شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   20 - في قبضة الأقدار - مارغريت روم - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (https://www.rewity.com/forum/t58119.html)

بنوته عراقيه 12-05-09 12:29 PM

يعطيكِ العافيه يالغاليه

أمل بيضون 12-05-09 05:23 PM

اتجهت اليها كارولين وأمسكت بيدها تضغط عليها في عطف. فقد شعرت بعجزها عن تخفيف آلام هذه السيدة. كانت هذه المرة الأولى التي تتخلى فيها عن الدرع الذي وضعته حول نفسها تحتمي به كلما ذكر اسم فيتو. ولم تعرف كارولين كيف تتصرف.
سألتها برقة:
" هل يريحك أن تتحدثي عنه؟".
" لا أظن أن هناك ما يجلب لي الراحة".
وبعد فترة صمت بدأت العمة تتكلم عنه قائلة:
"كان ابننا الوحيد طالما دعونا الله لأن يرزقنا طفلا. فلما منً الله علينا به فرحنا به كثيرا واكتملت سعادتنا أخيرا عندما جاء دو****و ليعيش معنا. وكان الولدان وسيمين وكنت أشعر بالفخر كلما زارتني أمهات الفتيات اللواتي كن يصحبانهما الى الحفلات ويبدين اعجابهن بسلوكهما. وبقيت سنوات طويلة وأنا آمل أن أراهما يأتيان الي ليخبراني بأنهما قد اختارا زوجتيهما. وهو أمر كنت أخشاه في الوقت نفسه.".
ومضت تقول:
"كم كان سيسعدني أن أرى فيتو مع زوجة مثلك يا عزيزتي. ولكن ذلك أصبح مستحيلا الآن".
جففت عينيها واستطاعت بعد استجماع شجاعتها أن تبتسم وصممًت على أن تنفض عنها الكآبة الت استولت عليها.
سألتها كارولين:
"هل كان هناك شبه بينهما؟".
"كان الشبه بينهما كبيرا, فهما من آل فيكاري لكنهما كانا على طرف نقيض من حيث المزاج. كان فيتو أكثر تقلبا من دو****و الا أنني أعتقد أحيانا أن وفاة والد دو****و ووالدته كانت السبب المباشر في كآبته. كان يحبهما كثيرا وطبيعي أنه كان يتذكرهما ويتذكر الأوقات السعيدة التي قضاها معهما. بذلنا أقصى ما في وسعنا لنحل محلهما, وهو أمر لا أعتقد أننا نجحنا فيه كل النجاح. وحتى الآن لا يزال دو****و حتى في أسعد لحظات حياته يتحدث بعينيه عن شعوره بفقدان والديه".
وبعد تردد قليل قالت:
"آمل يا عزيزتي أن تنجحي أنت حيث فشلت أنا وأن تتمكني من تبديد أحزانه الى الأبد".
واسترعى الطفل فيتو انتباههما عندما سقطت منه احدى لعبه وما أن سمعتا صوته الحزين حتى وثبتا لمساعدته. لم يلحق به ضرر ولكن العمة رينا التي كانت تتلمس الفرص لللأهتمام به دون أن تبدو وكأنها تدلله, حملته بين ذراعيها وعادت الى مقعدها على الشرفة. كانت كارولين تهم بمصارحة العجوز بأحزانها ومخاوفها لكن جرس الباب رن فأسرع اليه ايمانيويل , ثم حدثت جلبة قصيرة أثارت فضولهما فنهضتا لأستجلاء سبب ذلك ووجدتا أكواما من الصناديق وايمانيويل يقوم بصفها في احدى الزوايا مع رجل آخر. وشهقت كارولين عندما عرفت أن ملابسها وصلت من باريس وقالت للعمة رينا وهي تستدير نحوها:
" لا بد أن في الأمر خطأ ما , لأنني لم أطلب كل هذه الملابس! ولا بدً أن أوضح الأمر للحمًال".
لكن الحمًال صمم على رأيه قائلا:
" أن كل صندوق وارد في الفاتورة وليس ثمة خطأ يا سيدتي فكل هذه الطرود لك".
نظرت الى الكمية المذهلة من الملابس, كانت قد طلبت ستة فساتين للصباح وثوبين للمساء وبعض الملابس للشاطىء وبعض الملابس الداخلية وغيرها للسهرة. وهذا كله قليل بالنسبة الى الكمية الهائلة التي وصلتها والتي ستضيق بها خزانة ملابسها الضخمة.
ثم تذكرت أنها غابت فترة عند مصفف الشعر وتركت دو****و وبريجيت وحدهما. لا بد أنهما تآمرا عليها في هذه الفترة, ولا بدً أن دو****و هو المسؤول عن هذا التبزير.
نقل ايمانيويل الصناديق الى غرفتها, وبدأت تفتحها وهي تقاوم مشاعرها بينما أخذت العمة رينا تبدي اعجابها في مبتكرات بريجيت.

أمل بيضون 12-05-09 07:29 PM

أبقت كارولين صندوقين كبيرين الى النهاية ولما فتحتهما أسعدها أن تجد في أحدهما فروا دخاني اللون, وفي الآخر ثوبا من الفرو الأبيض الغالي الثمن الذي بدا وكأنه مصمم لأحدى الأميرات.
وعقدت الدهشة لسان كارولين. وربتت العمة رينا على يدها برقة وضحكت لما رأته على وجهها من امارات الذهول والدهشة ثم قالت:
" آه يا عمتي رينا! لا بد أنه دفع ثمنا كبيرا لها, فلم أرى في حياتي ملابس بهذا القدر ولا حتى في محلات الأزياء. أنني أكاد لا أصدق أنها لي. متى سأرتديها جميعا؟".
" ستتاح لك الفرصة لأرتدائها يا طفلتي, كزوجة أحد رجال الأعمال البارزين في روما اذ يتحتم عليك أن تقيمي المآدب وتقبلي الدعوات, فلا تخافي . لن تلبثي أن تسأمي هذه الثياب عندما تجدين نفسك في دوامة الحياة الأجتماعية. ومرة أخرى أقول انك مدينة لدو****و لأنه جعل منك واحدة من أكثر السيدات أناقة".
وتبدد جزء من سرورها بالهدايا عندما أشارت العمة رينا دون قصد منها الى سبب تبذير دو****و. فهو لم يشتر لها هذه الملابس ليدخل السرور الى قلبها بل اشتراها ليزداد أهمية في نظر زملائه من رجال الأعمال وزوجاتهم, فقد كان عليها أن تعزز مركز أسرة فيكاري بما ترتديه من ملابس خرافية ومجوهرات لا تقدر بمال. انها مجرد تمثال تعلق عليه زخارف الثراء اكتسابا لمزيد من الأهمية لدى منافسيه.
وعندما انصرفت العمة بدأت ترتب ملابسها في الخزانة الفسيحة حتى ملأتها . وبدلا من أن تغلفها أخذت تتناول الثياب بطريقة عشوائية لمجرد ادخال السعادة الى قلبها. ونسيت أنها كانت ترتدي الجينز والقميص عندما قابلت دو****و للمرة الأولى وغابت في حلم وهي ترى نفسها مرتدية ثوبا مختلفا في كل مرة يستدير دو****و لينظر اليها. وعلى وجهه اغتباط وهو يرى فتنتها في أروع صورها بهذه الملابس المذهلة والفراء الباهظ الثمن. وبينما هي غارقة في أفكارها دق الباب فنقلها ذلك من قمة أحلامها الى أرض الواقع ونادت بصوت عال:
" ادخل".
كانت أدلينا.
"هناك رجل يريد التحدث اليك في التلفون".
" أشكرك يا أدلينا سأنزل حالا".
أغلقت خزانة ملابسها وأسرعت الى القاعة التي فيها التلفون وتناولته قائلة:
"ألو؟".
" كارولين ؟ أنا جيفري. هل أنت مشغولة؟ أذا لم يكن لديك أي عمل فهل تأتي؟ أكاد أجن من الملل, وأحتاج الى من يؤنسني..".
" لا يا جيفري لا أعتقد ذلك".
" ولم . هل أنت خائفة مما قد يقوله سيدك ومولاك؟ ان السبب للفراغ الذي أشعر به هو أنه سرق مني فتاتي المفضلة. كلما طلبت رؤيتها أجابت بأنها ستقابل دو****و"؟
" آسفة يا جيفري فلدي أشياء كثيرة تشغلني الآن ولا أستطيع الخروج معك".
ولم تستجب للصوت الذي كان ينادي في داخلها أن دو****و يمتًع نفسه فلم لا تفعل هي الشيء نفسه. أرادت أن تكون في المنزل هذا المساء لتشكره على هداياه عندما يعود.
وسمعت تنهده عبر الأسلاك بعد أن أيقن عبث محاولة الضغط عليها ثم قال لها:
" حسنا أعترف أنني هزمت لكنني سأتصل بك ثانية فيما بعد فربما تغيًرين رأيك".
" آه ولكن..".
كانت كارولين على وشك الأعتراض لكنه كان قد وضع السماعة, ونسيته عندما عادت الى غرفتها لتختار الفستان الذي ترتديه هذا المساء عندما تقابل دو****و. كانت تعرف أنها يجب أن تتصرف بسرعة قبل أن يعود الى الخارج. لكنها قررت أن تنتظره حتى يستحم ثم تعترض طريقه قبل أن يسرع الى الخارج كعادته.
وأمضت وقتا طويلا وهي تفكر في اختيار ثوبها. كانت العمة رينا تصرً دائما على أن ترتدي ثوبا جديدا في العشاء حتى ولو لم يكن هناك غيرهما, فأخذت تتأمل ملابس المساء. كان معظمها فاتح اللون لكن كارولين قررت أن ترتدي ثوبا أسود. كما اعتزمت أن تقوم بتصفيف شعرها دون مساعدة أدلينا,.
ولم تسأل نفسها وهي تستحم وتزيًن وجهها ماذا تريد من دو****و . ولم تكف عن التساؤل لماذا هذا الجهد مع رجل فعلت المستحيل لكي تنفره منها. ففي الأيام القليلة الماضية استولى عليها شعور بالخيبة واحساس بأنها تتعرض لمعاملة سيئة كلما أسرع دو****و داخلا أو خارجا من المنزل دون أن ينظر اليها أو يكلمها. أما هذه الليلة. فقد شعرت بتبدًل ملحوظ وأرادت أن يكون معها شاب يشاركها ذلك, شاب مثل دو****و عندما كان في باريس يضحك ويمزح ويغازل.
انتهت من زينتها ولم يعد أمامها سوى انتظار دو****و فجلست وقد عقدت يديها في حجرها تتوقع سماع صوت سيارته ووقع خطواته تعلن وصوله.
وتناولت العشاء مع العمة رينا التي أكًدت لها أنها فاتنة في هذه الليلة وقالت:
" سأطلب من دو****و أن يصحبك لمشاهدة بعض معالم المدينة بعد العشاء, أنك لم تخرجي من المنزل منذ وصولك وسأغضب كثيرا اذا ظل على هذه الحال بعد اليوم".
وبعد العشاء واحتساء القهوة جلستا في الشرفة لكن دو****و تأخر ولم يصل الاً بعد أن حلً الظلام.
نهضت عمته سريعا وعلى وجهها نظرة اصرار لمقابلته. وسمعتها كارولين وهي تتحدث اليه ثم تطلق صرخة بدت وكأنها ترثي له. ولم يتكلم دو****و الا مرة واحدة لكنها لم تفهم ماذا قال كان صوته مختلفا, تنقصه القوة والسيطرة الى حد ما. وسمعت كارولين وقع خطواته على الدرج فوثبت لتلحق به لكن العمة رينا دخلت الغرفة ورفعت يدها لتوقفها قائلة:
" لا , لا تفعلي هذا يا كارولين!"؟
" لكنني أريد أن أتحدث اليه دقيقة واحدة يا عمتي رينا".
" في وقت آخر يا عزيزتي. اتركيه الآن لأنه ليس على ما يرام".

