( جداً)
ولم تكمل كلامها . فأجابها وهو يبتسم ببرأة وكأنما فاته معنى كلماتها .
( سوف أراقب هذا التحول باهتمام )
برغم الضيق والحرج اللذين شعرت بهما اندريا لنوع الحديث الذي دار بينهما استغنمت الفرصة لتفاتحه بالموضوع ووضعت فنجان القهوة من يدها في تأمل واخذت نفسا عميقا وقالت:
( انك تدرك يا سيد لوفالييه مثلما ادرك انا تماما ان هذا الزواج لا يمكن ان يتم )
( انك مخطئه يا آنسة وانا لا ادرك شيئا من هذا )
( اذا كنت في الماضي قد ابديت موافقتي على موضوع الزواج فلأنني كنت في ظروف صعبة ولا اظنك ترغمني على إبقاء وعد قطعته في ظروف غير طبيعية . فوعد كهذا لا يجب ان يلزم أحد)
( انك واهمة يا آنستي اذا كنت تظنيني بأنني سأتخلى عن الموضوع . فما زلت أصر عليه)
انكمشت تحت وطأة النظرة التي ارتسمت في عينيه وسمعته يقول :
( ربما ، ولكن هل تظنين أن الحياة لم تقس علي ؟ فما عرفت في حياتي كلها الا الظلم !)
وبحركة لا شعورية ارتفعت يده لتغطي الندبة فوق خده وتابع :
( وماذا تعرفين أنت عن الظلم يا آنسة وما عرفت في حياتك الا الرخاء والدلال )
أجابته بتهكم وقد نسيت دورها :
( وها انا أتلقى درسي الأول على يديك!)
هو كتفيه بلا أكتراث وقال :
( أليك وحدك يعود أختيار نوع الدرس . فأن شئت أن تجعليه سهلا فالأمر في يديك . ولكنني أجد نفسي مضطرا الى أن احذرك بأن الزواج سيتم في القريب العاجل جداً . فقد تأجل بما فيه الكفاية )
( ولكن لماذا ؟ من حقي ان أعرف السبب الذي يجعلك تصر على هذا الزواج )
سكب لنفسه مزيدا من القهوة وبجفاء قال :
( غريب امر هذا الفضول المفاجئ . لا اذكر انك أبديت أي أهتمام لمعرفة السبب قبل الآن . كنت منشغله تماما بمشاكلك الخاصة
ولم يكن لديك وقت لأي أمر آخر . ولكن لا بأس سأخبرك الآن . لقد اوصاني أخي بابنه قبل ان يموت ولكنه وضع شرطاً في الوصية يعلق فيه حقي بالوصاية على زواجي . فلكي امارس حق الوصاية على أبن أخي المتوفي يجب ان اكون متزوجا . هذا كل ما في الأمر )
وكأن الزواج وحده لا يكفي ! فكان أذن على من ستصبح زوجه لهذا الرجل أن تتحول بسحر ساحر الى أم في الوقت نفسه !
( ولكن لماذا وضع أخوك هذ الشرط ، وقد كنت أعزباً آنذاك؟)
( كنت على عتبة الزواج عندما حرر أخي وصيته )
أجابها بمرارة . وسرح نظرها بدون ان تستطيع كبحه الى الندبة فوق خده .
لم تفته نظرتها تلك اذ سمعت صوته المتهكم يقول :
( انك شديدة الملاحظة يا آنسة ولكنك بالتأكيد أقدر بكثير من خطيبتي السابقة على أخفاء مشاعرك)
وبضحكة خالية من أي مرح تابع :
( في يوم واحد فقط فقدت كل من أحببت في هذة الحياة . كانت ساعات لا تنسى . لم يبق لي الا ابن أخي ولا أريد أن افقده ايضاَ )
( ولكن ربما أنك قريبه الوحيد ..)
( كلا لست قريبة الوحيد . له خالة وهي عازمه على أستئناف حكم الوصاية أمام المحاكم .ولن أوفرلها أي مادة لذلك . لن أستطيع محاربتها اذا لم اكن مستوفيا جميع شروط الوصية . ولا أريد أن يصل الأمر الى المحاكم ، فلست مستعدا لذلك خاصة ان التعاونية قد أبتلعت تقريبا كل أموالي )
( كم يبلغ من العمرأبن أخيك هذا ؟ ربما من الأفضل له أن يبقى مع خالته التي أعتاد عليها و ..)
