في برجي العاجي (3) *مميزة و مكتمله*.. سلسلة نداء وقاسم
 

السلم الأول من البرج العاجي
 

كـانـت عينـاها تتأملان أفق البحر من بعيد، إذ أخذت الشمس تغرق في بحر دمائها، و تلبدت السماء بغيوم سوداء تنذر بالويل، لم تهتم لذلك فقد كانت مشغولة بالتأمل، أخذت تنظر إلى حياتها من كل الزوايا، آه لو تعود بها الأيام إلى لحظات الطفولة البريئة، حيث كانت تنظر إلى الشمس بنظرة مختلفة...

كانت ترتدي قبعة بيضاء، تنورة بيضاء، قميصا أبيض، و حملت حذاءها الأبيض في يدها اليمنى، كان شعرها البني يتطاير مع نسمات الهواء. هناك وقفت تتأمل البحر و تتنشق رائحته، تلك الرائحة التي صاحبتها كثيرا في مدينتها الساحلية، و على الصخور ترامت الأمواج معلنة عن شيء نجهله هل هو الغضب أم إعلان وجودها أم أنها ترتمي على الصخور راغبة في احتضانها أم أنها تود فقط إلقاء نفسها على الناس ليشعروا بها وبرائحتها، كل تلك الأمور ناقشتها الأسماك بينما أخذت عيني (نداء) تتأملان الأفق بعيني دامعتين، من تحت أهدابها و ظلها الرقيق على وجنتيها شعرت بيد تمسك بيدها بقوة، نظرت خلفها لتجد شقيقها واقفا ينظر إليها بعينيه السوداوين بتلك النظرة التي تجهلها، نظرة تقول لها لا بأس و لكنها تعني كفي عن ذلك، إنها نظرة حزن ممزوجة بالصرامة: لقد انتهى الأمر.. ، قالها بصوت بارد و كأن الأمر انتهى حقا، تساءلت (نداء) بداخلها إن كان الأمر قد انتهى حقا.. ، صوت ناداها من البعيد.(نداء). .. و تكاد عينيها تقسمان بأنها تراها هنالك خلف ستار الماضي و لكن ذلك الستار لا ينزل إنما أخذ يتكشف بتمهل، هل هذه هي لا هذا لا يعقل …


*********************




ابتدأ الأمر عندما قال والدي: لقد جاء من يطلب يدك يا عزيزتي و قد وافقت عليه، تملكتني رغبة بالصراخ من الفرح و أخذ قلبي يدق بسرعة القطار و في الوقت ذاته رغبت بمعرفته و الخوف يتملكني ماذا سأفعل ؟ ، تابع والدها قائلا: إنه يدعى (متعب) يعمل موظفا في إحدى الشركات، ذا راتب جيد و أسرة محترمة..كتمت ضحكتها و قالت: لماذا لم أسأل والدي عنه ؟ و لماذا لم يخبرني أكثر من ذلك ؟، كنت فتاة يأتيها رجل ليطلب يدها فتشعر بأنها هي المختارة من بين النساء لقد جاء و طلبها هي لا غيرها، إنها هي نفسها وليست (أريام) أو أو (فاتنةة) أو (نداء) أو (حنان)، و تملك نفسها غرور الطاووس نافشا ريشه الملون في وجه الجميع و بخيلاء و استحياء حملت صينية العصير لتضعها أمام ذلك الرجل الذي سيصبح زوجها لقد أحبته ليل نهار، رسمته في خيالها أحبته في منامها، سارت معه في أحلامها، تأملته من تحت أهدابها فلم ترى منه سوى أصابع قدميه و طرف ثوبه، أخذ الكأس من الصينية و أخذ معه قلبها، وضعت الصينية على الطاولة و لم تعرف ماذا تفعل فأنقذها شقيقها الذي قال: (ملك) تعالي اجلسي هنا، سارت بضع خطوات لتجلس بجوار شقيقها وقلبها ينبض بقوة سابقا رياح البحر محلقا بجانب نسر، ترى هل أعجبته ؟إنني لست تلك الجميلة و لست قبيحة _ هذا هو تقييمها لنفسها_ ثم ثوبي أتمنى أن لا يكون معيبا في نظره وشعري ربما لم يعجبه.. ، آه يا إلهي يسر الأمر... ، كانت الثواني تخفق مع قلب(ملك) و ما إن خرج حتى سمعته يقول من خلف الجدران: فلندع النساء يقررن أيما يكون الزفاف، صفقت الباب و صفقت بيديها لقد أعجبتـه، مـاذا أفعل؟تنهدت (ملك) و توقفت فقالت (نداء): و بعد؟ ، فقالت (ملك) متابعة: إنني أتذكر أول كلمة قالها لي على الهاتف المحمول: (ملك) كيف حالك اليوم؟ ، قلت بوجل و قد شعرت بجفاف حنجرتي: الحمد لله بخير، قال بصوت هادئ حنون: و ماذا عن المدرسة ؟ ، قلت بضحكة مكتومة: بخير..و ماذا عنك كيف حالك؟ و كيف عملك ؟ ، فقال بذات الهدوء : لست بخير دونك ، تجمدت الدماء في عروقي و شعرت بحاجة إلى الماء فقال متابعا : إنني أعجز عن النوم دون سماع صوتك ، رغم أنك ملكة أحلامي ، لم أعرف ماذا أقول ؟انعقد لساني و احمر وجـهي فقـال: أحبـك و تصبحي على خير، قلت بصوت مرتعش بحروف مفككه: و أنت من أهل الخير.. ، أغلقت الهاتف و قد سلـب قلبي بقوة، كل حرف يسرده على مسمعي يجعلني أحلق نحو مكان لا أعرفه و لا يعرفه أحد، مكان أريح فيه قلبي و دقاته، كنت أذهب إلى المدرسة و أخبر صديقاتي عنه فتمنين لو يعشن لحظاتي، هل تذكرين ذلك يا (نداء)؟ ابتسمت (نداء) و جالت بفكرها نحو ذلك الماضي الذي بدا بعيدا جدا..


