شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   76 - الحصن المرصود - ساره كريفن - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (https://www.rewity.com/forum/t56200.html)

* فوفو * 25-04-09 06:19 AM


* فوفو * 25-04-09 07:19 AM


3-الوقوع في الشرك


كان عليها لتصل الى الحمام ان تمر امام المغسلة الضخمة . وانفجرت اندريا بالضحك عندما رأتها للمرة الاولى في الليلة السابقه .

اما غرفة الحمام فكانت واسعه وجدرانها من البلاط الزخرف القديم وعليه رسوم جذابة مخروطية الشكل .

استنتجت اندريا من العناية الفائقة التي ابدتها مدام بريسون وهي تسخن الماء بأن للتمديدات الصحية في القصر مزاجها الخاص لكنها لم تجد ما تشتكي منه في ذاك النهار , اذ كانت حرارة الماء معقولة وخيل لاندريا انه بالامكان جعل المكان يبدو اقل تقشفا لا بل اكثر ترفا اذا اخفيت الانابيب ضمن صناديق وفرشت الارض بالبسط .

وجدت اندريا ان للماء الساخن تأثير ملطفا على الخدوش والجروح التي كانت تملأ جسمها . وبرغم التشنج الذي شعرت به حمدت ربها ألف مرة لأنها لم تصب بالشلل التام وكان ذلك من قبيل الصدف ليس الا .

برغم كل ذلك لم تكن اندريا قادرة على انكار الحقيقة وهي ان مشوارها في الهواء الطلق ذاك الصباح افادها كثيرا وفتح شهيتها للطعام .
وعدت نفسها بانها ستنصرف الى بعض الامور الخاصة بعد الغداء كان عليها مثلا ان تكتب رسالة لكلير ولكن ما عساها تقول ؟
وقالت في نفسها . بما ان بليز لوقالييه يقوم بادارة التعاونية فلا بد ان يكون له مكتب خاص . وربما كان هذا المكتب في القصر .

انه المكان الانسب للاحتفاظ بالرسائل والاوراق الخاصة وعليه فانها ستبدأ جولتها التفتيشية في هذا المكتب بالذات . لم ترتح للفكرة ابدا وشعرت بدناءتها .

كان عليها ان تذكر نفسها بالاساليب الملتوية التي لجأ اليها بليز لارغام ابنة عمها على الزواج منه .
كان من العبث تجاهل الشعور الذي اثاره في نفسها وهي في رفقته ذاك الصباح . كان شعورها نحوه مزيجا من الانجذاب والانبهار .

فهي قد امضت طفولة طفولة سعيده في اسرة تشعر بالاستقرار ولذلك صعب عليها ان تتصور تعرض عائلة مثل عائلة بليز لكل تلك المرارة وان تسود علاقات افرادها كل تلك الضغينه .

ارتدت اندريا تنورة ضيقة من قماش النويد الذهبي اللون وقميصا من الصوف الاخضر الغامق وجعلت شعرها على شكل ضفيرة وشبكته بدبوس في اعلى رأسها . وكانت مدام بريسون قد اخذت سروالها الجينز وسترتها لتنظفهما .

تناولت بعد ذلك عامة الغداء الذي تألف من حساء الخضار والجبنه البلدية والفاكهة الطازجة من بساتين القصر .

وعندما جاءت مدام بريسون لتاخذ الصحون كانت اندريا ترتشف اخر ما في فنجانها من القهوة . قالت لها اندريا :
- دعيني اساعدك انك تقومين باعمال كثيرة .

وبرغم احتجاج مدام بريسون نهضت اندريا واخذت تصف الصحون على صينيه حملتها الى المطبخ مبررة عملها هذا بالقول انها اذا كانت فعلا ستصبح سيدة هذا القصر يتوجب عليها القيام ببعض الواجبات المنزلية .

وفي كل حال لم تكن اندريا تتحمل رؤية غيرها يقوم بخدمتها بدون ان تساهم في العمل , فنزعتها الى الاعتماد على نفسها ما كانت لتسمح لها بغير ذلك .

لم تتبرم مدام بريسون من وجود اندريا في المطبخ بل بدت متشوقه لاطلاعها على كل شيء. ارادت ان تريها محتويات الخزائن من الاواني والاطعمه المختلفة . ولم تتردد بالبوح لها بان الشيء الوحيد الذي كان يزعجها هو عدم تجهيز القصر بالكهرباء .

وشرحت لها ان تلك كانت مشيئة السيد الكبير أي والد بليز. لكن عندما ارادت اندريا ان تطرح بعض الاسئلة تحفظت مدام بريسون ولم تعد تتكلم بصراحة.

