فقد همست تزم فمها قليلًا و تهز كتفيها باستسلام أكبر الآن..استسلام حزين..استسلام مؤلم!

_ما أردت قوله منذ البداية هو أنني اتخذت قراري..و وضعت الرسائل المتبقية في جعبتي في سيارة وائل......

صمتت فجأة ترى الطريقة التي ارتفع بها حاجبا يوليا ذهولًا..أو جزعًا..ثم أضافت تقاوم رغبة ملحة جديدة في البكاء ألمًا ؛

_ربما يكون قد وجدها بحلول الآن..و ربما يكون قد قرأها...... !

لم تستطع أن تمنع صوتها من أن يختنق في آخر كلمة..و لا تلكٓ الدمعة الجديدة التي انسابت ببطءٍ فوق وجنتها.. و أمامها..عجزت يوليا عن الرد بأيّ كلمة لوقت..فقد ظلت تحدق بها بعينيها المتسِعتين و شفاهها الفاغرة بينما عقلها يرسم آلاف السيناريوهات عن هذا الوضع الجديد..

لو وجد وائل تلكٓ الرسائل..لو كان قد وجدها بحلول الآن..لو كان يقرأها في تلكٓ اللحظة..فسينتهي كل شيء !

ثم ما إن تمكنت من استجماع صوتها..همست تسألها بنبرة تشبه الاستنكار...أو التوسل !

_أنتِ لم تفعلي هذا حتمًا ضحى..أليس كذلك !!!

إلّا أن ما منحته لها ضحى..نفس النظرة العاجزة..فعادت يوليا تهتف هذه المرة بصوتٍ خرج واضحًا يتخلله نبرة توبيخ صريحة للغاية ؛

_أليس كذلك...ضحى ؟!!!

لم تستطع ضحى في تلكٓ اللحظة أن تقمع تلكٓ الحاجة الداخلية أكثر..فانسابت دموعها أكثر بكل سلاسة و هي تهمس برجاء ؛

_يوليا !!!

و قد كانت تلكٓ الهمسة منها و كأنما المحفز الذي جعل يوليا تخرج من صدمتها السابقة..فقالت تهتف في نفس اللحظة و كأنها تخاطب أغبى شخص في العالم ؛

_ما الذي فعلته بحق اللّه ضحى !! هل هذه هي الطريقة الصحيحة للمصارحة !! ألا تعرفين وائل... ؟! ألا تعرفينه أكثر مني !!!!!

هتفت ضحى من يين دموعها همسًا في نفس اللحظة و هي تلتفت إليها بالكامل الآن ؛

_أعرفه..أعرفه حق المعرفة و أكثر من الجميع لكنني... سئمت..يوليا..ألا ترين الوضع الذي وصلت إليه !! أنا امرأة متزوجة تتلقى منذ فترة طويلة رسائل غزل و حُب من رجل آخر بدون علم زوجها..أنا امرأة تنظر في عيني زوجها كل يوم و الذي لا يتوقف عن تعداد شعارات الثقة التي يكنها لها و التي هي أبعد من أن تستحقها..أنا امرأة ترتدي وشاح الحُب و الأخلاص في حين أنها لو حاولت مجرد المحاولة أن تشارك تلكٓ الحقيقة مع العالم فسيتهمها الجميع بدون استثناء بالخيـ.........

_توقفي !

و توقفت فعلًا..صمتت متماثلة لصوتِ يوليا الذي ارتفع يقاطعها بنبرة صارمة..لكنها لم تستطع التوقف عن ذرف الدموع بمرارة..فأطرقت برأسها قليلًا و أطبقت عينيها فجأة تستقبل حرارتها الحارقة على وجنتيها بكل رحابة..

قبل أن تشعر فجأة..بذراعين حنونتين مألوفتين في دفئهما تطوقانها..فأطبقت عينيها أكثر و عضت على شفتها السفلى تحاول أن تكتم شهقات بكائها عبثًا..فقد كان ذلكٓ الكتف حيث ارتاح جبينها المرهق للحظاتٍ..

أكبر محفز لها على فعل العكس...

قبل أن تشعر بيدي يوليا تحرّرانها..لكن لا لشيء إلّا لتطوق وجهها مرغمة إياها على فتح عينيها و النظر لها أخيرًا..ثم همست هذه الأخيرة تنظر في عينيها فعلًا.. همست بتلكٓ النبرة الصارمة التي نادرًا ما تخاطبها بها..

_أولًا..يجب أن تعلمي بأن هذا ليس ذنبكِ !

نظرت لها ضحى باعتراض واضح في عينيها..فاستأنفت يوليا بنبرة أشد صرامة و ثباتًا ؛

_بل هذه هي الحقيقة..ما تعيشينه الآن..كان من الممكن أن يعيشه أيّ شخص في مكانكِ..لهذا نعم...أنتِ لا تملكين أيّ ذنب في هذا الموضوع ضحى..يجب أن تستوعبي هذا..حتى وائل نفسه لا يملكُ حق محاسبتكِ على شيء لم يبذر منكِ أساسًا !

همست ضحى بصوتٍ بالكاد استعاد القليل من قوته ؛

_لكنه يملكُ حق محاسبتي على رد فعلي...ألا يملك !!!

و جوابًا على هذا..فقد همست يوليا تميل برأسها قليلًا بصدق..بدون أن تحرّر وجهها أو تتخلى عن تلكٓ الصرامة في عينيها ؛

_للأسف !

بينما أغمضت ضحى عينيها على أنفاس غير متوازنة.. قبل أن تفتح فمها سائلة بصوتها المتحشرج بخفوتٍ ؛

_و ثانيًا... ؟!

قالت يوليا تمنحها الرد الذي شعرت به صائبًا بنبرة شديدة الوضوح ؛

_ثانيًا..ستذهبين الآن..و في هذه اللحظة لتستعيدي تلكٓ الرسائل.......

رفعت ضحى حاجبيها غباء..فأضافت يوليا بجدية لا تقبل الجدال ؛

_يجب أن تفعلي هذا ضحى..هل تعلمين لماذا ؟ لأن وائل سيكرهكِ..سيكرهكِ بشدة و صدقيني سيصبح الوضع أسوء ممّا هو عليه بالفعل لو حدث حقًا و علم الحقيقة بهذا الشكل !

لقد كانت يوليا محقة في كل كلمة بالفعل..فوائل سيكرهها في جميع الأحوال..لكن ربما تستطيع معالجة الوضع بأقل الأضرار لو نظرت هي في عينيه و أخبرته الحقيقة !

و هذا ما يجب أن تفعله فعلًا..مهما بلغ خوفها و تردّدها.. مهما بلغت صعوبة الأمر عند تخيلها حتى !

بعد كل تلكٓ الكلمات المعبرة من يوليا..وجدت هي نفسها تلتزم الصمت للحظة ناظرة لها بحيرة تمتزج بألمها..ثم و ما إن همّت فعلًا باتخاذ قرار الانصياع لتلكٓ الكلمات.. وجدت نفسها تتراجع متسائلة السؤال المرعب الذي طرأ في ذهنها فعلًا ؛

_ماذا لو كان قد قرأها بالفعل ؟! ماذا سأفعل حينها ؟!!

حينها..تراجعت يوليا قليلًا محرّرة وجهها..قبل أن تزم فمها قليلًا هامسة الشيء الوحيد الذي استطاعت همسه في ذلكٓ الوضع ؛

_نأمل أن لا يحدث هذا !

طرفت ضحى برموشها المبللة و هي تتسمر للحظة إضافية تنظر لها بتردّد..قبل أن تلتفت أخيرًا تهم بقيادة السيارة متجهة إلى المرآب حيث يمكنها أن تجد سيارة وائل فقط في حال لم يخب أمل يوليا و كان قد عاد للمنزل الآن بدون أن يلاحظ تلكٓ الرسائل..

لكنها عادت و نظرت لها مجددًا بتردّد..و همست بنبرة غارقة في الضياع..همست تخاطب تعبير التعاطف و الحزن الجديد الذي ظهر في عيني يوليا ؛

_هل...هناكٓ احتمال أن يسامحني وائل فعلًا لو أخبرته بالحقيقة وجهًا لوجه !

و جاءها الرد..بصوتِ يوليا الدافء الذي تخللته ابتسامة باهتة قليلًا الآن ؛

_احتمال الصفح وارد في جميع الأحوال..هل نسيتِ بأن وائل يحبكِ ؟!!!

و كأنما سقطت تلكٓ الكلمات على فؤادها المكلوم كقطرة ماء بدّدت القليل من تلكٓ النيران التي تشعر بها تلسع روحها منذ فترة..و تزداد وطأة كلما تطرق عقلها لهذا الموضوع..

فاهتز جانب شفتيها مشكلة ابتسامة لا تمُت للسعادة بصلة..لكنها حملت بداخلها نوعًا من...الأمل بعد أيام لا تعد من يأسٍ مرير..

و ها هي ذي تقطع تلكٓ الأمتار المعدودة ركضًا متجهة إلى سيارته التي لمحتها عبر الضوء الصادر من المكان بمجرد أن ترجلت من السيارة..إلى أن وصلت إليها..و حمدت اللّه بشدة لأنه تركها مفتوحة كما يفعل في غالب الأحيان..

فدفعت الباب ملقية بنفسِها فوق مقعد السائق..قبل أن تفتح الصندوق الصغير أمامها..و تردّدت لوهلة صغيرة قبل أن تلقي نظرة هناك..و قد كانت لا تزال متواجدة حيث تركتها..تلك الرسائل...

نفس طويل حرّرته و هي تشعر بنفسها و كأنها قد تحرّرت من طوق خانق كان ملتفّا حول عنقها منذ الصباح..حتى أنها لم تشعر بنفسها و هي تتراجع قليلًا إلى أن أصبحت تستند إلى طرف المقعد مغمضة عينيها للحظاتٍ سمحت لنفسها خلالها باستيعاب شيء واحد..

و هو أن وائل الذي ستجده ما إن تدخل إلى البيت الآن.. هو نفسه زوجها الجميل..بنسخته الجديدة البالغة الـ... روعة..و تلكٓ الفكرة..مجرد فكرة أنها لا تزال تمتلكُ بعض الوقت..أنها لا تزال تمتلكُ إمكانية أن تنام فوق صدره الليلة..متنعمة بدفء ذراعيه و همساته و عينيه بدون أيّ حاجز يحول بينهما..جعلتها تبتسم..

ابتسامة ليست سعيدة بقدر ما هي حزينة..لكنها تظل ابتسامة..تظل ابتسامة إقرار و استقرار..هي..هي ستأخذ برأي يوليا..و ستخبره بنفسها..تلكٓ المرة و هي تنظر في عينيه بينما تتوسله أن لا يسمح لها...بفقدانه !!

____________________________

ثم بعد ما يقارب الدقيقتين..كانت تقف برفقة يوليا أمام الباب الكبير لمنزلهم..حينما مالت عليها هذه الأخيرة هامسة بجدية ؛

_لقد أرسلت رسالة لوائل قبل قليل أخبرته فيها بأن سيارتي قد تعطلت في الطريق فأجبرت على الاتصال بكِ لاصطحابي..

أومأت لها ضحى راسمة ابتسامة امتنان باهتة..قبل أن تدس يدها في حقيبتها مخرجة المفتاح..ذلكٓ الذي دسته في مكانه المحدد قبل أن تدفع الباب لكنهما ما كادتا أن تتقدما خطوة واحدة نحو الداخل حتى كان يعترضهما وائل الذي يبدو و كأنه كان ينتظر وصولهما فقط..

راقبته ضحى ببعض التوتر و هو يقترب منهما إلى أن وقف أمامهما..لكن غايته في تلكٓ اللحظة لم تكن هي..بل يوليا..فقد وقف أمامها لترتفع يداه تطوقان وجهها سائلًا باهتمام لطالما كان صفته الأساسية و الأجمل حينما يتعلق الأمر بيوليا خاصة...و بها هي !

_هل كل شيءٍ على ما يرام ؟!

أومأت لو يوليا و هي ترد مطمئنة بصوتٍ دافء ؛

_بالطبع وائل..هل يمكنني أن أطلب منكٓ عدم القلق ؟!

لكن ملامح وائل لم تتغير..فقد التفت قليلًا ليرمقها هي الآن بنظرة مطولة بعض الشيء..و جالت عيناه متأملًا ذلكٓ التوتر الذي كان يحتل ملامحها خلسة..توتر بدأ يعتاد عليه فعلًا و هو كالعادة لا يحِب الالتفات إليه..

لهذا..فقد التفت مجددًا ينظر ليوليا التي كانت تراقب الوضع بينهما بحذر..ثم قال يسألها بجدية ؛

_أين السيارة الآن ؟ هل أرسلتِ أحدًا ليأخذها ؟!

أين السيارة الآن ! شعور طفيف من الغيظ استوطنها و هي تتذكر الآن فقط مكان سيارتها..لقد تركتها أمام منزل نائل !!!

لكنها لم تنفكّ أن هزت رأسها بلا فائدة مجيبة بهدوء ؛

_لقد تصرفت..وائل..توقف عن إلقاء الأسئلة أكثر رجاءً..

حينها فقط..كان وائل يتراجع قليلًا محرّرًا وجهها..ثم و للمرة الثانية في نفس الدقيقة..كانت عيناه تتسمران على ضحى للحظة..قبل أن يفسِح الطريق مشيرًا نحو الداخل ؛

_حسنًا حسنًا..ادخلا الآن..لقد تم تقديم طعام العشاء منذ دقائق أساسًا و الجميع في انتظاركما..

تقدمت يوليا فورًا..إلّا أن ضحى ظلت واقفة مكانها ممّا جعل يوليا تتوقف مجددًا ناظرة لها بتساؤل..لكن عينيها هي ظلتا مشغولتان بالنظر صوب وائل..الذي لم يزح أنظاره عنها للحظة واحدة هو الآخر..

ثم قالت تحاول بشتى الطرق إخفاء ذلكٓ التوتر ؛

_أنا...سأصعد للغرفة أولًا لأغير ثيابي ثم أعود إليكم..

لم تشعر أثناء تحدثها بأناملها التي تململت تتمسكُ بحزام حقيبتها أكثر..و لم ينتبه أيّ منهما ليوليا التي عادت تلتفت مستأنفة طريقها نحو غرفة الطعام..فقد اكتفى وائل بأن حرك رأسه ببطءٍ موافقًا..

و اكتفت ضحى بأن زمت شفتيها قليلًا في حركة لم يغفلها..قبل أن تتحرك متجاوزة إياه نحو السلالم فعلًا.. مدركة و واعية بأنظاره التي تتبعت ابتعادها بنفس ذلكٓ التعبير الغريب بهما..

و كأن هناكٓ فجوة عميقة بدأت تتولد بينهما من حيث الفراغ..يزداد حجمها أضعافًا كل يوم حتى قبل أن تطلعه على الحقيقة..فقد كان وائل رجلًا ذكيًا حتى في الحب..و هي لا تملكُ من أمر نفسها إلّا التزام الصمت أمام نظراته و تساؤلاته في كل مرة..مثله ربما..تنتظر بفارغ الصبر تلكٓ اللحظة التي ستتملكها الشجاعة فيها للبوح..

و هي تشكّ بأنها باتت قريبة جدًا...جدًا !

و في غرفة الطعام..تفاجئت يوليا بمجرد وصولها و هي ترى آخر شخص تمنت رؤيته هنا اليوم..كان مجد..ذلكٓ الذي رفع أنظاره صوبها يرمقها بتلكٓ النظرة الحقيرة التي تذكرها بذلكٓ اليوم..و تتهمها خلسة بأشياء لا تفهمها !

نفس الاتهام الذي حملته نبرته بشكل خفي..حينما قال يتظاهر أمام الجميع إلّا هي بالإعتيادية ؛

_هل كل شيءٍ على ما يرام ؟ أين ضحى ؟!

تظاهرت يوليا مثله بالاعتيادية و هي تقترب من الطاولة أكثر إلى أن اتخذت مقعدًا..و فتحت فمها تجيب أثناء ذلكٓ بلا مبالاة متعمدة أن لا تنظر له ؛

_لقد صعدت للأعلى لتبدل ثيابها..

رفعت يديها بعدها تشرع في الأكل مباشرة..إلّا أن والدها الذي كان يجلس في المقعد الرئيسي على جانبها..همس فجأة يقاطعها بنبرة...قلقة ؟!

_هل أنتِ بخير ؟!

نظرت له يوليا شبه مجفلة بدهشة..فقال يشير إلى وجهها بيده بنفس النبرة الـ..دافئة نوعًا ما!..و التي لم تسمع مثيلتها منذ وقتٍ طويل ؛

_وجهكِ يبدو شاحبًا للغاية !

التفت مجد في نفس اللحظة يدقق النظر بملامحها و كأنه يحاول أن يتأكد من مدى صواب تلكٓ الملاحظة..و قد كانت شاحبة فعلًا..شاحبة لدرجة دفعت رغبة قوية بداخله لأن يلقي عليها سؤالًا مشابهًا..

لكنه التزم الصمت بدلًا عن ذلك..و أشاح بوجهه بعيدًا يرغم نفسه على التمسك في موقفه..هو لن يسمح لنفسه بأن يصبح حكرًا على إنسانة تمقته إلى هذا الحد..

حتى و لو أراد بكل جوارحه فكبريائه المُنتفض داخليًا لا يزال يرفض !

بينما في مكانها..تسمرت يوليا قليلًا حينما اجتاحها شعور غريب من...انشراح حقيقي..حتى أنها تراجعت قليلًا و ابتسمت عيناها خلسة شاعرة بقلبها يختلج بسعادة مألوفة..

قبل أن تهمس مجيبة سؤال والدها بنبرة تشبه الـ...... الامتنان !

ألم تعترف من قبل بمدى حُبها لوالدها ! كما أقرت جميع جوارحها دائمًا بأنها الفتاة الأكثر حُبّا لوالدها في العالم !

_أنا...أنا بخير بالطبع !

طرفت برموشها بعدها و هي تستقبل إيماءة والدها المترددة بسعادة أكبر..و قد بدت كإنسانة بلهاء قليلًا و هي تنقل عينيها الهادئتين ظاهريًا فقط إلى والدتها..تلكٓ التي منحتها ابتسامة صريحة و واضحة..

ابتسامة تفهم و حُب و أمومة خالصة !

ابتسامة كانت لتكون الأجمل لولا بعض القلق الذي شوبها خلسة..و زادت وطأته ما إن التفتت قليلًا لترمق مجد ثم تعود لتنظر لها مجددّا..

فهمت يوليا حينها بأن عقل والدتها قد تطرق لحوارهما قبل أيام عديدة ! لكنها بطريقة ما..و كواحدة من المرات النادرة لم تهتز داخليًا..و لم ترتعش أطرافها قلقًا..فقد أشاحت بوجهها تستأنف أكلها بشهية مفتوحة نوعًا ما..

بينما ظل جزء كبير من عقلها عالق مع هذا الموقف..نظرة والدها لها و نبرته..و الجزء الآخر مع...نائل !

ذلكٓ الرجل الجميل..و الذي باتت تستشعر في نفسها رغبة غير مطوعة في الاستمرار بهذا الطريق برفقته غير عابئة بأيّ عوائق بعد..

بأيّ اختلافات أو عقبات قد تحول بينهما !

___________________________

دلفت للغرفة بسرعة مغلقة الباب خلفها بإهمال..قبل أن تتقدم نحو الداخل إلى أن ارتمت جالسة فوق السرير تنظر أمامها بإرهاق شديد..لحظات استغرقتها في الجلوس بنفس الوضع..

ثم فجأة..ما كادت أن تطرق لتدس يدها في حقيبتها الأنيقة تهم بإخراج تلكٓ الرسائل اللعينة حتى كانت تنتفض بقوة حينما انفتح الباب فجأة..و أطل منه وائل الذي توقف مكانه ينقل عينيه بين ملامحها التي شحبت تمامًا ببعض القلق...أو التوجس !

رمشت ضحى ببطءٍ و هي تسحب نفسًا عميقًا تستنجد الله من قلبها أن لا تكون مشاعرها الحقيقية قد ظهر أثرها في ملامحها..لكن عيني وائل تسمرتا أخيرًا على يدها التي كانت لا تزال تتمسكُ بها بالحقيبة..فعادت تنتفض شبه مجفلة و هي تتركها هامسة بخفوت ؛

_أنا...كنت على وشكِ تغيير ثيابي...لماذا تركت مائدة العشاء و لحقت بي ؟!

لم يستطع وائل أن يزيح عينيه أو ذهنه عن حركتها السابقة تلك و عن وضعها الغريب هذا أساسًا..قبل أن يهز رأسه في حركة شبه مرئية..ثم قال ينظر في عينيها الآن بنبرة غير بديهية تمامًا ؛

_لقد تأخرتِ قليلًا..

صمت لوهلة واحدة..ثم عاد يهمس بصوتٍ ثقيل نوعًا ما ؛

_هل ما قالته يوليا صحيح ؟!

شحبت ملامحها أكثر و كأنه قد استهدفها بطريقة لم تتوقعها..و قد ظهرت ردة الفعل واضحة بشكل أكبر هذه المرة إليه..إلى أن قال يضيف شارحًا بجدية ؛

_لقد كانت حرارتها مرتفعة !

الآن ارتفع حاجباها بغباء حقيقي..لولا أن أضاف وائل بنفسِ النبرة ؛

_لاحظت هذا عندما لمست وجهها قبل قليل !

و كأنه قد ألقى عليها خبرًا...جميلًا ! بل و كأنه قد ألقى عليها تعويذة ما جعلتها تتنهد...ارتياحًا !!!

ثم قالت تهز رأسها ببعض التشوش..بصوتٍ بالكاد استعاد قوته و ثباته ؛

_هي..إنها...لقد كانت مرهقة قليلًا فقط..لكنها أصبحت أفضل الآن صدقني !

كان الموقف برمته غريبًا..غير مألوفًا..حتى نبرتهما و نظراتهما و طريقة تحدثهما إلى بعض..حتى ذلكٓ الصمت الموحش الذي يحيط المكان..و حتى إيماءته البطيئة التي تلقى بها ردها..و الصمت الذي قابلتها هي به بعدها.. لم يكن يبدو معهودًا بينهما بأيّ شكل من الأشكال !

_حسنًا إذًا..أنا سأنتظركِ في الأسفل...غيري ثيابكِ بسرعة و انضمي إلينا..

قال فجأة بنفسِ النبرة..ثم رمق الحقيبة بنظرة جديدة لم تبدو ذات مغزى الآن و هو يتراجع أكثر يهم بالذهاب فعلًا..إلّا أنه عاد و تسمر محدقًا في الفراغ..و تسمرت ضحى أيضًا و هي تقابل حركته هذه بملامح متأهبة..

و قد شعرت قبل حتى أن يلتفت إليها مجددًا..بأنه سيلقي بسؤال جديد..و هذا ما حدث فعلًا..فقد التفت إليها وائل يمنحها عينيه المغلفتين بطبقة جفاء غريبة..

قبل أن يفتح فمه ليلقي بسؤال جديد..سؤال لم تتوقع سماعه إطلاقًا..

_سأسألكِ لآخر مرة ضحى.........

تأهبت ملامحها أكثر بقلق داخلي..بينما استأنف وائل بدون أن يفارق عينيها ؛

_هل هناكٓ شيء ما تخفينه عني ؟! ربما شيء تودين قوله بشدة لكنكِ لا تزالين تشعرين بالتردّد لسبب لا أعرفه ؟!!!

شعرت بوتيرة خفقات قلبها تتثاقل بطريقة مؤلمة.. كإنسانة وقفت أمام الموت و فتحت ذراعيها منتظرة أن تحظى بعناقه الأبدي..إن كان سيكون موتها في تلكٓ اللحظة كفيلًا بأن يمنعها من النظر في عينيه..و إلقاء كذباتٍ جديدة !

إلّا أن حتى الموت لم يكن رحيمًا كفاية لينقذها..و شعرت بأن عينيه تقيدانها بطوق حديدي..عيناه بكل الترقب.. بكل ذلكٓ التوجس الذي كان يملأهما..و بلفحة الـ..عتاب أو التحذير..كانتا تطبقان على أنفاسها..

ثم بعد وقتٍ طويل..بعد صمتٍ طويل كئيب..فتحت فمها لتمنحه جوابًا باهتًا كملامحها..و كأن حتى صوتها قد تواطأ مع عينيه اليوم بغاية قتلها..و نسف كل ذرة أمل زرعتها كلمات يوليا بداخلها..

همست بصوتٍ أجش خافتٍ و بأنفاس ثقيلة متهدجة ؛

_لا !

ثم ابتلعت ريقها ببطءٍ و هي تهمس مؤكدة بصوتٍ أكثر وضوحًا غير غافلة عن...نظرة الإحباط الخفية التي برزت في عينيه ؛

_بالطبع لا !

لم يمنحها وائل أيّ رد..فقد أسدل رموشه قليلًا يلتزم صمتًا جديدًا تلكٓ المرة أقصر من السابق..ثم في النهاية.. كان يرفع عينيه إليها مجددّا ليمنحها ردة فعل باهتة كصوتها..و نظراتهما..

مجرد إيماءة هادئة..ثم صوته الذي ارتفع يهمس لها باختصار ؛

_جيد !

كان من الواضح أن تلكٓ الكلمة لم تخرج من قلبه خالصة فعلًا..ليس و عينيه لا تؤكدان ذلك..ليس و كل شيء حولهما اليوم يكاد أن يجزم بأن لا شيء جيد..

على العكس تمامًا فقد كان الوضع يبدو أشد سوءًا..و هي لا تعلم حتى الطريقة التي قد تصلح بها هذا الأمر بعد الآن !

راقبته بعدها إلى أن غادر مغلقًا الباب خلفه بهدوء خادع..فأطبقت عينيها و أطرقت قليلًا تقابل الأرض بإرهاق شديد..قبل أن ترغم نفسها على الوقوف..بدون أن تنسى أن تحمل حقيبتها حيث وضعتها في مكانها المخصّص..في جهتها هي بالخزانة الكبيرة و في منتصف ثيابها..

و اتجهت بعدها إلى الحمام..متأكدة...بل واثقة بأن وائل لا يمكن أن تخطر في باله حتى فكرة لمس أشياءها ناهيك عن فتح جهتها المخصّصة بالخزانة و العثور على تلكٓ الحقيبة التي تحولت إلى ملعونة اليوم..فقط لكونها تحمل بداخلها تلكٓ الرسائل..

غالبًا..كما كان هو واثقًا بأن احتمال أن تكذب ضحى عليه بينما تنظر في عينيه..غير وارد إطلاقًا...لكن حتى تلكٓ الثقة قد بدأت تهتز اليوم !!!

بدليل سؤاله و نبرته و نظراته !!

___________________________

كانت تلكٓ الليلة..أول ليلة تمر صامتة إلى ذلكٓ الحد منذ أن قرّر وائل و عزم على أن يعترف لها بالحُب..فقد بدا كل منهما و كأنه ساهم تمامًا في عوالم مختلفة..لولا أن تلكٓ العوالم ذاتًا كانت لا تضم أيّ شيء باستثناء..موقفهما السابق في ذهنها..و حقيبتها الغامضة في ذهنه !

