شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   75 - أرياف العذاب - آن ميثر - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (https://www.rewity.com/forum/t4940.html)

لورا 09-01-08 07:36 PM

75 - أرياف العذاب - آن ميثر - ع.ق ( كتابة / كاملة )**
 
***~~~ أرياف العذاب~~~***
للكاتبة ان ميثر
روايات عبير قديمة 75
كتبتها لورا

الملخص:


رياح الحب تمر بالانسان وتحمله معها الى الاعالي....
ولكن احيانا يأتي الحب مع ندى الصباح هادئنا حنونا خجولا
مقنعا بقشرة لا تلبث ان تتكسر على شاطئ العواطف والمشاعر المتأججة.
جايك هوارد الجذاب ورجل الاعمال الناجح الذي يكتسح الاخضر واليابس في سبيل مجده وتوفقه
اختار هيلين الجميلة صاحبة النسب العريق ليتمم نجاحه ونصفه الاخر
((اشتراها)) في ظروف مادية صعبة كانت تمر بها.
ومضى قطار الزواج عدة سنوات مغلفا بسعادة زائفة امام المجتمع.....
الاذلال والتحقير اللذان يعاملها بهما جايك وهذا الكابوس المرعب
الذي اسمه النجاح والمال لم تعد هيلين تتحمله....
استفاقت مشاعرها في اول عطلة تمضيها مع زوجها
فأبت العودة الى الوراء والعيش في ظل الظروف الماضية.
اتبقى معه وهو الذي يرفضها فتلملم حبها وتسكت؟
وما هو موقف جايك حين تطلب الطلاق?
رابط الكتاب وورد
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

رابط الكتاب pdf
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
رابط الكتاب txt
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


لورا 09-01-08 09:18 PM

1-مرآة الذاكرة

كان القطار السريع يقترب من محطة كينغز كروس في لندن تحيط به على الجانبين ابنية سكنية عالية ليست محببة ابدا الى قلوب مخططي المدينة وضواحيها. كانت ناطحات السحاب الشاهقة الارتفاع اكثر توافقا مع متطلبات العصر الحديث وبالتالي اكثر ازعاجا لمشاعر الذين خططوا في الماضي لكي لا يرتفع اي مبنى في عاصمة الضباب او ضواحيها عن طابقين او ثلاثة.
رفع جايك هوارد نظره عن الاوراق المبعثرة امامه ولاحظ باستغراب انه لم يشعر بانقضاء ساعتين ونصف الساعة تقريبا على مغادرته يورك. كم اصبح التنقل سهلا هذه الايام! كان بامكانه طبعا ان يستقل الطائرة من يورك الى لندن ولكنه يفضل القطار السريع لانه يستمتع كثيرا بالرحلة والسبب الاهم لذلك ان رحلة القطار تذكره بأيام شبابه وبانطباعته الاولى عن المدن الكبيرة وبأنه كان شابا طري العود لم يختبر الحياة ويجربها.
نقر احد مضيفي القطار باصبعه على باب مقصورته الخاصة وحياه بتهذيب وعندما اشار اليه جايك بالدخول فتح المضيف الباب وقال بأدب:
" ربع ساعة فقط يا سيد هوارد ونصل الى كينغز كروس. هل هناك اي شئ اخر تحتاجه يا سيدي؟ هل احضر لك شرابا اخر مثلا؟ "
هز جايك برأسه وتناول من جيبه ورقة الخمس جنيهات وقال للمضيف وهو يعطيه اياها:
" لا شئ شكرا. ولكن يمكنك تأمين ارسال حقائبيالى السيارة لدى وصولنا "
" طبعا يا سيدي. ارجو ان تكون استمتعت بهذه الرحلة "
استوى في مقعده وقال بعظمة مفتعلة:
" الى حد ما شكرا "
ابتسم المضيف بتهذيب واحنى رأسه مودعا ثم غادر المقصورة. اما جايك فقد بدأ بجمع اوراقه المبعثرة على الطاولة امامه ويضعها في حقيبته. وكان خلال هذه الرحلة من يورك الى لندن يقيم ويدرس صفقة هافيلاند التي عقدها في الاونة الاخيرة وشعر جايك من خلال تقييمه بأنه واثق من عدم وجود عثرات او عوائق مفاجئة. فشركة هافيلاند للكيماويات ستصبح قريبا جزءا من مؤسسة هوارد العملاقة. انهى جمع اوراقه وتوضيبها في الحقيبة واشعل سيكارا فخما واخذ يقارن بين الفرق الشاسع بين الطقس الحار في الساحل الغربي للولايات المتحدة والطقس البارد في انجلترا وابتسم جايك قائلا في نفسه انه حقا برنامج غريب وفريد للعودة من كاليفورنيا الى لندن عبر غلاسكو في سكتلندا ومحطة السكة الحديدية في يورك. ولكن هذا هوخط سيره المعتاد فهودائما يمضي الليلة الاولى لعودته الى انجلترا مع امه التي تقيم في سلبي بمقاطعة يوركشاير ولذلك كان يستقل الطائرة من لوس انجلوس في كليفورنيا الى مطار بريستويك في غلاسكو ومن هناك يتجه جنوبا.
وتحولت افكاره الى لندن ةالى اللحظات المزعجة التي يمضيها بين الانتقال في القطار الى سيارته الفخمة التي يقودها سائقه الخاص. وكذلك الى وصوله في نهاية الامر الى منزله الرائع في ميدان كيرسلاند الراقي والى.....هيلين زوجته. . .
برقت عيناه عندما فكر بهيلين من المؤكد انها استلمت الورود الحمراء التي ارسلها اليها من غلاسكو ومن دون شك ستكون مستعدة لاستقباله والترحيب به. وتذكر بسرور تلك الامسيات الرائعة التي كان يمضيها مع زوجته بعد كل رحلة الى الخارج وكيف يمتعها ويبهجها طوال السهرة بأخبار تلك الرحلة وتفاصيلها ووعد نفسه بليلة مماثلة تصغي فيها هيلين الى انباء رحلته الاخيرة. هيلين دائما تصغي. وشعر جايك مرة اخرى بالاستغراب والحيره ذاتهما اللذين شعر بهما قبل ثلاث سنوات عندما قبلت عرضه للزواج منه. ولكنه بعد ذلك بفترة قصيرة بدأ يحتقرها ويزدريها. هورجل كافح وجاهد طوال حياته لتحقيق النجاح. والده كان حائكا صاحب دخل متواضع فاضطر للعمل بكد وتعب حتى يصل الى اي مركز او منصب وكان يمضي جميع ايامه ولياليه ايضا في العمل ومتابعة الدراسة كان مستعدا للذهاب الى اي ابعاد محتملة للوصول الى هدفه ومبتغاه: (( النجاح ))
كان جذابا بشخصيته ساحرا باسلوبه الفذ وكلامه المنمق....وهومستعد في اي وقت لاستخدام هذه الصفات ليصل الى مبتغاه ويحصل على ما يريد. لم يتردد ابدا في اطراء شخص لم يكن يحبه او التملق الى اخر يمقته ويعتبره جديرا بالازدراء. وضمن له ذكاءه الفطري ووعيه المكتسب تجاوز المشاكل والصعاب. ولم يكن جايك كوالده مهتما بالحياكة او بذلك المعمل الصغير والاته القديمة بل كان منذ حداثة سنه مهتما بالكيماويات تبهره دراسة المواد وكيفية تركبيها وكانت شهادة الكيمياء التي نالها من جامعة ليدز اول خطوة رئيسية في انطلاقته العلمية والعملية وساعده الحظ فوجد وظيفة كمساعد مختبر في معمل صغير للكيميائيات قرب سلبي. اعتقد الاصدقاء والاقارب آنذاك انه يرتكب حماقة كبيرة في دفن مواهبه داخل مختبر محلي صغير في حين انه كان قادرا على ايجاد وظيفة افضل في شركة اكبر وانجح ولكن جايك كان بعيد النظر وطموحا للغاية فبالعمل المتواصل والمثمر جعله احدى الركائز الاساسية للشركة وشخصا لا يمكن الاستغناء عنه مطلقا وبتهذيبه الفائق وجاذبيته الساحرة مع زوجة صاحب المؤسسة تمكن جايك بعد فترة قصيرة نسبيا من الوصول الى ادارة الشركة ومن ثم الى ملكيتها .
نفض جايك رماد سيكاره في المنفضة المثبتة قربه وعاد مرة اخرى بذكرياته الى تلك الايام السابقة وشعر بشئ من الخجل بسبب الكيفية التي سيطر بها على تلك الشركة ولانه لم يتردد آنذاك للدوس على تلك المؤسسة الصغيرة ليحصل على مقعد في مجلس ادارة اكبر وتذكر ايضا انه بعد تلك الخطوة الرئيسية في حياته العملية آنذاك اصبحت الخطوات اللاحقة انجح واسهل مع انها فقدت الى حد ما طعم الاكتفاء بالذات ولذة الوصول الى الهدف بالعرق والدم. منذ البداية تعود جايك هوارد على استخدام عقله ودماغه بكل طاقتهما وقدراتهما ومع انه يملك في الوقت الحاضر مؤسسة كبرى واكثر من مليون جنيه استرليني من الاسهم والسندات المالية فهو لم يقرر بعد انتداب احد كبار موظفيه لاستلام اي من مهامه او مسؤولياته اليومية.
عندما كان يبحث منذ ثلاثة اعوام على زوجة تلائمه وتليق به التقى هيلين. كانمحاطا بالنساء طوال فترة صعوده الى القمة موظفات وعارضات ازياء وحتى زوجات بعض زملائه الموظفين كن جميعا يظهرن له استعداد واضحا للزواج منه. الكمية كانت متوفرة بكثرة ولكن النوعية التي يبحث عنها كانت نادرة. جايك لن يقبل الا بالافضل كما في اي مجال اخر ثم....التقى هيلين فورسايث.
كان يعرف والدها جيرارد فورسايث منذ سنوات ويعتبره احد الاوجه الطيفة والمحببة في المجتمع اللندني الراقي مع انه كان يجده انسانا بسيطا وشبه متخاذل. والده ادوين كان يحمل لقب سيد وقد اورثه مع الاسف لشقيق جيرارد الاكبر ومع كل هذا فان لجيرارد كل ما كان سيختاره جايك لنفسه لو سمحت له الظروف بذلك. فهناك العراقة والجاه والاصالة.... والانساب دون عناء الى المجتمع المخملي. ولم يعر جايك اي اهتمام لموضع تبديد جيرارد الاموال التي خلفها له والده مع انه تخيل اكثر من مرة الامكانيات والمجالات الواسعة التي يمكنه هو استخدام تلك الاموال فيها فيما لوكانت له عوضا عن تبديدها وتبذيرها. ولكن افلاس جيرارد لم يغير اي شئ في وضعه الاجتماعي.
وعندما مات جيرارد بحادث سيارة بعد ليلة سيئة جدا من المراهنة والمقامرة وجدت هيلين نفسها وحيدة شبه مفلسة وهي لم تتجاوزالثالثة والعشرين من عمرها ولاحظ جايك انه كان بامكانها طبعا ايجاد عمل تعيش من دخله ولكنها حتى وفاة ابيها والفضيحة التي اثارتها تلك الحادثة ومسبباتها من ميسر وتبذير واستهتار كانت هيلين على وشك الزواج من كيث مانرينغ ابن المحامي المشهور جفري مانرينغ لا تهتم بشئ الا بنفسها ومتعتها. كانت هناك اسابيع تزلج في منتجع سان موريتز السويسري واسابيع سباحة في جزر الباهما بالمحيط الاطلسي واسبوع صيد هنا واسبوع تسوق هناك اما احتمال تحولها اضطرارا اوطوعا الى نمط حياة مختلف فكان امرا لم يرد في تفكيرها على الاطلاق.
ولما توفي والدها وبدأ كيث يتهرب منها بشكل مطول و ملحوظ شعرت بالضيق المادي والنفسي الى ابعد حدود اذ لم يعد لديها سوى دخل بسيط ورثته عن جدتها لامها. كانت هيلين جامعية مثقفة تتقن عدة لغات اجنبية وتتحدث بها بطلاقة الا انها لم تعمل شيئا بحياتها باستثناء تنظيم حفلات عشاء او السهر على راحة الضيوف.
التقى بها جايك صدفة في مسرح شافتسبري كان وبعض اصدقاءه يشربون كأسا اثناء الاستراحة عندما دخلت برفقة زوجين شابين مدعوة من الزوجة التي كانت لفترة طويلة زميلة الدراسة وبما ان الزوج لم يكن الا جايلز سانتجون وهو صديق حميم لجايك ويتعامل معه تجاريا فقد كان من الطبيعي ان يعرفهما على بعضهما.
كان جايك في تلك الليلة بصحبة فتاة برتغالية فاتنة ولاحظ باعجاب مدى برودة اعصاب هيلين عندما حاولت فتاته التمسك به وافهمها انه لها...ولها وحدها. واخذ يتخيل ان هذه الفتاة الانجليزية الشقراء ذات الجمال الهادئ والجسد الطويل النحيل والعينين الزرقاوين الحالمتين يمكن ات تتصرف كزوجة لائقة.
لم يكن وضع هيلين غريبا عنه فالجميع في مجتمعه ومحيطه يعرفون قصتها واوضاعها وعندما تطلع اليها اكثر من مرة تلك الليلة تصور انه شاهد في عينيها نظرات تشبه التحدي ولم يكن جايك معتادا على مثل تلك النظرات فالنساء عادة كن يجدنه رجلا ذو جاذبية ساحرة ولكن هيلين كانت تنظر اليه كنوع من الحيوانات النادرة والبشعة التي احضرت لها لتكشف عليها وتعطي فيها رأيها.
اتصل فيها في اليوم الثاني معربا عن رغبته في مشاهدتها مرة اخرى. رفضت تلك الدعوات...ودعوات مماثلة وجهها خلال الاسابيع التي تلت اللقاء الاول. وفي احد الايام الاحقة عاود الاتصال فشعر بنبرة صوتها ان مشكلة ما قد حدثت وقبلت دعوته لتناول العشاء وعلم منها اثناء الحديث ان المنزل الذي تقيم فيه سوف يعرض للبيع وشكلت تلك المسألة محطة عذاب جديدة في طريقها فدخلها القليل لا يسمح لها بشراء او استأجار شقة لائقة. فماذا تفعل والى اين تذهب؟ عائلة فورسايث نبذت والدها جيرارد بسبب تصرفاته الرعناء واساليبه المتهورة واللامسؤلة وبالتالي فانها ترفض حتى مجرد الاتصال بالعائلة طلبا للمساعدة. اصغى اليها جايك بانتباه وهي تحدثه عنمشاكلها وقد لها بعض النصائح واعر لها عن مدى تأثره وتعاطفه واكتفى بذلك.
اخذ يتصل بها مرة كل يوم طوال الايام الاربعة عشر التي تلت لقاء العشاء وكان يدعوها احيانا للخروج معه فيما يكتفي احيانا اخرى بمجرد السؤال عن صحتها وشعورها ثم بدأ جايك يلاحظ تغيرا واضحا في تصرفاتها وهي انها بدأت تعتمد على تلك الاتصالات الهاتفية اليومية وتتوقعها فتوقف عن الاتصال بها لمدة اسبوع. كانت المسألة بالنسبة اليه كصفقةتجاريةتتطلب استراتجية معينة ومواقف تتراوح بين المد والجزر.
ولم يكترث في انه هذه المرةيتعامل مع انسان وليس مع شركة اومؤسسة. عندما اتصل بها بعد انتهاء فترة المقاطعة كانت تعيسة وبائسة وكرجل الاعمال الذي يستغل مواقف الضعف عند الاخرين ليوجه ضربته عرض عليها جايك الزواج....فقبلت. لم يكن يحبها بل لم تكنتجذبه على الاطلاق كانت باردة وجامدة جدا لا تروق له ولطبيعته التي تعشق الدفء والحركة ولكنها كانت.....مثالية بالنسبة للمواصفات التي حددها لزوجة المستقبل.
اذهلتها طريقة عرضه واثار استغرابها الاسلوب فمع ان فكرةالزواج منه لم ترد في بالها الا انها على ما يبدولم تجد فيها سببا للاعتراض التام والاحتجاج المشدد اما الاسلوب والطريقة فكانا مثار للدهشة فقد اوضح لها بكل هدوء وبرودة اعصاب بأنه لا يريد زوجة الا بالاسم يريدها جزءا من ممتلكاته....يزين بها طاولة الطعام الفخمة وتهتم بالضيوف عن الحاجة وتكون دليلا ممتعا على حسن ذوقه في اختيار النساء.