أمل بيضون 13-05-09 12:25 AM

"ولكن ماذا به؟".
" أؤكد لك أن التزامه الراحة بعض الوقت مع الهدوء كفيلان باعادته الى حالته الطبيعية. لا تنزعجي يا عزيزتي فانه مجرد صداع نصفي أصيب به منذ كان في السابعة من عمره بعد وفاة والديه. وكثيرا ما تساءلت عما اذا كانت هناك صلة بين الأمرين".
فرددت كارولين كلامها قائلة:
" صداع نصفي؟ مسكين يا دو****و".
" هل عانيت منه يا كارولين من قبل؟".
" كلا ولكني كنت أمرًض والدي عندما تعتريه النوبة فقد كان ضحية هذا المرض وكثيرا ما كان يطلب الموت اذا اشتد عليه الألم. وكنت أخفف عنه وطأته بوضع منشفة باردة على جبينه وتدليك رقبته. وبعد ساعتين من النوم يصحو ممتلئا حيوية".
" أود لو تفعلين الشيء نفسه مع دو****و يا طفلتي, لكنه لا يسمح لأحد بدخول غرفته عندما تعتريه هذه الحالة, ويظل ملازما الغرفة حتى يزول الألم لكنني أسمع أحيانا يتجول في الغرفة. وصف له الأطباء أقراصا ولكنه يرفض تناولها لأنها لا تخفف من آلامه. ويرى الأطباء أن هذا الصداع النصفي قد يكون عائدا الى حساسية خاصة أو الى اجهاده في العمل. ولكن أيا كان سبب , فالطب عجز عن علاجه".
أرادت كارولين أن تذهب اليه ولكن العمة رينا منعتها قائلة:
" سيغضبه ذلك فهو يفضل أن يبقى وحيدا الى أن يزول الألم".
اتجهت كارولين ألى غرفتها وبدأت تخلع ملابسها, لم تسمع صوتا صادرا من غرفة دو****و , فتمنت أن يكون استسلم للنوم. وسارت على أصابع قدميها حتى الباب الذي يفصل غرفتيهما واسترقت السمع لكن كانت الغرفة هادئة تماما. نظرت الى الباب وتمنت لو تفتحه, ولكنها تذكرت كلمات العمة رينا فسحبت يدها.
كانت تعل أن في وسعها التخفيف من آلامه, فقد كان أبوها يقول أنه لولا وقوفها الى دانبه عند اشتداد الألم. لكن الصلة بينها وبين أبيها كانت قوية. أما دو****و فلن يسمح لها بأن تراه وهو في هذا الوضع الذي يبدو فيه ضعيفا, متخاذلا!وهكذا انسحبت عائدة الى غرفتها!
8- الخطة!
مرًت ساعات منذ أن اتخذت كارولين قرارها. جلست في فراشها تحدًق في السقف الزخرفي دون أن ترى شيئا. ولم تستطع أن تستسلم للنوم بسبب تفكيرها في الألم الذي يعاني منه دو****و في الغرفة المجاورة.
وسمعت جسما يرتطم بالأرض في الغرفة المجاورة فنهضت من فراشها لعلًها تسمع ما يدلها على أنه ما زال مستيقظا. وأخذ قلبها يخفق بسرعة عندما وثبت من فراشها وذهبت الى الباب الذي يفصل بينهما. لكن الصمت كان سائدا. فلم تحتمل الأنتظار وارتدت ثوبا ثم عادت الى الباب وأدارت المقبض.
كانت الغرفة مظلمة تغطي الستائر نوافذها لتحجب أكبر قدر ممكن من الضوء. خطت الى الأمام لتسأله اذا كان يريد مزيدا من الماء. وشهقت اشفاقا عليه عندما فتح عينيه وهي تتأمله, فقد عكستا ما في داخله من ألم, كان مقطب الجبين شاحب الوجه. وبدا شعره الأسود الذي اعتاد أن ينسقة بدقة أشعث رطبا بعد أن مر بأصابعه خلاله محاولا التخفيف من ألمه. أما أغطية الفراش فقد تناثرت هنا وهناك.
وحاول أن يمزج صوته بنبرة آمرة ولكن صوته عكس ما في عينيه من ألم فقال لها في ضعف:
" اذهبي ودعيني وحدي".
تحركت كارولين اتجاه الباب قائلة:
" سأذهب الى الطابق الأسفل يا دو****و وسأعود".
وعادت بعد دقائق تحمل اناء فيه ماء ومكعبات من الثلج وضعته الى جانب الفراش ووضعت فيه منشفة نظيفة. وبرفق أعادت رأسه الى الوسادة عندما حاول الجلوس ليرفع صوته محتجا, واضطر الى الأستسلام أمام اصرارها.
لم تحاول ترتيب الفراش لأن أي حركة تسبب ألما. عصرت المنشفة ووضعتها على جبينه المقطب. فتنهد وجذب نفسا عميقا وقال:
" اني أشعر براحة الآن يا كارولين".
وفي صبر أعانته, فكانت تضع المنشفة على جبينه حتى اذا صارت دافئة استبدلت بها غيرها. وأغمض جفنيه دون أن ينام وكانت كلما رفعت الكمادة الباردة لتغيرها يمسك بيدها ليبقيها أطول مدة ممكنة.
جلست على حافة الفراش وتركت المنشفة مكانها ثم بدأت تدلك جانب رقبته التي انقبضت عضلاتها نتيجة للتوتر الناشىء عن الألم. وبدأ يسترخي تدريجيا وأخذ تنفسه يزداد عمقا واستغرق في النوم دون ألم , واستمرت تدلكه حتى تعبت يداها. فتوقفت عن التدليك لحظة لتتأكد من نومه.
وبينما هي تنتظر تمتم ببضع كلمات ثم تحرك وأحاط خصرها بذراعع, ولم تواتها الجرأة على التحرك خشية أن توقظه وتعيد اليه ما سكن من آلامه, فجلست في هدوء تنتظر حركته الثانية لتهرب.
الا أن دو****و كان مستغرقا في نومه. وبدأت تشعر بثقل ذراعه حول خصرها النحيل وبدأت التقلصات تخدًر أصابع قدميها وأخذت تحركها لتعيد جريان الدم الى قدميها وحاولت أن تتخلص من ذراعه لكنه حرك رأسه وتمتم بكلام غير مفهوم. ولم تجازف بالحركة الثانية فرفعت ساقيها الى الفراش وعندما استلقت على وجهها أخذت التقلصات تختفي فأراحت رأسها على الوسادة . وشعرات بزفرات دو****و على خدها واحتقن قلبها بالدم وهي تنظر اليه. كم يكره أن تراه وهو واهن كما هو حاله الآن.
عندما بدأت خيوط الشمس الأولى تتسلل عبر الستائر الى الفراش تحركت في هدوء وانسًلت الى غرفتها. وما أن وضعت رأسها على الوسادة حتى استغرقت في نوم عميق.
واستيقظت بعد ساعات على خشخشة صينية الفطور ودهشت وهي ترى أدلينا تتقدم نحو فراشها مبتسمة قائلة:
"صباح الخير يا سيدتي. هل نعمت بنوم هادىء؟".
"لماذا أحضرت فطوري الى هنا يا أدلينا؟ تعرفين أنني دائما أتناوله في غرفة الطعام. كم الساعة الآن؟".
" العاشرة يا سيدتي. وقد أصر السيد فيكاري على ألا نوقظك باكرا وأن تتناولي فطورك في الفراش".
احمر وجه كارولين وقالت:
" السيد فيكاري هل هو أحسن حالا؟".
" استيقظ باكرا وذهب الى العمل قبل الثامنة وكان يصفر طوال الوقت قبل خروجه. أحسن حالا؟ نعم لا بد أنه كذلك!".