حتى أنه لم يتحرك إطلاقًا حينما اقتربت ضحى لتتخذ مكانها في السرير مستلقية بجانبه..فقد ظل مستلقيًا بنفس الوضع..يستند إلى ذراعه برأسه بينما يقابل السقف الصامت..

لكنها هي..شعرت برغبة ملحة لأن تكون قريبة منه أكثر.. رغبة أقرب إلى...الاحتياج..فاقتربت بنفسِها تريح رأسها المرهق على صدره الواسع..و بسطت أناملها فوق نفس المكان تتحسّس خفقات قلبه المضطربة ملامسة قماش قميصه المنزلي الأزرق..

حينها لم يشعر وائل بنفسه و هو يخفض أنظاره ليرمق شعرها الناعم بنظرة ساهمة..و لانت عيناه أكثر بدون أن يشعر و هو يرفع يده ليضمها متخلّلًا تلكٓ الخصلات الحبيبة برقة..

لحظات قصيرة استغرقاها في نفس الوضع..ثم فجأة.. كانت ضحى تطرف برموشها ببطءٍ حينما شعرت بيده الأخرى على وجنتها تتحسّس بشرتها بلمساتٍ حانية و كأنها حركة يحفزها بها على شيء مجهول..

حينها فقط..كانت ترفع رأسها نحوه لتمنحه عيناها الحزينتان..و كان هو يسدل رموشه قليلًا يتأمل تلكٓ العينين بسكون كامل لم يقدر أحدهما على تبدِيده..

قبل أن تشعر بشفاهه على جبينها تشكلان قبلة...ثقة ؟! أو ربما كانت تلكٓ طريقته في الهروب مؤقتًا فقط من دوامة أفكاره..و في دفعها على النوم عازمًا على عدم تبديد هذا الصمت...

رُبما غدًا...بعد أن يجد ضالته !

____________________________

لقد تناولت وجبة الغذاء مع مجد !

كانت هذه هي الجملة و الفكرة الوحيدة التي تدور في ذهنها..كما ظل نفس الموقف يتردّد في عقلها رافضًا أن يتركها..لقد كان الأمر أشبه بحلم غريب..حلم لا يمُت للمنطق بأيّ صلة لكنه يبقى حلمًا جميلًا...نوعًا ما !

كانت تسير شاردة الذهن..منذ أن غادرت المطعم برفقته لتتفاجأ للمرة التي لم تعد تذكر كم بعرضه لاصطحابها للمنزل..لكنها رغم دهشتها..و رغم رغبة داخلية غريبة احتلتها بأن توافق..فقد قابلت عرضه بالرفض متعللة بأن لديها موعد آخر..

و ها هي ذي تقف أخيرًا أمام منزلها..بعد ساعاتٍ أمضتها في التجول هنا و هناك بدون هدف..ما بين الساحل و المتنزه القريب و باقي الطريق الذي قرّرت أن تقطعه أيضًا سيرًا على الأقدام..

تنهيدة خافتة حرّرتها إن دلت على شيء فعلى كونها لا تشعر بأيّ رغبة بعد في الدخول إلى منزلها الصامت.. الكئيب و المنفر و الذي ازداد كآبة بعد رحيل والدها لا العكس..

فقد كانت أمها...امرأة ضعيفة أمام كلمة اسمها الوحدة.. إنها حتى تشعر بالقلق أحيانًا من الطريقة التي من المفترض أن تعيش بها والدتها في حال تزوجت هي..و في حال قرّر آدم هو الآخر الاستقرار في المدينة التي يدرس بها حاليًا..

على الرغم من أنها تستبعد الفكرتين..أو بالأحرى... تكرههما!

و ربما يبدو الأمر غريبًا إلّا أنها دائمًا ما رسمت للزواج صورة بشعة في ذهنها..كشخص قرّر فجأة الانتحار بإلقاء نفسه في البحر ثم ندم في نفس اللحظة...لكن بعد فوات الأوان !

و هي تعلم حتمًا سبب كل هذه المشاعر..والداها بالطبع ! فالإنسان عبد لتجربته حتى و إن رفض التصديق بهذه الحقيقة !!

لولا أنها تصبح امرأة أخرى عندما ترى مجد..عندما تنظر في عينيه و تتحدث إليه..و تتحول إلى أشد غباء حينما يبادر هو بالنظر أو التحدث !!

و هي من راهنت نفسها مرارًا على ثباتها و صمودها أمامه..الآن تتساءل ما كانت ستكون ردة فعلها لو حدثت تلكٓ المعجزة المستحيلة ذات يوم...و طلب منها مجد الزواج !!!

مهلًا ماذا قالت...زواج !!!

انتفضت بقوة و هي تهز رأسها عندما بدأ عقلها يستوعب إلى أيّ حد خطير بدأت أفكارها في التمادي..ثم نظرت حولها لتتفاجأ بأن المصعد قد تخطى الطابق الخاص بشقتها بطابق واحد...تبًا لها و لمجد !!

نفس مضطرب زفرته و هي ترفع يده لتضغط الزر أمامها تجبر المصعد على النزول مجددًا..إلى أن توقف بعد لحظتين..و انفتحت أبوابه على مصراعيها أمامها لتتفاجأ و قبل حتى أن تنجح بقطع خطوة خارجه بـ...آدم يقف أمامها !!!

كان آدم يقف أمام باب شقتها المفتوح..ينظر لها بابتسامة كبيرة علمت بأنها كانت مرتسِمة قبل أن يراها حتى..لكنها ازدادت اتساعًا بعد رؤيتها..و برقت عيناه بشدة و هو ينقلهما بين شكلها الأنيق بـ...لهفة..أو فخر !

شعرت ميرنا بالدموع تتجمع في عينيها من حيث الفراغ..أليس هذا هو الحلم الحقيقي فعلًا ؟! لقد كان آخر شيءٍ توقعته هو أن ترى آدم اليوم...أو حتى بعد وقتٍ قريب !!

لكن حتى دموعها تلك لم تستطع أن تمنع ابتسامتها من أن ترتسم باتساع هي الأخرى لتملأ كل ملامحها..قبل أن تقترب فجأة تقطع تلكٓ الخطوة بينهما..ثم و ما كادت أن تصل إليه حتى كانت ترتفع بسرعة لتطوقه في عناق بالكاد نجح في إظهار البعض من اشتياقها و سعادتها..

بادلها آدم العناق بشكل تلقائي و بقوة أكبر إلى درجة أن فارقت أقدامها الأرض..و أطبق هو عينيه بشدة ينخفض أكثر إلى أن أغرق أنفاسه في كتفها حيث طبع قبلات لا تحصى فوق معطفها الأصفر الأنيق..حريص على أن لا يجعلها تشعر بدموعه التي كانت قد بدأت تنساب تباعًا مثلها..

إلى أن شعر بها تبتعد لكن ليس إلّا لتطوق وجهه متأملة ملامحه الحبيبة بشوق..حينها فقط فتح فمه ليهمس بنبرة مرحة ؛

_لقد رأيتكِ من النافذة قادمة سيرًا..لكنكِ تأخرتِ في الصعود..هل تعطل المصعد بكِ ؟!

هزت ميرنا رأسها في حركة لم تبدو بأنها تحمل أيّ معنى..بينما تنهد آدم و هو يرفع يديه إلى أن تمسكٓ بيديها على وجهه و تركهما هناكٓ فقط يتأمل ملامحها و دموعها هو الآخر بصمتٍ..

إلى أن همست ميرنا بصوتٍ أجش مبحوح قليلًا ؛

_لم تخبرني بأنكٓ قادم !

همس آدم مبقيًا على ابتسامته المتسِعة ؛

_أردت أن تكون مفاجئة جميلة لكِ !

سالت دموعها أكثر من بين ابتسامتها و هي تهمس ؛

_إنها جميلة فعلًا..جميلة للغاية !

إلّا أن آدم همس بصوتٍ تلكأ قليلًا كابتسامته ؛

_لكنني سأبقى لمدة ثلاث أيام فقط..هذا ما استطعت أن أحصل عليه !

لم يظهر أيّ تعبير جديد للرفض في عيني ميرنا رغم التأثر الذي كان يلتهمهما..فقد عادت تجذبه إلى أحضانها بقوة..و همست بحرارة و هي تشدّد من احتضانها له ؛

_لا بأس..لا بأس..أنا لا أصدق حتى بأنكٓ هنا الآن..لقد اشتقت إليكٓ بشدة..بشدة !

أغمض آدم عينيه و هو يتنعم بهذا الحضن الذي لطالما شعر به أشد دفئًا و أغلى حتى من حضن أمه..و ساد صمت طويل لم يرغب خلاله أن ينهي لحظة الشوق هذه..

إلّا أنه اضطر في النهاية أن يهمس بنبرة مختلفة بينما أنامله لا تزال تضمها مشكلة تربيتات حنونة على ظهرها ؛

_لقد أودعتِ والدي في مركز للعلاج !

و كأنما تعرضت ميرنا فجأة لصفعة مدوية..فتحت عينيها لتقابل مباشرة عيني والدتها التي لم تعرف حتى متى و كيف لم تشعر باقترابها..تلكٓ التي كانت تقف الآن في حاجز الباب خلفها..و قد أخبرتها نظراتها بأنها من أخبرت آدم بهذه المعلومة...من غيرها قد يفعل أساسًا !

الحقيقة أنها حتى و إن لم تفعل فقد كان آدم سيعلم بمجرد عودته أو زيارته لهم..فهي لم تكن تملكُ القوة بعد لتكذب أكثر بينما تنظر في عينيه مباشرة !

تراجعت ببطءٍ بدون أن تحرره تمامًا إلى أن نظرت في عينيه المتسائلتين..و المتفهمتين لأقصى حد في نفس الوقت..قبل أن ترفع أناملها لتكرّر حركتها السابقة.. طوقت وجهه الحليق برفق..قبل أن تهمس بحزم ناقض تمامًا ملامحها المضطربة و العبرات المنسابة من عينيها ؛

_دعنا نتحدث في الداخل !

____________________________

بعد دقائق..كان الثلاثة يجلسون في البهو الأنيق..ميرنا في أريكة منفردة و آدم في الأريكة الملاصقة بجانب والدتهما..تلكٓ التي لم تسمع ميرنا صوتها و لو بالصدفة منذ وصولها..

كان هناكٓ توتر طفيف يحيط بالأجواء..لكن آدم ظل رغم ذلكٓ يقابلها بنظرته المتساءلة إلى حد كبير و الدافئة إلى أقصى حد..

كان يبدو كشخص على أتم الاستعداد للتسليم بكل كلمة ستنطقها..مستعد لسماع أسبابها و مبرّراتها التي هو يستطيع تخمينها بكل سهولة..لكنه لا يزال يحتاج إلى سماعها رغم ذلك..

إلى أن فتحت والدتها فمها لتتحدث أخيرًا..قالت تربت على ركبة ابنها و تنظر صوبها هي ؛

_لا بد بأنكٓ جائع جدًا..دعني أجهز لكٓ شيء و أعود..

كان من الواضح جدًا غاية والدها من هذه المبادرة..لقد كانت غايتها أن تمنحها بعض المساحة لشرح الموضوع لأخيها..و هي فعلت...

زمت فمها قليلًا و هي تتأمله للحظات..قبل أن تقف بهدوء إلى أن احتلت مكان والدتها السابق بجانبه..و همست تسدل جفونها قليلًا أمام نظراته الصريحة.. تحاول أن تضفي أكبر قدر من الثبات إلى صوتها ؛

_موضوع والدي..في الحقيقة..أنا أعتذر بشدة لأنني أخفيت الأمر عنك آدم لكنني..........

_ماذا فعل هذه المرة ؟!

صمتت فجأة حينما قاطعها آدم بهذا السؤال..فتسمرت للحظة واحدة تراقب فيها أناملها المتشابكة..ثم نظرت له مجددًا مردفة تلكٓ المرة بوضوح رغم الحزن الذي قفز إلى صوتها فجأة و ظهر أثره في عينيها بشكل أوضح ؛

_لقد رفع يده على أمي !

ارتفع حاجبا آدم بما يفوق الذهول أو الصدمة و هو يتراجع قليلًا محدقًا بها بعينين متسعتين..بينما استأنفت ميرنا تهز كتفيها بإقرار ؛

_إنها ليست المرة الأولى بالطبع !

تلكأت شفاه آدم و كأنه سيهمس بشيءٍ ما..لكن العجز التام تمكن منه للحظات..ثم ما إن استطاع تمالك نفسه قليلًا..همس يميل إليها أكثر ناظرًا في عينيها بتردّد ؛

_هل هذا يعني بأنه فعل شيئًا أسوء !!

الآن ساد صمت طويل بعض الشيء..صمت كئيب و مغلف بشرود حزين اكتسح عيني ميرنا..ثم همست في النهاية تجيبه بحزن أكبر ؛

_سرق صندوق مدخراتها...عنوة و أمام عينيها !

أسدلت جفونها بعدها تعود لنفس وضعها السابق..تراقب أناملها المتشابكة بتوتر..بينما فغر آدم شفاهه عاجزًا تمامًا عن نطق كلمة واحدة للحظاتٍ أخرى..و ربما هذا ما جعل ميرنا تنظر له مجددًا..

لكنها ما كادت أن تفعل..حتى كانت تجفل بذلكٓ القلق المعهود و الذي دائمًا ما احتل قلبها لأجله..حينما قابلت الشحوب الكبير الذي لم تعرف حتى متى اكتسح ملامحه الوسيمة بهذه القوة..

ثم رفعت يدها لتغطي يده المرتاحة فوق ركبته..و شدّدت من تمسكها بها و هي تردف بخفوتٍ ؛

_لا تحزن..أعلم كم يبدو الأمر في غاية الصعوبة لمجرد التفكير به لكنني أعدكٓ بأن كل.........

_لقد فعلتِ الصواب !

للمرة الثانية يقاطعها آدم..لكن هذه المرة خرج صوته بنبرة صارمة لا تشبه نبرته المعتادة..نظرت له ميرنا ببعض الحيرة..فقال يهز رأسه مؤكدًا بجدية جعلته يبدو لوهلة أكبر من سنه العشرون بسنواتٍ عدة ؛

_لقد فعلتِ الصواب..ميرنا...حتى و لو لم أعرف أسبابكِ كانت ردة فعلي لتكون مماثلة تمامًا..هل تعلمين لماذا ؟!

شعرت بيده الأخرى تحط فوق يدها متمسكة بها أكثر.. ثم همس يخاطب عينيها..همس بنبرة...جميلة !

_لأنني أثق بكِ ! ربما أكثر ممّا أثق بنفسي..لطالما وثقت بكِ و بكل قراراتكِ !

كانت ميرنا تراقبه طوال الوقت بحُب..حتى أن دمعة هادئة ليست بحزينة أو سعيدة هربت من عينها اليمنى و هي تسمع كلمات كانت في أمس الحاجة لسماعها..فكيف حين يكون قائلها هو أخاها الوحيد ؟!!!

قبل أن تجبر شفتيها على رسم ابتسامة حنونة..ابتسامة تخللها شيءٍ يشبه...الأمل ! و قالت تسأله بنبرة خرجت بشكل بديهي ؛

_حقًا ؟!

أومأ لها آدم بنفسِ الطريقة و هو يرسم ابتسامة مشابهة تمامًا..فهمست ميرنا بنبرة أم تخاطب طفلها المفضل ؛

_عانقني إذن !

و فعل..اقترب منها آدم ليضمها بقوة مستقبلًا عناقها هو الآخر برحابة شديدة..إلّا أنه همس بعد لحظاتٍ و هو يحرك أنامله على ظهرها مربتًا برفق ؛

_ماذا كان موقف أمي من هذا القرار ؟!

همست ميرنا و هي ترتاح على كتفه ساهمة في البعيد ؛

_إنها ليست رافضة..لكنها لم تعلن موافقتها أيضًا !

صمتت لوهلة صغيرة..قبل أن تستأنف بخفوتٍ ؛

_إنها تلتزم الصمت فقط و كأنها تحترم قراري..لكنني في قرارة نفسي..أعلم كم هي حزينة...أستطيع ملاحظة هذا بكل سهولة...

ثم تنهدت و هي تضيف بتنهيدة ؛

_الجميع يستطيع ملاحظة هذا أساسًا !

أغمض آدم عينيه و هو يشدّد من احتضانها أكثر..لكن عينيه وقعتا فجأة على والدتهما التي كانت تقف على بعد خطواتٍ منهما..تحمل في يديها صحن الأكل الذي أعدته للتو على ما يبدو..

لكنها توقفت في منتصف الطريق و هي تصادف هذا المشهد..كما استطاع أن يتكهن بكونها قد سمعت كلمات ميرنا من طريقتها في النظر لهما..

في هذه اللحظة..و بهذه الفكرة..وجد نفسه يتراجع إلى أن وقف مقتربًا منها..ثم قال يرسم ابتسامة كبيرة متظاهرًا بمرح لا يشعر به ؛

_فقط لكي لا تشعر الأميرة بالغيرة سأضمها أيضًا !

كان قد وصل إليها فعلًا فامتد ذراعه يضم والدته جانبيًا بقوة..بينما ارتاحت شفاهه على جبينها للحظة..لكن هذه الأخيرة ظلت ساهمة تمامًا كل نظراتها منصبة نحو ميرنا فلم تستطع أن تتجاوب معه إلّا بتربيته على ذراعه و ابتسامة بالكاد نجحت باستمالتها إلى شفتيها..

قبل أن تهمس فجأة بصوتٍ خرج يحمل شرودها السابق ؛

_إلهي..هل هذا وقت العناق الآن..ستجعلني أوقع ما في يدي..

اقتربت بعدها من طاولة الأكل القريبة إلى أن وضعت الصحن هناك..و استغرقت لحظة واحدة فقط منحنية بنفس الوضعية..قبل أن تلتفت لتنظر إلى ميرنا الآن..

تلكٓ التي لم تتوقف عن مراقبتها إطلاقًا بعد أن استوعبت مثل آدم بأنها قد سمعت كلماتها..و قد أكدت والدتها هذا الإدراك بصوتها الذي خرج بعد لحظة واحدة بنبرة شخصٍ يحاول التظاهر بما لا يشعر به ؛

_و تعالي أنتِ أيضًا..لا بد بأنكِ لم تأكلي أيّ شيء بعد وجبة الغذاء..

نظرت ميرنا لآدم الذي كان قد اقترب ليتخذ مقعده شارعًا في الأكل بشهية مفتوحة فعلًا..و رغم كونها لم تكن تشعر بالجوع إطلاقًا..ليس لكونها قد تناولت وجبة غذاء مميزة اليوم برفقة...مجد !

بل فقط لكونها كانت إنسانة من هذا النوع..إنها لا تحِب أن تأكل عندما تكون حزينة على عكس الكثير من الناس!

فقد أرغمت قدميها بصعوبة على حملها للوقوف..ثم على التقدم باتجاه الطاولة كل غايتها أن لا تكسِر نداء أمها..و أن تحصل على بعض الدفء عبر الجلوس حول طاولة تحتوي فردًا آخر من عائلتها باستثناءها هي و والدتها.. بعد أن عاشت أيامًا صامتة كانت فيها كل منهما تكتفي ببضع لقيمات تتناولها كوجبة قبل أن تهرب إلى غرفتها..

جلست في مكانها المعتاد..بينما اتجهت والدتها مسرعة إلى المطبخ لتحضر باقي الأطباق..و حينها..ما إن اختفت هناك..حتى كان آدم يتخلى عن تظاهره شبه المقنع بالأكل بشراهة..

نظر لها باهتمام..قبل أن يمد يده ببطءٍ إلى أن احتوى يدها المرتاحة فوق الطاولة..و همس ينظر في عينيها.. يشدّد من احتضانه ليدها..و يرسم ابتسامة مواساة حنونة كصوته ؛

_سيكون كل شيءٍ على ما يرام !

بادلته ميرنا الابتسامة بواحِدة باهتة قليلًا..لكن حتى تلك الابتسامة لم تنفكّ أن اتسعت أكثر و برقت عيناها قليل بأمل ضئيل أمام تلكٓ النظرة التي لم تنفكّ تزداد تفهمًا و حنانًا !

هل عليها أن تعتبر هذا يوم حظها فعلًا ؟ أولًا غذائها مع مجد و الذي خلف شعورًا جميلًا في قلبها حتى و إن شعرت بصعوبة الاعتراف بهذا..ثم أهم شيء..أجمل ما حدث معها اليوم..هو لقاءها بأخيها..

و كأن القدر تعمد بعطفٍ أن يمنحها هذه الهدنة القصيرة من سلام و سكينة افتقدتهما منذ وقتٍ طويل!

___________________________

لقد كان يشعر بضغط هائل يطبق على قلبه و أنفاسه.. فقد أخذت ضحى حقيبتها معها !

و الآن لم يعد هناكٓ شيء يبحث عنه في غرفتهما !

ألم تكن تلكٓ الفكرة وحدها كافية لأن تجعله يستوعب كم أن علاقتهما أصبحت هشة ! منذ متى كانت ضحى تخفي عنه أيّ شيء ! و متى استطاعت بذور الشكّ أن تغرس لنفسِها مكانًا في قلبه هو نحوها !!!

لقد كان يشعر بالقهر لمجرد أن تخطر في ذهنه فكرة التجسّس على أغراضها..و يتضاعف شعوره حين تذكر موقف الأمس..

و كذبها الصريح عليه بينما تنظر في عينيه !

ألا تدرك بعد كم هي فاشلة في الكذب ؟! كيف يمكن لامرأة تملكُ عينين معبرتين كخاصّتها أن تنجح في الكذب أساسًا! خاصة حينما يكون الشخص المقابل لها هو نفسه !!

فضحى لم تراه يومًا كمُجرد زوج..و لا كمجرد قريب بالدم أو صديق..لقد كان يملكُ مكانة أقوى بكثير و أعمق من أن يتم حصرها في أيّ وصف..لقد كانت ضحى تحِبه إلى درجة يصعب معها انتقاء الكلمات للشرح !

و هو كان يعلم هذا منذ اليوم الأول..لكنه يعلم أيضًا بأن الحب بكل مفاهيمه العمياء لا يكون كافيًا دائمًا !

بل هو غير كافٍ فعلًا !!!

و أكبر دليل على هذا هو علاقة بدون حُب..يمكن أن تنجح..لكن علاقة بدون ثقة ؟! هذا أمر غير وارد إطلاقًا !

منذ متى و هو غارق في شروده بنفس الموقف..موقفه في الصباح مع ضحى بينما يراقبها و هي تحمل حقيبتها التي باتت ثمينة فجأة في عينيها..تعلقها فوق كتفها بكل اعتيادية ثم تنظر في عينية سائلة بـ...ببساطة !

" هل نذهب ؟! "

كيف أمكنها أن تتحدث بمثل تلكٓ البساطة أساسًا..أن تنظر في عينيه بذلكٓ العمق..و قد تجرأت تلكٰ العينين على التزام الصمت بينما صاحبتهما تلفّ خيوط كذبة لا يعرف حقيقتها بعد حول قلبه !!!

ما الذي تخفيه عنه ضحى حقًا ! و الأهم من هذا..ما السبب الذي يدفعها تخفيه أساسًا ! هل يعقل أن تكون تلكٓ الحقيقة مرتبطة به ؟! هل تخاف ضحى من أن تتسبب له بالأذى بأيّ طريقة كانت !

مهما كانت أسبابها..و مهما كانت تلكٓ الحقيقة فهو لم يعد قادرًا على تجاوز الأمر بعد..لم يعد قادرًا على التحلي بصبر لم يكن يمتلكه يومًا أساسًا..و على النظر في عينيها المتهربتين كل ليلة و التظاهر بأن أيّ شيء لم يكن !

لقد كان يسير في إحدى مواقع البناء برفقة معاذ الذي لم يتوقف منذ دقائق عن التحدث..بينما هو يكتفي أمامه في كل مرة ينتفض إزاء صوت صديقه المطالب بانتباهه بمجرد إيماءة ساهمة لا معنى لها..أو رد مختصر باهت..

قبل أن يعود ليغرق في نفس الشرود الذي يحمل صورة واحدة لا غير..صورتها هي...و موقف الأمس !

ثم فجأة..لم يشعر بنفسه إلّا و هو يتوقف مثيرًا انتباه صديقه الذي قرّر التوقف عن التحدث أخيرًا..ثم قال يرفع يده ليبعد الخوذة الصفراء المصمّمة للعمل عن رأسه بصوتٍ ظهر فيه الإرهاق جليًا ؛

_حسنًا..بما أن كل شيء يبدو على ما يرام فأنا سأذهب الآن..

نظر له معاذ حينها بغباء شديد..حينما تساءل عقله عن مغزى جملة صديقه الأحمق هذا..ما الذي يقصده بأن كل شيء يبدو على ما يرام !

هل تفقد هو أيّ شيء أساسًا..إنه حتى لم يخاطب العمال و لم يرمق المكان بأيّ نظرة منذ أن وصلا !

فتح فمه و كأنه يود التعقيب متسائلًا عن هذا الوضع..إلّا أنه عاد و تراجع في آخر لحظة و هو يرى ذلكٓ الضياع الذي كان يحتل عيني صديقه..ثم زفر تنهيدة مطولًا و هو يتناول منه الخوذة مردفًا بتفهم ؛

_حسنًا لا عليك..يمكنكٓ الذهاب أنت الآن و أنا سأهتم بالباقي..

أومأ له وائل إيماءة شاردة جديدة..ثم رمقه بنظرة أخيرة حملت نوعًا من الامتنان..قبل أن يلتفت فعلًا مقتربًا من سيارته بخطواتٍ قد تبدو ثابثة للعين..لكن بالنسبة له.. فقد كان يشعر بأن العالم بأكمله على وشكِ الانهيار من حوله و فوقه..

و ربما يموت أيضًا إذا كان هذا سينقذه من أفكاره..و من فكرة أن تتحقق تلكٓ الشكوك في عقله ! رغم أنه لم يكن يشكّ بها هي حصرًا..من المستحيل تمامًا أن يشكّ بضحى..الأمر يشبه أن يشكّ الإنسان بنفسه !

و هي كانت أغلى عنده من نفسِه أيضًا !

لكن ماذا عساه أن يفعل حينما تعتنق زوجته مثل هذا الإلحاح و التفاني في الإخفاء...و في الكذب !

إنه يشعر بأنه عاد معها إلى ما قبل سنواتٍ من الضياع و الوحدة..و الأسوء هو ذلكٓ الشعور الذي بدأ ينتابه أيضًا.. بأن ضحى ربما..لم تكن تراه كما يراها...و إلّا كيف يكذب المرء على نفسه !!

كان قد وصل إلى سيارته أخيرًا..ففتح الباب بسرعة ليرتمي في مقعده حيث تمسكٓ بالمقود بيديه الاثنتين ناظرًا أمامه بعينين تغلفهما كل أنواع الحِيرة و الضياع و...الغضب!

غضب غريب هو ما دفعه لأن يحرّر المقود شارعًا بدلًا عن ذلكٓ في تشغيل السيارة حيث انطلق إلى وجهة غير محدّدة..و بعد دقائق توقف في الساحل..هناكٓ حيث ترجل من السيارة مقتربًا من الضفة بهدوء ظاهري فقط..