شعرت بنظرته كحد السكين وتوقفت عن الكلام ولم تعد تجرؤ على المتابعة . وبأقتضاب أجابها :
( كلا ، لن يكون أحسن حالاً معها . ربما العكس هو الصحيح انه وريثي الشرعي ومكانه هنا )
( و اذا ما رزقت أنت اطفالا فعندها ...)
وتوقفت فجأة وملأ الأحمرار وجهها ولم تعد تعرف كيف تخفي ارتباكها . لكنه أبتسم وقال :
( الا تخشين أن اطالبك بكلامك هذا في يوم من الأيام ؟)
قال هذا وعيناه تخترقانها وتنفذان الى أعماقها ثم تابع وفي صوته رنة استهزاء وتهكم :
( ستغمضين عينيك عندئذ وتسرحين بفكرك الى بريطانيا كما يقول المثل عندكم أو الى فرنسا في مثل هذة الحالة )
غطت وجهها بيديها وبتعثر وتلعثم قالت :
( لم أكن أعني ..)
وتوقفت عندما رأت الأبتسامة المتهكمة تعلو وجهه لكنه طمأنها قائلا :
( لا تخافي . أنا أصدقك . وفي أي حال لن أطلب منك تضحية بهذا الحجم . أنا أعرف أن وجهي هذا كاف ليسبب كوابيس مزعجه لمعظم النساء )
انقبضت نفسها أمام المرارة التى عكستها كلماته . من ياترى تسبب له بكل هذا ؟ لعلها خطيبته السابقة . حسنا فعل بالتخلص منها !
ولكن ما هذه الأفكار قالت في نفسها . مالها ولمشاعره . عادت تحاوره علها تصل معه الى نتيجة مرضية وقالت :
( يبدو انك تألمت كثيرا في حياتك . من من لم يتألم ؟ ولكنه ليس من العدل ان تجعل الأخرين يدفعون الثمن . وهذا الزواج مكتوب له أن يفشل ، فأنت لا تعرفني وأنا لا أعرفك ولا يربطنا أي رابط )
شعرت كأنها كانت تدلي بمرافعه أمام المحكمة ولكن عمن تدافع ؟
عن كلير أم عن نفسها ؟ واعتراها شعور غريب لم تدرك كنهه وارتعشت قليلا فقال لها :
( انك ترتعشين . هل تشعرين ببرد ؟ أقتربي من المدفأة )
وأشار الى مقعد قرب الموقد وتناول قطعة من الحطب وألقاها في النار .
( أنني على ما يرام )
كان صوتها مضطربا وفي عينيها خوف ازعجه فقال لها بضيق :
( مما أنت خائفة ؟ اطمئني يا آنسة فزواجنا سيبقى حبرا على ورق . كل ما ابغى هو ان يقتنع المحامون وعندئذ يصبح فيليب تحت وصايتي قانونيا وعمليا وبعدها يمكنك الذهاب حيث تشائين . ستكونين حره تماما )
( هذا استغلال لا يجوز)
( آه . وأنت ؟ ألم يكن في موقفك مني استغلال . لم تزعجك فكرة الاستغلال نذاك . ماذا دعوتني عندها ؟... ( خشبة الخلاص ) على ما اذكر . لقد كنت صريحه جدا ولم تشعري بأي حرج وأنت تفين حبك الفاشل وشعور اليأس الذي يغلفك . ليس من حقك الآن أن تتذمري اذا شعرت ان تلك الخشبة التى كانت للخلاص تحولت في نظرك الى أغلال تقيد حريتك )
لم تعد اندريا تقوى على تحمل المزيد فوقفت وهي تزيح عن جبينها خصلة من الشعر وقالت بتبرم ونزق ملوحظين :
( ارجو المعذرة فأنا اشعر ببعض التعب وأود أن استريح قليلا )
( بكل تأكيد . سأطلب الى كلوتيلد ان ترافقك الى غرفتك)
ثم قام من مكانه واقترب منها ورماها بنظرة طويلة قبل ان يقول :
( ربما بدت لك الامور مختلفة غدا. والآن أسمحي لي ان ارجو لك نوما هانئا وليلة مريحه )
لم تجب اندريا بشيء واكتفت بهزة من رأسها ، لكنه استمر ينظر أليها ثم دنا منها ورفع يده وجعل انامله تلامس شفتيها المنفرجتين .
حرصت اندريا على ان تبقى في مكانها حتى لايفسر تراجعها نفورا منه .والحقيقة عكس ذلك تماما .