آخر 10 مشاركات
رواية بحر من دموع *مكتملة* (الكاتـب : روز علي - )           »          القبلة البريئة(98)لـ:مايا بانكس(الجزء الثالث من سلسلة الحمل والشغف)كاملة*إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          الحب الضائع (97) لـ:مايا بانكس (الجزء الثاني من سلسلة الحمل والشغف) *كاملة* (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          صفقة طفل دراكون(156)للكاتبة:Tara Pammi(ج2من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          125 - الضوء الهارب - جينيث موراي (الكاتـب : حبة رمان - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          133 - وداعا يا حب - روبين دونالد (الكاتـب : حبة رمان - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-07-11, 01:22 AM   #1

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
:jded: بين مخالب الزمن ... "مكتملة"


بسم الله الرحمن الرحيم
قصة "بين مخالب الزمن"

تسارعت الأشجار على سرعة القطار، فيخيل لمن يراها كأنها تتسابق فيما بينها، وبإحدى عرباته ومن بين المسافرين، جلستا الفتاتان سمراء وزهراء لا تتجاوزان الثالثة والعشرون من العمر، لحظات ويعلن عن اقتراب المحطة، توقف القطار فنزل من نزل وركب من ركب ليتابع سيره إلى محطات مقبلة … من بين الركاب عائلة مكونة من الوالدان وصبي عمره حوالي الأربع سنوات وصبية عمرها حوالي تسع سنوات هذه الأخيرة جلست مقابلة للفتاة سمراء وهي تبتسم، ابتسامتها أخذت سمراء إلى الماضي البعيد… فأغمضت عيناها وراحت تتذكر يوم كانت في نفس سن تلك الصبية وعلى نفس المقعد جلست دامعة العينان بيد مسكت حقيبة صغيرة وبالأخرى ترتكز على عكاز وعلى مقربة منها شيخ في بداية العقد السادس من عمره، ملامح وجهه توحي إلى طيبة قلبه حيث كان يراقبها بعيون مبتسمة كلها حب وحنان، وما إن توقف القطار، نزل الشيخ فنزلت خلفه، وبعد إقلاع القطار وانصراف الركاب اقترب منها الشيخ متسائلا:
- ابنتي … هل من مساعدة؟
لم ترد عليه لكنه فهم من إشارة بيدها أنها بكماء.
تعود سمراء من الماضي البعيد إلى الواقع على صوت صديقتها زهراء:
- سمراء … سمراء … يا لله وصلنا إلى بلدتنا.
تستقعد سمراء وتتهيأ للوقوف وهي تستند على العكاز تاركة زهراء لتحمل الحقائب.
وما إن نزلتا حتى أبصرت زهراء من بعيد شابا مقبلا نحوهما فقالت وهي تبتسم:
- سمراء أنظري … مختار في انتظارنا …
توقفت لحظة وابتسمت وتابعت تقول:
- أقصد في انتظارك.
ابتسمت سمراء وقالت:
- آه منك.
- وهل تنكري أنه مجنون بحبك.
- أرجوك اصمتي إنه يقترب.
- المسكين لا يعرف أن القلب وما يريد.
وما إن اقترب منهما حتى قال:
- حمدا لله على وصولكما بالسلامة.
ثم راح يتناول حقيبتيهما بكل لطف واحترام.

يصلوا أولا إلى حيث إقامة زهراء … والد زهراء كان أمام الباب سعد جدا لرؤيتهما، رحب هو وزهراء بسمراء بالدخول إلى المنزل لكنها اعتذرت بلطف ووعدتهما بأن تمر فيما بعد.