ارتبكت مدام بريسون ولم تدر بما تجيب اندريا عندما قالت لها انه كان بودها ان تقوم بجولة استكشافية في القصر ولكنها عادت وانفرجت اساريرها عندما اكدت لها اندريا انها لم تكن بحاجه الى من يرافقها .

واجتاح اندريا شعور بالذنب وهي تتناول رزمة المفاتيح من مدام بريسون التي وثقت بها .
مضت ساعتان من البحث العقيم شعرت بعدها اندريا بخيبة امل عارمه . فلقد تناول بحثها كل شبر من الجزء المأهول في القصر .

فتشت في غرف كفنها الغبار واجتازت اخرى على رؤوس اصابعها لئلا تكسر صمتا مخيما كصمت القبور وعبرت اروقة علقت على جدرانها صور الجدود في عائلة لوفالييه خيل لاندريا ان اصحابها كانوا ينظرون اليها بتعال احتجاجا على تطفلها عليهم .

صعدت ادراجها وهبطت اخرى لدرجة انها كادت تسمع صوته عضلاتها تطلب منها الرحمه . بقيت غرفة بليز وحدها لم يطلها البحث .
كيف كانت ستبرر وجودها لو ان احدا رآها في الغرفة ؟ اما تجوالها في انحاء القصر فيمكن تفسيره في سهولة . يمكنها ان تقول مثلا بانه مجرد فضول او ربما عزته الى اهتمام علمي بالامكنة الاثرية .

شعرت بألم في رأسها وبطعم الغبار في فمها فارتدت معطفها استعدادا للخروج . كانت بحاجه ماسة الى تنشق الهواء النقي .
تساءلت في نفسها اذا لم يكن من الافضل لها ان تقفل عائده من حيث اتت قبل ان تتورط اكثر , وما عليها الا ان تجد طريقة ما لدرع الاذى عن كلير ريثما يحين موعد زواجها , وهو في أي حال بات وشيكا . سوف تختفي بعد ذلك الى الابد .

كانت كمن يبحث عن قبرة في القش . لا شك ان كلير كانت مجنونه ولكن هل هي اقل جنونا منها عندما وافقت على هذه الخطة الخرقاء ؟ لو ان بليز كان هذا الاحمق المتغطرس المغرور الذي رسمت صورته في ذهنها لكان من السهل عليها ان تجد متعه في خداعه والضحك عليه والعبث بعواطفه .

ولكن الامر مع بليز مختلف وهو في أي حال ما زال سيد الموقف ومازالت جميع الاوراق في يديه .

* فوفو * 25-04-09 07:30 AM


عندما خرجت من الباب الرئيسي طالعتها شمس اوشكت على المغيب . اعترتها قشعريرة فدست يديها في جيبها . لابد ان للقصر حديقة ما لكن ستجدها حتما كناية عن ادغال .

توقفت في وسط الساحه ونظرت حولها . كانت الكآبه تملأ نفسها وبحركة لا شعورية اقتلعت بعض الاعشاب والحشائش وقذفت بها باتجاه البناء القائم قرب بوابة القصر فارتطمت باحدى النوافذ صوب نافذه تفتح ويطل منه وجه .

انه الوجه الذي كانت قد راته يوم وصولها . رفعت يدها الى فمها في ضيق ولكن بعد فوات الاوان .
كان الوجه الذي اطل من النافذه ملتحيا ودودا وفوق انفه نظارتان بدون اطار .

ارسل اليها نظرة استهجان وألم وقال بالفرنسية ولكن بلكنةانكليزية :
- معذرة يا آنسة , أي خدمة ؟

- انا آسفة لم اكن اعلم ان احدا يقيم هنا .

- وانت ايضا انكليزية !

قالها باستهجان وغبطة وحلت ابتسامة مشرقة مكان النظرة المندهشة المتألمه . ثم تابع :
- يالها من صدفة . لابد انك سائحه ضللت الطريق . فهذا المكان لا يقصده السواح .

- كلا .

اجابته اندريا وهي تنظر الى القصر بعينين نصف مغمضتين بسبب الشمس في وجهها , وكأم تدافع عن ولدها القبيح سمعت نفسها تقول :
- لكنه جميل !

- هل ترغبين بكوب من الشاي ؟

بسبب فضولها قررت قبول الدعوة وتوجهت صوب البيت .
رأت اندريا مضيفها عن كثب عندما فتح الباب لاستقبالها , ذلك الباب الكبير المزدان بمسامير ذات رؤوس ضخمة ونافرة .