لورا 09-01-08 09:21 PM

كان لعرضه والاسلوب الذي قدمه فيه تأثير واحد مؤكد فقد جمد موقفها منه بعد ان كان الثلج قد بدأ بالذوبان وعادت مرة اخرى تلك الفتاة الباردة والغير مهتمة التي تعرف عليها في مقهى مسرح شافتسيري. ولكنها...قبلت كما كان يتوقع ولذلك بدأ يحترقها ويزدريها كانتنظرته اليها ستختلف كثيرا لو انها رفضته لو انها اظهرت شيئا من عزة النفس وبدأت تعمل على تنظيم حياتها وشؤونها ولكن بمجرد ان قبلت وبدون اعتراض رأى فيها تلك المخلوقة التعيسة الضعيفة التي كانت على استعداد للقبول برجل من الواضح انها لا تحبه عوضا عن ايجاد عمل تعيش منه بكرامة وعزة نفس.
صعقت والدته عندما ابلغها بعزمه على الزواج من هيلين. والده توفي اثناء تسلق سلم الشهرة والنجاح وامه رفضت طلباته المتكررة للانتقال الى لندن والعيش معه لانها فضلت البقاء في المنزل الذي عاشت فيه سنوات عديدة من الحب والسعادة مع زوجها وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة والعديدة في نظرتيهما للحياةوالمبادئ والمثل وفي وضعيهما المادي والاجتماعي فان جايك ظل يعتبر امه افضل واروع سيدة تعرف اليها في حياته.
التقت هيلين بوالدة جايك اثناء حفلة الزفاف التي كانت رائعةومترفة والتي حضرها جميع اصدقائها السابقين ولاحظ جايك انه كان يبدو عليها بوضوح انها تزوجته لتعود الى ذلك المجتمع الذي تعتبر فيه الممتلكات والاموال اهم وافضل بكثير من قوة الشخصية والذكاء والتضحية. وكانت والدة جايك كما توقع كطائر خارج سربه وكانت هيلين ايضا بالنسبة الى السيدةهوارد امرأة غير جديرة بأبنها وبما ان الوالدة لم تكن متملقة اومعسولة اللسان فقد اوضحت ابنها بصراحة جارحة ومؤلمة انه كان بامكانه اختيار زوجة افضل بكثير من هيلين. وثارت مثلها وقيمها العليا احتجاجا على ما يخطط له ابنها لانها احست بأنه لا يشعر بأي محبة او اهتمام جدي بهذه الانسانة الباردة التي لا تعرف من الحياة سوى القشور التافهة.
ومع ذلك فقد نجح الاتفاق كما وضع اسسه جايك وهاهما بعد ثلاث سنوات يعيشان وفقا لما اتفقا عليه. هو سعيد بملكيته الجميلة الجديدة وهي سعيدة بحياة الترف والغنى واللامسؤولية التي تعودت عليها ولا تعرف غيرها.
اعماله كانت تضطره للسفر كثيرا للخارج وبالتالي فانهما لا يمضيان سوية سوى فترات قصيرة متقطعة لاتزيد في مجملها عن ثلاثة اشهر ولكن هيلين كانت دائما مستعدة وجاهزة عندما يحتاجها لاي مناسبة اجتماعية كحضور حفلة او مسرحية او لاستضافه المتزوجين من الاصدقاء ورجال الاعمال وشخصيات المجتمع. ومع ان علاقتهما لم تكن تتعد حدود اللياقة والتهذيب المتبادلين بين الغرباء فانهما يتصرفان مع بعضهما برقي وانسانية....وهو تصرف مفقود بين معظم معارفهما.
اكتشف جايك ان لهيلين ذوقا رفيعا جدا في التأثيث والديكور فأطلق يدها للقيام بما تراه مناسبا وكانت عند حسن ظنه فقد جعلت من ذلك المنزل الجميل في بلغرافيا متحفا رائعا ومحط انظار الذواقة من شخصيات المجتمع. ولاحظ جايك بارتياح ان اصدقاءه يعتبرونه رجلا محظوظا جدا لان لديه زوجة تتمتع بهذا القدر من الذوق والحس الجمالي المرهف.
تنبه جايك الى ان القطار بدأ يدخل محطة كنغس كروس فهب واقفا وارتدى سترته البنية الجميلة وتهيأ للخروج. كان رجلا ضخم الجثة طويلا وعريض المنكبين ولكنه يتحرك بخفة الفهود ومع انه لم يكن وسيما الا ان الفتيات كن يجدنه جذابا الى ابعد الحدود وكان ذكيا ويعرف أن ثروته الكبيرة تشكل احد العوامل الرئيسية في تلك الجاذبية ونجاحها.
توقف القطار فحمل جايك حقيبته وغادر المقصورة باتجاه الباب الامامي. كان سائقه الخاص لايتمر ينتظره على رصيف المحطة وبمجرد نزوله من القطار حياه لايتمر باحترام وتهذيب فائقيين قائلا:
" اسعدت مساء يا سيدي...هل كانت رحله جيدة؟ "
" لا بأس, شكرا. كيف حالك انت يا لايتمر وكيف هي زوجتك؟ "
وكان الترحيب المعتاد والكلمات القليلة التي تتكرر هي نفسها تقريبا مع كل رحلة وكل عودة. دخل جايك السيارة الكبيرة الفخمة وجلس خلف مقود القيادة ينفث دخان سيكاره الفاخر وينتظر بعصبية انتهاء سائقه من من توضيب الحقائب في صندوق السيارة انه الان في لندن ويتحرق للوصل الى لبيته بعد ان غاب عنه لاكثر من ثلاثة اشهر. صعد لايتمر الى جانب رب عمله الذي انطلق بالسيارة بمجرد سماعه صوت اغلاق الباب. كان جايك يحب قيادة سيارته بنفسه في اوقات فراغه. وفجأةتطلع بسائقه وسأله:
" كيف حال السيده هاورد يا لايتمر؟ هل استلمت الزهور التي ارسلتها لها من غلاسكو؟ "
" نعم يا سيدي وصلت الزهور. واعتقد ان السيدة بخير والحمد لله ولكنها اصيب كغيرها عندما برد الطقس بزكام خفيف وسعال متقطع "
هز جايك برأسه ثم سأله:
" وعائلتك يا لايتمر؟ هل الجميع بخير؟ كيف حال ابنك هذه الايام اعني الابن الموجود في الجامعة؟ هل تعتقد انه سيتخصص في الفيزياء والكيمياء؟ "
ابتسم لايتمر واجاب بحماس وفخر:
" انه يرغب في ذلك يا سيدي واعتقد ان نتائجه حتى ألان مرضية. انه في السنة الثالثة كما تعلم وأنا متأكد من انه يقدر لك اهتمامك يا سيدي "
وصل جايك إلى منزله الواقع في ميدان كيرسلاند الذي يضم أبنية فخمة يملكها رجال أعمال وحرفيون ومهنيون. وكان لايتمر يعيش مع زوجته التي تعمل كمدبرة منزل في بيت جايك وبقية أفراد عائلته في شقة حديثة ملحقة بالفيلا ولكنها خاصة بهم وتثير إعجاب وربما غيرة الأصدقاء والأقرباء. أوقف جايك سيارته أمام البيت فما كان من سائقه إلا أن نزل قبله وفتح له الباب قائلا:
" هل ستحتاجني بعد خلال هذه الليلة يا سيدي؟ "
رفع جايك طوق سترته ليرد عن عنقه هواء الليل البارد وقال:
" لا اعتقد شكرا. بإمكانك الآن أن تضع السيارة في مكانها "
" حاضر سيدي "
صعد جايك الدرجات الست وفتح الباب بمفتاحه الذي لا يفارقه وتوجه نحو القاعة عبر مدخل جميل رائع وهناك لاحظ أن الأبواب التي تؤدي إلى غرفتي الطعام والاستقبال والغرفة التي يستخدمها كمكتب خاص كانت جميعها مغلقة على غير عادتها. اين هي هيلين؟ كانت دائما تحضر لملاقاته واستقباله عندما يعود! الم تسمع صوت السيارة او فتح الباب وإغلاقه؟
رمى سترته دون اكتراث على احد المقاعد وهم بالخروج وفي تلك الآونة فتح الباب المؤدي إلى المطبخ والطابق السفلي حيث يسكن السائق وعائلته ودخلت منه مدبرة المنزل السيدة لايتمر حيته بتهذيب قائلة وهي تأخذ سترته لتعلقها في غرفته:
" مساء الخير يا سيدي وأهلا بك؟ هل كانت رحلتك موفقة؟ "
" شكرا والحمد لله. كيف حالك انت يا سيدة لايتمر؟ "
انهى جملته وتطلع حوله بتساؤل واستغراب. اجابته السيدة لايتمر بهدوء ولكن وجهها كان منزعجا بعض الشئ. انها امرأة مخلصة ولطيفة بدأت تعمل في خدمته منذ عشر سنوات عندما اصبح ابنها الاصغر قادرا على الاعتناء بنفسه. زوجها يعم مع جايك منذ ثلاثةعشر عاما وقد اصبحا بعد تلك السنوات القليلة يعرفان مخدومهما حق المعرفة ولذا شعرت في تلك اللحظة لنه سيسأل عن زوجته.
" اين السيدة هوارد؟ "
ازداد انزعاجها فاحمر خداها وقالت:
" انها خارج المنزل يا سيدي "
الا يعرف ذلك! ضبط اعصابه وحد من غضبه قليلا ثم سألها بانفعال:
" اعرف انها ليست هنا...ولكن اين هي؟ "
" لست متأكدة يا سيدي لم تقل الى اين ذهبت. كل ما اعرفه انها مع السيد مانرينغ "
صعق جايك لسماع هذا الاسم. كان يتوقع سماع اي اسم اخر ولكن. . .
" مانرينغ؟ كيث مانرينغ؟ "
" اعتقد ذلك يا سيدي. العشاء...جاهز يا سيدي. من المؤكد انك جائع. هل تريد....ان....؟ "
حل جايك ربطة عنقه بعصبية ظاهرة وسألها مقاطعا:
" اخبريني...هلكانت زوجتي تعلم انني سأصل هذه الليلة ؟"
" طبعا يا سيدي. الزهور التي ارسلتها من غلاسكو وصلت مساء امس "
" حسنا "
عقد جايك جبينه وضاق اتساع عينيه غضبا ثم قال:
" حسنا يا سيدة لايتمر. سأستحم الان واتناول عشائي بعد. . ."
وتطلع الى ساعته الذهبية الكبيرة ثم تابع جملته:
" . . . بعد عشرين دقيقة تقريبا "
صعد جايك الى غرفته بسرعة وكأنه يهرب من واقع مرير وكان كلما صعد درجة شعر بمزيد من الغضب والاستياء. تألم بشدة وكأنه طعن بالظهر. لماذا اختارت هيلين هذه الليلة بالذات لتخرج من المنزل؟ بعد كل الرحلات السابقة كانت تنتظر وصوله وتستقبله بابتسامة رقيقة واستعدادا لا يضاهى للاستماع الي تفاصيل صفقاته التجارية وكانت تبدي تعاطفا او تقدم نصيحة كلما كان ذلك ضروريا. اللعنة! اليست هذه مهمتها المتفق عليها؟ لقد اشتراها...نعم اشتراها لهذا الغرض لا لكي تمضي وقتا ممتعا مع ذلك اللعين كيث مانرينغ!.
خلع ثيابه ودخل الحمام وظلت افكاره مشوشة ومشاعره غاضبة. كيف تجرؤ على الخروج وملاقاة رجل هجرها قبل ثلاث سنوات في حين انه هو جايك هوارد الذي انتشلها من مصيبتها...وتزوجها...واغدق عليها الاموال بدون حساب