تابعت سمراء طريقها مع مختار الذي فاجأها بدون مقدمات وبكل أدب وهدوء قائلا لها:
- سمراء … لماذا ترفضين حبي لك؟
وبعد فترة صمت ردت عليه:
- مختار تعرف جيدا كم أعزك … فأنا لم أرفض حبك لكن …
توقفت وشعرت بإحراج فنطق هو قائلا:
- لأنني لم أكمل دراستي الجامعية واخترت الفلاحة
فقاطعته قائلة:
- لا أرجوك لا تقل هذا … وصدقني ليس هذا السبب فأنت إنسان متعلم ومثقف ومعك الثانوية وبإمكانك دخول الجامعة متى تريد، وإن كنت فلاح، فلاح بأرضك، وأي واحدة تتمناك.
- إذا مادام هذا هو رأيك فيّ، فلماذا ترفضين؟
وبنوع من الإحراج والتردد استجمعت كل قواها وردت على تساؤله:
- مختار هل تزعجك صراحتي لو قلتها لك؟
- لا أبدا … فأنا وإن لم يكن لي معك نصيب سأظل دائما أخا وصديقا لك إن لم يكن لديك مانع.
شعرت لحظتها بارتياح وقد أدركت مدى سعة قلبه وعقله فبادرت قائلة:
- كلامك هذا أراحني ولهذا سأقول لك الحقيقة، أنا يا مختار مرتبطة بشاب يدرس معي بالجامعة، واتفقنا أن نحدد موعدا للخطوبة بمجرد تخرجنا، وصدقني لو قلت لك بأنني تعرفت عليه قبل أن أدرك اهتمامك بي.
لم ينطق ولا بكلمة … تابعا طريقيهما وكان الصمت سيد الموقف ولما وصلا إلى حيث إقامة سمراء غادرها قائلا بكل لطف وأدب:
- مثلما قلت لك، سأظل الأخ والصديق الذي تحتاجينه في أي وقت ومن كل قلب أتمنى لك السعادة والتوفيق مع من اختاره قلبك.
ولأنها أدركت صدق كلامه ونبرة حزنه فاكتفت بكلمة شكر له.

ودخلت إلى المنزل بعد انصرافه، وهي تعبر فناء المنزل أبصرت والدتها مجالسة أم مختار، فهرعت لترتمي في حضنها وهي في أشد الشوق لها، نطقت أم مختار في سعادة:
- ربنا ما يحرمكما من بعض.
بعدها سلمت سمراء على أم مختار وقالت لها:
- ولا يحرمنا منك، فأنا كلما يختلجني القلق في غيابي عنها فبمجرد ما أتذكرك بأنك لا تتركينها ولو لحظة لوحدها أشعر بالاطمئنان.
وردت أم مختار:
- ولو … يا ابنتي لا تنسي أننا ليس فقط بنات خالات، بل أكثر من الأخوات فنحن ولدنا وتربينا في بيت واحد.
تبتسم سمراء ثم توجه نظرها نحو أمها التي ما زالت تحيطها بذراعيها بكل حنان قائلة:
- كم اشتقت إليك، وبصراحة لولا إصرارك بأن أكمل دراستي الجامعية ما كنت فعلت واكتفيت بالثانوية وطلبت من أبي زهراء أن يجد لي عملا بالمدرسة حتى لا أبتعد عنك ولو لحظة من عمري.
لحظتها تقوم أم مختار لتستأذن بالانصراف، وبعد خروجها تابعت سمراء قائلة:
- على كل هانت، كلها كم شهر وأعود حاملة الشهادة.
بعدها فاجأتها الأم قائلة:
- هل التقيت مختار؟
تنهدت وردت:
- نعم، وقلت له الحقيقة، هي صحيح حقيقة مرة لكن أنا متأكدة أنه إنسان مثقف ومتفهم.
وتحاول سمراء تغيير الموضوع حتى تبتعد عن الجو الحزين الذي اكتسحاهما وهما تتكلمان عن مختار قائلة بنبرة فرح وبهجة:
- كم اشتقت إلى فنجان قهوتك.
وراحت الأم تسكب لابنتها فنجان القهوة من الإبريق الذي أمامها وهي في كامل سعادتها قائلة:
- حاضر … حاضر من عيني يا أحلام.
وردت سمراء باندهاش:
- أحلام؟!!
الوالدة الحنون ودون إدراك منها تعيدها إلى الجو الحزين … وراحت سمراء تتذكر الماضي البعيد الذي مر عليه أكثر من أربعة عشر سنة، يوم نزلت من القطار وأحضرها ذلك الشيخ الطيب إلى منزله، وبعد أن استقبلها هو وزوجته بكل حب وحنان وناولنها بعض المأكولات، وراحت زوجته تسألها برقة وحنان واطمئنان باستعمال إشارة اليد:
- بنيتي ما اسمك؟ … أكيد لديك اسم وعائلة
ويظهر على الصبية الذعر والخوف فنطق الزوج:
- دعيها الآن يا أم محمد والصباح رباح إن شاء الله.
بعدها راحت أم محمد تحتضن الصبية بكل حنان قائلة:
- اطمئني يا صبية لن نتخلى عنك إلا بعدما نعرف طريق أهلك، وريثما يتم ذلك، ما رأيك سأناديك سمراء، تعرفين لماذا؟ … لأنك تحملين سمرة جميلة وأنت حقا سمراء جميلة.
ابتسمت الصبية، ويظهر أنها شعرت بالاطمئنان وهي في حضن أم محمد.

