شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات أحلام المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f203/)
-   -   434 - غرقت فى عينيه - كيم لورنس - أحلام الجديدة ( كتابة / كاملة ) (https://www.rewity.com/forum/t58157.html)

بنوته عراقيه 15-05-09 07:51 PM

يسلموو على الروايه

ماندو 15-05-09 09:33 PM

. لا اعرفك
*********

أخيراً وصلا الى الارض الصلبة! استلقت روز بكل بساطة لبضع لحظات, غمرتها الحرية لتحررها من الخطر , فلم تشعر بالبرد الذي تسلل الى عمق عظامها من جراء كل رعئة هواء باردة . قربت ركبتيها الى صدرها ورفعت جسمها ضامة جسدها بذراعيها.
وقف الرجل العريب الداكن البشرة قربها, وهو يوازن ثقله على عقبي قدميه مستخدماً البراعة الغريزية للرياضي الطبييعي.
((شكراً جزيلاً, لقد انقذت حياتي.))
شعرت روز بالغرابة لأن تينك العينين الرمادتين الضاربتين الى اللون الفضي الشاخصتين نحوها بدتا خاليتي تماماً من التعابير.
((بالمناسبة ,انا روز سيد......))
نظر ماثيو الى العينين الرائعتين المفعمتين بالامتنان والبراءة , تذكر ذلك التحدي الذي رآه في هاتين العينين نفسهما من قبل , حتى لو أصرت روز على افتراضها انهما لا يعرفان بعضهما , لن يأبه ماثيو للأمر, افترض انها قد لا تعرفه لأنها كانت ثملة تلك الليلة.
فاز ماثيو بميدالية البطولة للمرة الرابعة لأربع سنوات متتالية لهذا السبب فحسب ظلت ذكرى الإحتفال في السفارة عالقة في ذهنه, حين رجع متأخراً تلك الليلة الى غرفته في الفندق ليجد إمرأة في سريره ,إمرأة ذات بشرة ناعمة كالحرير, وشعر طويل بلون الكراميل الشاحب وعينين ذهبيتين.
إنهما العينين الذهبيتان نفسهما اللتان تنظران إليه الآن .
((هل يمكنك السير؟))
ومضت روز بعينيها لسؤاله المفاجئ, وزالت الإبتسامة من وجهها بدت هادئة تجاه العدائية في تصرفه,بالطبع, لقد تعرضت حياته للخطر بسببها. وربما هو لا يستلطف الشخص المسؤول عن ذلك,إلا ان مستوى الإحتقار البارد في لغة جسده بدا عالياً حقاً ,إنه ينظر اليها وكأنها شيء بغيض جداً.حاولت ان تكافح وتمشي بغير رشاقة قائلة
((بالطبع!))
أدرك ماثيو حالما طرح السؤال أنها عى الأرجح بالكاد تعرف تستطيع الإحساس بأطرافها او السير على قدميها ,لذلك تجاهل تأكيدها الجريء وانحنى ليحملها,حين جذبها نحوه انتبه الى نعومة بشرتها,وقبل ان يتسنى له ان يفكر بالحرارة التي تفجرت في داخله شعر بالبرودة الجليدية التي تنبعث من جسدها.
لاحظ ماثيو ان جلدها قد صبغ بصبغة زرقاء مثيرة للقلق وهو أمر غير مفاجئ نظرا للظروف التي مرت بها,لذا فكر انه من الأفضل تدفئتها بسرعة.
تمتمت روز وهي تجد نفسها متدلية من دون مبالاة على كتفه
((انا.....ماذا تفعل؟))
((أجنبك تدني حرارتك , سيارتي اللاندروفر مركونة على الطريق.))
لم يضف اي كلمة اخرى الى ان وصلا الى السيارة , وهذا لم يفاجئ روز . فما الذي يستطيع ان يقوله رجل يحمل فتاة شقراء ذات وزن زائد على كتفيه؟ لكن ما فاجئها هو انه حافظ على رشاقته وهو يركض بالطريق بكامله, ومع هذا لم تتعب انفاسه.
دفع ماثيو باب سيارته لينفتح , والقى بالحمل المرتجف على المقعد الخلفي قبل ان يستدير إلى جهة السائق ويدير المحرك ليشعل السخان على اعلى درجاته.
بالكاد نظر ماثيو الى روز قبل ان يغادر الى الجهة الأمامية لسيارته قائلا
((اخلعي ثيابك المبللة.))
ثم رجع بعد عدة لحظات حاملا بطانية إنقاذ سميكة بالإضافة الى قميص ذات اربطة معدنية طرحهما على المقعد الجانبي.قال وهو ينزلق الى مقعد السائفق, ويدير وجهه نحوها.
((هل سمعتيني؟ عليك ان تنزعي هذه الثياب عنك.))
ومع ان جهاز التدفئة راح يعمل بأقصى طاقته وغدت السيارة دافئة .إلا ان روز ظلت ترتجف , في الواقع. لم تتوقع ان تتوقف عن الإرتجاف وتشعر بالدفء مجددا. قالت وهي تحاول ان تحرك اصابعها الشاحبة النحيلة التي ما تزال ضعيفة مثل بقية أنحاء جسدها
((عفوا , ان اصابعي ..........))
اضافت
((........ لا استطيع الشعور بها.))
انزلقت عينا ماثيو الداكنتان من وجهها الى اصابعها, وعمت لحظات من الصمت قبل ان يتنهد تنهيدة غضب.
((أفترض اذاً ان علي ان اقوم بذلك بنفسي ))
((تقوم ......بماذا؟))
ادعاء الجهل بدا لها افضل طريقة للدفاع عن النفس, هبت نسمة هواء باردة , ثم نسمة اخرى فيما انفتح باب الراكب الأمامي وانزلف ماثيو بقرب يكفي ليتمكن من مساعدتها , ثم أُقفل الباب بقوة.
ليس حضوره الجسدي الفارض فحسب هو ما جعل مشاركتها هذا المكان الضيق معه امر غير مريح, بل إن قوته الجسدية الطبيعية بدت عاملاً مؤثراً ايضاً. شعرت روز بالخجل من اتجاه تفكيرها , وهي تلقي نظرة على منظره الجانبي الكلسيكي, ارتجفت فتحتا انفها وهي تحاول الا تتنشق رائحة عطره القوي, وجوده بهذا القرب منها جعل التركيز على اي شيء سواه امراً مستحيلاً.
حباً بالله روز !إذا رآكِ أحدهم تتصرفين على هذا النحو فسوف يظن ان الرجل يغويكِ.
ابتلعت روز ريقها, ورفعت رأسها عازمة على أن تحذو حذو سلوكه العملي, بينما غير ماثيو موقع جلوسه ليصبحا مواجهين لبعضهما, غلا إنها بدأت بالضحك فجأة.
ارتفع احدى حاجبي ماثيو الداكنين وسألها
((ما المضحك في الآمر؟))
هوت رأسها يميناً ويساراً مجبية
((لا شيء))
تخيلت شقيقتها ربيكا وهي تقول
**إن بعض الناس لا يتمتعون بصفات الجاذبية والإغراء , لذلك فهم لا يثيرون اهتمام الآخرين**
وروز هي احدى هؤلاء , فهي لا تتمتع بجاذبية انثوية يمكنها التأثير على الجنس الآخر. فيما راحت تتتتمعن بوجهه الوسيم الجذاب, فكرت انه على الآرجح يحظى بالكثير من النساء , وهو لن يهتم لإمرأة يائسة تفتقد الى الجاذبية مثلها.
شعرت ببعض الإرتياح لأقتناعها ان ماثيو لا يرى فيها سوى إمرأة مسكينة تحتاج الى العون والمساعدة, قطع صوته الحاد افكارها المشتتة
((ارفعي يديكِ))
لو إستطاعت روز ان تنزع عينيها عن تلك العينين المزعجتين لفعلت, لكن عيناه حاصرتاها بنظرة غريبة جذابة جعلتها تقريباً غير قادرة على النظر الى شيء اخر.
((اسمع هذا ليس ضرورياً حقاً))
جزعت روز عندما سمعت صوتها يخرج كهمسة مخنوقة وأضافت سأغير ثيابي حيتن أصل للبيت.))
وبدلاً من ان يلتقط ماثيو الفرصة التي سنحت للتخلص منها , إرتسمت على وجهه إبتسامة ساخرة, وقال
(( لا تقلقي يا عزيزتي, أنا مستعج لأفترض انكِ شديدة التواضع.))
أصابتها الحيرة بسبب ابتسامته وتلك الإشارة الضمنية الواضحة في صوته, بدا ماثيو رجلاً يونانياً فظاً.
جاءت ضحكتها اكثر دفئاً من العادة لآن ما رأته اخيراً جعلها تشعر كأنها ايائسة ناكرة للجميل , فلو لم ينقذها هذا اليوناني الفظ لماتت غرقاً على الأرجح.
إدراك روز هذا أشعرها برجفة أقوى من الرجفات الآخرى التي انتابتها بتقطع, وانتقلت من اعلى جسمها الى عامودها الفقري, نظرت اليه وسألته
((هل انت يوناني؟))
((نصف يوناني ونصف فرنسي , ألم تقرأي سيرتي الذاتية.؟))
كورت روز شفتيها في تساؤل ملؤه الإستغراب وكررت
((سيرتك الذاتية؟))
اغمضت عينيها واتأكت الى الخلف مطلقة تنهيدة تعب , حتى عندما توقفت من النظر اليه , ظلت متنبهة جداً لوجوده.
تشدق ماثيو بجفاء
((معزظم الناس يفعلون ذلك.))
عادة ما تقرأ النساء المقالات المنشورة على المواقع الإكترونية بالإضافة الى مجموعة التفاهات التي تكتب عنه , وهكذا يعتقدن انهن يعرفنه جيداً.
لم يفهم ماثيو قط سبب إنجذاب أولئك النساء الى الشهرة, وفكر ان شيئاً ما يجب ان يكون مفقوداً في حياتهن كي يمضين الكثير من أوقاتهن وهن يحلمن بأن يتواجدن مع رجل غريب تماماً.
((أعذرني , انا لا اقرأ بالمقدار الذي أريد, اتمنى ان تقلّني ..........))
وأختفى صوت روز تدريجياً.
مرر ماثيو يداً في شعره الداكن, ونظر الى عيني روز بسخط مصبوغ ببعض الإهتمام وقال
((يجب الا تنامي!))
انفتحت جفون عينيها وهي تهز رأسها قليلاً مجيبة
(( عفواً...... لا...... طبعاً))
وتابعت وهي تدس يديها تحت رجليها
((انا ممتنة لك فعلاً , انت تعرف هذا!))
في تلك الإثناء أخذت لأصابع روز تسترجع دورتها الدموية وراحت تنبض بالآلم. قالت وهي تنحي للآمام مع إزدياد قوة النبض
((أعتقد انك انقذت حياتي))
((قمتِ بعمل احمق وغير مقبول))
((رأيت ذئباُ هناك))
تمكنت روز ان تفترض تفسيراً منطقياً لما حصل, وهو انه حين تصدع الجليد هرب الذئب, أو انه لم يعلق قط.
((لم أر اي ذئب))
أنكر ماثيو وجود الحيوان المذكور بتلويحة ملكية من يده . بدا واضحاً انه لم يره, لذا انه من غير المعقول ان يكون هناك.
أشارت روز
((هذا لا يعني انه لم يكن هنا))
استعاد ماثيو في ذاكرته لحظة رآها تختفي تحت المياه الجليدية فطفح غضبه من جديد وتابع
((أي انسان هذا الذي يمشي على جليد رقيق لينقذ ذئباً؟))
هو ذلك الانسان الذي عليه ان يزود شاشات القنوات التلفزيونية ببرامج عن الحياة البرية, في حين ان ممولي هذه البرامج لا يأبهون لإنقاذ حياة الحيوانات, حتى لو كان ثمة حيوان ضعيف , أو جريح.
بالطبع بإمكان روز ان تشرح هذا الآمر, لكنها شكت في اهتمام ماثيو بالموضوع. في ظل الظروف الراهنة , من الواضح ان ما اراده ماثيو منها هو اعتذار واضح وهي تجثو على ركبتيها.
((إن كان هذا نوعاً من العمل المثير لتجذبي انتباهي مجدداً, فقد نجحتِ في ذلك.))
كررت روز وهي تومئ ببلاهة
((عمل مثير؟))
ثم أضافت وارتفع صوتها في تساؤل مربك
((مجدداً؟))
((أفترض بانكِ قمتِ بهذا لانني جرحت كبرياؤك؟))
((كبريائي؟؟))
اصابت الجحيرة روز لدرجة انها لم تعد تتفوه بكلمات جديدة, بل راحت تكرر ما قاله.بينما التقت عيناها بنظرته التي تبدو خارقة كأشعة الايزر, هذا الرجل يملك فعلا عينين تبدوان كأنهما تريان ما في ذهنك وتقرأن افكارك, وهو امر مزعج لان بعض الأفكار التي راحت تطراأ على ذهنها وهي تنظر اليه لم تكن مناسبة لتشاركها مع اي كان.