وبدا عن قرب اصغر سنا مما قدرت ربما كان اكبر منها بسنه او سنتين على الاكثر. كان مربوع القامه يرتدي ثيابا عرفت اندريا حالا انها مستعملة سابقا . فسرواله الجينز وسترته وحذاؤه كلها كانت تنطق بماض سحيق .

- الآن وودهاوس .

قال مقدما نفسه ومد يده مصافحا ووجدت اندريا يده ثابته وقوية واعجبها ذلك .

- اندريا ويستون .

- يا للغرابة اسمانا يبدآن بالحرف نفسه . يبدو ان هذا لقاء رتبه القدر . تفضلي بالدخول واحترسي وانت تصعدين الدرج . من هنا يا آنسة . تفضلي هذه غرفة الجلوس وانا علميا اقيم فيها ولذلك ترينها في فوضى .

كلمة فوضى لا تكفي قالت اندريا في نفسها عبارة فوضى عارمة قد تفي بالغرض .
جالت بعينيها بأرجاء الغرفة الصغيرة لم يكن أي شيء في موضعه . كان السرير الصغير قرب الحائط من النوع الذي يطوي وعليه اغطية وكيس النوم .

وبالقرب منه رأت اندريا فرنا على الغاز من النوع الذي مجمل باليد وصندوقا خشبيا فيه معلبات مختلفة وفي وسط الغرفة طاولة مستديرة عليها عشرات الاواني الفخارية منها ما كان نظيفا ومنها ما كان غير نظيف وعليها كذلك اوراق مبعثره وكتب وآلة كاتبه تحمل باليد .

راح الان يفتش بين الاغراض على الطاولة وهو يقول :
- لقد قمت بغسل بعض الاواني امس او لعله قبل ذلك ولبس في هذا المكان ماء. علي ان احمله من الاسطبل وفي أي حال ليس لي ان اتذمر فهو لا يتقاضى مني أي اجر لقاء اقامتي علي ان اتكيف مع البيئة وان لم استطع فمعناه انني غير امل للتقدم في هذه الحياة .

- هل انت كاتب ؟

- ربما اصبحت كاتبا ذات يوم اما الآن فانني اقوم ببحث من اجل كتابة اطروحتي وهي تدور حول حياة فيرسنجيتوركس . انه كما تعلمين من هذه المنطقه .

عادت الى رأسها ذكريات المدرسه يوم كان عليها ان تعارك كتب التاريخ الكلاسيكية واجابت :
- اعرف ذلك ومازلت اذكر قوله .. تقسم بلاد الغال الى 3 اقسام .

- نعم . معظم الناس يعرفون هذه البداية ولكنني معجب بنهاية القصه . احسب انني اشعر بضعف تجاه الخاسرين بشكل عام . لم اكن يوما من المعجبين بشخصية يوليوس قيصر فانا اجده موضوعيا جدا لدرجة التجرد من كل عاطفة واذا ما استعرضنا الاحداق تجد عدوه اللدود ذلك القائد الفرنسي العظيم الذي انهزمت جيوشه امام جيوش القيصر بعد حصار مرير , قادما اليه عبر التلال حاملا درعه المذهب معلنا استسلامه لم يجد قيصر ما يقوله امام هذا المشهد المؤثر سوى بضع كلمات جافة اسمعيه يصف بلسانه ما دار بينهما .

وتناول كتابا وراح يقرأ منه :
- جلس قيصر امام المعسكر قرب التحصينات واقتاد القاده الـ3 الى حيث كان يجلس والقى فيرسنجيتوركس سلاحه وسلم نفسه .

عندما انتهى من القراءه راح يهز رأسه بألم ثم قال :
- الا تجدينه مجردا من العاطفه ؟

- بالتاكيد .

اجابت وهي تضحك ثم قالت :
- وهذا ينطبق كذلك على عبارته المشهورة , لقيت اتيت لقد رأيت لقد انتصرت . غير انني اجده واقعيا في قوله بانه علينا ان نسلم بالقدر ونحني رؤوسنا امام ماهو مكتوب علينا , وافهم ايضا لماذا انت تفضل فيرسنجيتوركس عليه . فالبطل الشعبي الذي باباء وكبر حتى اما الهزيمة جدير بالاحترام .

انفرجت اساريره واجابها وهو يبتسم :
- هذا هو شعوري ايضا . هل رأيت تمثاله في ملبرمون فيران ؟ يا الهي انه ضخم .. اين الشاي لاشك انك تشعرين بالعطش ولكني اخشى انه لا يوجد لدي غير الحليب المجفف مع الشاي .