تعود سمراء من الماضي إلى الواقع وبابتسامة حزينة قالت:
- من ذكرك بهذا الاسم يا أم محمد؟ يا أمي التي ليس لي أما غيرها.
وردت الوالدة بكل حب وحنان:
- لأنه اسمك الحقيقي.
وراحت الأم تتذكر بدورها ذلك الماضي … بالضبط يوم رجع أبو محمد مطأطأ الرأس حزينا وكان رده لما سألته أم محمد بلهفة:
- هل تأكدت؟
- مع الأسف نعم، اسمها الكامل أحلام حجازي والأب واحد من أكبر أثرياء البلد له في كل مدينة أملاك و****ات، أكاد لا أصدق أنه أبوها، تصوري يعترف بأبوته لها ويمنحها شهادة ميلادها وفي نفس الوقت ينكر وجودها، مستعد أن يدفع أي مبلغ لمن يتبناها بعيدا عنه … يا إله؟ ما هذه القسوة !؟
لحظتها تظهر سمراء لما سمعت حوارهما وراحت تقدم ورقة لأبي محمد وكان المكتوب: هل تأكدت الآن من حقيقتي المرة؟" وكان رد أبو محمد وهو يحضنها.
-إذا كان هو باعك فأنا اشتريتك … طبعا ليس بماله بل بقلبي وحناني يا ابنتي.
ابتسمت سمراء وراحت تخطط بقلمها على الورقة قائلة فيها "والآن بعدما تأكدتما عن طريق من لا يستحق مع الأسف بنوتي له، هل ما زلتما مصران تسليمي إلى الشرطة لتبحث في أمري!؟".
وما إن قرأ الأب ما أرادت قوله سمراء على مسمع أم محمد، فإذا بأم محمد تحتضنها قائلة:
- أعذريني يا سمراء فنحن ما كنا نريد التخلي عنك حين أردنا تسليمك للشرطة، فقط لأننا كنا نظن أنك تائهة، لكن الآن وقد اتضحت الأمور فأنا يشرفني أن أعتبرك من اليوم ابنتي الصغيرة أخت محمد ومصطفى.
ابتسمت سمراء وراحت تخط بقلمها حيث قرأ أبا محمد "إذن من اليوم اسمي سمراء".
ونطق أبا محمد:
- وستدخلين المدرسة باسم أحلام حجازي، لكن لن نناديك إلا باسم سمراء، ولو كان الشرع يحلل تغيير الاسم أثناء التبني لفعلت ذلك من أجلك.

تعود أم محمد إلى الواقع حيث أبصرت سمراء تائهة النظرات وقد أرسلت بنظراتها نحو خضرة المزرعة من خلال النافذة، اقتربت الأم فإذا بها تكشف دموعها الحزينة فقالت برقة:
- سمراء ابنتي، الحياة الآن تغيرت، وأصبحت الآن على أبواب التخرج، ونور الدين الذي كلمتني عنه المفروض سيتقدم لخطبتك بعد التخرج وبالتالي يجب أن …
وتقاطعها قائلة:
- أرجوك للمرة الأولى والأخيرة إذا كنت فعلا تعتبرينني ابنتك إنسي الماضي، فأنا خلاص شطبت عليه إلى الأبد.
- لكن يا حبيبتي …
- أرجوك يا أمي.
وبسماعها لدقات الباب وضعا حدا لذلك الحوار، وراحت سمراء تفتح الباب فكان الطارق زهراء التي دخلت لتسلم على أم محمد وفي الوقت نفسه تلوم سمراء على تأخرها.