كانت عينا أدلينا تتلألآن في سعادة وهي تجيب عن أسئلة كارولين التي ازداد وجهها احمرارا وهي في دهشة مما تعرفه الخادمة الوفية العجوز عن سيدها.
واستمتعت بفطورها الى أبعد حد, ولما فرغت منه أخذت دشا وارتدت ثوبا لونه زاه كضوء الشمس وذهبت الى الشرفة لتجلس مع العمة رينا. وتساءلت عن مدى ما تعرفه العمة عما حدث الليلة السابقة فشعرت بالخجل وهي تقترب من مقعدها.
ولكن لم يكن هناك داع لقلقها اذ أن عيني السيدة العجوز كانتا صريحتين وجاءت كلماتها الأولى لتبدد خجل كارولين.
" سيسعدك أن تعرفي أن الصداع النصفي زايل دو****و يا عزيزتي. ألم أقل لك انه سيكون في خير هذا الصباح؟".
" هل رأيته يا عمتي؟".
" لا ولكن أدلينا أخبرتني بأنه استيقظ باكرا وكان يغني وهو يستحم فلا بد أنه كان على ما يرام".
وأضافت:
"لم يسبق لي أن رأيت دو****و وهو يغني بعد نوبة من نوباته. لعًل النوبة لم تكن شديدة هذه المرة. نعم لا بد أن هذا هو السبب".
وابتسمت كارولين ابتسامة خفيفة وقالت لنفسها: اذا كانت تلك النوبة نوبة خفيفة. فلتترفق السماء بدو****و عندما تنتابه نوبة قوية!.
ومرَ اليوم بطىء وهي تنتظر عودته بفارغ صبر. وأمضت وقتها تلهو مع فيتو كما قضت بعض الوقت في المطبخ مع أدلينا التي كانت تحب أن يشاهدها أحد وهي تعمل. وكانت على استعداد لأن تقص على كارولين ما كان يفعله دو****و وفيتو في صباهما. وكانت كارولين من ناحيتها تنصت باهتمام. اذ راق لها أن تعرف كل شيء عن دو****و وبوجه خاص كم كان عدد الفتيات اللواتي أحضرهن الى المنزل قبل زواجه. كانت أدلينا منجما من المعلومات في هذا الصدد وبدأت كارولين ترسم لدو****و صورة لا تمتَ بصلة الى ذلك الرجل المتجهم الوجه, بل تشبه صورة دو****و الذي عرفته لساعات قليلة في باريس, وساءها أن تدرك أنه لم يتحول الى الأسوأ الآ بعد أن قابلها.ولكن لعلها تستطيع بعد الليلة أن تعلن الهدنة. لعله يعود من عمله ويطلب منها أن ترتدي أفضل ملابسها ليريها جانبا من الحياة الليلة في روما المدينة الخالدة! كم كان يحلو لها أن تكتشفها.
اهتمَت بارتداء الثوب نفسه الذي ارتدته في الليلة السابقة دون أن يراه وسمعت كارولين صوت العمة رينا وهي تتحدث الى أدلينا قبل أن تنزل الطابق الأرضي وأحست بقلبها يهبط. واختنقت الدموع في عينيها وابتلعت ريقها بصعوبة. منذ الليلة السابقة وهي تنتظر عودته ليأخذها الى الخارج. ولن تبالي حتى لو أراد أن يعاملها ببرود ويبتعد عنها. ستصارحه بأنها لم تعد تطيق الوحدة وستنتظر طوال الليل اذا دعا الأمر ؟
, ثم تخبرهبأنها لا ترغب في البقاء سجينة أكثر من ذلك.
كانت ترجو أن تصلها أخبار عن دورندا حتى اذا تمكنت من الأتصال بها رحلت من روما الى الأبد. ولكن ذلك لن يكون قبل أن تختزن لنفسها بعض الذكريات عن المدينة التي يعيش فيها دو****و كانت في حاجة ماسة الى ما يذكَرها به عندما تتركه الى الأبد, بعض الذكريات السعيدة التي تعيش عليها عندما تصبح حياتها مجرد فراغ.
كانت العمة رينا قد ذهبت لفراشها وكانت كارولين تستمع الى الموسيقى عندما سمعته يدير المفتاح في الباب. ثم هزَت نفسها لتنفض عنها ما استولى عليها من نعاس ثم نهضت.
وبدت خطوات دو****و تتجه الى الطابق الأول فأسرعت للحاق به قبل أن يغيب في غرفته وعندما وصلت الى الباب كان قد صعد الى منتصف الدرج والتفت مندهشا حينما سمعها تناديه باسمه:
" دو****و!".
" ماذا تفعلين في هذه الساعة المتأخرة؟".
ترددت للحظات ثم استجمعت شجاعتها وقالت:
" كنت أنتظرك يا دومنبكو فأنني أريد التحدث اليك".
واستوقف نظره ثوبها الذي بدت فيه وكأنها طفلة صغيرة جميلة وبدا الغضب في صوته وهو يبتعد قائلا:
" ألا يمكن أن نؤجل الحديث الى الصباح فأنا متعب".
" لا يا دو****و أريد التحدث اليك الآن".
فهز كتفيه واستدار ليتبعها الى غرفة الأستقبال. وجلست هي في الأريكة بينما سار هو الى المدفأة ووقف نافذ الصبر مترقبا ما تقوله.
خانتها كل العبارات والكلمات التي استعدت لقولها وأخذت تبحث في انفعال عن مقدمة تبدأ بها الكلام. فوفَر عليها المشقة عندما قال لها وهو يبحث عن علبة السكائر في جيبه:
" قبل أن أنسى , أحب أن أشكرك على رقتك معي الليلة الماضية".
حاولت ثانية أن تفاتحه في موضوع سجنها في المنزل ثم تنفست الصعداء عندما تذكرت أنها لم تشكره بعد على الملابس التي اشتراها وفي لهفتها تلعثمت وهي تقول:
" أريد أن أشكرك على الملابس التي اشتريتها , وصلت أمس وانتظرتك في المساء لأشكرك ولكنك كنت متعبا فكان عليَ أن أنتظر الى اليوم. انها رائعة يا دو****و. لم أصدق عينيَ عندما فتحت الصناديق انني عاجزة حقا عن شكرك".
أخمدت حماستها تلك النظرة الساخرة التي بدت على وجهه أثناء تدفقها في الكلام. ظلت تحلم بامكان قيام صداقة بينهما في الفترة القصيرة التي تعتزم بقاءها في المنزل لكن نظرته دلت صراحة على أن معاملته لها لم تتغير.
" أهذا كل ما تريدين قوله؟".
سحق سيكارته وكأنه أراد أن ينهي الموقف وسار في اتجاه الباب وكأن الحديث انتهى بالنسبه اليه.
" لا يا دو****و انتظر!".
فاستدار ورفعأحد حاجبيه في استفهام. فتلعثمت وهي تستطرد قائلة:
" أرجوك يا دو****و, أريد أن أخرج أحيانا".
وااختنق صوتها في سخط قائلة:
" هل أدركت أنني لم أخرج من المنزل أبدا منذ وصولنا؟".
" ها نحن وصلنا الى جوهر الموضوع! لقد سئمت الوحدة ولعلك تشتاقين الى ما يبديه نحوك صديقك الأنكليزي السيد غراهام من اهتمام؟".
" جيفري , لماذا أشتاق اليه؟ أنني لا أكاد أعرفه".
فأجابها غاضبا:
" يبدو أن معرفتك به وصلت الى حد مناداته باسمه الأول".
" طلب مني أن أناديه بجيفري منذ الليلة الأولى وقد اعتدت على ذلك ربما لأن كلينا مغترب عن وطنه".
ثم قالت واثقة:
" أو ربما لأنه ليَن العريكة, في أي حال لا شيء بيننا وأؤكد لك ذلك".