هناك حيث وقعت عيناه مباشرة على ذلكٓ المطعم الفاخر..و استعاد عقله تلقائيًا تلكٓ الذكرى المميزة لهما.. قبل أيام معدودة..حينما طلبت منه ضحى أن يخرجا للتنزه سويًا بعد أن ساهمت في جعل الجميع يغادر المنزل..

و كان المكان الذي اختاره لأجلهما هو هذا المكان..طرف برموشه ببطءٍ و عقله يستعيد تلكٓ اللحظات الثمينة التي استغرقاها في السير هنا سويًا..

هو..يلفّ كتفيها بذراعه الوحيد بينما يتأملها بابتسامة و يده الأخرى تعمل بجهد على إزاحة خصلات شعرها المتطايرة إلى الجانب كلما تمردت..و هي...تحاوط جذعه القوي متمسكة بقماش سترته أيضًا بقوة بينما تستقبل بكل رحابة تلكٓ اللمسات على شعرها و بشرتها أحيانًا..

و هناك..في تلكٓ اللحظات الجميلة..تداعت كل الكلمات و بسط الصمت النبيل سيطرة سادية على قلبين أعلنا استسلامهما بالكاد لعشق عتيق..عميق..قويّ و متين إلى حد يجعل فكرة تزعزعه غير واردة إطلاقًا..

لقد سارا لمسافة طويلة هنا..لمدة دقائق لم يفعلا فيها أكثر من التمسكِ ببعضهما و تأمل بعضهما بابتسامة..قبل أن ينتهي بهما المطاف يجلسان في ذلكٓ المطعم..و مجددًا يتأملان شيئًا ما..

لا..ليس إطلالة البحر الخلابة..بل ملامح بعضهما البعض.. تلكٓ الابتسامات الحقيقية المتسعة..كلماتهما و أناملهما المتشابكة في منتصف الطاولة كل منهما يتلاعب بخفقات الآخر كما يريد..

لقد كانا و كأنهما يمارسان انتهاكًا من نوع ما ضد بعضهما..لكنه انتهاك متاح تمامًا..انتهاك جميل إلى حد الاستسلام لسطوته..و التسليم بتأثيره..

استعاد عقله للمرة التي لا يذكر كم موقف الأمس..سؤاله الضائع بلا جواب و نظرة عينيها المتهربة في محاولاتٍ واهية تمامًا لـ...تمويه قلبه ! غافلة تمامًا عن أكبر حقيقة بينهما..منذ متى كانت عيناها وسيلته الوحيدة لقراءتها ؟! إنه يستطيع قراءتها من كل حركاتها و سكناتها بسلاسة عظيمة...كما ظن يومًا بأنها تفعل !

" سأسألكِ لآخر مرة ضحى......... "

" هل هناكٓ شيء ما تخفينه عني ؟! ربما شيء تودين قوله بشدة لكنكِ لا تزالين تشعرين بالتردد لسبب لا أعرفه ؟!! "

" لا ! "

" بالطبع لا ! "

ثم استعاد عقله حوارًا آخر أشد غرابة..و كلمات كان لها تأثير السوط على قلبه...

" أحبكٓ وائل..أحبك...لقد كنت أنت...الرجل الأول و الوحيد الذي وقعت في حُبه..و الذي سأحِبه دائمًا بغض النظر عن أيّ ظروف..أريدكٓ أن تدرك هذا..أريدكٓ أن تستشعر هذا..أريدك أن تتذكر هذا دائمًا و تحفظه في قلبكٓ..سواء كنا سويًا أو لم نكن...... ! "

زفر بقوة و هو يخرج يديه من جيبي بنطاله..و زم فمه قليلًا و هو يلتفت فجأة مقتربًا من سيارته..إلى أن فتح الباب بسرعة و ارتمى في مقعده للمرة الثانية..لكن هذه المرة لم يكن هدفه تصفية ذهنه و الهرب من شروده السابق..

فقد ارتفعت يداه مباشرة ليبدأ في تشغيل السيارة هامسًا لنفسِه بحزم ؛

_إلى هذا الحد و كفى..لن أستطيع التحمل أكثر..

و تلكٓ المرة..عكس السابقة...كانت وجهته محدّدة..تلكٓ الوجهة التي انطلق إليها بسرعة تفوق الطبيعية..و كل غايته...أن ينظر في عينيها و يلقي بنفسِ السؤال الذي ألقاه عليها في الأمس..

مع فرق وحيد..أنه لن يتوانى اليوم حتى يسمع الإجابة المنشودة منها !

تلكٓ الإجابة التي انتظرها أن تبادر هي بنفسِها بمنحها له منذ وقتٍ طويل..

لولا أن آثر هو مستسلمًا التمادي في انتظار تلكٓ المبادرة منها..و قابلت هي انتظاره بأن تمادت في صمتها !

__________________________

نفس الكلمات كانت تتكرّر في ذهنها..كلماتها له ذلكٓ اليوم..نظرات القلق و الحيرة في عينيه و هو يرى حالها الغريب..حوار الأمس و...سؤاله..ثم جوابها..كل تلكٓ التفاصيل هي ما جعلتها عاجزة عن النوم ليلة الأمس..

لقد حاولت بشدة..على الأقل التظاهر بالنوم أمام وائل.. لكن و كأنما قد فقدت السلطة على التحكم بحواسها ظلت عيناها ساهمتان في الفراغ لوقتٍ طويل.. مفتوحتان على اتساعهما و قد شاركها وائل نفس الوضع للأسف !

لقد كانت تشعر بغرابة تصرفاته..صمته المفاجئ و نظراته التي و كأنما فقدت بريقها فجأة..وائل لم يصدق كذبتها.. و هو محق في عدم تصديقه..لقد كانت تلكٓ المرة الأولى التي يتجرأ لسانها بالكذب على وائل..كانت المرة الأولى التي ينظر وائل في عينيها بذلكٓ الفراغ..لقد كانت نظرة لم يمنحها لها حتى في فترة زواجهما الأولى..حينما كان يكرهها و يلومها بحق..

و كأنه..و كأنه قد سئِم من المطالبة بتفسير منها...و كأنه قد سئم من انتظار ذلكٓ التفسير كما سئم من تصديقها !!

لقد لامس الشكّ فؤاد وائل ليلة الأمس نحوها و هذا... بسببها !!!

إنها حتى لا تفهم السبب الذي جعلها ترتدي حقيبة الأمس نفسها اليوم..هل شعرت بالخوف من احتمالية أن تخطر في ذهن وائل فكرة التفتيش بين أغراضها ؟!..ربما محاولته تلكٓ تمنحه الأجوبة التي لم تتكرم هي بمنحها !

زفرة قوية..غاضبة و يائسة حرّرتها و هي تغمض عينيها إزاء كل تلكٓ الأفكار المتضاربة التي ترفض عتقها..لكنها لم تلبث أن فكّت العقدة عن ذراعيها حيث كانت تقف أمام النافذة الجدارية الكبيرة في مكتبها تتأمل اللا شيء حرفيًا..

ثم عادت تسحب نفسًا عميقًا و هي تفتح عينيها مجددًا بنظرة مصمّمة..لا بأس...لا بأس بكل ذلك إذا كان الأمر سينتهي اليوم..و هو سينتهي اليوم فعلًا..هي...ستنهيه اليوم!

التفتت فجأة مقتربة من حقيبتها الملقاة فوق المكتب إلى أن فتحتها بسرعة ثم فعلت الشيء المتوقع..أخرجت تلكٓ البطاقات ترفعها جميعها في يدها ناظرة لها بقنوط.. قبل أن ترفع الأخرى هامة بتمزيقها..

مزقتها جميعها من المنتصف قبل أن تقترب من سلة المهملات إلى أن ألقت بها هناك بإهمال..ثم عادت تلتفت بحزم أجبرت نفسها عليه مقتربة من مكتبها..و هناك توقفت للحظة تحمل الهاتف حيث شرعت أناملها بسرعة في خط حروف رسالة قصيرة..

" هل يمكنكٓ أن تأتي إلى منزل أبي ؟ أريد التحدث معكٓ في أمر مهم للغاية! "

ابتلعت ريقها ببطءٍ و هي تتأمل رسالتها للحظاتٍ بينما أناملها تتلكؤ فوق زر الإرسال..لكن صوته الذي عاد يتردّد في ذهنها بنفس الإصرار..

" سأسألكِ لآخر مرة ضحى...هل هناكٓ شيء ما تخفينه عني ؟! ربما شيء تودين قوله بشدة لكنكِ لا تزالين تشعرين بالتردّد لسبب لا أعرفه ؟!! "

هو ما منح أناملها التحفيز لأن تضغط الزر...

ثم هدوء تام.. و لحظات قاتمة أخرى من صمتٍ كئيب استغرقتها مع نفسها..قبل أن تزم فمها بقوة حينما تلقت إشارة تدل على وصول الرسالة..لكنها لم تجد ما يدل على كونه قد قرأها..

و لم تكُن لتنتظر هذا التأكيد كي تترك الهاتف ملقية به في الحقيبة قبل أن تحمل الحقيبة ذاتها تعلقها فوق كتفها..ثم اقتربت من الباب بسرعة عازمة على التوجه مباشرة إلى منزل عائلتها..

و بعد دقائق معدودة..كانت تدفع الباب متقدمة نحو الداخل بهدوء..إلّا أنها تفاجئت بمجرد اقترابها بضعة خطوات من غرفتها الأرضية بمجد..و ذلكٓ الأخير كان ينزل الدرجات الطويلة بشكل بديهي..

لولا أنه توقف في منتصف الطريق حينما لمحها..قبل أن يعود ليتم طريقه لكن بخطواتٍ أصبحت بطيئة الآن..و قال أثناء ذلكٓ يلقي ذلكٓ السؤال المزعج نفسه ؛

_ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت ؟!

نظرت له ضحى ببعض القنوط مردفة ؛

_مجددًا هذا السؤال ؟!

كانت نبرتها على غير العادة..تبدو غير مسالمة تمامًا..ثم أضافت تهز رأسها بلا فائدة أمام الصمت الذي قابل مجد جملتها به ؛

_وائل سيأتي بعد قليل..أقول هذا بهدف القول ليس إلّا..

أشاحت بعدها بأنظارها تهم بإتمام طريقها بغير مبالاة.. لكن صوت مجد الذي ارتفع فجأة معقبًا أوقفها ؛

_أنتِ لا تزالين غاضبة مني..أليس كذلك ؟!

زمت ضحى فمها و هي تحدق أمامها بعينين تلونتا فجأة بلفحة من...غضب بالفعل!

حينما استعاد ذهنها موقف ذلكٓ اليوم..و الكلمات التي دارت بينهما..لقد كان مجد قادرًا على تمييز لفحات البرود في صوتها و عينيها في كل مرة خاطبته بعد ذلكٓ اليوم..

مع الوضع في عين الإعتبار أنها لم تحاول أساسًا إخفاء هذا..لكنها لم تحاول إشهار مشاعرها أيضًا و لا مواجهته بها !

ظل مجد واقفًا في نفس المكان..فوق الدرجة الأخيرة ينتظر جوابها..إلى أن التفتت إليه فجأة..ثم فتحت فمها هامسة بنبرة...لا معنى لها !

_من قال بأنني غاضبة منكٓ أساسًا ؟!

تأملها مجد بتمعن للحظات..لكنها هي..تسمرت قليلًا مضيقة عينيها بعض الشيء إزاء تلكٓ النظرة الجديدة التي احتلت عينيه..كانت نظرة...حنان ؟! منذ متى لم ينظر لها مجد بـحنان ؟! منذ متى لم يبتسِم لها ؟!

لم يربت على شعرها ؟! لم يلمِس يدها أو...يضمها!

منذ متى لم تضع رأسها على كتفه و تغمض عينيها بسلام متشربة فكرة أنها تملكُ أخًا بالفعل...مثل يوليا !

إنها لا تحِب أن تعترف بهذا..حتى أمام نفسها لكنها باتت تشعر بأنها فقدته..لقد فقدت مجد حرفيًا منذ أول مرة قرّرت هي فيها الارتباط بوائل ! و كأنه قد وضع الخيار الصارم في يدها قبل أن يدلي بحكمه الظالم في حقها !

إما هو...أو وائل ! إما أخيها الوحيد..أو زوجها ! على الرغم من أن وائل لم يضعها في هذا الخيار أبدًا..و هذه نقطة أخرى تحسب لوائل ضده !!!

انقباض غريب شعرت به يجتاح قلبها..و كأن هناكٓ أنامل عصِية قاسية قد اخترقت قفصها الصدري بهدف واحد.. أن تعتصر ذلكٓ القلب المرهق مطبقة بسيطرة سادية كانت لتحرمها من التنفس..و كادت أن تنجح بإرسال لمعة من التأثر إلى عينيها أمام تلكٓ النظرة التي اشتاقت لها بشدة..

أمام ذلكٓ الإدراك..أن مجد...كان يشبه والدها..لكنه لم يستطع يومًا أن يملأ نصف مكان والدها في حياتها حتى ! هو لم يستطع حتى أن يروي عطشها لاستشعار مواساة...الأخ !

شعرت بتلكٓ اللمعة تتكاثف في عينيها بشدة..حتى أنها أطبقت فمها مع كل تلكٓ الأفكار..و مع كل المعضلات التي تلم بحياتها منذ فترة..و قد زاد الطين بلة صوته الذي ارتفع بنبرة حملت نفس الوميض بعينيه ؛

_ضحى أنا...........

إلّا أنها لم تكن لتسمح له..حتى و إن كان أخيها الوحيد.. حتى و إن كان داخله يضمر لها كل الخير..حتى و مكان عميق بداخلها يجعلها متأكدة بأنه لم يكن ليهمس نفس الكلمات الجارحة لو كان في وضعه السوي يومها..

لو لم يكن مأخوذًا تحت تأثير يوليا..و فكرة انفصاله عن يوليا !

فهي لم تكن لتسمح له..بأن يلخص كل شيء في مجرد... كلمة اعتذار باهتة !

فقالت تقاطعه بصوتها الذي حاولت بكل جهد أن يخرج محملًا بكل الثبات..فقط تجنبًا لأن تنهار هنا..بين أحضانه و على صدره..و ربما تشاركه كل أسرارها بعد أن تبكي طويلًا..لولا أن صوتها أيضًا خذلها..فخرج يحمل كل ضياعها و ألمها و وحدتها..

_رجاءً...مجد !

حينها..تسمر مجد مكانه تمامًا يحدق بها بنظرة لخصت كل شيءٍ بالفعل..و كأنها قد سردت له البعض من أسرارها بالفعل..و كأنها قد بكت على صدره طويلًا..و شاركته البعض من وحدتها..و كأنها قد ألقت بكل الكلمات التي تختزنها في صدرها منذ وقتٍ طويل..

كيف طاوعه قلبه أن يتخلى عنها و لو بقلبه بينما كان هو الشخص الوحيد المتبقي لديها !

أن يضعها في ذلكٓ الخيار..ألا يعلم كم كانت بحاجة ماسّة إليه يومها..إنها حتى لم تعد تستطيع عد اللحظات التي انهزمت فيها أمام احتياجها إليه دون أن تجده بجانبها..

باستثناء حضوره البارد من حولها و رابطة الدم التي تجمع بينهما و تضعهما في نفس الخانة أمام الناس !

سمعت صوته يهمس بعد لحظاتٍ طويلة من صمت غريب..صمت غير مألوف فهو دائمًا ما تحدث نيابة عن الجميع و نيابة عنها أيضًا !

همس بها جعل تلكٓ الحاجة الماسة بداخلها..تستيقظ مجددًا..و كأنها قد عادت إلى نفس اللحظة مجددًا..و ها هي ذي تقف في منتصف زفافها بثوبها الأبيض تنظر في عيني أخيها الباردتين مطالبة...بمجرد عناق صغير يخفّف عنها وطأة ما هي مقدمة عليه !

لكن مع فرق وحيد..أنها لم تعد هي الطرف الذي يطالب بذلكٓ العناق بعد...ليس لأنها لم تعد في حاجة له..بل لكونها قد سئمت المطالبة به !

_هل يمكنني أن أضمكِ قليلًا على الأقل ؟! أشعر بأنني في حاجة لهذا !

الآن كان دورها هي لتتجمد تمامًا..بينما قفزت دمعة لم تملك أمر منعها لتلامس جفونها ثم تلامس عيني مجد.. ثم فتحت فمها تزامنًا مع تلكٓ الخطوة التي اقتربها منها لتهمس الآن بنبرة زادت اختناقًا ؛

_لا يمكنك !

إلّا أن مجد لم يتراجع..مجرد أن توقف للحظة واحدة ينظر لها بتلكٓ الطريقة التي بدأت تساهم في استفزازها.. كما فاقمت من سوء وضعها..ففتحت فمها مكرّرة حينما تقدم خطوة أخرى سمعت صداها بوضوح..

_لا يمكنكٓ مجد..أخبرتكٓ لا يمكنك........

رفعت يدها تشير إلى الباب مضيفة بصوتٍ شرع ينهار ببطءٍ كعبراتها التي شرعت تتساقط واحدة تلو الأخرى بنفس التأني..و كأن العالم بأكمله اتفق على معاقبتها.. على إضعافها و تحطيمها..

_الشيء الوحيد الذي أريده منك الآن هو أن تغادر.. رجاءً..لدي ما سأتحدث به مع وائل..........

صمتت فجأة حينما توقف مجد أمامها..و قد شعرت بطريقة ما بأنه قد قطع تلكٓ الخطوات بلمح البصر و وصل إليها رغم أنه كان يسير بكل هدوء..نظرت له تزم فمها..غالبًا..تحاول أن تعتمد طريقتها الفاشلة كليًا أمام الجميع في التظاهر بعكس ما تشعر به..

_مجد...... !

همست فجأة بنبرة حملت بعض الإنفعال..و كأنها كانت تحذره من أن يقدم على تلكٓ الخطوة..لا يمكنه أن يضمها الآن..ليس اليوم..ليس و قد استجمعت كل طاقتها بصعوبة فقط كي تتمكن من النظر في عيني وائل و البوح بالحقيقة..

و الأهم...ليس بعد فوات الأوان !!!!

إلّا أن مجد..لم يبدو و كأنه قد سمعها..و حتى لو سمعها فلم يبدو و كأنه قد يصغي إليها !

لا يعلم ما الأثر الذي خلفه في قلبه حواره ليلة الأمس مع ميرنا..لكنه يعلم بأنه يشعر بنفسه مختلفًا بطريقة غريبة منذ أن سمع قصتها الغريبة تلكٓ مع والدها..و استعاد عقله أحداثًا لم يظن بأنه لا يزال يتذكرها حتى من الماضي !

و أكثر ما يعلمه الآن..و يدركه...بأن ضحى..أخته الوحيدة لم تستحق منه كل تلكٓ الكلمات..لقد كان رجلًا نذلًا..يعلم هذا..لكنه ليس رجلًا يتخذ من معضلاته ذريعة لتفريغ شحنات غضبه المكبوتة في أقرب المقربين إليه !

أو على الأقل..ليعترف...بأنه لا يريد أن يكون هذا الرجل بعد الآن !!

امتدت يده فجأة يربت بها على وجنتها برقة..و انحرف إبهامه يمسح أثر دمعة حزينة من فوق خدها..قبل أن يرفع الأخرى أيضًا..لا لشيءٍ إلّا..ليجذبها إليه برفق إلى أن ارتاح رأسها على صدره..و أغمض هو عينيه بقوة و هو يضمها بقوة شديدة..

بينما تسمرت ضحى تنظر بعيدًا..بعيدًا جدًا بعينيها المتسُعتين..قبل أن تقرّر بكامل إرادتها..أن تطبق رموشها..قبل أن ترتفع ذراعاها تبادله هذا العناق بتردّد أولًا..ثم...بقوة شديدة !

أطبقت عينيها بعدها أكثر و هي تستشعر تلكٓ الدموع الجديدة التي لم تتوقف عن الانسياب..لكن بوتيرة أقل من السابقة الآن..بينما عادت أنفاسها التي كانت تختنق في صدرها قبل قليل لتستعيد وتيرتها تدريجيًا..

قبل أن تسمع صوت أخيها..يهمس في أذنها بنبرة خرجت حنونة للغاية..تمامًا كنظرته قبل قليل..و كالطريقة التي تحركت بها أنامله على ظهرها مربتة بهدوء..

_أعتذر... ! لقد...تهورت بشدة و قلت أشياء سخيفة للغاية !

شعر بأنفاسها المكتومة في كتفه و التي تباطئت وتيرتها أكثر..فهمس يشدّد من احتضانها أكثر و أكثر ؛

_لم يكن يجدر بي قول كل ذلك..لم يكن هذا صائبًا..أنا آسف للغاية ضحى......سامحيني !

و كأنها..و كأنها قد حصلت على تلكٓ التربيتة التي كانت بحاجة إليها اليوم..تحديدًا قبل مواجهة وائل..كانت تجاهد نفسها بحزم كي تمنع صوتها من الارتفاع..إلّا أنها عجزت في النهاية..و لم تشعر بصوتها الذي ارتفع فعلًا تهمس بنبرة حملت نوعًا من...اللوم !

_لماذا لم تعد تهتم بي مجد ؟!..لماذا لم تعد تضمني ؟! كما يهتم وائل بيوليا..كما يضم وائل يوليا... ! ألا تعلم كم أنا..بحاجة ماسّة لهذا...... ؟!!!

دمعة جديدة انسابت ببطءٍ من عينها اليمنى..بينما ارتفع صوت مجد يحمل بعض...التهدج الذي بدا غريبًا حين اقترانه به !

_لماذا لا تضمينني أنتِ ؟!!!

ابتسامة ساخرة دامعة افترت بها شفاهها..حينما همست بنبرة تحمل نفس العتاب السابق ؛

_و كأنكٓ تسمح لي !

ابتسامة تكاد أن تكون مماثلة احتلت ملامح مجد.. ابتسامة لا تمُت للسعادة بأيّ صلة..لكنها دافئة بشكل خاص..قبل أن ترتفع أنامله إلى أن أصبح يقبض على كتفيها الآن..

دفعها برفق إلى أن أصبح ينظر في عينيها..و حينها ققط..همس بنبرة خرجت مختلفة عن كل نبرة خاطبها بها يومًا..همس بينما ينظر في عينيها و يطوق وجهها الحزين بين يديه ؛

_أعدكِ..بأنني سأحتضنكِ كثيرًا بعد الآن !

الآن اتسعت ابتسامة ضحى الحزينة بقدر ضئيل..و صمتت لثوانٍ..قبل أن تفتح فمها هامسة فجأة بنبرة بالكاد استعادت سطوتها ؛

_شيءٌ آخر !

نظر لها مجد باهتمام..فقالت ترفع حاجبًا واحدًا كشخص يملي شروطه الواضحة قبل التوقيع على صفقة مهمة للغاية ؛

_وائل يمكنه أن يأتي إلى هنا و يذهب في الوقت الذي يريد !

و كأنها قد ألقت بتعويذة سحرية جعلت تلكٓ النظرة تختفي..و أسقط مجد يديه من على وجهها متأفّفًا بضيق حقيقي ؛

_إذا كان هناكٓ شيء واحد يمنعني من احتضانكِ فهو هوسكِ بهذا الغبي !

_مجد !!!!

نادت بصرامة بالكاد لائمت صوتها الضعيف..فزفر مجد بانفعال و هو يقول هاتفًا على مضض ؛

_حسنًا حسنًا و كأنني أملكُ صلاحية الاعتراض أساسًا.. إنه يأتي و يذهب كما يشاء و منذ وقتٍ طويل أيضًا !

قالت ضحى بنبرة خرجت باترة كالسيف و قد بدت و كأنها تحاول استفزازه فقط ؛

_لا يمكنكٓ أن تمتلكٓ الصلاحية أساسًا..هل تعلم لماذا ؟ لأن هذا البيت لا يعتبر بيت زوجته فقط بل بيت عمته أيضًا !

قال مجد يجيبها على مضضٍ ؛

_و التي تكون أمي بالمناسبة !

إلّا أنها فقط رفعت حاجبيها معقبة ببساطة ؛

_هذا لا يغير أيّ شيء !

الآن زم مجد فمه ناظرًا لها بغيظ..قبل أن يلتفت فجأة يتجه إلى الباب..حينها فقط..كانت تتحرّر ابتسامة حنونة لونت عيني ضحى فقط..و هتفت تشاكسه أكثر ؛

_إلى أين ؟!

قال مجد بدون أن يلتفت إليها ؛

_سأغادر..ألم تقولي بأن لديكِ ما تتحدثين به مع السيد المحترم ابن خالنا و شريكنا في السكن !

كانت واحدة من اللحظات النادرة التي يفقد فيها مجد أعصابه بهذا الشكل..

و التي يبدو فيها..لطيفًا بهذا الشكل !

راقبته ضحى متنهدة إلى أن وصل إلى الباب و همّ بفتحه..إلّا أنه عاد و توقف في اللحظة الأخيرة..قبل أن يلتفت إليها مجددًا..ثم قال بما جعل ابتسامتها تتلاشى تمامًا حينما استعاد عقلها هدفها الأساسي من المجيء إلى هنا اليوم..

_إذا عدت و لم أجد المعتوه هنا فسأضمكِ مجددًا !

لم يكن هناكٓ أيّ تفسير محدّد يشرح سبب قوله لهذه الجملة..ربما أراد دفعها للابتسام مجددًا..و ربما أراد أن يؤكد وعده السابق لها بأنه سيبدأ باحتضانها كثيرًا بعد الآن..و ربما...تكون قد خطرت الجملة في ذهنه فلم يرِد الاحتفاظ بها..

بما أنه كان مثلها..يشاركها نفس الحاجة الماسة للعناق !

غادر بعدها مغلقًا الباب بهدوء..و فقط...انتشر صمت كئيب في المكان..و تلاشت كل التعابير من ملامح ضحى و هي تتراجع ببطءٍ مقتربة من غرفتها..ثم من نافذة الشرفة الكبيرة حيث توقفت تنتظر مجيء وائل بـ..قلق فقط!

_______________________________

_أنا أمام الباب..افتحي..

كان هذا صوت يوليا التي قالت تخاطب صديقتها أسيل في الهاتف..تلكٓ التي وقفت فجأة حيث كانت تجلس بجانب عمر..لكنها اضطرت لتركه مقتربة من الباب الخاص بغرفته هنا في منزل عائلتها..

تقدمت بسرعة متخطية الباب الداخلي ثم الحديقة حيث كان يجلس والدها تراقبه الفتاة المكلفة بالاهتمام من على بعد مسافة أمتار..لتقترب من الباب الرئيسي إلى أن فتحته بدون أن تنزل الهاتف من أذنها..

و كما توقعت تمامًا فقد اصطدمت أنظارها بملامح يوليا المبتسِمة بلطف..حينها فقط و ما إن رأتها كانت تسقط الهاتف..ثم اقتربت منها لتحاوطها هامسة بتنهيدة ارتياح ؛

_رباه..سعيدة لأنكِ استطعتِ المجيء !