بالمزرعة … سمراء وزهراء … جلستا تتمتعان بخضرة الطبيعة الخلابة … وراحت سمراء تداعب ريشتها وهي تتفنن برسم الطبيعة، لحظتها راحت تتذكر حبها للرسم من أيام الصبا.
تذكرت يوم كانت ما زلت صبية ترافق أبو محمد إلى المزرعة وكيف كان يشجعها على الرسم هو وأبو زهراء باعتباره مدرسا.

بعد نهاية عطلة الربيع تودع سمراء والدتها وكالعادة تطلب من أم مختار أن لا تفارقها أبدا.

تصل سمراء بصحبة زهراء إلى الحي الجامعي … وبالضبط إلى غرفتها، وما هي إلا لحظات من بعد وصولهما وتصل مجموعة من الطالبات لتسلمن عليهما وفي الوقت نفسه ليتسلمن لوحاتهن من سمراء، فهناك من رسمت لها صورتها الشخصية أو صورة للطبيعة، وكن سعيدات بتلك اللوحات ورغم محاولتهن دفع ثمنها لكن سمراء رفضت ذلك بلباقة، وبعد خروجهن قالت زهراء:
- هل يعقل هذا يا سمراء؟ …على الأقل خذي ثمن التكلفة.
ابتسمت سمراء وقالت:
- صدقيني يا زهراء، إعجابهن باللوحات ولهفتهن عليها هو بالنسبة لي الثمن الحقيقي، ثم لا تنسي إنهن طالبات مازلن تأخذن مصروفهن من العائلة.
- سمراء أنت فعلا فنانة، فنانة في الرسم، في أدبك، ونبلك، وأخلاقك، وطيبتك.
- يا لله … يا لله نغير ملابسنا.

ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 01:37 AM سبب آخر: تكبير الخط بعد إذنك ...
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 01:29 AM   #2

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 2

وقالت زهراء باسمة:
- ونذهب للقاء حبيب القلب.
وأدركت سمراء كلام زهراء فراحت تجري خلفها لتعاقبها على كلامها، وما إن مسكت بها حتى راحت زهراء تتوسلها وتطلب منها العفو، ولم يكن كلام زهراء إلا مزاح، وعقاب سمراء لها سوى دعابة ومرح بين الصديقتين.