لورا 09-01-08 09:23 PM

فكيف تسمح لنفسها بلقاء ذلك الشاب اللعين في الوقت الذي يكون فيه زوجها خارج البلاد؟ ماذا سيقول الاصدقاء... وكيف سيفكرون؟
انهى حمامه وارتدى ثيابه وهم بالتوجه الى قاعة الطعام ولكنه شعر فجأة برغبة قوية للدخول الى غرفةهيلين. فتح باب الغرفة واخذ يتأملها بسخرية. اثاث رائع الجمال, الوان اخاذة, ذوق رفيع وغنى فاحش. اغلق الباب بعنف قبل ان يقدم على عمل متهور...مثلا كرمي كل شئ في الخارج او احراق المفروشات والستائر والسجاد! كيف تجرؤ على الخروج من البيت ليلة عودته؟ ومع مانرينغ بالذات! الا تعرف مع من ترتكب مثل هذه الحماقة؟ هل تظن هذه الغبية السخيفة على انه لن يعترض على ان قيامعلاقات بين زوجته ورجال اخرين؟ لا...هذه لا يحد ابدا مع جايك انتوني هوارد فهو عندما يمتلك شيئا يصبح ذلك الشئ كله ملكا له وحده...دائما...وطوال الوقت وليس فقطعندما يختار اخراجه من علبته بين الحين والاخر ليمتع ناظريه به.
" العشاء جاهز يا سيدي "
" حسنا حسنا... شكرا يا سيدة لايتمر"
جلس جايك الى مائدة الطعام وحاول جاهدا اظهار الاهتمام والرضى بنوعية الطعام وطريقة طهوه وكادت مشاعره المتأججة ان تغريه باستجواب مدبرة امنزله حول نشاطات زوجته اثناء غيابه. كان يتحرق لمعرفة كم مرة التقت هيلين فيها بذلك الوغد وما اذا كانت احضرته الى البيت. اه من تلك الفكرة كم هي شنيعة ومرعبة! كيث مانرينغ هنا...في بيته!.
ولكنه لم يقل شيئا ولم يسألها عن اي شئ بل حاول التصرف وكأن غياب هيلين ليس مهما. انهى عشاءه الذي كان سيستمتع به كثيرا لو لم يكن في مثل تلك الحالة من الغضب والانزعاج ثم شكر السيدة لايتمر واذن لها بالذهاب وهو يتوجه حاملا فنجان القهوة الى غرفة الجلوس.
جلس وحيدا وحيدا امام التلفاز يشاهد استعراضا غنائيا راقصا وهو امر قلما فعله في السابق ففي الفترات القليلة التي يمضيها في لندن تكون سهراته مفعمة بالحركة والنشاط فاما ان يحضر حفلة او مسرحية او يقيم حفلة في بيته لاصدقاء وزملاء العمل. وفي المرات النادرة التي لا توجد فيها هذه النشاطات المعتادة يحضر معه الى البيت بعض اوراقه ودفاتره ويعمل بهدوء وسكينة .
الا انه لم يتمكن من العمل هذه الليلة مزاجه لا يسمح له بالتركيزعلى تلك العقود التي كان ينوي العمل عليها بعد العشاء وبعد ان يروي لهيلين تفاصيل الرحله. انه ينتظر عودتها على احر من الجمر ليواجهها ويصب جام غضبه عليها ليفهمها بلهجة صريحة وواضحة ان عليها كزوجة واجبات معينة لا يمكن التساهل بشأنها مهما كانت علاقتهما سيئة وغير مرضية. لقد قبلت عرضه بالشروط التي حددها وهو لن يسمح لها ابدا بأي تجاوزات او تعديلات للاتفاق.
وفجأة تحول تفكيره دون ارادة منه الى تلك الشابة التي التقى بها مرات عديده خلال الاسابيع القليلة الماضية ولاحظ بسرور بالغ ان
((لويز كورللي)) كانت بالتأكيد عاملا رئيسيا في جعل اقامته اقل وحده واكثر متعة وكان عزاؤه لضميره بأن الوضع مختلف فهو رجل...اليس كذلك؟ ورجل له شهية الرجال! وخارج بلاده! يبعد الاف الكيلومترات عن بيته واصدقائه وعن اي شخص يمكن ان يثرر عن تلك العلاقة...اما هيلين فهي هنا في لندن حيث كل خطوة من تحركاتها تكون عرضه للتكهن والاقاويل من جانب الاصدقاء والاعداء على حد سواء .
مرت ساعات المساء بطيئة ومتثاقلة في حين كان غضبه يزداد حدة ويكاد يصل الى درجة الغليان. موسيقاه الكلاسيكية المفضلة لم تساعده كما في السابق على التخفيف من حدة توتره وانقباضه وفجأة سمع صوت الباب يفتح ثم يغلق...انها هيلين! واحس برغبة في الخروج للقاعة ومطالبتها بايضاح فوري قبل ان يبدأ بالصراخ والتحذير والتهديد ولكنه قرر البقاء في مكانه لانها هي ستأتي اليه. وبعد لحظات دخلت هيلين جميلة وفاتنة بشكل خاص. اه انها ترتدي ذلك الفستان الازرق المطرز بالفضة الذي ابتاعه لها من اليابان قبل ستة اشهر والذي لم تلبسه مرةواحدة قبل الان انه يريد تمزيقه لانها لم تلبسه الا لتخرج مع كيث مانرينغ. يا للوقاحة وقلة الحياء .
" مرحبا جايك. انك تبدو في حالة جيدة. كيف كانت رحلتك؟ "
سيطر جايك على اعصابه واجاب بلهجة باردة:
" ناجحة الى حد كبير "
" اوه هذا خبر جيد "
اضطرت هيلين للتطلع فيه مرةاخرى فشاهد القلق والانزعاج في عينيها وسمعها تقول متلعثمة:
" انا...انا اسفة لاني...لاني لم اكن هنا...عندما عدت الى البيت. كنت...كنت مرتبطة...بموعد "
" اعرف ذلك "
احمرت وجنتاها واخذت نفسا عميقا ثم قالت:
" من المؤكد ان السيدة لايتمر اعدت لك عشاء ممتازا و. . ."
انفجر جايك غاضبا وقاطعها قائلا:
" لتذهب السيدة لايتمر وعشاءها الممتاز الى الجحيم "
مدت هيلين راعيها الى الامام متوسلة الهدوء والتفهم:
" جايك ارجوك. . ."
" ارجوك ماذا؟ اللعنة على هذا الرجاء اين كنت يا امرأة؟ "
بلعت هيلين ريقها بصعوبة وتراجعت خطوة الى الوراء وقالت:
" لقد اخبرتك السيدة لايتمر بالتأكيد. . ."
" انا لست مهتما بالسيدة لايتمر وبما قالته انا اريد ان اعرف منك انت بالذات اين كنت ومع من؟ "
لم تجد هيلين بدا من الإجابة فقالت بصوت مرتجف:
" كنت في حفلة...مع كيث مانرينغ "
صرخ جايك بصوت عالي شاتما:
" أيتها الكلبة الحقيرة لا ادري كيف تكون لك الجرأة الكافية لكي تقفي أمامي هكذا وتقولين لي بمثل هذه البساطة انك كنت مع رجل أخر ومع ذلك الوغد بالذات مانرينغ! "
رفعت هيلين رأسها وأرغمت نفسها بصعوبة على التطلع بعيني جايك وقالت له بقلة اكتراث:
" ولم لا؟ "
" لم لا؟ ماذا تعنين بهذا السؤال الوقح الأجوف؟ لم لا؟ انك زوجتي أليس هذا جوابا كافيا ؟"
كانت هيلين في تلك اللحظة تداعب خاتم الماس الذي يقدر ثمنه بآلاف من الجنيهات والذي أهداها إياه جايك يوم إعلان خطوبتهما وكانت عيناها زائغتين وحائرتين ومشاعرها متضاربة وأفكارها مشوشة ثم سألته بهدوء:
" وأنت هل يكفيك أيضا هذا الجواب...بأنك زوجي؟ "
احتار جايك فسألها مستغربا:
" ماذا تعنين بهذا السؤال الارعن؟ "
رفعت هيلين مرة اخرى حاجبيها متضايقة وقالت:
" كنت اظن انه واضح جدا وليس بحاجة الى جواب او تفسير. هل تعتقد انا ما من احد من الاصدقاء سيتبرع بابلاغي انباء مغامراتك وانتصاراتك الغرامية؟ وبأنني لن اشعر بالقرف والاشمئزاز عندما تتكرر هذه الاخبار باستمرار ومن افواه اشخاص يدعون كذبا بأنهم مخلصون ومهتمون بمصلحتي؟ "
" رباه ماذا اسمع؟ وتعتقدين ان....ان تصرفاتي هذه تخولك التصرف على نحو مماثل اهذا ما تحاولين قوله؟ "
" لا! "
قالتها بعصبية وايجاز شديدين لفتا نظره وجعله يستدير لمواجهتها مرة اخرى. اما هي فتابعت قذف حممها باتجاهه:
" لا يا سيد جايك! انا لست مثلك! انا لست حيوانا يطلق لشهواته العنان ويستسلم لمطالب جسده محاولا تلبيتها كيفما كان بغض النظر عن الزمان او المكان.....او الشريك "
" وتعتبرين انني انا.....حيوان؟ "
احمر وجهها وقد حل الغضب محل الخجل والسخط محل اللياقة والهجوم محل الدفاع وقالت بلا اكتراث:
" الحقيقة يا جايك انه لم يعد يهمني من انت. ولكني لا ارى أي مبرر لشكواك من تصرفاتي. وفيما يتعلق بي شخصيا فان هذه الاشهر الثلاثة الاخيرة كانت القشة التي تقسم ظهر البعير. انني لا اجد سببا لاعزل نفسي عن اصدقائي لمجرد انني متزوجة منك و. . . "
هل انا مضطر لتذكيرك بأن من تسمينهم اصدقاء هجروك فور وقوع تلك الحادثة التي اودت بحياة والدك؟ "
وجهت اليه نظرة ثاقبة وقالت بضيق وانفعال:
" هذه ملاحظة تافهة ورخيصة "
هز جايك كتفيه العريضين وهو يتأملها بتفحص وتمعن. كانت تلك المرة الاولى التي يراها عصبية المزاج وقادرة الى حد ما من الدفاع عن نفسها ومواجهته بقوه وثقة بالنفس. ثم قال لها بدون ان يبعد نظراته عن عينيها:
" ولكنها ملاحظة صحيحة في أي حال! ماذا ستفعلين وبماذا ستعلقين عليها؟ ماذا ستقولين ازاء هذه الملاحظة القاسية والجافة؟ انني انسان غير مهذب انسان شبيه بذلك الوغد الوقح مانرينغ ؟ "
" كيث رجل مهذب ويحسن التصرف "
اوه اهذا ما تعتقدين؟ وما هو تفسيرك لكلمة مهذب يا ترى؟ هل الرجل السيد المهذب هو الذي لا يأكل حبوب الزيتون قبل ان يقطعها بالسكين؟ او الذي يذهب الى شاطئ البحر مرتديا سترة سوداء رسمية؟ "
" انت انسان فج ووقح! انا ذاهبة الى النوم "
هجم نحوها بخفة وسرعة وقال لها بعصبية ظاهرة:
" هل انت ذاهبة حقا؟ لا يا صغيرتي...لن تذهبي قبل ان اسمح لك او اطلب منك ذلك "
رفت رأسها ونظرت اليه وهي لا تصدق اذنيها:
" انت مجنون يا جايك! نحن الان في اواخر القرن العشرين...وانت لست سجاني! لا, لا يمكن ان تفرض علي القيام بكل ما تريد في أي وقت تريد "
ضم شفتيه بقوة وقال لها بسرعة وتهكم غاضب :
" لا يمكنني ها؟ لو كنت مكانك لما عولت كثيرا على هذا الشعور "
سارت هيلين نحو الباب ولكنها لاحظت انه لا يحيد عن طريقها فقالت له:
" جايك هذا الحديث لا يعجبني على الإطلاق وأتمنى لو انه لم يبدأ أبدا "
رد عليها جايك بحدة وسرعة:
" وأنا أيضا ولكن هل لي أن أذكرك بأن غيابك عن البيت هذا المساء هو السبب؟ :
" أنا متعبة جدا هل بالإمكان بحث هذا الموضوع غدا صباحا؟ اعتقد ان حديث الصباح سيكون أفضل وأجدى لأننا سنكون...سنكون اقل انفعلا واكثر عقلانية "
تطلعت هيلين بطريقة لا شعورية إلى الطاولة التي كان يجلس قربها ولكنها ندمت على ذلك وقالت بسرعة:
" لا هذا لا يعني شيئا "
تضايق جايك من تلك النظرة العفوية وقد فهم مغزاها والتهمة الصامتة التي كانت تحملها وقال:
" وهل تعتقدين إنني....أوه هيلين! هذا أمر لم يحدث من قبل وان . . . "
قاطعته بتهذيب وهدوء:
" ولا أريده ان يحدث. وألان هل تسمح لي بالذهاب إلى الفراش؟ "
ابتعد جايك عن الباب ولكن ملامحه القاسية والغاضبة لم تهدأ أو تنفرج. ثم سألها قبل ان تتحرك من مكانها:
" الست مهتمة بما أحضرته لك من الولايات المتحدة؟ كنت دائما اعتقد ان هذا هو سبب زواجك مني...أن تحصلي على اكبر قدر من الفوائد المادية من هذه الحياة! "
نظرت إليه هيلين بقسوة وتقزز وشعرت أنها على وشك توجيه صفعة مؤلمة ومخزية الى وجهه الساخر والحاقد ولكنها لم تفعل شيئا سوى شد قبضتها والتطلع إليه شزرا وهي تسرع بسرعة وانفعال إلى غرفتها.