أمل بيضون 13-05-09 01:39 PM

" لست في حاجة لتأكيداتك, وأنا كفيل بألا تتطوَر صداقتك مع هذا الرجل. أن سلوكه مشين, وهو لا يؤتمن على أمرأة . وفي المستقبل لن يجد ترحيبا في هذا المنزل وقد أعطيت الأوامر للخدم لمنعه من الدخول اذا ما حضر".
نظرت اليه ساخطة وهي تقول:
" كيف تفعل هذا يا دو****و؟ ماذا فعل جيفري ليستحق معاملة كهذه؟ كان دائما سيدا مهذبا, ولم يفعل ما يستدعي صدَه. أما عن سمعته فلعلَي أذَكرك بأن ابنة عمك هي التي قدمته اليَ. يبدو أنك لا تمانع في أن تراه وتجتمع به؟".
نظر دو****و اليها في تأمل اذ كانت غاضبة من أجل جيفري, وأخرج سيكارة أخرى وأشعلها قبل أن يرد عليها:
" كنديدا ليست مسؤولة أمام أحد لكنك زوجتي وسلوكك ينعكس عليَ. اذا كنت عاجزة عن التصرف بحذر فيجب عليَ بوصفي زوجك أن أحدَ من نشاطك".
وبدت الحيرة على وجهها واضحة وهي تتساءل عما يعنيه بالملاحظة الأخيرة التي أبداها.
" ومتى تصرفت بغير حذر؟ هل لك أن تشرح لي ما تعنيه؟".
وبدأت الهواجس تنتابها فهي لم تكن تتوقع أن يتطرق الحديث الى هذا الموضوع. قررت أن تقدم اليه غصن الزيتون طالبة منه الهدنة بطريق غير مباشر وتخفيفا من حدة التوتر بينهما. ولكنه كان كعادته عنيدا وشعرت وهي تتأمل وجهه المتجهم بأنه لن يتراجع. وأخذت تنتظر منه ايضاحا لكلامه دون أن يبدو منه أي استعداد لذلك.كانت تدق الأرض بقدمها في نفاذ صبر, وكانت لهجتها تنمُ عن كبرياء وتعال.
ويبدو أنه أعجب بها وهي تدق الأرض بقدميها وتخاطبه في استعلاء, فابتسم , أو على الأقل انفرجت شفتاه قليلا, أما عيناه السوداوان فقد زايلهما المرح. قال:
" هل تنكرين أن ما قمتي به من استعراض مع السيد غراهام في الحفلة كان جريئا؟".
" الأستعراض الذي قمت به؟ ماذا تعني؟ لا يمكن أن تكون جادا يا دو****و, لقد رقصنا ولم يكن هناك أي استعراض".
ثم خانتها عباراتها وضحكت ضحكة رنانة للوصف الذي أطلقه على تصرف لا يعدو أن يكون رقصة ممتعة.
لكن هذا الكلام لم يعجب دو****و, وبعد لحظات اختفت ضحكاتها وحلَ الغضب مكانها. وقالت في هدوء:
" هل تعني ما تقول من أنني تصرفت باستهتار يا دو****و؟".
واكتفى بأن ألقى بعقب السيكارة في المدفأة , ولم يهتم بأن ينظر اليها وازداد غضبها لأن صمته أكدَ صدق حدسها. كان يظن بأنها لا تستطيع الثورة لكرامتها ولكن اتهامه لها دفعا الى الأنتقام.
" زوجة قيصر يجب أن تكون فوق كل الشبهات. أهذا ما تريده يا دو****و؟ أمَا قيصر نفسه فلا بأس اذا تخلَف عن القيام بواجباته, بينما تبقى زوجته بعيدة عن أي اتهام".
" ما معنى ذلك بالظبط؟".
" يعني أنني ربما كنت مذنبة لاستمتاعي برقصة مع رفيق ممتاز الاَ أنني لم أفقد صوابي بين ذراعيه كما فعلت أنت مع كنديدا! ولعلك لم تلاحظ أن هناك متفرجين في هذه المناسبة. أو لعل سحرها هو الذي جعلك لا تبالي".
واستطاعت بكلماتها أن تنال منه لأن لونه بدأ يتغير واستدار ليواجهها وعلى شفتيه المرتجفتين سيل من الكلمات الغاضبة. ثم تماسك بعد جهد كبير وابتلع ما كان يوشك أن يقوله. وبذل جهدا ملحوظا لاستعادة رباطة جأشه وبدا من عباراته أنه قرر تجاهل اتهاماتها واعتبارها كأن لم تكن.
" ستبقين في هذا المنزل حتى أسمع لك بمغادرته. هذا جزء من المخطط الذي وضعته لكي تتعلمي كيف يتصرف القوم النبلاء الذين يعيشون في شرف وتبقى تحركاتهم فوق الشبهات".
وتجاهل شهقة الفزع التي بدرت منها واستطرد:
" لست أجد لك معلما أفضل من عمتي, وأتمنى أن تدركي من العيش معها جطأ تصرفاتك, وربما انطبعت فيك بعض صفاتها. ومتى تأكدت من أنك تستطيعين أن تحتلَي مكانك في المجتمع دون أن تجلبي العار على الأسم الذي تحملينه, فعندئذ أسمح لك بأن تأخذي مكانك الى جانبي تستقبلين الضيوف وتتصرفين كما ينبغي على الزوجة أن تفعل. وستكونين خاضعة للتجربة فاذا تعلمت الدرس سريعا كان أطلاق سراحك أقرب ممَا لو حاولت المقاومة".
استمعت كارولين الى هذا القرار الفظ في دهشة. وعندما ظلت جالسة في هدوء عاجزة عن الأهتداء الى الكلمات المناسبة . فقد أخرستها الصدمة واستبدَ بها الغضب. أمَا دو****و فقد تأملها في عدم مبالاة ثم انفجرت قائلة:
" أيها المتزمت المتعجرف! كيف تجرؤ على مخاطبتي بهذه الطريقة؟ لن أغفر لك هذا الموقف أبدا!".
وهزَ كتفيه في عدم مبالاة واستدار قائلا:
" ليست عندي رغبة في منافشتك. ولكن ثقي بأنك لن تغادري المنزل الاَ بعد ما تصبحين ما أريدك أن تكوني".
" هل تعرف العمة رينا هذه الخطة الشيطانية التي وضعتها؟".
وانتظرت رده في لهفة, فقد شعرت بأن الحياة لا تطاق اذا كان لدى العمة رينا هذا الرأي الوضيع عنها. كانت تحب السيدة العجوز وكانت تشعر بأنها الحب نفسه وأرادت أن تعرف ما اذا كانت شريكة في هذه الخطة التي يراد بها اذلالها. وشعرت بارتياح عندما رد عليها قائلا:
" لا بالطبع انها تحبك الى درجة أنها سدت أذنيها عن كل ما يقال ضدك ولا رغبة لي في ازعاجها".
وأضاف:
" لا بد أنها تعرف شيئا لأنها ليست حمقاء, وقد دارت بيننا لحظات عصبية أخيرا بسبب ما سمته بأهمالي لك".
" هل تظن أنني سأدعك تملي عليَ ارادتك بهذه الطريقة يا دو****و؟ أعدك بأنني سأقاومك حتى النهاية". وفي غضب واستطردت:
" هل تظن أننا في روما العتيقة وأنك قيصر وأنني جاريتك ؟ لا بدَ أنك مجنون!".
ثم جمعت أطراف ثوبها وأسرعت من غرفة الاستقبال الى السلم دون أن تنظر اليه.
وخيل اليها أنها سمعت ضحكة ساخرة رافقتها الى أن أغلقت الباب وراءها.

