آخر 10 مشاركات
لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          بعد النهاية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )           »          هفهفت دِردارة الجوى (الكاتـب : إسراء يسري - )           »          96 - آخر الغرباء - جانيت دايلى - أصلية (الكاتـب : حنا - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ثَأري..فَغُفْراَنَك (الكاتـب : حور الحسيني - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-11-13, 03:09 PM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 غرناطةُ الشام❣..فانتازيا تاريخية ❣للكاتبة / أميرة أندلسية ، فصحى مكتملة


[/TABLE1]

[TABLE1="width:100%;background-image:url('https://www.rewity.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/11.gif');background-color:white;border:10px double darkblue;"]




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية
❣غرناطة الشام❣..فانتازيا تاريخية ❣....
✿•.للكاتبة✿•..أميرة أندلسية.. ✿•.¸¸.✿•



كلمة الكاتبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد متابعتكم ليا في القصص الأربعة اللي فاتت وتشجيعكم..بقدملكم قصتي الخامسة
لكن قبل ما أبدأ فيه كام نقطة عايزة أوضحها وياريت تتقبلوها بصدر رحب ومن دون زعل

ياريت يابنات محدش يقعد يقولي الفصل صغير أو كده..انتو اكيد عارفين ان الكتابة إلهام مش زرار هتدوسي عليه عشان تكتبي..يعني أحيانا بيبقى ده غاية تفكيري ومش ببقى عارفة أكمل فأتمنى انكم تقدروا النقطة دي وتعذروني..

كمان القصة المرة دي موضوعها حساس شوية لأن فيها بعض الإسقاطات على واقعنا السياسي..فياريت ياريــــــــــــــــــــت متحصلش حرب على صفحات قصتي..لأن ده قسم القصص مش القضايا الساخنة..

انا برحب بكــــــــــــــل البنات من كل الأطياف يقرو القصة حتى لو من تيار مخالف لرأيي..لكن من فضلكم أيتها المخالفات لرأيي محدش يقولي خليكي محايدة ومتتحيزيش لفئة دون فئة..أنا مش ترزي..أنا بكتب قصة من وجهة نظري أنا..وده طبيعي إن الكاتب بيكتب وجهة نظره..أنا مش صحفية ولا مذيعة عشان أكون عالحياد..أنا بكتب أفكاري وقناعاتي واللي شايفة ومتأكده إنها الحق..ولو انتي مش شايفة انها الحق فدي حاجة ترجعلك..

ياريت محدش يزعل من كلامي..انا عارفة اننا كلنا اخوات وأكيد هتقدرو كلامي ده..

طيب ممكن نبدأ بسم الله



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-11-13, 03:14 PM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

مقدمة


فتحت (ليلى) عينيها لتصطدما بظلام دامس..كانت تشعر بألم في رأسها وساقها على إثر السقطة،لكنها حاولت النهوض فخانتها قدماها وسقطت على الأرض لتتأوه بألم..

وضعت يدها على فمها في رعب خوفا من أن يكون أحد من الرجلين قد سمعها،ثم تحاملت على نفسها ونهضت مستندة إلى الجدار وهي تتلمس طريقها للخارج..


كان هناك ضوء خفيف خارج الجدار الذي كانت تختبئ خلفه،فأسندت جسدها إليه وأرهفت السمع لكنها لم تسمع أحدا..لكن قبل أن تتحرك مرة أخرى سمعت صوت أحدهم،ففزعت وحاولت الابتعاد عن الجدار لكنها توقفت عندما سمعت ذلك الشخص يتحدث العربية..


تعالت دقات قلبها واقتربت من نهاية الجدار كي تسمع ما يقول،لكنها سقطت على الأرض محدثة جلبة،فسمعت الرجل يتساءل صائحا عمن هناك ليهوي قلبها في قدميها..




* * *



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-11-13, 11:47 PM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الفصل الأول

علا صوت الطرق على باب بيت (يعقوب) الحداد،ففزع وهرع إلى الباب بخطى سريعة رغم سنوات عمره التي جاوزت الستين..
لم تتمكن النساء من الاستتار في الحجرات؛فلم يكد (يعقوب) يفتح الباب حتى اندفع الرجال المسلحون إلى البيت دون مراعاة لحرمة،وقلبوه رأسا على عقب وسط ذعر الأطفال اللذين اختبأوا خلف أمهاتهم وقد بدأ أصغرهم بالبكاء..

خرج الرجال وقد حملوا بعض السكاكين ثم أمسكوا بـ (يعقوب) واقتادوه وهم يسبونه بالقشتالية والرجل قد عقد لسانه وهم يقيدون يديه خلفه ويدفعونه بقسوه دون مراعاة لسنه..
خرجت النسوة خلف الرجال يشيعون (يعقوب) بنظراتهم والتي بدت فيها الصدمة..ثم لطمت (صفية) وجهها وهي تقول بصوت مرتعش:
- أخذوا (أبا يوسف) ..أخذوه هو الآخر
قالت (ليلى) وهي تغلق الباب الخارجي:
- اهدئي يا أمي..
ثم تابعت وهي تمسك بذراع أمها لتساعدها على النهوض:
- هيا إلى الداخل فقد بدأ الثلج يتساقط..

ودخلت النسوة إلى المنزل ثم أشارت (ليلى) إلى (عائشة) كي تغلق الباب..
- ماذا سنفعل من دونه الآن؟ لم يعد لنا أحد يا (ليلى)
ربتت (عائشة) على كتفها وقالت وهي تحبس دموعها:
- لنا الله يا خالة..لنا الله
قالت (ليلى) وهي تحاول أن تبدوا متماسكة:
- لا تقلقي يا أمي..سيعود عندما يجدونه بريئا
التفتت (صفية) ونظرت إلى ابنتها من بين أجفان متغضنة غارقة في الدموع وقالت:
- بريء..مثل (حسن)

غص حلق (ليلى) وبدت الدموع في عينيها لكنها أبت أن تطلق سراحها وقالت مغيرة دفة الحديث:
- اصعدي إلى غرفتك يا أمي كي ترتاحي
لم يكن أمام (صفية) إلا الانصياع لأمر ابنتها؛فلم يكن هناك ما يقال..والتفتت (عاشة) إلى الأطفال آمرة إياهم أن يصعدوا مع جدتهم..ثم دخلت مع (عائشة) إلى غرفة الأخيرة وانهارت على الفراش لتتساقط دموعها بمرارة وتقول كمن يحدث نفسه:
- لماذا تفتحين الجرح مرة أخرى يا أمي؟ لماذا؟

جلست (عاشة) بجوارها وربتت على كتفها ودموعها هي الأخرى لا تكف عن الانهمار وقالت:
- ادعي له بالرحمة يا (ليلى) ..فقد ارتاح من عذاب أولئك الشياطين..
ثم استدركت:
- لكن ماذا سنفعل الآن؟
مسحت (ليلى) دموعها وقالت:
- لا أدري..أخشى أنه لن يخرج
- ما أستغربه هو أخذهم للسكاكين
نظرت لها (ليلى) وقالت بسخرية:
- سيدّعون أنه صنعها وخبأها في البيت استعدادا للقتال
- لكنها سكاكين منزلية
- لو لم يجدوها لوضعوها وادعوا اكتشافها،كما أنهم قد يضعون معها بعض السيوف والخناجر لتكون التهمة كاملة
- لكن من الذي أبلغ عنه ولماذا؟
- قد يكون أحد الذين يتعاملون مع أبي واختلف معه في شيء،فأبلغ عنه واتهمه بهذه التهمة،أو أنه أحد القشتاليين الحمقى الذين يبلغون عن أي شيء لمجرد الاشتباه فقط

ثم وضعت رأسها بين كفيها تحاول التفكير في الخطوة التالية..لكن عقلها خذلها فالمصيبة لم تكن متوقعة،خاصة وأن والدها رجل عجوز لا طاقة له لحمل السلاح،فكيف يصدقون هذه التهمة الغبية..
سخرت من نفسها..ومنذ متى وهم يهتمون بطبيعة التهم؟! ..
وتذكرت (حسن) لتسقط دموعها مرة أخرى،لكنها حاولت التماسك وهي تقول لـ (عائشة) :
- غدا سنرى ما يجب فعله
وتركتها لتذهب إلى غرفتها تشيعها نظرات (عائشة) الحزينة..

* * *



لم تعد (صفية) ترغب في الأكل رغم محاولات (ليلى) و (عائشة) ،وكانت تمضي معظم الوقت في البكاء وهي تندب حظها وتلعن رجال الديوان الذين جلبوا الحزن والهم إلى هذا البيت مرتين..

- المال الذي لدينا لن يكفينا طول العمر..يجب أن نجد عملا
كانت (ليلى) تهمس لـ (عائشة) وهما في المطبخ تعدان الطعام..
- وهل تظنين أن خالتي ستوافق؟
- ومن قال أننا سنخبرها بذلك؟ ..سأذهب اليوم إلى (زينب) فهي تعمل في أحد البيوت وقد تجد لي عملا جيدا
ضربت (عاشة) على صدرها وقالت:
- ستعملين في البيوت يا (ليلى) ؟
- اخفضي صوتك..

وألقت نظرة سريعة على (صفية) التي كانت تجلس وحولها الأطفال تحكي لهم حكاية،ثم عادت لتواصل حديثها الهامس مع (عائشة) :
- ليس أمامي خيار آخر..إما أن أعمل وإما أن نموت جوعا،وليس هناك عمل آخر أستطيع القيام به،وإلا فقد كان حانوت الحدادة أولى

بدا الضيق على وجه (عائشة) لكنها لم تجد ما تقول فلزمت الصمت..وبعد قليل خرجت (ليلى) بحجة الذهاب للسوق لشراء بعض متطلبات المنزل،لكنها ذهب إلى (زينب) ..

- كان الله في عونكم..وكيف حال الخالة (صفية) ؟
هزت (ليلى) رأسها في أسى وقالت:
- وكيف سيكون حالها؟ ..لا تأكل إلا القليل ولا يسليها إلا وجود الأطفال حولها
- لا تقلقي ستكون بخير،فكلنا تعودنا على تلك الممارسات اللعينة
وصعدتا معا الدرجات الحجرية لتدخلا في شارع آخر ثم تتوقفان أمام أحد البيوت الكبيرة..
- كان هذا بيت (إسماعيل) التاجر
قال (زينب) محذرة:
- إياك والخوض في هذه الأحاديث أمام سنيورا (خيمينا) ..صحيح أنها امرأة طيبة لكنك تعرفين..
قاطعتها (ليلى) بإيماءة برأسها وقالت:
- لا تخافي..لن أتفوه بكلمة فأمي لن تحتمل صدمة أخرى

طرقت (زينب) الباب لتفتح امرأة سمينة راحت تنظر إلى (ليلى) بريبة وهي تقول:
- خيرا يا (ماريا) ؟ ليس هذا موعد عملك
- لم آت لأعمل..بل أريد مقابلة السيدة فلدي عاملة جديدة
تأففت المرأة وقالت وهي تفسح لهما المكان:
- سأخبرها حالا
دخلت المرأتان وراحت عينا (ليلى) تتفحصان المكان..كل شيء مختلف..لم يعد البيت كالسابق..

- أهلا (ماريا) ..قالت لي (لوثيندا) أنك أحضرت عاملة جديدة
خفضت (زينب) رأسها قليلا وقالت:
- أجل يا سيدتي.. (إسميرالدا) زميلتي
نظرت لها المرأة مليا وقالت:
- هل تجيدين أعمال المنزل يا (إسميرالدا) ؟
أومأت (ليلى) برأسها وقالت:
- أجل يا سيدتي
- جيد..
وقالت موجهة كلامها لـ (زينب) :
- ستتقاسمين العمل معها يا (ماريا) ..أريها المنزل الآن..
ثم واصلت وهي تستعد للمغادرة:
- أنا لن أختبرها فأنا أثق بك..أرجوا ألا تخوني ثقتي يا (ماريا)
هزت (زينب) رأسها بسرعة وقالت:
- ثقي بها تماما يا سيدتي

* * *



- ماذا فعلت؟
خلعت (ليلى) معطفها وقالت:
- سأعمل لدى سنيورا (خيمينا رودريغو)
- التي تسكن في بيت (إسماعيل) تاجر العطور
التفتت (ليلى) إلى (عائشة) وقالت بدهشة:
- كنت تعرفين أنها هي من تسكن مكانه؟
- أجل..سمعت بعض النسوة في السوق يتحدثن قبل أيام عن الأمر..

