ظلت السيده قربها تساعدها وتضع لمسات هنا واخرى هناك الى ان بدت راضـيه عن الصورة امامها ثم وبحنان نظرت الى اندريا وقالت :
- والآن انظري الى نفسك بالمرآة .
نظرت في المرآة من هي تلك الصبية الممشوقة القوام التي تسبح في غيمة بيضاء سماوية ؟
بعد ذلك ازاحت السيده ستارا فاصلا وبرفق دفعت اندريا امامها الى حيث كان يجلس بليز ..
يجب الا يراني بثوب الزفاف قالت في نفسها , فذلك نذير شؤم وارادت ان تتراجع لكنها عادت وتذكرت ان هذا الرمز البسيط لم يكن الا واحدا بين عشرات من تقاليد الزواج المحببه والتي لم تكن تعنيها في شيء فهما بالنتيجة يحضران لتمثيليه ليس الا .
وقع بصره عليها كانت عيناه باردتين تحت حاجبين معقودين وبدا نافذا الصبر عصبيا . ربما لم يعجبه الفستان , قالت اندريا في نفسها , او ربما شعر بسخف المهزلة التي كان مقدما عليها او ربما , وهذا هو الاهم تذكر خطيبته السابقه وهي تختال بثوب الزفاف الابيض .
اومأ برأسه اخيرا الى السيده التي ظلت واقفه تنتظر اشارة منه وتمت :
-رائعه .
وتوقف قليلا ثم اضاف :
- قدمي للآنسة كل ما تحتاجه ولا تنسي الحذاء .
تقدمت منه وثوبها يبعث حفيفا كحفيف اوراق الشجر , ووضعت يدها على زنده وقالت له بتوسل :
- ارجوك يابليز . اصغي الي لا يمكنني ولا يجوز ان ارتدي هذا الثوب .
- ولم لا ؟
سألها بصوت لا تعبير فيه وكانت نظرته اليها لا تختلف عن نظرة أي انسان الى تمثال جميل في واجهة احد المتاجر وتابع :
- انه يلائمك تماما .
- انها ليست ملاءمة او عدم ملاءمة .
اجابته ثم اخفضت صوتها عندما لاحظت ان صاحبة المحل كانت تراقبهما بفضول وتابعت :
- اذا كان يلائمني فهو بالتأكيد لا يلائم المناسبة .
وهذا الثوب تابعت في سرها يمثل كل ما تفتقر اليه في هذا الزواج . انه رمز السعاده والاحلام الوردية والحب واين هو الحب في علاقتنا هذه ؟
- اظن انه مناسب جدا , وسوف ترتدينه غدا وتظهرين امام المدعوين في الصورة التي يتوقعونها , لاتجزعي يا عزيزتي اعتبريه ان اردت زيا مبتكرا لحفلة تنكرية ترتدينه لبضع ساعات فقط ثم تتخلصين منه الى الابد .
لم تنجح اندريا في اقناعه بان ارتداء هذا الثوب بالذات هو ضرب من ضروب الخيانه وانه لا يجوز ان يشوها رمزا من رموز الحب والجمال بالنفاق . فلقد اصر على موقفه معتبرا كلامها عاطفيا وبدون منطق .
بعد ان فرغا من مشترياتهما واصبحت العلب والصناديق جميعهما في السيارة , اقترح بليز وبدون أي مقدمات ان يريها الاماكن الاثرية والسياحية في المنطقة .
توجها الى ساحة دوليل المشهورة بالنبع في وسطها حيث القى بطرس الناسك عظة الحرب الصليبية الاولى . بعد ذلك قاما بزيارة الكاتدرائية السوداء ذات الطراز القوطي , وجدتها اندريا في غاية الفخامة ولكنها لم تستطع ان تقاوم شعورا بالانقباض اعتراها فجأة وردته الى الحالة النفسية التي كانت فيها .
بعد ذلك تناولا طعام الغداء على شرفة مطعم روبات الفخم والذي يشرف ايضا على المدينة القديمة . ولدهشتها اكتشفت اندريا انه كان باستطاعتها ان تنعم حقا بالطعام وبالشراب وباشعة الشمس وحتى بقليل من الاسترخاء .
نظر اليها بليز بعينين نصف مغمضتين بسبب وهج الشمس وقال :
- ما الذي يسعدك ؟
وكان مستلقيا على كرسيه باسترخاء .
- لا يهم .
اجابت بسرعه وشعرت بالخجل لأنها سمحت لخيالها ان يطير بها بعيدا وكانها خالية البال .
- كما تشائين .
تمنت لو اجابته فالعلاقة بينهما كانت متوتره بدون ان يظن بانها كانت تتعمد عدم اشراكه في افكارها . تنهدت وهي تسترجع في ذاكرتها جولتهما ذاك الصباح وكيف اقتصر الحديث بينهما على بضع كلمات مقتضبه وتنهدت في اعماقها .
الى متى كان سيستمر في حرب الصمت هذه ؟ الم يكن عليهما ان يتحدثا بشأن مستقبلهما ؟ وهل يعقل ان يتم الزواج في اليوم التالي بدون ان يتوصلا الى تفاهم نهائي حوله ؟ استرقت اليه نظرة ورأته يدخن سيكارته ويحدق في الدخان المنبعث منها وكأن لا شيء اخر في الدنيا يستحق التفاته من غير ذلك الدخان .