أمل بيضون 13-05-09 03:54 PM

9المفاجأة
ارتجفت أصابع كارولين وهي تدير قرص التلفون. لقد انتصف اليوم وخلا المنزل الا منها ومن الخدم أما العمة رينا فقد ذهبت ومعها الطفل فيتو لتزور بعض صديقاتها ولا يتوقع أحد عودتهما الا في ساعة متأخرة من بعد الظهر, وكانت كارولين مدعوة أيضا ولكنها رفضت الدعوة اذ كان لديها خطط أخرى تريد تنفيذها.
" أهذا أنت يا جيفري؟ أنا كارولين".
" كارولين يا عزيزتي ! كم هو جميل أن تحديثيني تلفونيا".
" هل أنت مرتبط اليوم بشيء معين؟".
" لا شيء . هل تمضين اليوم معي؟".
" اذا لم يكن لديك مانع"؟
" ارتدي ملابسك يا عزيزتي . سأكون عندك بعد عشر دقائق"؟
أسرعت الى غرفتها واختارت ثوبها الأخضر وحذائها الأبيض وحقيبة يد ملائمة. وبدت جميلة وفاتنة عندما فتحت الباب لجيفري. وهي لم تنسى تعليمات دو****و بعدم السماح له بالدخول اذا حضر ولهذا أسرعت في اتمام زينتها لتفتح له الباب بنفسها عند وصوله.
تذكرت نبرة دو****و العنيفة وهو يملي عليها شروطه. لقد ازداد اصرارها حتى أنها قررت في النهاية الأسراع الى التلفون قبل أن تضطر الى التراجع.
قادها الى سيارته وانطلق بها في أنحاء روما. كانت هي المرة الأولى التي ترى فيها روما على حقيقتها.
ولسوء الحظ رأى جيفري في الأماكن التي تستحق المشاهدة يختلف تماما عن رأيها. فلم يكن يهمه أبدا سبعة وعشرين قرنا قد مضت على بناء أم المدن. فانطلقت سيارته وهي تمر بسرعة أمام الصروح المشيَدة والنافورات الملونة والكنائس الفخمة وصالات عرض الصور الفنية وأنزلها من السيارة أمام مطعم كستلو دي سيزاري أي قلعة القيصر.
والتفتت اليه كارولين عابسة الوجه وقد خاب رجاؤها فيه وهو يدفعها الى داخل المطعم . واعترضت قائلة:
"ولكن يا جيفري ظننت أننا سنرتاد الأماكن التي تستحق المشاهدة. هناك أشياء كثيرة أرغب في رؤيتها مثل الكولوسيوم وحمامات كركلا".
" لكن يا عزيزتي هذه الأماكن الأثرية لا يغشاها الا السياح. ولا أظنك تريدين الأنضمام الى أفواج من الأجانب يثرثرون بلغات مختلفة ويصوبون آلات التصوير في جميع الأتجاهات".
"لم لا ؟ أنني أجنبية ولا أتكلم الأيطالية ولن أحس بغربة وأنا وسط هؤلاء السياح. أنت تعلم كم أتوق الى مشاهدة كل عجائب روما والأن وأنا في قلب المدينة انطلقنا بسرعة ثم انحرفنا في النهاية الى داخل مطعم".
وضع يده تحت ذراعها ودفعها برفق عبر باب المطعم قائلا:
"أعدك بأن أصطحبك غدا في جولة سياحية اذا وافقت الآن على دخول المطعم سنقابل بعض الأصدقاء".
فوافقت على عرضه وأجابها بسرعة أنه عند وعده.
وبعد فترة قصيرة تدفقت الدعوات عليها لاستضافتها لكنها راوغت المضيفين بحجة أنه يجب عليها أولا أن تراجع دو****و. ورفضت أن تترك نفسها تفكر في رد فعل دو****و عندما يكتشف أنها عصت أوامره. كان كافيا أن تعيش وتمتع نفسها.
وذهلت عندما أخبرها جيفري بأن الوقت حان للعودة ولكن قبل أن يسمح لهما بالأنصراف صمم صديقان لجيفري على أن يحصلا على وعد من كارولين بحضور حفلة تنكرية يقيمانها الليلة.
في السيارة تذكرت أنه ليش لديها ثوب تنكري ترتديه في الحفلة وقالت:
" تذكرت الآن فقط ! أنني لا أملك ثوبا تنكريا".
" اتركي الأمر لي سأستأجر لك ثوبا مناسبا بمجرد أن أوصلك الى الدار".