وأكملت وهما تدخلان إلى المطبخ:
- لكني لم أكن أعرف أنك ستعملين لديها
مطت (ليلى) شفتيها وقالت:
- لو رأيت ما رأيت يا (عائشة) ..لتفطر قلبك قهرا على ما وصلنا إليه
بدأت المرأتان في تجهيز الأكل لوضعه على مائدة الطعام..
- ماذا رأيت؟
قالت (ليلى) والأسى يملأ صوتها:
- كل شيء لم يعد يمت إلينا بصلة،كل شيء صار قشتاليا..البسط والأثاث والجدران..كل شيء.. حتى الخادمة التي قابلناها،أكاد أجزم أنها تبدوا قشتالية هي الأخرى
ضحكت (عائشة) على الجملة الأخيرة وقالت:
- ليس إلى هذه الدرجة

تركت (ليلى) ما بيدها وقالت:
- بل إلى هذه الدرجة وأكثر..ألم يصبح اسمك (مانويلا) وأصبحت أنا (إسميرالدا) ؟ ..هل نرتدي زينا العربي كالسابق؟ حتى المظهر لم يريدوا لنا الاحتفاظ به..ألم نعد نتكلم القشتالية؟ ألم نتعمد في كنيسة (سان سلفادور) قسرا؟ ألا نذهب إلى دروس الآحاد كبقية النصارى؟ ..أفيقي يا (عائشة) ..لولا أن منزلنا بسيط لطردونا منه وأخذوه كما فعلوا مع (إسماعيل)

عضت (عائشة) شفتها السفلى في ضيق وقالت وهي تحاول أن تداري عصبيتها في تعاملها مع الأواني التي تستعملها:
- كفى يا (ليلى) ..لا تذكريني بما حاولت نسيانه طيلة الأعوام الأربعة الماضية
ردت (ليلى) بعصبية:
- لا يجب أن تنسي،ولن تستطيعي فأخذهم لأبي قبل أيام لن يجعلك تنسي أبدا
ربتت (عائشة) على كتفها تهدئها وقالت:
- دعينا نضع الطعام على المائدة فلابد أن خالتي والأطفال جائعون

مضى أسبوعان منذ القبض على (يعقوب) وبدأت (ليلى) بالعمل في بيت (رودريغو) ..كانت تعاون (زينب) في التنظيف،فكانت هي المسؤولة عن الطابق العلوي و(زينب) المسؤولة عن الطابق السفلي..
كانت تنظف قطع الأثاث وهي تشعر بالمرارة،فمنظر أثاث بيت (إسماعيل) المبعثر في الشارع بعد طرد الأخير منه لم يفارق ذاكرتها..

شعرت بدنو أحد ما فالتفتت لتجد أمامها رجلا في الثلاثينيات،كان ينظر لها بطريقة أخافتها، فتظاهرت بأنها لم تلحظه وواصلت عملها..
- من أنت؟
وقفت وقالت:
- أنا الخادمة الجديدة يا سيدي
دار حولها وهو يتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها ويقول:
- ما اسمك؟
سرت في جسدها قشعريرة وقالت:
- (إسميرالدا)
- اسمك جميل..

ارتجفت عندما أمسك بجديلتها السوداء التي تصل لمنتصف ظهرها وقال:
- وأنت جميلة أيضا..
ابتعدت عنه وقد أصابها الرعب فضحك بطريقة أشعرتها بالاشمئزاز وقال:
- ما بك؟ ..لا تخافي
كان يبدوا مستمتعا بنظرات الخوف في عينيها،فاقترب منها أكثر لكنه سمع صوت أقدام على الدرج فابتعد عنها وهو يضع سبابته على فمه في إشارة تحذير لها كي تصمت..

- (إسميرالدا) ..لقد أنهيت عملي..سأذهب الآن لأنني سأمر على السوق
نظرت (ليلى) إلى (زينب) بامتنان وكأنها تشكرها على مجيئها في هذه اللحظة..


يتبع ...........




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-11-13, 11:51 PM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25





الفصل الثاني


خرجت (ليلى) من بيت (رودريغو) وهي تتنفس الصعداء لنجاتها من ذلك الوغد..لم تكن تعرف هويته،لكنها استنتجت أنه قريب لأهل البيت فالسيد (رودريغو) مسافر في هذا الوقت..
- فيم أنت شاردة يا (ليلى) ؟
انتبهت (ليلى) لصوت أمها فحاولت رسم ابتسامة على وجهها وهي تقول:
- لا شيء..
واستطردت بسرعة قبل أن تقول أمها شيئا آخر:
- لماذا لا تأكلين جيدا يا أمي؟
زفرت (صفية) وقالت:
- ومن يستسيغ الطعام بعد ما حدث
ربتت (عائشة) على كتفها وقالت:
- ستفرج قريبا إن شاء الله يا خالتي

كان الأطفال يلعبون ويتقافزون في المكان و (ليلى) تنظر إليهم في أسى..كيف ستقوم برعايتهم وحدها؟ صحيح أن (عائشة) معها لكنها كانت في حاجة إلى رجل..إلى (حسن) ..
غص حلقها ومنعت دموعها من التساقط رغما عنها،وحاولت التلهي بالحديث مع أمها ومع (عائشة) متجاهلة أفكارها..

لكن هناك ما لا يمكن تجاهله خاصة إن كان رجلا سمجا يتعمد مضايقتها..فلم يمض يومين على رؤيتها لذلك الرجل في منزل (رودريغو) حتى عاد مرة أخرى للتحرش بها..
عرفت أنه أخو (خيمينا) ويدعى (أرماندو) ،وهو يأتي لزيارتها من حين لآخر..وقد زادت زياراته بعد أن بدأت (ليلى) بالعمل في ذلك المنزل،وكانت مضايقاته تقتصر على النظرات المتفحصة وغزله الصريح لها..لكن الأيام كانت تمر ووقاحة (أرماندو) تزداد،ولا تملك (ليلى) من أمرها شيئا..

أحست (ليلى) بيد تمر على ظهرها فانتفضت واقفة والتفتت لتجد (أرماندو) ينظر إليها بوقاحة..
- لماذا تخافين مني أيتها الجميلة؟ ..
التصقت بالجدار عندما اقترب منها وهو يواصل:
- لا تحاولي تصنع العفاف..أنا أعرف أن كل الخادمات يستمتعن بمداعبات الرجال

ازدردت لعابها وقبل أن ترد أحاطها بذراعيه فصرخت وراحت تضربه وتقاومه كي يبتعد عنها.. ولدهشتها تركها وراح يضحك ثم قال:
- لا يوجد أحد في البيت،لذا فصراخك لن يجدي..لكني تركتك بإرادتي هذه المرة

ثم ألقى عليها نظرة أخيرة وغادر..غادر وقلبها يتقافز بين أضلاعها من شدة الخوف،ولم تستطع قدماها حملها أكثر من هذا فتهاوت على الأرض وراحت دموعها تتساقط رغما عنها..

هل يمكنها أن تكمل العمل في هذا البيت؟ ..إنها مرغمة وإلا فسيموتون جوعا،لكنها ليست مرغمة على العمل في هذا البيت بالذات..وقررت أنها ستكلم (زينب) علّها تجد لها مكانا آخر..


* * *

كان الدرس في الكنيسة يبدوا كالدروس التي سبقته،فالقس لا يفتأ يتحدث عن التسامح والحب والرحمة التي لا أثر لها في أرض الواقع..فكلما تكلم زاد الاضطهاد والحبس والتنكيل..يتكلم عن التسامح وقد عمّد بيديه المئات قسرا قبل أعوام..يتكلم عن الرحمة وهناك الآلاف الذين أحرقوا أحياء في احتفالات مهيبة حضر بعضها بنفسه ليباركها..

طلبت من (عائشة) أن تسبقها للبيت فهي ستقابل (زينب) للحديث معها..لكنها لم تذهب إلى (زينب) ؛فلم تكن تريد سوى الاختلاء بنفسها..لم تخبر أحدا بعد عما حدث..ولن تخبر أحدا..ربما تصارح (زينب) بهذا الأمر لكنها لم تقرر بعد..

وجدت نفسها أمام نهر (شِنيل) ..لم تنتبه بسبب شرودها إلى أنها قطعت كل تلك المسافة،فجلست على ضفة النهر تنظر إلى الغادين والرائحين،لكنها لم تكن ترى أحدا،فعقلها كان مشغولا..

كل ماحدث لم يكن في الحسبان..قتل (حسن) واعتقال والدها واللذان أديا بالضرورة إلى ذهابها للعمل في ذلك البيت الذي أصبحت ترتجف من مجرد التفكير فيه..هل ستتمكن من تركه أم ستضطر لمواصلة العمل فيه وتحمل تحرشات (أرماندو) ؟ ..

زفرت في ضيق وضمت ساقيها إلى صدرها واحتضنتهما بيديها،ثم أراحت ذقنها على ركبتيها وراحت تنظر إلى الماء..قد يتمادى (أرماندو) أكثر من هذا ويزداد وقاحة على وقاحته..فما العمل حينها؟..

سافر (أرماندو) إلى (بلنسية) ..مما جعل (ليلى) تشعر ببعض الراحة..لكنها كانت تعلم أنه سيعود حتما..وإلى ذلك الحين ستطلب من (زينب) أن تجد لها عملا آخر ثم تترك هذا البيت دون رجعة..

لكن .. "ما كل ما يتمنى المرء يدركه..تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" ..وكأنما هذه الأبيات قد نسجت خصيصا لـ (ليلى) ،كان في انتظارها ما لم يكن بالحسبان..

- (زينب) ..ابحثي لي عن مكان آخر..لن أستطيع الاستمرار في بيت سنيور (رودريغو)
- لماذا؟
ترددت (ليلى) قليلا ثم حزمت أمرها وأخبرت (زينب) عن كل ما حدث لتضرب الأخيرة صدرها وتقول:
- سنيور (أرماندو) ؟! ..لا يبدوا عليه ذلك..يا له من خبيث..
ثم قالت بتساؤل:
- لكن ماذا ستقولين لسنيورا (خيمينا) ؟
مطت (ليلى) شفتيها في ضيق وقالت:
- لا أدري..سأحاول اختلاق أي عذر حينها،لكن أرجوك جدي لي عملا في أقرب وقت

كانت (خيمينا) متعجبة من طلب (ليلى) وهي تعرف أنها بحاجة إلى المال..
- هل لي أن أعرف ما السبب؟
أحنت (ليلى) رأسها قليلا وقالت وهي تفرك يديها:
- أمي مريضة وتحتاج لرعاية دائمة
كانت مضطرة للكذب فلم يكن بوسعها إخبارها الحقيقة لأنها لن تصدقها على أية حال..
- لا بأس..
ثم نظرت إلى (زينب) وقالت:
- سيزداد العمل مجددا بالنسبة لك يا (ماريا)
- بإمكاني إيجاد امرأة أخرى من بعد إذنك يا سيدتي

أما (أرماندو) فقد عرف السبب الحقيقي وراء ترك (ليلى) للعمل..فقرر أنه لن يتركها تكسب هذه الجولة..


* * *

طرقت (زينب) الباب لتفتح (عائشة) وتقول بابتسامة:
- أهلا يا (زينب) ..كيف حالك؟
كان التوتر باد على المرأة وهي تقول:
- بخير..أين (ليلى) ؟
تعجبت (عائشة) من لهجتها فقالت:
- ادخلي وسأناديها لك
دخلت (زينب) وألقت التحية على (صفية) قائلة:
- صباح الخير يا خالة
التفتت لها (صفية) وقالت بعد أن تهللت أساريرها:
- صباح الخير يا (زينب) ..تعالي لا تقفي هكذا
- شكرا يا خالة..أنا على عجلة من أمري

جاءت (ليلى) من الأعلى لتختفي ابتسامتها فور أن رأت علامات التوتر على وجه (زينب) ..ثم خرجت معها إلى باحة المنزل الخارجية..
- ماذا فعلت يا (ليلى) ؟
- ماذا؟
- ماذا فعلت في بيت سنيور (رودريغو) ؟
عقدت (ليلى) حاجبيها دهشة وقالت:
- ماذا به؟
أخذت (زينب) نفسا عميقا وقالت:
- سنيورا (خيمينا) تريد أن تراك الآن..وقد كانت عصبية على غير عادتها..كما أن..
بترت عبارتها وأبعدت نظرها عن (ليلى) وهي تقول:
- سنيور (أرماندو) كان معها
أصاب (ليلى) القلق وقالت:
- وهل له علاقة باستدعائها لي؟
رفعت (زينب) كتفيها وقالت:
- لا أعلم..
ثم واصلت بنفاد صبر:
- هذا ليس وقت استنتاجات..يجب أن تأتي معي حالا

دخلت (ليلى) لترتدي معطفها وتخبر (عائشة) و (صفية) أنها ستخرج مع (زينب) قليلا..
كانت المرأتان تهرولان بين الشوارع والأزقة حتى وصلتا إلى البيت..توقفتا قليلا ثم طرقت (زينب) الباب..وبعد دقائق حضرت (خيمينا) ..لكنها لم تكن وحدها..كان معها (أرماندو) ..