جلس الان على السرير الصغير قبالتها ونظر اليها بسرور ظاهر وقال :
- انه امر رائع ان التقي بشخص يتكلم الانكليزية وانا لا اتفن الفرنسية ومع ان السيد لوفالييه يتكلم الانكليزيه بطلاقه لكنه يحب المخالطه ولذلك لا تسنح الفرص لتبادل الحديث معه الا نادرا .

اجابته بتحفظ جعله يجفل ويسرع بالقول :
- يا الهي , لقد اسأت التعبير فاعذرويني . وعلى فكرة هل انت من وصل بالسيارة ليلة امس ؟ وهل تقيمين في القصر ؟ لابد انك احدى صديقاته .

حدقت اندريا في الارض قبل ان تجيبه !
- ذلك صحيح الى حد ما .

خيم صمت طويل وعندما رفعت اندريا عينيها اخيرا رأت الحمرة تكسو وجه آلان واسرع يقول :
- لا اريد ان ابدو متطفلا .

* فوفو * 25-04-09 07:35 AM


- الواقع انني هنا في عمل وعلي ان افاوض السيد لوفالييه بشأن مسألة مشتركه .

انفرجت اساريره كانه سمع خبرا افرحه فقال :
- الحقيقة انه لايبدو عليك انك من النوع الذي ... ماذا اقول ... لساني يخذلنني مرة اخرى . ما اريد قوله هو انه زير نساء وهو يفضل النساء اللواتي يضاهينه في هذا الميدان ولا يبدو عليك انك منهن .

وكانه خشي ان تاخذ كلامه على غير محمل فأسرع يضيف :
- هذا لا يعني انك لست جذابه .

- شكرا لك ايها السيد اللطيف !

قال بيؤس :
- اوه ... انك تدركين ما اعني بدون شك .

رات اندريا ان تغير مجرى الحديث فسألته عن الاطروحه التي كان يحضرها وعن المعلومات التي جمعها اثناء اقامته في هذا الجزء من فرنسا وعلمت منه انه مضى على وجوده في سان جان دي روش سته اسابيع ويتوقع البقاء شهرا آخر .

وقال :
- ربما استطعنا تناول العشاء معنا انا لست معدما تماما كما قد يترأى لك فلي بعض المال وهناك مكان في كرودون التنقل ليس مشكله بوجود سيارتك .

- لم تعد السيارة معي .

- وماذا حل بالسيارة ؟

- كانت سيارة مستأجرة ربما عادت الآن الى كلبر مون فران .

- انه امر مؤسف . هناك جان لوك غابرييه ولديه دراجه ناريه ربما اعارنا ايها . لا تخشى سنتدبر الامر .

- هذا رائع .

قالت اندريا وحاولت ان تتصور بليز لوفالييه عندما يتناهى الى سمعه ان زوجة المستقبل كانت تجوب المنطقه على المقعد الخلفي من دراجه نارية مستعاره. امر واحد كانت واثقه منه لن تكون الدراجه اكثر ازعاجا بالنسبه اليها من دلفين .

نظرت الى ساعتها وطار صوابها وصرخت :
- يالسماء علي ان اذهب لم اشعر بالوقت يمر .

- ساتصل بك في القريب .

قال لها وهو يواكبها للباب وبعد ان قطعت اكثر من نصف الساحه سمعت صوته يقول :
- الى اللقاء يا اندريا .

- رباه .

صرخت بجزع وعادت اليه مسرعه . لم يكن قد اغلق الباب بعد عندما وصلت اندريا فنظر اليها باستغراب وقال :
- هل نسيت شيئا ؟

- نعم . . نسيت ان اطلب اليك ان تناديني كلير ان لم يكن عندك من مانع .

حدق فيها وكأنه خشي ان تكون فقدت عقلها . ولا عجب قالت اندريا في نفسها وكان عليها ان تجد تبريرا معقولا فتابعت بتلعثم :
- انا لا استعمل اسمي الحقيقي في العمل . وهذا يعود لاسباب مهنية بحته ولا يعرفني السيد لوفاليه الا بأسم كلير ومناداتي بأسم غيره قد يسبب تشويشا انا بغنى عنه تكفيني مشاكل اللغة .

لاحظت اندريا بارتياح ان نظرة الحيرة فارقت وجهه فمشاكل الاتصال بلغة غير الانكليزية كانت بالنسبة اليه امرا يستطيع ادراكه والتعاطف معه .