بالجامعة ... سمراء بصحبة صديقتها زهراء تمشيان فإذا بسيارة بها مجموعة من الطالبات ما أن اقتربت منهما حتى راحت دلال وهي صاحبة السيارة ترفع من صوت المسجل فانبعث صوت المطرب جورج وسوف على أغنية "هاي قالوا ... هاي قالوا ... الأسمر شايف حالو ... يا عيني ويا روحي يا غربة دلالو" ... زهراء وسمراء تبادلتا نظرات مفهومة وتابعتا طريقهما دون الرد على استفزازات صاحبة السيارة وصديقاتها، توقفت السيارة بعيدا ونطقت دلال موجهة كلامها إلى سليمة التي تجلس إلى جوارها:
- بصراحة أكاد أجن ما الذي أعجبه أخوك في هذه السمراء الريفية المعوقة؟
وردت صديقة أخرى جالسة مع اثنتان إلى الخلف بنوع من الاستعلاء والاستهزاء:
- طبعا سمرتها الريفية وإعاقتها
ضحك الجميع من استهزاء نادية، وردت دلال بعد أن تنهدت:
- يا صديقتي سليمة أعترف أنني مغرمة بأخيك.
وردت سليمة وهي جد فرحة باعتبار دلال ابنة أكابر:
- وأخي لن يجد أحلى ولا أحسن منك.
- لكنه هو وجد ...
- هو صحيح حدّث العائلة عنها، لكن لم ترد عليه لا بالموافقة ولا بالرفض، لكن أنا شخصيا قلت رأي بصراحة وبصوت مسموع، فأنا لا يشرفني أن تكون زوجة أخي تلك الريفية المعوقة، صحيح إعاقتها بالرجل اليسرى تبدو بسيطة لكنها لا تستطيع أن تستغني عن العكاز.
توقفت سليمة عن الكلام وألقت نظرة حقد وغضب إلى حيث تجالس سمراء صديقتها ثم تابعت تقول مشجعة دلال:
- أنا لو مكانك يا دلال لن أستسلم وسأعمل المستحيل من أجل انتزاعه منها مهما كان الثمن.
وردت صديقة موجهة كلامها لدلال وكان يظهر عليها عدم رضاها على تصرفاتها:
- ألم تجدين إلا نور الدين لتقعين في حبه
تشعر سليمة لحظتها بأن كرامتها جرحت فقالت بغضب مدافعة عن أخيها:
- وما عيبه أخي؟ هل تنكري وسامته وتفوقه في الدراسة؟ والأكثر من هذا لا أحد ينكر وقوع الكثيرات في حبه والإعجاب به
أدركت نادية أن سليمة فهمتها خطأ فقاطعتها قائلة:
- لا يا سليمة لا تفهميني خطأ، فقط أردت أن لا أجامل دلال بكلامي، فقصة حب سمراء ونور الدين قصة تمتد إلى أيام الثانوية، وأنت نفسك قلت الكثيرات وقعت في حبه لكنه هو ظل يحب واحدة فقط هي سمراء، فلا داعي إذن أن تتعلق دلال بالسراب.
وردت سليمة:
- بغض النظر عن كونه أخي، فأنا أرى أن الشبان كلهم من طينة واحدة، وبإمكان دلال إن أرادت أن تنتزع نور الدين من الفتاة التي لا تستحق؟
فترة صمت ثم تبادلت دلال وسليمة نظرات مفهومة وبعدها انطلقت بسيارتها بسرعة جنونية ... مما أثار سخط بعض الطالبات الراجلات حيث قالت إحداهن بغضب:
- طبعا إنها ابنة محدثي نعمة.

كانت سمراء تنظر إلى الساعة بقلق ثم قالت لزهراء:
- لقد تأخر.
- أنظري إنه مقبل نحونا.
شعرت لحظتها سمراء بسعادة وهي توجه نظرها نحو نور الدين المقبل نحوهما وهو في كامل سعادته وأناقته، وما إن اقترب حتى استعدت زهراء بالانصراف قائلة لسمراء:
- إذن أتركك الآن ولنلتقي بالمدرج.
- لتبقي معنا.
- ومن سيحجز لكما الكراسي إن تأخرتما.
تبتسم سمراء ... زهراء تحيي نور الدين في طريقها، يقترب نور الدين من سمراء، يتوقف يتبادل معها نظرات مملوءة بالحب والحنان ثم ينطق برقة:
- كم اشتقت إليك.
وردت سمراء في حياء مبتسمة:
- وأنا أيضا.
واختارا ركنا من أركان كافتريا الجامعة وما إن جلسا جلسة حميمة بريئة فإذا بالطالبة دلال تقاطع حديثيهما قائلة لنور الدين بنوع من الإغراء:
- أهلا بالصديق الغالي ... أكيد قضيت عطلة مريحة.
ويرد عليها نور الدين بأدب يخلو من المجاملة والترحيب:
- الحمد لله ...
وراحت تنحني بجواره فكانت رائحة عطرها المغري وهي تقول بدلال وإغراء:
- ممكن تعيرني دفتر المحاضرة؟
يشعر لحظتها نور الدين بإحراج، بينما سمراء قامت لتستأذن بالانصراف فأوقفها نور الدين قائلا بعد أن أدرك المغزى من تصرف دلال:
- لحظة يا سمراء.
ثم راح يقدم الدفتر لدلال قائلا:
- تفضلي وبإمكانك أن تبعثيه مع أختي سليمة.
وأمسك بيد سمراء بكل حنان وانصرفا دون أن ينتظر ولو لحظة لرد دلال، بينما دلال تشعر بإهانة وهي ترى نور الدين ينصرف بصحبة سمراء تاركًا إياها في أوج غضبها الذي لم تظهره لهما بل بلعته رغما عنها، لحظتها تحضر صديقتها نادية التي أدركت الحالة التي عليها دلال فقالت:
- لا تتعبي نفسك إن قصة حبهما مثل وقدوة لكل الطلاب والطالبات.
- لا ... أنا وراءوهما ... طال الزمن أو قصر.
- التخرج على الأبواب ولا داعي.
- لا ... لن أستسلم فأنا ما تعودت التجاهل من طرف أي شاب مهما كان.