- سنيور (أرماندو) يريد أن يسألك عن بعض الأشياء يا (إسميرالدا)
ازدردت (ليلى) لعابها بصعوبة،وحاولت تجنب النظر إلى عيني ذلك الثعلب..
- قبل أن تتركي العمل بيومين كان هناك كيس من النقود في إحدى الغرف التي كنت تنظفينها لكنه اختفى..
نظرت له (ليلى) بعدم فهم وقالت:
- أين ذهب؟
نظر لها بخبث وقال:
- أنا الذي أسأل

بعد ثوان من التفكير فهمت ما يرمي إليه فقالت وقد أحست أن الأمر لن يمر على خير:
- أنا لم آخذ شيئا يا سيدي..إن كنت تقصد ذلك
- أجل أقصد ذلك
صدمتها وقاحته..
- صدقني لم آخذ شيئا..بل إنني لم أر ذلك الكيس من الأساس
صاحت فيها (خيمينا) :
- أتقصدين أن أخي يكذب؟
أشار لها (أرماندو) كي تهدأ ثم قال:
- من الطبيعي أن تقولي ذلك،ويبدوا أنني سأضطر لتسليمك لرجال ديوان التحقيق كي تعترفي وتعيدي المال الذي سرقته..

امتقع وجهها،وقبل أن تنطق بحرف قال:
- لكني لن أسلمك لهم في حال ما أعدت المال
قالت وهي على وشك البكاء:
- أقسم لك يا سيدي لم آخذ شيئا
- إذن تريدين الذهاب لهم؟
- لا يا سيدي لا أريد
صمت قليلا ثم قال:
- إذن أمامك خيار من ثلاثة..إما أن تعيدي المال أو أن تذهبي لديوان التحقيق أو..
وسكت وهو يتابع تعبيرات وجهها الخائفة:
- أو أن تعملي عندي بقدر ما أخذت من مال!

اتسعت عيناها من الصدمة،ونظرت لها (زينب) بقلق..

لم تجد (ليلى) ما تجيب به؛فهي لم تحسب حسابا لموقف كهذا..لم تتخيل أن تبلغ الدناءة بهذا الرجل هذا المبلغ..وحارت في أمرها..ماذا ستفعل..ليس لديها ما تسد به ماله المسروق كذبا وزورا،ولا تريد أن تذهب إلى ديوان التحقيق الذي قد يجعلونها تعترف فيه بأنها هي من قتل (يوليوس قيصر) ذاته ..إذن ما الحل؟ ..هل ستعمل لديه؟ ..

هل ستعملين لديه يا (ليلى) وأنت قد تركت بيت (رودريغو) هربا منه؟ ..ماذا ستفعلين؟ ..لو عرفت أمك بما حدث فقد تموت كمدا..ماذا ستفعلين؟ ..

لم يكن لديها الخيار؛فقد وضعها (أرماندو) في مأزق حرج..




يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 12:11 AM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25




الفصل الثالث


في اليوم الذي بدأت (ليلى) فيه بالعمل لدى (أرماندو) ،كان هو في (بلنسية) ،وطلبت (دولوريس) زوجته من إحدى الخادمات أن تعرف (ليلى) مهامها في البيت..

- أنت محظوظة..فهناك الكثير من الخدم هنا ولن يكون العمل مرهقا لك

ابتسمت (ليلى) ابتسامة باهتة وهي تنظر لذلك الوجه الذي تبدوا عليه ملامح البراءة..كيف لهذه المرأة أن تكون زوجة لذلك الوغد؟ ..
- زوجي رجل طيب..أخبرني عن احتياجك للعمل،وأنه سيوظفك رغم أن لدينا الكثير من الخدم
هذه هي الكذبة الجديدة إذن..يبدوا أنه لن يتركها حتى بعد أن تفي بدينها المزعوم..
- هلّا ساعدتني في تغيير الثياب لطفلي؟
اقتربت منها (ليلى) وابتسمت فور أن رأت الطفل الذي لا يجاوز عمره بضعة أسابيع..
- هل لديك أطفال؟
أومأت (ليلى) برأسها وقالت:
- أجل..(عـ..) ..
وبترت جملتها ثم استدركت قائلة:
- (أدريان) و (إيزابيللا)

لم تعتد (ليلى) على مناداة الأطفال بأسمائهم القشتالية،وكاد لسانها يزل لكنها تداركت الأمر..

بعد أن عاد (أرماندو) لم يتعامل مع (ليلى) بالطريقة التي كانت تتوقعها،وقد أدهشها هذا وجعلها تتوجس منه،ليقينها بأنه يعد لها شيئا ما..

أحبت (دولوريس) كثيرا فقد كانت على النقيض تماما من زوجها..كانت امرأة متواضعة،ولم تكن كمعظم القشتاليين الذين قابلتهم (ليلى) ،والذين عُرفوا بكراهيتهم الشديدة للموريسكيين..فلم تكلفها ما لا تطيق،وكان هذا تعاملها مع بقية الخدم..


- (إسميرالدا) !

التفتت (ليلى) إلى (كارلوتا) الفتاة النحيلة والتي يغطي النمش وجهها..
- هل لي بكلمة معك؟
كانت الفتاة تبدوا متوترة فأحاطت (ليلى) كتفها بذراعها وقالت:
- بالطبع..تعالي للخارج لنتحدث
وخرجتا إلى باحة المنزل الخارجية..
- (إسميرالدا) ..أنا..
لم تكن تنظر إلى عيني (ليلى) وهي تتلعثم في كلماتها..
- أريد أن أكون مسلمة!

ألجم لسان (ليلى) ،وراحت تنظر إلى الفتاة بشك..هل هي صادقة أم تحاول استدراجها؟ .. أصيبت (ليلى) بالخوف،فقالت بسرعة بعد أن رسمت علامات الغضب على وجهها:

- ما الذي تقولينه يا (كارلوتا) ؟ هل جننت؟
ازداد ارتباك الفتاة وقالت:
- لا..ولكن..
- من دون لكن..لا تفكري في هذا الأمر مرة أخرى..
ثم واصلت وقد لانت لهجتها قليلا:
- ولا تخافي..لن أخبر أحدا بما قلته الآن كي لا يصيبك مكروه

وتركت الفتاة وقد اجتاحتها مشاعر متضاربة..هل الفتاة صادقة أم كاذبة؟ ..لو كانت كاذبة فقد أصابت (ليلى) في حديثها ونجت،لكن ماذا لو كانت صادقة؟! ..

دفنت (ليلى) وجهها بين كفيها وقد شعرت بضيق في صدرها..ربما كانت سببا في تراجع الفتاة عن قرارها..ويا له من إثم..

- ما بك يا (ليلى) ؟ ..لا تبدين بخير منذ أن عدت

رفعت (ليلى) رأسها إلى (عائشة) التي أغلقت باب الغرفة وجلست بجوارها على الفراش.. فأخبرتها بما حدث وبردها على الفتاة وشعورها بالذنب لما فعلت..
- أنت لم تخطئي..لو كانت كاذبة فقد أحسنتِ،ولو كانت صادقة فلها ربّ مطلع على ما في قلبها
- لو كانت صادقة وتراجعت عن قرارها فلن أسامح نفسي يا (عائشة) ،وسأحمل وزرها كما قال رسول الله في من دعا إلى ضلالة
- لا تحملي نفسك فوق ما تطيقين؛فدفع المفاسد مقدم على جلب المنافع..وأنت لا تعرفين نيتها هل كانت صادقة أم أنها تكذب للإيقاع بك..
ثم واصلت وهي تربت على كتفها:
- وكما قلت لك فالله مطلع على ما في القلوب،ولو أراد لها الهداية فلن يمنعها شيء..ألا نخفي نحن إسلامنا ونعلن الكفر؟ ..الله يعلم أننا مكرهون وأننا لا نقر بذلك

شعرت (ليلى) ببعض الراحة بعد هذه الكلمات،ثم أوت إلى فراشها..وبعد أيام وبينما هي ذاهبة إلى منزل (أرماندو) التقت بـ (كارلوتا) في الطريق..

- إلى أين؟
ابتسمت (كارلوتا) ببشاشة وقالت:
- إلى السوق..
ثم أكملت بعد تردد:
- (إسميرالدا) ..لقد ذهبت إلى الأب (سانشو) للاعتراف..
سقط قلب (ليلى) في قدميها لكنها حاولت التظاهر بالهدوء وهي تستمع إلى الفتاة..
- عرفت أنني كنت مخطئة في تفكيري ذاك،وأن عليّ التمسك بديني
هزت (ليلى) رأسها بحركة غير مفهومة وقالت وهي تغتصب ابتسامة:
- لقد قلت لك ذلك من قبل

كانت دموعها الحبيسة تحرق عينيها..لقد حدث ما كانت تخشاه،ها هي الفتاة تتراجع عن الطريق الصحيح،وبسببها هي..لكن ماذا كان بيدها لتفعله؟ ..

ظلت شاردة طيلة اليوم ولم تنتبه لـ (أرماندو) الذي كان يتتبعها بعينيه..صعدت للطابق العلوي فصعد وراءها وهو يعلم أنه لا أحد بالأعلى،ودخلت إلى إحدى الغرف لتنتفض على صوت غلق الباب.. التفتت لتجد (أرماندو) يقف عند الباب وفي عينيه نظرات خبيثة..

ازدردت لعابها بصعوبة وقالت بصوت متحشرج:

- هل تريد شيئا سنيور (أرماندو) ؟
اقترب منها ببطء وهو يقول:
- بالطبع أريد..
راحت تتراجع وقد بدا الخوف جليا في عينيها فقال:
- أريدك أن تعرفي أنه يمكنني إنهاء اللعبة متى أريد،وما يمنعني هو عدم الرغبة في إنهائها الآن
لم تدر ما الذي يريده منها هذا الرجل..لماذا لا يتركها وشأنها بعد أن اتهمها زورا وبهتانا بأنها سرقته من قبل؟ ..لماذا يصر على اللعب بأعصابها كل هذه المدة؟ ..
لامس وجهها بكفه فأشاحت به بعيدا،فضحك ضحكة عالية وابتعد عنها ثم غادر الغرفة..مسحت وجهها مكان أصابعه وهي تشعر بالتقزز منه..إلى أي مدى ستتحمل سخافاته؟ ..


* * *

أصبحت (ليلى) أكثرعصبية في الأيام التالية،وصارت تصرخ على الأطفال لأتفه الأسباب، وركض (عليّ) إلى حضن جدته وهو يبكي بينما (ليلى) تصيح وتتوعد..

- لماذا تصرخين هكذا يا (ليلى) ؟
توقفت (ليلى) أمام أمها وهي تحاول كبح جماح غضبها،لتأتي (عائشة) من خلفها وهي تقول:
- اهدئي قليلا..الأطفال لا ذنب لهم فيما يحدث..
وسحبتها من ذراعها مبتعدة عن مجال سمع (صفية) وقالت هامسة:
- أعرف أن اعتقال (كارلوتا) أمر مؤلم..لكن أرجوك لا تصبي جام غضبك على الأطفال

عضت (ليلى) شفتها السفلى وهي تشعر بالمرارة والألم،ونظرات (كارلوتا) الخائفة عندما اقتادها الجنود للخارج لا تغيب عن ذهنها..إذن هي لم تتراجع بل اعتنقت الإسلام سرا،وهناك من وشى بها بكل تأكيد..لكن من هو؟ ..وكيف عرف بوجود المصحف معها؟ ..بل كيف حصلت هي عليه من الأساس؟ ..


وتذكرت فجأة ذلك اليوم عندما قابلت (كارلوتا) في الشارع وأخبرتها أنها ذهبت للأب (سانشو) للاعتراف..

صكت (ليلى) وجهها وهي لا تصدق..أمن الممكن أن يكون الأب (سانشو) هو من وشى بها؟ .. ابتسمت لنفسها بسخرية..وماذا في ذلك؟ ..ألا يحضرون بأنفسهم المحاكمات وجلسات التعذيب لكل من أثيرت حوله الشبهات بأنه يقيم شعائر الإسلام أو اليهودية أو حتى البروتستانتية؟! ..

لكن لم يكن هذا وحسب ما يضايق (ليلى) ،بل كان هناك (أرماندو) ..ذلك الثعلب الخبيث الذي لا يكف عن التلاعب بأعصابها طيلة الوقت..


