وكان والدها سيتركان المكان بعدهما مباشرة . مع انه كان عليهما ان يعودا في المساء
كمدعوين الى حفلة العشاء التي ستقيمها السيدة بانيستر في القصر.
ولم يكن أي منهما
راغبآ بشكل خاص , في الانخراط بزمرة معارف السيدة بانيستر, في القصر.
ولهذا كانت كارين تشك في امكان تكرر مثل هذه المناسبات خصوصآ الآن بعد ان تبددت
ثقتها في كل شيء.
وكان لابد ان يحين الوقت للرحيل . وعندما استدارت السيارة خارجة من المنزل, كانت
هي تغوص في مقعد السيارة الوثير بكل راحة وحاولت ان لا تفكر في شيء.
وان تترك نفسها تسير مع الواقع فإنها تمر في أسعد اوقات حياتها, فلا يحتمل الأمر
ان تفكر في شيء اخر.
وبعد مسيرة 10 دقائق , قال لوغان:
- تبدين هادئة جدآ.هل انت متعبة؟
فتمسكت بهذه الحجة قائلة:
- يبدو ذلك فقد كان الاسبوع الماضي حافلآ بالمشاغل.
فقال:
- خذي غفوة اذن . اننا لا نريدك ان تنامى على مائدة العشاء
أتراه ينصحها بذلك لكي لا تستطيع ان تقول شيئآ فيما بعد؟ وسلبت هذه الفكرة
امل في التسامح من نفسها , واغمضت عينيها دون ان تجيبه, وستبقى
كذلك قدر الامكان وعندما فتحتهما مرة اخرى,وسيكون الوقت حان لتقول
ما ينبقي ان يقال.ولابد انها اخيرآ قد استغرقت في النوم وعندما فتحت عينيها
كانا يسيران في الطريق الريفي والشمس تطل عليهما من النافذة الجانبية.
وكان لوغان قد خلع جاكتته وشمر كمي قميصة . ويبدو انه قد توقف فترة
بالسيارة.
وعندما رفعت رأسها عن الوسادة في الزاوية , قال لها برقة:
- هاقد استيقظت
لابد انك كنت متعبة حقآ.
سألته :
- كم الساعة.؟
فأجاب:
- بعد السادسة بقليل , لقد قطعنا مسافة طويلة , وسنكون هناك بعد
نحو نصف ساعة .
وتنفست كارين بعمق وهي تدرك انها لن تستطيع ان تتأخر اكثر من هذا.
وقالت بلهجة جافة:
- من الأفضل ان توقف السيارة فإن لدي ما احب ان اقوله لك
فنظر اليها بسرعة, وقطب حاجبيه وهو يرى التعبير الجامد على وجهها,
وقال:
- هيا تكلمي .
فأصرت قائلة:
- ليس اثناء قيادتك السيارة.
ورأى اشارة الى مكان لوقوف السيارات
بجانب الطريق فأدار السيارة ليوقفها في المكان المناسب ولم يكن في المكان
سوى عربه بعيدة عنهما. ما جعلهما منفردين تماما.
وقال:
- هات ما عندك .
كانت امامها طريقة واحدة لخوض الموضوع , ألا وهو الطريق المباشر
فقالت:
- لقد اخبرتني مارغوت عن الوصية.
ولم يكن تأثير كلامها عليه كما كانت تتوقع . لم يكن هناك شعور بالذنب وانما
لوى شفتيه اشمئزازآ وهو يقول:
- كنت ستعرفين ذلك في النهاية, ولو انني كنت
اريد ان اخبرك بذلك بنفسي . والظاهر ان أبي لم يجعل الأمر سرآ.
وحدقت فيه كارين بصمت , لحظة وقد ادركت الآن انها في اعماقها كانت
تتمنى لو انه ينكر ذلك, وان تسمع منه ان هذا كذب والأمر كله مزحة مريضة
من مارغوت.
واخيرآ قالت:
-اذن فالأمر صحيح . وانت قد تزوجتني فقط لكي تحقق شرط
الوصية هذا .
وبقيت العينان الرماديتان هادئتين وهو يقول:
- صحيح انه كان عليّ ان استعجل
الزفاف لكي لا يفوتني الوقت المفروض لتحقيق الشرط المطلوب ولكن هذا
لا يعني انني لم اكن اريد ان اتزوجك.
فقالت:
- لا اصدقك.
وكانت الكلمات قد انسلخت من نفسها وهي تتابع قائلة:
- كان عليك ان تجد فتاة توافق على الزواج منك بهذه السرعة, وكنت انا اسهل
من صادفت في طريقك0 ساذجة0 سهلة الانخداع0 مسلوبة العقل!