أمل بيضون 13-05-09 07:48 PM

ولكن من أين لك أن تعرف مقاسي؟".
نظر اليها في مكر ليحدد مقاسها ثم أطلق ضحكة وهو يلحظ ارتباكها . وطلب اليها ألا تقلق لأنه سيختار ثوبا على مقاسها وسيكلف الشركة التي تؤجر الثياب ارساله الى منزلها.
وبعد أن وصلت العمة رينا الى المنزل بوقت قصير أحضرت الطفل وسلمته لأدلينا ليستحم ويتناول الطعام قبل أن ينام. وما كادت تفعل حتى دق التلفون فرفعته العمة لترد وسمعتها كارولين تقول:
" حسنا يا دو****و , اذا كان من الضروري أن تفعل ذلك فافعله . ولكني هيأت نفسي لأن أتناول العشاء في الخارج هذا المساء وهذا يعني اما تصحبني كارولين فينتابها الضجر من الاستماع لكثير من الذكريات عن صديقاتي الحميمات وأما أن تبقى لتتناول العشاء بمفردها . اني أعتقد بأن معاملتك لها سيئة".
وأغلقت التلفون بعنف تاركة دو****و على الخط مشمئزة من تصرف, والتفتت الى كارولين قائلة:
" هل سمعت؟".
" نعم ولكن أرجو ألا تقلقي من أجلي . اني مدعوة الى حفلة هذا المساء فيمكنك أن تخرجي وتمتعي نفسك".
" ان ذلك رائع يا عزيزتي. ولكن من سيكون رفيقك؟ ان دو****و مرتبط برفيق عمل كل السهرة".
" سيصطحبني السيد غراهام أتعرفينه؟ انه صديق كنديدا".
وعبرت وجه العمة رينا سحابة عند ذكر اسم جيفري وظنت كارولين بأنها ستسمع شيئا من الأعتراض على رفيقها. الا أن العمة ابتسمت وقالت:
"انه شخص ساحر. للأسف أن دو****و لن يكون في الحفلة . لن يتغيَر الا اذا شعر بالغيرة الحقيقية".
أسرعت اليها كارولين وقبلتها .
" انك حقا عجوز ماكرة يا عمتي . وأنا أحبك من أجل ذلك".
وبادلتها السيدة العجوز القبلة ودفعتها الى أعلى السلم لتستعد للحفلة.وفي طريقها الى الطابق الأعلى تقابلت مع أدلينا أثناء نزولها وطلبت اليها نقل الصندوق الذي كانت تنتظر وصوله الى غرفة نومها.
استمتعت كارولين بحمام طويل وعندما عادت الى غرفة نومها كانت سعيدة. ورأت صندوقا كبيرا فلما فتحته وقفت مشدوهة اذ اشتمل على بضعة خيوط من النايلون وزي على الطراز البكيني مرصع بالترتر وله حمَالتان للكتفين مرصعتان بالجواهر وخمار مع مجموعة كبيرة من الحلى الزجاجي البراق وحاولت ارتداءه وهي ممتعضة. ووقفت أمام المرآ’ وقالت:
" انه زي همجي لا بد أن يكون جيفري مصابا بجنون. لا يمكنني ارتداء هذا الزي؟".
وقفزت عندما رن التلفون ومضت نحوه لترد فدوى صوت دو****و يسأل:
" العمة رينا؟".
" لا , أنا كارولين. عمتك خرجت".
" ليس في الأمر أهمية. سأتصل بها في ما بعد. هل أنت وحدك؟".
"نعم".
وانتظرت متمنية أن يقول لها انه سيعود الى المنزل حتى لا تبقى وحدها هذا المساء الا أنها وهي تنتظر ذلك سمعت صوت كنديدا تطلب منه أن ينهي حديثه, فأثار كارولين ما بدا في صوتها مما يدل على أنها متمكنة منه , حاول دو****و أن يضيف شيئا الا أنها وضعت سماعة التلفون واتجهت الى منضدة الزينة.
وعندما فعلت ذلك لم تنظر مرة ثانية الى المرآة اذ أزعجها الثوب الذي كانت ترتديه ولم تشأ أن يعوقها أي شيء عن تنفيذ خطتها. ووضعت المعطف الذي كانت ترتديه وبمجرد أن رن جرس الباب نزلت الدرج وخرجت.
" هل كان الثوب مناسبا يا كارولين؟".
" طبعا يا جيفري. انه ممتاز".
" انك متحررة قليلا يا كارولين. لو كنت رفضت ارتداء هذا الثوب لما قلَل ذلم من قيمتك في عيني ليس لأنه زي غير ملائم وانما لأن بعض الفتيات يفتقرن الى الثقة بالنفس ولا يرتدينه. بالأضافة الى أنني قمت بعمل جبار حتى أجعلك تبدين هكذا".
وعندما وصلا الى المنزل الذي تقام فيه الحفلة وجداه متألقا بالأضواء فدق لب كارولين بسرعة اذ توقعت مفاجآت سعيدة عندما سمعت صوت الموسيقى والضحك.
سارا من خلال الباب الواسع المفتوح وحياهما مضيفاهما اللذان كانا يرتديان ملابس تمثل أنطونيو وكليوباترا. وعندما نظرت كارولين حولها شعرت بأن الخجل زايلها, فبالمقارنة بالأزياء التي رأتها في الحفل كان ثوبها أكثرها احتشاما.
واندفع حشد سعيد عاصف بكارولين ولم تر جيفري الا قليلا, اذ كان زيها الغريب وعيناها اللا معتان ووجهها المتورد مقصد ذلك الحشد من الحاضرين. وللمرة الأولى شعرت بأنها حرة تماما. بعد فترة جاء جيفري وقد بدت عليه علامات السخط لأنها كانت تبدَل الرجال في كل رقصة. فاتَخذ طريقه وسط المعجبين وقد ارتسمت على وجهه نظرة هادفة وقال:
" هذا كثير. فقد أحضرت الى الحفلة أكثر نساء روما جاذبية ومع ذلك لم أتمكن من الأقتراب منها. انصرفوا عنها وليبحث كل منكم عن رفيقته. الرقصة التالية ستكون لي".
رقصت كارولين مع جيفري. وأثناء دورانها في حلبة الرقص اصطكت الصنجات النحاسية في صوت مرتفع وتوقفت الموسيقى فجأة ثم سمع صوت قائد الفرقة الموسيقية:
"سيداتي سادتي الرجاء الأنتباه".
فصمت الجميع وهم في انتظار ما سيعلنه.
" الرقصة القادمة ستكون رقصة الغرامات".
هللت المجموعة في سرور وقام جيفري بشرح تلك الرقصة لكارولين الحائرة ومؤدَاها أن يسير رجل في اتجاهات معينة بين الراقصين وعند توقف الموسيقى يطلب من الراقصين اللذين عن يمينه الأجابة عن سؤال فاذا عجزا عن الأجابة طلب منهما تأدية غرامة.
وبدأت الفرقة الموسيقية تعزف وكان الراقصون الثائرون يحاولون تفادي الرجل الذي كان يخطو بخطوات كثيرة ناحية اليمين وخطوات أخرى ناحية اليسار.
وكان كارولين وجيفري غارقين في متعة الرقص حتى نسيا الحذر فكانا الراقصين اللذين استحقا الغرامة. وكان السؤال الموجه اليهما أصعب من أن يجيب عنه أستاذ في الجامعة. حاولا الأجابة وقد أخذتهما رهبة المفاجأة , لكنهما فشلا.
وسر أصدقاء جيفري عندما طلب منه أن يرقص الرقصة المزمارية وقد أدَاها بتقليد متقن. وكانت غرامة كارولين أن ترقص رقصة تتناسب مع الزي الذي كانت ترتديه. فاعترضت قائلة:
" لا أستطيع".
الا أن المجموعة صممت ودفعها جيفري الى وسط الحلبة. وأخذوا يصرخون تشجيعا لها ويصفرون بأصوات تشبه عواء الذئاب وهم يترقبون الرقصة. وبدأت الفرقة تعزف أو بالأحرى آلات النفخ. وكان الجو يذكَر بحياة جواري في القصور في أحقاب التاريخ القديمة.
وبهزة من كتفيها ثبتت كارولين الخمار على وجهها وخطت داخل دائرة المتفرجين الضاحكين وبدأت تتمايل مع الموسيقى التي تكاد تؤثر في الحاضرين تأثير التنويم المغناطيسي. وكانت وهي ترقص تتذكر صوت مدرسة الرقص القديمة يدوي في أذنها قائلة لها:
" استمعي الى الموسيقى. انسي نفسك في الأيقاع الموسيقي واجعلي جسمك يحكي القصة التي تريد الموسيقى أن تعبر عنها. استرخي يا فتاتي".
وجرفها سحر الموسبقى. ولما توقَف العزف فجأة استوقف انتباهها عينان سوداوان تنظران اليها في احتقار. فوقفت فجأة وكأنها تسمرت. ولم تقو على النظر في عيني دو****و الغاضبتين الذي سارع الى الأختفاء عن الأنظار بينما احتشد المهنئون من حولها, واندمجت في وسطهم شاكرة. وحاولت أن تخفي شعور الرعب الذي استولى عليها عندما علمت بوجود دو****و وحاولت أن تختفي في الزحام لكن لم يدهشها أن وجدت يد كالفولاذ تقبض على مرفقها وتدفعها نحو الباب في عنف. ولمحت الذعر في وجه جيفري عندما تبين أن دو****و هو رفيقها , ولكنها لم تجد فرصة للتحدث معه.
رافقها دو****و بتجهم الى سيارته وانطلق بها سريعا. كان الطريق طويلا وكانت واثقة من أنه ليس الطريق الى المنزل . وبدأ الذعر يتسرب اليها.
وفجأة توقف الى جانب الطريق وأخذ يتفحصها ولم يترك جزءا من زيها الذي بدا الآن رخيصا مبهرجا فخفضت عينيها وتوردت وجنتاها ألما عندما شعرت باحتقاره لها.
" هل تفضلين بأن تشرحي كيف نسيت نفسك وجعلتني أضحوكة أمام أصدقائي وموضوع اشفاق من جانب عائلتي؟ لماذا خالفت تعليماتي الواضحة التي نهيتك فيها عن مقابلة جيفري؟".
اغرورقت عيناها بالدموع فالتفت اليها قائلا:
" الدموع لن تفيدك الآن يا كارولين فاحتفظي بها لما هو آت . أنا واثق من أنك ستحتاجين الى صمام أمان عندما أنهي الأمر معك!".
وسألته مذعورة:
" ماذا تعني؟".
" أعني أن الوقت قد حان لكي تدفعي دينك يا كارولين! سآخذ منك شيئا مقابل العار الذي لحق بي بسببك وسآخذه الليلة".
واندفعت السيارة صاعدة بين الكروم والفيلات المنعزلة. خطر لها أن تدفع باب السيارة وتقفز منه وانتابتها قشعريرة من الخوف فحاولت أن تتحكم بأعصابها وأخذت تؤكد لنفسها بأن دو****و هو قبل كل شيء رجل نبيل.
وبدت السيارة تتباطأ ثم توقفت أمام فيلا محاطة بورود وشجيرات, وانتظرت في هدوء ولم تتحرك الا عندما فتح دو****و الباب وقادها الى الردهة. وتوترت أعصابها عندما قال لها في اقتضاب:
"أدخلي هنا واجلسي بينما أحضر القهوة".
تبعته الى غرفة مؤثثة تأثيثا ينم عن ذوق سليم. واستقرت ****ة في أريكة قرب نافذة كبيرة تطل على الحديقة.
فتح الباب ودخل دو****و الغرفة يحمل صينية القهوة ووضعها على منضدة وبدأ يسكبها. وجلس الى جانبها وقدم لها قدحها فانسكب قليل من القهوة على معطغها فبادرت الى نفضها قبل أن يلمسها, وتدفق الدم في وجهها عندما ابتسم ساخرا وقال:
" سنرى الآن اذا كنت قادرة على المقاومة"
كانت عيناه مثبتتين على وجهها تتقدان بضوء غريب فارتبكت وحاولت الوقوف لكنه مد يده ليمنعها فابتعدت عنه بعصبية وانزلق معطفها من فوق كتفيها لكنه أدركها وأمسك بها وجعلها عاجزة عن المقاومة وأخذ يجذبها الى ذراعيه. شعرت بيديه تقبضان على حلقها وانفتحت عيناها في الوقت المناسب لترياه وقد انتزع منها القلادة الزجاجية البراقة التي كانت تحلى بها.
وبدأت تقاوم والغضب الشديد يستولي عليها. وزايلتها موجة العاطفة التي استيقظت فيها عندما أدركت قصده.
ضاقت حلقة ذراعيه من حولها تمسك بها كأسيرة , ولم تؤد مقاومتها الاَ اصرارا على ابقائها في قبضته. قالت:
" أرجوك يا دو****و ألا تفعل".
" ولم لا أفعل؟ هل أنا من الحماقة بحيث أسمح لكل رجل آخر بأن ينعم بك أمَا أنا فمرفوض دائما؟ أنت زوجتي, هل تذكرين؟ هل توقعت حقا أن أقف مكتوفا وأنا أراقبك تغازلين أي رجل تميلين اليه دون أن تشعري بوجودي؟".
" لم أغازل أي شخص يا دو****و . ذهبت الليلة الى الحفلة الراقصة مع جيفري لأني شعرت بوحدة رهيبة ولأنك حاولت السيطرة علي بالفرمان السخيف الذي أصدرته بأن أكون سجينة البيت. قطعا لم تتوقع مني أن أحمل هذا القول محمل الجد؟ فنحن لا نعيش في العصور المظلمة, ولا بد أنك تتوقع مني الأمتثال لهذا الطلب السخيف".
" لا أريد أن أسمع أكثر من ذلك. كنت تعلمين أن ما تفعلينه يغضبني ويمكنك الآن أن تحصدي ثمار هذا الغضب. أنك مجموعة من المتناقضات يا كارولين! فمنذ اليوم الأول الذي قابلتك فيه وأنا عاجز عن معرفة حقيقة أمرك, وأي الفتاتين انت. فمن ناحية , أرى الأم الصغيرة السعيدة مع طفل يحبها ثم تزعجينني بقولك أنك لم تحبي فيتو وهو ما يوحي بالأعتقاد بأنك امرأة منحلة, وأدهشتني مرة أخرى عندما قلت أنك تقبلين هدايا من الماس من أصدقائك كتأمين ضد الفقر. وأصابني الخزي عندما رقصت كبنات الهوى أمام كل من يعرفني في روما. وأكثر ما يدهشني هو أسلوبك في الفوز بالحظوة لدى عمتي وكنت دائما أقول أنها وحدها هي التي ستدرك حقيقتك".
وفي اللحظة التالية رفعها وحملها الى الأريكة كانت في حاجة شديدة اليه وكان يريد بقوة وللمرة الأولى في حياته , أن يحظى بشخص يكون له وحده, شخص لا يشاركه فيه أحد كما شارك فيتو في أمه وكما شارك فيتو زوجته وطفله.
توقفت عن مقاومته وأغمضت عينيها.
وربتت على عنقه وهي تبكي وهمست وعيناها مغمضتان:
" فيتو يا حبيبي أني أحبك كثيرا".
كان دو****و ساكنا تماما حتى فتحت عينيها. وبدت عليه امارات الحيرة وهو يحاول أن يعرف منها الحقيقة كاملة. وسألها بفتور:
" هل كنت تحبين فيتو؟".
" نعم , وأظن أني سأحبه دائما"ز
ذعرت لصمته وأفزعها ثباته واغرورقت عيناها بالدموع والتفتت برأسها لتخفي عنه عينيها وهنا عرف الحقيقة. رفع يده الى خديها ومسح دموعها برفق. وأبعدت رأسها بعصبية عن ملمسه وصاحت:
" لا تلمسني".
وسحب يده بسرعة وابتعد عن الأريكة وحدق الى النافذة. وعندما التفتت اليه كان وجهه صارما.
" تعالي يا كارولين. سآخذك الى المنزل".
ولم يسألها لماذا كذبت عليه بالنسبة لشعورها نحو فيتو. اعتبر هذا الأمر حقيقة واقعة. وأدرك أنها نطقت بهذه الحقيقة في فورة العاطفة وهي بين ذراعيه مما ذكرها بفيتو باعتباره الرجل الوحيد الذي تحبه فعلا.
أعانها على الوقوف وأحاط كتفيها بالمعطف وفي أثناء ذلك مستها أصابعه برفق فسرت في جسدها رجفة اعتبرها من آثار رد الفعل المفاجىء ونظر طويلا الى عينيها المعذبتين وتنهد قائلا:
" لا داعي للقلق لن أفرض عليك عاطفتي ما دمت لا ترحبين بها. أرجو أن تقبلي اعتذاري لسلوكي في الماضي. ولو كنت أعلم أنك أحببت فيتو الى هذا الحد لما حدث ذلك أبدا. هل تغفرين لي؟".
لم يعد لديها من الثقة في النفس ما يسمح لها بالكلام وانهارت تماما . وأحاطها بذراعيه وقادها الى السيارة.