لا بد انها كبحت احاسيسها لفترة طويلة, لذا تجدها الآن تتمرد عليها.
قال ماثيو على الفور
((حين تخلصت منك.))
تساءل لما تراها لم تعرض قليلا من هذه الكبرياء حين حاولت اغواءه.
اتسعت عينا روز دهشة
((تخلصت مني؟))
((في غرفتي.....في الفندق, على سريري))
ارتخى فك روز حتى كاد يصطدم بصدرها,وللحظة نسيت أمر أصابعها المتألمة . فأبتلعت غصة وهي تقول
((السرير؟ انا لا اعرفك حتى.))
((اسمعي! أوافق على مجارتك في المزاح , والإفتراض أننا لم نتقِ اذا كان هذا ما تريدينه , حسناً!))
اختفت الإبتسامة الساخرة التي لوت شفته حين أضاف
((لكنني غير مستعد لتركك تموتين بسبب تدني الحرارة , ليس بعد كل هذا الجدهد الذي بذلته لإنقاذك من البحيرة.))
ابتلعت روز ريقها بصعوبة , هذا الرجل يملك حقاً اجمل عينين رأتهما في حياتها كلها , علقت على كلامه.
(( أعتقد انك تظنني شخصاً اخراً))
أتراها تجلي في السيارة مع شخص مجنون خطير؟
صدر صوت ازيز من بين اسنان ماثيو البيضاء, المطبقة, وعلق بطريقة كريهة قائلاً
(( اسمعي! اذا كنتِ تريدين الإفتراض بأنكِ لم تحضري الى غرفتي في الفندق, فأنا لا آبه لهذا الأمر.....))
وأضاف
(( ..... لكن طريقتك لا تبدو ناجحة لرجل سبق له ان رآكِ في سريره.))
((ماذا؟))
ارتفعت يداها في حركة دفاعية الى صدرها, يجب على المرأة ان تكون شجاعة جداً او جميلة جداً لتقتحم سرير رجل شديد الوسامة كماثيو, روز ليست تلك المرأة بالطبع!.
((انت لم ترني في سريرك فقط.))
((حسناً! إذغ اردتِ ان تكوني متحذلقة......))
اعترف ماثيو بينما انخفضت نظراته الى حنايا جسمها ,
((أصبحت اكثر نضوجاً.....))
ثم تابع
((.... والحياء جديد على تاريخك الحافل بالمغامرات. هذا امر جيد!))
((ليس لدي تاريخ حافل بالمغامرات.))
الوقاحة التي ظهرت في نظراته الجريئة . انتجت سلسلة من ردات الفعل بدأت في معدتها. ولو لم تكن جالسة في السيارة لخانتها رجلاها بالتأكيد.
((هذا الوزن يناسبك.))
تلك المرأة في سرير ماثيو في الفندق تملك بنية جذابة جداً شديدة النحول وملامح فاتنة تتمناها كل عارضة أزياء, خطر ببال ماثيو حينها انها سوف تبدو دون شك أكثر جاذبية وهي مرتدية ثيابها. قالت روز
((اسمع! تماديت في مزاحك معي, وهذا يكفي.))
نظره واحدة الى تعبيره جعلت الآمر واضحاً:إنه لا يمزح.
((نحن لم نلتقِ قط, اؤكد لك هذا .))
((التقيت بالكثير من المعجبات, لكنكِ كنتِ الأبرز بينهن.))
((معجبات؟))
من الأفضل إعتبار كل هذا مزحة عابرة. فكرت روز:ابقيه سعيداً كي تصلي الى دار دورنيفي أسرع وقت ممكن, وبعد ذلك لن يكون عليكِ رؤية هذا الرجل مجدداً.
بما إنها لم تجقق تقدماً عن طريق الإنكار , حاولت ان تتبع مسلكاً اخر.
((آه , بالطبع! يمكنني ان أكل الرجال أمثالك قبل الفطور.))
لم تتمكن روز من السيطرة على ضحكة ساخرة, استنشقت نفساً عميقاً , وقد شعرت بنقص في الأوكسجين.
((لكنك ستسر إذا سمعت أن الغرق اغمد شهيتي.))
ابتلع ماثيو ريقه وهو يسحب نظراته, بدا من المؤسف انه لا يستطيع ان يقول مثل هذا الكلام عن نفسه,كل ما أمكنه افتراضه هو ان الأدرينالين ما زال يدور في دمه بعد ان زال الخطر.
تابعت روز
(( جعلني أصرف النظر عن حميتي الغذائية اليومية التي تعتمد على الرجال المتمتعين , لذا فأنت بأمان.))
ابتسم ماثيو إبتسامة النصر, وقال
((إذا تعترفين انكِ تلك المرأة))
شدت روز شفتيها بإحكام ثم قالت
((كلا, ابداً!))
((لا حاجة الى الصراخ, سرك محفوظ معي , ارتاحي))
هل هذا الرجل مجنون؟
((أيمكنك ان ترتاح اذا اتهمك أحدهم انك أقمت معه علاقة عابرة ثم رفضك؟))
((علام تعترضين؟ أعلى العلاقة العابرة أم على الرفض؟ وللتذكير, انا لا احب العلاقات العابرة.))
رأت روز لة الغضب في عيني ماثيو, وفكرت انه لآمر عظيم ان يشعر بالإهانة.
(( هذا ما أقوله...... ولا حتى انا. انا لا.......))
توقفت روز عن الكلام , وظلت دون حراك فيما انحنى ماثيو الى الأمام وفتح زمام سترتها
بعدئذٍ رفع رأسه والتقت عيونهما, ومن دون اي كلام سحبها من فوق كتفها.
((ارفعي يديك !))
من دون تفكير أطاعت روز أمره هذه المرة , فخلع عنها السترة المشبعة بالماء, أبعدت بسرعة خصلة كثيفة من الشعر الرطب عن عينيها, ثم نظرت الى سترتها وهي تسقط على ارض اللاندروفر, وسقطت معها القميص التي ارتدتها تحت السترة.
جلست روز بسكون وهي تشعر بإرتعاشات كبيرة في جلدها من جراء خوفعها , ثم رأت نظرات ماثيو تجتاحها فجأة كالمد, فأكتست بشرتها لون الخجل والإهانة.
علقت بحدة حين انقضت اللحظة المخجلة التي شلتها.
((ظننت انك تحاول إنقاذي فقط!))
نظرته الضبابية أثارت إرتجافة في جسمها , بدا هذا الآمر أشبه بتجربة الموت الوشيك،إذ انها لم تتجاوب على هذا النحو مع الرجال قط, ولا حتى مع ستين, مع انهما عملا بشكل متقارب معظم الأيام.
عملا متقاربين جدا احياناً. وهذا شكل جزاءاً من سبب رحيلها, لكنه جزء صغير فقط, لآنها لم تخف قط عدم قدرتها على السيطرة على نفسها , أما السبب الحقيقي فهو شعورها بالذنب والخجل لآنها امتلكت أحاسيس تجاه رجل متزوج.
((آه بالطبع.))
يا له من رجل بغيض!. نظرت اليه نظرة ثابته ثم قالت.
((انت لست لطيفاً جداً))
((لا لست كذلك, لست لطيفاً مطلقاً.))
سمرت نظراتها في عينيه الغاضبتين والباهتتين للحظة, ثم ارتجفت وأخفضت نظراتها , إنها تصدقه بالفعل.
متجاهلة ماثيو بقدر ما يمكنها, سحبت روز قميصها التي كانت جافة لحسن الحظ فأرتدتها وغطت بها جسمها, بحيث وصلت الى ركبتيها, بعدئذٍ خلعت سروالها الجينز بحركة لا تخلو من القلق والإنفعال.
وقبل ان تتمكن روز من سحبه حتى كاحليها, فتح ماثيو الباب ورجع الى مقعده الأمامي من دون التفوه بأي كلمة, وما لبث ان ادار المحرك , متوجهاً اليها بكلمات فقط مقتضبة بأن تشد حزام الآمان.
فكرت روز انه على الأرجح يعني ان تشد حزام الأمان وتصمت في آن, ولم يكن لديها مشكلة في كلا الأمرين. وإذا لم يكن مزاجها مؤتياً للمحادثة قط.
مضى على سيرهما بالسيارة بضع دقائق قبل ان تدرك انه لم يعرف بعد اين تسكن.
((سأنزل عند دار دورني. انه المنعطف الأخير قبل.....))
قاطعها صوت ماثيو النافذ للصبر
((لن أخذك الى هناك))
التقت نظراتهما ثم تابع
(( تحتاجين الى كشف طبي. ثمة مستشفى صغير في موبر))
((لا احتاج الى رؤية طبيب))
جاء ردة فعل ماثيو سريعاً بنظرة ملؤها الإستبداد.
((سواء كنتِ تحتاجين الى هذا ام لا, فهذا ما ستفعلينه.))
لن تقفز روز من سيارة متحركة بالطبع, لذا لم يكن لديها الكثير من الخيارات إلا ان تقبل خطته.
((هناك بطانية على المقعد الخلفي , لكنك قد تجدين عليها بضع شعيرات كلب, سنصل بعد خمس دقائق تقريباً.))
وجدت على البطانية ثلاث شعيرات, لكنها لم تبال بذلك. التفت بها ملتمسة الدفء , عرفت انه يجدر بها عدم هدر طاقتها , لكن كيف ستسمح لماتيو بالذهاب وهو يظنها شخص اخر.
((انت تعلم أنني لم أُقم علاقة معك.))
أو مع أي شخص أخر.......
لسوء حظها فإن الرجل الوحيد الذي تخيلت ان العلاقة معه لن تكون عملية آلية باردة كان رجلاً متزوجاً ولا يحق لها التفكير به. تجعد جبينها وهي تتذكر تلميح ربيكا ان وقوعها في حب رجل لا يمكن الوصول اليه ليس مجرد صدفة, وجدت روز نفسها تتذكر تلك المرة الوحيدة التي عانقها فيها ستين,ولم يكن ذلك العناق هو ما توقعته . لم يجرفها الشغف في الواقع, بل شعرت انها غريبة عن الحدث تماماً.
((لأنني تخلصت منكِ فحسب.))
مرّ تعليق ماثيو الساخر هذا كالشفرة على أفكار روز المشتتة.
((لماذا ؟ ما كان عيبي؟))
أعلن ماثيو بغطرسة ملؤها الإزدراء
(( لا اقيم علاقات عاطفية مع معجبات ثملات.))
الدم الذي عاد يجري في أطرافها الباردة اندفع الآن الى رأسها وردت
((انتظر! اعرف انك انقذت حياتي, لكن هذا لا يعطيك الحق لتختلق القصص وتدعونني بالمومس.))
((لم استعمل هذا المصطلح ,لكن ماذا تسمين انتِ إمرأة تلاحق رجالا مشهورين بهدف إضافة إنجاز او نصر أخر الى مغامراتها؟))
كررت روز ما قاله ماثيو وقد زادت حدة غضبها
((مشهورين؟))
ثم أكملت
((هل يفترض بي أن اعرف من انت؟))
قذفها بنزظرة ساخرة , قبل ان يسألها.
(( أتحاولين ان تقولي إنكِ لا تعرفينني؟))
ردت روز بحدة
((لم تقع عيناي عليك مطلقاً قبل اليوم.))
((حسناًً!))
تنهد ماثيو تنهيدة تدل على الضجر , وكما لو انه مضطر لمجاراتها تابع يقول معرفا عن نفسه
((انا ماثيو غوثيير.....))
بالطبع! عرفت روز الإسم بالرغم من عدم متابعتها لأخبار الفورميلا! على اي حال هذا يشرح الغطرسة والاعتداد اللذين يتصفا بهما هؤلاء السائقون, وهو امر سخيف جدا, يبدو ان ماثيو على الأرجح يصدق ذلك التملق الذي تنشره الصحف.
((هل يعني هذل شيئاً؟))





بدا واضحاً من النظرة الخاطفة التي قذفها ماثيو بإتجاه روز من فوق كتفه أنه لم يصدق تجاهلها له للحظة, ظهرت التسلية واضحة في نبرته وهو يقول
((لربّما يعني شيئاً اذا كنتِ معجبة بالفورميلا!))
((ظننت انك يوناني, لا يبدو اسم غوتيير يونياً!))
تلاشت الإبتسامة الكسولة من وجهه حين قال
((انا نصف يوناني . استعملت شهرة أمي مهنياً.))
((إذاً انت في الواقع.......))
((ماثيو ديمتريوس. اسمعي! لستِ بحاجة لأن تفعلي هذا. لن أخبر احداً بالآمر اذا كان هذا ما يقلقك. ربما تقدمتِ بحياتك, وأصبحت تخجلين من ماضيكِ, على الرغم من اعتقادي ان من الأفضل ان تعترفي بخطتكِ لمن انتِ على علاقة معه اياً يكن.))
لم يشك للحظة أن هناك رجلاً في حياتها, فالنساء أمثالها هن على علاقة مع احدهم دائماً.
اجابت روز بثبات
((شكراً على النصيحة.))
وتابعت
(( لكني لست خجلة, لم أفعل شيئاً في ماضيّ اخجل منه.))
وأردفت
((لا اعرف حتى اين ومتى يفترض انني حاولت...... إغوائك.))
((موناكو.))
((حسناً لم أذهب قط الى مون.....))
توقفت روز عن متابعة جملتها. لم تكن هي التي ذهبت الى موناكو بل ربيكا, ولديها البطاقة البريدية التي تثبت هذا, أغمضت عينيها, وأخرجت من شفتيها تنهيدة صامتة لم تكن المرأة التي كان يتكلم عنها ويسخر منها . المرأة التي حاولت إغواءه إلا اختها التوأم ربيكا التي تم هجرها بكل ما للكلمة من معنى في المذبح.فمسها ضرب من الجنون. بدا كل شيء واضحاً الآن . المكان , التوقيت.....التشابه! لطالما تكلمت الشقيقتان عن ذلك
>>الصيف الذي ترغب ربيكيا بنسيانه<<
حين اعترفت انها قامت بأشياء كثيرة ترغب في نسيانها,يبدو ان تصرفها الطائش على سرير بطل سباق الفورميلا احد هذا الاشياء.
آه! يا الله عليكِ يا ربيكا, كيف امكنك؟ شعرت روز بالذنب من جراء السؤال الأناني لحظة خطر في بالها.
كان سايمون ذو الشعر الناعم الأملس والإبتسامة اللطيفة , الشاب الذي يقطن بجانب ربيكا تماماً. أحبا بعضهما منذ ايام الطفولة , وبدأ يتواعدان منذ عمر السادسة عشرة ثم خطبا في عمر التاسعة عشرة.
وبدأت التحضيرات, وبدت ربيكا مذهلة ساحرة كعروس الآحلام , لم ينقص الحفل سوى العريس!
انطلقت روز بسرعة في سيارة القس الصغيرة إلى بيت سايمون, إستجابة لإتصال هاتفي بائس, فوجدت العريس يقف مذهولاً على الطريق الخاص بمنزله, سألته
((هل انت متوتر؟))
نظر سايمون إليها, وأجاب نفياً بهزة من راسه, ثم طلب سيجارة, ذكرته روز بأنه لا يدخن , ثم دخلت الى البيت, حين علمت منه بعد جهد جهيد السبب الذي دعاه الى عدم قيامه بدور العريس, تمنت لوقت قصير لو أنها تدخن هي نفسها.
((عليكِ ان تخبريها بنفسك روز. انا لا استطيع القيام بضلك. قولي لها انني اسف وإنني احبها, لكن.....ليس بهذه الطريقة.))
((آه طبعاً .هذا سيشعرها بتحسن اكبر, وهل أذكر لها قبل ذلك او بعده ان خطيبها انتظر حتى يوم زفافه كي يعترف بأنه شاذ؟))
توقعت بأن تنهار ربيكا او تجن بالكامل حين نعرف بشأن سايمون , لكن شقيقتها ظلت هادئة بطريقة تفوق التوقع.
بدت ربيكا مسيطرة على نفسها, ما بدا امرا جيدا نظرا لأن اباهما اصيب بنوبة إغماء وتصلب. وبدت امهما قلقة ومضطربة جدا بشأن إرجاع الهدايا إلى أصحابها.
أصرت ربيكا على إخبار الحاضرين شخصيا. لن تنسى روز ابدا منظر شقيقتها وهي تقف كملكة جليلة بفستانها الآبيض لتشرح للموجودين ببضع جمل مشرقة ان الزفاف لن يتم .انعصر قلبها على شقيقتها وهي تراقبها عالمة كم تتألم.
مضت أرعة أيام قبل ان تبدو ربيكا مصعوقة فعلا بالخبر, فانهمرت الدموع وثار الغضب....بعدئذ, اعلنت انها نجحت في إستعادة ما دفعته من مال لشهر العسل وبعضا من تكاليف حفل الزفاف , فقررت ان تسافر لبضعة اشهر وتتمتع بالمال, ويبدو واضحا ان اسفارها قادتها الى غرفة نوم ماثيو غوثيير.
قال ماثيو بصوت رقيق ساخر
(( أرى انك التزمت الصمت, ايعني ذلك ان ذاكرتك المفقودة رجعت اليكِ؟))
تجاهلت مدى رغبتها في إخراج كلمة اعتذار بالقوة من فم ذلك الرجل البغيض, وتغلب إخلاصها لشقيقتها التوأم على رغبتها تلك.
هزت رأسها يمينا ويسارا وقالت
((لم أذهب الى موناكو قط.))
((إذا لديك شقيقة توأم في مكان ما هناك))
اصابتها إرتجافة بينما ادارت راسها لتنظر من النافذة وهي تقول
((إن كان هذا ما تقوله.))
وتابعت
((لا اعتقد ان في المستشفى قسما للمصابين))
((إنه مستشفى , ولا بد ان يكون هناك طبيب , وإن لم يكن, فلا بد ان هناك ممرضات يمكن الإعتماد على خبرتهن.))
((انا بخير, كما انني تأخرت......))
التقطت روز مقبض الباب لتثبت نفسها بينما اتخذ ماثيو منعطفا ظانا نفسه في سيارة الفورملا1, لا في سيارة لاندروفر قديمة بالية.
((سنترك الآمر للشخص الذي تدرب ست سنوات كي يقرر إذا كنت بخير ام لا . هل يمكننا ذلك؟))
**********
اتضح ان ماثيو على حق, كان هناك طبيب في المستشفى الصغير , هو احد اطباء الصحة العامة المحليين, قال الطبيب انهما قاما بالفعل الصحيح حين سردت له روز ما حدث.
حين عادت الى صالة الانتظار بعد بضع دقائق اعتقدت لاول وهلة ان منقذها , بطل سباق السيارات قد رحل, في اللحظة التي بدأ التوتر يزول من عمودها الفقري, فصل ماثيو نفسه عن حائط التصق به.
((آه لم أرك في الظل.))
عاد التوتر الى روز مع رغبة بالثأر . لم تلتق قط بشخص أثار فيها مشاعر الكراهية مثله, إنها محظوظة حقاً, فلو أعجبها ماثيو لشعرت بطريقة غير عقلانية انها غير مخلصة لشقيقتها التوأم.
((قلت لكِ انني سأنتظر.))
انعقد حاجبا ماثيو في خط مستقيم حين ارتجفت روز لرؤيته.
((وانا قلت إن هذا غير ضروري , فأنا قادرة تماما على ان ارجع ادراجي بمفردي.))
رفع ماثيو حاجبه وقال
(( بهذه الثياب؟))
اقرت روز ان لديه وجهة نظر ,واخفضت بصرها . كانت القميص تغطي جسدها كالفستان. لكنها بدت قصيرة وفضفاضة, اما الجوربين السميكين الكبيري القياس اللذين بقيا في قدميها , فلم يكونا مثاليين للتنقل بين الناس, هذا بالإضافة الى عدم امتلاكها للمال, مع انها كرهت بأن تكون مدينة له, لكن هل لديها خيار اخر؟
((اسفة لانني سببت لك المتاعب, انا واثقة بأن لديك اشياء اهم تنشغل بها.))
((نعم.))
((آسفة))
ارتجفت شفتا ماثيو. فعلى الرغم من قولها كلمة اسفة لكن الشعور الكامن وراء تلك الكلمة بد له""اذهب للجحيم""
((ماذا قال الطبيب؟))
وجد ماثيو روز جذابة بثيابها هذا اكثر مما كانت عليه في غرفة نومه تلك الليلة, وتساءل, ألا يجعله هذا التفكير منحرفا عقليا.؟
((قال ما قلته سابقا :انا بخير, قال ايضا انني محظوظة))
اخذت روز نفسا عميقا . إذا كان الرجل لا يروقها , فهذا لا يبرر تصرفاتها السيئة تجاهه فقد خاطر بحياته لينقذها, اضافت
((وانا كذلك حقا. شكرا لك.))
نظر ماثيو لحظة الى اليد التي مدتها روز نحوه, وحين اعتقدت انه سيتجاهلها, امسك بيدها وصافحها.
من الصعب على المرء نكرانه انجذابه القوي الى شخص تفاعل معه بهذه الطريقة لمصافحة عادية بسيطة , ابتلعت روز ريقها وهي تتساءل عن سبب الرعشة الكهربائية التي ضربت جسمها.
هل احس بها هو ايضا؟
دفعت الفكرة بعيداً , ومررت لسانها على شفتيها الجافتين وهي ما زالت تشيح ببصرها عنه. وجهت كلماتها الى الحائط فوق كتفع الأيسر قائلة بصوت متهدج
((أحتاج فعلاً الى العودة.))
لوى ماثيو رأسه الداكن الشعر قبولاً لطلبها وسألها
((هل قلتِ دار دورثي؟))
ضاقت عيناه وهو يركز تفكيره , على خريطة للمكان في ذهنه..
((هذا صحيح.))
((يقع المكان بجانب طريق أنيرنس, أليس كذلك؟))
رفعت يداً الى رأسها وقالت
((أظن ذلك.))
فيما لاحظ ماثيو حركة روز الدالة على إنهاكها الشديد, تفاجأ لشعوره بغرائز الحماية لديه تتحرك بقوة . ذكر نفسه بحقيقة تلك المرأة, لكن وجد من الصعب ان يوفق بين المرأة المغامرة في ذاكرته وهذه القامة المنهكة البيضاء البشرة التي تغلبت على الموت لتوها..... من دون ان تذرف اي دمعة.
((مرت بكِ احداث شاقة في هذا الصباح, تعالي!))
لا بد انها تشعر بالتعب لآنها لم تعترض حين امسكها من ذراعها ليرشدها على الطريق
.