لورا 09-01-08 09:27 PM

2-ضحكة نصفها حزن


أنهت هيلين تسريح شعرها ووضع قليل من المساحيق على وجهها ثم جلست تنتظر جايك الذي الذي كان بدوره يستعد لسهرة تلك الليلة. دعيا إلى حفلة استقبال في إحدى السفارات وتلك أول أمسية سيقضيانها معا منذ عودته قبل أسبوع تقريبا.
الليالي الأربعة السابقة أمضاها في العمل المتواصل لم يتوجه إلى غرفته قبل مضي الجزء الأكبر من ساعات الليل ومع أن هيلين كانت معتادة على ذلك طوال السنوات الثلاثة الماضية إلا أنها لاحظت أن الجو الذي ساد خلال الأسبوع الأول لعودته الأخيرة من الولايات المتحدة اتسم إلى حد كبير بالتوتر والانفعال وكأن تحولا جذريا قد حدث في علاقتهما أو في تصرف كل منهما مع الأخر.
قبل رحلته هذه كانا يتحدثان فترات طويلة ولا بأس أن كان معظم الحديث يتركز حول تجارته وصفقاته المتعددة ولكن العلاقة لم تكن أبدا متوترة على هذا النحو أو إلى هذا الحد. وتساءلت بانزعاج بالغ عما إذا كانت هي وحدها المسؤولية عن هذا التوتر أم أن اللوم يجب أن يقع على عاتقهما معا.!
نظرت إلى المرآة الموجودة أمامها بحزن وتأثر هل من المنطق أو المعقول أن يتوقع منها جايك التخلي عن أشخاص تعرفهم منذ حداثة سنها والاكتفاء بصداقات شكلية وسطحية مع أصدقائه وزوجاتهم صحيح أن لهما أصدقاء مشتركين أمثال جايلز سانت جون ولكن هناك أشخاص تعتبرهم هي مقبولين تماما في حين يجدهم جايك تافهين ومحتقرين وغير جديرين بصداقة أو حتى بمعرفة أو لقاء.
كيث مانرينغ هو واحد من هؤلاء الأشخاص. إنها تعرف كيث منذ سنوات عدة وكانت في إحدى الفترات تتوقع الزواج منه إلا أن هذه المشاعر بالذات أصبحت ملكا للماضي وذكرياته ولم يعد يجمع بينهما سوى الصداقة وفعلا فأي محاولة من جانب جايك لاتهامها بغير ذلك أو للإيحاء بأن ثمة علاقة غير الصداقة العادية البريئة هي محاولة رخيصة وحقيرة. تناولت قلم التجميل وأجرت تعديلا بسيطا فوق عينيها اليمنى ثم عادت إلى التفكير وأحلام اليقظة...والتساؤل. كم من مرة في الأعوام الثلاثة الماضية عانت من التعليقات الجارحة والملاحظات اللاذعة التي كانت تتحفها بها إحدى النساء اللاتي يدعين الاهتمام والصداقة والحرص على المصالح الزوجية...تلك الملاحظات التي تدور في مجملها حول علاقات جايك الغرامية وهذه التي شوهد معها بانتظام وتلك التي كان يغازلها ويجاملها وربما...! وتذكرت هيلين أنها في بادئ الأمر كانت تشعر بالصدمة والحزن...وحتى بالإذلال ولكنها اعتادت بعد ذلك على التأقلم مع الواقع المر لا بل أرغمت نفسها على تقبل ذلك الواقع لأنها لم يكن بإمكانها الحوؤل دونه أو القيام بأي شئ لمنعه أو الحد منه. جايك رجل شبق يتصرف مع النساء كم تفعل النحلة مع الأزهار وهناك الكثير من النساء اللواتي هن على أتم الاستعداد لتلبية حاجاته ومتطلباته وهيلين تعرف أن أيا منهن لا تعني شيئا بالنسبة إلى جايك فبمجرد أن تبدأ إحداهن في وضع شروط أو التقدم بمطالب يطردها من حياته وأفكاره بسرعة وبدون تردد. انه من أولئك الرجال القساة الذين لا يعيرون أي اهتمام لمشاعر النساء أو عواطفهن. ابتسمت هيلين بسخرية عندما لاحظت إنها في بعض الأحيان تأسف لهؤلاء الضحايا.
وقفت وتأملت صورتها كاملة في المرأة الضخمة أمامها إنها بلا شك امرأة جميلة ولا داعي للتواضع و الخجل ولو لم تكن جميلة لما أصبحت زوجة جايك هوارد. كل ما حصل عليه أو يمتلكه يجب أن يكون الأفضل ولكن معرفتها لهذه النقطة الحساسة لم تسعدها أو تمنحها أي شعور بالرضا والسرور. فهي سجينة وهو السجان...هي عصفور جميل رائع يضعه جايك في قفص ذهبي ليسمع صوته عندما يريد ويمتع به نظره عندما يشاء. سمعت طرقا خفيفا على الباب فردت بسرعة وبنبرة حادة عفوية بدون أن تلتفت إلى الوراء:
" ادخل "
فتح جايك الباب ولكنه لم يدخل. كان جذابا في ثياب السهرة الرسمية ومع ذلك فقد ظهر لها من زاوية معينة بدائيا للغاية...ربما كانت طريقة سيره وتحركه أو ربما كانت تلك النظرات المتعجرفة القاسية في عينيه السوداوين الساخرتين. كان يبدو واثقا من نفسه إلى حد كبير وشعرت هيلين بأنه يتوقع سهرة رائعة واستمتاعا بالغا في تلك الأمسية. السهرة بالنسبة إليه كانت نوعا من التحدي...مناسبة لاستخدام مواهبه وشخصيته القوية للتأثير على عدد كبير من الموجودين وخاصة ذوي النفوذ منهم. انه بلا شك ينظر إلى هذه الحفلة كخطوة هامة نحو حصول مؤسسة هوارد على موطئ قدم في تلك الدولة وجارتها الأربعة أيضا. حماس هذا الرجل واندفاعه كانا ولا يزالان وراء نجاحه في قيام تلك المؤسسة العملاقة. ومهما بلغت قوته وثروته
وضخامة مؤسسته فانه سيظل محافظا على ذلك الطموح الجارف والشخصية الفذة.
شعرت هيلين بثروة عارمة داخلها عندما وصل شريط أفكارها إلى هذه النقطة الأخيرة بالذات وتساءلت في تلك الآونة كما كانت تفعل منذ الأسبوع الأول لزواجهما عن الحكمة في قبولها الزواج منه ولماذا قبلت بهذا المنصب الذي تحسدها عليه مئات الشابات والسيدات مع انه منصب مزعج وبارد ومؤلم! لماذا اكتفت بأن لا تكون سوى...زوجة جايك هوارد؟ قسوته, عنجهيته, طبيعته المادية, سحره السريع التأثير, جاذبيته الفتاكة, ثقته التامة بنفسه وقدراته....كلها خصائص تضايقها وترفضها في شريك العمر. ولكنها دأبت على إقناع نفسها دوما بأن عليها تقبل الواقع...على مرارته والحياة الزوجية مع جايك...على صعوبتها. لن تسمح له أبدا بالدخول إلى قلبها وعواطفها لأن من شأن ذلك القضاء على البقية الباقية من أعصابها ومشاعرها...وحتى من كرامتها.
أغمضت عينيها لحظة فسمعته يقول بلهجة توحي بالود والاهتمام:
" انك...جميلة! ولكني متأكد من انك تعرفين ذلك ولست بحاجة لسماعها من الآخرين "
" انه لمن دواعي السرور دائما أن يحصل الإنسان على تأكيدات من الآخرين لما يعرفه أو يشعر به "
هز جايك رأسه بشيء من التهكم ثم اخرج علبة من جيبه قائلا:
" هذه هدية لك "
مشى نحوه ثم سألها وهو يفتح غطاء العلبة أمام عينيها:
" هل يعجبك؟ "
وكيف لا! قالتها لنفسها وهي تتأمل العقد الرائع الجمال المتقن الصنع...والباهظ الثمن ولكنها احتفظت برباطة جأشها وضبطت أعصابها وقالت له بهدوء وبابتسامة خفيفة:
" شكرا...هل تسمح بوضعه حول عنقي؟ "
" طبعا "
رمي جايك العلبة على السرير ووضع العقد حول عنقها بخفة ومهارة قائلا ببروده مماثلة:
" انه جميل عليك وأظنه يناسبك وخاصة مع ما ترتدينه الليلة "
استدارت هيلين نحوه ولأول مرة منذ دخوله غرفتها وقالت له بلهجة أكثر من عادية وتنم عن عدم اكتراث إلى حد ما:
" نعم انه رائع "
تأملها جاك بتمعن وكأنه يحاول بنظراته الثاقبة معرفة رد فعلها الحقيقي على هديته لها ثم هز كتفيه وكأنه هو الأخير غير مهتم أو مكترث بتجاوبها اللامبالي وقال:
" اشتريته لك من نيويورك ظنا مني انه سيعجبك "
" انه يعجبني "
حملت حقيبة يدها المخملية ثم نظرت إليه وسألته بهدوء:
" هل أنت مستعد للخروج؟ "
رفع جايك معطفها الأنيق الذي كان ملقى على حافة السرير وساعدها على ارتداءه وهو يجيب:
" نعم أنا مستعد. لايتمر يحضر السيارة ألان. هل نذهب أم انك تريدين شئ أخر ؟"
لم تجب بل سارت نحو الباب بدون أن تلتفت نحوه أو وراءها وكان لايتمر ينتظرهما بصبر وهدوء قرب الباب الرئيسي.
جايك يحب قادة السيارات ولكنه يفضل الجلوس في المقعد الخلفي عندما تكون هناك حفلات رسمية أو لقاءات عمل أو اجتماعات ضرورية.
أوقف لايتمر السيارة أمام مدخل السفارة وخرج منها مسرعا ليفتح الباب للسيدة في حين تولى احد موظفي الاستقبال فتح الباب الأخر. وبما انه لم يكن هناك أي مكان شاغر لإيقاف السيارة في ذلك الشارع طلب جايك من سائقه أن يذهب إلى البيت على أن يعود إليهما في وقت لاحق.
بعد صعودهما الدرج الرخامي العريض ووصولهما المدخل المؤدي إلى قاعة الاستقبال استأذنت هيلين زوجها وتبعت إحدى المضيفات إلى غرفة جانية مخصصة للسيدات لكي تضع معطفها مع بقية المعاطف وتتأكد من حسن مظهرها قبل الدخول الى القاعة الرئيسية. كانت الغرفة تعج بزوجات الدبلوماسيين والسياسيين وشخصيات المجتمع. علقت هيلين معطفها وألقت نظرة سريعة على نفسها في إحدى المرايا ثم خرجت لملاقاة زوجها والدخول معه إلى الصالة الكبرى. كان جايك بانتظارها ولكنه لم يكن وحده كان يقف مع رجل متوسط العمر يتكلم بحماسه وحيوية فيما كان جايلز سانت جونز وزوجته جنيفر يصغيان باهتمام بالغ. لوحت جنيفر بيدها عندما شاهدت هيلين وتقدمت نحوها بلهفة قائلة وهي تقبلها:
" هيلين...عزيزتي! لقد مضى دهر على أخر لقاء بيننا. أين أنت وماذا كنت تفعلين خلال هذه المدة الطويلة؟ "