بادلتها يوليا العناق بهدوء..قبل أن تبتعد قليلًا سائلة باهتمام ؛

_أين هو الشقي الصغير إذن ؟!

تراجعت أسيل قليلًا مفسِحة لها المجال للدخول..و قد تقدمت يوليا فعلًا تهم باللحاق بها إلى داخل المنزل..إلّا أنها توقفت في منتصف الطريق حينما لمحت المالك الأصلي لاسم عمر يجلس في الحديقة..

كان والد أسيل يجلس بهدوء تام..ساهم في الفراغ بعينيه الضائعتين كما العادة..و بما أنها كانت تحِب هذا الرجل منذ أول مرة عرفتها عليه أسيل..فقد التفتت قليلًا منحرفة عن طريقها إلى أن توقفت أمامه..

ثم انخفضت تجلس القرقصاء أمام مقعده هامسة ؛

_مرحبًا عمي عمر..هل تذكرتني ؟!

أسقط السيد عمر عينيه مباشرة لينظر لها..و قد بدت ملامحه فارغة للحظاتٍ و كأنه لم يرها..لكنها علمت بأنه رآها بالفعل..بل و سمع صوتها حينما رأت بقلب سعيد تلكٓ الابتسامة التي أخذت تكتسِح ملامحه ببطءٍ..

قبل أن يفتح فمه هامسًا بمودة ؛

_بالطبع أتذكركِ..أنتِ صديقة ابنتي أسيل...

اتسعت ابتسامتها أكثر بسعادة لطالما اقترنت في قلبها بهذا الرجل..و بعائلة أسيل ككُل..و على ذكر هذه الأخيرة فقد كانت قد توقفت في منتصف الطريق حينما لاحظت بأن يوليا لم تعد تلحق بها..

قبل أن تلتفت بشكل بديهي مقتربة منها و هي تراها تجلس جلستها المعتادة أمام والدها..كطفلة صغيرة تلقي تحية شغوفة على أفضل فرد من عائلتها !

_و ما هو اسمي إذًا ؟!

سمعت هذا السؤال يطرح من طرف يوليا..بنفسِ النبرة التي تحمل حماسًا يفوق الحدود..فابتسمت هي الأخرى متنهدة و هي تقول معقبة قبل أن يتسنى لوالدها الرد ؛

_ما الذي تسألينه إياه بالضبط يا حمقاء ! إنه يتذكرك أكثر ممّا يتذكرني أنا شخصيًا !

لم تولي يوليا انتباهًا لتعقيبها..باستثناء نظرة جانبية لا مبالية منحتها لها قبل أن تعود لتنظر في نفس المكان منتظرة سماع الرد..و قد جاءها الرد فعلًا..ليس كما تنبأت أسيل..

_ليلى ؟!

فبهتت ملامحها قليلًا و انعقد حاجباها بنظرة شبه عابسة..و همّت بأن تقف لتستأنف طريقها نحو المنزل بعد أن تقدم له عبارة امتنان خالصة و ابتسامة أخيرة..

لكن ضحكة تحرّرت من بين شفاه والد أسيل حالت دون ذلك..فنظرت له مجددًا و هي تسمعه يقول مصحّحا بنبرة قد يظن شخص لا يعرف مرضه عن قرب بأنها نبرة شخص سليم بالفعل ؛

_لا تعبسي فورًا لقد عرفتكِ.......

نظرت له يوليا باهتمام..فأضاف أمام تعابير الترقب على ملامح أسيل و ملامحها ؛

_أنتِ يوليا... !

و كأنه قد منحها هدية غالية المكانة لا الثمن..عادت ابتسامتها تتألق أكثر من السابق الآن..قبل أن تلتفت قليلًا تنظر لأسيل التي اتسعت ابتسامتها بإيثار..و قد كانت لتتسع أكثر لولا أن ارتفع صوت يوليا مشيرة إليها ببعض المكر المتعمد ؛

_و تلك ؟!!!

نظر السيد عمر لابنته فعلًا باهتمام..و نظرت له أسيل رافعة أحد حاجبيها بجذل..قبل أن يعيد أنظاره إلى يوليا مردفًا بغير مبالاة ؛

_هذه لا أعرفها..لكنها تشبه زوجتي آسيا كثيرًا...هل تعرفينها أنتِ ؟!!!

زمت أسيل فمها قليلًا تهز رأسها مردفة بإحباط شعرت به يوليا حقيقيًا لسبب ما رغم الابتسامة التي لم تفارق ملامحها التي لاحظت شحوبها الطفيف منذ أن أتت ؛

_ماذا أخبرتكِ !

بينما قالت يوليا تمُط شفتيها مخاطبة والدها بنفس النبرة الودودة للغاية ؛

_اممم..ألا يمكن أن تكون ابنتها ؟ بما أنها تشبهها لهذا الحد !

بمجرد طرحها لهذا السؤال..رأت ملامح السيد عمر التي تسمرت قليلًا و كأنه يعجز عن التحرك ما لم يستوعب عقله ما قالت..و قد استوعبه..نوعًا ما...فقد قال فجأة يرفع رأسه نحو أسيل بضياع مألوف جدًا..فقط لكونها اختبرته ألف مرة من قبل!

_أسيل..أسيل..ابنتي الصغيرة أسيل...هذه أسيل ابنتي..... !

نظرة من حنان غير مطوع اكتسحت ملامح أسيل و هي تتأمل والدها من نفس المكان..بينما تنهدت يوليا و هي تتحرك أخيرًا إلى أن عادت تقف و لا تزال محتفظة بابتسامتها كما كانت..

رمقتها أسيل بنظرة دافئة تشاركها ابتسامتها المتسعة.. قبل أن تقترب من والدها تحثه على الوقوف متمسكة بيديه ؛

_أنت تبدو متعبًا..دعني أدلكٓ على غرفتكٓ لترتاح قليلًا..

استجاب لها والدها بكل رحابة..لكنه قال رغم ذلكٓ يسألها بنبرته الثقيلة الضائعة أثناء سيره برفقتها هي و يوليا التي كانت تسِير بمحاذاتها ؛

_هل إلى أمكِ ؟! هل نادتني آسيا ؟!

أومأت له أسيل بهدوء مجيبة بتفهم ؛

_نعم..دعنا لا ندعها تنتظر كثيرًا..

بينما طرفت يوليا برموشها و ابتسامتها تتداعى ببطءٍ.. لقد كان من الممكن لعلاقتها بوالدها أن تكون بهذا القدر من الدفء على الأقل ! فقط..لو كانت تمتلكُ نفس الرفاهية في الإمساك بيديه و احتضانه كلما شاءت..

إنها تكاد أن تشعر بالخجل لمجرد أن تقفز فكرة مثل هذه إلى ذهنها..ما معنى أن يعتري قلبها شعور سخيف بـ... الغيرة من علاقة أسيل بوالدها ! في حين أن هذا الأخير بالكاد يتذكرها !

لكن فكرة واحدة..لطالما جعلتها تقف هذا الموقف..إذا كان والد أسيل لا يزال قادرًا على مدها بالدفء حتى و هو في هذا الحال ! فما ذنبها هي لتحيا مثل هذا الجفاء المؤذي من والدها !!

مع الوضع بالاعتبار كونها تعشق والدها بطريقة غير طبيعية..كما تدرك بأنه يعشقها بنفس الطريقة..لكن منذ متى كان الحُب كافيًا للنمو بأيّ علاقة !

ما نفع الحُب أساسًا إذا لم يجعل حامله يتخلى عن البعض من قناعاته في الحياة..و يتنازل باعتناق قناعاتٍ جديدة لأجل أحباءه !!!

كانت أسيل قد وصلت إلى غرفة والدها..بينما تراجعت هي تتخذ مقعدًا جانبيًا في البهو منتظرة عودتها..إلى أن عادت هذه الأخيرة فعلًا..و قالت مباشرة تحثها على التوجه إلى غرفة معينة ؛

_تعالي !

وقفت يوليا فعلًا مقتربة من الغرفة حيث قادتها أسيل..و هناك..رأت عمر يجلس فوق السرير..قدماه الصغيرتان مفرودتان أمامه بينما هو منسجم كليًا في اللعب ببعض الأشكال الجميلة أمامه..

توقفت أسيل تستند إلى طاولة الزينة بظهرها بينما تقدمت يوليا نحو الداخل أكثر إلى أن جلست في طرف السرير..و حينها فقط..ما إن شعر عمر بتلكٓ الحركة..حتى كان يرفع رأسه بسرعة..قبل أن يقفز بسرعة ليحاوطها بذراعيه الصغيرتين هاتفًا بحماس فاق الحدود ؛

_خالتي يوليا..لقد اشتقت إليكِ !

بادلته يوليا العناق بقوة شديدة و هي تهمس مطبقة عينيها بحرارة ؛

_و أنا اشتقت لكٓ بشدة أيها الشقي الصغير !

ثم ابتعدت قليلًا بدون أن تحرّره تمامًا..و همست تحاوط وجهه الجميل باهتمام بالغ ؛

_كيف حالكٓ الآن ؟!

غالبًا..كانت غايتها الحقيقية من احتضان وجهه هي التأكد من درجة حرارته كما أخبرتها أسيل..و قد شعرت بتعبه فعلًا رغم حماسه الطفولي الطبيعي تمامًا و ابتسامته الواسعة المُشبعة بالاشتياق..

رمقت أسيل بنظرة خاطفة..قبل أن تفتح فمها سائلة بهدوء ؛

_منذ متى و حرارته مرتفعة ؟!

قالت أسيل تجيبها بخفوتٍ و قد بدا بعض القلق جليًا على ملامحها ؛

_منذ أن استيقظ صباحًا..أساسًا لهذا السبب لم أصطحِبه للمدرسة !

أومأت لها يوليا ببطءٍ..ثم قالت تراقب عمر الذي عاد إلى اللعب و كأن أيّ شيءٍ لم يكن ؛

_حسنًا إذًا..مبدئيًا سأدون له دواء خافض حرارة..و في حال لم يتحسن وضعه........

صمتت فجأة..فقالت أسيل تلتقط جملتها باهتمام ؛

_في حال لم يتحسن وضعه... ؟!

قالت يوليا بنبرة حاولت بأمكن ما يكون أن تخرج في غاية التفهم ؛

_حينها..سنقوم بفحص صغير من أجله..

لكن غايتها لم تتحقق تمامًا..و حدث عكس ما تمنت حينما قالت أسيل تسألها بتأهب الـ...قلق !

_فحص ؟!!!

قالت يوليا بجدية و هي ترمق عمر و كأنها تحاول التأكد إن كان يسمعهما أو لا ؛

_فحص صغير أسيل !

ثم نظرت لها سائلة بنبرة طبيبة لا صديقة الآن ؛

_هل هذه أول مرة يحدث فيها هذا معه ؟!

أومأت لها أسيل بالإيجاب..إلّا أن بعض التردّد الذي قفز إلى ملامحها جعل يوليا تحثها بجدية ؛

_أخبريني ؟!

قالت أسيل تعقد ذراعيها بنفسِ النبرة القلقة ؛

_إنه يعاني من الإسهال منذ يومين !

لكن شيئًا من ارتياح دخيل تسلل إلى قلبها و هي تسمع رد يوليا التالي ؛

_لماذا لا تقولين منذ البداية ! ربما يكون هذا هو سبب ارتفاع حرارته !

_حقًا ؟!

سألت أسيل بترقب..فشردت عينا يوليا للحظة بتفكير.. قبل أن تنظر لها مجددًا سائلة ؛

_هل يمكن أن يكون قد تناول شيئًا منتهي الصلاحية في المدرسة ؟ أو في البيت بدون أن تلاحظي هذا ؟!!

نظرت لها أسيل بتشوش مجيبة ؛

_لا أظن !

ثم استقامت قليلًا سائلة بتلكٓ النبرة الأمومية التي لطالما ارتبطت بطفلها...و لطالما أحبتها يوليا!

_الآن أخبريني يوليا..هل عليّ أن أنقله للمشفى ؟!

تنهيدة يائسة قليلًا حرّرتها يوليا و هي تقول مبتسِمة بصبر ؛

_أخبرتكِ لا..ستجعلينه يتناول الدواء الذي سأكتبه أولًا ثم في حال لم يتحسن وضعه حينها نجد حلّا بديلًا !

إلّا أن أسيل بدت أمامها كامرأة متصلبة العقل و هي تقول ؛

_تقصدين بالحل البديل القيام بالفحص..أليس كذلك ؟!!

الآن تأففت يوليا قليلًا و هي تهتف عاتبة بصوتٍ هادئ ؛

_ماذا قلنا أسيل !!!!

تراجعت أسيل قليلًا تنظر لها بغير ارتياح..فاتسعت ابتسامته يوليا قليلًا و همست تتأملها بمحبّة ؛

_هل تعلمين بأنكِ تتحولين إلى امرأة أخرى كلما تعلق الأمر بعمر ؟!!

لم تستغرب أسيل من هذه الجملة..فقد أشاحت بعينيها عن يوليا قليلًا تتأمل طفلها الصغير..ذلكٓ الذي كان قد خلد إلى النوم منذ لحظاتٍ بجانب ألعابه..و قالت تهز كتفيها بجذل ؛

_انتظري أن تصبحي أمّا و حينها ستتعرفين على نسختكِ المماثلة من هذه المرأة التي وصفتها بالـ-أخرى- !

ابتسامة شاردة قليلًا منحتها لها يوليا..بينما تاه عقلها مستعيدة أحداث الأمس..ثم سيارتها التي تركتها أمام منزل نائل ! قالت تخاطب نفسها بصوتٍ ساهم ؛

_عليّ أن أذهب لأستعيد سيارتي !

لولا أن أسيل سمعت هذه الجملة بل و ميزتها أيضًا.. فقالت تعقد حاجبيها قليلًا باستغراب ؛

_سيارتكِ ؟! ألم تأتي بها ؟!!

أجفلت يوليا ناظرة لها بغباء أولًا..لكنها لم تلبث أن هزت رأسها و رفعت يدها إلى طرف جبهتها مجيبة بهدوء ؛

_لا..لقد تركتها ليلة الأمس مرصوفة في مكان ما..كنت سأذهب لأستعيدها الآن لو لم تتصلي بي..

قالت أسيل تلقائيًا و هي تفكّ عقدة ذراعيها متمسكة بيديها بطرف الطاولة وراءها ؛

_لو أرسلتِ أحدًا ليأخذها !

إلّا أن ابتسامة شبه ملحوظة برقت بها عينا يوليا جعلت حاجباها يرتفعان جذلًا..و من ذلكٓ الارتياب بداخلها يزداد نوعًا ما..و قد فاقمته صديقتها الحالمة حينما قالت ساهمة في البعيد..بنبرة مميزة ؛

_لا ،أفضل أن أستعيدها بنفسي !

حينها برزت ابتسامة ماكرة قليلًا في عيني أسيل..و تعمدت أن تلتزم الصمت للحظاتٍ تتأمل فيها تعابير صديقتها بتمعن..إلى أن رفعت يدها تلمِس بأصابعها الرفيعة فمها مردفة فجأة بتفكير ؛

_عمومًا..دعينا من هذا..لقد كنت أريد أن أسألكِ.......

نظرت لها يوليا بالكاد تخفي ذلكٓ البريق عنها..فقالت أسيل بدون أن تختفي ابتسامتها الخفية ؛

_ذلكٓ الرجل الذي رأيناه في المقبرة في ذلكٓ اليوم.......

صمتت فجأة حينما قاطعها صوت يوليا الذي ارتفع بنبرة علمت بأنها لم تكن مقصودة أو مخطّطة ؛

_نائل !!!!

و فقط..تراجعت قليلًا مدركة بأنها وقعت في الفخ.. خاصة و قد استقامت أسيل لتقترب منها تزامنًا مع ذلكٓ السؤال الذي خرج بنبرة...ماكرة !

_آه...هل كان اسمه نائل ؟! لا أعلم كيف نسِيت !

ثم صمتت لوهلة واحدة..و عادت تهمس بينما تقترب أكثر إلى أن جلست بجانبها ؛

_كيف حاله إذن ؟!!!

نظرت لها يوليا عاقدة حاجبيها بشيءٍ من...جزع حينها..و كما توقعت أسيل..فقد قالت تجيبها بنبرة خرقاء لم تخفي توترها ؛

_هل أنا أعيش معه ؟! لماذا تسألينني ؟!!

رفعت أسيل حاجبًا واحدًا تمنحها نظرة مفادها...

" أنا أكشفكِ تمامًا! "

و قد كان دور يوليا الآن لأن تقف مقتربة من طاولة الزينة..ثم قالت تنظر لها عابسة بغير رضا ؛

_ماذا الآن ؟!!

قالت أسيل تسألها مباشرة بنبرة أم تخاطب ابنتها الصغيرة التي ارتكبت مُصيبة ما ؛

_أين تركتِ سيارتكِ ؟!!!

حسنًا..لم يعد هناكٓ مفر !

رفعت يوليا يدها اليمنى تزيح خصلة من شعرها إلى الوراء بتوتر..و تلكأت لوهلة واحدة على نفس النظرة العابسة..لولا أن ملامح أسيل لم تكن تقبل التفاوض.. فقالت تزفر أخيرًا باستسلام ؛

_حسنًا إنها أمام منزله !

فغرت أسيل فمها بدهشة مبالغ بها و هي تقول ؛

_هذا يعني بأنكِ تلتقين به فعلًا !

زمت يوليا فمها بقنوط و هي تشيح بعينيها جانبًا غير قادرة على الإنكار..إلّا أن عيني أسيل تسمرتا قليلًا على التوهج الطفيف الذي احتل وجنتيها..قالت تسألها ببطءٍ ؛

_هل أنتِ معجبة به ؟!

انتفضت يوليا ناظرة لها هاتفة بجزع ؛

_طبعًا لا !

لكنها سرعان ما تداركت نفسها..فقالت تلمِس جانب عنقها ببعض التوتر ؛

_أقصد...ليس بعد !

لكن ما لم تتوقعه أبدًا..هو تعليق أسيل التالي..حينما قالت تتأملها بنفسِ النبرة..لا تزال تتقمص دور الأم الذي يجعلها تتحول إلى امرأة أخرى مختلفة كليًا كما أخبرتها يوليا ؛

_أو ربما...تحِبينه.... ؟!!!!

الآن نظرت لها يوليا بلوم مؤنبة ؛

_أسيل !!!!

لولا أن هذه الأخيرة لم تتراجع أو تتزعزع بندائها..فقد تبسّمت شفتاها أكثر ببطءٍ..ربما الابتسامة الأولى الحقيقية التي ترسمها تلكٓ الشفاه منذ أيام..و كان سببها ردة فعل صديقتها الخرقاء..

و رغم أنها لم تكن تستطيع أن تجزم بأيّ مما قالته..إلّا أن نظرتها الخبيرة تلكٓ لا يمكن أن تخطئ..و هي إن لم تكم مخطئة فعلًا...فيوليا مهتمة بذلكٓ الرجل..لا و ليس اهتمامًا عاديًا..

إنه ذلكٓ النوع من الاهتمام الذي يجعلها عاجزة عن التوقف عن رؤية ذلكٓ الرجل..أو حتى إبعاده عن تفكيرها طوال الوقت..إنه ذلكٓ النوع من الاهتمام الذي يتسرب صاحبه إلى الإنسان فيجعله مجبرًا على التخلي عن البعض من مبادئه...و ربما جميعها !

إنه ذلكٓ النوع من الاهتمام..الذي أجبرها ذلكٓ اليوم على أن توقف السيارة بمجرد انطلاقها ثم تهرع إلى رجل بالكاد تعرف عنه القليل بدون سبب مقنع أو وجيه..و الذي يجعلها عاجزة الآن عن إبعاد تعابير التوتر و التشوش عن ملامحها..

و كأنما تم إيقاعها في فخ غير متوقع..لكنه فخ قوي و متقن إلى درجة الوقوع فيه بكل رحابة !

لهذا نعم..ربما تكون صديقتها قد وقعت في الحُب...و هي حتى لا تبدو مدركة لهذا !!

انتبهت فجأة على تلكٓ الخطوات التي اقتربت بسرعة من الغرفة..فالتفتت لترى...نوران تقف في حاجز الباب المفتوح..قبل أن تهمس بينما تنقل عينيها بينهما بأدب ؛

_سيدة أسيل......

نظرت لها أسيل باهتمام و هي تميز نبرة التردّد الطفيفة في صوتها..فقالت هذه الأخيرة تستأنف بتردّد فعلًا ؛

_السيد إياد جاء..لقد قال بأنه يريد رؤية عمر الصغير لكنه لن يدخل قبل أن تخرجي أنتِ إليه !

اتسعت عينا أسيل قليلًا دهشة و هي تنظر إلى يوليا..تلكٓ التي عقدت حاجبيها سائلة بعدم فهم ؛

_لماذا كل هذه الدهشة ؟ ألم تتصِلي به أنتِ ؟!!

أومأت لها أسيل بالنفي لا تزال نفس الدهشة تكتسح ملامحها..فقالت يوليا تسألها مجددًا بجدية ؛

_ألم تخبريه عن وضع عمر ؟!!

نفس ردة الفعل منحتها لها أسيل و هي تهمس بحيرة ؛

_كيف علِم إذن !!

إلّا أن يوليا قالت بجدية قاطعة بنبرة تشبه التوبيخ ؛

_لحظة لحظة..ما ردة الفعل هذه ؟!! ألم تكوني تريدينه أن يعلم ؟!

لم تستطع أن تفهم تمامًا النظرة التي احتلت ملامح أسيل بعد أسئلتها هذه..نظرة...يأس..أو عجز..و كأنما تعجز عنه فعلًا هو إطلاعها على كمية التعقيدات التي أصبحت علاقتها بإياد تمر منها في آخر فترة !

لكنها استطاعت أن تمنحها العذر على ردة فعلها رغم هذا..فتنهدت بخفوت و هي تقف أخيرًا تهم بالإتجاه إلى الباب..هامسة أثناء ذلكٓ بنبرة بديهية ليوليا ؛

_عمومًا أنا سأخرج إليه و أنتِ ابقي مع عمر في حال استيقظ فجأة..

منحتها يوليا مجرد إيماءة بطيئة على كلماتها..بينما اقتربت أسيل من الباب أكثر هامسة لنوران بهدوء ؛

_لا بأس..يمكنك العودة إلى عملكِ الآن..

___________________________

حينما خرجت..كان أول ما وقعت عيناها عليه هو إياد..و هذا الأخير كان يقف مستندًا إلى سيارته..يتلاعب بمفاتيحها بين يديه بينما عيناه ساهمتان في تلكٓ الحركة..أو بالأحرى...في الفراغ !

تلكأت قليلًا و هي تتأمله من مكانها حيث كانت لا تزال تتمسكُ بمقبض الباب الموارب..لكنها لم تلبث أن أبعدت يدها بتردّد و هي تقترب منه بخطواتٍ ثابثة..إلى أن وقفت أمامه..و حينها فقط كان إياد يرفع رأسه نحوها تزامنًا مع ندائها ؛

_إياد ؟!

نظر لها إياد بنظرة لا تحمل أيّ تعابير أولًا..و انتظرته أن يعقب بأيّ كلمة و هي تراه يستقيم ببطءٍ بدون أن يزيح عينيه عنها..و لا هي فعلت..فقد كان عقلها لا يزال عالقًا في ذكرى الأمس..

و ذكرى تلكُ الليلة يرفض الخروج منها......

_كيف حالك ؟!!!

قالت أخيرًا بعد تردّد طويل..و لأول مرة في حياتها..لا تقابل أيّ رد فعل من إياد على أيّ جملة تلقيها..لأول مرة يخاطبها إياد بتلكٓ النبرة المختصرة..و يمنحها مثل تلكٓ النظرة الخاوية !

_كيف حال عمر ؟!!!

فقط ؟!!!

شعرت بقلبها يهوي ألمًا..انقباض غريب اجتاحها و كان ليقف حائلًا بينها و بين قدرتها على التنفس..و لأول مرة أيضًا...يظهر أثر شعورها واضحًا جدًا في عينيها..فقد بهتت عينيها تمامًا و هي تتراجع قليلًا بملامحها فقط ناظرة له بـ...بصدمة !

لم تدرِ بأن عقله كان عالقًا مثلها في نفس الذكرى..عاجز عقله.لكن عجزه يكمن في كمية الألم الذي زرعتها به ردة فعلها ذلكٓ اليوم..عجزه يكمن في تمسكها المِميت بقرارها الأخير نابذة بذلكٓ عشق سنوات و عشرة طويلة..

عجزه يكمن في ذلكٓ الشحوب الذي استطاع تمييزه بسلاسة في عينيها..في الإرهاق الطفيف الذي لمحه يفترس تلكٓ العينين..و في صوت بكاءها الذي لا يزال يرن في عقله و في قلبه يكاد أن يفقده صوابه في كل مرة يتردّد رغبة في...احتضانها !

ربما..لو كان يملكُ وسيلة تخوله فقدان الذاكرة ! لما تردّد في اللجوء إليها !!!!

استطاع بمعجزة ما أن يبقي على نفسِ الثبات في ملامحه لا عينيه..حينما قال يستأنف متجنبًا عينيها بنفس النبرة شبه...الجافة !!!

_لقد ذهبت قبل قليل إلى مدرسته..كنت أريد رؤيته لكنهم أخبروني بأنكِ قد اتصلت بهم لتعتذري عن مجيئه اليوم !

كانت نبرته تحتوي بعض اللوم..و صمتت أسيل للحظاتٍ تستوعب فيها كل الموقف..لكنها عجزت تمامًا..فقالت تبتلع ريقها تشير إلى المنزل وراءها في حركة لا معنى لها ؛

_إنه...لقد كان مرهقًا قليلًا..أقصد..لقد ارتفعت حرارته قليلًا لكنه نائم و بوضع أفضل الآن..........

صمتت فجأة كشخصٍ يعجز عن إيجاد الحروف المناسبة للتعبير..بينما ظل إياد صامتًا لوقتٍ طويل يحدق بها بنفسِ طريقته الجديدة..غير المألوفة..الـ..قاسية نوعًا ما!

إلى أن قال في النهاية ما جعل وضعها الـ-قلبي- يزداد سوءًا ؛

_لن أسألكِ حتى إن كنتِ تنوين إخباري أم لا..أو من يعلم... رُبما لم تمر الفكرة في ذهنكِ حتى !

همّ بأن يتجاوزها بعدها مقتربًا من المنزل..إلّا أن أناملها التي امتدت بغير إرادتها تتمسكُ بذراعه أوقفته فجأة.. نظر لها بتساؤل جاف..إلّا أنها همست تطرق برأسها قليلًا و كأنها تراقب تلكٓ الحركة..

لكن ما كانت تراقبه في الحقيقة هو شعورها الداخلي.. عجزها التام عن التحكم بنفسها بعد..و عن...النظر في عينيه بعد !

_إياد...رجاءً !

رجاءً ؟! على ماذا ؟!!!

أغمضت عينيها بيأس من نفسها..كشخص نسيٓ الطريقة المثلى للتحدث بعد أن كان أيقونة في إلقاء الخطابات !!

بينما تسمر إياد ينظر لها ببعض..الدهشة ! و لم يستطع أن يمنع صوته الذي ارتفع هامسًا الشيء الوحيد الذي خطر في ذهنه الآن..همس بنبرة لانت...قليلًا فقط !