ماندو 15-05-09 09:38 PM

4.إمرأة وثلاث رجال
**************

سأل ماثيو حين جلس الى مقعد السائق بجانب روز
((هل انتِ متأكدة من ان الطبيب طمأنك انك بخير لتغادري المستشفى؟))
لا بد من التساؤل عن جدارة ذلك الطبيب الذي ارسل إمرأة تبدو على وشك الانهيار الكلي الى المنزل.
هوت روز رأسها إيجاباً , لكنها لم تذكر له ان الطبيب سمح لها بالمغادرة على شرط ان يها احدهم في المنزل.المنزل...... يا للسخرة! بعد ان تخاصمت مع أفراد عائلتها بسبب إصرارها على المغادرة , هاهي تعاني من الاشتياق الى موطنها منذ وصولها الى هنا.
((هل انتقلتِ للعيش هنا ام انك تزورين احدهم؟))
لو ان المتحدث شخص اخر لظنت روز انه يحادثها ليمنحها وقتا تستجمع في قواها. رفعت يديها لتمسح الرطوبة من زاوية احدى عينيها , قائلة
(( لدي عمل هنا, فأنا أنظم مجموعة كتب السيد سميث في بيانات.))
((تنظمين كتباً في بيانات؟))
لم يتخيل ماتيو مطلقاً جواباً مفاجئاً كهذا.
((نعم حين لا انشغل بإغواء الرجال في غرفهم في الفنادق, أعمل أمينة مكتبة))
انفجر ماثيو بالضحك فشعت عينا روز الصفراوان الضاربتان الى الحمرة بضوء قوي.
((ما المضحك في الأمر؟))
نظر ماثيو الى روز نظرة جانبية سريعة.
((حسناً .عليكِ الإعتراف انه ليس..... حسناً! من يراكِ لا يتصور انكِ....))
أدار ماثيو رأسه مجدداً موجه عينية الى الطريق مجدداً, وهز رأسه الى اليمين والى اليسار, وقال
((....حسناً..... انكِ امينة مكتبة , صغيرتي))
بدت الكلمة الأخيرة حميمة لانه قالها باللغة الفرنسية مع انه قصد بها التهكم
((يبدو انك تمتلك فكرة سيئة عن امينة المكتبة! سيد ديمتريوس.))
ثم تابعت في سرها:حسناً روز! لن تعرفي ماذا يفكر به هذا الرجل بالتحديد, آه , سوف تحتاج الى علاج نفسي بعد لقائها بهذا الرجل.
((اتمانعين إن مررت بالمنزل الريفي لأخبر جايمي عما حدث؟))
من دون ان ينتظر إجابة روز , توجه بسيارته الى منعطف حاد, بدت بوابة المدخل التي مر بها كبيرة جداً, لكن الطريق الخاص المحاط بالأشجار من كلا الجانبين , كان مليئاً بالحفر.
قضت روز وقتاً كافياً في ذلك المنزل الريفي, لتعرف ان مليونيراً سكوتلندياً يملكه, ةهة شخص مهم جداً, افترضت ان شخصاً كماثيو يعرفه حق المعرفة.
((هل تقيم هنا؟))
هز ماثيو رأسه وهو يجتاز بصعوبة حفرة على الطريق, وقال
(( شارك جايمي في سباق واحد فقط.....))
((هل أصيب؟))
شرح لها ماثيو
((لا هو فقط يحتاج..... جايمي سائق ذكي, لكنه يفتقر....أفترض انه ليس قاسي القلب بما يكفي , جايمي.....))
توقف قليلاً ثم أردف
(( هو ألطف مني.))
((هذا الشرح غير ضروري , اؤكد لك.))
جوابها هذا أضحك ماثيو. ولم تستطع روز إلا ان تلاحظ مدى جاذبية ضحكته.
*******
قاد ماثيو السيارة الى منطقة مرصوفة بالحصى أمام المنزل. في الواقع , لم يتبق الكثير من الأعشاب الضارة,رغم ان المنزل نفسه, هو مبنى ضخم الطراز مبني من الحجارة المتراصف , بدا مؤثراً.
بدا كأن ماثيو يقرأ أفكار روز حين قال
((يعود الحجر الأصلي ألى القرن الخامس عشر’ وأعتقد انه تعرض للحريق, انتظري هنا , سأخبر جايمي.....آه ! ها هو......))
أدارت روز رأسها في الوقت المناسب لترى رجلين يمشيان حول المنزل, أحدهما طويل القامة, أشقر الشعر, أفترضت انه مالك الارض, أما الآخر فكان رب عملها. بدأت تشد بمقبض الباب كي تفتحه , وفي تلك اللحظة عرفت لماذا بدت لها السيارة المتوقفة في مكان قريب مألوفة.
انحنى ماثيو والتقط ذراعها ثم قال
((ماذا تفعلين؟))
ردت روز وهي تبتعد عنه أكبر مسافة ممكنة
((هذا السيد سميث.))
وأردفت
((أنا انظم كتبه))
أدار ماثيو رأسه في الإتجاه الآخر , صورة رب عمل روز التي تشكلت من قبل هي صورة رجل يكبر هذا الذي يتكلم مع جايمي بعشرين عاماً على الآقل.
((هل تقطنين لديه؟))
هزت روز رأسها إيجاباً. متفاجئة بالتغير الغريب في وتيرة صوته, إلا انها ارتاحت لأن ماثيو لم يعد يضغطها الى مقعدها بذراعه, لم يخطر ببالها قط ان ماثيو لربما يتساءل عن ترتيبات نومها, ولو أنها عرفت ما يجول بخاطره لضحكت بالتأكيد.
روبرت سميث, بالرغم من انه شاب وحسن المنظر , إلا انه ليس جذاباً على نحو مميز, كما انه غير ودود, ولا يملك حس الدعابة.
((ابقي هنا . سأشرح ما حدث))
حياة جايمي بمزاجه المرح الاعتيادي النابع من صميم قلبه.إلا ان ملامحه انقبضت حين شرح له ماثيو ما حدث.
((انت محظوظ لأنك ما زلت على قيد الجحياة , يا صديقي.))
وافقه روبرت سميث
((نعم , هذا من حسن حظك.))
وتابع
((لكنك تقول إن الآنسة هول لم تتأذى , وإن الطبيب أفاد أنها في حالة جيدة . أليس كذلك؟))
((من الواضح انها ما زالت تحت تأثير الصدمة.))
((انا متأكد انها ستنسى الآمر كلياً , حالما تبدأ بالعمل.))
((العمل؟))
توردت وجنتا الرجل الآخر من جراء النظرة التهكمية التي رمقه بها ماثيو))
((في الواقع.....اعتقدت.....لدي جدول أعمل و....))
((تحتاج المسكينة إلى فترة إستراحة.))
تراجع روبيرت سميث بوضوح من وهج الغضب في عيني الرجل الآخر.))
((آه, إن كان هذا ما أوصى به الطبيب , سأحرص على أن.....))
تشدق جايمي قائلاً وهو يضع يده برفق على ظهر الرجل
((روبيرت! لم لا تدخل وتلقي نظرة على تلك الكتب؟ تركتها على الطاولة في الرواق.))
قبل الرجل الآخر الدعوة إلا أنه أندفع نحو اللاندروفر برشاقة قائلاً
((سأذهب لأطمئن على الآنسة هول اولاً.))
قال جايمي بنبرة منخفضة ملؤها التسلية بينما بدأ الرجل الآخر يمشي بإتجاه اللاندروفر
(( أظن أنك أخفته))
قال ماثيو بإزدراء
((أظن أن الرجل ......غبي))
قال جايمي بنبرة جافة
((نعم, هذا ما يبدو))
ثم نظر الى اللاندروفر بفضول وقال
((هو غبي , لكنه جنى الكثير من المال في المدينة, وتقاعد وهو ما يزال شاباً أظن انني سأبيعه بعض الكتب القديمة كسباً للمال , إذ يبدو مهتماً بشأنها , حسناً ّ ماذا عن الفتاة ؟ هل عرفتنا ببعض؟))
استأنف كلامه فيما اقترب من اللاندروفر,
((لم لا احصل على فرصة كي العب دور الفارس المنقذ للفتيات في الأوقات الصعبة؟))
تبعت نظرة ماثيو اتجاه تحديق جايمي, فرأى رزظ تترجل من اللاندروفر بناء على إشارة من سميث, تجعد جبينه وهو براها تهز رأسها الى الأمام والى الخلف متحدثة الى الرجل الآخر , ثم بدأت تمشي بإتجاههما.
((تغيرت كثيرا...... منذ وجودها في موناكو.))
لم يدرك ماثيو انه تفوه بما فكر به إلا حين تكلم جايمي
(( أتعرفها؟ يا الهي, كم يبدو الآمر غريباً




اتسعت عينا جايمي تقديراً , ثم صفر بصوت منخفض بينما اقتربت روز منه , قال لصديقه
((هل من فرصة لتعرفني بها مات؟))
رمقه ماثيو بنظرة ملؤها السخط, ثم رد
(( بالكاد أعرفها ..... التقينا.....))
توقف بعد ان أصبحت روز على مسافة تسمح لها بأن تسمعه, بالرغم من لباسها غير المألوف وشعرها الاشعث, وقفت ونظرت اليهما بكرامة وجمال يكفيان لإيجاد عذر لإندفاع جايمي الطفولي.
قالت وهي تهز رأسها نحو جايمي فيما أضمحلت إبتسامتها حين نظرت الى ماثيو
((مرحبا.))
ثم قالت على نحو مرتبك
(( سيوصلني السيد سميث. أريد أن أشكرك .....لأنك أنقذت حياتي, وآسفة لأنني سببت لك الكثير من المتاعب.))
قاطعها جًايمي متقدماً بخطواته وماداً يده ليعرفها بنفسه
((إنقاذ حياتك؟))
ثم تابع
(( قللت من اهمية انجازك مات))
فيما روق صديقه بنظره جانبية ملؤها التسلية قائلاً
((لكن هذا ما عهدناه في ماثيو, البطل المتواضع.))
بدا هذا البطل المتواضع غاضباً وهو غير مرتاح على الآقل, فيما اتسعت إبتسامته,
أضاف جايمي
((بالرغم من تواجدنا في مكان بهذا الحجم , إلا اننا لم نلتق بسبب عامل الوقت فحسب, انا جايمي.))
((أعرف.....مالك الآرض.))
((في الوقت الحاضر. لكنني اتمنى ان يقوم مات هنا بعمل خارق, ويبقي وكلاء الأ**** بعيداً.))
صعب على روز ان تعرف من نبرته اذا كان يمزح ام لا,لكن ما بان بوضوح هو ثقته بقدرة ماثيو على تحقيق المعجزة . وجدت نفسها تتمنى ان يتمكن ماثيو من القيام بذلك, إذ وجدت ان من الصعب الا يحب المرء مالك الارض الشاب اللطيف,
القت نظرة معبرة على ثيابها قبل ان تحرر يدها. وتلف ذراعها حول جسمها قائلة
((انا روز.... أرجوك أعذرني..... سأذهب وأنتظر في السيارة انها اكثر دفئاً.))
ابتسمت روز للمرة الأخيرة قبل ان تدير رأسها وتنطلق.
قال جايمي بصوت منخفض وهي تعود الى السيارة في مكان قريب
((أظن انني أعجبتها.))
((إذاً ما نوع الكتب التي تود بيعها؟))
بدا للحظة ان تغيير ماثيو للموضوع ناجح, لكن جايمي توقف عن الكلام ووجه نظرة حادة الى صديقه قائلاُ
((موناكو....؟))
هز ماثيو كتفيه وتظاهر بتجاهله الموضوع
((يا الهي انها هي. أليس كذلك؟ الشقراء التي دخلت غرفتك ليلة الإحتفال في السفارة.))
لم تظهر تعابير ماثيو اي شيء زكذلك لسانه الذي امتنع عن الكلام, رغم انه شك في وقت لاحق ان يكون ذلك مجدياً .
((أأعتبر هذا السكوت علامة الرضى؟))
أطلق جايمي صفرة خافتة , أتبعها بضحكة متقطعة, وأقر بأسف
((إمرأة كهذه لا تبدو مناسبة للعمل مع سميث....لأكون صادقاً , لا تبدو روز من النوع الملائم له.))
وأضاف
((ليس لدي الكثير من التجارب فيما يخص النساء اللواتي يحاولن إغراء رجال لم يلتقينهم من قبل. هل كانت عارية تماماً.))
رمق ماثيو جايمي بنظرة جافة خاطفة, فرفع جايمي يده ليهدء من روع صديقه قائلاً
((حسناً! لا حاجة الى الغضب, هل انت متأكد من انه لم يحث شيء؟ أعني , ألم تنشأ بينكما مشاعر محمومة على الجليد؟))
اتسعت إبتسامة جايمي ورفع حاجبه متسائلاً.
لم يرد ماثيو الإبتسامة, بل قال بطريقة غير ودودة
((لديك خيال مفرط, جايمي))
هذه المرة قرأ جايمي مؤشر الإنذار في تعابير الرجل الآخر. فرد بطريقة هادئة
(( إن كان هذا ما تقول.....))
وأضاف
((لكنني أعتقد انك احد الرجال القلائل في الكون اللذين يغضبون كثيراً لرؤية إمرأة جميلة شقراء في سريرهم.))
تحول حاجبا ماثيو الداكنان الى خط مستقيم فوق أنفه المعقوف . ثم قال والسخط في صوته موجه على الأغلب الى نفسه
((لا أعرف ما الذي دهاني لكي أخبرك عن الموضوع؟))
ذكره جايمي
((لم يكن لديك خيار بعد ان سمعتك توبخ طاقم الفندق لتقصيره في حماية خصوصية غرفتك.))
وتابع
((ألم تشعر بالإغراء لتأخذ ما عرض عليك؟ أعني, تبدو روز جذابة حقاً.))
تبعت تنهيدته الطواقة إبتسامة وقحة؟ إبتسامة أثارت لدى ماثيو مشكلة ما, إلا ان جايمي استكمل تفكيره بالشقراء غافلاً عن حقيقة مواجهة صديقه لدوافع عنيفة
((أتساءل اذا كانت ترغب بأن تأتي وتنظم مجموعة كتبي بعد ان تنهي عملها مع سميث؟))
فجأة أضمحلت نظرة جايمي الماكرة الهزلية والموحية امام ومضة الغيظ الشديدة التي ظهرت على وجه صديقه.
في تلك اللحظة تنحنح روبرت سميث معلناً وجوده.
استدار الرجلان بإتجاهه في اللحظة نفسها
((انا متأسف جايمي , لآن الكتب.... حسناً ! ليست هي ما ابحث عنه.))
تقبل جايمي الخبر بهزة من كتفه تعبر عن هدوء باله وقال
((حسناً! ليس بالآمر المهم.))
((لدي صديق قد يبدي اهتماماً بها, سأذكر له الموضوع إذا احببت. بالرغم من ذلك اخشى انها غير قيمة حقاً))
سمع ماثيو نفسه يقول
((سسأشتريها؟))
تفاجأ جايمي بالعرض بقدر ما تفاجأ به ماثيو. فقال
((لا تعرف اي نوع من الكتب هي.))
((لدي رف كتب فارغ.))
((حسناً إذاً سأنصرف.))
تجعدت شفتا ماثيو في إبتسامة إزدراء وسأله
((ماذا بشأن الجدول؟))
كافح الرجل الآخير ليرد الإبتسامة
((سوف نرى....أشكرك مجدداً لمساعدتك الآنسة هول.))
ضاقت عينا ماثيو فيما راقب سميث وهو يركب السيارة قرب روز؟ وعلق قائلاً
((لا احب هذا الرجل.))
قاوم جايمي إبتسامة وقال مربتاً على كتف ماثيو
((وقد أخفيت هذا الآمر بشكل جيد.))
ثم تابع
((بما انك تحقق نجاحاً مع أصحاب رؤوس الأموال , ماذا عن وضعي المالي, هل ثمة بصيص امل؟
مدركاً هم صديقه الحقيقي, ذلك الهم الكامن وراء إستخفافه وطيشه, حوّل ماثيو مسار تفكيره عن أمينة المكتب , وهي احتمال بعيد, الى وضع صديقه المالي مجدداً.