لورا 09-01-08 09:29 PM

حول جايك نظره بسرعة إلى وجه زوجته الذي احمر قليلا وشعرت هيلين فورا بتلك النظرة الحادة وبتأثيرها عليها. جايك قادر تماما على التظاهر بتوجيه كافة اهتمامه إلى مسألة ما في حين انه فعلا يكون مصغيا إلى موضوع أخر يختلف تمام الاختلاف من حيث الشكل والمضمون. وأحست انه يركز اهتمامه ألان على الجواب الذي ستعطيه ومن المحتمل أن يتوقع منها إبلاغ جنيفر بملاقاتها كيث مانرينغ.
ابتسمت هيلين وأجابتها بلهجتها الواثقة المعتادة :
" توقعت أن تكوني منشغلة هذه الأيام. أنا من ناحيتي كنت منهمكة في إجراء عدة تعديلات وترتيبات جديدة في البيت ثم انك تعرفين كيف أن جايك عاد بعد فترة غياب طويلة و. . ."
لم تكمل جملتها عمدا بل عمدت إلى توجيه نظرة باسمة تحمل أكثر من معنى إلى جايلز الذي كان يمد يده لمصافحتها .
" انك تبدين رائعة بشكل خاص هذه الليلة أيتها العزيزة "
قالها جايلز لهيلين وهو يشد على يدها ويرد على الابتسامة بالمثل ثم يده اليسر إلى العقد الثمين في حين أبقى يده اليمنى ممسكة بيد هيلين وقال:
" هذا عقد رخيص ومقلد وأنا متأكد من انه ليس من وولورتز "
كان جايك قد أنهى حديثه مع السياسي المتوسط العمر وحول اهتمامه الكلي لما يجري قربه ثم وجه نظرة طويلة إلى جنيفر وقال لجايلز بدون أن يرفع نظره عن زوجة صديقه:
" وهل أنت حقا مقتنع بما تقول؟ "
ثم تطلع إلى زوجته وسارع إلى القول ولكن بلهجة جافة وقاسية:
" لماذا لا نزيد الجمال جمالا والتحفة روعة وكمالا! "
ازداد احمرار وجه هيلين وشعورها بالضيق والانزعاج وقالت:
" اعتقد أن هذه المحادثة سخيفة جدا. أليس كذلك يا جنيفر؟ "
وقبل أن يتمكن احد من الرد أو التعليق على ما قالته سارعت إلى توجيه سؤال عن موضوع مختلف تماما :
" أوه جايلز! هل وجدت شيئا جديدا بالنسبة إلى تلك القارورة؟ "
جايلز سانت جونز لم يكن مجرد رجل أعمال وعضو مجلس إدارة في عديد من الشركات بل كان أيضا يهوى الأشياء القديمة التي تحمل قيمة تاريخية وأثرية ويمضي الساعات الطوال في إجراء دراسات وبحوث عنها. وكانت هيلين قد أعطته قارورة فضية صغيرة ليتأكد لها من صحة ما يقال عن أنها صنعت خصيصا لليدي هاملتون والقارورة الفريدة هدية لهيلين من جايك في عيد ميلادها الماضي.
اخذ جايلز يشرح مراحل التحقيقات التي يقوم بها فيما كانوا جميعا يتوجهون إلى قاعة الاستقبال. كانت هيلين تستمع إلى شرح جايلز المستفيض وتصغي في الوقت ذاته إلى لتفاصيل حادثة طريفة حدثت لجايك في إثناء وجوده في أمريكا ولضحكات جنيفر المتواصلة. أزعجها الغنج والدلال ولم تعد تسمع محاضرة جايلز أو نكتة جايك. عاد بها تفكيرها إلى تلك المناسبات النادرة التي كان الحزن العميق وحده يضطرها للتذمر لصديقتها جنيفر من تصرفات جايك وكيف أن جنيفر كانت دائما تأخذ جانبها وتتهم جايك بالحقارة والخسة وتذكرت أيضا انه في كل مرة يجتمع فيها الأصدقاء الأربعة تنسى جنيفر اتهاماتها وتتصرف مع جايك وكأنها تجده جذابا وساحرا للغاية. وللمرة الأولى منذ أن بدأت جنيفر تتصرف على هذا النحو شعرت هيلين بضيق وانزعاج شديدين. وفجأة تطلعت إلى الوراء فلاحظ جايك الانقباض الظاهر على وجهها و....في تلك اللحظة بالذات زلت قد جنيفر فأمسكت بذراع جايك محولة انتباهه عن زوجته. هل تعمدت تلك الحادثة البسيطة أم أنها وقعت قضاء وقدرا؟ ازداد تأثر هيلين وشهرت بألم حاد في معدتها. جايك لم يبحث معها تفاصيل رحلته الخيرة...لم يبحث معها أي شئ منذ أسبوع الحقيقة إنهما لم يتبادلا سوى بعض كلمات عادية وتقليدية فلماذا تغضب ألان إن هو اخبر جنيفر بعض ما حدث معه في تلك الرحلة؟ لا لن تغضب. تطلعت إلى جايلز وابتسمت. لم يلاحظ هو أي شئ غريب يزعجه فلماذا تزعج هي نفسها أو تتضايق.
قاعة الاستقبال الكبرى والغرفتان المتصلتان بها كانت تعج بالشخصيات الرسمية والاجتماعية. استقبلهم احد مساعدي السفير بتهذيب واحترام وتولى التعريف بينهم وبين عدد كبير من المسئولين والرسميين ثم تركهم يتحدثون مع بعض الضيوف فيما توجه هو لاستقبال القادمين الجدد. نظرت هيلين إلى زوجها فشاهدت في عينيه نظرات النمر الذي يستعد للانقضاض على فريسته وعلمت أن تفكيره كله مركز ألان على مواضيع العمل
والصفقات التجارية والمالية وفعلا اعتذر جايك منهم بدعوة انه سيتحدث إلى احد السياسيين القدامى الذين يعرفهم ثم اختفى في ذلك الحشد الكبير قبل أن يتسنى لأحدهم التلفظ بشئ. تطلعت جنيفر بصديقتها وكأنها ترثى لحالها وقالت:
" اعتقد إننا لن نرى زوجك قبل ساعة أو ساعتين من ألان. انه حقا لا يطاق...ألا تعتقدين ذلك؟ "
أحنت هيلين رأسها وردت بهدوء:
" بلى اعتقد ذلك "
ابتسم جايلز ووضع ذراعا على كتف كل منهما قائلا:
" خيرا فعل. الم يتركني مع أروع سيدتين في هذه القاعة! "
ابتسمت هيلين ولكن جنيفر هزت كتفيها ضجرا وقالت:
" ولكن أيها الحبيب الغالي ماذا سنفعل ألان؟ اعني...ألا تعرف أحدا جديرا بالاهتمام ضمن هذا الحشد الكبير؟ "
عقد جايلز جبينه وتطلع حوله باهتمام جدي ثم قال:
" ها! اعرف الرئيس (لباري) الذي يقف هناك مع زوجته كان زميلا لي في جامعة كامبردج. زوجته شابة طيبه ولطيفة وهي كانت ممرضة على ما اذكر"
ظلت جنيفر لبعض الوقت متأففة تشعر بالضجر والملل ثم سألت زوجها فجأة:
" من هو ذلك الرجل الذي يحدق بنا؟ ذلك الرجل المتوسط العمر الذي يقف هناك...هل تعرفه؟ "
" أوه اتعنين (برتي مالارد) نعم اعرفه "
ثم تابع حديثه بعد أن الرد التحية لذلك الرجل:
" انه في الحقيقة اللورد مالارد أنا متأكد من إنني ذكرت اسمه عدة مرات أمامك يا جنيفر. انه خبير ممتاز في المفروشات القديمة "
" بحق السماء يا جايلز! أين الإثارة والاهتمام...رئيس لإحدى الجمهوريات الصغيرة الفقيرة وزوجته الممرضة السابقة أو إحدى اللوردات المتخصصين بالمفروشات العتيقة البالية. إلا يحضر مثل هذه المناسبات أناس يفتحون الشهية؟ أشخاص في الثلاثين أو العشرين ويحبون الحياة؟ "
" طبعا, طبعا لنتنقل بين هؤلاء الناس علنا نجد مبتغانا! "
اضطرت هيلين لمجاراتهما في التنقل والمشاركة في الحديث ولكنها كانت متضايقة وتشعر بالانقباض جنيفر على حق جايك لا يطاق لماذا يحضرها إلى مثل هذه الحفلات عندما يكون مصمما على تركها وحدها طوال الوقت؟ مضت ساعة كاملة لم تلمح جايك خلالها ولو مرة واحدة وفجأة شعرت بيد رجل تداعب ذراعها استدارت سرعة ليواجهها كيث مانرينغ بابتسامة ودية
" كيث؟ ماذا...ماذا تفعل هنا؟ "
جايلز وجنيفر استدارا أيضا عندما سمعا صوتها وتلعثمها. جايلز يعرف كيث معرفة وثيقة ولذا حيا كل منهما الأخر بحرارة أما جنيفر فقد وجهت إليه ابتسامة عريضة قائلة له بلهجتها المعتادة:
" كيث أيها العزيز الغالي! ما أروع هذا اللقاء أنا متأكدة أيضا من أن هيلين مسرورة أيضا بلقائك زوجها هجرها منذ بداية هذه الحفلة...وكلنا نشعر بالضجر والسأم "
نظرت إليها هيلين بغضب واشمئزاز. إن أخر شئ تريده في العالم هو أن تتكون لكيث فكرة خاطئة عما تشعر به نحوه صحيح انه يعجبهما وأنهما صديقان ولكن هذا هو كل ما في الأمر. كيث شاب في مقتبل العمر وصاحب شخصية محببة وخاصة مع الفتيات. هيلين تعرف ذلك ولكن علاقتهما اقتصرت حتى ألان على الصداقة البريئة وهي تريدها أن تظل هكذا...صداقة تحتفظ بها دون أن تتطور أو تنقلب إلى عداوة ولكنها سمعته يقول لجنيفر:
" جئت خصيصا للقاء هيلين "
نظرت إليه بتعجب فشاهدته يبتسم ويوجه حديثه إليها قائلا:
" تمكنت من الحصول على بطاقتين للحفلة الموسيقية التي سيقيمها ماهلر والتي كنت ترغبين في حضورها. فما رأيك؟ "
يا للمصيبة! احمر وجهها وقالت بتردد واضح:
" أوه! أوه الحفلة لا ادري...لا اعلم! اعني أننا عندما تحدثنا بشأن هذه الحفلة كان جايك...لا يزال مسافرا. أما ألان...فهو هنا "
كانت جنيفر تصغي بتأفف لاعتذار هيلين ثم قالت لها بشئ من الدهشة والاستغراب:
"بربك يا هيلين! هل تعقدين أن جايك سيأخذك بعين الاعتبار إذا كان يرغب بالذهاب إلى مكان ما أو مرافقة إنسان ما؟ انه ليس سجانك قفي على قدميك بثبات واتخذي موقفا صارما...كوني مستقلة