دققت في المرآة جيدا لترى بعض الشعيرات البيضاء على جانب رأسها..مررت يدها عليها وهي تشعر بغصة في حلقها؛هي لم تكمل الخامسة والعشرين من عمرها بعد،فماذا سيكون شكلها إذا بلغت الأربعين إذن؟! ..تنهدت ومشطت شعرها ثم جدلته وغطته كي تبدأ خبز بعض الفطائر مع (عائشة) ..


- كيف حالك في بيت سنيور (أرماندو) ؟

مطت (ليلى) شفتيها في استخفاف وقالت:
- حالي كأية خادمة هناك
- لماذا ذهبت إلى ذلك البيت يا (ليلى) ؟ أو بمعنى آخر لماذا تركت العمل لدى سنيورا (خيمينا) ؟
ارتبكت (ليلى) قليلا ثم قالت:
- قلت لك قبلا أن سنيور (أرماندو) كان في حاجة إلى خدم بعد ولادة زوجته،وبما أنني لم أكن أقيم لدى سنيورا (خيمينا) فلم تمانع أن أذهب إليه،خاصة وأنه سيدفع جيدا

كانت تتجنب النظر في عيني (عائشة) والتي لم تكن مقتنعة بهذه الرواية لكنها آثرت الصمت كي لا تضايق (ليلى) ..

بعد أن انتهت المرأتان من العمل توضأت (ليلى) وصعدت إلى غرفتها..غلّقت النوافذ جيدا وأسدلت الستائر وأظلمت الغرفة تماما،ثم سترت جسدها ورأسها وبدأت في الصلاة..لكنها قطعتها عندما سمعت طرقا على الباب في الأسفل..
خلعت رداءها بسرعة ووضعته في أحد أركان الغرفة ونزلت..كانت (زينب) فتنفست (ليلى) الصعداء..

- لم نعد نراك يا (زينب) ..ما الذي يشغلك عنا؟

ضحكت (زينب) وقالت:
- لا يمكن لشيء أن يشغلني عنكم يا خالة
- ألم يعد زوجك من غيبته الطويلة؟
تغيرت ملامح (زينب) وبدا عليها الضيق..
- نعم..لم يعد بعد
رفعت (صفية) يديها إلى السماء وقالت:
- أدعوا الله أن يرده إليك سالما غانما معافى
- آمين
- وكيف حال (عامر) ؟
- بخير يا خالة
- لماذا لم تحضريه معك؟
ضحكت (زينب) وجاءت (ليلى) بطبق به بعض الفطائر الطازجة،فمدت (زينب) يدها لواحدة من الفطائر وقالت:
- لقد أصبح رجلا يا خالة؛فقد تجاوز العاشرة منذ أسابيع..

قضمت من الفطيرة ورفعت حاجبيها في إعجاب وقالت:

- لذيذة..لا بد أن (ليلى) هي من صنعتها
ضحكت (ليلى) بينما (عائشة) تقول في غضب:
- ولماذا لا أكون أنا من صنعها؟
- لأنك دائما ما تضعين الكثير من الملح في طعامك
ضحكت (ليلى) مرة أخرى وقالت:
- أنا و (عائشة) تشاركنا في صنع هذه الفطائر
قالت (زينب) مشاغبة:
- لقد تحسن أداؤك إذن
مجيء (زينب) أضفى جوا من المرح على البيت الذي أصبحت الكآبة فردا من أفراده..


* * *

ظلام دامس وصوت يبدوا كخرير المياه قريبا منها..صوت أقدام تجري هنا وهناك،ثم سمعت بعض الرجال يصيحون..

خرجت من مكانها لترى أولئك الرجال..كانوا يحملون أشخاصا بدا أنهم إما قتلى أو جرحى،فقد رأت على ضوء القمر الدماء تغطي ثياب معظم الرجال..
وفجأة سمعت صوتا مدويا وقوة خفية دفعتها لتصطدم بالجدار..

شهقت (ليلى) واستيقظت من نومها وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم..مسحت حبات العرق التي علت جبينها رغم برودة الجو،ثم تفلت على يسارها ثلاثا وهي تستعيذ من الشيطان مرة أخرى..


ما هذا الحلم؟! ..وما ذاك المكان؟! ..كان غريبا..هي لا تتذكر تفاصيل المكان أو شكله جيدا لكنها كانت تشعر أن به شيئا مختلفا..

نهضت من الفراش ووضعت شالا من الصوف على كتفيها ثم فتحت النافذة لتتنسم بعض الهواء.. كانت الثلوج تتساقط لتغطي الأرض بطبقة بيضاء..كم تتوق للذهاب إلى حمام المدينة الآن..تنهدت في حسرة؛فأولئك الملاعين لم يتركوا شيئا على حاله،وقضوا على كل ما يمت للطابع العربي أو الإسلامي بصلة..هل بلغ بهم الكره لأن يدمروا معالم المدينة ويغيروها معلما تلو الآخر؟! ..

أغلقت النافذة بعد أن كاد وجهها يتجمد من البرد،واندست في فراشها الدافئ محاولة العودة إلى النوم من جديد..


لاح وجه (كارلوتا) في ذهنها..مسكينة تلك الفتاة..ترى ما حالها الآن؟ هل ستتحمل عذابات محكمة التفتيش؟ ..وماذا سيحل بها بعد ذلك؟ هل ستموت في محبسها أم ستخرج أم..؟!! ..


ارتجف جسدها عندما وصلت لهذه النقطة،فغطت رأسها وكأنما تحتمي بالغطاء من أفكارها،ولم تكن تعلم أن (كارلوتا) ستواجه الخيار الثالث،والذي لم تبح به (ليلى) لنفسها ولم تسمح له أن يتسلل بين أفكارها..


لن ترى (ليلى) عيني (كارلوتا) الزرقاوتين قبل أن يأكلهما اللهب،لن تسمع صرخاتها وسط النيران،ولن تسمع آخر كلماتها وهي تطلب الرحمة والغفران من الله،لن تكون موجودة عندما يقام حفل حرق المهرطقين والمرتدّين الذي سيحضره الأب (سانشو) بنفسه،والذي أعطاها صك الغفران قبل أسابيع..


(ليلى) لن تحضر تلك المحرقة..لأنها ستكون في مواجهة مع محرقة أخرى..




يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 12:43 AM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الفصل الرابع


تكرر ذلك الحلم عدة مرات لكن مع اختلاف بعض التفاصيل،فتارة كانت تقف خلف بناية وتارة تقف في إحدى الشرفات،وزاد تكرار ذلك الحلم من عصبية (ليلى) أكثر وأكثر..كانت في حاجة إلى اعتزال العالم والجلوس في هدوء لبعض الوقت..لكن هيهات أن يتحقق ما تريد وقد تسلمت بعض مهام (كارلوتا) بعد اعتقال تلك الأخيرة..

جلست على ضفة نهر (شِنيل) الذي تعشقه..أغمضت عينيها وهي تفكر في حياتها..أبويها.. زوجها..طفليها..أخيها و زوجته (عائشة) وابنتهما..منهم من رحل ومنهم من بقي،ومنهم من لا تعرف عنه شيئا..لكن في النهاية هي من تحملت المسؤولية..


أمسكت بجديلتها وراحت تعبث بها..لم تتخيل أن يأتي يوم وتعمل خادمة،وليس ذلك وحسب وإنما لدى أحد القشتاليين أيضا،وهي التي عاشت طيلة حياتها مرفوعة الرأس..تنهدت ونهضت ثم نفضت ثيابها وعادت أدراجها إلى البيت..


في الصباح استيقظت متأخرة،فارتدت ثيابها على عجل ومشطت شعرها كيفما اتفق ثم هرعت إلى بيت (أرماندو) ..

كانت (دولوريس) خارج البيت منذ الصباح،ولم يكن هناك سوى الخدم في البيت..وبينما هي تغير غطاء أحد الفرش سمعت صوتا لطالما أقشعر جسدها اشمئزازا بسببه..

- هل انتهيت؟

التفتت إليه وقالت:
- أوشكت على الانتهاء يا سيدي
فوجئت به يغلق الباب ثم يدير المفتاح في القفل ويضعه في جيبه..تسارعت دقات قلبها رعبا..هذا اليوم لن يمر على خير..
- ماذا تريد مني؟
- أريد الكثير

امتزج الخوف في عينيها بالكره الشديد وهي تقول:

- ولماذا أنا؟
اقترب منها وهو يخلع معطفه لتلتصق (ليلى) بالحائط،وقال:
- لأنك أعجبتني..رغم كل النساء اللواتي عرفتهن،لم أشته امرأة مثلك
- اذهب إليهن واتركني وشأني
- أنا من يقرر لمن أذهب وليس أنت

وأمسكها من كتفيها ثم أحاطها بذراعيه كي يشل حركتها،وهي تحاول التملص منه دون جدوى.. حاول تقبيلها بالقوة لكنها كانت تتحرك بعنف..

صرخت كي ينقذها أحدهم فضحك (أرماندو) وقال:
- لن يسمعنا أحد هنا..اصرخي كما شئت

استطاعت التخلص من قبضته وهرعت إلى الباب لكنه كان مغلقا فلم تدر ماذا تفعل..كان (أرماندو) يقف وينظر لها باستمتاع وهي كالفأر الحبيس في المصيدة،ثم اقترب منها مجددا فهربت منه إلى الجهة الأخرى من الغرفة وهو يضحك..

- لن تستطيعي أن تهربي مني للأبد

أمسكها مرة أخرى فتبعثر شعرها بعد أن انفلتت الجديلة،وأمسكت بثيابه تستجديه أن يتركها..

- أرجوك يا سيدي لا تفعل بي هذا..أرجوك..
كانت تبكي،فارتخت قبضته لتهوي على قدميه تمسك بهما وهي تشهق من البكاء،ودموعها تغرق وجهها وتتساقط على قدميه..
- أرجوك يا سيدي..اتركني وشأني
ابتعد عنها فخفضت رأسها للأرض ودموعها لا تكف عن الانهمار..
- إياك أن تظني أن دموعك هذه هي التي منعتني،أنا فقط لا أريدك أن تنغصي عليّ هذه اللحظات بدموعك المستعارة

رفعت رأسها وقد غطى شعرها وجهها والتصق به بسبب الدموع،وراحت تنظر إليه مندهشة من لهجته،وهي تشعر بالمرارة تكاد تخنقها وهي في هذا الموضع..


لو تركت العمل فلن يتركها،هي تعرف ذلك جيدا فما الحل؟ ..كانت تكره نفسها وهي تكاد تقبل قدميه ليتركها وشأنها..


سكبت الماء على جسدها كي تطهره من لمسات يديه..ماذا لو كان قد تمكن منها؟ يا له من كابوس..سكبت المزيد على رأسها وقد أصبح الماء باردا،لكنها لم تأبه رغم الرجفة التي اعترتها والتي لم تعرف أهي من برودة الماء أم من الأفكار السوداء التي تموج في رأسها..


صعدت إلى غرفتها وقد أرخى الليل سدوله،ولم يعد هنالك من صوت سوى نباح الكلاب من بعيد..

جلست على طرف فراشها وتركت العنان لدموعها التي لم تعد تقو على حبسها..دفنت وجهها بين كفيها وراحت تبكي..إنها في أشد الحاجة إليه الآن..إلى (حسن) ..لو كان موجودا لما عملت خادمة يتحرش بها الغادي والرائح،كانت تتمنى أن تجده بجوارها يمسح عنها دموعها التي أرهقتها..

يا رب..أنا ضعيفة وإن لم ألجأ إليك فلمن ألجأ؟ ..يا رب لا تتركني وحدي،لا تتركني لذلك الرجل يفعل بي ما يشاء..احفظني واحفظ كل مظلوم في هذه القرية الظالم أهلها..

وراحت تناجي ربها من بين دموعها إلى أن غلبها النوم..


* * *

وكأنما استجاب الله لدعوات وتضرعات (ليلى) ،فقد أصيبت بالبرد بسبب استحمامها بالماء البارد ليلة الأمس،ولم تستطع الذهاب إلى بيت (أرماندو) ..

أخيرا شعرت ببعض الهدوء رغم ضجيج الأطفال في البيت،لكنه كان أحب ضجيج إلى قلبها في تلك اللحظات؛فقد أشعرها أنها في مأمن لبعض الوقت،ثم أرسلت (عائشة) لبيت (أرماندو) لتخبرهم أنها مريضة..