ماندو 15-05-09 09:43 PM

5.أريد عملاً
********

((أنا آسف, آنسة هولي. إنني مضطر إلى تركك تذهبين.))
أطبقت روز فكيها , وأدارت رأسها , وراحت تحدق خارج النافذة من دون ان ترى مشعهد هايلاند الساحر المغطى بقشرة من الثلج, ضغطت عينيها بقوة ,هزت رأسها يميناً ويساراً. لم تكن لديها أدنى فكرة عما سيحدث بعد هذه الكلمات, لكنها لم تكن تتوقع ان تؤمر فجأة بمغادرة المكان.
((تركي أذهب؟))
((أعتقد إنه لم يعد بإمكانننا العمل معاً.))
((هل تصرفني من عملي؟))
طغى الشعور بالإندهاش على شعور روز بالغضب, وعلى الأرجح أن هذا الأخير سيأتي لاحقاً...... وهذا ما حصل فعلاُ. تابعت تقول
((لكنني لا أفهم. هل لديك أي شكوى على عملي؟ أتقول ذلك بسبب قضائي بقية النهار في لبسرير البارحة؟ في الواقع, كنت لأعمل لو.........))
أقر روبيرت سميث بصرامة
((كان عملك جيداً((
ثم أردف
((إلا ان أموراً اخرى لفتت إنتباهي.))
((أي أمور؟))
بدأ روبرت يحرك أشياء على طاولته من دون ان يوجه نظراته إليها.
وأجاب
((فكرت بالآمر قليلاً البارحة.))
ثم تنهد ورفع رأسه وأردف
((ولسوء الحظ, أستنتجت انه من غير الملائم لإمرأة مثل......))
توقف روبيرت عن الكلام وتنحنح
((لإمرأة مثل ماذا؟))
زم روبيرت شفتيه, وأخفض نظراته الخالية من الحماسة وراء نظارتيه ذات الإطار العظمي, وقال
((هذا مجتمع صغير, وليس ثمة أسرار تخفى, إن مغامراتك الباهرة روز , ستصبح شائعة على كل لسان.))
كررت روز وهي لا تزال جاهلة عما يتكلم
((مغامراتي الباهرة؟))
اعترف روبيرت
((إن الناس هنا ذو أفكار قديمة الطراز, وبما إنني أخترت السكن هنا, علي ان احترم قيمهم, ساورني بعض القلق في البداية بالنسبة إلى بقاء فتاة يافعة مثلك هنا......))
فكرت روز , يا إلهي, هل يظن كل رجل ألتقي به أنني أنوي أغواءه؟ فيما تابع روبيرت
((لكن بما انكِ كفوءة ازحتِ قلقي جانباً. أما الآن , أصبح هذا غير ممكن مع تاريخك المشكوك فيه.))
ضحكت روز ولم تتمكن من كبيت نفسها, إذ بدت الفكرة مثيرة للضحك حصقاً, وما لبثت ان صعقتها بومضة ساطعة, ضاقت عيناها وسألته بصوت هادئ خطير
((هل تحدثت الى ماثيو ديمتريوس؟))
لم يكن من داع لقوله""سرك محفوظ عندي"" فهو لم يُطق إنتظاراً لينشر أكاذيبه الوضيعة.
يا له من حقير ! لم يكتفِ بإهانتها شخصياً, بل عقد النية على التصرف بخبث متعمد ليقضي على سمعتها, أو بالأحرى سمعة ربيكا. يا له من مغفل مخادع حقود.
((بالطبع سأدفع لكِ أجركِ حتى نهاية الشهر))
إلا ان روز وجدت نفسها غير قادرة على الإمتناع عن إخبار رب عملها السابق انها لن تمس ماله , ولم يُبدِ روبرت إستعداداً لتكرار العرض عليها, لا سيما بعد ان صارحته برأيها فيه.
******
طلبت روز من سائق السيارة ان ينتظر, وبدا ذلك قراراً متهوراً نظراً إلى وضعها المالي لكنها لم تشأ ان تلتمس من احدهم ان يوصلها الى المحطة بعد ان تفجر قنبلتها في الداخل.
من قتح لها الباب الضخم المصنوع من خشب السنديان لم يكن خادماً مرتدياً زيه الرسمي , بل شقيقة جايمي ماكغريغور التي تمضي إجازتها المدرسية في المنزل . تحولت نظرة الصدمة في عيني الفتاة الى إبتسامة حذرة. وقالت بإرتباك.
((آه مرحباً, رأيتك البارحة, ربما انتِ لم ترينني.))
كانت روز منشغلة البال جداً لتسأل عن سبب تصرف المراهقة الغريب.
((لا , لم أركِ))
((تعملين للسيد سميث؟))
((لم أعد كذلك.))
((هل تريدين جايمي؟))
((أريد ماثيو.))
لاحظت الفتاة الصغيرة عزم روز من خلال خديها المتوردين وعينيها الغاضبتين , وأسنانها المطبقة بقوة , فأطلقت ضحكة متوترة
((انا آسفة....... الأمر إنه..... لا أظن ان......))
قاطعتها روز
((لا أكترث إذا كان مشغوزلاً او غير مستعداً أو أي شيء آخر, لآنني أنوي رؤيته سواء أراد رؤيتي أم لا.))
((انا حقاً.....؟ إنهما....))
((أريد ماثيو.))
((كم أشعر بالإطراء!))
استدارت روز على عجل وهي تدير رأسها مستعدة للجدال لدى رؤية قامة ماثيو الطويلة تظهر فجأة بالقرب من كتف الفتاة, ارتفعت نظراتها من حذائه المصقول المصنوع يدوياً إلى شعره اللامع, كانت هذه المرة الآولى التي تراه فيها بثياب رسمية جداً عبارة عن بذلة وربطة عنق, عليها ان تعترف بأن ماثيو ببذلته هذه بدا رائعاً وشديد الوسامة, فقد بدا طويل القامة جذاباً. وأبرزت الخياطة المتقنة لسترته الداكنة ذات القصة الأنيقة عرض كتفيه الواسعتين كما ان سترته المفتوحة أظهرت تحتها قميصاً بيضاء مصنوعة من قماش رقيق.
((ما الذي تقصده من وراء إختبائك بهذا الشكل؟))
رفع ماثيو أحد حاجبيه بسخرية , ثم أرخى عقدة ربطة عنقه, وسمح لعينيه ان تجولا فوق ثنايا جسدها, ففي الواقع هو لم يستطع ان يكبح نفسه عن هذا الآمر, قال شارحاً
((انا في طريقي إلى إدنبرغ.))
وبما ان ماثيو يملك النفوذ الإقتصادي, الذي يتماشى مع اسم ديمتريوس , استطاع ان ينظم لقاء مع المصرف الذي يهدد بآلا يمد جايمي بالمال , خلال بضع ساعات فقط.
أعترض أصحاب رؤوس الأموال على الفكرة في بادء الأمر, ولكنهم أحبوا خطته بعد حين, وأعتبروها مبتكرة وجريئة.
وضع ماثيو شرطاً واحداً فقط, وهو ألا يعرف جايمي مطلقاً هوية المستثمر الجديد.
نظر بحرص إلى وجه زائرته المحمر غضباً ولوى رأسه , ثم قال من دون ان يصرف نظره عن روز ,
((أفيونا أظن ان جايمي كان يبحث عنكِ))
بعد لحظة من الإمتناع وبعض النظرات الفضولية , أنصرفت الفتاة اليافعة.
((هل يمكنني ان ادخل ام علي ان التف كي أدخل من مكان أخر؟))
انحنى ماثيو قليلاً وخطا بضع خطوات إلى الوراء ليسمح لروز بالدخول, ثم دفع أحد الأبواب التي تؤدي إلى الردهة ليفتحه قائلاً
((يمكننا ان نحصل على بعض الخصوصية هنا.))
همهمت روز وهي تتبعه الى داخل الغرفة
((أصبحت تقدر الخصوصية فجأة , اليس كذلك؟))
راقبته وهو ينحني ليرمي حطبة من كومة الحطب الموضوعة قرب الموقد الحجري الكبير على النار , ما أعطى بريقاً إلى الغرفة المعتمة, قرقعت الحطب في النار الملتهبة , كذلك فعل مزاجها حين إستدار ماثيو, اسند كتفيه إلى رف الموقد الحجري الناتئ , ثم قال بتهذيب
((كيف يمكنني ان أساعدك؟))
((اتركني وشأني.))
أطبقت روز على شفتيها لتمنع انفلات المزيد من الردود الطائشة التي أعطته فرصة لينظر اليها بتلك الطريقة القوقية.
تحسّر ماثيو وعيناه تلمعان بسخرية , بينما راح يفك ربطة عنقه بلا مبالاة
((كم تتغير الأمور.))
ثم أضاف
((ظننت بأنكِ مختلفة روز.))
نظرت الى وجهه بحقد متجدد
((كنتِ معجبة بي أكثر فيما مضى, لكن المرء يعرف من هم أصحابه الحقيقين حين يخلف وراءه سحر حلبات السباق.))
((أنا متأكدة من انه ما زال لديك جمهور من الطفيلين المستعدين ليعتبروا كل رأي أحمق لك ذكياً ورائعاً, فالرجال أمثالك محاطون دائماً بأشخاص كهؤلاء.))
((هل عرفت رجالاً كثؤاً مثلي؟))
((لا لحسن حظؤي! لو أحسست بأحدهم يقترب من جهتي , لأبتعدت للجهة الاخرى.))
زم ماثيو شفتيه وأصدر صفرة خافتة وقال
((أحدهم يعاني من مزاج سيء هذا الصباح.))
((هذا الصباح كان لدي مكان آوي إليه.))
ابتعد عن رف الموقد الحجري, وخطا بإتجاه روز
((والآن ألم يعد لديكِ واحداً ؟))
((لا, لامكان آوي إليهِ ولا عمل.))
(( هل استقلتِ؟))
((لا, تم صرفي من العمل.))
((هل صرفكِ سميث؟))
بدا على تعابيره الإذدراء وهو يفكر فب الرجل الأخر ثم أضاف.
(( لم أتوقع حصول هذا.))

هذا الأمر يفسر مزاجها السيء بالطبع, لكنه لا يفسر وجودها هنا.
أغضبتها نبرة التسلية في تعبيره وقالت
((كاذب.))
تجمد ماثيو. سألها
((بماذا نعتيني؟))
رفعت روز ذقنها وهي مستعدة لمحاربته , ووضعت يديها على وركيها , لن تسمح له بأن يخيفها , بالرغم من تلك النظرة التي أوحت بأنه أشبه بحيوان غاب مفترس على وشك الإنقضاض.
رفعت ذقنها أكثر. وردت
((سمعتني.))
ثم أضافت
((لديك صفات كثيرة لكنك لست أحمق.))
أجاب ماثيو وصوته يقطر سخرية
((شكراً))
((كان يجب عليك ان تفكر بالنتائج حين أخببرت الجميع أنني إمرأة مستهترة.))
((لم أقل شيئاً من هذا النوع لأي كان))
توقف ماثيو وبدا على وجهه ملامح فهم مؤلمة , بينما صفع جبينه بيده وشتم.