_أستطيع أن أعد المرات التي نطقتِ فيها تلكٓ الكلمة !

إلّا أنها لم ترفع أنظارها نحوه رغم ذلك..فقد زمت فمها قليلًا ببعض التردّد..قبل أن ترفع رأسها صوبه أخيرًا..و قالت تهمس بما توقع سماعه نوعًا ما ؛

_تلكٓ الليلة..........

استطاعت أن تميز نظرة الرفض التي ظهرت في عينيه.. حتى أنه فتح فمه يهم بمقاطعتها فعلًا معترضًا على أيّ محاولة منها لفتح الموضوع المقيت..لولا أن هتفت هي تقاطع تلكٓ الرغبة ؛

_اسمعني فقط...أرجوك !!

كانت نبرتها تحتوي نوعًا من...الندم ! أو الإعتذار !!!

و وجد إياد نفسه يتسمر تمامًا مستشعرًا مدى جدية الموضوع بالنسبة إليها..قبل أن يتراجع نفس الخطوة التي ابتعدها قبل قليل فحرّرت أسيل ذراعه تلقائيًا..و توقف هو يستند إلى سيارته مجددًا..ينظر في عينيها بملامح استعادت تعابيرها المعتادة بالكاد..

قبل أن تبتلع ريقها ببطءٍ..ثم عادت تهمس بنبرة حاولت أن تمدها بقوتها المعتادة...لكن عبثًا أن تنجح!

فقد خرج صوتها يحمل أطيافًا من شعورها الداخلي في تلكٓ اللحظة ؛

_ما حدث في تلكٓ الليلة..لم يكن ذنبك..و لم يكن ذنبي أنا أيضًا........

رباه..كيف زادت الطين بلة !

نظر لها إياد عاقدًا حاجبيه و كأنه يستنكر استعمالها لكلمة "ذنب" أساسًا !

إلّا أنها سرعان ما استأنفت أمام عينيه بجدية..بصِدق ؛

_و دعني أقول الصدق...هو لم يكن ذنبًا أساسًا !

أسدلت رموشها قليلًا عنه و هي تلتزم الصّمت للحظات.. ثم لم تلبث أن هزت رأسها في حركة تكاد أن تكون عديمة المعنى و هي تضيف بخفوتٍ ؛

_و إذا كنت ستسألني إن كنت نادمة أم لا..فسأجيبكٓ بكل صدق و أمانة بأنني..لست.........

رفعت رأسها تقابل عينيه مجددًا..و استأنفت بنبرة خرجت ثابثة كليًا الآن ؛

_أنا لستُ نادمة إياد !!

أومأت ببطءٍ و كأنها تؤكد شيئًا مجهولًا مردفة ؛

_في الحقيقة أنا...كنت في حاجة ماسة لهذا !!

طرفت برموشها ببطءٍ..و شعر إياد الذي كان يراقبها طوال الوقت بتركيز شديد..يستمع إلى صوتها الذي يخرج بهذه النبرة المسالمة في لحظة نادرة..و يشعر بقلبه الذي مزقته ردة فعلها ذلكٓ اليوم..يستعيد القليل من الحياة !..

يأنها تكتم بصعوبة دمعة...أو اثنين !!

لكن حتى محاولتها باءت بالفشل..و راقب بعينين مترقبتين لكل تعابيرها تلكٓ اللمعة التي احتقنت بداخل حدقتيها الفيروزيتين الداكنتين..

حينما همست تخاطبه بنبرة يعرفها..نبرة زوجته أسيل التي يعرفها منذ ست سنوات..زوجته التي لا يهون عليها أن تنظر له بذلكٓ الخواء و كأنه شخص لا تعرفه..همست بصوت شبه...مختنق !

_لا أعرف ما الذي دهاني بعدها إياد..لكنني...خفت!..لقد انتابني الخوف..خفت أن..أضعف..أن..أفقد نفسي و أنهار أمام تلكٓ المشاعر القوية التي اجتاحتني ليلتها..شعور كنت قد ظننت بأنني على وشكِ تجاوزه..لكنني علمت كم كنت ساذجة في ظني بعد تلكٓ الليلة..كما أنني..........

صمتت فجأة..فقال إياد يحُثها برفق الآن ؛

_كما أنكِ ؟!!

كانت هناكٓ نظرة...دافئة قد احتلت عينيه و استطاعت أسيل أن تلمح أثرها في صوته أيضًا..فشعرت بقلبها الذي ناشد الحزن الشديد لأيام..يختلج قليلًا ببعض...الرضا!

ثم همست تهز كتفيها بصدق ؛

_شعرت بالإحراج !!!

حينها فقط..لمحت ابتسامة..كانت ابتسامة حقيقية تشكلت بتأني في عيني إياد و انتقلت إلى شفتيه أيضًا اللتين ارتفعت أطرافهما قليلًا يمنحها هدية دفعتها لأن تقابلها بـ..ابتسامة باهتة قليلًا ! لكنها مشبعة بالرضا !!

إلى أن قال إياد بعد لحظاتٍ يلقي بسؤال لا ينفكّ يخطر في باله منذ فترة..تحديدًا منذ أن أطلعته على قرارها الصادم بالإنفصال..

_هل...ذلكٓ الشيء الذي ظننتِ بأنكِ تجاوزته هو...حُبكِ لي ؟!!!

تلكٓ النظرة البالغة الذهول التي منحتها له بعد هذا السؤال أرسلت شعورًا قويًا بـ...سعادة غير مطوعة إلى قلبه..بينما قالت أسيل ترد في نفس اللحظة و بنبرة لا تقبل النقاش ؛

_قطعًا لا !!!!

تراجع إياد قليلًا شاعرًا بالابتسامة تتسرب من قلبه مباشرة..بينما تلكأت أسيل قليلًا..و ساد بعض الصمت بينهما من طرفها هي حصرًا..إلى أن فتحت فمها مردفة بجدية ؛

_ما يجب أن تعرفه و تكون متأكدًا منه..هو أن قراري بالإنفصال عنك لم تكن له أيّ علاقة بالحُب !

لفحة من...حزن أو إقرار ظهرت في عينيها و هي تهمس بخفوتٍ..تسدل رموشها قليلًا عنه و كأنها تحاول أن تقي نفسها من احتمالية الوقوع ضحية ذلكٓ الضعف الذي أخبرته عنه ؛

_أنا..لا يمكنني أن أتوقف عن حبكٓ إياد..تلكٓ حقيقة لا أستطيع إنكارها..لا يمكنني أن أرتبط بغيركٓ أيضًا.......

رفعت عينيها تمنحه عينيها للمرة الألف رُبما في نفس اللحظة..بينما برقت عينا إياد بشدة..يشعر بأنه في حلم غريب..هل يمكن أن يكون في حُلم بالفعل ؟!!!

لا..لا يمكن أن يكون حلمًا..هل كانت خفقاته لتتضارب بهذا الشكل الهستيري لو كان حلمًا !

استطاع أن يتأكد بأنه ليس في حلم بالفعل..حينما امتدت يدها فجأة نحوه و...منحته لمسة..كانت لمسة دافئة للغاية فوق يده..

قبل أن ترفع تلكٓ اليد تتمسكُ بها فعلًا..و قالت بجدية أكبر..لكن بنفسِ النبرة المسالمة ؛

_أنا لا يمكنني أن أفعل بنا هذا إياد..و لا أريدكٓ أن تفعل.. لقد اتخذت قرار الإنفصال نعم...لكن غايتي الحقيقية لم تكن تدمير هذه العلاقة..بل إنقاذ الشيء الجميل الوحيد الذي تبقى منها !

استطاع إياد أن يفهم تلقائيًا مغزى جملتها الأخيرة..ما تقصده بالـ-شيء الجميل الوحيد الذي تبقى منها-..من علاقتهما..عمر..........

_عمر ؟!!!

همس فجأة يكمل عنها ببعض الإحباط..فأومأت له أسيل بجدية..تحاول أن تنتقي كل كلمة تقولها بعناية فائقة..و تحاول أن تمنحه ذلكٓ الحافز الذي قد يجعله يتفهم موقفها و لو قليلًا !!!

و قد همست بالفعل..همست بهدوء بالغ بدون أن تحرّر يده ؛

_لقد طلبت مني في المرة الماضية أن أتحدث إلى المحامي لتحديد موعد قريب لأجل الطلاق.........

نظرة ترقب واضحة اعترت عينيه في هذه اللحظة..إلّا أنها استأنفت فقط بخفوتٍ ؛

_لكنني لم أفعل..و لا أفكر في أن أفعل أساسًا !

صمتت قليلًا..فهمس إياد يميل برأسه إلى الجانب قليلًا بخفوتٍ ؛

_لكنكِ لا تفكرين في التراجع !!!

حينها كان دور أسيل لأن تميل برأسها قليلًا..و همست بآخر ما توقع سماعه..همست بدون أن تفارق عينيه أو يده بنبرة تشوبها نفس الجدية السابقة و إن كانت قد لانت بعض الشيء ؛

_لا أفكر.......حاليًا !!!

طرف إياد برموشه ينظر لها بدهشة فاقت حدود الدهشة..و كان ليجزم بأنه يتخيل بالفعل..لولا أن تلكٓ النظرة في عينيها كانت تؤكد ما سمعه..حاول لمراتٍ متتالية أن يتحدث..لكنه كان يعجز في كل مرة..

ثم ما إن استطاع أن يتمالكٓ نفسه قليلًا..همس يسألها بتلعثم ؛

_حـ...حقًا ؟!!!!

كانت أسيل قد شعرت بأنامل يده التي تحركت تتمسكُ بيدها أكثر..كما استطاعت أن تستشعر تلكٓ الارتعاشة الطفيفة بها..ارتعاشة تكاد أن تكون مماثلة لتلكٓ التي احتلت قلبها..

لم تكن تستطيع أن تجزم بأن ما تفعله الآن صائب أم لا.. إن كانت ستندم أم لا على مجرد خطوة صغيرة تراجعتها مبتعدة بذلكٓ عن الصّواب الوحيد الذي كانت تراه حتى قبل أيام معدودة..

لكنها تعلم شيئًا واحدًا..هو ذلك الشعور القميء..المرعب الذي اكتسحها في تلكٓ اللحظة..حينما فتحت الباب لتقابل تلكٓ النظرة الباردة..الجافة في عينيه..

ثم صوته الذي لا يزال وقعه حيًا في قلبها بينما يقاطع رغبتها في الشرح..ثم يعلن موافقته الصريحة على انفصالهما..بل و يأمرها بأن تقربه ناسفة بذلكٰ كل شعور جميل مر بينهما يومًا..

صمت طويل ساد من طرفها بعد ذلكٓ السؤال..ثم كانت تفتح فمها لتمنحه إجابة...ليست نزيهة تمامًا !

_حسنًا!..بما أن القاضي قد وضع لنا مهلة محدّدة فدعنا نلتزم بها !

اتسعت ابتسامة إياد بقدر ضئيل و هو يتأملها بشعور دخيل من سعادة لم يختبرها منذ وقتٍ طويل..ثم قال يرسم نظرة..شبه عابثة في عينيه !

_و ربما نستغل عمر أيضًا و ننضم بعض اللقاءات العائلية !

نظرت له أسيل حينها بيأس..و كأنها تذكره بجملة صارمة قالتها له قبل فترة حيال استغلاله لعمر..إلّا أنه فقط رفع يده الوحيدة الحرة في وضعية الاستسلام..و همس يضيف معقبًا بأدب بالغ ؛

_ألم تقولي بأن علينا احترام قرار القاضي !!

حاجب واحد ارتفع في وجهها محدقة به بجذل..فقال يضيف بنزاهة كاذبة كليًا ؛

_و هذا أيضًا يندرج ضمن قراراته الصارمة ! و إلّا لماذا يمنحنا مهلة للصلح ؟! أساسًا كيف سنحظى بتلكٓ المهلة لو لم نجتمع إطلاقًا ثلاثتنا سويًا كعائلة ؟!

لم تستطع أسيل أن تمنع نفسها في تلكٓ اللحظة من أن ترسم ابتسامة..ابتسامة جميلة رغم هدوءها..و قالت تسمح لنفسِها بصرامة عاطفية بأن تمنحه تلكٓ النظرة الـ.......عاشقة ؟!!

_أنت تستغل عمر بالفعل !

و حرفيًا..كانت المرة الأولى التي لا تضايقه جملة كهذه.. فقد قال يقترب منها قليلًا فقط بوجهه..حريص على أن يلتزم بحدود الأدب التي وضعتها له...زوجته !

إنها لا تزال زوجته حتى اليوم رغمًا عن أنفها و عن أنف الجميع !

_أستغله لصالح والده و والدته..و لصالحه هو شخصيًا !!

كانت قد اتسعت ابتسامته تزامنًا مع نطقه لهذه الكلمات.. و اتسعت ابتسامة أسيل بقدر ضئيل..فبدت كانعكاس جميل له..إلى أن قال في النهاية بصوتٍ تداعى منه ذلكٓ الحماس السابق نسبيًا ؛

_هل يمكنني أن أدخل لرؤية عمر الآن ؟!!

أومأت له أسيل بشرود و ابتسامتها تتداعى ببطءٍ..فتسمر للحظات ينظر لها بتفكير..ثم قال بترقب ؛

_حسنًا هل يمكنني أن أمسكٓ بيدكِ أثناء طريقنا نحو المنزل ؟!!

هل كانت مخطئة حينما وصفته بالمستغل ؟!!! قطعًا لا !!

للمرة الثانية في نفس اللحظة..و للمرة التي لا تذكر خلال دقائق تومئ له ببطءٍ..ثم أخفضت رأسها قليلًا تراقب يده التي امتدت بغير تردّد تحتضن أناملها باحتواء بالغ..و بـ.. تملكٍ بالغ !!!

هزت رأسها قليلًا تحاول أن تطرد أيّ فكرة تقفز إلى ذهنها بغاية إثناءها عن كل ما دار بينهما هنا اليوم..من ضمنها أيضًا تلكٓ الحقيقة المطلقة التي لا تملكُ أمر إنكارها..

و هي أن إياد كان يمتلكُ هاجسًا مجنونًا لـ..حمايتها من العالم ! و للاحتفاظ بها لنفسِه !!!

ربما لو استطاع أن يحميها من نفسه قليلًا !! ما كانت علاقتهما لتصِل إلى هذا المآل !!!!

سارت بجانبه بهدوء لا تزال تراقب ذلكٓ التلامس..ليس و كأنها زوجته منذ خمس سنوات..و حبيبته قبلها بسنة !

من يعلم..ربما لم يكن قرارها خاطئًا لذلكٓ الحد !!!!

لم تعلم بأن إياد كان يتأملها هي طوال الوقت..يتأمل ملامحها الجميلة الشاردة..و قد عادت ابتسامته الجميلة لتخط ملامحه بتأني شديد..قبل أن يلتفت فجأة حينما تناهى إلى مسامته صوت خطوات تقترب منهما..

و وقعت عيناهما مباشرة على يوليا التي كانت تقترب منهما بهدوء..لكن حتى ذلكٓ الهدوء تحول إلى ذهول بالغ حينما وقعت عيناها على أناملهما المتشابكة بينهما..و استطاعت أن تلمح بسهولة طيف الابتسامة الذي كان يخط ملامحه..و السلام الذي كان يكتنف ملامح أسيل..

فتوقفت في منتصف الطريق تنظر بينهما بغباء..حتى أنها هزت رأسها قليلًا و أغمضت عينيها لوهلة قبل أن تفتحها مجددًا تراقب اقترابهما و كأنها ترى مشهدًا خياليًا من عالم آخر..

إلى أن وصلا إليها..و تسمرت عيناها تحدق بأسيل عاقدة حاجبيها بشدة..تلكٓ الأخيرة التي رسمت ابتسامة متردّدة غالبًا كانت غايتها منها أن تتلافى نظرة الاحراج الطفيف التي احتلت ملامحها..

_مرحبًا يوليا..كيف حالكِ ؟!!

سمعت صوت إياد يهمس بلطفٍ بالغ..فنقلت عينيها المشوشتين المتبلدتين إليه ببطءٍ..ثم قالت تخاطب البريق المتألق في عينيه بنبرة متبلدة بالفعل ؛

_مرحبًا...كيف حالكٓ أنت ؟!!!..

ثم أضافت تعقد حاجبيها أكثر قبل أن تسمح له بالرد ؛

_تبدو سعيدًا !!!

لم يستطع إياد أن يمنع ابتسامة جديدة من أن تتألق على ملامحه أمام تعابيرها التي تعتبر طبيعية تمامًا..إنه لا يستنكر حتى أن تتهمهما بالجنون..أو...تتهم صديقتها حصرًا بالجنون بما أنها تعرفه بشكل جيد كفاية كي تعلم رأيه في قرار أسيل المجنون !!!

_ربما لأنني سعيد بالفعل !

قال يجيبها ببساطة..بتلكٓ النبرة المألوفة التي لطالما خصّها بها..فلطالما كانت علاقتهما أعمق من مجرد زوج يخاطب صديقة زوجته..

لقد كانت أشبه بصداقة نقية و حقيقية..يعزها كما تعزه.. و يحترمها كما تحترمه !!

أشاحت يوليا بوجهها عنه قليلًا تتأمل صديقتها بجذل..و قد شعر برغبة في الضحك الآن لا الابتسام فقط و هو يرى الطريقة التي كانت تتجنب فيها أسيل عيني يوليا..و كيف تحركت أناملها بين أنامله و كأنها تود أن تنتزعها منه تلكٓ الخائنة !

لولا أنه تمسكٓ بها بشدة يمنعها..بينما قالت يوليا أخيرًا الشيء الوحيد المنطقي الذي يوحي به شكلهما ؛

_هل...عدتما إلى بعض ؟!!!

_يوليا !!!!

هتفت أسيل توبخها بجدية..لكنها سرعان ما تداركت موقفها أمام نظراتهما المحاصرة..فهمست بتلكؤ ؛

_أقصد...لقد............

صمتت فجأة و رفعت يدها الحرة لتلمِس بها المنطقة بين عينيها بإرهاق..بينما قال إياد مبقيًا على ابتسامته الواسعة ؛

_لقد قرّرنا أن نأخذ هدنة صغيرة !

زفرة يائسة حرّرتها أسيل و هي تسقط يدها ناظرة جانبًا.. لكنها اضطرت لأن تعيد انتباهها إلى يوليا مجددًا.. حينما قالت هذه الأخيرة تخاطبها هي بالأخص كشخصٍ..يسخر منها !!! أو ربما يتهمها !!!

_قرار جيد !!!

حسنًا..إنها المرة الأولى التي تتمنى لو كانت تمتلكُ قوة تخولها خنق شخص ما بعينيها فقط !!

لولا أن صديقتها..تجاهلت تلكٓ النظرة تمامًا و كأنها لم ترها..قالت تحكّ طرف جبهتها بجدية الآن ؛

_عمومًا لقد دونت دواء ما لعمر و تركت لكما الورقة فوق المنضدة..إنه نائم الآن..........

صمتت لوهلة ثم أضافت بنفس النبرة ؛

_عليّ أن أذهب لأستعيد سيارتي الآن! أراكما لاحقًا !

ثم أشارت بيدها ملقية تحية أخيرة و هي تتراجع مباشرة و قد استطاعت أسيل أن تلمح الحماس الخفي في نبرتها و خطواتها..فقالت تهتف غير قادرة على إيقاف نفسها ؛

_قرار جيد !!

هتفت يوليا تشيح بيدها بدون أن تلتفت إليها ؛

_سأتظاهر بأنني لم أسمعكِ !

كانت قد اختفت في رواق جانبي بعد تلكٓ الجملة..فنقلت أسيل عينيها إلى إياد و هي تسمعه يعقب بجذل ؛

_يبدو بأنها جملة مشفرة بينكما !

هزت أسيل رأسها بتشوش و هي تهمس عابسة بعض الشيء ؛

_دعكٓ من ذلك..إنها تحاول أن تستفزني فقط !

لكنها عادت تتسمر قليلًا و هي تقابل النظرة التي كانت تحتل عينيه..نظرة...جميلة إلى درجة أن تراجعت قليلًا خشية أن يتهور زوجها و...يتجاوز بعض الحدود !

لهذا..فقد قالت تتنحنح منبهة بخفوتٍ ؛

_آ......دعنا ندخل !

أومأ لها إياد ببطءٍ..لكن بدون أن تنقشع تلكٓ النظرة من عينيه..حينها كانت هي من تشيح بعينيها ملتفتة..قبل أن تتنهد بخفوتٍ حينما شعرت به يسير بمُحاذاتها بهدوء..

______________________________

شعور بات مألوفًا من...خيبة أمل اجتاحها ما إن وصلت إلى وجهتها..و ترجلت من سيارة الأجرة لتتفاجأ بأن سيارتها موجودة فعلًا...لكن سيارته لا !!! هل هذا يعني بأنه ليس في البيت !!!

كان الأمر واضحًا..لا تحتاج للتأكد من صحته بأيّ طريقة..إلّا أنها رغم ذلكٓ اقتربت من الكوخ بخطوات سريعة نوعًا ما..و رفعت يدها تطرق الباب بإحباط..لولا أن أيّ رد لم يصلها كما توقعت تمامًا..

فعادت تلتفت قليلًا ترمق سيارتها بشفاه مزمومة تفكيرًا.. قبل أن تقترب منها لتفتحها بسرعة..ثم استقلت مقعدها و هي تخرج هاتفها تطلب رقمه بحزم..

كانت تستند بيدها اليمنى إلى المقود بينما الأخرى تمسكُ بالهاتف على أذنها حيث شرع أصبعها السبابة يطرق فوقه برتابة في انتظار الرد المنشود..و قد جاءها الرد..بعد ثوان كادت فيها أن تفقد الأمل..

و ربما تتهور أيضًا و تنطلق باحثة عن أثره في كل ركن في المدينة..فقط لترضي تلكٓ الحاجة الماسة بداخلها و التي كانت تحثها لرؤيته اليوم و حالًا ! كما أنها...كما أنها أحضرت له هدية !!!

_يوليا ؟!!

سمعت الصوت الخشن ينادي اسمها من الجهة الأخرى بنبرة لم تستطع تمييز إن كانت مشوبة بالإهتمام فقط أو...بالقلق ! هل يعقل بأن يكون لا يزال يشعر بالقلق عليها منذ الأمس !!!

ابتسامة باهتة قليلًا استوطنت عينيها و هي تهمس بخفوتٍ تزامنًا مع يدها التي تحركت إلى حقيبتها الملقاة بجانبها تفتحها مخرجة تلكٓ الهدية..و التي لم تكن سوى...ذلكٓ العطر نفسه الذي أهدته لها ضحى !

و الذي حاولت أن تعطيه له من قبل لكنها تردّدت !!!

_كيف حالك ؟!!!

_كيف حالكِ أنتِ ؟!!!

سمعت صوته يسأل فورًا بنبرة ظهر فيها القلق واضحًا جدًا الآن..فتسمرت لوهلة برقت فيها عيناها بشدة..بريق استطاعت أن تميزه بوضوح و هي تقابل انعكاس عينيها في المرآة الأمامية..

و لم تشعر بذرة من تفاجئ أو تردّد أو حتى..استنكار !!

لكنه ربما فعل ! فقد سمعت صوته يقول متداركًا ببعض... التوتر ؟! حسنًا ذلكٓ لا يليق به إلّا نادرًا !!!

_أقصد..بعد ما حدث معكِ بالأمس..لم أستطع أن أتصل لذا.........

كان يبدو عاجزًا تمامًا عن انتقاء كلمات مناسبة للشرح.. حتى أنها شعرت ببعض الشفقة الغريبة..شفقة لا تشبه الشفقة المعهودة..شعور لذيذ..دافء..و حنون اعتراها و هي تسمع محاولاته و تميز التردّد و القلق في صوته..

فقالت تقاطعه رغبة في مساعدته لتجاوز المعضلة تلكٓ ليس إلّا ؛

_أنا...بخير..بل بخير جدًا !!

تلكأت بعدها قليلًا و هي ترمق عينيها في المرآة مجددًا.. و قد كان يتخللها بعض التردّد الآن..و كأن حالته تلكٓ قد انتقلت إليها و ها هي ذي تعيش نفس المعضلة..

إلى أن قالت ترفع العطر بين يدها تتلاعب بقنينته الأنيقة بكل راحة ؛

_في الحقيقة أنا..أمام بيتكٓ الآن...لقد جئت لأستعيد سيارتي لكنني فكرت بأن أراكٓ أيضًا لكن.........

صمتت فجأة لا تعلم ما الذي عليها قوله..هل تخبره فقط بصدق بأنها تريد أن تراه ؟! أو تطلب منه مباشرة أن يرسل لها مكانه و لا يهمها ما قد يخطر في ذهنه من أفكار إزاء طلبها !!!

عقدت حاجبيها قليلًا و هي تلتزم بعض الصمت الذي التزمه نائل هو الآخر فيما بدا و كأنها محاولة نزيهة لتحفيزها على الإتمام..و هي فعلت..قالت تتنهد أخيرًا بخفوتٍ الشيء الذي خطر في بالها ؛

_أنا...لديّ شيء أحضرته معي و أريد أن...أعطيكٓ إياه.. يمكنكٓ أن تعتبرها هدية أو...عربون شكر على كل المرات التي ساعدتني فيها حتى الآن..لكن في حال كنت منشغلًا فيمكنني الذهاب الآن و تأجيل ذلكٓ إلى الغـ..............

_سأرسل لكِ العنوان !!!

أجفلت لوهلة حينما وصلها صوته المرتفع يقاطع كلماتها الخرقاء بـ...بلهفة !!! و للمرة الثانية تتسمر في مقابل عينيها الـ..باسمتين !! و اللتين كانتا الآن تنظران إليها بمكر !!!

و كأنهما تعودان لساحِرة شمطاء كانت تهمس لها في المرآة بكل ظفر...

" لقد فعلتِها ! "

لكن لحظة...ماذا فعلت ؟!!! أليست امرأة نزيهة كليًا !!!

بلى !

و حتى إن كان نائل يهتم بها..حتى و إن كانت قد نجحت في مسعاها النبيل و النزيه و الصادق في أن تراه اليوم..و في أن تستكشف بنفسها إن كان هو أيضًا يرغب برؤيتها..

فهذا لا يغير حقيقة كونه قد قاطعها من تلقاء نفسه...

و أن كل اللقاءات التي مرت بينهما حتى الآن لم تكن بتخطيطها..و إلّا فهل يمكن للإنسان أن يحصّل وسيلة واحدة تخوله رسم القدر..أو التحكم في قلوب الناس..أو في وتيرة نبضات قلبه هو حصرًا !

هل يمكن التحكم في كل شعور سعيد يعتريه ؟! حتى و إن كان قادرًا على التحكم..من ذا الإنسان المختل الذي قد يعترض طريق سعادته و يقف حائلًا يين قلبه و قلب...يسعده !!!

نظرة عابسة منحتها لعينيها في المرآة..تلكٓ النظرة الماكرة لا يمكن أن تنتمي إليها..و ما الذي يدينها لو كانت تريد رؤيته باستماتة ؟!! كيف تلومها تلكٓ العينان و هي من أقرت لهما بهذا بنفسِها !!!