واستمرت دلال في مطاردة نور الدين في كل مكان، تريد إغراءه بشتى الطرق لكنها لم تفلح ومع ذلك لم تستسلم، سليمة بدورها تحاول من جهتها إبعاد أخيها من طريق سمراء ... ذات مرة وهما على مائدة الغذاء مع والديها قالت بصوت منخفض موجهة كلامها لنور الدين:
- دلال تحبك.
ورد عليها بصوت خافت:
- وأنا أحب سمراء لا غير.
وصرخت في غضب وقد انفلتت منها أعصابها قائلة:
-أكاد أجن، ماذا أعجبك في واحدة ريفية معوّقة؟
ونطق الأب قائلا:
- ماذا يا أولاد؟ ما بكما؟
- أبي أمي يجب أن تتدخلا ... بصراحة أصبحت لا أطيق نظرات الطالبات وهن يتغامزن ويشاورن علي، على أنني حماة المعوقة.
ورغم قمة غضب نور الدين إلا أنه تمالك أعصابه وقام بهدوء وفضل الانصراف نحو غرفته على أن يتعارك مع أخته أمام والديه، يلتحق به والده، فوجده جالسا على السرير واضعا رأسه بين كفيه ... اقترب منه وبكل رقه وحنان قال:
- أرجو يا بني أن لا تغضب من كلام أختك فهي من وجهة نظرها تريد مصلحتك وسعادتك.
وأنا مصلحتي وسعادتي مع من اخترتها.
- على كل حال يا بني أنا شخصيا لست معترضا على سمراء.
كلام والده أراحه وجعله يبتسم في سعادة، فراح يقبل أباه ويشكره.

بالحي الجامعي ... حيث البناية التي تقطنها سمراء، كانت متجهة نحو غرفتها فإذا بموظفة الاستقبال تنادي عليها لتسلمها رسالة، فكانت الرسالة من والدتها، تسلمتها بلهفة وما إن دخلت ووجدت بالغرفة صديقتها زهراء فراحت تقرأ الرسالة بصوت مرتفع لكن ما أن أنهت الرسالة حتى اكتشفت زهراء دموعها فقالت باندهاش:
- سمراء ... ما بك ماذا حدث؟
- بقية الرسالة تقول بأن أمي باعت البيت والمزرعة.
- لا هذا غير ممكن
- مع الأسف هذا ما حدث، محمد ومصطفى ظلا وراءها لغاية ما أقنعاها بالبيع.