أمل بيضون 13-05-09 11:53 PM

كانت الرحلة الى المنزل سريعة وهادئة. وفي الساعات الأولى من الصباح توقفا أمام منزل العمة رينا, لكن الأضواء كانت ما زالت تتألق من النوافذ . وبعد أن ساعدها على الخروج من السيارة صعد سريعا الى السلم ورن الجرس.
فتح ايمانيويل الباب وعندما رآهما على العتبة رفع ذراعيه:
"شكرا لله".
" ما هذا يا ايمانيويل؟ هل حدث شيء للعمة رينا؟".
" أنه السيد فيتو جاءنا خبر بأنه حي وهو في طريقه الى البيت! ان السيدة تكاد تطير من الفرح. وقد أرغمناها على النوم لأن الصدمة كانت شديدة على قلبها لكنها سعيدة حدا. كما أننا سعداء جميعا".
والتفت دو****و الى كارولين فرأى وجهها المفعم بالحيوية يشع بتعبيرات السرور وهي لا تصدق الخبر. وسألها بأنزعاج:
" وماذا يكون الأمر بالنسبة الينا يا كارولين ماذا سنفعل الآن؟".
لم ينتظر جوابها لكنه أسرع الى غرفة عمته . وببطء صعدت الى غرفتها وقد أصابها الدوار. لقد صدمها أنها وعت تماما كل ما قاله ايمانيويل , وتملكتها فكرة وحيدة هي أن فيتو سيحضر الى البيت وأن عليها أن ترحل قبل وصوله وقبل أن يعرف الجميع أنها كاذبة. كان مروعا أن تفكر في بقائها لمواجهت حنق دو****و عندما يكتشف كذبها . وبدأت وهي شديدة الأنفعال تعدَ حقيبة ملابس صغيرة تحتوي على اللوازم الأساسية لتعود الى أنكلترا.
لكنها ستحتاج الى نقود لدفع أجرة سفرها. وحساب البنك الذي فتحه لها دو****و لم تمسه حتى الآن . ثم أن البنوك لا تفتح الا متأخرا وهي لا بد أن تذهب حالا . ولكن كيف؟
نظرت الى التلفون وتذكرت جيفري . وباندفاع اتصلت به تلفونيا :
" جيفري؟ أنا كارولين . أحتاج الى مساعدتك. أرجوك يا جيفري هل تساعدني لأصل الى أنكلترا؟".
فأكَد لها أنه سيفعل كل ما يستطيع على الفور. ثم سألها:
" هل تريدين أن آخذك الآن؟".
" نعم, سأكون مستعدة عندما تصل. لا تحدث أي صوت. سأسمع سيارتك وأخرج. أشكرك يا جيفري انك صديق حقيقي".
ارتدت ملابس السفر وألقت نظرة أخيرة على غرفتهاوانسلت الى أسفل الدرج.
ظلت أعصابها متوترة حتى سمعت صوت سيارة جيفري تقف فأسرعت الى حيث كان ينتظرها وبسرعة انطلقت السيارة بهما.
قال جيفري:
" لم يكن لدي وقت لأتصل بالمطار يا كارولين. أعتقد أنه من الأفضل العودة الى مسكني لتناول الفطور ثم نتمكن من اجراء بعض الأتصالات عن أول رحلة ممكنة. ماذا تقولين؟".
وافقت على اقتراحه وقالت:
" لا أعرف ماذا كنت أفعل بدونك يا جيفري؟ من الصعب عليَ أن أطلب شيئا من أحد ولكن لا بد أن أحصل على بعض النقود ثمن بطاقة السفر . أيمكنك أن تقرضني بعضها؟ سأردها اليك عندما أجد عملا".
" ماذا تعنين بقولك الى أن تجدي عملا؟ أظنك لا تعنين أن زوجك سيسمح لك بالعمل وهو من أغنى رجال روما؟".
"لن يعرف دو****و أني تركته الى الأبد ! لا أتوقع أن أراه ثانية".
وبعد تناول الفطور قال لها:
" حسنا قصي على العم جيفري كل ما حدث".
" لديَ الشيء الكثير الذي أرويه الا أنني لا أعرف من أين أبدأ. أليس من الأفضل أن تتصل بالمطار تلفونيا فلعلنا نجد مقعدا خاليا اليوم. يجب أن أرحل يا جيفري اذ أنني لو بقيت في روما واكتشف دو****و أنني تركته فسيعثر علي بالتأكيد".
" وهل تعتبرين هذا شيئا فظيعا؟".
" نعم فظيع جدا الى الحد الذي أعتقد أنه ليس في استطاعتي تحمله".
اتصل بالمطار ثم هز رأسه وقال:
" هناك مكان شاغر على طائرة تقلع الساعة الثامنة وقد حجزت لك".
ثم قال لها في حزم:
"الآن هل لك أن تقصَي عليَ معنى كل هذا؟ أمامنا الكثير من الوقت لآخذك الى المطار. يمكنك أن تبدأي الحديث من أولهز هيا انطلقي".
وبدت مترددة ثم قصَت عليه كل ما حدث ابتداء من يوم جنازة أبيها الى أن خرجت معه من المنزل هذا الصباح.
فألقى عليها نظرة رثاء وهو يقول:
" مسكين يا دو****و العجوز . لم أعتقد أبدا أنه سيأتي اليوم الذي أشعر فيه بالأسف نحوه. أنت يا كارولين وضعته بين شقي الرحى. تريدين أن تقولي أنه بعد زواجك منه ما زال يعتقد أنك تحبين ابن عمه؟ يا للغبي المسكين".
" آه لا تقل هذا يا جيفري! الا تعتقد أنه كان عليَ أن أفعل ما فعلت؟ لم أستطع أن أتركه يأخذ الطفل مني. كان لا بد أن أجعله يعتقد أنني دورندا, ثم تعاقبت الأحداث بسرعة وفي النهاية وقعت في شرك من الخداع! والآن ألا ترى أنه يجب عليَ أن اذهب؟".
" ولكن هل أنت واثقة من أنه سيكون غاضبا كما تعتقدين عندما يكتشف خدعتك؟ لعل حبه الكبر لك يجعله يتغاضى عن تلك الخدعة. ولماذا لا تكلمينه على الأقل قبل مغادرتك روما؟ أعطه فرصة الأستماع الى وجهة نظرك في الأمر كله قبل أن يصل فيتو الى المنزا. قولي له الحقيقة أنت بنفسك يا كارولين".
" لا! لا! لا يمكنني . يجب أن أرحل!".
أخذها الى السيارة وانطلقت بهما. وأخذت تنظر الى معالم روما. وعندما فكرت في السنوات الطويلة التي ستعيشها من غير دو****و احتقن قلبها حتى الأنفجار.
وصلا الى المطار وبعد أن اشترى جيفري التذكرة ذهبا الى القاعة وشعرت بقلقه عليها فنظرت اليه قائلة:
" لا تنزعج يا جيفري. اني أدرك ما أنا مقدمة عليه. أرجو ألا تقلق من أجلي".
" لا أستطيع يا عزيزتي. ماذا سيحدث لك عندما تصلين أنكلترا! أين ستقمين؟ وكيف يمكنني أن أبقى على الأتصال بك؟".
" سأكتب لك حالما أتمكن, وشكرا على كرمك, لدي ما يكفي من النقود الى أن أصل الى منزل صديقتي".
" ما دمت متأكدة من ذلك فأنني سأتركك تذهبين ولكن تذكري يا عزيزتي اذا احتجت اليَ في أي وقت أخبريني وسأحضر في الحال".
ثم تركها وذهب الى أحد المحلات حيث اشترى لها علبة كبيرة من الشوكولاتة ورزمة من المجلات . ولمح عنوانا في احدى الصحف الأنكليزية فأخذها اليها وهو متجهن وقال:
" ترحلين في الوقت المناسب يا كارولين. الصحيفة هنا تقول انه من المتوقع وصول فيتو اليوم الى هذا المطار وأنه سيحضر مع زوجته . قولي لي ما هو اسم أختك؟ هل هذه هي صورتها المنشورة في الجريدة؟".
أخذت الجريدة منه فرأت وجه دورندا الباسم تحدَق في شاب أسمر يبدو بلا شك أنه من عائلة فيكاري. وقد أبرزت العناوين الخبر بشكل مثير بأن رفيقة هذا الأيطالي لم تكف عن البحث عن أي خبر عنه وتتبعت كل أثر له حتى نجحت في العثور عليه في مستشفى ارسالية وسط غابة أفريقية. وكان يعاني من فقدان الذاكرة وأعراض أخرى. وحولت الصحيفة هذه الواقعة الى قصة مشوقة. وكتبت تفاصيل عن الزواج الذي تم في أفريقيا.
اغرورقت عينا كارولين بدموع الفرح وهي تقرأ هذا الخبر . وأكثر ما أفرحها أن طفلها المحبوب سيكون أخيرا في كنف والديه.
بعدما سمعت النداء على رقم رحلتها:
" وداعا يا عزيزي جيفري. هذه أحسن هدية بمناسبة سفري كان في وسعك تقديمها اليَ . وقد اقتنعت الآن بالرحيل اذ هناك عضوان من أسرتي على الأقل يعيشان في سعادة هما دورندا والطفل. هل تعدني يا جيفري بالاَ تذكر لدو****و أين ذهبت؟".
" أعدك بذلك . ودائما يا عزيزتي سأظل أذكرك الى الأبد".
10- الحقيقة
سأل سائق السيارة كارولين بعدما أوقفته:
" الى أين يا آنسة؟".
قرأت له كارولين عنوان جين. فرد عليها قائلا:
" سنكون هناك بعد عشر دقائق ".
وعندما توقفت السيارة أمام منزل شبه منعزل توجهت في شيء من التردد الى الباب الأمامي فتحه لها رجل طويل القامة. وللوهلة الأولى تعجبت للطريقة التي استقبلها بها فقد نظر اليها وكأنه لا يعرفها:
" جيم, انني...".
" كارولين , لم أعرفك للوهلة الأولى . تفضلي بالدخول! ونادى جين. أسرعت جين من المطبخ وهي في سعادة لا توصف لرؤية كارولين".
" لم لم تخبرينا بأنك آتية؟".
" سافرت في عجلة يا جين. أرجو ألا أكون قد أزعجتكما بزيارتي المفاجئة ولكن في وسعي دائما أن أذهب الى فندق".
" فندق؟ بالله عليك لا تفعلي هذا! لقد كنا في شدة الشوق الى رؤيتك , قلت لجيم أمس أنه اذا لم يصلني منك رسالة واضحة فسأذهب الى روما لأطمئن عليك".
قالت جين بعد أن استقرتا في غرفة الأستقبال:
" حسنا يا عزيزتي , هل تودين التحدث في الأمر؟".
تركت كارولين مقعدها وجثت على ركبتيها ودفنت وجهها في حضن جين وروت لها القصة كاملة.
وعندما انتهت تناولت جين خديها بين أصابعها ونظرت اليها في دهشة قائلة:
" أتعنين أنك تحبين زوجك ومع ذلك انسحبت و لقد خاب أملي يا كارولين! كنت أظنك أكثر جرأة".
" كيف أبقى؟ انه يحتقرني!".
وأخفت جين ابتسامة الأنتصار عندما تبينت أنها استطاعت اثارتها. الاَ أنها لم تستطع كتمانها. ونظرت اليها كارولين في ارتياب وبدأت عيناها تلمعان:
" تعمدت اثارة غضبي...".
"أليس كذلك؟ نعم يا عزيزتي ويجب أن تعترفي بأنك تشعرين بتحسن الآن. ألست على حق؟".
لم ترد كارولين بل افترت شفتاها عن ابتسامة كدليل على رضاها.
كانت ضحكات توأمي جين تؤلم كارولين لأنها ذكرتها بالطفل فيتو. ورأت رجلا طويل القامة يسير على بعد فكان ذلك كافيا لكي يبدأ قلبها في الخفقان ولكي تحس بوخز في أعصابها الى أن أدركت أنه لم يكن دو****و. لم يلتئم الجرح في قلبها لكنها تعلمت أن تخفيه شيئا فشيئا حتى عن جين.

أمل بيضون 13-05-09 11:58 PM

[rainbow]

انتظروا الجزء الأخير من الرواية قريبا
[/rainbow]

جننوني 14-05-09 12:13 AM

مشكووووره في انتظارك


الساعة الآن 02:54 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.