رفعت روز رأسها بعنف وقالت
((حسنا أفترض انه نوع من الكلام الذي يمكن ان ينساه اي كان.......))
نظر اليها وهو مقتطب الجبين قلقاً وقال
(( لا أصدق إنه صرفك.))
أجابت روز
((ولا أصدق انك مهتم.))
ثم تابعت
((لكنني لا اعرف حقاً لما يصعب عليك تصديق الفكرة , ماذا توقعت ان يفعل رب عملي حين أخبرته أنني إمرأة فاسقة ........أن يزيد راتبي؟))
ارتجفت شفتاها , وأنزلقت دمعة من زاوية عينها, همهمت روز وهي تزيلها
((اللعنة,))
انخفض رأسها وهي تكافح لتستجمع قواها , بينما تأمل ماثيو انحناء رأسها وراقب كتفيها النحيلتين المحدودتين وهما ترتجفان :احس بحاجة غريبة حثته ليأخذها بين ذراعيه , تبعتها حاجةمماثلة قوية جداً ليخنق رب عملها الغبي.
((أنا لم أخبره القصة.))
توقع ماثيو ان تقاوم روز حين وضع يداً عند أسفل ظهرهها ووجهها تجاه الكرسي الأقرب , لكنها لم تفعل , قال
(إجلسي قبل ان تسقطي على الارض.))
نفاذ صبره اخفى القلق الذي لم يشأ ان يحس به, لم عليه ان يشعر بالمسؤولية ؟ ليس خطأه أنها عملت عند شخص محدود النظر الى الأمور وغير متسامح, مهما كان ظنه بها, فماثيو لم يختلق حكايات بشأنها, ظهر الشك على وجهه ثم قال
(( لم أخبره القصة قط, أفترض انه سمع شيئاً مما قاله جايمي.))
ازالت روز شعرها عن وجهها بساعدها , ونظرت عالياً الى ماثيو, غير مصدقة ما تسمع, وصاحت
((يا إلهي , هل من احد لم تخبره بعد؟))
((كان جايمي في الفندق تلك الليلة . سمعني أتذمر من أمن الفندق وأنتزع الخبر مني بالحيلة حين رآكِ خمن......))
قاطعته روز
((لا بد انك اخبرته ببعض التفاصيل.))
((جايمي لا يفوته شيء, وإذا كان يريحك , فقد سقطت منزلتي من عينيه منذ رأكِ))
مع إبتسامة جافة, رفعت روز رأسها وقالت
((أشك في هذا.))
((أعتقد أنني انا.....المذنبة.))
التفت الأثنان في وقت واحد بينما تأرجح الباب إلى الداخل لتظهر منه فيونا, وقد بدت على وجهها إمارات الشعور بالذنب.))
انتفض ماثيو في إستنكار وسألها
((فيونا! هل كنتِ تسترقين السمع؟))
((نعم......لا, الآمر هو انه..... لم يكن الآمر مقصودا في تلك المرة.))
ارتفع حاجبا ماثيو تعجباً
((تلك المرة.))
انزلقت عينا فيونا من عيني ماثيو , بينما مشت متثاقلة بائسة وهمهمت
((سمعتك وجايمي تتكلمان عن موناكو وعن الفندق و.....))
ثم رفعت عينيها بإتجاه روز ةتابعت
((....عنكِ ....قالت غرايس....))
مرر ماثيو يداً على فكه وتساءل
((من هي غرايس؟))
كررت فيونا وهي تبدو ناقمة
((من هي غرايس؟))
وتابعت
((انت تعرف من هي , لطالما كانت صديقتي المفضلة , منذ كنت في سن الرابعة , على اي حال.... يدير أبوها مركز التسلق. أخبرتها بالآمر عبر رسالة إلكترونية , وهي راسلت إيلي, وعلى الأرجح ان إيلي ارسلت ارسلت بريدا إلكترونيا الى بضعة أشخاص اخرين.))
تنفست روز بإرتجاف وقالت
((آه , يا إلاهي, ليس سميث وحده من عرف بهذه القصة.))
سمع ماثيو النبرة الهستيرية في صوتها لأنه نظر اليها بغرابة قبل ان يهز رأسه بعنف بإتجاه المراهقة ويصيح
((اخرجي))
خرجت فيونا من الغرفة بسرعة, فيما ارتفع صوت روز وهي تقول
((طالما انني اعمل جاهدة, فحياتي الخاصة لا تعنيه, هذا المتزمت المنافق, قال إن الناس قد يأخذون فكرة خاطئة عن علاقتنا, هي تتخيل ذلك؟))
ثم أضافت مع ضحكة مريرة
((علاقة مع ذلك الغريب البارد ..... يا إلاهي.))
وهمهمت
((أفضل العلاقة معك.))
((آه , اشعر بالإطراء.))
فكرت روز ان المقابلة لا تسير كما هو مخطط لها.
نصحته قائلة
((لا تشعر بهذا.))
وأردفت
(( إن كان من شخص أحتقره اكثر من متزمت منافق, فهو رجل يتباهى بفتوحاته امام الرجال الأخرين.))
ارتفع حاجبا ماثيو الداكنان , وسألها مستغربا
((فتوحات؟))
وتابع
((لا شك ان ذاكرتك للمناسبة مبهمة, لكننا في الواقع , لم......))
((لآنني لم اكن مناسبة كفاية.))
على الرغم من إحساسها بالمذلة لرفضها بإسم أختها, أحست بالإرتياح ايضا لأن ماثير قاوم تقرب ريبيكا, لأنه لو لم يفعل لشعرت بالغيرة!
خطفت روز نظرة الى الرجل المسؤول عن إحساسها الغريب هذا, لم تشعر قط بالغيرة من شقيقتها التأم بالرغم من وجود سبب لذلك. لطالما كانت ريبيكا هي الموهوبة , والنحيلة والشغوفة . وهي التي ينجذب اليها الرجال. إلا ان ماثيو لم يكن واحدا منهم.
((كنتِ ثملة.))
بغضب شديد قالت روز من وراء صرير أسنانها
((لم أكن انا.))
وتابعت
((كم مرة علي ان اقول لك ذلك؟ يا الهي ! ألم يخطر ببالك انه ربما كان هناك سببا لتصرفها ذاك؟ سبب لا علاقة له بكونك لا تقاوم. ما دفعها لتفعل ما فعلته تلك الليلة؟ ألم يخطر ببالك أنها ربما كانت تمر بوقت حرج في حياتها؟ ربما اكتشفت ان خطيبها الرجل الذي تخلص منها في المذبح , شاذ.)
راقبها ماثيو بينما توقفت عن الطلام لتحبس أنفاسها, فكر ان استعمال روز صيغة الغائب هو على الأغلب نوع من إنكار الذات.....
((أكنتِ مخطوبة وعلى وشك الزواج؟))
ظهر تغير في صوت ماثيو العميق لم تسطع روز ان تفهمه تماما. لكنها عرفت فورا انها ارتبكت خطأ تكتيكيا.
أغمضت عينيها يقوة, وهمهمت ساخرة في سخط مطلق, بعدئذ رفعت صوتها عاليا وقالت
))لست انا. لسنا نتكلم عني.))
لكن بدا على ماثير انه يتكلم عنها.
((بالطبع , لا.))
قال هذا بطريقة غير صادقة ما حثها على الصراخ, أخفض ماثيو بصره لينظر الى يديه, فوجد انه مشدودتان في قبضتين من كلا الجانبين, أخذ نفساً عميقاً وأجبر عضلاته المتوترة ان ترتاح.
من كان خطيبك؟))
((اسمع لا اريد حقاً مناقشة حياتي الخاصة معك.))
((على الأقل تعترفين الآن انها حياتك الشخصية.
قلبت روز عينيها في سخط , ما نفع نكرانها ما دام ماثيو لن يقتنع؟
أما هو فأردف
((لا بد انها كانت صدمة لك,و أفهم هذا, لكنني متأكد من انك لو تأملت في الاحداث الماضية , ستوافقين على ان الثمالة وإغواء الغرباء ليس رد الفعل الآذكى.))
((من الواضح انك لم تقع في الحب قط))
تأملت روز وجهه في نفور, وفكرت بأنه رهان آمن بوجود حشد من النساء اللواتي يحمن حوله مبهورات بإرثه, وملامحه الداكنة الجذابة وإبتسامته الساحرة.
زم ماثيو شفتيه وومضت عيناه الداكنتان بطريقة لا تثق روز بها. وقال,
((لا يجدني البعض لا أقاوم كما تجدينني انتِ.))
((شخص مثلك يمتلك القوة والمركز والمال , يجد الكثير من النساء المستعدات ليتغاضين عن عيوبه الكثيرة.))
((لست مترفقة في الحكم على النساء.))
((أشك في ان يكون لدي اي قاسم مشترك مع معجباتك.))
التفكير بهؤلاء المعجبات لم يحسن مزاجها على الإطلاق. ذعرت روز حين بدر من ماثيو ضحكة خالصة وجذابة, شعرت بالحذر بسبب شعور التوتر الذي أصاب معدتها.
سارعت الى القول
((قلت ما جئت لأجله, انا ذاهبة الآن وسوف.....لا....))
توقفت روز عن الكلام ورفعت عينيها المتوهجتين إلى عينيه قبل ان تضع حقيبة كتفها بثبات شديد قرب الكرسي, وقالت
((لست ذاهة الى اي مكان.))



لا مجال لذلك . رات الان انه من السخيف ان تتوقع منه حتى القليل من الندم. هذا الرجل بعيد كليا عن الرآفة.
((قلبت حياتي رأسا على عقب , ويمكنك ان تصلح الآمور.))
انجلت الإبتسامة على وجه ماثيو وأجاب
((وكم سيكلفني إصلاح الأمور؟))
حدقت روز بماثيو بحيرة
((يكلفك؟))
وبعد ان إستوعبت ما قصده , اضمحل اللون من وجنتيها, في الوقت الذي إجتاحتها موجة من السخط الثائر, هذا الرجل الكريه لا يتفوه بكلمة من دون اهانتها.
صرخت بصوت مرتجف
((أتظن انني اطلب منك مالا؟ لن أخذ المال منك ولو كنت مايتة))
نظر ماثيو اليها اخذا بعين الإتبار وقال.
((في هذه الحالة لن ينفعك المال, لكن بما انك على قيد الحياة....))
انتقلت نظراته من الغيظ المتوهج في عينيها المشعتين لتتأمل ملامح وجهها الناعمة.
أعلنت روز
((لا اريد مالك, اريد عملا.))
بدا على ماثيو الإرتباك قبل ان يردد خلفها
((عملا؟))
((نعم اريد عملا , اريد ان استعيد ما كان متوفرا لي قبل ان تقرر تشويه سمعتي امام كل من يستطيع الاستماع اليك.))
((لم افعل هذا, قلت لك....))
قاطعت روز شرحه المضجر بتلويحة من يدها تنم عن مللها قائلة.
((نعم, نعم, يبدو لي في ظل الظروف الراهنة ان هذا اقل ما يمكنك فعله, تشويه سمعة الآخرين يعبر جريمة.))
هزت كتفيها ةابعدت نظارتها عن وجهه , وفكرت ان وسامته الخطيرة المغرية التي لا تقاوم ينبغي ان تعتبر جريمة ايضا.
تابعت قائلة
((وانا متأكدة ان لديك فريقا من المحامين الذين يهمهم الا يقال او ينشر عنك كلام لا تحبه.))
أقر ماثيو
((ليست بقفكرة سيئة جدا.))
سألت روز متأملة تعبيره المهيب بإرتياب
((هل تسخر مني؟))
تقدم ماثيو خطوة من روز ونظر اليها وهو يميل برأسه الداكن الشعر الى جهة واحدة, اقترح بنعومة.
((يمكنك مقاضاتي.))
لازمت روز مكانها بالرغم من ان كل غريزة تملكها راحت تصرخ في داخلها وتدفعها للركض,فالتواجد بهذا القرب منه جعلها تشعر بوخز خفيف في أصابع رجليها وبإرتعاش في معدتها.
((لا تظن انني كنت لا اتوانى عن فعل ذلك لو.....))
توقفت روز عن الكلام وهي تعض شفتها .
((لو.....ماذا؟))
صرخت
((إذا كنت تملك ذرة من الأخلاق فإنك لن ترضى بأن تسبب في قطع ارزاق الآخرين, يجب ان تقر بأن خسارتي وظيفتي هي خطؤك, وأن تفكر بتسوية الآمر.))
راقبها ماثيو وهي تتنشق بغضب ما سبب لها رجفة لا يستهان بها. راحت العينان الذهبيتان المتوهجتان اللتان التقتا عينيه تلمعان تحت تأثير دموع الغضب , ابتلع ريقه وكرر بصوت اقل ارتفاعا من المعتاد
((تسوية الآمر؟))
في تلك اللحظة بالضبط, الشيء الوحيد الذي اراد ماثيو فعله هو سحبها الى ذراعيه ومعانقتها.قبل اربع سنوات, قدر ماثيو جمال المرأة التي قدمت نفسها له , لكنه لم يشعر بالإغواء,, لم يكن من انسجام بينهما, والآن هو لا يحتمل ان يتواجد في الغرفة نفسها معها. او حتى يسشم رائحة عطرها من دون ان يشعر برغبة جامحة تجاهها.
ظهر بين حاجبيه الداكنين المحددين ثلم مذهل, وانجرفت نظرته المتأملة بإتجاه ملامح وجهها الناعمة. لقد اشتهرت عنه قدرته على السيطرة على نفسه, ولطالما التقى نساء اكثر جمالا , فما هو سر هذه المرأة؟ ما الذي يجعلها قادرة على التأثير فيه؟ ولماذا الآن, وبعد اربعة اعوام؟
((لكن بالطبع شخص مثلك لن يفهم ما عنى ان يخسر المرء مهنته.))
ازدادت نظرة روز الغاضبة حيرة وهي ترتاح على وجه ماثيو الداكن, تابعت تقول بحدة,
((انت شخص يعرف معنى خسارة مهنة ما, ليس لكل منا دخل خاص يعتمد عليه.))
((لديك عائلة تعودين اليها, لن تموتي جوعا.))
((لدي عائلة. ولدي مدخرات , لكن لا يكمن لب الموضوع هنا , انا في السادسة والعشرين من عمري , ولا اريد ان اترك اهلي ينفقون علي, ))
كذلك لم تكن روز تريد ان تسمع من احدهم: الم نقل لك هذا؟.
((تفترضين اني عشت غنيا مدللا اليس كذلك؟))
من الصعب ان تتخيل أي شيء اقل دلالا من حياته الى حد بلوغه الخامسة عشر من عمره, إلا ان تلك السنوات حين كان ماثيو وامه فحسب يعيشان الحياة التي يعتبرها البعض حياة محرمة كانت الفترة الاكثر سعادة في حياته.
لم تكن لدى ماثيو اية طموحات مادية حين ادرك اندريوس انه ابنه, لكن في السنة الاولى بعد إدراكه هذا , مرت مناسبات عديدة تمنى فيها ماثيو ان يعرض عليه احدهم فرصة الرجوع الى الحياة التي عاشها قبل معرفة اندريوس , ولو حصل ذلك لقبل العرض دون تفكير.
شعرت روز بفورة غضب . تشدقت بكلامها ساخرة
((سأفترض هذا وانت تقف ببذلتك المزخرفة الفاخرة وحذائك الإيطالي اليدوي الصنع.))
وأضافت
((ر افترض انك قضيت الليالي قلقا بشأن دفع الفواتير.))
أقر ماثيو معترفا
((لا, لكنني كنت بحاجة الى....... ما هي العبارة؟ أن اقترض من شخص ما لآرد ما أقترضته من شخص اخر.))
نظرت روز اليه بإنزعاج وقالت
(( آه, نعم, انا متأكدة ان هذا كان عسيرا جدا.))
لمعت في عيني ماثيو ومضة لهو ساخرة, فيما رفع كتفيه في هزة خفيفة جدا لكنها معبرة وقال
((ربما انتِ متفاجئة.))
نظرت روز إليه بإشمئزاز , فبادلها النظرة مع إبتسامة خافتة وثقة جذابة تغلغلت الى داخل عظامها.
رفعت رأ
سها اليه فجأة وردت
((متفاجئة بالطبع لآن رجلا يضع ساعة يد تكفي لشراء بضعة منازل يعرف ما معنى ن تمتلك القليل من المال.))
ثم عقدت ذراعيها فوق صدرها وتابعت بسخرية
(( بصراحة, نعم , انا متفاجئة.....متفاجئة جدا..... فأنت وريث لثروة ضخمة......لثروة خيالية.))
عادت تقول بمرارة
((أتفاجأ اذا كانت معلقتك الفضية مغطاة بالماس.))
ثم سألته بحنق كردة فعل على ضحكته الجافة
((ما المضحك في الآمر؟))