نظرت إلى (عليّ) ،أحست أنه قد كبر في تلك الشهور..ضمته لصدرها وهي تتمنى لو توقف الزمن عند هذه اللحظة..أقبلت عليها (زهرة) ،كانت تصغر (عليّا) بعامين فقط،فأخذتها (ليلى) في حضنها هي الأخرى،لكن (عائشة) حذرتها كي لا تنتقل العدوى للأطفال..


جاءت (زينب) بعد المغرب لتطمئن عليها،لكنها لم تكن مرحة كعادتها..


- هل (عامر) بخير؟

نظرت (زينب) إلى (عائشة) وقالت:
- الحمد لله
- ما بك إذن؟
نقلت (زينب) نظراتها بين المرأتين ثم قالت:
- (مروان) ..
وصمتت قليلا ثم قالت:
- اعتقل

شهقت (عائشة) بينما وضعت (ليلى) يدها على صدرها وقالت:

- كيف عرفت؟ ..ومنذ متى وهو معتقل؟
زفرت (زينب) زفرة حارة وهي تجاهد لمنع دموعها من التساقط وقالت:
- عرفت قبل عدة أيام عندما وصلتني رسالة منه،أحضرها صديقه الذي كان يعمل معه.. (مروان) طلب منه أن يعطيني تلك الرسالة إن حدث له مكروه

وسكتت محاولة كبت دموعها فقالت (ليلى) وقد أصابتها غصة،فقد كانت في موضعها ذات يوم:

- وماذا كان في الرسالة؟
- أخبرني أنه عندما تصلني هذه الرسالة فسيكون إما ميتا أو رهن الاعتقال،وطلب مني أن أهتم بـ (عامر) جيدا
أنهت كلماتها وانفجرت في البكاء..

جلست (عائشة) بجوارها واحتضنتها وهي تمسح على شعرها في محاولة لتهدئتها،بينما كانت دموع (ليلى) تتساقط رغما عنها؛فقد تذكرت (حسن) ..وكأن ما حدث له كان بالأمس..يا لقسوة الحياة.. كلما أرادت (ليلى) التعايش مع واقعها حدث شيء يذكرها بماضيها ويعيد أحزانها مرة أخرى..


هدأت (زينب) قليلا ثم قالت:

- صديقه أخبرني أنه اعتقل بتهمة ممارسة السحر
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجه (ليلى) وقالت:
- التهم جاهزة سلفا
- حسبنا الله ونعم الوكيل..سينتقم الله منهم على ما فعلوه بكل أولئك الأبرياء


* * *

في اليوم التالي قررت (ليلى) أن تعود للعمل رغم إلحاح (عائشة) أن تستريح هذا اليوم أيضا،لكن (ليلى) كانت تخاف أن يظن (أرماندو) أنها تهرب منه فيسبب لها مشكلة أكبر،فأخبرت (عائشة) أن هناك أعمالا كثيرة بسبب رحيل بعض الخدم،ولن يضيرها العمل في هذا اليوم فهي تشعر أنها أفضل..


لحسن حظها كان (أرماندو) قد سافر،فتنفست الصعداء لأنها تعرف أنه لن يعود قبل أسبوع كعادته،ودب فيها النشاط فجأة وراحت تعمل في هدوء..وانتهى يومها على خير..لكنها عادت متعبة وقد ازداد مرضها خاصة مع تزايد برودة الجو..


- قلت لك ألا تذهبي اليوم لكنك عنيدة

أغلقت (عائشة) الستائر وأقبلت على (ليلى) تضع على كتفيها شالا من الصوف لتدفئها..
- كان لدي عمل يا (عائشة) ..وأنت تعرفين أن هؤلاء القوم لا يقبلون الأعذار،وغالبا يقومون بالطرد وإحضار البديل
- فليفعلوا ما شاءوا..بإمكانك العمل في أي مكان آخر
نظرت لها (ليلى) وقالت بسخرية:
- الكلام سهل لكن..
قاطعتها (عائشة) :
- لن نتحدث في هذا الأمر الآن..ارتاحي ريثما أحضر لك حساءً ساخنا

وتركتها لتسبح في أفكارها..الأوضاع تزداد سوءا في البلاد،فالاعتقالات تزداد والأسر تتشرد، وها هو زوج (زينب) ينضم لقائمة المعتقلين من المورسكيين..

انزلقت قليلا في فراشها وشدت الوشاح عليها طلبا للمزيد من الدفء..
مضى وقت كبير منذ اعتقال أحد القشتاليين الذي اشتبه أنه يمارس السحر،ربما كان ذلك منذ خمسة أشهر،لكنها لم تسمع عن المزيد منهم..

انتبهت من شرودها عندما دخلت أمها للغرفة وأغلقت الباب خلفها،فاعتدلت (ليلى) في فراشها لتجلس أمها على طرفه وتقول:

- طهور إن شاء الله يا ابنتي
- إن شاء الله يا أمي
- لا تنسي أن الآمك تحط من خطاياك..فقط عليك بالصبر
- صابرة يا أمي
وصمتت الأم قليلا ثم قالت:
- لا تظني أني حمقاء ولا أعرف أنك تعملين لتنفقي علينا

شهقت (ليلى) ثم سعلت بقوة..ناولتها أمها كأسا من الماء فأخذته (ليلى) وجرعت منه ثم قالت:

- من قال لك هذا الكلام؟
- لست في حاجة لأن يخبرني أحد..عندما أسأل عنك وتخبرني (عائشة) بعلل مختلفة لغيابك في كل مرة،فلا بد أن أعرف
قالت (ليلى) بسرعة وهي تمد يدها لتمسك بيد أمها:
- نحن في حاجة للعمل يا أمي فمدخراتنا لن تكفينا للأبد
زفرت (صفية) وهي تشعر بالأسى..لم يكن بمقدورها منع ابنتها من العمل وهي لا تستطيع أن تعمل أيضا..

تشاجرت (عائشة) مع (ليلى) في اليوم التالي لإصرار الأخيرة على الذهاب لعملها..

- أنت تقتلين نفسك يا (ليلى)
قالت (ليلى) وهي تلبس معطفها استعدادا للذهاب:
- كلنا نعمل ونحن متعبون،لا تحملي الأمور أكثر من طاقتها يا (عائشة)
كانت (عائشة) تعرف أن (ليلى) عنيدة وستفعل ما تريد،فسكتت بينما (ليلى) تقبل يدي أمها ثم احتضنت الأطفال بشدة،وذهبت إلى (عائشة) لتطبع قبلة على وجنتها وتحتضنها وهي تقول:
- لا أحب أن أراك هكذا..أنت تعرفين أنك لست زوجة أخي وحسب،أنت أكثر من أخت..
ثم ابتعدت عنها وهي تحاول رسم ابتسامة على شفتيها وهي تقول:
- انتبهي على الأطفال جيدا،وانتبهي على أمي أيضا

قطبت (عائشة) جبينها دهشة وهي تقول:

- ما بك يا (ليلى) ؟ تتحدثين وكأنك تودعيننا
ابتسمت (ليلى) ولكزتها في كتفها وقالت:
- تقولين هذا كي لا تعترفي أنك لا تحبين تلقي الأوامر

ضحكت (عائشة) وهي تهز رأسها ثم ودعت (ليلى) لتذهب الأخيرة إلى بيت (أرماندو) ..



* * *

كانت قد قاربت على الانتهاء من عملها عندما سمعت صوت الباب يغلق،فانتفضت والتفتت بسرعة إليه لتجده.. (أرماندو) ..لم يُطِل السفر هذه المرة..

- هذه المرة لو بكيت بحورا من الدم فلن أتركك..
تراجعت للخلف لتفاجأ به يفتح الباب ويخرج وهو يقول:
- إياك أن أسمع لك صوتا حتى أعود

وخرج من الغرفة ثم أغلقها بالمفتاح من الخارج..أسرعت إلى الباب تحاول فتحه لكنه كان موصدا بإحكام..خفق قلبها بشدة وقد تيقنت أنه لن يتركها بالفعل..


ماذا ستفعلين يا (ليلى) ؟ لماذا توقف عقلك بهذا الشكل؟ فكري في أي شيء لتخرجي من هذا المأزق..فكري..

ظلت متجمدة في مكانها لدقائق ثم جلست على الأرض..كان المرض قد أنهكها،فرفعت يدها إلى جبينها لتشعر به ساخنا وكأن دماءها من تحته تغلي..

ليتها لم تذهب..ليتها استمعت لـ (عائشة) ..لكنها كانت تعلم أنه خارج المدينة..ما الذي عاد به؟ ..

مرت دقائق ثم نهضت من مكانها وراحت تطرق على الباب بعنف،ليفتح الباب فجأة فتراجعت حتى كادت تسقط على الأرض..

- ألم أقل أني لا أريد أن أسمع لك صوتا؟

- دعني أذهب
أغلق الباب بالمفتاح ووضعه في جيبه وقال بهدوء استفزها:
- أنا السيد هنا،وأنا من ألقي الأوامر..
ثم تابع وهو ينظر لها بوقاحة:
- واصرخي كما شئت،فليس هناك أحد في المنزل..
اتسعت عيناها رعبا..بالتأكيد لن تفلت هذه المرة..

اقترب منها فأمسكت بمزهرية قريبة وألقتها في وجهه لكنه ابتعد بسرعة،ثم انقض عليها وهو يشل حركتها بينما هي تصارع لكن دون جدوى؛فبنيته القوية وضعفها بسبب المرض جعلا الصراع غير متكافئ..

ألقي بها على الأرض لتصرخ فصفعها على وجهها ومزق ثوبها وهو يقول:
- لو أنك أعطيتني ما أريد في المرة الماضية ما كنت لأستخدم معك العنف أيتها الجميلة..لا تنسي أنك مدينة لي بما سرقته من مال

قالت بغضب وهي تقاوم باستماتة:

- لم أسرق منك شيئا أيها الكاذب الحقير
- أعرف..لكنك سرقت هيبتي..فلست أنا من تنفر منه امرأة،خاصة إن كانت خادمة عربية قذرة مثلك

مر وقت من المقاومة والصراخ والألم المختلط بدموعها،ليتركها بعده وهو يعدل من ثيابه ويقول وعلى وجهه ابتسامة مخيفة:

- الآن لم تعودي مدينة لي بشيء
وخرج من الغرفة تاركا الباب مفتوحا..

اعتدلت وهي لا تستطيع السيطرة على نفسها أو دموعها..مدت يدين مرتجفتين تحاول بهما لمّ شعرها المبعثر وستر جسدها ببقايا ثيابها الممزقة..

تحاملت على نفسها وارتدت معطفها وخرجت من البيت وهي تشعر بالقهر،تشيعها نظرات (أرماندو) الشامتة.. فأسرعت الخطى لتبتعد عنه وعن البيت،ولو استطاعت أن تبتعد عن الدنيا كلها لفعلت..


يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 12:47 AM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الفصل الخامس

كانت الشمس قد غابت والجو بارد جدا لكنها لم تعد لبيتها..كيف ستعود وهي بهذا الشكل؟ ..ماذا ستقول لهم؟ ..ورغم إعيائها الذي يشعرها بالمزيد من البرد،راحت تمشي بلا هدى ودموعها تسيل بلا توقف وهي تريد أن تهرب من نفسها ومن تلك الذكرى السوداء التي لن تفارقها أبدا..


سمعت صوتا خلفها فالتفتت لتجد أحد رجال الشرطة يتمشى في الشارع شبه الخالي من المارة، فانحرفت لتعود لبيتها لكنها فوجئت أنه يتبعها..أسرعت في مشيتها وقلبها يخفق بأضعاف قوته..هي لن تتحمل صدمة أخرى..


لكنها توقفت عندما سمعت ذلك الشرطي يصفر بفمه لشرطي آخر ظهر عند الزاوية،فانحرفت مرة أخرى مبتعدة عنهما وهي تدعوا الله أن ينجيها منهما..


كان مرضها قد اشتد وراحت تسعل وهي لا تكاد ترى أمامها،وحاولت الركض بأقصى ما تستطيع من قوة..

اقتربت من نهر (حدرُّه) وراحت تركض على ضفته ثم نزلت فيه وهي تحاول الاختباء منهما.. واصلت المشي حتى وصلت المياه الباردة لخصرها،ثم نظرت للخلف فلم تجد أحدا،لكنها تابعت المشي حتى اختبأت خلف جذع شجرة ضخمة..

ساعدها الظلام أيضا على الاختباء وسمعت صوت أحدهما يتحدث إلى صاحبه ثم ابتعدا عن المكان..خرجت من مكانها ثم من النهر تجر ثيابها المبتلة جرا متجهة إلى البيت،لكن يبدوا أن أحد الرجلين رآها فسمعته ينادي صاحبه ويخبره عنها..