- سوف اتذكر ذلك .

قال وهو يرميها بنظرة متفحصه ثم اضاف :
- لا يروقني هذا التغيير في الاسم . فاسم كلير لا يناسبك ابدا .

اسرعت اندريا بالانصراف وراودتها فكرة وهي تجتاز الساحه . لو كانت كلير مكانها لوجدت الموقف مثيرا وهي التي تهوى التمثيل واجواء المغامرات والقصص الغريبه .

كانت مدام بريسون تذرع القاعه ذهابا وايابا وعندما وصلت اندريا اخيرا وحالما وقعت عيناها عليها قالت بقلق:
- اين كنت يا آنسه سأل عنك السيد عدة مرات .

- يا الهي .

قالت اندريا باستهتار وتابعت بتهكم :
- وهل سأعدم رميا بالرصاص

تصنعت اندريا مرحا لم تكن تشعر به بالحقيقة عندما دخلت الغرفه كان بليز لوفاليه واقفا قرب النافذه يدخن سيكاره وكان نظره شاردا ووجهه متجهما .

- اين كنت ؟

- كنت في جولة استكشافية .

- وهل ذلك يتطلب كل هذا الوقت ؟
سألها وهو ينفث الدخان بضيق وتبرم .

- لماذا تسأل ؟
سألته وهي تتصنع البراءة وتابعت :
- لابد انك اشتقت لرؤيتي .

خيم بعد هذه المبادلة بالحديث صمت ثقيل قطعه بليز وهو يقول بصوت لم تخدعها رقته :
- احذري يا عزيزتي , قد تجدين اثارتي امرا مسليا الآن ولكن العواقب لن تكون على المستوى نفسه من الاثارة .

بدا في نظرها كالشيطان وكان على اندريا ان تستجمع كل شجاعتها لتستمر في المواجهة وقالت وهي نفسها غير مقتنعه بصدق كلامها :
- ان تهديداتك لا تقلقني انا ولا اكترث لها , واي امر اسوأ من ارغامي على الزواج ؟ ولقد رضخت للامر الواقع .

- الا يوجد اسوء من الزواج ؟

سألها بتهكم واطلق ضحكة خافته جعلت الدم يجمد في عروقها ثم تابع :
- يبقى ان تتعلمي الكثير يا عزيزتي كلير برغم كل هذه الحنكة التي تتبجحين بها .

ماالذي قالته كلير في رسائلها يا ترى سألت اندريا نفسها وشعرت بيديها تنفض بدون ارادتها واغاظها انه رآها . ثم سألها فجأه ونبرة طبيعيه :
- وهل اعجبك القصر ؟

ولم تملك اندريا ان تلاحظ تقلب مزاجه . اذ كان مثل طقس اوفيرن يصعب التنبؤ به . وباحساسها المرهف وشعورها المتطير ادركت ان وراء هذا الاهتمام المفاجئ امرا لا تعرفه . فربما يعرف الحقيقة ويريد ان يتسلى .

- انه مثير

- ولكن لابد انك وجدت الزيارة لبيت الحارس اكثر اثارة .

ادركت اندريا سبب لعبة القط والفأرة التي كان يلعبها معها وبوضوح واعتداد اجابته :
- كانت زيارة ممتعه جدا . اشكر لك اهتمامك ولكنني اتساءل لماذا لم تخبرني بوجود نزيل فيه .

- ربما لأنني واثق من مقدرتك على استكشاف هذه الامور بنفسك .

ولم ينقذها من المأزق الذي وجدت نفسها فيه الا دخول مدام بريسون الغرفة حاملة معها طعام العشاء . التقطت اندريا الملعقة بيدها وقالت متابعه الحديث :
- مازلت اجهل سبب عدم ذكر هذا الامر امامي وانت تعلم بدون شك ان وجود احد ابناء وطني على قاب قوسين مني يثير اهتمامي .

- ربما كان هذا هو السبب .

- يا للوقاحه !.

صرخت وباستنكار سألته :
- وماذا تعني بالضبط يا سيدي ؟

- اعني ياجميلتي ان سلوك مدام لوفالييه في المستقبل يجب ان يكون فوق الشبهات بصرف النظر عن حماقات الماضي .

صمتت برهة قبل ان تجيبه بصوت مضطرب :
- هذه اهانه !

- لماذا ؟ هل لأنني اشير الى امور انت نفسك لم تبقها سرا؟ اكملي عشاءك الآن فانك نحيلة جدا .

- يؤسفني اني لا اروقك يا سيدي وانت من اعتاد اجمل النساء !