اختفى البريق الساخر من عيني ماثيو تاركا تعبيره كئيباً وهو يقول.
((لم تكن لدي ملعقة فضية دائماً يا روز.))
قذفته روز بنظرة ساخطة ومالت بعيداً, او انها كانت ستفعل لو لم يمسكها ماثيو من كتفيها
((هل تمانع؟))
اجبرت نفسها على ألا تنظر الى الصورة المزعجة لآصابعه النية الملتفة حول الجزء الأعلى من ذراعها. طالبته بالرغم من ان جسمها الخائن بكليته كان يقوم بأفضل ما لديه ليكذبها
((لا استمتع بلمسة يدك علي.))
لحسن الحظ ان ماثيو لن يعرف عن الشعور بالدفء والليونة والخفقان التي راح يتخبط في معدتها.
((ولدت في شقة مكونة من غرفة واحدة في منطقة في باريس لا يزورها السياح.))
الكلمات التي صدمتها حرفياً وأسكنتها انفجرت من بين شفتي ماثيو بقوة جعلتها تخطو لا إرادياً خطوة الى الخلف, في جزء من الثانية , رأت روز ومضة من الصدمة في عينيه , بدا تقريباً منفاجئاً مثلها بما تفوه به من كلمات
((في الواقع لا يقوم احد بزيارة تلك المنطقة إلا إذا لم يجد خياراً اخر.))
لم تبلغ إبتسامته القلقة عينيه, فيما أضاف
((لكن هذا لا يمت الى الموضوع بصلة.))
اشارت الكلمات وكذلك تصرفه ألى نيته بإقفال الحديث عن ههذا الموضوع , مع انه هو من أثاره.
اشتد فكا ماثيو على خلاف جسده, لم يفهم اي نبض حثه على ان يتفوه بمعلومات شخصية بهذه الطريقة.
بدا الآمر غريباً , لقد قال أندريوس ما هو اسوأ , ومع ذلك فشل تماماً في ان بحصل على إنتباهه. لكن لسبب ما , ذكرها الملعقة الفضية ضايقه ودفعه الى هذه الإعترافات , منذ متى يعطي ماثيو اهتمامه لما يفكر عنه الآخرون ؟ ما الذي يهمه إذا إعتبرته روز هول ولداً غنياً مدللاً شُب ليصبح رجلاً مدللاً فاسداً؟
ارتفعت رموشه عن عظام خديه البارزين وقال
((لا شيء. انسي ما قلته.))اعترضت روز
((لا تستطيع ان تقول شيئاً كهذا وتتركه معلقاً ))
هز ماثيو كتفيه هزة فرنسية الطابع وأجاب
((لم لا؟ أنا لست موضوع هذا الحديث.))
من المحتمل ان تكون صحته العقلية هي الموضوع, للمرة الأولى في حياته شعر ماثيو بالقلق كم انه بدأ بالكلام , فلن يهعرف متى يتوقف, أعطى هذه المرأة لمحة عن نفسه كان يجب ان تظل خاصة.
((أبوك هو أندريوس ديمتريوس ,أليس كذلك؟))
الرجل الأغنى تقريباً في أوروبا, وماثيو هو وريثه, كيف يمكن ان يكون ما يقوله صحيحاً.
صدر عن شفتي ماثيو المطبقتين بإحكام همهمة , ثم كشف عن أسنانه بإبتسامة مفترسة, وأخفض بصره نحوها,أما روز فلم تكن لديها فكرة عما فعلته لتستحق غيظاً كهذا.
((أرتيدين التفاصيل المشوقة؟))
ضرب الهواء بقبضته في حركة تنم عن إحباط . وأضاف
((أندريوس هو أبي. لدي نتائج الحمض النووي كإثبات , لكن امي ......))
وتابع بنفس الطريقة العازمة
((.....لم تكن زوجته, كانت امي فتاة يافعة أنجبتني بعد تسعة أشهر من ليلة عابرة.))
((إذاً انت.......))
((ولد غير شرعي, نعم))
احمرار وجنتيها خجلاً جعلت إبتسامة ماثيو الساخرة تظهر على وجهه.
علقت روز
((ألم تكن على اتصال معه.....مع ابيك..... حين كنت صغيراً؟))
برزت ثنية على جبينها الناعم وأضافت
((لا شك انه أعطى امك دعماً مادياً؟))
((لم أعرف من هو ابي إلا بعد وفاة أمي.))
((ألم تسأل ؟ ألم تكن فضولياً؟))
لم يتكمن عقل روز من تقبل فكرة ان طفلاً مثله لم يكن يود معرفة جذوره.
هز ماثيو رأسه الداكن الشعر مجيباً بالنفي وأجاب
((كنا على ما يرام , نحن الاثنين فقط.))
((هل كان يعرف؟))
((عني؟ من الواضح انه لم يعرف , انتقلت للعيش معه بعد وفاتها بستة اشهر.))
قال ماثيو هذه المعلومة بنبرة جافة غير معبرة, لكن ما أفصح عنه حتى الآن جعل من الصعب عليه ان يكبت مشاعره. يا الله ! ما السر الكامن في تلك المرأة كي تجعله يتفوه بأسرار إحتفظ بها طويلاً؟
علقت بحزن
(( من المحزن ان تكون امك لوحدها......))
((لم تكن وحيدة, كنت معها..))
((كم كان عمرك حين توفيت؟))
((خمسة عشر عاماً تقريباً.))
((واين كنت خلال الستة اشهر قبل ان تنتقل للعيش معه؟))
مرر ماثيو يداً على فكه وهز راسه.
((بقيت في الشقة وعملت كعامل بناء لأدفع الإيجار.))
لم يتلفظ بهذه الكلمات لأحد قبلها, ولا حتى لجايمي , صديقه المفضل.
صاحت روز وقد اتسعت عيناها من الصدمة
((لكنك كنت في الخامسة عشرة من عمرك فقط.))
((كنت طويلاً بالنسبة الى عمري.))
((ليس هذا ما عنيته, كنت صغيراً..... ما كان يجب ان تترك وحدك هكذا, كان يجب ان تتواجد في المدرسة.))
((حين مرضت امي لم أعد اذهب الى المدرسة, ثم.....))
هز ماثيو كتفه هزة تنم عن الإستهتار ,ثم قال مغيراً الموضوع فجأة ,
((إسمعي ! سواء صدقتِ ام لم تصدقي, أنا اسف لأنكِ خسرتِ عملك لكن ليس لدي مكان شاغر يناسب اهليتك.))
((انا امينة مكتبة كفوءة , لكنني لم أعمل في الكتب دائماً.))
لم تستطع روز ان تزيل صورته من رأسها وهو حبي صغير وحيد مجبر في بادئ الأمر على الإهتمام بأمه التي تحتضر , ثم على إعالة نفسه بنفسه , آلمها قلبها الرقيق فكرت بالأمر.
علق ماثيو وعيناه تتمهلان فوق ملامح وجهها الرقيقة, فيما غمرته حاجة قوية زالى معانقتها
((اعرف ما انتِ بارعة فيه.))
وتابع
((يمكنني ان أخذه مجاناً.))
أمل رأسه الى الجهة الاخرى قبل جزء من الثانية فقط من وصول صفعة يدها الى خده, التقط رسغها, وفاجأها كما فاجأ نفسه برفع يدها الى فمه وتمريرها على شفتيه.
اطلقت روز صرخة قصيرة وأندفعت الى الوراء, ازال ماثيو قبضته وراقبها وهي تضع يدها على صدرها اللاهث.
((آسف , كانت هذه هفوة.))
وقد قام بها ليزيل عن وجهها نظرة التعاطف, إن كان هناك شيء لا يستطيع تحمله , فهو الشفقة.
ارتفع رأس روز وبدا صوت ماثيو ندماً خاصاً فيما تابع.
((وما قلته ليس صحيحاً , لا شيء يعطى مجاناً في هذا العالم.))
دفعت يدها بعيداً , لكن بشرة يدها الحساسة استمرت في وخزها,
((أتقدم لي إعتذاراً وانت مرغم؟))
ذلك كثير على ماثيو ديمتريوس , الذي عاش حياة لا يلام عليها بمختلف المقاييس.
تابعت روز مع إبتسامة تنم نفاق مذهل
((هذا عظيم منك حقاً. لكن لمعلوماتك, لم أفعل شيئاً اندم عليه قط..... حسناً! ليس ذلك الشيء الذي تكلمت عنه على اي حال))
توقفت روز عن الكلام وسألته
((هل تسمعني؟))
ارتعشت زاويتا شفتي ماثيو من جراء إبتسامة روز المزعجة, فيما هز رأسه يمناً ويساراً واعترف
((لا, لأنني أهتديت الى المناسب.))
((لم تنظر الي بهذه الطريقة؟))
((فكرت في مركز يناسبك...... نعم, كلما أفكر فيه اكثي.....))
سرحت عينا ماثيو الضيقتان من رأسها ذي الشعر الاشقر اللامع الى اخمص قدميها, ثم عادتا الى رأسها مجدداً . هز رأسه الى الأمام والى الخلف ببطء, وقال
(( نعم يمكنك فعل هذا.))
((فعل ماذا؟ ما الذي تتكلم عنه؟))
((انتِ تريدين عملاًوانا اريد.....))
توقف ماثيو مظهراً إبتسامة اشعرتها بعدم الثقة بسبب التفكير العميق الذي ينتش في ملامحه النحيلة, ثم أردف
(( لدي مكان شاغر.))
((مكان شاغر....لآي عمل؟))
طلبت روز عملاً بسبب إندفاعها, ولم تتوقع للحظة ان ينزل ماثيو عند طلبها, لم تكن متأكدة بعد اذا ما كان يعبث معها.
((أريد زوجة.))
كانت روز تزيل خصلة من شعها عن خدها, لكنها في تلك اللحظة تجمدت كلياً . كررت بنبرة جافة
((أتريد....... خطيبة؟))
قالها ماثيو بالطريقة نفسها التي يقول فيها شخص اخر انه بحاجة الى المزيد من البترول او المعدات الصناعية.
((الوظيفة مؤقتة بالتأكيد))
لجزء من الثانية , سمحت روز لنفسها ان تأخذ عرضه بعين الإعتبار . لكن التفكير بالموضوع بأي طريقة كان يقلقها.))
((إذا كنت تريد زوجة اقترح عليك ان تضع إعلانا في الصحيفة ضمن العمود الذي يعرض الوظائف الشاغرة او ان تضع إعلاناً في اي زاوية على الطريق, وسوف تتجمهر النساء حولك, ))
فكرت روز بذلك وهي تشاهد شفتيه تلتويان في إبتسامة خطيرة. لا يقل خطرها عن ذلك البريق الذي ظهر في عينيه الرائعتين ذات اللون المعدني, فيما تباطأت نظرتها على قسمات وجهه الوسيم, انفجرت الحرارة في احشائها.
لم تستطع روز إخفاء موجة اللون التي إجتاحت بشرتها , بل جل ما استطاعت فعله ان تأمل ان يسند ماثيو تغير لونها الى الغضب.
((دعيني اشرح الآمر.))
لم ترغب روز بسماع شروحاته, كل ما ارادته هو تهدئة ذلك الإضطراب في معدتها الذي سبب لها التوتر وسبب الجفاف لفمها.
نصحته بإيجاز
((لا تكلف نفسك عناء الكلام, فأنا لا استمتع بالمزحة))
((هذه ليست مزحة, ثمة فتاة يرغب ابي في تزويجي اياها.))
نظرت الى ماثيو بغضب شديد, لم يكن يحاول حتى ان يجعل الآمر مقبولاً.
قالت وهي تحمل حقيبتها
((لا....))
وتابعت
((لا تقل كلمة اخرى, انا راحلة.))

ماندو 15-05-09 09:50 PM

.مكالمة هاتفية وقرار
******************

همهمت روز وهي تقفل بابا سيارة الأجرة بقوة
((المحطة من فضلك.))
بدت نصف الساعة الماضية امراً يفوق التصةر , لا تزال روز غير متأكدة كلياً ما اذا كان ماثيو جدياً في عرضه ذاك, إذ إن أحداً لا يطلب من الآخر التظاهر بالزواج.
أبعدت نظرتها العابسة عن واجهة البيت الحجرية الرمادية الكالحة, وتناولت هاتفها النقال من داخل حقيبتها.
((هل هذا وقت مناسب للحديث؟))
((روز....؟ طبعاً! كنت افكر بكِ لتوي, كيف تسير الأمور في سكوتلاندا الجميلة؟))
لم تضيع روز ةقتاً في أخقاء ما حصل, وقالت
((فظيعة, انا عائدة إلى المنزل, بما انكِ ونكِ باقيان في نييورك حتى شهر آذار , هل يمكنني ان ابقى معكما لبضعة اسابيع؟))
عم السكون برهة, ثم طال اكثر
((توقعت ان تقولي :"قلت لكِ هذا""تتبعها فوراً"لا استطيع الإنتظار لرؤيتك""))
((بالطبع لا استطيع الإنتظار لرؤيتك.))
((لكن......؟))
((الآمر هو انني كنت سأتصل بكِ, لكن نك قال انه يجب ان ارحل وحدي, والأمر هو.......زوجة ستين تطلقه.))ضيقت عينيها وهي تقوم بمجهود لتتخيل وجهه , هل على الإنسان ان يقوم بمجهود لتذكر وجه الإنسان الذي قرر أنه يحبه من طرف واحد؟ حتى وهي تتخيل صورة ذهنية تتوافق واسم ستين, بقيت عينان تتأرجحان من الأزرق الى الرمادي المائل الى الفضي وبقي فم آخر أنيق في وجه وسيم يفرض نفسه عليها.
((هل ما زلتِ على الخط روز؟))
هزت رأسها قليلاً وأجبرت نفسها على الإبتسام بالرغم من انه لم يكن هناك من يراها, وأجابت
((نعم إذاً ستين على أبواب الطلاق؟))
هذا الأمر يجعله متوفراً , كما ينبغي ان يجعلها شديدة الفرح, إلا انها لم تكن كذلك, وهذا يعني ان ربيكا كانت محقة طوال الوقت, مهما كانت المشاعر التي تكنها روز لستين لاثيمر فهي ليست حياً.
((زوجة ستين تطلقه لأنها اكتشفت انه على علاقة غرامية مع مربية الأطفال.))
هبط فك روز , وسألت متعجبة
((مربية الأطفال؟))
((الأمر هو روز......حسناً! الأمر هو ان تلك العلاقة بدأت منذ سنتين , ما كنت لأخبرك , لكن بما انكِ عائدة الى لندت , فسوف تكتشفين الأمر بنفسك.))
أغمضت روز عينيها
((لقد حذرتماني , ولم أسمع, ألم تفعلا؟))
بدأت تستعيد في ذاكرتها إحدى المحادثات التي أجرتها مع نيك وربيكا قبل ان تغادر.
كانت ريبيكا ونك يريان حقيقة ستين طوال القوت , قالت
((حسناً! من السهل فهم سبب إبقاء يديه بعيدتين عني.))
إذ كانت متشبثتين بمربية الأطفال تلك, أغمضت روز عينيها وأحنت رأسها الى الأمام , ثم أردفت
((((ظننت ان حبه كان خالصاً. قولي لي ريبيكا, هل من الجنون يفوق هذا الجنون في العائلة؟ يا الهي , حين افكر انه كان يسخر مني.......))
اشتدت عضلات وجه روز وضاقت عيناها وهي تبتلع شعورها بالملل الذي يحترق في حنجرتها,
قالت ريبيكا من الجهة الاخرى للخط
((استطيع ان اقتله.))
اطلقت روز سراح ضحكة مخنوقة , ورفعت راسها فيما ضغطت الهاتف الى اذنها , ودفعت بشعرها بعيدا عن وجهها بمرفقها, قالت ملقية براسها على السنادة الخلفية
((ليس اذا وصلت اليه اولا.))
((لا تفعلي اي شيء مجنون , سأستقل الطائرة التالية الى هناك , الا تصل الطائرات الى هناك ؟ سأسأل نك. نك......))
استطاعت روز ان تسمع صوت حديث مكتوم, فيما أردفت ربيكا
((يقول نك.......))
قاطعتها روز قائلة.
((إهدائي ! لا حاجة لأن تسافري الى هنا من نيويورك. انا بخير))
((كاذبة, لكن اذا كان ما ستسمعينه يشعرك بالتحسن, فقد صرف من عمله....حتى قبل ان يعرف عن امر العلاقة.))
ارتكب خطأ اساسيا ومكلفا , ولم تكن روز موجودة لتغطي هذا الخطأ.
ردت روز بزمجرة, وهي تفكر بالوقت الإضافي غير المدفوع الذي صرفته لتتأكد من انه يبدو ماهرا في عمله,
((لطالما غطيت أخطاءه, اليس كذلك؟ ))
وتابعت
((لا بد انك تفكرين انني حمقاء.))
((من تعتقدينني لألوم, روز؟ وكأنه ليس لي سدجل حافل حين يتعلق الأمر بالرجال.))
هي لم تحب ستين, في الواقع ستين الذي احبته لم يتواجد الا في مخيلتها الخصبة. لكنها لا تستطيع ان تقول هذا لريبيكا, اذ سيذهب مجهودها عبثا , كلامها لن ينفع البتة , والشفقة والتفهم هما اخر شيئين نحتاج اليهما الآن, فهما سيذكرانها بالحماقة التي تصرفت بها.
لكن إلام تحتاج فعلا؟ هذا السؤال الأهم.
((ما اذي ستفعلينهالآن؟))
((لا استطيع البقاء هنا, فقد صرفت من عملي.))
بالكاد لاحظت روز شهقة اختها من جراء صدمتها, فقد اخذت تفكر بخيارتها التي بدت محدودة جدا, فهي اجرت شقتها كما انها لا ترغب بأن تعود اختها من الولايات المتحدة بسببها, بالإضافة الى عدم رغبتها بالتعرض لأسئلة اهلها الدقيقة, من جهة اخرى هي لا تستطيع الاعتماد على مدخراتها القليلة.
هل كانت اللحظة المناسبة لان تتجاهل المخاطر. حسنا, ان وعيها وقيامها بالفعل الصحيح لم يجذيها نفعا حتى الان.
ثمة مخرج لها لاح لهما في الافق الغريب, هو ذاك الذي قدمه ماثيو اليها, لكنه مخرج مجنون جدا.
تنشقت نفسا حاسما وقالت
((سأقوم بالآمر.))
((تبدين غريبة, ليس لدي فكرة عما ستقومين به , روز, ماذا.....))
هتاف روز غير المتوقع جعل اختها التوأم تبعد الهاتف عن اذنها بإجفال, وتابعت
((انت محقة بيكي . انا جبانة , لكنني لن ابقى كذلك بعد اليوم.))
عارضت اختها التوأم.
((لم أقل شيئا.))
((حين تفكرين أكثر بالامر يمكنك ان تقومي بعلاقة مع شخص لا تأبهين لأمره البتة لانه لا يستطيع ان يجرحك.))
زمجرت ربيكا من الطرف الآخر للخط
((آه, يا إلهي.))
ثم نصحتها بحذر.
((اسمفي روزي, ربما ليس الوقت الأفضل لإتخاذ القرارات الأفضل.....انت مجروحة المشاعر و.....))
((انا لست مجروحة المشاعر.))
((بالطبع لست كذلك؟))
اطبقت روز أسنانها بتكشيرة محبطة, ما من شيء ستقوله يمكن ان يقنع ريبيكا.
((صحيح....... انا لست محطمة القلب, انا غاضبة فحسب,واشعر انني حمقاء كليا.))
((اسمعي, لا تدعي امامي انك سعيدة, فقد مررت بهذا قبلك, ان اشياء كهذه تأخذ وقتا قبل ان تصبح على النسيان.))
((ليس بالنسبة لي, لقد التقيت شخصا اخر,))
في اللحظة التي خرجت الكلمات من فم روز, ندمت لانها افصحت عن وجود عاشق يحفظ لها ماء الوجه, حتى ولو اتيحت لها الفرصة لذلك, فلن تصدقها ريبيكا على اي حال.
(( لم تذكرينه سابقا.....؟))
((لا يزال الوقت مبكرا , لم اشأ المخاطرة.
ارتجلت روز هذه الكلمات عن ذكاء, مدعية انها لم تسمع نبرة الشك في صوت اختها.
((اذا صفيه لي.....))
((أصفه.....؟))
((نعم..... أهو طويل, قصير القامة, أسمر , ابيض البشرة؟ متزوج ام اعزب؟))
اغمضت روز عينيها واتأكت على مقعدها, لوت شفتيها بإبتسامة خافتة, ثم قالت
((طويل القامة , وأسمر جدا مع عينين رماديتين ودائرة داكنة حول القزحتين ورموش طويلة جدا , اما فمه... حسنا, لديه إبتسامة رائعة..... حين......يبتسم....اي....))
((اوه , هل لديه اخ؟))
السؤال المضحك جعل روز تجفل وتصحو من تأملاتها.
((اسمعي ريبيكا , علي القيام بشيء ما, ولا تقلقي, ليس بشيء جنوني.....حسنا, انه كذلك, لكنه جنون جيد كما اظن, سأعاود الإتصال بك.))اعادت روز الهاتف الى حقيبتها مجددا, وانحنت الى الأمام كي تكلم السائق الذي كان يسترق السمع من دون خجل ثم قالت
((هل تستطيع ان تستدير وتعيدني الى المنزل الريفي , من فضلك؟))