وعندما تحرك نحوها, ابتعدت عنه بحدة قائلة:
- لا تلمسني .
فعاد يجلس في مقعده وقد تجهم وجهه فجأة وهو يقول:
- ولهذا,لم اكن صادقآ
تماما معك فانني لم اجرؤ على ذلك لكي لا تظني ما تظنينه الآن .فترفضين طلبي .
فسألته بمرارة:
- وماذا غير ذلك من المفروض علي ان اظن؟ انك كنت تعلم
شعوري نحوك, فاستغللت ذلك تمامآ كما استغللته منذ سنتين.
فقال:
- هذا غير صحيح.
وكان مايزال متمالكآ اعصابه وقد اطبق فمه بحزم.
وتابع يقول:
- لقد فقدت شعوري معك منذ سنتين ودفعت الثمن . وكان سبب
وضع ابي لهذا الشرط في وصيته هو اعتقاده بأنني بحاجة الى زوجة لكي
استقر في هذا المكان. فاذا انا لم أجد واحدة خلال سنة من معرفتي بوصيته تلك , فهذا معناه انني لن اتزوج مطلقآ.
وسكت وهو يتفرس في وجهها وقد لانت ملامحه قليلآ.
ثم تابع قائلآ:
- كارين, اذا كان الميراث هو كل ما اريد لكنت اما تزوجت قبل الآن. واما رفعت دعوى ضد الوصية في المحاكم.ولولا مرض والدتي, لتركت كل شيء في مكانه , لكي يذهب الى المؤسسات الخيرية . فقد سبق واسست لنفسي ثروة في استراليا ثروة كافية فأنا لست بحاجة الى مزرعة الخيول هذه ولا لأي شيء اخر.
فقالت بصوت خشن:
- هذا لا يغير من الأمر شيئآ. فلولا مرض امك لما عدت من استراليا مطلقآ, ولما طلبت مني ان اتزوجك.
وأمعنت النظر في ملامحه , تفتش عن شيء كانت تعلم انه غير موجود, ثم تابعت تسأله:
- اليس كذلك.؟
وكان في تردده , الجواب الفاصل, واخذت تفتش عن مقبض الباب دون ان تعرف بالضبط , الى اين تذهب. كان كل ماتريده هو ان تبتعد عن الرجل الذي نحول فجأة الى رجل بغيض في عينيها.
ولكن اليد التي قبضت على ذراعها كانت حازمة اكثر منها خشنة. وهو يقول لها:
- انك لن تذهبي الى أي مكان. بل ستجلسين وتستمعين اليّ
فسألته بخشونة:
- وماذا تريد ان تقول لي؟ انك تحبني؟
فأجاب:
- وهل من الصعب تصديق هذا .
فأجابت:
نعم. فالانسان لا يستغل من يحب .
فقال بصوت هادئ:
- قد لا يكون هناك بديل لهذا في ظروف معينة. كما ان هذا يعتمد على مفهومك لهذه الكلمة الحب. فاذا كانا نتحدث عن تلك الكلمة الطنانة الجوفاء التي يتحدثون عنها في الكتب والاشعار,فنحن على طرفي نقيض. كلا , ربما لو لم تكن ظروفي هذه لما سألتك الزواج مني. ولكن ذلك سيكون لفارق السن فقط وليس لأنني لا اشعر بشيء نحوك.
فقالت:
- آه, يمكنني أن أتصور انك تشعر بشيء ما نحوي .انك جعلت هذا واضحآ تمامآ.
ونضج صوتها بالمرارة , لتقول بعد ذلك بلهجة لاذعة:
- انما لا تتصور انك ستنغمس في ذلك. وهذا كل شيء.
فسألها:
- وماذا يعني هذا ؟
فأجابت:
-يعني اننا لسنا في العصر الفيكتوري, فإذا كنا متزوجين, فإن هذا لا يعني انني سأكون مرغمة على فعل ما ترضاه نفسي.
فقال:
- دعيني اضع هذا في شكل مفهوم.هل تقولين انك مستعده لمتابعة الحياة الزوجية, انما في نطاق ضيق .؟
فردت قائلة:
- اذا اخذنا بالاعتبار حالة امك الصحية. ولا اذكر هنا مشاعر والديّ فانني مرغمة على الاستمرار بحياتنا الزوجية هذه. ولكن طالما ستستمر فانا لن .... لن اتعاطف معك.
فأستحالت ابتسامته الى نوع من العنف وهو يجيبها قائلآ:
- ان بأمكاني ان اجعلك تعودين الى رشدك لأسرع وقت ممكن.
فقالت:
- انك تعرف ما أتحدث عنه. ويمكنك ان تمزح بهذا الأمر كما تريد, ولكنني جادة في كلامي .