طرفت برموشها ببطءٍ و هي تشيح بعينيها أخيرًا عابسة نحو الجانب..قبل أن تفتح فمها لتهمس بخفوتٍ ؛

_حـ...حسنًا !!

أنزلت بعدها الهاتف و هي تنظر أمامها شاردة تمامًا..كانت لا تزال تتلاعب بالعطر في يد و بالهاتف في اليد الأخرى.. قبل أن تنتفض فجأة حينما تسلل صوت رنة قصيرة من هاتفها..

رفعته بسرعة إلى عينيها..و قد كان كما أخبرها قد أرسل لها عنوانه !!

حينها..و للمرة التي لا تذكر كم..تتسمر متأملة الرسالة تلكٓ بلا هدف..و للمرة التي لا تذكر كم أيضًا..ترتفع شفتاها بابتسامة...تلكٰ المرة ليست باهتة و لا متردّدة و لا حتى ماكرة...

فقد كانت ابتسامة كبيرة..سعيدة...بل بالغة السعادة !

ثم عادت تدسّ العطر في حقييتها شارعة في تشغيل السيارة..لكنها لم تنسى أن ترمق عينيها في المرآة..و تلكٓ المرة لم تقابل نفس النظرة الماكرة..بل ما قابلته..كانت نظرة لامعة..متوهجة إلى درجة أن ترسل شعورًا بالغًا بالرهبة إلى قلبها..

نظرة...أحبتها !

كما أحبّت تلكٓ الطريق التي كانت تركض خفقات قلبها فيها متحدية كل حاجز يعترضها من اللا شيء..فقط لكونها تقودها إليه..و لأنها تعلم بأنها في نهايتها ستصِل إليه..ستقف أمامه و تنظر في عينيه..

و ربما أيضًا يكون الحظ في صفّها اليوم فترى ابتسامته أيضًا بعد أن تسلمه هديته في يديه !!

____________________________

توقفت أخيرًا بعد دقائق طويلة من القيادة أمام مبنى عريض متوسط الطول..قبل أن تقع عيناها المبتسِمتان مباشرة على تلكٓ اللافتة الكبيرة التي جعلتها تدرك بأنها الآن...تقف أمام مقر عمله !!!!

تنهيدة خافتة حرّرتها و هي ترفع حقيبتها فوق كتفها و تفتح الباب حيث أنزلت قدميها بهدوء..ثم توقفت هناك للحظة تتساءل إن كان عليها أن تتصِل به ليخرج أو ربما تدخل فقط !!! لمٓ لا تدخل أساسًا !!!

تقدمت بخطواتٍ أنيقة تتأمل كل ما يقع في مجال نظرها كطفلة تكتشف مدينة الملاهي لأول مرة..و قد كانت تشعر بنفسِها كطفلة فعلًا..بدليل تلكٓ اللهفة التي تحثها على تأمل كل ما يخصّه بمثل هذا التفاني !!!

ما إن تقدمت أول خطوة بداخل المبنى..أول شيء لاحظته هو المرآتين الكبيرتين اللتين كانتا مثبثتين على جانبي الرواق بشكل أنيق..ثم الجدارين الرخاميين المصبوغين بلون أسود لامع خلفهما..

اقتربت بعدها بنفسِ الهدوء إلى أن وقعت عيناها على بعض الأشخاص هنا و هناك ممّن كانوا يتمرنون في آلات مختلفة...

كان هناك مكتب استقبال مثبت في جانب معين..أنيق و مجهز كأناقة كل المكان..و قد لاحظت بأن جميع الجدران هنا كانت مصمّمة من الزجاج..و جميع الألوان تتراوح بين الأسود و الرمادي و الفضي..

لاحظت أيضًا بأن هناك عدة أروقة منها من قد تؤدي إلى مساحاتٍ أخرى هنا و غرف أخرى..ثم..منطقة جانبية حيث كانت تنتشر زرابي في ألوان مختلفة و تلكٓ مخصّصة للتمرين الفردي بعيدًا عن الآلات..

هناكٓ مقهى جانبي لمحته من البعيد..و هناك بهو أيضًا حيث جلس بعض الشباب يحتسون أنواع مختلفة من العصائر أو لأخذ قسط من الراحة و التحدث فقط..و هناكٓ حلبة تمرين متوسطة الحجم في جانب آخر..ثم كانت...السلالم التي تؤدي لطابق علوي..

لقد كان المكان ببساطة...جميلًا للغاية !!! و هي لم تتوقع حتى بأن يكون نائل...يدير مكانًا أنيقًا كهذا !!!!

لكن أهم شيءٍ لاحظته..و أزعجها..للغاية..هو أن نائل لم يكن متواجدًا في أيّ مكان !!! و ثاني شيء أزعجها..ذلكٓ الكم المتواضع نسبيًا من الفتيات الـ...جميلات !!!

هل يقابل نائل كل هذه الفتيات حقًا ؟! و كل يوم !!!!

حسنًا و ماذا في الأمر ؟! إنه مقر عمل في النهاية !! ألا تشتغل هي أيضًا في مكان يعج بالجنس الآخر !!! لكن هل هذه المقارنة عادلة ؟!! كيف يمكنها أن تقارن عملها في المشفى بالعمل هنا..حينما يكون المسؤول رجلًا !!!

مهلًا..هل وصفت نائل بأنه مجرد...رجل !!!

حينما يكون المسؤول رجلًا طويلًا..جذابًا..وسيمًا للغاية ! و...لطيفًا و مراعيًا !!! رجل مميز قد قد تقع في حبه جميع النساء بدون استثناء........

حسنًا..لقد بدأت تبالغ قليلًا !!

عقدت حاجبيها عابسة بشدة..قبل أن تغمض عينيها للحظة..و هزت رأسها بلا فائدة تحاول طرد تلكٓ الأفكار المعتوهة..

التي تدرك حقيقة صدقها رغم كونها معتوهة !!

ثم ما كادت تفتح عينيها..حتى كانت تقعان تلكٓ العينان على رجُل أفكارها المعتوهة !!!

كان نائل يقترب من السلالم الطويلة تلك..ينزل الدرجات بثباتٍ و بتلكٓ الجاذبية الفطرية التي يمتلكها..لكنه لم يكن بمفرده الآن..فقد كان يبدو منشغلًا في التحدث إلى شاب بجانبه بجدية..

لم يكن شكله يبدو مختلفًا عن العادة..لكنه بطريقة ما..بدا أكثر أناقة !!!

ظلت تراقبه بعينيها الساهمتين بتركيز شديد..تتلقف كل حركاته..كيف كان يستعمل يديه أيضًا في الشرح..كيف كان ينظر للرجل بجانبه بجدية أقرب إلى الصرامة..كيف كانت شفاهه تتحرك بسرعة كمن يتحدث عن أهم موضوع في العالم..

كيف رفع يده يلمِس شعره الأملس الناعم يرتبه إلى الوراء رغم أنه كان مرتبًا أساسًا..و كيف سقطت نفس اليد يشير بها إلى مكان معين حيث التفت هو أيضًا يحدق بمكان إشارته بدون أن يتوقف عن التحدث..

و كيف تسمرت تلكٓ اليد و تسمرت ملامحه أيضًا و عيناه ما إن وقعتا عليها بالصدفة !!!!

ابتلعت يوليا ريقها ببطءٍ..و شعرت بأن جميع الأصوات من حولها قد تلاشت..بل ما تلاشى..كان العالم بأكمله..و كأن يدًا خفية قد حملت قلبها المتسارع بنبضاتٍ مجنونة و وضعته في مكان آخر..بعيد..بعيد للغاية...

عالم منفرد يضم شخصين اثنين فقط..هي..هو..و عينيه !

و في مقابلها تمامًا..كاد نائل أن يتعثر في الدرجة التالية التي كان ينوي نزولها لولا أن تمالكٓ نفسه في آخر لحظة..فتوقف مكانه يقابل تلكٓ...المعجزتين من مكانه البعيد و قد فقدت خفقات قلبه صوابها إلى أجل غير محدّد !!

هل يمكن لشعور الاشتياق أن يجتاح قلب الإنسان إلى هذا الحد المجنون ؟! و لإنسانة لا تعني له أيّ شيء أمام العالم..لكن لذلكٰ القلب الخافق بجنون...باتت تعني الكثير !!!

اليوم أيضًا كانت تبدو...كأميرة ! اليوم أيضًا كانت ترتدي كأميرة ! تقف كأميرة ! تتأمله كأميرة !!

و قد جذبت انتباه الكثير هنا...كأميرة !!!

طرف برموشه فجأة و هو ينتفض حينما مرت في ذهنه هذه الفكرة..فنظر حوله ليتفاجأ بالوجوه التي استدارت تحدق بها باستغراب لبعضها..و بـ...إعجاب للبعض الآخر !

حتى أن الشاب الذي كان يقف بجانبه..و الذي لاحظ تصنمه فجأة محدقًا في مكان ما..قد تجمد مثله ما إن التفت ليتفقد مكان نظره..نظر له نائل بجمود لوهلة..و انطبق فمه بحدة و هو ينقل عينيه بين تلكٓ النظرات و بينها..

قبل أن يتنحنح فجأة جاذبًا انتباه ذلكٰ الواقف بجانبه.. لكن ربما كان هذا الأخير رجلّا غبيًا لدرجة حالت بينه و بين فهم خلفية تلكٓ الحركة منه..فقال يشير إلى يوليا و يخاطبه هو بـ...انبهار تام !

_من تلكٓ السيدة الجميلة هناك ؟! هل تعرفها ؟!!

حينها نظر له نائل بعينين متسعتين استنكارًا و...غضبًا يعرفه الجميع هنا! فتراجع الآخر قليلًا ناظرًا له بحذر.. بينما زم نائل فمه أكثر يحاول أن يتمالكٓ..شعورًا بشعًا جدًا احتل قلبه..و قال يعتصر أسنانه بفكّ محتد ؛

_إنها من طرفي !!

لم تبدو كجملة بديهية..بل بدت كتحذير خاص و صريح ! تحذير فهمه الآخر جيدًا..فقال يطرق برأسه قليلًا ؛

_أستسمح منك...سيد نائل !

إلّا أن ملامح نائل لم تلِن..و قال يشير مرة أخرى بذقنه هذه المرة إلى مكان معين ؛

_عد إلى عملك !

و قد عاد فعلًا..نزل الدرجات بسرعة بعد أن أومأ له للمرة الثانية مقتربًا من مكتب الاستقبال ذاك..و أثناء اقترابه لم تهتز عيناه للحظة حتى نحو يوليا التي لاحظت ابتعاده..كما استطاعت أن تكتشف مهنته هنا حينما اتخذ مكانه خلف المكتب..

عادت تنظر بعدها إلى نائل..ذلكٓ الذي اقترب منها بخطواتٍ سريعة و على وجهه نظرة غاضبة لم تفهمها.. كان ينقل عينيه حول المكان بتوتر أثناء اقترابه بسرعة.. كشخصٍ لا يطيق صبرًا لنسف تلكٓ الخطوات و...ماذا ؟!!

تفاجئت بيده تمتد إلى معصمها تقبض عليه بقوة لتسحبها إلى مكان محدّد هنا قبل حتى أن تنجح بإلقاء التحية..

و تلكٓ المرة فقد خفق قلبها بقوة و هي تستشعر يده على بشرتها مباشرة بحيث كانت ترتدي قميصًا أبيضًا بأكمام تلامس مرفقيها فقط..و فوقه سترة أنيقة بدون أكمام و في نفس اللون..و بنطال أسود حريري أنيق بنفس القدر...

لم تستطع أن تعقب بكلمة واحدة..تركته يقودها بكل حرية..بينما تجمد كل شيء فيها هي و عيناها تتأملان تلكٓ اللمسة كما كانت تتأملها جميع حواسها و كل خلية تنبض بداخلها..

إلى أن وصل إلى مكتب جانبي ففتح الباب بسرعة و دخل محفزًا إياها على الدخول هي الأخرى..حينها فقط.. كانت ترتخي أنامله محرّرة معصمها بعد أن توقف أمامها تمامًا..يفوقها طولًا و يفوقها ثباتًا و يفوقها...شوقًا ربما!

كانت عيناها لا تزالان متسمرتان على نفس المكان حيث فارقت أنامله بشرتها للتو..و فغرت فمها قليلًا على نفس لاهث متدهور و كأن تلكٰ الأنامل كانت تمدها بالحياة و ها هي تحتضر الآن..على فراش......الحُب ؟!!!

رباه إن حالتها تسوء تمامًا !!!!

ابتلعت ريقها ببطءٍ و عقلها يستعيد كلمات أسيل لها تزامنًا مع رفعها لرأسها في رحلة طويلة مرت بها عيناها على مفترق طرق تمثل في أنامله التي انغلقت حول نفسها بقوة..

كشخصٍ يحتضر مثلها..أو يقاوم الاحتضار شوقًا !!

" ربما تحِبينه ! "

ربما ماذا ؟!!! رمشت ببطءٍ حينما قابلت عينيه أخيرًا..و للمرة الثانية تشعر بأن العالم قد توقف تمامًا من حولها.. العالم قد فقد جميع الألوان إلّا من لون واحد...كان لون عينيه !!!

العالم قد تخلى عن جميع الأشخاص و الأصوات و الأسماء و ما تبقى فقط شخص واحد..صوت واحد هو ذلكٓ الصوت الذي ارتفع يخاطبها أخيرًا..اسم واحد و هو اسمها الذي نطقه بحروف بطيئة..

يتمهل في نطقه و كأنه يكرّر حروف قصيدة مقدسة !

_يوليا !!!!!

فقط... ؟ أربعة أحرف..أربعة أحرف فقيرة..غنية بتلكٓ النظرة في عينيه كانت لتجعلها تتهاوى مستسلمة للموت لولا البعض من صمودها..و صوته الذي عاد يرتفع ليقتحم حدود قلبها كـ..إعصار جميل داهم جميع دفاعاتها ليرديها في النهاية ضحية لنفس تلكٓ الكلمة التي ذكرت في سؤال أسيل..

و تهربت هي بصمود كاذب من أن تجيب عليها !..

_لماذا دخلتِ إلى المكان فجأة ؟! لقد كنت أنتظر أن تتصلي بي !!!!

استطاعت يوليا بصعوبة شديدة أن تتمالكٓ نفسها..فهزت رأسها تستعيد تركيزها..قبل أن تردف مجيبة بخفوتٍ ؛

_لقد أردت أن أرى مقر عملك !

لاحظت بأن ملامحه كانت لا تزال تحمل بعض أطياف الغضب السابق..أو ربما الإنزعاج ! و رغم أنها بداخلها.. كانت تدرك بأن ذلكٓ الانزعاج لم يكن بسببها..إلّا أنها همست رغم ذلكٰ تسأله بتردّد ؛

_لماذا غضبت إلى هذه الدرجة ؟! ألم تكن تريدني أن أدخل ؟!!!

نظر لها نائل شبه مجفلًا الآن..ثم لم يلبث أن قال ينفي بجدية ؛

_بالطبع لا..كل ما في الأمر أن المكان يعج بالناس و الضجيج..و لطالما ظننت بأنكِ لا تحبين مثل هذه الأماكن لذا.........

صمت فجأة ينظر في عينيها بهدوء..بينما شعرت يوليا ببعض الراحة و هي ترى تلكٓ التعابير السابقة قد تداعت.. لكن ما شعرت به أيضًا كان شيئًا يشبه...السعادة حين سماع تعقيبه على شخصيتها..

قبل أن تبتسم ببطءٍ هامسة برضا ؛

_أنا لا أحِبها فعلًا !

أومأ لها نائل ببطء و عيناه تنزلقان على ابتسامتها كما العادة..حركة دفعتها لأن تبتسِم أكثر..قبل أن يفتح نائل فمه سائلًا بجدية ؛

_عمومًا..لقد أردت أن أسألكِ...هل تشعرين بنفسكِ أفضل الآن ؟!!!

نظرت له يوليا بغباء في البداية..لكنها سرعان ما هزت رأسها بهدوء مستوعبة مغزى سؤاله الحقيقي..و قالت تجيبه مطمئنة ؛

_أنا بأفضل حال !

صمت قصير ساد بعد ردها هذا..صمت شاركها به نائل و بدا و كأن كل منهما عاجز عن قطعه..بنفسِ الطريقة التي عجزا بها عن إشاحة أنظارهما بعيدًا..

لولا أن قال نائل يتنحنح قليلًا ؛

_لقد...أحضرتِ لي شيئًا ؟!

أومأت له يوليا محتفظة بنفسِ الابتسامة..لكنها لم تفتئ أن أطرقت قليلًا تفتح حقيبتها..فترقب نائل ذلكٓ و هو يراها تخرج قنينة زجاجية أنيقة للغاية..قنينة استطاع أن يميز محتواها قبل أن ترفعها نحوه حتى..

قبل أن تفرد يدها نحوه هامسة بـ...خجل ؟!!

_لقد كنت أفكر في أن أهديه لكٓ منذ وقتٍ طويل..كنت لأفعل لولا بعض التردّد الذي منعني.......

أخذه نائل منها تلقائيًا..قبل أن يسقط أنظاره قليلًا يتأمله في يده..و راقبت يوليا ردة فعله بتمعن..كانت و كأنها تنتظر ظهور تلكٓ الابتسامة التي أتت لأجلها بصبر..لولا أن نائل فاجئها تمامًا..

بأن منحها بدل تلكٓ الابتسامة التي تمنت...ضحكة !!!

كانت ضحكة صامتة..هادئة للغاية احتلت ملامحه التي نادرًا ما تعرف الابتسام..ضحكة غريبة..لكنها حقيقية إلى أقصى حد..ضحكة ارتفع لها حاجباها و اتسعت عيناها قليلًا و اختلج قلبها بها بشدة !!

ضحكة..أخذتها إلى درجة أنها مالت قليلًا بوجهها تتأمله بإخلاص..و قد شعرت بأن ذلكٓ المشهد أبديّ سيبقى رغم أنه مشهد لم يتعدى بضعة ثوان..قالت لا تزال عاجزة كليًا عن احتواء شعورها ذاك ؛

_ما الخطب ؟!!!

نظر لها نائل حينها بملامح بالكاد استعادت طبيعتها سائلًا بأسف ؛

_هل رائحتي سيئة لهذه الدرجة ؟!!

حينها..كان دورها لتتبسم بهدوء..ثم قالت ترفع حاجبًا واحدًا الآن بجذل ؛

_إنها الجملة النمطية التي ينطقها كل شخصٍ يتلقى عطرًا كهدية !!!

رغم أن ما كانت تود أن تسأله فعلًا هو...

" هل أنت حقيقي فعلًا ؟! هل كنت حقيقيًا قبل قليل ؟! أم أن عقلي الأحمق قد بدأ يمتهن معضلة تخيل أشياء جميلة بدون سبب !!! "

قال نائل بنفسِ تعابيره التي بدت غريبة اليوم..فقد كان هناك نوع من..البساطة يحتل تلكٓ الملامح..نوع غير مألوف من الهدوء و الاسترخاء و اللين..و كأنه..و كأنه قد سعد للغاية بهديتها !!

_لا تأخذيني على محمل الجد..كل ما في الأمر أنني... استغربت قليلًا !!!!

هل يمكن أن لا تأخذه أو تأخذ أيّ كلمة يقولها على محمل الجد ؟!! هل هناكٓ احتمال موجود كهذا حقًا ؟!!!

قالت تخاطبه بنفسِ الجدية في صوته لكن برهبة لا تزال ظاهرة في عينيها و صوتها ؛

_ستتوقف عن الاستغراب حينما تشم رائحته !

نظر لها نائل سائلًا ببعض الشرود و قد تداعت ابتسامته كليًا الآن ؛

_حقًا ؟!!

فأومأت له تحاول أن تقاوم شعور الإحباط الذي اعتراها إزاء اختفاء ابتسامته..ثم لم تلبث أن أضافت شارحة ببساطة ؛

_لقد صنع بأنامل شخص عزيز على قلبي جدًا !

و كواحدة من المراتِ النادرة..فقد اعترى بعض الفضول ملامح نائل..حتى أن حاجبه الأيمن قد ارتفع ينتظرها أن تشرح..و هي فعلت...قالت شارحة ببساطة فعلًا ؛

_ابنة عمتي ضحى..لقد تعرفت عليها في الأمس !

أومأ نائل بهدوء..لكنه لم يلبث أن سألها ببديهية دفعت ابتسامة جديدة إلى شفتيها ؛

_هل تصنع العطر ؟!!

فقالت تجيبه فورًا ؛

_امرأة أعمال !

ثم أضافت فورًا مشيرة إليه ؛

_و أنت تعتبر كذلك...نوعًا ما !

نظر لها نائل بعدم فهم الآن..فهمست تشير بيديها بصوتٍ عذب ؛

_المكان جميل للغاية ! لقد انبهرت به !

نظر لها نائل حينها بتمعن للحظة..قبل أن يتراجع قليلًا إلى أن اصبح يجلس على طرف المكتب وراءه..المكتب الخاص به..و قال يحرك يديه مثلها لكن بغاية أخرى ؛

_أقدر سماع هذا منكِ..لكنه لا يعتبر لي عمليًا...لقد اشتريته بالتقسيط قبل تسعة أشهر..في الحقيقة لا تزال أمامي سنوات طويلة قبل أن أستطيع تهجئة جملة كهذه !

كانت يوليا تنظر له بجدية..لكن ملامحها لانت بعض الشيء و هي تسمع منه هذه الكلمات..قبل أن تقترب الخطوة التي ابتعدها قبل قليل..

ثم قال تنظر في عينيه بجدية ؛

_هل أقول الصدق ؟!

أومأ لها نائل ببطءٍ..فقالت تستأنف بوضوح ؛

_ما قلته الآن لا يعني أيّ شيء..سواء كنت قد اشتريته بالتقسيط أو دفعة واحدة فأنت من صنعت هذا المكان.. بل و صمّمته أيضَا..و أنت المحرك الرئيسي و الذي بسببه انضم كل أولئكٓ الاشخاص إلى هذا المكان بالذات !

لم يبدو نائل و كأنه قد تأثر بكلماتها..قال يجيبها بنفس الجدية و هو يضع العطر برفق شديد فوق سطح المكتب بجانبه ؛

_السبب الوحيد الذي يجعلني أعمل هنا هو حاجتي لتأمين لقمة العيش !

كان ينظر بعيدّا الآن..يراقب حركة يده التي شرعت تحرك القنينة بدون هدف و كأنه يرتب شيئًا وهميًا أو يبحث عن ركن مناسب ليتركها فيه..و قد شعرت يوليا و كأنه تعمد هذا..أن يشيح بعينيه عنها و كأنه يحاول أن يخفي شعوره الحقيقي خلف ما يقول..

و قد كانت تلكٓ الجملة تنم عن...وحدة ! و كأنه قد تطرق بطريقة غير مباشرة..لمعضلته الحقيقية التي لا تفارق ذهنه أو قلبه بالكاد...معضلة فقدانه لابنته...و زوجته !

شعرت بقلبها يضيق بهذه الفكرة..لقد كانت قد بدأت تتناسى بشكل تلقائي هذه الحقيقة..أو ربما تعمدت أن تتناسى !!!

ربما لأن مجرد التفكير بذلكٓ الموضوع يؤذيها هي شخصيًا..و ربما...لأنها بدأت تنغمس في طريق هوجاء.. حيث أسوء كوابيسها لم تعد حقيقة مرضها و ضغوط والدها و ماضيها..بل...رؤية حزنه !!

هي لم تعد تريد أن تراه حزينًا..لم تعد...تحتمل ذلك !

لهذا...فقد تسمرت عيناها تحدق بكابوسها الثاني..كانت ارتعاشة يده التي لم ترها منذ مدة..و التي استطاعت أن تلاحظها رغم محاولاته الحثيثة لإخفاءها عبر التلاعب بهديتها..

و تذكرت أمنيتها التي راودتها منذ وقتٍ ليس بالطويل كثيرًا..بأن تلمس تلكٓ اليد..بأن...تحتوي تلكٓ الارتجافة.. تذكرت حتى حركتها يومها و التي كرّرتها اليوم مطبقة أناملها بتشنج و كأنها تحاول أن تقمع تلكٓ الرغبة..

و ربما تقمع رغبة أخرى أيضًا بأن...تلمس وجهه محفزة إياه على النظر لها فقط!

و قد استطاعت..بأعجوبة ما...أن تقمع رغبتها الثانية.. لكنها لم تستطع أن تفعل نفس الشيء مع الأولى..فلم تشعر بيدها التي امتدت فعلًا تلمِس يده..للمرة الأولى تلمسها فعلًا باستثناء تلكٓ المرات التي صافحته فيها..

أمسكت بيده برفق شديد إلى أن حملتها محفزة إياه على التخلي عن محاولاته تلك..و قد تخلى عنها..لكنه تجمد تمامًا يستشعر تلكٓ المبادرة منها بما يفوق الدهشة..و قد اكتسحته ارتعاشة أخرى..تلكٓ المرة أصابت قلبه مباشرة..

قبل أن يلتفت ببطءٍ لكنه لم ينظر لوجهها..فقد أسقط عيناه يحدق بيدها الأخرى التي امتدت أيضًا تتمسكُ بيده..

كانت يده ترتعش بشكل ملحوظ الآن..تلكٓ الارتعاشة التي تحولت منذ وقت طويل من ارتعاشة ألم طبيعي إلى ارتعاشة مرضية تصاحِبه كلما مرت به تلكٓ الذكرى.. الذكرى الأصعب و الأشد ألمّا على قلبه..

لم تكن تتمسكُ بأنامله الآن..ققد كانت تحتوي راحته بأناملها الدافئة..تعانق إبهامه أيضًا بدون أن تلمس أصابعه الأخرى..و قد احتوت اليد الأخرى ظاهر كفه أيضًا مربتة فوق بشرته بهدوء شديد..

حينما همست تأمره بصوتٍ خافت شعر به رقيقًا للغاية.. بدون أن ترفع رأسها نحوه أو تتوقف عن تمسيد يده بحركات تنم عن...خبرة طبية !

_اجلس !

رفع نائل حاجبه الأيمن ناظرًا لها بعدم فهم ؛

_ماذا ؟!!!

فرفعت يوليا رأسها مكرّرة الآن بنبرة...آمرة بحق !

_أخبرتكٓ أن تجلس.......

ثم أشارت للمقعد بجانبه مضيفة ؛

_الكرسي إلى جانبك !

كان نائل ينظر لها بذهول حقيقي..حتى أنه فغر فمه قليلًا و ظل نفس الحاجب مرتفع و كأنه ينتظر تتمة أخرى لما قالته..لولا أنها لم تمنحه أيّ تتمة..بل مجرد نظرة استنكار جديدة فقدت على إثرها ملامحها ابتسامتها السابقة..

ثم ماذا فعل في النهاية ؟! جلس !!!

جلس بكل هدوء..و رفع رأسه يراقبها بينما يده لا تزال محتجزة ليديها..قبل أن تحرّر يدًا واحدة إلى أن أمسكت بالكرسي المقابل و قربته قليلًا من خاصته لتتخذه جالسة في مقابله..