* فوفو * 25-04-09 07:41 AM


- لا تدعي هذا يزعجك يا عزيزتي .

اجابها بلطف لم تعتده ورفع حاجبيه ونبرة لا تخلو من الدعابه اضاف :
- لا شك بانك جذابة بدون هذه الثياب !

- لكن ليس بالنسبة اليك بالطبع !

- آه , لم اكن ادري انك ترغبين في ارضائي , ليس على هذا النحو في أي حال .

اجابها وهو ينحني ليسكب في كوبها مزيدا من عصير الفاكهة الطازجه وتابع :
- يمكنك ان تنزعي هذه الثايب اذا كنت حقا ترغبين في معرفة رأيي .

- وانت يمكنك ان تذهب الى الجحيم !
قالت وهي تدفع طبق الحساء وتريق بعضا من محتوياته على المفرش الابيض .

- لقد كنت هناك وعدت لتوي !

اجابها بنبرة جعلت موجة الغضب التي اجتاحتها تتحسر فجأه ويحل مكانها شعور لم تدرك كنهه .

مرت فتره من الصمت قبل ان يوجه اليها أي كلام ثم وبدون مقدمات وكأن الدقائق الاخيرة لم تكن وكانه يتابع حديثا عاديا , سألها :
- وكيف وجدت المؤرخ الشاب ؟

- انه يبدو ملما بالموضوع الذي اختاره .

اجابته وهي تجبر نفسها على ان تحذو حذوه وتتكلم بهدوء ثم تابعت :
- اخشى انني لم استطع مجاراته في الحديث .

واسرعت تضيف على طريقة كلير :
- وفي أي حال ليس موضوع حرب الغال هو المفضل لدي .

- كلا ؟ ربما لأن تقنية الرومان العسكرية لا تروق لكل الناس ولكن الدرس الذي تلقاه القيصر على ايدي اهل اوفيرن مفيد وعليك ان تحفظيه وهو ان الخصم من اهل اوفيرن هو خصم مر .

لم تستطعم اندريا بالعشاء الفاخر الذي قدمته لهما مدام بريسون وعندما اقبلت هذه لتاخذ الاطباق كانت فكرة الهرب مستحوذه تماما على ذهنها وكانت قد وصلت الى الباب عندما اوقفها صوت بليز يسألها :
- الى اين انت ذاهبة ؟

- الى غرفتي .

اجابته وهي ترسل اليه من عينيها العسليتين نظرة شفافه ثم استطردت :
- انني اشعر بالتعب .

- اجلسي من فضلك هناك بعض الامور اود ان احدثك بشأنها .

- ماالذي تريد ان تقوله لي ياسيدي ؟

- اود قبل كل شيء ان اعطيك هذا .

وناولها علبة صغيرة من المخمل اخذتها منه بشكل آلي وفتحتها . شهقت عندما رات الخاتم في داخلها الذي كان يستقر على قاعده غلفت بقماش الساتان. لم تكن قد رأت لذلك الخاتم مثيلا .

كان الحجر الكبير في وسطه من الياقوت الاحمر النادر وحوله احجار من الماس على شكل زهرة غريبه وكان يشع ببريق يخلب الابصار .
- ماهذا

- انه خاتم الخطوبة الخاص بعائلة لوفالييه .

اجابها بلهجة من نفذ صبره وبنبرة آمرة اضاف :
- ضعيه في اصبعك .

- كلا .
صرخت وهي تغلق العلبة بانامل مرتعشه .

ضاقت عيناه بشكل ينذر بالخطر واجابها :
- لطفا , اطيعيني .

- لا استطيع ليس من حقك ان تطلب هذا .

- ماهو من حقي وما هو ليس من حقي , موضوع سنبحثه في وقت اكثر ملاءمه . والآن ضعي الخاتم حول اصبعك .

- من المفروض ان يكون هذا الخاتم عربون حب وليس بيننا أي حب !

كتم في نفسه لعنه كادت تفلت من بين شفتيه وقال :
- حسنا , اذا كان ذلك ما تريدين فلا بأس .

ولم تدر اندريا ماذا كان يدور في خلده وراته يقوم من مكانه ويتجه صوبها . اخذ يدها بين يديه وتامل الانامل الرقيقة مليا قبل ان يرفعها الى شفتيه ويطبع على راحتها المنبسطه قبلة دافئة بعثت في جسمها قشعريرة عذبة , وشعرت ببرودة الخاتم وهو ينزلق في اصبعها .