ركضت مرة أخرى لكن هذه المرة كان الأمر أصعب،فثيابها المبتلة كانت ثقيلة ومرضها زاد من ضعفها..فحاولت أن تضللهما بأن تدخل في الأزقة الضيقة حتى وجدت مبنى متهدما لم تره من قبل في هذا المكان..لكن لم يكن أمامها وقت للتعجب أو التفكير فدخلت فيه على الفور..


كان الصوت قد اقترب فتراجعت قليلا،وبسبب الظلام لم تنتبه لتلك الحفرة،فسقطت واصطدم رأسها بالأرض لتغيب عن الوعي فورا..



* * *

فتحت (ليلى) عينيها لتصطدما بظلام دامس..كانت تشعر بألم في رأسها وساقها على إثر السقطة،لكنها حاولت النهوض فخانتها قدماها وسقطت على الأرض لتتأوه بألم..


وضعت يدها على فمها في رعب خوفا من أن يكون أحدا من الرجلين قد سمعها،ثم تحاملت على نفسها ونهضت مستندة إلى الجدار وهي تتلمس طريقها للخارج..


كان هناك ضوء خفيف خارج الجدار الذي كانت تختبئ خلفه،فأسندت جسدها إليه وأرهفت السمع لكنها لم تسمع أحدا..لكن قبل أن تتحرك مرة أخرى سمعت صوت أحدهم،ففزعت وحاولت الابتعاد عن الجدار لكنها توقفت عندما سمعت ذلك الشخص يتحدث العربية..


تعالت دقات قلبها واقتربت من نهاية الجدار كي تفهم ما يقول،لكنها سقطت على الأرض محدثة جلبة،فسمعت الرجل يتساءل صائحا عمن هناك ليهوي قلبها في قدميها..


سمعت صوت أقدام الرجل تقترب من مخبئها فحاولت النهوض عندما واجهها ضوء قوي كاد يعمي عينيها..رفعت يدها كي تحمي عينيها من ذلك الضوء المبهر عندما سمعت الرجل يقول:


- مين إنتي؟


أبعدت يدها عن وجهها وقد انتبهت للهجته الغريبة،وكان الرجل قد أبعد الضوء عن عينيها وهو ينظر لها نظرات تعجب ويكرر سؤاله..

- ومن أنت؟
- أنا يلي بسألك

لم ترد فقد كانت تشعر أن هناك شيئا غريبا في ذلك الرجل..هل هو من خارج (غرناطة) ؟ يبدوا ذلك فلهجته لا تدل على أنه أندلسي أصلا..

- طيب إنتي من وين؟ وشو اللي جابك لهون بها الوقت؟
لم تفهم كلامه فراحت تنظر له بتساؤل..
- هل أنت عربي؟
نظر لها الرجل بدهشة أكبر وقال:
- شو شايفتيني بحكي هندي؟ إيه أكيد عربي

كان الإعياء قد بلغ من (ليلى) مبلغه فاستندت إلى الحائط وراحت تسعل وقد بدأت تشعر بالدوار..

- شكلك تعبانة..
لم ترد..كانت متعبة وكل مفصل في جسدها يصرخ ألما،كما أن رأسها وساقها لا يزالان يؤلمانها،فجلست على الأرض ليقترب منها الرجل ويقول:
- باينتك مو من هون..أكيد هربانة من الشبيحة..
ثم واصل وهو يعتدل واقفا:
- تعي معي اقعدي عنا بالبيت وبكرة بنشوف شو بدنا نساوي
قالت (ليلى) وهي تحاول الوقوف:
- سأعود للبيت..أنا أسكن قريبا من هنا

كانت تتسند على الجدار لتخرج من المكان لكنها سقطت على الأرض،فأسرع الرجل بمساعدتها، وعندما أمسك بذراعها فوجئ أن جسدها يشتعل من الحمى..لم يتكلم مرة أخرى بل حملها على الفور وخرج من ذلك المكان ليذهب بها إلى بيته..


لم تقاوم (ليلى) رغم خوفها من أن يؤذيها هو الآخر لكنها لم تعد تملك القدرة على المقاومة،وبدأ جفناها بالارتخاء..لكنها ومن بين أجفانها نصف المغمضة رأت بيوتا لا تشبه تلك البيوت التي تعرفها في (البيازين) ..ولم تجد الوقت لتفكر في كنه ذلك المكان فقد فقدت وعيها من شدة الإعياء..



* * *

" مين هاي يا (رسلان) ؟ "

" ما بعرف..لقيتها بحوش البناية اللي عالشارع "
" تيابها شكلها غريب "
" البنت حرارتها مرتفعة وتيابها مبلولة،غيرولها تيابها لبين ما أنادي دكتور (علاء) "


* * *

فتحت (ليلى) عينيها ببطء لتجد نفسها في غرفة غريبة،تدخلها إضاءة خافتة من زجاج نافذتها.. رفعت رأسها بصعوبة واتكأت على مرفقها لترى المكان بصورة أفضل..


عطست بقوة ثم ارتمت على الفراش..كان جسدها منهكا جدا،من المرض ومن العمل ومن الركض ومن ..

أغمضت عينيها بقوة وهي تحاول طرد ذلك الوجه اللعين من مخيلتها،وانحدرت من عينها دمعة ساخنة،سارعت بمسحها عندما وجدت الباب يفتح ويطل منه وجه فتاة..

- مسا الخير..إنتي منيحة هلق؟

تساءلت (ليلى) في نفسها عن هذه اللهجة الغريبة،لتجد الفتاة تمد يدها إلى جبينها تتحسسه ثم تقول وقد بدت السعادة على وجهها:
- الحمد لله اتحسنتي كتير
- أين أنا؟
خرج صوتها ضعيفا..فقالت الفتاة وهي تجلس على طرف الفراش:
- لا تخافي إنتي بأمان هون

حاولت (ليلى) أن تعتدل جالسة فساعدتها الفتاة وهي تقول:

- شو إسمك؟
- إسمي؟
- إيه
- (ليلى)
- أنا (ملك)

رغم الإضاءة الخافتة إلا أن (ليلى) كانت ترى البسمة المرسومة على وجه الفتاة لا تفارقها،مما أعطى (ليلى) إحساسا ببعض الأمان،لكنها رغم ذلك كان يكتنفها شعور بالقلق،فالغرفة يبدوا طابعها غريبا جدا..كررت سؤالها:

- أين أنا؟
قالت (ملك) :
- إنتي بالبيت
- بيت من هذا؟
- بيتنا..بيت (رسلان الرفاعي)
لم تسمع (ليلى) عن هذا الاسم من قبل..
- هل هو الذي أحضرني إلى هنا؟
- إيه هو..

وصمتت (ملك) قليلا ثم قالت:

- إنتي ليش بتحكي هيك؟ ..
نظرت لها (ليلى) في عدم فهم فقالت (ملك) :
- ليش بتتكلمي بالفصحى؟ إنتي مو من هون؟
حاولت (ليلى) استنتاج معنى الجملة وقالت:
- أنا من (غرناطة)
- بس ما في شارع أو حي هون بها الاسم
- أنا من مملكـ ..
استدركت بسرعة وقالت:
- من مدينة (غرناطة)
- وينها هالمدينة؟

كانت نبرة الدهشة تتصاعد في الحوار بين المرأتين وكأن كلا منهما تتحدث في موضوع مختلف..لم تعرف (ليلى) بم ترد..هناك شيء ما خطأ..المكان..اللهجة..الثياب.. انتبهت لثيابها لتجد نفسها تلبس عباءة واسعة لها طابع مختلف أيضا عما اعتادته..

- أنا وإمي غيرنالك تيابك،كانت مبلولة كتير..
صمتت (ملك) قليلا ثم قالت:
- وكانت مشقوقة..

تذكرت (ليلى) ذلك التمزق الذي أصاب ثوبها بيد (أرماندو) الآثمة..ارتجف جسدها وتجمعت الدموع في عينيها لكنها منعتها بالقوة،وانتبهت على صوت جرس غريب فأخرجت (ملك) شيئا ما من جيبها وضغطت فيه زرا ما ليتوقف ذلك الجرس..

- هلق صار موعد الدوا..

نهضت (ملك) وتناولت علبة أسطوانية صغيرة فتحتها وأخرجت منها بعض الحبوب،أخذت أحدها وأعطتها لـ (ليلى) ثم ناولتها كأسا من الماء..كان مذاق الدواء غريبا كباقي الأشياء الغريبة التي في هذا المكان..


كان في رأس (ليلى) الكثير والكثير من الأسئلة..لكنها لم تكن تعرف من أين تبدأ..عقلها كان مشوشا..

انزلقت قليلا في الفراش فقامت (ملك) بتغطيتها وهي تقول:
- إذا احتجتي شي بس ناديني

هزت (ليلى) رأسها وابتسمت ابتسامة مرهقة،فخرجت (ملك) وأغلقت الباب خلفها بهدوء..

راحت (ليلى) تسترجع أحداث اليوم في محاولة للوصول إلى النقطة التي أوصلتها إلى هذا المكان..عندما خرجت من بيت (أرماندو) لاحقها أولئك الرجلين،هربت منهما إلى النهر ثم عاودا ملاحقتها لتدخل في ذلك البيت..

اعتدلت في الفراش وقد تذكرت..ذلك البيت لم تره (ليلى) من قبل وهي التي تحفظ شوارع (البيازين) وأزقتها عن ظهر قلب..كيف ظهر فجأة؟ ..

دار رأسها وقد بدأت تشعر بالخوف..هل هي تحت سيطرة عمل سحري مثلا؟ ..أم أنها تحلم؟ ..لا إنها لا تحلم،هذا واقع..

أغمضت عينيها وتدثرت بالغطاء جيدا فقد داعب النوم عينيها واستسلمت له،لعلها تفيق فتجد نفسها في بيتها بـ (البيازين) ..



يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 12:50 AM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الفصل السادس

صوت الأذان الجميل..تسلل إلى أذني (ليلى) لتتململ في فراشها وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة..فتحت عينيها وهي تشعر بالحسرة..يا له من حلم جميل ليته يتحقق،ليتها تعود إلى المسجد الكبير في (غرناطة) حيث كانت تصلي العيد وهي صغيرة مع أبيها وأخيها وأبناء عمومتها..قبل أن تُرفع عليه الصلبان وتعلق الأجراس..

" الصلاة خير من النوم "

انتفضت (ليلى) جالسة وهي تسمع ذلك الصوت..هذا ليس حلما..
" الصلاة خير من النوم "

هبت من الفراش رغم إعيائها..ثم جلست بسرعة لشعورها بالدوار..فتح الباب لتسمع صوت (ملك) :
- ما شاء الله..شو هالنشاط
التفتت (ليلى) إليها لترى امرأة تدخل وتقول:
- كيفك هلق يا بنتي؟
لكن (ليلى) بدت وكأنما لم تسمع شيئا وقالت:
- ما هذا الصوت؟
قالت المرأة:
- هاد الأذان

قامت (ليلى) من مكانها رغم ألم قدمها،واقتربت من النافذة وهي تقول بصوت يملؤه الذعر:
- سيعتقلونه حتما..
جذبت الستائر وألصقت وجهها بالزجاج البارد لترى بعض المآذن المضيئة في عتمة الليل،ثم قالت وهي تكلم نفسها:
- كيف تركوا هذه المساجد؟ ..
فتحت النافذة لتسمع صوت الأذان يتردد من مساجد أخرى،فالتفتت إليهما وقالت:
- هل سمحوا لكم بالصلاة في المساجد؟

كانت (ملك) تتبادل النظرات مع أمها التي قالت:
- والله ما منعوها يا بنتي..الله يستر..هنن خونة ويعملوها

ظلت (ليلى) تستمع إلى الأذان وتدموعها تسيل بلا توقف..آخر مرة سمعت صوت الأذان كان منذ سنوات مضت،بعده لم تعد تسمع سوى صوت أجراس الكنائس ..
عطست بقوة ثم استندت إلى الجدار فاتجهت (ملك) إليها وقالت وهي تغلق النافذة:
- رح تتعبي مرة تانية بعد ما اتحسنتي
ثم أخذتها من يدها وأوصلتها للفراش بينما الأم تقول وهي تخرج من الغرفة:
- رح شوف (محمود) فاق ولا لسة..وجهزي حالك لنصلي
- طيب ماما..
والتفتت إلى (ليلى) وقالت وهي تربت على كتفها:
- تعي اتوضي..رح ساعدك..
ثم قالت:
- وبعدها رح اربطلك رجلك

كادت (ليلى) أن تنهض لكنها تذكرت ما حدث قبل ساعات..ارتجف جسدها وشعرت بالغثيان ثم قالت:
- يجب أن..
وأصيبت بالارتباك فكيف ستفسر موقفها؟ ..
- يجب أن أغتسل قبلا
- طيب حبيبتي رح شوف الحمام وجهزلك تياب نضيفة
وخرجت..لتجد (محمود) يخرج من البيت للصلاة..
- إمي.. (ليلى) بدها تتحمم.. (رسلان) هون؟
- لا بنتي..نزل قبل شوي

دخلت (ملك) إلى الغرفة وأحضرت ثيابا نظيفة وأعطتها لـ (ليلى) كي تستحم..خرجت (ليلى) مستندة على (ملك) إلى الصالة وهي تنظر حولها ودهشتها تتزايد..هناك الكثير من الأشياء الغريبة في هذا المكان..
أشارت لها (ملك) إلى الحمام لتدخل (ليلى) وتقف مشدوهة..
- شو؟ تعبتي مرة تانية؟
التفتت إليها (ليلى) وقالت:
- كيف سأستحم هنا؟
نظرت (ملك) لأمها في دهشة ثم قالت:
- عادي..
ودخلت إلى الحمام ثم فتحت المرش وهي تقول:
- هيك
تقدمت (ليلى) خطوة للداخل ثم قالت بخجل:
- وأين سأقضي حاجتي؟
تبادلت الأم وابنتها النظرات مرة أخرى ثم أشارت (ملك) إلى المرحاض وشرحت لها كيفية استخدامه،لتدخل (ليلى) وتغلق خلفها الباب..