لم تكن تنظر له الآن..قالت و هي مستمرة في حركاتها ؛

_الآن أغلق يدكٓ و خذ نفسًا عميقًا إلى الداخل..

كان نائل لا يزال يراقبها فاغر الشفاه..لكن ليس بذهول فقد ضاعت ملامحه تمامًا و هو يتأمل تلكٓ الملامح التي يراها تعتنق مثل هذا النوع من التعابير الجادة إلى هذا الحد لأول مرة..

بدءًا من عينيها المنشغلتين بعيدًا عنه...به !

إلى حاجبيها المنعقدين بنفس تلكٓ الجدية البالغة و الشفاه المطبقة في خط مستقيم ينم عن تركيز..ثم يأتي شعرها..و قد لاحظ للتو بأنها لم تكن تسدله بالكامل..بل كانت تجمع خصلتين من الجانبين لتجعلهما تلتقيان في الخلف بمشبكٍ لم يتمكن من رؤيته..

و هناكٓ خصلتان ناعمتان منسدلتان من على جانبي وجهها لتلامسان في نهايتهما فكّا محدّدا بالغ الأنوثة !

وجد نفسه ينفذ ما أمرت به تلقائيًا..و أغلق يده ببعض التردّد على يدها و هو يسحب نفسًا عميقًا يملأ به رئتيه شاعرًا بأنه كان في حاجة إليه فعلًا..

_الآن ازفره إلى الخارج..و افتح يدك !

سقطت أنظار نائل على ذلكٓ الالتحام المقدس بين أيديهما متنهدًا بعمق..و بطريقة ما..فقد شعر بعجز قوي يتملكه يمنعه من فتح يده بالفعل و ترك يدها حتى و إن كانت هي لا تزال تتمسكُ به..

لكنه لم يجد بدّا من التنفيذ مجبرًا..قبل أن يسمع صوتها تأمره للمرة التي لا يذكر كم..همست بهدوء تام و بصوت خافت تخلله شيء من...الرفق !

_الآن كرّر نفس العملية إلى أن أطلب منكٓ أن تتوقف !

همست هذه الكلمات و هي تراقب ما تفعله بتمعن..كما كانت تترقب جميع حواسها أنفاسه متأكدة بأنه نفذ ما أمرت به..كانت حريصة على أن لا ترفع أنظارها إليه لأنها تعلم بأنه سيتوقف إن فعلت..

و كان هو حريصًا على عدم التوقف عن تأمل تشابكِ أناملهما أو وجهها لأنه يعلم بأنه قد يتوقف لو فعل !!!

قسرًا عن إرادته..فقد كانت حواسه تشهد و تقر بمدى تأثيرها عليه في تلكٓ اللحظة..و في كل اللحظات بعد الآن..لقد بدأ تواجد هذه الفتاة بجانبه..يصبح مثل الإدمان إلى قلبه و عينيه..

لقد كانت يوليا بطريقة ما...تمده بالقوة !

كانت يده تنغلق و تنفتح في حركات رتيبة متتالية حول يدها..و قد فقد قدرته للعد كي يعلم كم مرة أخذ نفسًا عميقًا محملًا بتلكٰ الملامح..و تلكٰ الأنامل..ثم عاد يحرّره بتمهل شاعرًا بالعالم كله من حوله يكتسب ألوانًا جديدة..

و قد كان ليستمر إلى الأبد..لولا أن سمع صوتها الخافت تأمره مجددًا بلطفٍ تلكٰ المرة ؛

_يمكنكٓ أن تتوقف الآن !

رفعت عينيها بعدها مباشرة تنظر في عينيه..لكن عينيه هو اتسعتا قليلًا و هو يقابل تلكٓ الابتسامة التي لم يعرف حتى متى عادت ترتسم في وجهها بذلكٓ التألق..ثم فجأة..شعر بخواء عميق يكتسح قلبه بحركتها التالية..

حينما حرّرت يده ببطءٍ متراجعة قليلًا..و قالت مبقية على ابتسامتها الجميلة العذبة..قالت بصوتٍ أشد عذوبة من ابتسامتها ؛

_لقد اختفت !

عقد نائل حاجبيه قليلًا ناظرًا لها بعدم فهم..فرفعت يوليا يدها اليمنى تشير بها إليه شارحة ببساطة ؛

_ارتعاشة يدك !

لم يدرِ لما لمح نائل في نبرتها كما عينيها شيئًا من.. الفخر..قبل أن يرفع حاجبيه و يطرق برأسه قليلًا ناظرًا بدهشة إلى يده..مستوعبًا...بذكاء محدود تمامًا..بأن ارتعاشة يده المعهودة قد اختفت فعلًا..

و هو لا يعلم حتى متى اختفت !! هل قامت بسحر ما تلكٓ الفتاة ؟!!

بدا و كأن عقله قد توقف عن العمل للحظاتٍ و هو يرفع يده و يحرك أنامله و كأنه يحاول أن يستشعر تلكٓ الارتجافة مجددًا عبثًا..و في النهاية..وجد نفسه يعود لينظر لها سائلًا بجدية حقيقية ؛

_ما الذي فعلته بالضبط ؟!!!

قالت يوليا تجيبه ببساطة بالغة..بدون أن تتخلى عن ابتسامتها ؛

_لا شيء في الحقيقة! إنه تمرين بسيط للغاية !

قال نائل معقبًا بجدية أكبر ؛

_لكنها اختفت كليًا..عادة يستمر الوضع لدقائق طويلة بدون جدوى !

تأملته يوليا للحظة بتمعن..قبل أن تفتح فمها هامسة بنبرة شابها شيءٌ من مرح ؛

_يمكنكٓ أن تمنحني هدية شكر !!

تراجع نائل حينها في مقعده سائلًا ببطءٍ..و بدون مرح ؛

_ما هي ؟!!!

بدا و كأنه يسايرها فقط أو ربما يسأل بدافع السؤال فقط..بينما غايته الحقيقية كانت أن يتحدث إليها أكثر فقط..أن يسمع صوتها..و يتأمل ابتسامتها أكثر !

و هي لم تبخل..فقد أجابت بنفسِ تلكٰ النبرة التي شابها دفء غريب ؛

_أن نذهب للتنزه !!

توقعت كل شيءٍ منه..توقعت جميع الردود..إلّا أن يسألها نائل بنفس تلكٓ النبرة البالغة الجدية..و قد بديا بطريقة جلوسهما تلك..و الهدوء الذي يكتنف المكان..و كأنهما في منتصف اجتماع هام و جاد للغاية..

_هل سنقوم بهذا التمرين مجددًا ؟!!!

قالت يوليا بصوتٍ خافت ناعم ؛

_يمكنكٓ أن تقوم به بمفردك أيضًا! لقد أخبرتكٓ بأنه تمرين في غاية البساطة !

إلّا أن نائل قال يكرّر بجدية بالغة ؛

_سألتكِ...هل سـ-نقوم- به مجددًا !!!!

حينها..تداعت ابتسامتها قليلًا..لكن ليس إلّا لتفسح المجال للمعة جميلة بأن تستوطن عينيها..ثم قالت تهز كتفيها ببساطة الآن ؛

_كلما رأيتُ يدكٓ ترتعش..أو شعرتٓ أنت بأنكٓ في حاجة لهذا !!

طيف ابتسامة مألوف..ميزت أثره في عينيه فقط..لكن ملامحه لم تفقد جديتها أبدًا..حينما قال يخاطب عينيها مباشرة بنفسِ الصوت الهادئ ؛

_شكرًا لكِ !

و فقط..شعرت يوليا بأن العالم كله قد ابتسم في وجهها و هي تتلقى ذلكٓ التعبير منه..و تسمع صوته بتلكٓ النبرة التي تشابهت جدًا مع نظرة عينيه..قبل أن تهمس بصوتٍ خرج شبه متحشرج بمشاعر لا تفهم ماهيتها ؛

_لقد أخبرتكٓ بالطريقة التي عليكٓ أن تشكرني بها !

أومأ لها نائل بتأني..لكنه همس رغم ذلكٓ ببطءٍ ؛

_قد تمرضين !!

كانت يوليا تجلس باسترخاء بالغ الآن..تستند بيديها إلى قوائم الكرسي المرتفعة قليلًا..و قد قالت ترفع حاجبًا واحدًا بنبرة خرجت رائقة نوعًا ما ؛

_هل أنا دمية قماشية ؟!!!

تقطيبة جديدة ظهرت بين حاجبي نائل و هو يقول ببعض التشوش ؛

_ماذا تقصدين ؟!!!

فتحركت يوليا تقترب منه بجذعها قليلًا هامسة كشخص يشي بسر بالغ الأهمية لشخصٍ آخر ؛

_لقد أصبحت أشعر بأنكٓ تعاملني هكذا بالفعل !

لم تتوقع تلكٓ الحركة من نائل..حينما اقترب هو الآخر قليلًا مستندًا بمرفقيه إلى ركبتيه..و قال يسألها بجدية ؛

_هل لا زلتِ تلتزمين بجزئكِ من الاتفاق ؟!!

استطاعت أن تتكهن تلقائيًا ماهية هذا الاتفاق الذي يقصده..لكنها قالت رغم ذلكٓ تسأله بنفس نبرته..و في نفس اللحظة ؛

_هل تلتزم به أنت ؟!!!

قال نائل ببطءٍ و عيناه تتلكآن على كل تعابيرها الشفافة و التي بدت له بطريقة ما...

بعيدة كل البعد عن الجدية التي تتحدث بها !

_أنا من سألت أولًا !!

لكنها خالفت توقعه للمرة الألف حينما تراجعت قليلًا فقط بعيدًا عن عينيه..و قالت تهز كتفيها و تشبكُ أناملها أمامها ببساطة ؛

_و أنا سألت ثانيًا !

ثم أضافت بجدية لا يزال يظن بأنها غير حقيقية حتى الآن ؛

_و لن أجيب بكلمة قبل أن أسمع الرد منكٓ أنت أولًا !

ظل نائل متسمرًا بنفسِ الوضع للحظة أخرى..ثم لم يلبث أن تراجع قليلًا هو الآخر منهيًا بهذا ذلكٓ التواصل العجيب بينهما..و أجاب متنهدًا باستسلام ؛

_أنا لم أدخن منذ ثلاثة أيام..و هذه تعتبر فترة جيدة للغاية بالنسبة لشخصٍ مثلي كان يعالج مزاجه بالتدخين !

ربما يبدأ بمعالجته بعد الآن بعينيها..و بصوتها و ابتسامتها..ربما تصبح إدمانه الجديد الجميل و المفيد لصحة قلبه..ربما...يستبدل إدمانه القديم نهائيًا بها !

ربما...لو كان في عالم آخر..لو كان في وضع آخر..كان ليهمس كل تلكٓ الكلمات إليها بكل صدق..ثم يطلب منها.. بكل صدق و أمانة أيضًا..أن تؤمن له وسيلة فعالة تخوله رؤيتها في أيّ وقتٍ يشعر بأنه في حاجة لذلك..

المعضلة الأقوى هو شعوره الداخلي بانعدام أن يعيش لحظة مستقبلية بعد لا يشعر فيها بأنه في حاجة إليها!

_و أنتِ ؟!!!

همس أخيرًا بعد أن استطاع تمالكٓ نفسه بعض الشيء.. فقالت يوليا تبتسم ببطءٍ ؛

_أنا أتناول وجبة الغذاء بانتظام و في وقتها الصحيح -تقريبًا- منذ بضعة أيام !

كانت نبرتها يتخللها نوع من الرضا عن الذات..أو ربما عنه هو بالذات..بينما قال نائل يكرر وراءها جذلًا ؛

_تقريبًا ؟!!!

فقالت يوليا تجيبه بتلكٓ البديهية التي يعرفها ؛

_بحكم طبيعة مهنتي ! في حال كنت لا تزال تتذكرها !

كيف ينساها ؟! كيف ينسى أو يتغاظى عن أيّ شيءٍ يخصها بعد الآن و إن أراد !!!!

اكتفى الآن أمامها بإيماءة بطيئة هادئة..و كأنه والد حنون يثني على ابنته المطيعة..فتنهدت يوليا و هي تقف أخيرًا محفزة ؛

_هل نذهب الآن إذًا ؟!!!

رفع نائل عينيه إليها بصمتٍ الآن..بينما وقعت عيناها هي على العطر المحفوظ في نفس المكان منذ دقائق..و قالت تعيد تلكٓ العينين الثاقبتين في تحديقهما إلى عينيه ؛

_ألن تشم رائحته إذًا ؟!!!

رمق نائل العطر بنظرة خاطفة قبل أن ينظر لها مجددًا مجيبًا ؛

_سأفعل...حينما أكون بمفردي !

الآن ظهر بعض العبوس الذي لم يستطع أن يفهمه في ملامح يوليا..و قالت ببديهية ؛

_لماذا ؟!!!

كانت لا تزال تقف حتى الآن بجانب الكرسي الذي تركته منذ قليل..و تلكٰ المرة فقد كان دور نائل ليهز كتفيه مجيبًا ببساطة بالكاد ناسبت صوته ؛

_لا أحِب أن يرى الناس تعابير الانبهار على وجهي !

شعر نائل ببعض الدهشة و هو يرى تلكٓ النظرة تزداد عبوسًا..بينما قالت يوليا تشير إلى نفسها باستنكار بالغ و حقيقي ؛

_الناس ؟! هل تعتبرني حقًا مجرد إنسانة من...سائر الناس ؟!!!

ظهر عدم الفهم على ملامح نائل..و صمت للحظة واحدة قبل أن يهمس رافعًا أحد حاجبيه ؛

_ألستِ واحدة منهم فعلًا ؟!!!

لم يستطع أن يفسر تحديدًا التعبير الذي ظهر في عينيها بعد هذا الرد منه..نظرة تشبه إلى حد كبير..خيبة أمل !! بينما شحبت ملامحها قليلًا..و تسمرت للحظة واحدة قبل أن تفتح فمها لتهمس بنبرة...باردة !

_معكٓ حق..أنا كذلكٓ فعلًا !!!

لم تمهله بعدها لحظة إضافية..التفتت تهم بالاتجاه نحو الباب فعلًا..بينما وقف نائل سائلًا بوجه ممتقع ؛

_إلى أين ؟!!

كانت هناكٰ نظرة غبية قد ارتسمت في ملامحه الحادة بالفطرة..و قد تضاعف شعوره الداخلي فعلًا بالغباء حينما التفتت يوليا..و نظرت له مردفة بنبرة لمح فيها كل شيء إلّا الرضا!

_لقد تذكرت للتو بأنني يجب أن ألتقي بصديقة...إلى اللقاء !

و فقط ! عادت تلتفت لتفتح الباب فعلًا مغادرة ببساطة بالغة !

حينها وجد نفسه هو من يتسمر تمامًا محدقًا في أثرها للحظة واحدة بغباء متضاعف..لكن حتى ذلكٓ الغباء سرعان ما تداعى..و ارتفع حاجباه قليلًا بنظرة إدراك متأخرة..

زفرة محملة بغيظ شديد حرّرها و هو يقترب من الباب هامّا باللحاق بها بسرعة...

كان يسير بسرعة فعلًا..حتى أنه لم يهتم في خضم بحثه عنها إلى الصوت الذي ارتفع يناديه من جانب معين و قد كان لنفسِ الرجل الذي يشغر وظيفته خلف طاولة الاستقبال..

فقد كان شبه مأخوذًا بتلكٓ النظرة التي اعتلت ملامحها قبل قليل إزاء جملته..و بصوتها البارد و استياءها الغريب فقط لكونه قد...كان أغبى من أن يستطيع أن يمنحها الرد الطبيعي الذي يشعر بصدقه حقيقيًا في قلبه..

أنها لا...هي ليست مجرد إنسانة تشبه سائر الناس بالنسبة إليه..في الحقيقة هي لا تشبه أيّ أحد قابله في حياته من قبل أو سيقابله مستقبلًا !!

لقد كانت امرأة..متفردة بنفسها..مميزة بأسلوبها و بشغفها و ميولاتها..امرأة قد يصنفها على أنها الأشد غرابة من كل امرأة قابلها في حياته..و الأهم أنها كانت تملكُ قلبًا جميلًا للغاية...و أجمل ابتسامة في الكون !!!!

توقف أخيرًا أمام الباب الزجاجي الكبير..يبحث عنها بعينيه فقط آملًا أن لا تكون قد غادرت فعلًا..و قد تحقق أمله بالفعل..فلمحها تقف بجانب سيارتها..و قد فتحت الباب هامّة باتخاذ مقعدها..

لولا أنه منعها بصوته الذي ارتفع مناديًا تزامنًا مع يده التي امتدت يغلق الباب فجأة بمجرد وصوله إليها..نفس الحركة التي قام بها في أول لقاء لهما !!

_يوليا !!!!

رمقت يوليا يده التي استقرت فوق زجاج نافذة سيارتها بنظرة جانبية تحمل نفس التعابير السابقة..قبل أن تنقل عينيها العابستين إليه..

فقال يسحب نفسًا عميقًا إلى داخله ؛

_ما فهمته في الداخل.. ليس نفس الشيء الذي قصدته !

شعر بأنه يهذي بكلمات لا معنى لها و هو يرى الطريقة التي ارتفع بها حاجباها قبل أن تعقدهما بتشوش..فتنهد بخفوتٍ و هو يسحب نفسًا جديدًا ينعش به رئتيه..أو ربما كانت غايته الحقيقية منه أن يتدارك قليلًا تلكٓ النظرة المتعطشة في عينيه لـ...

لتأملها أكثر..و لـ...رؤية ابتسامتها للمرة الألف !!!

لكن و لعجزه الشديد..و لإدراكه التام لذلكٓ العجز..فقد اكتفى بأن رفع يده ببطءٍ مخلفًا أثرًا واضحًا لها على زجاج سيارتها..ذلكٓ الأثر الذي لمحته يوليا..قبل أن تنظر في عينيه مجددًا..

حينما قال بصوتٍ أجش..بدون أن يفارق عينيها إلّا مضطرًا حينما يرمش بعينيه ؛

_في الحقيقة أنتِ لا تشبهين أيّ شخص قابلته من قبل.. لقد شعرت بهذا منذ أول لقاء لنا..منذ الوهلة الأولى التي نظرت في عينيكِ و استطعت تمييز ذلكٓ الحزن العميق بهما يومها..منذ أن تحدثت إليكِ..في أول حوار لنا..منذ تلكٓ اللحظة التي وقعتِ فيها فاقدة للوعي بين ذراعاي.. أمام بيتي أنا..باستثناء أنكِ امرأة مميزة إلى درجة أن يستطيع أيّ شخص إدراك هذا من النظرة الأولى لكِ هل تعلمين بماذا شعرت أيضًا ؟!...

صمت فجأة بينما ترقبت عينا يوليا و التي كانت تسمعه بترقب أساسًا..بتمعن و تركيز و بـ..لهفة لسماع المزيد !

و قد منحها المزيد الذي أرادت..منحها تتمة لكلماته بكلمات...أعمق و أجمل مما توقعت أو أرادت !!!

_أنكِ امرأة لن يتكرّر وجودها في حياتي..و لن أنساها ما حييت !!

صمت بعدها ينظر في أعماق عينيها بصدق..بينما تجمدت يوليا..و بهتت عيناها قليلًا لكن لسبب آخر الآن ! فقد كانت تشعر بقلبها يختلج بشدة..و بطريقة ما.. بطريقة غريبة فقد شعرت أيضًا بغصة قوية تخنق حنجرتها..

غصة لا يمكنها أن تصفها بأنها سيئة أو مؤلمة أبدًا..

بالأحرى فقد كانت غصة تأثر ظهر في عينيها و انتقل إلى صوتها الذي ارتفع بسؤال وجيه..و قد لانت ملامحها عن السابق متشحة بنظرة...دافئة الآن !

_ماذا أنا أيضًا ؟!!!

نطقت هذا السؤال بهدف نطقه ليس إلّا..لولا أن نائل أخذه على محمل الجد ربما..فقال يجيبها بنبرة صادقة لأقصى حد..جادة لأقصى حد !!

_أنتِ...تمتلكين أجمل ابتسامة رأيتها في حياتي ! و ليشهد اللّٓه عليّ أنني لم أنطق هذه الجملة لامرأة من قبل رغم أنني كنت متزوجًا !!!!!

هل يمكن للإنسان أن يفقد وعيه و هو يقف على قدميه ؟! لأنها تشعر الآن بأنها قد فقدت وعيها فعلًا !!!

و الأدهى من هذا أن هذا الرجل الذي يقف أمامها يتأملها بأمانة بعد أن استهدف قلبها الضعيف للتو بكلماتٍ نزيهة تمدح في ابتسامتها...لا يدرك هذا حتى !

و حتى لو كان يدركه..ماذا بيده ليفعله غير أن يراقب عينيها و قلبها بينما ينهار بصمتٍ ! بل إنه في بالحقيقة كان يفاقم من وضعها بنظراته تلك !!!

يسألونها عن سبب تواجدها مع رجل كهذا..بينما لو منح أيّ واحد منهم فرصة التعرف عليه ليوم واحد...لوقعوا في حُبه جميعًا رُبما مثلها و أكثر !!!!

إنها تتساءل فقط عن الطريقة التي كان يستطيع بها أن يتفرد بكل تلكٓ الصفات المتناقظة في نفس الآن..الغضب و اللطف..البرود والدفء..خشونة ملامحه المعتادة ضد نظرته الحنونة الآن..

صوته الغاضب الذي قد ينجح ببث الرعب بقلوب رجال أقوياء ضد صوته الـ...مسالم قبل قليل !

حتى لمسة يده كان يمكنها أن تتخذ ألف طريقة و طريقة متناقضة..إذا كانت هي امرأة مميزة إلى ذلكٓ الحد الذي وصفه فماذا عنه هو ؟! ماذا عنه هو إذن ؟!!!!

لم تشعر بتلكٓ الابتسامة التي تسربت من عينيها قبل أن تنتشر بكل إنشٍ في وجهها قسرًا عن إرادتها..و فقط..كان دوره هو لأن ينهار..لكن الفرق الوحيد أنها استطاعت أن تميز ذلكٓ الانهيار في عينيه..

لقد...فقد وعيه مثلها ! و كم تمنت لو تستطيع أن ترفع يدها بكل هدوء الآن فقط لتلمِس بها موضع قلبه المجنون بخفقاته مربتة برفق شديد !!!

لكنها اكتفت في تلكٓ اللحظة بالشيء الوحيد المسموح لها..تأمل تلكٓ النظرة في عينيه..و ترقب طيف الابتسامة الذي احتل تلكٰ العينين ببطءٍ..هدية جديدة يمنحها لها اليوم !! عربون شكر مثالي على هديتها !!

ثم كان يدس يديه في جيبيه هامسًا بنبرة شابها شيء من...الراحة !!

_هل نذهب إذن......

نظرت له يوليا حينها بغباء..فقال يستأنف بخفوت..لا يشعر بذرة حاجة ليسألها عن موعدها مع صديقتها لأنه يعلم بأنها كانت تكذب !!!

_للتنزه ؟!!!!

إيماءة بطيئة ضائعة تمامًا منحتها له يوليا..و قد كان ليشكّ من كونها قد سمعت سؤاله..لولا أن طرفت برموشها ببطءٍ..و أزاحت عينيها عنه على مضض ليس إلّا لتتجاوزه مقتربة من سيارته القريبة..

راقبها نائل للحظة..قبل أن يقترب منها هو الآخر تزامنًا مع وصولها لسيارته..و امتدت يده تلقائيًا يفتح الباب الخاص بالمقعد الملاصق لمقعده و الذي أصبح مدونًا باسمها الآن..فهي كانت حرفيًا..أول شخص يصعد إلى جانبه في ذلكٓ المقعد منذ أن استبدل سيارته القديمة الغالية أضعافًا بهذه السيارة قبل سنة..

و قد كانت غايته وقتها أن يؤمن بقية المبلغ الذي يحتاجه لاستئجار هذا المكان حيث يقفان الآن أمامه.. قبل أن يجد نفسه و قد تخلى عن كل شيء يمتلكه باستثناء البيت القديم حيث كان يعيش هو و عائلته الصغيرة..

ذلكٓ المكان الذي كان ملتزمًا بدفع إيجاره كل شهر و لا يزال حتى يومنا هذا..حريص بقلبه و روحه على حماية ذكرياته الجميلة بداخل جدرانه !!

رمقته يوليا بنظرة أخرى..كانت نظرة أطول قليلًا الآن و أعمق من السابقة..قبل أن ترفع يديها لتكرّر نفس الحركة المستفزة نوعًا ما..حينما تستند بإحداهما إلى طرف الباب المفتوح و بالأخرى إلى طرف المقعد نفسه لتساعد نفسها في الصعود..

أغلق الباب بعدها بهدوء و هو يراها تسحب حزام الأمان تغلقه حولها بكل بديهية..قبل أن يستقل مقعده بخفة بالغة..لكنه لم ينطلق فورًا..نظر لها سائلًا باهتمام أصبحت تستطيع تمييزه في صوته الذي قد يبدو للعالم أجمع باردًا فقط بنبرة محدّدة واحدة لا تتغير !!

_أين تريدين الذهاب اليوم ؟!! هل إلى الساحل أو لتناول الطعام ؟!!!

فقالت تبتسِم ببساطة بالغة ؛

_دعنا نتناول الطعام في الساحل ! ألا يمكننا !!!

شعرت بأنها تملكِ العالم فقط لكونه قد منحها تلكٓ الإيماءة الجديدة..ثم نظر أمامه مجددًا يهم بالإنطلاق كشخصٍ مجهز بمهمة تحقيق أمنياتها..لكنه عاد ليتراجع للحظة..ثم نظر لها مردفًا الآن ببطءٍ ؛

_لن ألمِس العطر أو أشم رائحته إلّا حينما تكونين بجانبي !!

هل يقصد...بأنه سيلمسه اليوم..أو غدًا ؟! لأنها في جميع الحالات لم تعد تملكُ إمكانية أن لا تكون بجانبه لمدة يوم واحد حتى !!!

لكنها فقط..أومأت له ببطءٍ موافقة..و لم تستطع..بل لم تحاول حتى أن تبعد أنظارها عنه حتى بعد أن التفت شارعًا في القيادة إلى وجهة حدّدتها هي..رغم أن الوجهة كانت آخر ما يهمها و هي بجانبه !!

____________________________

اليوم أيضًا..تفاجأ بأنها ستخرج في نفس الوقت معه..و اليوم أيضًا..وجد نفسه عاجزًا عن عدم التفكير بها بين كل دقيقة و أخرى تحتل عقله فيها يوليا..قبل أن تقاطع خلوة عقله تلكٓ صورة جديدة لها هي..

و تزداد أفكارة وطأة كلما التقى بها أو رآها من البعيد..و قد التقى بها لعدة مراتٍ فعلًا..كان من إحداها ذلكٓ الاجتماع الضروري الذي حضر فيه خاله بصفته رئيس و مالك المشفى و جميع الأطباء المتاحين في تلكٓ الساعة..