ظلت ساكنه لا تتحرك وعيناها مغمضتان حتى بعد ان شعرته يبتعد عنها . عندما فتحت عينها اخيرا كان يقف قرب الموقد مسندا ذراعه على حافته في الوضع نفسه كما راته عندما التقيا لاول مرة .

كان شارد الفكر وعلى وجهه ارتسم حزن عميق . عندما رآها تنظر اليه قال بعصبية :
- آمل ان يكون هذا قد حقق بعض توقعاتك .

- لم اكن اتوقع شيئا .

اجابته بصدق واحنت رأسها بأسى وهي تقول :
- ولكنك بالتأكيد تستطيع ان تحسبه انتصارا اخر ايها السيد . والآن هل اصبح بامكاني الانصراف ؟

- دقيقه واحده من فضلك ... سنعقد زواجنا بعد غد .

شعرت اندريا بقواها تخور واعترتها رجفه شديده وبصوت بدا غريبا حتى في اذنيها سألته محاولة كسب الوقت :
- ولم العجلة؟ هل يجب ان يتم الزواج بهذه السرعه ؟

- نعم , لقد ابلغني المحامون ان سيمون عازمه على الطعن بوصية جان بول ولهذا السبب علي ان اكون مستعدا لها .

- ولكن هناك بعض الشكليات القانونية . الا يلزمك بعض الوقت لأتمامها ؟ .

- يبدو ان ذاكرتك ضعيفه يا آنسه. هل نسيت انني اتممت جميع الترتيبات منذ اسابيع ؟

حبست اندريا أهة كادت تفلت من شفتيها يبدو ان كلير لم تكن صريحة معها واخفت عليها مدى تورطها . ولكن لسوء الحظ ادركت اندريا ذلك متأخر .

ومع هذا لم تشأ ان تضيع وقتها في تحديد المسؤوليات والقاء التهم . كان عليها ان تفكر بروية واتزان وان تجعله يعتقد انها رضخت للامر الواقع واستسلمت لمصيرها .

- ليتك انزرتني قبل الآن . فما زلت بحاجه الى بعض المشتريات .

- لا ارى مشكله , فبوسع غاستون ان ياخذك الى كلير مون فران غدا .

- شكرا لك .

نهضت من مكانها وهو تتمتم تحية المساء وانسحبت . توجهت الى الطابق العلوي حيث غرفتها وكان عليها ان تمر من امام باب غرفة بليز.

وعندما وصلت وقفت تتأمله والافكار تتقاذفها . لابد ان رسالة كلير في مكان ما وراء هذا الباب الموصد. وارتفع صوت في داخلها يحذرها ويقول لها بانها ليست مدينة لكلير بهذا المقدار. ولكن ماذا عن عمها وامراة عمها ؟

اليس من واجبها ان تحميهما من خيبة امل كبيرة كانت بانتظارهما ان هي اخفقت في المهمه التي ارتضت القيام بها ؟

ادارت وجهها ونظرت الى الوراء . لم تر احدا ولا حتى بليز . ولكن لماذا يصعد الى غرفته الآن؟ الم تره يستعد لقضاء السهرة في الطابق الارضي وقد احضر زجاجة شراب وكوبا ؟

ظهر على شفتيها طيف ابتسامه انها فرصتها ويجب ان تغتنمها . خلعت حذاءها واجتازت المسافة بين الدرج والغرفه على رؤوس اصابعها وهي تشعر بحرج كبير وبسخف موقفها .

ادارت مسكة الباب برفق فانفتح بسهوله . وبحذر بالغ دخلت واغلقت الباب وراءها وجالت بنظرها في ارجاءها .
لم تكن الغرفة بالحجم الذي تصورته . وربما بدت اصغر مما هي فعلا لضخامة السرير الذي احتل معظمها .

نظرت اندريا الى السرير بارتباك . ترى كم من الاجيال تعاقبت على هذا السرير ؟وكم شهد من الولادات ومن الوفيات ؟

على احد الكراسي رات اندريا ثياب الركوب لاتي كان يرتديها ذاك الصباح ملقاة باهمال . شعرت بدافع غريب يدفعها لترتيبها في الخزانه حيث مكانها الطبيعي ولكنها اوقفت نفسها عن هذا العمل .

بدت المنضده ذات الادراج العديده افضل مكان لحفظ الرسائل .
اتجهت اليها وجلست على كرسي صغير امامها وراحت تفتح الادراج واحدا بعد الاخر . وكانت خيبتها تزداد كلما انتهت من تفتيش احدها . بقي واحد لم تستطع فتحه .