مفاجأت غير متوقعة
****************

((اذاً هل تريدينني ان انتظرك؟))
تناولت روز ما تبقى من نقود من محفظتها وسلمتها للسائق مجيبة
((لا, شكراً))
كانت تقوم بشيء , لا تستطيع الرجوع بعده الى وضعها السابق , ولم يكن من مخرج يسمح لها بأن تتراجع عن قرارها. وقفت وحقيبتها بجانب قدميها, ةراقبت سيارة الأجرة وهي تختفي عن الأنظار , حين توارت السيارة بقيت مكانها محدقة بإتجاهها .
بعد لحظات إستدارت واضطرب قلبها حين نظرت الى ماثيو......انه يجسد الجاذبية التي تجنبتها طوال حياتها.
((لقد عُدت......))
((هل من مشكلة؟))
((ليس تماماً.))
إلا اذا كنت تعتبر ان إصابتي بالجنون هي المشكلة, كررت
((لقد عدت.))
((أيعني هذا انكِ ستغيرين معاملتك الفظة لي؟))
((هل تجدني جذابة؟))
بدا ان السؤال اربكه على خلاف العديد من الأسئلة الاخرى كما لاحظت روز.
شألها ماثيو
((هل هذا نوع من الاختبار المتعدد الخيارات, ربما؟))
((لا يهم, فقط فكرت....))
تمهلت قليلاً ثم تابعت كاشفة عما في داخلها
((هل كنت جاداً؟))
اعترف بوقار
((الى اقصى حد))
وتابع
((لكن قلة من الناس يقدرون روحي المرحة))
رمته روز بنظرة غاضبة وقالت
((بالنسبة الى الوظيفة.))
((هل ستقبلين بها؟))
((افكر بالامر.))
راقب ماثيو شعر روز يتطاير في الهواء, وقاوم كي يسيطر على دافع مسيطر ومفاجئ ليمرر اصابعه في خصل شعرها الذبية, فيستطيع عندها ان يرفع راسها اليه و..... اخذ نفساً عميقاً.
((اتفكرين بحسب؟ لِم غيرت موقفك فجأة؟))
هزت روز كتفيها وأجابت
((أفترض انها تدر مالاً وفيراً.))
ضحك ماثيو ضحكة مفترسة كاشفاً عن اسنانه البيضاء, وقال
((هل تتوقعين ان اصدق ان دوافعك منية على الطمع المادي فقط؟))
((وما المضحك في هذا؟))
((التقي كل يوم اشخاصاً مستعدين ليبيعوا انفسهم في سبيل المال, اشم رائحة الجشع على بعد اميال.))
لم يكن ماثيو مدركاً الا لرائحة الشامبو الخفيفة التي تستعملها روز. تجعد جبينه وهز راسه ايجاباً قائلاً
((لا, لا يتعلق الامر بالمال))
((لتأثرت لو انك لم تتهمني بمحاولة خداعك لسرقة مالك منذ عشرين دقيقة.))
اقر ماثيو فيما مرر يده على فكه.
((انتقلت الى الاستنتاج الخاطئ))
((يبدو ان الاستنتاج الخاطئ هو اسلوبك في الحياة, اسمع, هل تريدني ان افعل ام لا؟))
لمع شيء ما في عينيه لم تستطع روز تحديد ما هيته, توقف ماثيو برهة ثم اجاب
((اريد.))
ابتلعت روز ريقها, وحذرته
((سأضع شروطا.))
ومضى بريق اللهو في عيني ماثيو, لكن تعبيره بدا كئيبا فيما هز راسه الى الامام والخلف , وتساءل من او ما الذي وضع البريق الطائش في عينيها الذهبيتين , اجاب
(( حسنا.))
ردت روز
((لا تستطيع ان تجيبني هكذا وانت لا تعرفها.))
((حين يرغب رجل في شيء بكل جوارحه, يكون مستعدا تماما ليقبل القساوة والليونة معا.))
((وهي لينة ورقيقة , رقيقة جدا , وهو يتوق اليها ,نظر ماثيو الى ساعة يده واجرى حسابات سريعة, وقال
(( علي ان اكون في ادنبرغ هذا المساء, وانت عليك ان تذهبي الى لندن , سأحجز لك على الطائرة و.....))
((اليوم؟ لكنني فكرت....))
ذكرت نفسها, لا روز , لم تفكري وتلك هي الفكرة الاهم في الموضوع, انتِ متهورة.
قال ماثيو ممسكاً مرفقها ما اجبرها على التقدم نحو المدخل,
((ومن ثم الى نيكسياس في غضون اسبوعين , سأحضر الخاتمين ودليل الرحلة.))
عارضت روز فيما راح يدفعها بقوة الى الأمام.
((ماذا؟ لكن؟))
وأضافت
(( ما هي نيكيساس؟))
((هي المكان الذي سأتباهى فيه بعروسي الخجولة امام عائلتي.))
((لكن اسبوعان, ظننت.......))
دس ماثيو حقيبتها الثقيلة تحت ذراعه, فيما امسك الباب الكبير الذي تأرجح للداخل بصرير قوي وقال وهو ينظر اليها متسائلاً عن التعبير الذي قد يراه في عينيها حين يلامس بشرتها برقة ويعانقها.
((تتمتعين بعينين معبرتين جداً.))
قالت روز, متقدمة خطوات نحو الممر المرصوف
((يبدو كل هذا سريعا جدا.))
واردفت
((لم اتوقع ان تجري الامور بتلك السرعة.))
((ماذا يمكنني القول , الرجل العاشق لا يرضى باي تاخير.))
همهمت روز وهي تشعر بفورة الدم في خديها
((حسناً , حاول الا تقول هذا مجدداً.))
ضحك ماثيو ثم قال
(( على الاقل, لن يكون لكِ متسع من القوت كي تعيدي التفكير بالأمر.))
وكان محقاً بالفعل.
مرت الساعات التالية بشكل غير واضح بدءاً من الرحلة الخاصة الى لندن, حيث نزلت روز في جناح في فندق فخم وصولاً الى إجراءات الزفاف التي لم تستغرق وقتاً طويلاً, حيث اختفى ماثيو بعدها ليعود الى ادنبرغ ويتركها كي تتناول العشاء.
في الصباح التالي , بدت ذكريات احداث النهار السابق كالحلم, إلا ان احساسها بالحلم اختفى حين حمل لها موظف الفندق علبة حمراء صغيرة مع ظرف كتب عليه اسمها بخط يد مخربش لكنه واضح, فتحت الظرف اولاً, فوجدت فيه كتابة موجزة ومباشرة.
::""كوني جاهزة للعشاء عند الساعة التاسعة والنصف, ضعي هذا,.""
وضع ماثيو توقيعه في الاسفل , بدا ما كتبه رسميا مثل الشيك , ولم يشكل هذا لها مشكلة, اذ انها لم تتوقع منه ان يرسل لها القبلات, لكن اسمه كان ليبدو اجمل من خربشة توقيعه.
كانت لا تزال تعبس بغير رضا حين فتحت العلبة, وأرسلت شهقه تركت رئتيها في لهثة مرتعشة.
على الحرير الأحمر رقد خاتم, وهو ليس مجرد خاتم عادي, غذ تتوسطه قطعة زمردة مربعة الشكل محاطة بالماس وقد بدت ساطعة ورائعة الجمال.
شعرت برجفة صغيرة في أصابعها وهي تضع الخاتم الذي ناسب مقاس إصبعها بشكل مثالي. بدت الدموع التي ملأت عينيها سخيفة, وكاأنها تخدع نفسها بالتمني لو ان الأمر حقيقي.
المرأة التي ستصبح زوجة ماثيو ديمتريوس ستتركز عيون العالم على كل خطوة تخطوها, ولن تفاجأ روز اذا واجهت محاولات لإلتقاط صور لها تباع بألاف الدولارات.
لقد امضت حياتها على نظام غذائي عادي, وانتابها خدر في وجهها وهي تراقب النساء اليافعات اللواتي يجوعن انفسهم بغية إرتداء تصاميم رائعة.ولم يبد هذا امرا مناسبا لشخصيتها.
اتصلت روز بريبيكا , الا انها لم تصارحها كلياً خشية ان تحجز شقيقتها تذكرة على الطائرة التالية القادمة اليها, اما والداها , اللذان يتمتعان بشهر عسل اخر في سفينة خاصة بالعطل خارجاً , فيمكنها ان تتعامل معها لاحقاً.
***********