لورا 09-01-08 09:31 PM

عضت هيلين بقوة على شفتيها حتى كادت تدميها إنها تعلم أن جنيفر على حق وهذه الليلة بالذات هي خير دليل على عدم اكتراثه بها تركها منذ بداية السهرة وحيدة...برعاية جايلز.
" لا اعلم يا كيث. . . !"
توقفت عن متابعة جملتها وتجمدت في مكانها عندما شاهدت زوجها يقترب منهم وفي عينيه نظرات الرضا والاكتفاء كتلك التي تظهر في عيني هرة انتهت لتوها من تناول طعامها المفضل ولكن تلك النظرات قست وتحولت إلى الغضب عندما شاهد كيث يقف بالقرب من زوجته.
وضع يده على كتف زوجته وشد بقوة وهو يقول بلهجة من يأخذ الأمور بروح رياضية وعدم اكتراث:
" يا للصدفة! انه كيث أليس كذلك؟ قل لي ماذا يفعل محامي نظيف اليد مثلك في مكان كهذا؟ "
كان التحقير واضحا في تلك اللهجة مع أن الكلام بحد ذاته لم تكن فيه اهانة أو شتيمة. ومع أن كيث لم يكن طويلا أو عريض المنكبين كجايك إلا انه أعجب هيلين عندما شمخ برأسه وقال بهدوء ملحوظ:
" الحقيقية يا هوارد أنني جئت للقاء زوجتك لدي بطاقتان لحفلة موسيقية اعرف أنها متشوقة لحضورها "
حولت هيلين نظرها عن وجه الشاب الذي صبغه الاحمرار والانزعاج والانفعال إلى وجه جايك الهادئ والقاسي. وكان واضحا من زيادة شدة قبضته على كتفها انه فوجئ بالتفسير الفوري والصريح الذي صدر عن كيث. إلا أن جايك لا يسمح لمثل هذه المواقف بأن تؤثر على تفكيره أو تصرفاته.
" هكذا إذا! "
اخذ سيكاره قدمها له جايلز في ذلك الوقت بالذات على أمل التخفيف من حدة المواجهة المتوقعة بين الرجلين. وببرودة أعصاب مزعجة تطلع بكيث وسأله:
" وما يحملك على الاعتقاد بأنني لن أتولى هذه المهمة بنفسي إن كانت زوجتي راغبة فعلا بحضور الحفلة المذكورة ؟"
تردد كيث ربما لأنه انتظر جوابا أخر أو سؤالا مختلفا. ثم قال:
" فهمت من هيلين أن الحفلات الموسيقية الكلاسيكية تزعجك وتضجرك "
" أهذا حقا ما قالته لك زوجتي؟ "
وضع السيكاره بين شفتيه في هدوء غريب فسارع جايلز لإشعالها له. وبعد أن نفث سحابة كبيرة من الدخان على مقربة من وجه كيث عاد إلى الكلام:
" يجب أن تخبرني عن الأمور الأخرى التي تحدثك بها زوجتي يا كيث. أنا مهتما جدا لسماع تقييمها الفذ لأنواع الموسيقى التي . . . "
قاطعته هيلين بانفعال وتوسل:
" جايك, أرجوك! أرجوك! "
رد عليها بهدوء مفتعل:
" أرجوك ماذا؟ "
أرجوك ألا تفتعل شجارا لقد أبلغت كيث قبل قدومك انه...انه لا يمكنني قبول دعوته "
" أوه هكذا إذن! ولكن لماذا؟ هل منعتك من قبول دعوة كهذه؟ "
" لا! لا! "
تطلعت هيلين حولها بانزعاج بالغ وقالت:
" جايك أنا لا أريد الذهاب "
" ولكنني أصر على ذهابك إذ ليس من المعقول أن ترفضي بعد أن تعذب كيث إلى هذا الحد للحصول على البطاقتين! بالمناسبة ما هو موعد الحفلة؟ "
اخرج كيث البطاقتين من جيبه بانفعال ثم أجاب:
" يوم الخميس المقبل في الثالث والعشرين من هذا الشهر "
" الثالث والعشرون ها ! أوه تذكرت ألان هناك مؤتمر سيعقد في باريس في الرابع والعشرين ولذلك فعلى الأرجح أن أكون غائبا ليلة الخميس. أنا متأكد من أن هيلين ستكون مسرورة بمرافقتك لها إلى الحفلة المشهورة "
نظرت هيلين إليه بغضب وشعرت بكره شديد نحوه لأنه ينظم لها حياتها بمثل هذه اللامبالاة الكريهة. لماذا يصر ألان على قبولها الدعوة بينما رفضها بعنف وقسوة يوم عودته الأخيرة إلى لندن؟ هذا التناقض الكبير أوقعها في حيرة مزعجة.
تنهدت جنيفر وشعر جايلز بشئ من الراحة والسكينة بسبب النتيجة السلمية للمواجهة. ولتثبيت الهدوء اقترح جايلز أن يتوجهوا جميعا إلى موائد المأكولات العامرة أما كيث فقد اغتنم الفرصة ليستأذن بالذهاب بعد أن قال لهيلين بأنه سيتصل بها لاحقا. على اثر ذلك خيم صمت مزعج على الرجلين وزوجتيهما وكانت هيلين بالطبع أكثرهم انزعاجا وتضايقا فلم تتمكن من تناول لقمة واحدة من تلك المأكولات الشهية المنوعة. كيف لا يكون الجو متوترا إلى هذه الدرجة وجايك لا يقول شيئا ولا يجيب إلا بنعم أو لا عندما يحاول جايلز أو جنيفر التحدث معه ولم يحدث أي انفراج على الرغم من المحاولات المتكررة من جانب الصديقين المشتركين إلا عندما تقدم منهم السفير بنفسه مرحبا ومجاملا عندها فقط انفرجت أسارير جايك وأطلق للسانه العنان ولكنه كان دائما طيبا ولطيف المعشر عندما يتحدث في مواضيع تتعلق بمشاريعه أو صفقاته. بمجرد انتقال السفير إلى مجموعة أخرى من الضيوف أعلن جايك عن رغبته في العودة إلى البيت على الرغم من أن الحفلة كانت لا تزال في أوجها. عاد بسيارة أجرة لأنه لم يشأ البقاء حتى الموعد الذي حدده لسائقه وكانت هيلين متخوفة طوال الوقت مما سيقدم عليه جايك. ماذا سيقول؟ ماذا سيفعل؟ .
ابلغ جايك سائقه بأنه لم يعد بحاجة إليه تلك الليلة في حين توجهت هيلين بعصبية الى قاعة الجلوس وعادت التساؤلات المزعجة تضج في رأسها ماذا كان هدفه عندما دفعها دفعا لا بل أرغمها على قبول دعوة كيث؟ ما هي الأسباب الحقيقية لهذا التحول المفاجئ في تصرفاته؟ لا لن تدع غضبها يسيطر على تفكيرها سترغم نفسها على معالجة الموضوع بهدوء وروية لا داعي لشعورها بالذنب فهي لم ترتكب خطأ أو تقدم على عمل تخجل به.
أعدت لنفسها فنجان من القهوة المرة وجلست ترشفه بهدوء بعد أن خلعت معطفها ورمته على المقعد المجاور. دخل جايك فسألته عما إذا كان يرغب في فنجان مماثل ولكنه رفض بحركة من يده لم يزعج نفسه بالرد عليها أو حتى بالنظر إليها وكأنها غير موجودة. هل تعود إلى الانفعال أم تحتفظ برباطة جأشها!!
ولكن المشكلة أن جايك ليس غبيا وهي تعرف ذلك وتعرف أيضا أسلوبه القاسي في إخراس موظفيه والحك من شأنهم وقدرهم. الشخص الوحيد الذي له تأثير يذكر على جايك يقيم في سلبي على بعد بضعة مئات من الكيلومترات. وهيلين لم تكن راغبة أبدا في طلب المساعدة من والدة زوجها لأنها تعرف مدى احتقار تلك السيدة العجوز لها ولطريقة حياتها.
وضعت فنجان القهوة على الطاولة الصغيرة وبدأت تسير نحو غرفتها وهي تأمل آن يكون صمته علامة غضبه الوحيدة ولكنه اقترب منها مسرعا وقال بلهجة جافة وقاسية:
" والى ابن تظنين انك ذاهبة؟ "
" إنني متعبة يا جايك وأريد التوجه إلى الفراش "
رد عليها بنبرة حادة وكأنه يتهمها بشئ خطير:
" انك دائما متعبة...وخصوصا عندما تضطرين لمواجهة أمور غير سارة أو مستحبة ! "
تنهدت هيلين وردت عليه بروية عناية:
أنا لا أرى أي داعي لتفوهك بكلام غير مستحب. إنني لم افعل شيئا اخجل به...أنا لست طفلة يا جايك تؤنب وتقاصص بعد كل مرة تخرج فيها من البيت. وإذا كنت متضايقا لما حصل مع كيث فما عليك إلا أن تلوم نفسك "
" ألوم نفسي؟ رباه هيلين ماذا تقولين؟ انك حقا وقحة...هل تظنين إنني سأقبل هذه الوقاحة منك؟ "
" جايك ألا تعتقد انك أمعنت في إذلالي بما فيه الكفاية في أمسية واحدة؟ بربك قل لي ماذا سيقول جايلز وجنيفر بعد كل الذي شاهداه هذه الليلة؟ "
رفع حاجبيه غضبا وقال لها بتهكم حاقد وشامت:
" ألا تدرين؟ هذا يعني انك لا تعرفين أصدقاءك حق المعرفة أليس كذلك؟ فأنت لا تتطلعين إلا إلى القشور انك سطحية سخيفة لا تعرفين دوافع هؤلاء الأصدقاء أو مشاعرهم الحقيقية "
جرحتها أهانته وكلماته القاسية الفجة فسألته بتأثر واضح:
" وماذا تعني بهذا القول؟ "
" اعني أن جايلز المسكين يتمنى أن يكون لديه نصف فظاظتي وقلة تهذيبي وان ينجح في استخدام هاتين الصفتين. كما أن جنيفر تشعر بالمقابل بمزيد من الاحتقار له لضعف شخصيته وقلة جرأته "
" جنيفر لا يمكن أن تفكر هكذا. أنها تجدك رجلا جلفا وفظا وهي مثلي لا تحبك أو تطيقك "
ابتسم جايك رغما عنه بسبب حماسها واندفاعها ولكنها لم تكن ابتسامة سارة أو صافية ثم قال لها بسخرية:
" وهل تصدقين ذلك؟ ألا تعلمين أن صديقتك جنيفر مستعدة للتضحية بالغالي والرخيص لتحل محلك؟ "
" وماذا تعني بذلك؟ "
" ما اعنيه أيتها الزوجة الارستقراطية البريئة أن جنيفر هي بالنسبة إلي صيد سهل أتفهمين؟ مجرد إشارة واحدة من زوج صديقتها وصديق
زوجها . . . "