* فوفو * 25-04-09 07:43 AM


وبما ان جميع الادراج التي فتحتها كانت تحتوي ثيابا داخليه ظنت اندريا ان الثياب داخل ذلك الدرج ثمينه جدا والا لماذا يقفل عليها بالمفتاح ؟

حاولت ان تخلعه وراحت يدها تعبث بقبضته . تسمرت فجأة في مكانها وشعرت ان شخصا يراقبها . رفعت يدها وفي المرآة امامها التقت عيناها بعيني بليز .

- كان علي ان اخيب ظنك يا آنسه فجميع اوراقي الخاصه مع المحامي في كليرمون فران . واظنك تبحثين عن رسالة ابنة عمك .

ظنت لأول وهلة ان اذنيها كانت تلعبان عليها حيلا . غير ان ابتسامة الشماته التي ارتسمت فوق شفتيه جعلتها تدرك معنى ما قال .

وبصوت مضطرب واجهته قائلة :
- كنت على علم طوال الوقت ؟ كيف عرفت ؟

- لقد علمت منذ وطئت قدماك هذا المكان . وهل كنت تظنين انني اقوم بكل التحريات حول ابنة عمك ومحيطها وعائلتها واستثني شكلها ؟ والفرق بينكما يا عزيزتي شاسع .

- ولكنك لم تبد انك تعرف !

- وجدت الامر مسليا . احببت ان اعرف مدى استعدادك للأمر بهذه اللعبة . ولكن رضوخك المفاجئ اثار شكوكي .

- سأغادر هذا المكان في الحال . هل تسمح لغاستون بتوصيلي الى كلير مون فران ؟

- ولكنك ستجدين جميع المتاجر مغلقه في هذه الساعه المتأخره .

- وما دخل المتاجر ؟

- لا يمكن ان تكون ذاكرتك في مثل هذا الضعف ! هل نسيت ؟ سنتزوج بعد غد .

- هل جننت ؟

- بل انني مازلت في كامل قواي العقلية . لم يتغير أي شيء. مازلت بحاجه الى زوجة وربما ابنة عمك غير مستعده للالتزام بوعدها فستحلين انت مكانها يا اندريا . اليس هذا اسمك ؟

- انك لن تستطيع !

- بل استطيع فجميع التحريات التي اجريتها اظهرت ان عمك ينظر اليك كابنة ثانية . اليس هذا صحيحا ؟

وعندما لم يتلق أي جواب تابع حديثه قائلا :
- اعتقد ان تورطك في فضيحه علنيه سوف يسيء الى عمك تماما كما لو كنت ابنته وانت بالتاكيد لا ترغبين في الاساءه اليه والى صحته .

- ليس هناك من فضيحه حول اسمي . فأنا لم اتورط في أي شيء ولم اقطع وعودا خطية او غير خطية .

- هناك عدة انواع من الفضائح يا عزيزتي هناك ظروف قد تجعلك تتمنين الزواج من أي انسان حتى مني انا . وليس هذا هو المهم . المهم انني اعدك بانك اذا لم تتزوجي مني بعد يوم غد فانني سوف اجر اسم عائلتك الى المحاكم والصحف البريطانية . وفي يدي ورقه رابحه هي فيليب فانتم معشر الانكليز تاخذون بقصص الاطفال .

- ارجوك يا بليز ذلك كفيل بتحطيم عمي ماكس وتحطيم كل اماله واحلامه .

- الامر بيدك يا اندريا افعلي ما طلبته منك واقبلي بأن تكوني زوجتي ولو الى حين .

- وهل ستدعني اذهب بعدها ؟

تفرس في وجهها واطال النظر الى الشفتين المرتعشتين والى العينين الغارقتين في الدموع واكتسى وجهه بمسحة من الكآبة والحزن واحنى رأسه وقال :
- حسنا يا آنسه . سنه او ربما اقل من عمرك لقاء سعادة طفل . هل انتفقنا ؟

- اتفقنا .

اجابته وجاء صوتها كرجع الصدى .


* فوفو * 25-04-09 07:45 AM


هبهوبة 25-04-09 11:20 AM

بداية قوية يا فوفو

بتعجبني شخصة اندريا بصراحة

و بننتظر التكملة حبيبتي تسلم اديكي

* فوفو * 25-04-09 01:48 PM

تسلمى يا هبهوبة ونورتى الموضوع يا جميل بمرورك .
وبإذن الله التكملة قريبا .

بنوته عراقيه 25-04-09 07:18 PM

يسلموو حبيبتي


الساعة الآن 12:27 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.