- (ملك) ..هالبنت مجنونة شي؟
هزت (ملك) كتفيها وقالت:
- ما بعرف..شكلها غريب..تيابها..كلامها..نظراته ا..شكلها مو من هون أصلا..
تابعت وهي تسمع صوت الماء في الحمام:
- ممكن تكون تركية وضيعت طريقها..أو..
سكتت قليلا ثم قالت:
- أو إنها فاقدة الذاكرة مثلا؟
- ممكن..الله أعلم يا بنتي

بعد ربع ساعة خرجت (ليلى) من الحمام وشعرها لا يزال يقطر ماء..
- نعيما حبيبتي
كانت (ملك) تبتسم كعادتها..ثم قامت لتساعد (ليلى) على تجفيف شعرها..
- ما شاء الله شو هالشعرات الحلوين..
والتفتت إلى أمها وهي تقول:
- ماما..شوفي قديش شعرها حلو

كانت (ليلى) صامتة كالتمثال..لا تعرف ماذا تقول..هي لا تعرف كيف جاءت إلى هنا،ولا تعرف من هؤلاء الناس..
دخلت النسوة إلى الغرفة التي كانت تنام بها (ليلى) وبسطت (ملك) السجاجيد للصلاة،ثم أعطت (ليلى) ثوبا لتصلي..

- الله أكبر..الحمد لله رب العالمين..الرحمن الرحيم..مالك يوم الدين..إياك نعبد وإياك نستعين..

عند هذه الآية دمعت عينا (ليلى) ..نعم يا رب إياك نعبد..إياك نعبد..وبك نستعين على هذه الدنيا.. نحن مسلمون لك لكننا مكرهون على الكفر..اللهم ثبتنا على ديننا..

- اهدنا الصراط المستقيم..صراط الذين أنعمت عليهم..غير المغضوب عليهم ولا الضالين

بدأ جسد (ليلى) يرتجف..إنقذنا يارب من الضالين..لا تسلطهم علينا أكثر من هذا..يا رب مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين..
كان صوت (ملك) جميلا في التلاوة،مما زاد من بكاء (ليلى) ..لا تذكر متى كانت آخر مرة صلت في جماعة مع (عائشة) أو مع أمها..فور أن مس جبينها الأرض علا نشيجها،كانت تسجد بقلبها وتمنت لو ظلت ساجدة للأبد،أربع سنوات تصلي في الخفاء وحدها،تتخفى وكأنها مقدمة على جريمة، وتخشى أن يراها الأطفال فيتكلمون دون وعي أمام العامة،ليسمعهم أحد القشتاليين أو الخونة فينفضح أمرها..

لم تتوقف عن البكاء حتى بعد أن سلمت..

- شو بك يا (ليلى) ؟ في حدا مضايقك؟ عندك مشكلة؟
حاولت (ليلى) أن توقف دموعها المنهمرة،بينما (ملك) تمسح على رأسها..فقالت الأم:
- رح حضر لفطور..أكيد جوعانة من أمس ما أكلتي شي

وخرجت من الغرفة كي تترك لهما حرية الحديث..فقامت (ملك) بمساعدة (ليلى) على خلع ثوب الصلاة،ثم جلست على طرف الفراش وهي تربط قدمها وتقول:
- (ليلى) ..إنتي وين أهلك؟ منين إجيتي؟
- أهلي؟ ..
زفرت (ليلى) ثم قالت:
- أهلي في (غرناطة)
- أخي قال إنو شافك قريب من هون..كنتي هربانة من حدا؟
- هاربة؟
- إيه
ران الصمت عليهما لثوان ثم قالت (ليلى) :
- كان هناك رجلان يتتبعانني
- من الشبيحة؟
نظرت لها (ليلى) بغير فهم..
- يعني مجرمين؟
- لا..بل كانا من الشرطة
- ولي! ..شرطة؟ بس ما في شرطة هون!
- ليس لديكم شرطة؟
- إيه بلى عنا..بس هالإيام لجان الحماية المدنية بتقوم بعمل الشرطة..وأخي كان راجع من اللجنة لما شافك

ساد الصمت وكل منهما تفكر فيما قالته الأخرى..ثم قامت (ملك) وأحضرت مشطا لتمشط شعر (ليلى) التي أرادت أن تسأل سؤالا لكنها كانت خائفة من الإجابة..خائفة من أن تتأكد شكوكها..لكن صوت الأم أنقذها وهي تناديهما لتناول الطعام..
- استني..رح تخرجي هيك؟ ..
وفتحت خزانتها لتعطيها حجابا تغطي به رأسها..
- إخواني الرجال برة
أمسكت (ليلى) قطعة القماش تتحسسها وقد لمعت الدموع في عينيها،ها هي تلبس حجابها دون خوف..

خرجت مع (ملك) التي جذبت لها أحد المقاعد لتجلس عليه،ثم ذهبت تساعد أمها في إحضار الطعام من المطبخ،وبعد دقائق جلست بجوارها بينما أمها تنادي ولديها..
- صباح الخير..
أتى الشاب الذي التقت به (ليلى) بالأمس..
- كيفك هلق؟ إن شاء الله منيحة
هزت (ليلى) رأسها..لا بد أنه (رسلان) فقد سمعت اسمه وهي تتأرجح بين الوعي واللاوعي عندما أحضرها إلى هنا..ثم ظهر شاب آخر وجلس وهو يقول:
- صباح الخير..
ثم وجه حديثه إلى (ليلى) :
- كيف حال ضيفتنا؟
هزت (ليلى) رأسها مرة أخرى ثم راحت تجول بعينيها في المكان..كل شيء غريب..غريب.. لطالما رأت اختلاف بيوت القشتاليين عن بيوتهم الأندلسية،ورغم ذلك كانت هناك أشياء مشتركة..لكن هنا يوجد الكثير من الأشياء التي لم ترها من قبل في حياتها،ولا تظن أن ملكي (قشتالة) بنفسيهما قد رأوها..
- ليش ما بتاكلي يا بنتي؟
انتبهت (ليلى) من شرودها ثم بدأت تأكل..مد (محمود) يده إليها بكوب من الحليب الدافئ وقال:
- لا تخجلي

بعد قليل نهض (محمود) وهو يقول:
- رح روح هلق..بدكن شي؟
- يسلمو..الله معك
- استناني يا (محمود) ..بدي روح معك
قبل الشابان يد أمهما وخرجا..ثم أحضرت (ملك) الدواء لـ (ليلى) مرة أخرى فأخذته شاكرة لتقول الأم:
- بنتي..بعرف إنك تعبانة بس بدنا نعرف إنتي من وين حتى نكلم أهلك ونطمنهن عليكي
- بتقول إنها من..
وسكتت قليلا ثم قالت لـ (ليلى) :
- قلتي بلدك شو إسمها؟
- (غرناطة)
- وينها هاي يا بنتي؟ بأي بلد؟
أدارت (ليلى) بصرها بين المرأتين ثم قالت:
- في (قشتالة)
قالت (ملك) بدهشة متزايدة:
- وينها (قشتالة) هاي؟
قالت الأم:
- إنتي مو من هون صح؟
فهمت (ليلى) العبارة فأومأت برأسها أن نعم..فقالت (ملك) :
- ما بدي دايقك بس..شو اللي جابك عا (سورية) بها الإيام؟! ..

بدت الصدمة على وجه (ليلى) فقالت (ملك) بسرعة:
- والله مو بقصدي..بس نحنا بحالة حرب وأنا خايفة عليكي لهيك سألت
كانت هذه هي إجابة السؤال الذي تخشاه..لقد خرجت أو أُخرِجت بطريقة ما من (غرناطة) ،بل من (الأندلس) كلها..


يتبع ...........





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 12:57 AM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25





الفصل السابع




- (سورية) ! ..
هبت (ليلى) واقفة لكن قدمها آلمتها فجلست مرة أخرى وهي تقول:
- كيف جئت إلى هنا؟ من أحضرني؟
- ليش إنتي وين كنتي قبل ما تجي لهون؟
- كنت في (غرناطة)
أخذت (ملك) نفسا عميقا ثم قالت:
- (ليلى) ..احكيلي كل شي من الأول،بركي نقدر نساعدك

من أين تبدأ؟ ..منذ أن عملت لدى (أرماندو) ؟ ..أم منذ الحادث..

أغمضت عينيها وقد اعترتها رجفة..لا..لن تذكر شيئا عن (أرماندو) ..بدأت تروي لهما كل ما حدث منذ أن خرجت من بيته حتى وجدت نفسها في هذا البيت..

ساد الصمت للحظات قبل أن تقول (ملك) :

- قصتك غريبة كتير..
ثم التفتت إليها وهي تقول:
- وهاي (غرناطة) تبع أي بلد؟
- (الأندلس)
عقدت (ملك) حاجبيها دهشة وقالت:
- (الأندلس) ؟! ..بس هاي ما عادت موجودة من زمان
- أعرف..لقد احتلها القشتاليون منذ سنوات
ساد الصمت مرة أخرى لتقطعه الأم قائلة:
- خلاص خلي (أحمد) لما يرجع يقعد معها..بركي بيقدر يساعدها
- إيه صح..
ثم التفتت إلى (ليلى) لتجدها تتثاءب فقالت:
- قومي نامي هلق..أكيد هاد تأثير الدوا

لم تعترض (ليلى) ؛فقد كانت تريد الاختلاء بنفسها لتفكر في تلك الورطة التي وقعت بها..قامت بمساعدة (ملك) التي أوصلتها حتى الفراش ثم دثرتها جيدا كي لا تبرد..


شكرتها (ليلى) وعقلها يكاد ينفجر من كثرة التفكير..ترى ماذا حل بـ (عائشة) وأمها والأطفال؟ .. هل يبحثون عنها الآن؟ ..لا بد أنهم قلقون،ولا بد أن طفليها يبكيان الآن..دمعت عيناها وهي تشعر بالشوق إليهما..لقد انشغلت عنهما كثيرا في الآونة الأخيرة بعد اعتقال أبيها وبدئها بالعمل..تذكرت عندما احتضنتهما بالأمس وما قالته (عائشة) ..


" ..ما بك يا (ليلى) ؟ تتحدثين وكأنك تودعيننا.. "


أغمضت عينيها بقوة تحاول منع سيل الدموع الذي أغرق وجهها..دوما ما تكون (عائشة) على حق..ليتها أطاعتها وظلت في البيت،لكن هذا قدر وما كانت لتهرب منه على أية حال..


- مسكينة هالبنت والله

تنهدت (ملك) وقالت:
- الله يعينها..شكلها مصدومة..
ثم تابعت:
- وشفتي شلون عيونها كانت عم تطلع بالمكان؟ كأنها جاية من عالم تاني
ولم تدر (ملك) كم كانت محقة..


* * *


استيقظت (ليلى) على صوت أذان الظهر،فنهضت لتقف عند النافذة لتمتع أذنيها بذلك الصوت.. كانت السماء تمطر والجو بارد لكنها رغم ذلك استندت إلى النافذة ترقب قطرات المطر التي ترتطم بزجاج النافذة بقوة وكأنما تريد تحطيمه،لكنها تنهزم أمام صلابة الزجاج فتسيل لتختلط بقطرات أخرى لاقت نفس المصير..مثلها تماما..إن هي إلا قطرة في هذه الدنيا حاولت التغلب على مصاعب الدنيا لكنها فشلت..هزمت..تحطمت..