لورا 09-01-08 09:33 PM

تسارعت نبضات قلبها وأخذت تتنفس بسرعة وعصبية ثم قالت له بكره واشمئزاز:
" انك...انك سافل وحقير وأنا لا أصدقك... جنيفر ليست هكذا أبدا لقد قلت لك أنها...أنها تحتقرك "
" وهل تريدين أن اثبت لك ما قلته؟ "
" أوه, لا. لا. بالطبع لا! "
" ولم لا؟ هل تخشين أن اثبت لك صحة ما أقول ؟ "
هزت هيلين رأسها حزنا ولوعة أنها لا تريد التفكير لا تريد أن تتذكر تلك الضحكات التي سمعتها في بداية السهرة ولا تلك النظرات التي شاهدتها لأنها لو تذكرت....لاضطرت لتصديقه. لا انه يكذب ويدعي باطلا هذا غير صحيح فجنيفر هي صديقتها ولكن. . . .
" أنا ذاهبة إلى الفراش ولا أريد التحدث في هذا الموضوع "
حرك جايك عضلات كتفه بتثاقل وقال:
" وهذا يعني بالطبع إنهاء المحادثة...هكذا "
توقفت عن سيرها باتجاه الباب واستدارت نحوه قائلة:
" الم يكن كافيا ما قيل حتى الان؟ انا لا افهمك يا جايك. تذمرت بعنف عندما صدف انني كنت خارج البيت عند عودتك من الولايات المتحدة ومع ذلك فانك الان تدفعني لا بل ترغمني على حضور الحفلة الموسيقية مع كيث. . ."
" عندما كنت خارج البلاد سهرت مع كيث اليس كذلك؟ لم تهتمي على الاطلاق بما قد يقوله الناس. اما الان فعندما ينتشر الخبر انني انا الذي اعددت هذا اللقاء مع كيث فان الاقاويل والشائعات حول علاقتك معه ستخف الى حد كبير. ما من احد يهزأ بجايك هوارد ويستخف به وينجح...تذكري ذلك"
" وماذا تعني الان بهذا الكلام؟ "
اشعل سيكارة وقال لها ببرود بالغ :
" انك متعبة لن ازعجك بالتفاصيل "
" اوه جايك بحق السماء "
" اذهبي الى الفراش يا هيلين. كما قلت لي انك لا تفهمينني ولكنك ستفهمين صدقيني ستفهمين "
استدارت نحوه غاضبة وكانت على اهبة مواجهته بأعماله المخزية وعلاقاته الغرامية المفضوحة ولكنها لم تتمكن. كانت ستبدو كزوجة تدب فيها الغيرة وهذا شعور لم يزعجها قط ....قبل الان. الا انها في هذه الليلة بالذات وبعد ضحكات الغنج والدلال التي سمعتها من جنيفر شعرت بأن مجرد تفكيرها باقامته علاقة ما مع امرأة اخرى...امر مثير للغضب...والغيرة.


لورا 09-01-08 09:35 PM

3- الوحدة القاتلة


كان المطعم في هذا الوقت من الصباح غاصا بالزبائن ومعظمهم من سيدات المجتمع الأنيقات اللواتي اخترن هذا المكان للقاء بعضهن بين فترات التسوق الصباحية وفي هذا الجو الذي يعج بالضحكات والثرثرة ويعبق برائحة العطور النادرة والباهظة الثمن كانت هيلين وجنيفر تشربان القهوة وتأكلان الحلوى. وفيما كانت جنيفر على وشك البدء بقطعة كبيرة ثانية من الحلوى تطلعت بقوامها منتقدة وقائلة:
" يجب أن أحاول بجدية حقيقية الحد من تناول الحلويات لن افرح كثيرا إذا أضفت إلى وزني بضعة كيلوغرامات أزياء العصر لا تتناسب مع السمنة "
نظرت إليها هيلين وقالت بلطف:
" لا اعتقد أن هناك خطر على قوامك يا عزيزتي انك نحيلة وذات قد جميل "
" نعم ولكن إلى متى أظل هكذا إذا واصلت التهام هذا القدر من الحلويات؟ "
ثم تنهدت وتابعت حديثها:
" هل تذكرين عندما كنا في المدرسة؟ كنا نأكل كميات ضخمة ولا ترف لنا عين! ولذا أعجب من تزايد وزننا كلما تقدمنا في السن "
قالت هيلين:
" اعتقد أن السبب الرئيسي يعود إلى قلة الحركة والتمارين بالمقارنة مع أيام الدراسة. اذكر أننا كنا نمارس السباحة بكثرة كما كنا نمضي عدة ساعات في الاسبوع في ملاعب كرة المضرب "
ابتسمت جنيفر ثم قالت:
" اوه نعم كرة المضرب! كنت جيده جدا في تلك اللعبة "
هزت هيلين رأسها وتنهدت بارتياح. ذكريات ايام الدراسة اراحت اعصابها نوعا ما. في تلك الايام كانت تربطها بجنيفر صداقة متينة فلماذا تغيرت العلاقة الى هذا الحد؟ بالطبع انهما الان متزوجتان وكل منهما اصبح لها بيتها ومسؤولياتها وواجباتها. ولكن المسألة لا تقتصر على ذلك فالمشكلة انه لم تعد تجمع بينهما تلك القواسم المشتركة وتلك الاهتمامات المتبادلة. وفجأة سألتها جنيفر ببساطة مصطنعة:
" بالمناسبة...كيف حال جايك هذه الايام؟ "
رفعت هلين فنجان القهوة مرة اخرى وقالت:
" بخير, على ما اعتقد...انه مسافر "
" مسافر؟! مرة اخرى؟ "
لم ترفع هيلين نظرها عن فنجان القهوة ولكنها أوضحت بشئ من التردد:
" انه ألان في شمال انجلترا ذهب لتفقد معمل للكيماويات "
" وماذا حدث تلك الليلة بعد حفلة الاستقبال في السفارة؟ هل كان منزعجا كثيرا من ظهور كيث على ذلك الشكل؟ "
كانت هناك حشرية واضحة في أسئلتها ونظراتها وشعرت هيلين أيضا بأن روحا من الشماتة تغلف هذه الأسئلة. نظرتها إلى جنيفر اختلفت كثيرا بعد الكلام الوقح الذي سمعته عنها من جايك بنفسه ومع أنها حاولت أن تقنع نفسها بعدم صحة ما قاله فقد ظلت تراودها بعض الشكوك حول تصرفات صديقة الدراسة ولكن...أليس من الممكن أيضا أن يكون ذلك هدف جايك بالذات؟ فرق تسد...هزت رأسها وأعادت الفنجان الفارغ إلى الطاولة. مهما كان الأمر فالواضح أن جنيفر تبدي اهتماما غير عادي بمجمل القضية وعليها بالتالي أن تدرس جوابها بدقة قبل أن تتفوه بأي كلمة قد يساء فهمها أو تنقلب ضدها:
" ولماذا يتضايق عندما يكون هو ذاته الذي اعد لذهابي مع كيث إلى الحفلة الموسيقية؟ "
بدت جنيفر غير مرتاحة لهذا الرد فعادت إلى السؤال:
" هل تعنين انه لم يكن متضايقا أبدا؟ "
تنهدت هيلين وأجابتها بهدوء:
" أنا لم اقل ذلك بالضبط ما قلته هو أن جايك لا يجب أن يتضايق لأنه هو الذي اعد لحضوري تلك الحفلة مع كيث "
" اعتقد انك أنت المذنبة بحق نفسك عندما تسمحين له بهذا التسلط. أنا لا يمكن أبدا أن ادع جايلز يتصرف بحياتي بمثل هذا الشكل! "
ابتسمت هيلين وقالت:
" جايك ليس هكذا على الإطلاق واعتقد أن الترتيبات المتفق عليها فيما بيننا تسير بصورة حسنه وطبيعية "
" ماذا! ماذا تحاولين قوله يا هيلين؟ جايك مسافر معظم الوقت وأنت قابعة في البيت تنتظرين! هل تعتقدين إنني اسمح لجايلز بالذهاب وحده إلى تلك الأمكنة الرائعة والمثيرة؟ لا, وحقك لا! أني أصر على الذهاب معه كل مرة يغادر فيها لندن "
قررت هيلين الاحتفاظ بالهدوء حتى النهاية لأن الانفعال في مثل هذه الأوقات ضار ومؤذي لذلك قالت لها:
" إن وضعك يختلف قليلا عن وضعي يا جنيفر أنت تحبين جايلز... وهو يحبك "
ردت جنيفر وهو تطفئ سيكارتها بعصبية ظاهرة:
" لم اعد متأكدة من أن هذا القول صحيح. نعم كان هناك حب متبادل في بداية الأمر ولم نتزوج إلا على هذا الأساس ولكن ماذا يبقى لك بعد ان تخف بهجة شهر العسل وفرحته؟ لا يبقى سوى علاقة تختلف في حرارتها وبرودتها بين يوم وأخر وزوج يتخيل أن الحب علاقة تقوم في الليل...ودائما في الظلام "
" جنيفر!! "
هزت جنيفر بكتفيها تململا وضجرا وقالت:
" ما بالك يا هيلين؟ إنها ليست نهاية العالم...أنا لم اكتشف فجأة ما اشعر به بالنسبة إلى حياتي الزوجية هذا الشعور يخالجني منذ سنوات ولكني اضطر للبوح به بين الحين والأخر. والمؤسف انك لم تكوني موجودة في المرات السابقة لكي اكتفي بكشف سري لك دون غيرك "
" ولكن...ولكن لماذا؟ أنا لا أفهمك يا جنيفر! لديك كل شئ! بيت جميل..سيارتك الخاصة..مال كثير..زوج يحبك. . ."
قاطعتها جنيفر بانزعاج قائلة:
" ولكنني اشعر بالضجر يا هيلين! بالضجر...هل تفهمين؟ "
هزت هيلين رأسها نفيا واستوت في كرسيها ثم قالت:
" انك متزوجة منذ خمس سنوات وأظن أن الوقت قد حان لإنشاء عائلة... "
" أوه كم أنت ضيقة ومحدودة التفكير "
قالتها جنيفر بانفعال ثم تنهدت وتابعت حديثها بعصبية واشمئزاز:
" عائلة! بالله عليك يا هيلين هل تظنين إنني أريد طفلا بقربي يصرخ طوال الوقت؟ هل تتصورين أنني أريد المزيد من المسؤوليات؟ "
" لم اعتقد أبدا بأنك تفكرين بمثل هذه الطريقة! "
" أنا لا أفكر هكذا...طوال الوقت على الأقل! وهذا من حسن حظي ألا توافقين على ذلك؟ "
ثم استرخت في كرسيها وأشعلت سيكاره أخرى وهي تسأل:
" هل تريدين المزيد من القهوة؟ "
" ماذا؟ "
كانت هيلين غائبة بتفكيرها وشاردة بذهنها فلم تسجل على الفور المعنى الصحيح لذلك السؤال الذي وجهته جنيفر بصورة طبيعية وكأن شيئا لم يحدث. ثم استجمعت قواها وقالت:
" أوه, أوه نعم بالطبع "
مالت إلى الأمام ورفعت إبريق القهوة صم صبت فنجانين وقالت لجنيفر :
" كيف وصلنا إلى مثل هذه الأحاديث المزعجة لا بل كيف بدأناها! أنا متأكدة من أن هناك مواضيع أكثر فرحا واقل إزعاجا. . . "
قاطعتها صديقتها بلهجة قوية وجافة"
" كنا نتحدث عن نواقص زوجك وعيوبه...وهي كثيرة ومتنوعة لدرجة انك أنت غير قادرة على نفيها أو إخفائها! "
احمر وجه هيلين ضيقا وذكرت نفسها بأن تصرفات جنيفر كانت فعلا تزعجها في بعض الأحيان وان ذلك الصباح لم يكن بالطبع أفضل من غيره وتمنت لو أنها لم توافق على الاجتماع بها ولكن شعرت بالوقت ذاته أن إزعاج جنيفر هو اقل شئنا وتأثيرا من البقاء في البيت وحيدة...وسجينة. ولما لم تعلق بشئ على ملاحظة جنيفر القاسية قالت لها:
" ماذا بك يا هيلين؟ يبدو انك تغيرت بعض الشئ. في البدء لم تكن صديقتي حساسة غالى هذه الدرجة عندما نتحدث سوية في شؤون زوجها. أما ألان...هل هناك مشكلة أخرى يا هيلين؟ هل بدأت تشعرين بأن المال ليس كل شئ؟ "
نفت هيلين تلك التهمة الشنيعة بحدة وحماسة قائلة وهي تكاد تغرز أظافر يدها في عنقها من شدة الغضب:
" أنا لم اعتبر أبدا أن المال هو كل شئ في هذه الدنيا! "
ابتسمت جنيفر بسخرية وقالت بتأفف:
" حسنا, حسنا ولكن بحق السماء لماذا تبدو عليك الدهشة والذهول كلما قلت شيئا؟ كل ما في الأمر أن مزاجي متعكر جدا وان من سوء حظك ان تكوني أنت ضحية لهجتي القاسية وكلماتي اللاذعة "
رشفت هيلين قليلا من القهوة وهي تحاول ضبط أعصابها والحد من انفعالها. ولكن كلمات جايك عن جنيفر وسهولة استسلامها له عادت تضج في رأسها رغما عنها ورأت نفسها تنظر إلى صديقتها من زاوية مختلفة وبمنظار أخر وتألمت كثيرا عندما تخيلت صحة أقوال جايك فيما يتعلق باستعداد جنيفر لإقامة علاقة معه! لا من المؤكد انه كان يكذب. الم يكن مفروضا عليها أن
تعتاد على ميوله ونزعاته الغريبة طوال سنوات الزواج الثلاثة؟ بلى ولكن المفترض شئ والواقع شئ أخر! إلا أن فكرة اهتمام جنيفر بجايك على هذا النحو أمر يستحيل عليها التفكير به أو تصوره. هل من المعقول. . .؟ ولكنها تفترض مسبقا حدوث شئ ربما لن يحدث على الإطلاق! ومع ذلك...فانه لم يعد بإمكانها النظر إلى جنيفر كما كانت تنظر إليها في السابق وما شاهدته وسمعته منها هذا الصباح لا يمكن تبريره أو مسامحته أو حتى...تناسيه.