لم تكن يوليا موجودة اليوم..لكنها هي كانت هنا..و لسوء حظه أو لا يعلم ربما لحسنه..فقد اتخذت المقعد المقابل له برفقة بمجموعة من الزملاء..كانت عيناها منشغلتان طوال الوقت بالنظر صوب خاله الذي لم يتوقف عن التحدث بتركيز..

بين لحظة و أخرى تسقط أنظارها لترمق بعض الملفات أمامها بنظرات عملية..و في لحظات أخرى..كان يشعر بها و كأنها ترمقه هو بنظرة خاطفة بالكاد يستطيع التقاطها قبل أن تلتفت مجددًا -متظاهرة- بأنها لا تراه !!!

لكن هل تظاهرها نجح ؟! قطعًا لا !!! أساسًا لطالما كانت ممثلة فاشلة و بشهادة الجميع من حولهما !!! كما أصبح هو غالبًا !! أو يخشى من أن يصبح !!!

أحيانًا تراوده أفكار غريبة فعلًا..كأن يقف أمامها و يلقي بالسؤال الوجيه مباشرة..هل حقًا تحِبينني ؟!! هل...تلكٓ الإشاعة المنتشرة في جميع الأرجاء صحيحة !!! أم أنها مجرد أوهام صنعها الفضول و صارت تؤطرها كما يؤطر رجل حزين صورًا لأجمل ذكرياته خوفًا من تلفها !!!

و الأهم..إن كان ما يظنه الجميع صحيحًا..لماذا ؟!! لماذا تقع فتاة مثلكِ في حُب رجل مثلي ؟!! إنه لا يستنكر أن تقع أيّ امرأة في حبه..فقد كان يعرف قدر نفسه جيدًا و يدرك قيمتها..لكن المفارقة الحقيقية هنا كانت هي !

كونها ليست امرأة تقع في حُب رجل لا تعرفه من شكله الخارجي فقط ! ليست امرأة تصاب بالإنبهار فقط لكون رجل ما قد نظر في عينيها باهتمام في لحظة عابرة..أو خاطبها ببعض اللطف أحيانًا !!

و هي لا يمكن أن تكون قد وقعت في حُب مكانته الاجتماعية و خلفية عائلته المرموقة طبعًا !

فماذا إذن ؟!

إلّا إذا كانت كل تلكٓ الأفكار نفسها هي مجرد وهم من عقله الذي يشعر به بدأ يفقد زمام الأمور في آخر آونة !!

الحقيقة أنها واحدة من المرات القليلة التي يدخل فيها اجتماعًا و لا يعرف موضوعه..المرة الأولى الذي يجلس في منتصف اجتماع مهم كهذا و لا يستمع إلى ما يقال بجانبه..

لقد كان في العادة شديد التركيز..لا يمكن أن تخرج كلمة واحدة من بين شفاه خاله إلّا و يكون قد سمعها و استوعبها كليًا !!!

لكنه يشعر بنفسه الآن و قد بدأ يفقد تركيزه إلى أفكار هوجاء..إلى ملامح...جميلة !! لفتاة لا يعرف إن كان عليه أن يصنفها شقراء..كيف و عيناها و حاجباها كانتا على النقيض من شعرها ! كيف و هو يعلم بأن لون شعرها الحقيقي كان يماثل لون عينيها و حاجبيها !!!

لولا أن قرّرت لسبب لا يعرفه أن تغير لونه الحقيقي مستبدلة إياه بلونه الحالي و الذي يشبه خاصة يوليا نسبيًا ! ليتها تستعيد لونه الحقيقي فقط !!!

إلى أن انتفض فجأة ملتفتًا إلى خاله الذي كان قد وقف بعد أن أعلن انتهاء الاجتماع..ذلكٓ الاجتماع الذي لم يكن هو جزءًا منه بأيّ طريقة..رمقه خاله أثناء ابتعاده بنظرة حازمة آمرًا ؛

_مرّ على مكتبي قبل أن تغادر..أريد التكلم معكٓ قليلًا..

فأومأ له كالمغيب تمامًا..و ما كاد أن يبتعد خاله مغادرًا الغرفة الكبيرة حيث لحق به معظم الأطباء هنا..حتى كان يعود ليلتفت صوبها..و هناك..وجدها لا تزال تقف بعد أن وضبت كل الملفات و رفعتها بين ذراعها الأيمن تهم بالخروج أيضًا..

لكنها تسمرت قليلًا حينما التقت عيناها بخاصته..و هكذا فعل هو الآخر..وقف بهدوء بدون أن يزيح بأنظاره عنها و لو لثانية واحدة..فقد توقف كلاهما على بعد تلكٓ المسافة الشبه ملحوظة..و قد كان الشيء الوحيد الذي يفصل بينهما الآن هو الطاولة الذهبية الكبيرة الطويلة..

كانت ميرنا اليوم ترفع شعرها بالكامل بمجموعة مشابك أنيقة مثبثة في أماكن معينة من شعرها بأناقة شديدة.. بينما الباقي منه مرفوع في عقدة أنيقة بنفس القدر..و قد بدت..بشهادة عينيه فقط...جميلة !!!

هو لم يكن يعرف بأنها جميلة من قبل إلى هذا الحد ! أو بالأحرى...إنها المرة الأولى التي يراها جميلة حقًا !!

المرة الأولى التي تتمعن فيها عيناه النظر لكل تفاصيل ذلكٓ الوجه شاعرًا بأمس الحاجة لفعل ذلك..المرة الأولى التي يحدث صوتها الذي ارتفع بعد لحظاتٍ تأثيرًا في قلبه..و إن كان صغيرًا رغم أنه لم يعد يؤمن بمصداقية تلكٓ الكلمة فيما يخص وضعه الجديد هذا بعد !!!

_عن إذنك !!

و فقط..التفتت بعدها تقترب من الباب فعلًا بخطواتٍ هادئة..و ظل هو واقفًا في نفس المكان يراقب أثرها إلى أن اختفت..حينها فقط كان يهز رأسه بغاية واحدة..أن يستميل بعض التركيز الإضافي إلى عقله..

قبل أن يقرر مغادرة الغرفة هو الآخر عائدًا إلى عمله..

و ها هو ذا يجد نفسه..بعد انتهاء دوام عمله اليوم..و ذهابه إلى خاله ليستمع إلى حديثه الذي لم يتطرق فيه اليوم إلى موضوعهما الأساسي..يوليا..إلّا بسؤال صغير مختصر..

" كيف هي علاقتكما الآن ؟ ألا زلتما تلتقيان ؟!! "

و قد منحه هو جوابًا مختصرًا أكثر..جوابًا خرج بنبرة شبه جافة..

" أحيانًا ! "

قبل أن ينظر له مجددًا سائلًا عن سبب استدعائه و كأنه يطلب من خاله بطريقة منمقة أن يعفيه من التحدث بهذا الموضوع أكثر..و قد فعل خاله..بعدها علم منه بأن غايته الحقيقية من هذا الاستدعاء كان أن يطلعه على تلكٓ الرحلة الطبية التي ستبدأ في غضون شهرين من الآن..

متساءلًا إن كان يود الانضمام أيضًا بعد أن أخذ موافقة يوليا مسبقًا...

كانت رحلة طبية من الرحلات التي يقرر مشفاهم التطوع إليها بدون انتظار مقابل مادي..فيذهبون إلى أحد القرى النامية نوعًا ما و المتضررة للإهتمام بأهلها..و هو بطريقة ما..لطالما أحب هذه الرحلات بدون سبب مقنع سوى ذلكٓ الأثر المريح الذي كانت تخلفه في قلبه و يمتد بعدها إلى أيام و أشهر !!

لغباءه الشديد..كاد لسانه أن يتهور ملقيًا أغبى سؤال في حياته..

" هل ستنضم الدكتورة ميرنا أيضًا ؟!! "

لولا أن نجح بمشقة بتدارك نفسه..فزم فمه شاتمًا نفسه داخليًا بغيظ..قبل أن يهز رأسه ببطءٍ ليفتح فمه مجيبًا بما توقعه خاله ؛

" سأذهب ! "

و قد كانت تلكٓ المرة الأولى حرفيًا..التي لا يتدخل فيها قرار يوليا في قراره !

كانت المرة الأولى التي يعلن فيها موافقته بدون أن يستحضر صورتها..و يستحضر صورًا مستقبلية له بينما يهتم بها و يراقبها كولي أمرها غير المباشر !!!

فكرة لم يعرف أيصنفها جيدة أم سيئة..لكنه تنهد في جميع الأحوال مجليًا ذهنه و هو يتلقى رد خاله الذي كان عبارة عن إيماءة تشجيع..قبل أن يشير له إلى الباب سامحًا له بالرحيل..

و لم يعلم خاله..لن يعلم أبدًا أي حالة غريبة وجد نفسه يغرق فيها و هو يتجه إلى الباب سريعًا مدركًا بأنها قد غادرت و كل غايته ربما...أن يلقي عليها نظرة أخيرة !

أو ربما فقط يتظاهر بأنه رآها بالصدفة و يعرض عليها أن يقلها !!!

و قد وجدها فعلًا..كانت تقف في الرصِيف تنتظر سيارة أجرة ربما كما العادة بما أنه لم تكن تملكُ سيارة..لكن أول شيءٍ لاحظه و جعله يتوقف مكانه فوق نفس الرصيف.. يراقبها من مكانه البعيد نسبيًا..بأنها لم تكن تطلب سيارة أجرة..بل كانت...تتحدث في الهاتف بتركيز !!

عقد حاجبيه ببطءٍ و هو يدس يديه في جيبي بنطاله يراقبها بتفانٍ غريب..و رغم كل محاولاته لإزاحة عينيه أو التظاهر بأنه يتفقد المكان حوله بدون سبب..إلّا أن فشلًا ذريعًا كان يقابله في نهاية كل محاولة فيجد نفسه و قد استسلم منشغلًا بها مجددًا..

إلى أن لمح أخيرًا سيارة أجرة تتوقف أمامها..و أنزلت هي الهاتف راسمة ابتسامة لم يستطع أن يفهمها..انتظرها بعدها أن تقترب من السيارة لتصعد و قد كانت غايته التأكد بأن كل شيء طبيعي...

أم أنها كانت تبتسم للسائق تلكٰ الحمقاء !!!

استطاع أن يستوعب خطأ كل أفكاره حينما لمح الباب الأمامي و هو ينفتح بسرعة ثم...ثم خرج شاب طويل نحيف لم يستطع أن يلمح وجهه بالكامل..لكنه استطاع بالطبع أن يلمح ابتسامته الكبيرة..

و تلكٓ اللهفة التي اقترب منها بها إلى أن...إلى أن ضمها بقوة !!! لقد ضمها فعلًا !!

ضمها بقوة و فعلت هي إلى درجة أن ارتفعت أقدامها عن الأرض و تحولت ابتسامتها إلى ضحكة شعر بأنه قد سمع صداها من مكانه رغم أنه لم يفعل !!

هو فقط...وجد نفسه يتراجع خطوة مترنحة شبه مرئية بملامح شحبت تمامًا..و قد مات كل غروره..ماتت كل أفكاره السابقة و ذلكٓ الحماس الغريب الذي كان يحتله و كأنه لم يكن !!

هل يعقل أن تكون مرتبطة ؟!! هل كان يهذي طوال الوقت بمعتقدات مجنونة عن إنسانة لا يعرف عنها حتى الآن إلّا اسمها و عنوان منزلها و القليل من المعلومات الباهتة عن خلفية عائلتها !! هل يعقل ؟!!!

فغر فمه ببطءٍ على نفس ثقيل و هو يراقبها بينما تبتعد أخيرًا..تنظر إلى وجه ذلكٓ الشاب الغامض..تحاوط ذلكٓ الوجه..تبتسم له بمٓحبة شديدة..حتى أنها قد اقتربت منه قليلًا تستند بجبينها إلى خاصته و تحركت شفاهها هامسة له بكلماتٍ لم يسمعها..

قبل أن تبتعد مجددًا مستقبلة قبلة بمنتهى الرحابة طبعها ذلكٓ الملتصق بها فوق جبينها..ثم امتدت يده تتمسكُ بيدها بكل بديهية إلى أن فتح لها باب السيارة محفزًا إياها على الصعود في المقعد الخلفي..

و هي صعدت..بكل رحابة ! قبل أن يصعد هو الآخر بجانبها..و تنطلق السيارة بعيدًا تاركة رجلًا أنيقًا..يراقب أثرها بملامح ضائعة تمامًا..مندهشة و مذهولة كلوحة مرسومة بأنامل رجل مات بالإحباط مسبقًا..

و قد تركٓ وصية أخيرة يسرد فيها قصته..عبارة عن تلكٓ اللوحة الباهتة غير المفهومة لأيّ أحد..حتى لنفسِه !!

_________________________________

منذ متى و هي تنتظر ظهور تلكٓ العلامة بدون جدوى.. تلكٓ العلامة التي تثبت لها بأنه قد قرأ رسالتها و سيأتي سريعًا..لكنه لم يفعل للأسف...و لم تعد تظن بأنه سيفعل !

ساعات أمضتها في غرفتها بمنزل عائلتها..بين الجلوس أحيانًا على طرف السرير أو التجول بدون هدف أو حتى الوقوف خلف حاجز الشرفة متأملة اللا شيء..لم يفارق الهاتف يدها في أيّ منها..

ثم في النهاية حينما بدأت تشعر بالسؤم من الانتظار.. تنهدت بخفوتٍ و هي تعود إلى الغرفة تاركة باب الشرفة مفتوحًا خلفها..و ما فعلته كان أن وضعت الهاتف فوق منضدة قريبة قبل أن تقترب من الحمام تهم بالاغتسال رغم أن غايتها الحقيقية كانت تخفيف البعض من توترها..

لكنها كانت متأكدة بأنها لن تنام هذه الليلة إلّا في غرفتها هنا..في جميع الحالات سواء أتى أو لم يأتي...

كفى...إنها تشعر بالتعب..لقد تداعت كل طاقتها السابقة و لم تعد تشعر بقابلية صمودها أكثر أمام عينيه بدون أن... تبوح بكل شيء..بدون أن ترسم الخط الفاصل لكل شيء..

و ستفعل...غالبًا هذه الليلة !!!

دقائق توقفتها تحت المغسلة تطبق رموشها بقوة محاولة استمداد كل ذرة تركيز و ثبات موجودة في العالم..لكن عبثًا فقد كانت تشعر بنفسِها تتآكل من التوتر..إلى أن خرجت في النهاية ترتدي رداء الحمام الأزرق الذي كان يلامس بطوله ركبتيها..و يكاد أن يبتلع جسدها المرهق..

كان أول شيءٍ اقتربت منه هو المنضدة المحفوظة بجانب خزانتها الكبيرة..لترفع هاتفها متفقدة نفس الرسالة البائسة..لكنها تفاجئت الآن و هي ترى العلامة التي تدل على أنه قد قرأها فعلًا...قرأها أخيرًا !!

لكنه لم يمنحها أيّ رد عكس ما توقعت..و لم يبدو بأنه سيمنحها أساسًا بما أنه قد غادر خانة الدردشة قبل أكثر من ثلاث دقائق بالفعل !!!

طرفت برموشها ببطءٍ و هي ترفع يدها الحرة إلى شعرها المبلل تتخلله باضطراب..قبل أن تلتفت قليلًا تهم بالإقتراب من السرير الوثير فقط لتلقي بثقلها عليه لبضع لحظاتٍ ثم تتصل به مجددًا..

أو لعلها تجد حلّا بديًلا بأن تذهب إلى مقر عمله بنفسِها للبحث عنه في حال لم يكن في المنزل و هي تكاد أن تكون واثقة بأنه ليس في المنزل...فليس من شيٓم وائل أن يتجاهل رسالة لها بهذا الشكل تحت أيّ ظرف..

قد يكون زوجها يمتلكُ عيوبًا كثيرة إلى درجة تجعل من الصعوبة عدها..لكن هذه ليست إحداها بالطبع !

لكنها ما كادت أن تفعل..ما كادت أن تلتفت بالكامل أو توحرك خطوة إضافية واحدة حتى..حتى كانت تتسمر تمامًا حينما وقعت عيناها على منظر غريب...منظر بث الرعب في أعماقها !

فقد كانت الرسائل...نفسها التي مزقتها من المنتصف و ألقت بها في سلة المهملات قبل دقائق طويلة...

ملقاة الآن فوق السرير..جميعها تقريبًا!

شعرت بالعالم كل يدور بها..حتى أن الهاتف وقع من بين أناملها التي ارتخت تمامًا ليصطدم بالأرض بصوتٍ مسموع..و ارتعشت أطرافها شاعرة بعقلها يفقد تحكمه في كل شيء..حتى في حركة جسدها الذي ظل متجمدًا بلا حركة للحظات..

كانت ترتعش...كل ما فيها ارتعش مدركة بأن وائل وجدها..لقد وجد وائل الرسائل بطريقة لم تفهمها و لا تشعر حتى بأدنى اهتمام لفهمها..كل ما تفكر فيه الآن هو أن وائل وجدها...لقد وجد الرسائل فعلًا بنفسه !!!

رباه كيف عساها أن تمتلكٓ الجرأة للنظر في وجهه الآن و إن كان هنا..و هي تشعر بأنه هنا...إنه هنا فعلًا !!!

دمعة وحيدة..يتيمة للغاية انزلقت ببطءٍ من عينها و هي تبتلع ريقها بصعوبة..تزم فمها مطبقة أناملها أيضًا بقوة.. لكن حتى محاولاتها تلكٓ لم تنجح بتخفيف حدة توترها.. و لا بأن تغير الواقع مرجعة الوقت إلى الوراء بضع ساعاتٍ فقط !

ليتها ما استمعت ليوليا..ليتها تركت تلكٓ الرسائل بسيارته..أما كان سيكون الوضع أهون كثيرًا ؟! أيّ فخ غريب هذا الذي أوقعها فيه القدر ؟!

و الذي يستمر في إيقاعها به !

و كأنها قد ارتكبت ذنبًا عظيمًا إلى درجة أن كل سنوات حياتها لن تكفي لتعويضه !!!

ربما كانت تعلم ماهية ذنبها..ذنوبها..خذلانها الأول لمجد بقرار الرحيل مع والدها حتى و إن لم يكن في نيتها أن تفعل..خذلانها لوائل حينما توسلها أن توجد حلّا لمعضلة زواجه منها..و ذاك الأمر لم يكن بيدها أيضًا...

و الأهم يوليا..ذنبها العظيم في حق يوليا !!! ثم تأتي هذه اللحظة..و خيانتها العظيمة لوائل..لزوجها..حتى و إن كان لفظ خيانة أشد قسوة من استعماله..لكن ماذا يمكنها أن تطلق على تصرفها بالأمس ؟!!!

ما الذي فعلته في حياتها أساسًا غير أنها خذلت أقرب المقربين إليها و خذلت نفسها !!!

بعد تلكٓ الأفكار القاسية التي رفضت أن تتلاشى من عقلها..خاصة سؤالها الأخير..وجدت نفسها تلتفت ببطءٍ شديد..إلى أن نظرت له مباشرة..

و قد كان فعلًا متواجدًا هنا كما توقعت !

كان وائل يجلس في أحد المقاعد الوثيرة الخاصة بالبهو الجانبي الأنيق بغرفتها..لكن لا طريقة جلوسه..لا ملامحه أو شكله الآن...كانت تشبه المكان الذي يجلس به !

لقد كان يبدو ببساطة..بجلسته المتذبذبة المستسلمة بينما يميل بجذعه إلى الأمام مسندًا مرفقيه إلى ركبتيه..مشبكًا أنامله ببعضها بلا هدف..بثيابه المجعدة عكس العادة..بدءًا من سترته الرمادية إلى قميصه الرسمي المجعد تحتها..بشعره المبعثر تمامًا بلا ترتيب.. بنظرته إلى عينيها..نظرته الـ..فارغة كليًا !!

كرجل مات مسبقًا !!!

مات قبل لحظاتٍ..قبل دقائق...و تلكٓ التي تجلس أمامها هي جثته المتحركة !!!

حتى أن تعابيره لم تتغير برؤيتها..و نظرة عينيه ازدادت فراغًا و...قتامة بعد أن قابل عينيها !!!

و لم يحاول التحرك أبدًا أو تغيير وضعيته..لولا أنها لم تكن تنتظر تلكٓ البادرة منه..فقد وجدت نفسها تقترب منه تلقائيًا بخطواتٍ حملت لهفة لا تحصى و لا توصف بكلمات..

إلى أن وصلت إليه و انخفضت تجلس القرفصاء أمام قدميه..رافعة عينيها و يديها إلى وجهه تحاوطه بشدة..و همست أمام عينيه بلهفة..بنبرة شخص يقف على شفا لحظة واحدة من موته فعلًا !!!

_وائل...وائل أرجوكٓ اسمعني..امنحني فرصة للشرح.. وائل..وائل أنا..أنا كنت..كنت سأخبرك..أقسم باللّه..لهذا أساسًا أرسلت لكٓ تلكٓ الرسالة..أنا................

كانت تهذي بكلماتٍ غير مترابطة تمامًا..لكن حتى كلماتها.. حتى حزنها و تلكٓ اللهفة المتقظة بعينيها لم تنجح بأن تغير من تعابيره شيئًا اليوم..

هو لم يأبه حتى بذلكٓ الخوف الشديد في عينيها..و بطريقتها في احتضان وجهه بيديها..حينما قال يقاطع هذيانها فجأة بصوتٍ...

فارغ كليًا كنظرة عينيه و ملامحه !

_بماذا ستخبرينني ؟!!!!

تراجعت ضحى قليلًا بعينيها فقط..و شحبت ملامحها تمامًا حتى كادتا أن تماثلان الجدار المقابل له بياضًا..و عجزت تمامًا الرد بكلمة و كأنه قد كمّم فمها لا بسؤاله... بل بنظرته تلك !!

هل سيحدث ما كانت تخشى منه دائمًا ؟ هل ستفقد وائل ؟!!! هل...ستفقده ؟!!!!

كانت يداها الباردتان لا تزال على وجهه..حينما فتح وائل فمه مكرّرًا بنبرة ارتفعت قليلًا لكنها لم تفقد برودها أو ذلكٓ الخواء العميق بها ؛

_بماذا ستخبرينني ضحى ؟! بماذا كنتِ ستخبرينني ؟!! لقد قلت للتو بأنكِ كنتِ ستخبرينني...بماذا كنتِ ستخبرينني يا ترى ؟! هل بنفس الشيء الذي نظرت في عينيكِ و سألتكِ مرارًا أن تشاركيني إياه...... ؟!!!

كانت ملامحها تزداد شحوبًا أكثر بعد كل سؤال جديد وحدها تدرك داخليًا بأنه ليس بسؤال حقيقي ! لقد كان وائل...يسخر منها !!! يسخر من محاولاتها البائسة للتو و من كل محاولاتها السابقة !!

يسخر من ادعاءها الصادق تمامًا بأنها كانت ستخبره فعلًا..يسخر من قدرتها المبهرة على الكذب..و من كل المرات التي نظر في عينيها مستفسرًا بدون أن يجد لقلقه أجوبة مرضية !!!

هذا ما قد يبدو عليه الأمر فعلًا..أنه يسخر منها...لكنه في الحقيقة كان يسخر من نفسه !!

و دليل هذا النظرة التي ظهرت في عينيه بعدها..نظرة شديدة..اليأس..شديدة..الإحباط ..شديدة الاستسلام.. دليل هذا حركته التالية..حينما رفع يده ليلمس يديها المرتجفتين على وجهه..

احتواهما للحظة واحدة بين يديه اللتين شعرت بهما بطريقة ما..أشد برودة من يديها..

و لأول مرة خلال خمس سنوات..يكون هدفه من ذلكٓ الاحتواء أن...يبعدها !

فقد أزاحهما..أزاح يديها من على وجهه تاركًا إياهما تسقطان باستسلام تام بجانبها..ثم وقف ببطءٍ ليتجاوزها مخلفًا نفس الفراغ في عينيه في أعماق روحها..و ظلت هي جالسة في نفس المكان..فوق الأرض أمام مقعده الفارغ..تناظر اللا شيء أو ربما ما كانت تتأمله الآن.. صورًا من مستقبل قريب لن يكون وائل ضمنه !!!

لقد كانت تعرف وائل جيدًا..وائل لا يشبه أيّ رجل آخر.. وائل لا يشبه أيّ شخص قابلته طوال حياتها..إنه لا يشبه خالها في صرامته و قسوته..

لا يشبه مجد في أسلوبه الساخر و لسانه اللاذغ..

لا يشبه يوليا في طريقة تعاملها الجادة مع الأمور..في حبها و تفانيها لتحمل مسؤولية كل شأن يخصّ حياتها..

و لا يشبهها هي في تخاذلها العاطفي..و في طريقة حبها الهستيرية لكل المقربين منها.......

لقد كان وائل و كأنه مزيج من كل ذلك..مزيج من جميعهم مع بعض الصفات الأخرى المتطرفة التي خلق بها أو ربما اكتسبها بمرور الزمن..لقد كانت تعرف وائل جيدًا جدًا.. أكثر من نفسها ربما...

و وائل الذي تعرفه...لن يسامحها !!!

_______________________________

مساء الفل...كيف حالكم ؟! ❤

ام سامي likes this.

شيماء أمارة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-25, 01:26 PM   #35

ام سامي

? العضوٌ??? » 519366
?  التسِجيلٌ » Jun 2024
? مشَارَ?اتْي » 265
?  نُقآطِيْ » ام سامي is on a distinguished road
افتراضي

نورتي حبيبتي اشتقنالك فصل أكثر من رائع وائل عرف بالموضوع بطريقة خاطئة الله يجيب العواقب سليمة يا عمري على نائل و يوليا ثنائي المفضل تعجبني حواراتهم
مجد ههه ضحكت من أعماق قلبي عليه وقعتو ميرنا في شباكها
شكرا على الفصل رواية جميلة جدا ❤️❤️


ام سامي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-25, 01:30 PM   #36

ام سامي

? العضوٌ??? » 519366
?  التسِجيلٌ » Jun 2024
? مشَارَ?اتْي » 265
?  نُقآطِيْ » ام سامي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء أمارة مشاهدة المشاركة
ملاحظة ؛
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته غالياتي..
حابة أعتذر منكم بشدة بسبب عدم نزول الفصل في موعده المعتاد (يوم الأربعاء) و ذلكٓ بسبب إنشغالي الشديد..كما أنني كنت أمر بوعكة صحية امتدت لأيام و الحمدلله..
بإذن الله سينزل الفصل اليوم..ربما بعد بضعة ساعات قليلة ❤❤
ثانيًا..
كنت أفكر في تنزيل رواية أخرى لي في المنتدى..رواية مكتملة تمامًا عندي و جاهزة مسبقًا بما معناه أنني لو قمت بننزيلها فعلًا فبإذن الله التنزيل سيكون سريعًا و على فترات مقابلة..ربما فصلين في الأسبوع..
لكنني أريد أن أسمع بعض الآراء أولًا ????????
فقط..أحبكم في الله ❤
غاليتي ما أعرف أقتبس بخصوص تنزلين رواية جديدة إذا كانت مثل هالإبداع ما نقول لا ❤️


ام سامي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:18 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.