لكنها لم تكن وحدها،فأهل (الأندلس) كلهم كانوا كقطرات المطر..كثر لكن لا تأثير لهم أمام جحافل النصارى التي كانت تقضم من أرض (الأندلس) القطعة تلو الأخرى وتلوكها في استمتاع وهي تفرض الجزية على المسلمين،وترفع صلبانها فوق مساجدهم..تحرق كتبهم ومصاحفهم..تخلع عن نسائهم حجابهن،وتبدل لغتهم بلغة المحتل..


كل هذا والأمراء المسلمون يتعاركون على الفتات الذي يلقيه إليهم النصارى،ويبيعون بعضهم بعضا لعرض من الحياة الدنيا..يبيعون إخوانهم للنصارى حفاظا على كراسي ومناصب..وهم لا يعلمون أنهم أُكِلوا يوم أُكِل الثور الأبيض..


سمعت طرقا خفيفا على الباب..التفتت لتجد (ملك) تفتح الباب بهدوء ثم تبتسم لمرآها..


- منيح إنك صحيتي..تعي اتوضي لنصلي سوا

ابتسمت لها (ليلى) وأومأت برأسها،وخرجت للوضوء ثم صلت مع (ملك) وأمها..
- هل لديكم مصحف؟
تعجبت (ملك) وقالت أمها:
- طبعا يا بنتي..ما في بيت إلا وفيه أكتر من واحد
أحضرت لها (ملك) أحد المصاحف وأعطتها إياه ودهشتها تتزايد من تصرفات (ليلى) ..ثم تركتها في الغرفة وخرجت..

- ماما..أنا شوي ورايحة لخالة (مريم) ..ديري بالك عا (ليلى) ماشي؟

- شو يا بنتي مفكرتيني صغيرة
طبعت (ملك) قبلة على خد أمها وقالت:
- إنتي ست الكل

أمسكت (ليلى) بالمصحف ثم ألصقته بوجهها وقد بدأت تبكي..منذ زمن لم تر مصحفا ولم تلمسه بيدها..فتحته لتقع عيناها على سورة (العنكبوت) ..



(الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين * أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون) ..


انهمرت دموعها حتى لم تعد ترى الكلمات أمامها..ولم تدر هل ذلك من حنينها إلى المصحف أم من وقع الآيات عليها..مسحت دموعها وواصلت القراءة وهي لا تكاد تصدق أنها تقرأ القرآن دون أن تشعر بأن أحدا ما يراقبها..


ارتدت (ملك) ملابسها واتجهت إلى الباب لتخرج،فسمعت صوت قراءة (ليلى) ..ابتسمت ثم خرجت من البيت..



* * *


بعد العصر وبينما (ملك) وأمها تضعان الطعام على المائدة،سمعت (ليلى) صوت جرس غريب لتتجه على إثره (ملك) إلى الباب لفتحه بعد أن ارتدت حجابها وأحضرت لـ (ليلى) حجابها ثم فتحت الباب..

- السلام عليكم..
التفتت لتجد شابا طويلا أحنت (ملك) أمامه رأسها قليلا وهي تقول بخفوت:
- وعليكم السلام
مال الشاب على أذنها فأشاحت (ليلى) بوجهها..
- اشتقتلك

احمر وجه (ملك) حياء ولم ترد ثم ابتعدت عن الباب لتفسح له المجال ليدخل،لكنه توقف عندما رأى (ليلى) وقال بصوت منخفض:

- عنا ضيوف؟
- مو بالضبط..
نظر لها مستفسرا فقالت:
- ادخل وبعدين منحكي
- السلام عليكم
ردت (ليلى) السلام لتقول (ملك) :
- هاد (أحمد) يلي حكيتلك عنه..
ثم التفتت إلى (أحمد) وقالت:
- هاي (ليلى) ،عندها مشكلة صغيرة وما في غيرك بيقدر يحلها

قبل أن يقول شيئا جاءت الأم وهي ترحب به..

- كيفك (أحمد)
- الحمد لله يا خالتي..إنتي شلونك؟
- نشكر الله..
بدؤوا بالأكل والأم تقول:
- شو (رسلان) و (محمود) ما هم جايين؟
- إي والله نسيت قلك..(رسلان) اتصل فيني وقالي إنهن رح يتأخروا مشان إجتهم بضاعة وراحوا يستلموها
كانت (ليلى) تأكل في صمت فقالت (ملك) :
- شو عجبك الأكل يا (ليلى) ؟
أومأت برأسها إيجابا وهي لا تزال في صمتها..
- (ليلى) .. بعد الأكل رح تحكي لـ (أحمد) قصتك مرة تانية،وإن شاء الله يلاقيلك حل

أومأت (ليلى) برأسها مرة أخرى بينما (أحمد) ينظر إلى (ملك) في عدم فهم،لكنها أشارت له أن يواصل طعامه..وبعد أن انتهوا روت (ليلى) حكايتها مرة أخرى لـ (أحمد) ،والذي كانت نظراته تقطر منها الدهشة..


- والله قصتك غريبة كتير..

ثم حك رأسه وهو يقول:
- متأكدة إنك إجيتي من (الأندلس) ؟
قطبت (ليلى) جبينها في ضيق وقالت:
- لماذا لا يصدقني أحد؟ ما الذي سأجنيه إن كذبت عليكم؟
قال (أحمد) بسرعة:
- والله مو قصدي..بس..
وسكت لثوان ثم قال:
- إنتي بتعرفي إن (الأندلس) سقطت من زمان؟
- أعرف فقد احتلها القشتاليون ،والذي كان يتتبعني رجلان منهم
- لا مو هيك.. (الأندلس) سقطت من أكتر من خمسمية سنة!

بدت الصدمة على وجة (ليلى) ..هل سمعت جيدا؟ هل قال خمسمئة؟ ..


- (ليلى)

نظرت (ليلى) إلى (ملك) ثم إلى (أحمد) ..
- لا يمكن..أنت مخطئ..لقد كنت بالأمس هناك
- والله مصدقك..بس يلي حكيتيه ما إلو تفسير تاني
قالت (ليلى) وكأنما تحادث نفسها:
- خمسمئة سنة!

- شوفي..هلق يلي فهمته إنك كنتي عم تهربي من هادول الرجال وبعدين دخلتي بيت ما شفتيه قبل هيك صح؟

أومأت (ليلى) برأسها فواصل (أحمد) :
- هداك البيت يمكن يكون نقطة انتقال في الزمان والمكان
- أتريد مني أن أصدق أنني انتقلت من أقصي الغرب إلى أقصى الشرق،ومن زمن إلى زمن آخر؟ ..أي عقل يصدق هذا
- طيب هاتيلي عقل يفسر هالموضوع؟ ..
لم ترد فقال:
- على كل حال لمن يرجع (رسلان) رح نخليه يورجينا المكان يلي شافك فيه..طيب؟

كانت (ليلى) تنقل بصرها بين (أحمد) و (ملك) وأمها..تنهدت ثم قالت:

- لا بأس..سأنتظر


* * *


- هاد هو المكان..

كان (رسلان) يحمل كشافا قويا يضيء المكان كله..
- لقيتها هون

اقترب (أحمد) و (ليلى) و (ملك) من المكان وهما يتفقدانه جيدا بحثا عن أي شيء قد يساعدهما، لكن لم يكن هناك شيئا يستحق الاهتمام..بعض القراميد المبعثرة على الأرض وسط التراب والأحجار، وبعض أدوات البناء..فعاد الجميع أدراجهم في صمت..


شعرت (ليلى) أن رأسها يكاد ينفجر من كثرة التفكير..هل هي في حلم؟ ..لا هذا ليس حلما وليس سحرا كما كانت تظن من قبل،إذن فهي قد انتقلت بالفعل إلى زمن آخر..أغمضت عينيها بقوة لترى صورة أطفالها في مخيلتها..ماذا يفعلون الآن من دونها؟ ..هل يعقل أنها لن تتمكن من رؤيتهم مجددا؟ ..


تعجبت من حالها،فالحزن لم يكن ما تشعر به..لماذا لا تبكين يا (ليلى) ؟ ..هل جفت دموعك؟ ..

قطع تفكيرها صوت أحدهم يتحدث خارج الغرفة..فوضعت الشال الذي أحضرته لها (ملك) ـ وضعته على كتفيها بعد أن غطت رأسها وخرجت من الغرفة لتلتفت لها أعين الجالسين،وتنهض (ملك) لمساعدتها على الجلوس..

لكن عيني (ليلى) تعلقتا بذلك الصندوق الذي تتحرك على سطحه الأمامي صورا لأحد الشوارع، فجلست وهي تحملق فيه بخوف..


- ما هذا؟ ..هل هذا سحر؟

- أعوذ بالله يابنتي..سحر شو؟ ..هاد تلفزيون
نظرت (ليلى) للأم في غير فهم فقال (محمود) :
- هاد جهاز بيعرض صور لأماكن بعيدة عن هون مشان العالم كله يشوفها
اعتدلت (ليلى) وقالت:
- وهل يمكن أن أرى (غرناطة) من هنا؟
ضحك (محمود) و (ملك) ثم قال:
- لأ..هو ما بيعرض يلي بدك تشوفيه

ثم شرح لها ما هية الجهاز و (ليلى) تستمتع له وكأنه يروي إحدى حكايات (ألف ليلة وليلة) .. التفتت إلى الجهاز مرة أخرى تحملق في الصور..بشر وشوارع وبيوت..


ورغم كل ما مرت به ارتسمت على وجهها ابتسامة..يبدوا أنها سترى الكثير من العجائب هنا..



يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 01:05 AM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الفصل الثامن




- (أحمد) ابن خالتي الله يرحمها،وهو بيكون خطيبي..

كانت (ملك) تهمس لـ (ليلى) وهي مستلقية بجوارها في الفراش..
- اتخطبنا من سنة وبعد ما جهزنا بيتنا..
سكتت قليلا ثم تابعت:
- اتهدم بصاروخ من صواريخ الكلب (بشار)
قالت (ليلى) بدهشة:
- ومن هو الكلب (بشار) ؟!
ضحكت (ملك) وقالت:
- مو كلب..هاد رئيس البلد
- تقصدين الحاكم؟
- إيه..بس الله يلعنه خرب البلد ولساته عم يخرب فيها أكتر
- وأين الخليفة من كل هذا؟

نظرت إليها (ملك) ثم انفجرت ضاحكة،ووضعت يدها على فمها كي لا يسمع أحد ما صوتها وقالت:

- أي خليفة يا (ليلى) ؟ الخليفة مات من شي مية سنة
- مات!
- إيه وماتت معه الخلافة كلها..
ساد الصمت عليهما لثوان قبل أن تقطعه (ملك) قائلة:
- بكرة رح خلي (أحمد) يحكيلك عن كل شي بدك تعرفيه،هو صحيح معلم لغة عربية بس بيحب التاريخ..

التاريخ! ..ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجه (ليلى) ..كنتِ بالأمس فقط من التاريخ،واليوم ستسمعين بأذنيك أحداثا عاصرتها وأحداثا لم تشهديها..


- أخوه لـ (أحمد) مهندس اتصالات،بس بيعشق التاريخ عشق،وهو يلي خلى (أحمد) يتعلق بالتاريخ

انتبهت (ليلى) من شرودها ثم قالت:
- ما معنى مهندس اتصالات؟
أجابتها (ملك) ثم ابتسمت؛فهذه الفتاة تسأل عن كل شيء كالأطفال..بدا لها هذا الخاطر مضحكا، لكنه كان محزنا أيضا،فلا بد أن (ليلى) تشعر بالاضطراب لعدم فهمها ما حدث،كما لم تفهم (ملك) أيضا..

- آسفة لأني جعلتك تنامين خارج غرفتك بالأمس

هزت (ملك) رأسها وقالت:
- لا تقولي هيك..نحنا إخوات
سمعت (ليلى) صوت الجرس الغريب مرة أخرى والذي يصدر من شيء صغير،ضغطت (ملك) فيه زرا ثم قالت:
- موعد الدوا
- (ملك) ..ما هذا الشيء؟
وأشارت إلى الجهاز الذي كان يصدر الرنين قبل ثوان..
- هاد موبايل
وشرحت لها ما هيته والدهشة لا تزال هي المسيطرة على (ليلى) منذ أن أتت لهذا المكان..




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
وغلا

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:20 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.