لورا 09-01-08 09:38 PM

وبحثت في رأسها عبثا عن كلمات تشق بها الصمت المزعج الذي خيم عليهما. يجب أن تقول شيئا وبسرعة لأنها ن لم تفعل ذلك ستشعر جنيفر بأن هناك أسببا أخرى حملت هيلين على عدم التحدث كثيرا عن زوجها أو بحث تصرفاته معها ولحسن الحظ دخلت في تلك اللحظات سيدة شابة وحيتهما بصورة رسمية أنها (ماري سوليفان) زوجة عضو مجلس العموم البريطاني. دعيت للانضمام إليهما فقبلت الدعوة شاكرة وكالعادة تحول الحديث إلى الطقس وأزياء الخريف وما شابه. وبعد نصف ساعة تقريبا وقفت السيدة سوليفان وشكرتهما على دعوتهما اللطيفة وودعتهما على أمل اللقاء في وقت لاحق واغتنمت هيلين الفرصة وأعربت عن رغبتها في العودة إلى بيتها وفيما كانتا تتوجهان إلى الباب الخارجي سألتها جنيفر بشكل طبيعي جدا وكأن شيئا لم يحدث بينهما:
" متى تتوقعين عودة جايك من السفر؟ أريدكما أن تحضرا للسهرة وتناول العشاء معنا قبل ان يختفي جايك في رحلة أخرى "
حدت هيلين من رغبتها في القول إنها لا تعرف موعد عودة جايك وأجابت بهدوء مماثل:
" شكرا جزيلا يا جنيفر. اعتقد انه سيعود في أواخر الأسبوع إنها مجرد رحلة سريعة إلى معامل الشمال "
" أوه هذا رائع! هل يناسبكما إذا مساء الأحد؟ "
" ولم لا؟ ولكن سأتصل بك للتأكيد "
تأملت جنيفر وجه هيلين بعناية وجدية ثم قالت فجأة:
" كل شئ على ما يرام يا هيلين...أليس كذلك؟ اعني...اعني هل أزعجك ما قلته لك هذا الصباح؟ "
أرغمت هيلين نفسها على الابتسام ثم قالت:
" بالطبع لا يا جنيفر. إني... إني اشعر بصداع قوي اعتقد انه علي التوجه إلى البيت والاستلقاء بعض الوقت "
بدا السرور والارتياح على وجه جنيفر عندما سمعت أن هيلين ليست غاضبة ثم قالت لها:
" لا تنسي أن تتصلي بي بالنسبة إلى سهرة الأحد "
عندما عادت إلى البيت كانت تشعر بالكثير من الارتياح النفسي والفكري وكأنها أقنعت نفسها بأنها جعلت من الحبة قبة وحتى انزعاج السيدة لايتمر الواضح من اضطرارها لإعادة تسخين الأكل نتيجة لتأخر السيدة ساعة كاملة لم يعكر مزاج هيلين. اعتذرت من الخادمة بتهذيب وجلست إلى المائدة لتناول طعام الغداء بهدوء وسكينة.
" اتصل السيد مانرينغ قبل قليل وكان يريد التحدث معك سيدتي "
وضعت هيلين الملعقة من يدها وسألت باستغراب:
" السيد مانرينغ؟ "
ضمت السيدة لايتمر ذراعيها وقالت بلهجة تنم عن الشعور بالأهمية:
" نعم يا سيدتي "
عقدت هيلين جبينها ورفعت الملعقة نحو فمها ثم سألت باكتراث وانفعال اقل من السابق:
" وهل أبلغك بما يريد؟ "
هزت الخادمة كتفيها وقالت:
" لا يا سيدتي...ولكنه تمنى عليك الاتصال بمجرد عودتك الى البيت "
" أوه! "
ماذا يريد منها كيث ألان غير التحدث بشأن الحفلة الموسيقية؟ ولكن لا يزال هناك أسبوع كامل قبل موعد الحفلة! تنهدت هيلين وهزت برأسها وهي تتابع أكلها ثم وجهت ابتسامة خفيفة نحو مدبرة المنزل وقالت:
" شكرا لك يا سيدة لايتمر. سأتصل به في وقت لاحق "
تعكر مزاجها وفقدت شهيتها مع أن الطعام كان لذيذا وحسب رغبتها وطلبها. فبعد حديثها ذلك الصباح مع جنيفر لم تعد راغبة في لقاء احد وان كانت تلك رغبة كيث فانه بلا شك سيصاب بخيبة أمل كبرى. اتصلت به حوالي الخامسة فلم يستطع إخفاء سروره لذلك الاتصال وبعد كلمات الترحيب والسلام التقليدية قال لها من دون إبطاء:
" أخبرتني جنيفر أن جايك مسافر في الوقت الحاضر فما رأيك بتناول العشاء معي هذه الليلة!
تنهدت هيلين بتململ وانزعاج...جنيفر! الصديقة العزيزة! لم تتأخر على الإطلاق بل سارعت الاتصال بكيث وإبلاغه الأمر بمجرد عودتها من المطهم...لماذا يا جنيفر؟ وشعرت فجأة بشئ من الازدراء لهذا التدخل السافر في حياتها وشؤونها الخاصة.ولكن ألا يعقل مثلا أن تكون جنيفر على اقتناع بأن صديقتها ترحب بأي فرصة للاجتماع بكيث؟ آه منك يا جنيفر! متى ستصدقين أن كل شئ بيننا انتهى تماما منذ ثلاث سنوات؟
" متأسفة يا كيث ولكني لم اعد نفسي لأي سهرة الليلة "
" وهذا سبب أخر يجب أن يحملك على قبول دعوتي "
ثم تنحنح وقال بلهجة حازمة:
" اسمعي يا هيلين...هناك مكان جديد في هنلي وقلت في نفسي لماذا لا نجربه سويا يمكننا الاكتفاء بتناول طعام العشاء وإعادتك باكرا إلا إذا رغبت أنت في إطالة السهرة "
ترددت هيلين كثيرا في الإجابة. السيدة لايتمر تعد لها العشاء في السابعة وتذهب الى غرفتها في حين تظل هي وحيدة ضجرة تتململ عدة ساعات قبل الذهاب إلى سريرها. إنها لا تنام باكرا أبدا كما إنها لا تنام كثيرا هذه الأيام فلماذا لا تذهب مع كيث إلى حفلة عشاء بريئة؟.
وفجأة ضجت أفكارها بصور جايك...ماذا يفعل في هذه الأمسية؟ هل سيمضي هذه الليلة وحيدا في جناحه الفخم؟ إنها تشك في ذلك كثيرا فمن الأرجح انه يقيم حفلة طنانة لكبار موظفيه في احد النوادي الليلة هناك تستمر حتى الساعات الأولى من الصباح ثم ينهيها مع...! إذن لماذا تتردد؟
" حسنا يا كيث لم لا؟ متى نذهب؟
"شعر كيث بسعادة بالغة وسألها بلهفة:
" هل السابعة وقت مبكر جدا؟ "
تطلعت هيلين بساعتها الذهبية الرقيقة وإجابته بعد أن قدرت لنفسها الفترة التي ستحتاجها لتأخذ حماما وترتدي ثياب السهرة:
" لا...لا اعتقد ذلك السابعة تناسبني. هل ستأخذني من هنا؟ "
" طبعا, طبعا. إلى اللقاء إذن "
أعادت هيلين سماعة الهاتف بشئ من التردد فمع أنها قطعت على نفسها وعدا بتناول العشاء معه إلا إنها في الحقيقة لنم تكن راغبة كثيرا في مغادرة المنزل هذه الليلة. لو لم يتصل بها كيث لكانت الهت نفسها على الأرجح بمشاهدة بعض البرامج التلفزيونية أو ربما بقراءة ذلك الكتاب الذي ابتاعته قبل بضعة أيام. أما ألان فقد وافقت على تمضية عدة ساعات بصحبة رجل قد يشكل لها وجوده معها مصاعب معينة على الرغم من أن ذلك الوجود يفرحها ويسليها إذ أن كيث شأنه في ذلك شأن جنيفر قد لا يقبل تماما بأن تكون علاقتهما الراهنة مختلفة إلى حد كبير عن تلك التي كانت قائمة قبل بضعة سنوات.
أمضت ساعة كاملة وهي تريح أعصابها وهي غارقة حتى عنقها في ماء ساخن معطر ثم ارتدت ثيابها وسرحت شعرها وجلست تنتظر في غرفتها.
في السابعة إلا خمس دقائق رن الجرس ففتحت الباب السيدة لايتمر التي كانت على علم مسبق بقدوم كيث ودعته إلى الدخول وانتظار السيدة في غرفة الجلوس. وبعد بضع دقائق نزلت هيلين وبادرته بالسؤال:
" هل شربت شيئا؟ "
ابتسم كيث بشئ من السخرية وأجابها:
" في الحقيقة لم اشرب شيئا. خادمتك لا تفرح كثيرا بقدومي وفعلا إني أخشى لمس أي شئ في هذا المنزل إن لم تكوني أنت موجودة...مخافة اتهامي بالسرقة "
ضحكت هيلين وقالت:
" أنت تبالغ كثيرا, أليس كذلك؟ في أي حال هل تشرب شيئا؟ "
تطلع كيث حوله بعصبية وتردد ثم قال:
" هل هناك أي مجال على الإطلاق لانقضاض ذلك الزوج العنيف علينا بشكل مفاجئ؟ اعني...إنني اكره كثيرا لقاء الأسد في عرينه! "
هزت هيلين رأسها بتململ واضح وقالت له:
" ألان تأكد لي انك تبالغ كثيرا. قل لي بربك ماذا تشرب؟ "
تردد كيث قليلا وقال:
" أي نوع من أنواع العصير الموجودة هنا "
ثم اخرج علبة سكائره وعرض واحدة على هيلين فرفضت شاكرة. أشعل سيكاره فلاحظت هيلين أن يديه الثابتتين عادة كانتا ترتجفان قليلا. هل يخيفه جايك إلى هذا الحد يا ترى؟ أليس مضحكا أن يشعر كيث بالخوف من زوجها؟ ولكن تخوفه من جايك أمر طبيعي لقد شاهدت أشخاص كثيرين اشد وادهي من كيث يتحطمون على صخرة تلك الشخصية القوية والفذة التي يتمتع بها جايك...هذا الرجل الذي تزوجته قبل ثلاث سنوات يحطم منافسيه ويسحقهم معنويا لا بالكلام الذي يقوله بل بالأسلوب الذي يتبعه.


الساعة الآن 02:27 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.