اظهرت روز حماستها قائلة
((هي فرصة مدهشة.))
((لكن ما الذي ستفعلينه على الجزيرة اليونانية؟ ما اسم تلك الجزيرة؟))
بدت ريبيكا مرتابة جداً. فقد قاطعت شقيقتها عدة مرات خلال حديثها المشتت, ووصفها الغامض المتعمد لفرصتها الجديدة الشيقة.
((لمن قلتِ انكِ ستعملين بالتحديد؟))
لم تقل روز لمن ستعمل, ولم يكن هذا صدفة, كشرت على الهاتف وقالت
((آه, ربما لم تسمعي به..... اسم العائلة هو جيمتريوس.))
((ديمتريوس ! انتِ تعملين لعائلة ديمتريوس؟))
((هو اسم شائع على الارجح في اليونان؟))
((هل يملكون الجزيرة التي ستذهبين اليها؟))
اقرت روز بعدم ارتياح
((اظن انهم يملكون.))
((ولأي فرد من افراد العائلة تعملين , روز؟))
قالت في عجلة
(( الابن على ما اعتقد, علي الذهاب حقاً, ريبيكا.))
وأضافت بذكاء
((لكنني سأظل على إتصال.))
غمرها الرعب والصدمة فيما قالت ريبيكا بكآبة
((يا إلهي, روز, انتِ تعملين لصالح ماثيو ديمتريوس, الذي كان يعرف باسم ماثيو غوثيير.))
اقرت روز بعدم إرتياح
((اظن ان ذلك كان اسمه.))
سمعت على الهاتف تنهيدة ارتياح, وأضافت ريبيكا
((اذا انتِ لم تلتقيه بعد..... لو إلتقيته لما نسيتِ اسمه او اي شيء اخر عنه.))
همهمت ريبيكا ذلك التعليق, الساخر, واردفت,
((الامر انه..... روز , ثمة شيء علي ان اقوله لكِ.....))
كانت روز في حاجة ماسة لتجنب اختها الخجل, فقاطعتها قائلة,
((في الواقع التقيت به, لكنني حقاً لا اظن اني اثرت انتباهه, اشك ان اراه كثيراً حين نصل الى هناك.))
((أحقاً؟))
بدا الإرتياح في صوت ريبيكا.
اقفلت روز الخط راغبة في الخلود الى النوم في وقت ابكر من المعتاد, وكانت ترجع الهاتف الى حقيبتها حين سمعت ضربة قوية على بابها.
((هل انتِ مستعدة.؟))
استدارت ورأت ماثيو واقفاً في الممر,كان يرتدي سروال جينز فاتح اللون, وقميصاً سوداء وسترة جلدية بالية, اندفعت الأحاسيس الهائجة في جسدها بأكمله بقوة, ما تركها للحظات غير قادرة على التنفس والكلام.
تعمق الفراغ بين حاجبيه الداكنين المحددين وهو يراقب وجهها الشاحب, ثم سألها
(( هل انتِ مريضة؟))
اخذت روز نفساً عميقاً ,آه, ليس لديك فكرة كم انا مريضة! لكن جسدياً فحسب, قالت ذلك في نفسها مصممة على ان تبقى موضوعية في ما يتعلق بإرتجاف ركبتيها وتسارع نبضها اللذين تعاني منهما في وجوده.
تلون خداها بسبب إحساسها بالذنب الذي انتابها, فأشاحت بصرها عنه.
زحفت عينا ماثيو اللتان احتجبتا عن روز خلف رموشه الكثيفة فوق جسدها في مسح شامل, ثم نبذ على الفور فكرة ان يشرح لها انها من نوع النساء اللواتي يبدون جميلات مهما كان ما يرتدينه.
وكأنها لا تعرف مسبقا ما سيقوله , لا بد انها سمعت ذلك من رجال اكثر قبله...... إن تفكيره بأن هؤلاء الرجال تمتعوا قبله بإقامة علاقة حميمة معها جعله يعبس بغير رضا.
((إنها مناسبة, فكرت ان نتناول العشاء في مكان غير رسمي في الليلة الأولى, اما بقية ايام الاسبوع, فكرت...... في الواقع .... انظري, حضرت لكِ نسخة عن دليل الرحلة.
كررت فيما راحت تنظر الى الورقة التي سلمها ماثيو لها وهي تخطو نحو الممر من بعده,
((دليل الرحلة))
((لسوء الحظ , لدي فكرة مكتظة بالمواعيد للأيام العشرة القادمة. لكن يجب ان نشاهد العرض الاول للمسرحية, بالإضافة الى تناول الغداء لثلاثة ايام , وهناك بضع وجبات عشاء.))
سألته فيما اقفل باب المصعد وراءهما
((لكن الم يرانا الناس؟))
ثم اخذت نفساً عميقاً , يا الهي, ان الاماكن المغلقة تبدو اكثر انغلاقاً.
نظر ماثيو الى روز من الاعلى مستفيدا من طول قامته وهز كتفيه مجيباً.
((الفكرة هي ان يرانا الناس, هذا يقدم فرصة لإلتقاط الصور التي ستظهرنا زوجين رائعين قبل ان تقابلي افراد عائلتي.))
((آه.))
((غذا ما الذي ظننته؟ كي تعرفينني على حقيقتي؟))
تلون خداها بلون الغضب, وردت
((ولكن اذا كنت سطحياً كما تبدو , فيجب الا يستغرق هذا الآمر وقتاً طويلاً.))
((حسناً إذا بذلت جهداً ستجدين على ظهر الصفحة وقئع وثيقة الصلة بالموضوع.))
علقت روز بسرعة
(( انت تفكر بكل شيء.))
بدا من الجيد ان تبعد روز فكرة الإغواء عن ذهنها, لأن ماثيو بدا مهتما بهذه الوظيفة بطريقة رسمية جداً وتجارية الأهداف من دون إعطاء فرصة لأي فعل أكثر عفوية , اشارت وهي تضارب ضربة خفيفة بسبابتها على طرف الورقة التي سماها ماثيو دليل الرحلة.
((لكنك في الواقع لا تفعل, اذ ليس لدي ما أرتديه لهذا النوع من الأماكن.))
((حجرة الملابس سوف ترسل اليكِ في الصباح.))
ارتفع ذقن روز واستفسرت
((حجرة الملابس؟))
بدا كأن ماثيو لم يلاحظ النبرة الخطرة في صوتها.
((ان كان هناك شيء اخر تحتاجينه , فلا تترددي في طلبه .... في الخارج , أخذت روز نفساً عميقاً ليساندها, وعدت الى العشرة, آه , سوف تبقى غاضبة حتى لو وصلت الى العشرة آلاف.
قالت
((إسمع , لأنني سأقول هذا لمرة واحدة فقط , لن أقبل الثياب منك, لن اخذ اي شيء منك.))
ارجع ماثيو راسه بقوة الى الخلف وضحك, ثم تشدق قائلاً.
((لم لا, أيتها الحلوة القديمة الطراز؟ يا صغيرتي, هذه الثياب ليست هدية , إنها ثياب العمل, لا تفهميني بطريقة خاطئة , احب مظهر امينة المكتبة المثير, لا يملك الجميع مثل مخيلتي الواسعة.))
ثم أضاف موضحاً
((سيتوقعون منكِ ان تظهري على شكل معين كونك زوجتي العتيدة, حين نكون وحدنا , يمكنك ان ترتدي ما يحلو لك.....او لا شيء على الإطلاق..... بالرغم من اننا سنحظى بالقليل من الوقت لنا وحدنا قبل ان نغادر الى نيكسياس.))
تمكنت روز من سماع ضحكته فيما صعدت الى السيارة التي تنتظرهما, أطبقت اسنانها ولم تتوقف عن فعل هذا طوال الأمسية ألى ان تمنى لها ماثيو ليلة سعيدة على باب جناحها.
قال ماثيو
((لا, لن أدخل.))
تعمقت إبتسامته الساخرة في تعبير وجهها واضاف
(( اريد ان يدرك ابي انك لست إمرأة عادية للعلاقات العابرة , بل المرأة التي اريدها ان تكون زوجتي.))
((لا تنوي إقامة علاقة حميمة مع المرأة التي تزوجتها؟))
((بعد فترة تودد ملائمة, انوي ان استمتع بالأمر مطولاً.))
توهج وجه روز خجلاً. وقبل ان تدفع الباب بقوة في وجهه الضاحك زمجرت قائلة
((ليس معي..... لن تفعل.))
اكتشفت روز ان ماثيو لم يكن يمزح, بالكاد تمكنت من رؤيته, وفي كل المناسبات كانت اعين الصحافة مسلطة كلياً عليهما. ولم يكن الآمر مريحاً تماماً.
ذات صباح جاء موعد رحلتهما الى نيكسياس وكانت تلك المناسبة الوحيدة التي رات فيها احد وجوه الرجل الحقيقي, ام ان ذلك كان تمنياً بالنسبة لها,))
كان ماثيو وروز يصعدان الى السيارة بعد تناولهما وجبتهما, والمصور الذي يلاحقهما يلتقط الصور فرحاً حين ظهر كلب تائه فجأة, حاول احد المصورين ان يبعد هذا المخلوق الأجرب عن طريقه, فكان هذا على الأرجح اخر شيء عرفه قبل ان يسحبه ماثيو بعيداً ةيلقيه ارضاً, وقد غابت إبتسامته, وهو يقول شيئاً ما جعل اللون يختفي من وجه الرجل الآخر.
اعاد ماثيو إهتمامه الى روز وإبتسم بشراسة, ثم قال ببساطة
((أكره الرجال الذين يبعدون عنهم كا ما هو ضعيف وغير قادر على المقامة.))
لو اقترح ماثيو تلك الليلة ان يدخل الى جناحها حين رجعا الى الفندق لما مانعت , لكنه لم يفعل.
وصلا الى المطار في الساعة العاشرة صباحاً تقريباً. ارتفع حاجب ماثيو فيما القى نظرة شاملة على وجه روز بعينيه اللامعتين قبل ان يمسك يدها اليسرى ويعلق
(( لم تضعي خاتمك.))
((ليس خاتمي..... بل الخاتم. لو أنه خاتمي , لأحتفظت به حتى بعد انتهاء العقد , لم أضعه خلال الرحلة لانه ثمين..... ماذا لو أضعته؟))
قال ماثيو, مرشداً اياها الى المبنى الآخير
((ستمضين بقية حياتك وانتِ تردين لي الثمن.))
هرولت بكعبيها اللذين يبلغان اربعة انشات كي تستطيع اللحاق به, وقالت
((انا أتكلم بجدية ماثيو , أولئك الذين يتجولون بحلى كهذه يستعينون بحراس.))
((ما الذي يجعلك تظنين انني لست جدياً؟))
التقت نظرات روز نظراته الامعة مأحمرت وجنتها , وتوترت معدتها , تذمرت بغضب
((آلا تتفو مطلقاً بجواب مباشر عن السؤال؟))
((إستريحي , فهي مجرد حلى))
((اتعني انها ليست حقيقية.؟))
لم تعرف روز ان كان عليها ان تشعر بالإرتياح ام بخيبة الأمل.
((يستطيع ابي ان يكتشف المزيف عن بعد عشرين قدماً))
((يبدو ابوك مخيفاً.))
إذا أخذنا بعين الإعتبار , تبدو هذه نتيجة معروفة مسبقاً.
قال ماثيو
((هذا يمكنه ان يساعدك.))
نظرت روز بعبوس الى الملف الذي وضعه في يدها, وسألته
((ما هذا؟ أهو دليل آخر.))
((بعض المعلومات عن أبي..... ما يحبه وما يكرهه , معلومات قد تجدينها مفيدة.))
هزت رو رأسها الى اليمين والى اليسار. وقالت بطريقة فظة
((هل انت متأكد من انك لا تريدني ان اتعلم اللغة البونانية أثناء الرحلة ايضاً؟ لو كنت زوجتك, لما كنت مهتمة بأن أرضي أباك أو أؤثر فيه.))
((ستهتمين بي فحسب.))
ادعت روز انها لم تسمع تعليقه الماكر, وردت
((الأمر الىكثر إفادة على الأرجح هو ان اعرف شيئاً عنك, ةلا اعني فقط كيف تحب ان تأكل زوجتك ومدى جمال إبتسامتك امام آلات التصوير, فكل هذا......سطحي جداً.))
قال ماثيو وهو يبدو غير مهتم
((أهذا ما يبدو سطحياً ام انا؟))
وأردف
((انا آسف اذا كنت تشعرين بأنني أتجاهلك, لكن يمكنك تمضية بقية النهار وانتِ تكتشفين اعماقي التي لم يسبر اغوارها بعد.))
قلبت روز عينيها فيما قلب قلبها مرتين, ثم قالت بصوت اجش.
((بالكاد استطيع الإنتظار.))
ما الذي ورطت نفسها به؟
قبل ماثيو الملف من دون اي تعليق حين اعادته اليه روز بإشمئزاز بالرغم من انه بدا جديا حين قال
((الديكِ وجهة نظر. ربما من الأفضل ان تكوني على سجيتك قدر المستطاع.))
((حسناً اذا.....))
توقفت روز كلياً حين رات الطائرة النفاثة الخاصة التي كانت بإنتظارهما, وهمهمت
((آه , يا إلهي.))
وأضافت
(( هذه ليست انا, لن انجح في القيام بذلك, لست اصلح كعروس لبليونير.))
ضحك ماثيو من خوفها. وهز رأسه محيياً الرجل الذي حياهما, ثم قال لها
((لا تتخلي عن شيء قبل ان تجربيه , صغيرتي.))
رمته روز بنظره ساخطة, وقالت
((كما تعلم, بعض الأشياء لا تلائمك , فلم عليك ان تجربها.))
((آه, اعتقد اننا نلائم بعضنا تماماً))
كامعتاد,صمتت روز وقد احمرت وجنتاها بفعل تعليقه المثير, وهو صمت لم يكن ماثيو مستعجلاً لمقاطعته.
بعد خمس ساعات, استدارت المروحية الخاصة حول الجزيرة, ولم يكونا قد تبادلا اكثر من اثنتي عشرة كلمة, فقد انشغل ماثيو بكومبيوتره النقال طوال الرحلة, غافلاً كلياً عن حنق روز.
في الواقع , توقعت ان يأخذها بيدها, لكنها لم تتوقع قط ان يتجاهلها, ف كل مرة كانت تحاول ان تبدأ حديثاً كان يرد بأجوبة أحادية المقاطع, بنظرها, اي شخص يملك ولو مقداراً قليلاً من الإحساس سوف يفهم انها متوترة وتحتاج الى القليل من الإطمئنان.
رفع ماثيو نظره اليها, وكأنه تذكر وجودها اخيراً.
((إذاً ها نحن هنا))
نظرت روز الى الجهة التي اشار اليها ماثيو, فرأت الفيلا الفخمة الرابضة بمحاذاة الرصيف الحجري الممتد بموازاة البحر, والمحاطة بمساحات واسعة من الأ**** المزروعة بعناية.
الطائرة الخاصة التي اوصلتهما الى اثينا والإنتقال بالمروحية, ولأن الجيرة الخاصة , هذا كله جعل روز تدرك حقاً مدى الثروة الطائلة التي تملكها عائلة ديمتريوس.
غضنت جبينها, فيما أخذت شفتها السفلة بين اسنانها, وبدأت تقضمها بتوتر, فهذا العالم الذي يعيش فيه ماثيو يختلف تماماً عن العالم الذي عاشت هي غيه.
كافحت لتحافظ على هدوئها فيما اخذ الرعب ينهش رباطة جأشها رويداً رويداً.
رمقت رفيقها بنظرة جانبية, فلاحظت انه ترك الكومبيوتر وراح ينظر من النافذة كذلك, افترضت روز ان امر امتلاكه لهذه الثرة كان يجب ان يؤخذ بعين الإعتبار, لم تفكر بالأمر مسبقا لآن ماثيو خلافاً للعديد من الناس الذين يتباهون بغناهم وموقعهم لم يجهد نفسه في الإفصاح عن ثروته المذهلة.
لا, ماثيو ليس بحاجة الى تذكير الناس بموقعه لأنه من هؤلاء الاشخاص النادرين الذين يتمتعون بالثقة المتغلغلة في العظام. تلك الثقة التي كان ليتمتع بها حتى ولو لم يكن يملك فلساً واحداً.
((استطيع ان افهم الآن لما لا تقول لأبيك ان يهتم بشؤونه الخاصة...... الصدق هو السياسة الأفضل من حيث المبدأ , لكن اي رجل ذي عقل راجح لن يخاطر بفقدان كل هذا.))
قال ماثيو بصوت عال يكفي لتسمعه روز فوق كل الضجة المحيطة بهما
(( لا مجال لأن أخسر الجزيرة, فأنا املكها.))
استدارت روز وامالت براسها الى الخلف لتنظر الى وجهه , كررت وقد جردت الصدمة صوتها من اي تعبير
((أتملك الجزيرة......))
انزلقت عينا روز الى المشهد البادي بين صفي الأشجار من تحتها وابتلعت ريقها من الدهشة, ثم أضافت بوهن
(( كلها.))
هز ماثيو راسه ايجابا وشرح
(( لم تكن قط ملك اندريوس, بل ملك عائلة زوجة ابي, نوت من الأصل ان نتشاركها انا والكس, لكنه....))
توقف عن الكلام مبتلعاً ريقه ثم تابع
((انتقلت الملكية الي فوراً بعد وفاتها.**
تصرف اندريوس بشراسة, فقد اعتبر هذا الآرث إاهانة له, بدأ راس روز يدور, وسألته
((الم يخطر ببالك ان تذكر هذا لي من قبل؟))
رفع ماثيو حاجبيه وبدا متفاجئا قليلاً بالحماسة التي ظهرت في سؤالها , وسألها
((لم علي إخبارك؟لا علاقة لهذا الأمر بموضوعنا.)
((أستغرب ذلك, مع العلم انك ظننت انه يجدر بي ان اعرف لون ابيك المفضل لكنك لم تفكر انه من المفيد ان تذكر انك تملك جزيرة كاملة اشبه بالجنة.))
اشارت روز بيديها عاليا بسخط شديد ونظرت الى ماثيو
تشدق هذا الاخير بكلامه وهو يضع يداً واحدة على صدره بطريقة لافتة
((أصبحت جنة الان لأنكِ موجوجه فيها يا قلبي.))
وجهت روز اليه ضربة عنيفة حانقة. تملص ماثيو منها بضحكة, وحذرته
(( اذا استمريت بهذا , كيف يمكنني ان احترمك؟))
فضلت من كل قلبها ان تتصرف معه بتلك الطريقة على ان تشعر بالضعف الشديد في جميع اطرافها , تجاه تحببه الساخر.



بنوته عراقيه 15-05-09 11:46 PM

سلمت الايادي على المجهود الرائع

ماندو 16-05-09 11:36 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنوته عراقيه (المشاركة 1103219)
سلمت الايادي على المجهود الرائع




[rainbow]

يسلمو اختى بنوتة على مرورك وردك الرائع تقبلى تحياتى
[/rainbow]

جورجينا 17-05-09 08:14 PM

يسلم ايديكي حبيبتي .............روعة ....:gdance:

جورجينا 18-05-09 01:43 PM

طولتيييييييييي علينا كتير انشاء الله ما يكون في شيء

RINCKYPINKY 19-05-09 10:58 PM

ارجوكى كمليها القصة حلوة جدااا


الساعة الآن 05:07 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.