(ملك).. (ملك).. ، انتبهت (ملك) لشخص يصرخ أمامها فقالت: نعم ماذا تريدين يا (نداء) ؟ ، وضعت (نداء) يديها على خاصرتها و قالت بعبوس: هيا ألن تأكلي معنا ؟ ، ابتسمت (ملك) في صمت و قالت: لا أدري، إنني أتبع حمية و...... ، قاطعتها (حنان) و هي تمسك بيدها: تعالي و كلي و إلا ستبدين كهيكل عظمي خذي عندك (أريام) كمثال، انتفـضت (أريام) في مـكانها و قالت و هي تناول (فاتنة) علبة الجبن لتفتحها: نعم ؟!.. نعم؟! .. ماذا قلت؟! .. انظري إلى (نداء) و اضربي بها المثل فهي إلى الهيكل العظمي أقرب مني، عندها اشتعلت (نداء) غيظا و قالت: ماذا؟! .. أنا أكثر منك سمنة.. أليس كذلك يا (فاتنة)؟ ، عندها وجه الجميع أنظارهم إلى (فاتنة) التي فتحت علبة الجبن بهدوء و وضعتها بجانب (التميز)، ثم هزت رأسها ببطء و قالت: لاحول و لا قوة إلا بالله، عندها أفسحت (نداء) لنفسها مكانا بين (فاتنة) و (أريام) و ذلك بدفع (أريام) جانبا، ثم وجهت كل منهما للأخرى نظرة توعد و ما هي إلا لحظات حتى انفجرتا ضاحكتين، و أخذت (نداء) تسكب الشاي في الأكواب الورقية، قالت (حنان) بهدوء: هيا يا (ملك) هذه اللحظات لن تتكرر كثيرا، فابتسمت (ملك) بصعوبة ثم قامت لتجلس في الحلقة الصغيرة.


ما بك يا (ملك) ؟ إنك كثيرة الشرود اليوم، ابتسمت (ملك) و قالت بهدوء: لا، لاشيء إنني مرهقة و حسب ، عندها قالت (أريام) و هي ترتشف الشاي ببطء: مرهقة ؟! لماذا هل أنت قلقة من الإمتحان؟ ، قالت (ملك) بدون فهم : أي امتحان؟ ، ابتسمت (نداء) و هي تعيد الأغراض إلى الأكياس و قالت : (إلي آخد عقلك متهنا به) ، نظرت (ملك) إلى السقف مفكرة ، فقالت (حنان) : هل أنت خائفة أو متوترة بسبب اقتراب موعد القران؟ ، ابتسمت (ملك) و قالت : نعم أعتقد ذلك ، إنني متحمسه و خائفة ، الآن انضمت (نداء) إليهم بعد أن رتبت جميع الأغراض ، لأن الأغراض المبعثرة تسبب لها القلق الشديد ، و جاءت (فاتنة) بعد أن شربت كوبا من الماء وقالت : هيا لا تخافي إن الله معك ، اتكأت (نداء) على الحائط ثم جلست باعتدال فجأة و قالت : متى موعد قرانك؟ ، فقالت (ملك) : اليوم الثالث من الشهر القادم لماذا؟ ، رفعت (نداء) نبرة صوتها وقالت : ماذا؟ اليوم الثالث من الشهر القادم ؟ إنه يوم زفاف ابن خالتي البكر.. ، يا إلهي ماذا سأفعل؟ ،و قالت (فاتنة) : سأكون مسافرة في هذا الوقت ، فقالت (ملك) بإنفعال : ما شاء الله ، ثم وجهت نظرها إلى (حنان) و (أريام) وقالت : و أنتما؟ ، فقالت الاثنتان معا : لا ، نحن قادمتان إن شاء الله .

يتبع..

عزيزتى القاصة دائما لك متابعتى المتلهفة لكل ما تخطه يداكى , ما هى قصة ملك و نداء و لماذا كل هذا الحزن أنتظرك لتقصى علينا القصة . متابعاكى و شكرا لك

رائع جدااااا وبداية قصة موفقة ان شاء الله لقد اعجبنى (الاسلوب -والصياغة -والاحداث رائعة)اتمنى لك التوفيق فى كتابتها