تعود سمراء على الفور إلى المزرعة حيث الاستعداد للرحيل إلى المدينة، قبل الرحيل ذهبت سمراء إلى المزرعة تجولت بين حقولها وقلبها يعتصر حزنا على فراقها الأبدي، جلست صامتة تائهة بعيون حزينة وقد حز في نفسها مغادرة هذه الخضرة الريفية الخلابة، دمعت عيناها وهي تتذكر الماضي ... تذكرت يوما كان من أسعد وأتعس أيامها ... في ذلك اليوم تقرر إدارة المدرسة الابتدائية قبولها كتلميذة رغم إعاقتها بالبكم كونها نجحت بتفوق في اختبار خاص أدهش جميع مدرسي المدرسة وعلى رأسهم المدير، وكان الوالد عند وعده فأقام لها حفلة دعي فيها كل أهالي القرية، وصادف حضور ولديه من المدينة وهما محمد شاب في حوالي السادسة والعشرين من عمره ومصطفى أقل منه سنا في حوالي الثانية والعشرين من عمره، بعد التحية على الوالدين والضيوف، جلس يراقبان سمراء وهي سعيدة بصحبة أطفال من سنها وأولهم الصبية زهراء والصبي مختار، بعدها يتقدم الوالد ليقدم لها هدية كانت عبارة عن مجموعة لأدوات الرسم قائلا للحاضرين:
- لعلمكم أن ابنتي فنانة في الرسم.
مصطفى ومحمد يراقبان من بعيد والديهما وهما مهتمان بالصبية سمراء ... ويظهر عليهما عدم رضاهما بدليل أنهما لم يكلفا نفساهما بتهنئة سمراء ولو من باب المجاملة، وبعد انصراف المدعوين فاتح محمد والده في موضوع بيع المزرعة للانتقال إلى المدينة، لكن الأب أبدى غضبه ورفضه قائلا:
- قلت لكما لا تحاولا معي، فأنا لن أفرط ولو في شبر من أرضي، ولن أرحل إلى المدينة.
ويرد مصطفى بغضب:
- لكن سعيد بأن تبعثر الفلوس على هذه الغريبة.
ويصرخ الأب قائلا:
- أسكت، أدخلتك أنت وأخوك الجامعة ليتخرج على الأقل واحد منكما من كلية الزراعة ليعود ويهتم بالأرض، لكن يظهر أن المدينة أغرتكما.
يخرج محمد صارخا وغاضبا ليلتحق به مصطفى، الوالد يتعجب ويتحسر لتصرفيهما فقام ليلتحق بهما قائلا بغضب:
- لقد دلعتهما أكثر من اللازم، سأنزع لهما السيارة، وأضع حدا لدلعهما.
تحاول أم محمد أن تهدئه، لكنه يصر على اللحاق بهما، سمراء بدورها تلحق به وهي خائفة على الحالة التي عليها والدها المتبني، وما إن همّ بقطع الطريق حتى كان ولديه قد أقلعا بسيارتهما وقبل أن يصل إلى الرصيف المقابل داسته سيارة على غفلة، كان صاحبها يسوقها بسرعة جنونية ومن شدة الاصطدام المفاجئ، أوقف الشاب السيارة ثم نزل وهرب، بينما سمراء التي رأت الحادثة صرخت بكل قواها وهي ترى أبوها يتهاوى أرضا:
- أبـــــــي ......
وتجري نحوه ... وراحت ترفع له رأسه بهدوء ودموعها على خديها ونطقت بصوت مخنوق وبصعوبة:
- أ ... أ... أبي...
راح يمد يده بكل حنان ويمسح لها دموعها قائلا بصعوبة ومبتسما:
- أنت تتكلمين؟ ... لقد نطقت بأحلى كلمة ... آه لو كنت أعلم بأنك ستنطقين يوما ما ... ما كنت لأتأخر ... كنت سأعمل حادثة حتى لو ...
قاطعته الكلام وهي تضع يدها على فمه بكل رقة وحنان قائلة:
- أ... أرجوك ... لا ... لا تقول ... شيئا ...
ولما أدرك سكرات الموت تقترب قال بقلب يملأه الإيمان والشجاعة:
- سمراء أوصيك بثلاث، أولا دراستك لأنها ستكون سلاحك الوحيد، وبأم محمد فهي من غيرك ستكون وحيدة، وبالأرض ... الأرض يا سمراء ... الأرض ...
وأغمض عيناه وقد فارق الحياة وهو يردد أغلى شيء بالنسبة له ... الأرض ... لحظتها سمراء صرخت بأعلى صوتها ...
- لا .........
تعود سمراء من الماضي البعيد إلى الواقع ودموعها على خديها وهي تردد في صمت " لا ...لا..." ... لحظتها يقترب منها مختار، وبصوت كله رقة اخترق صمتها وحزنها قائلا:
- سمراء ليكن في علمك، أنني لما اشتريت الأرض والبيت لم أفعل ذلك إلا لأنني متأكد من مدى معزتك وحبك الكبير لهما، خصوصا الأرض لا أريد أن تذهب لأحد غريب، لقد اقترضت مبلغا من البنك وسأرده بالتقسيط ... المهم الأرض والبيت، لو



التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 01:38 AM سبب آخر: تكبير الخط بعد إذنك ...
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 01:45 AM   #3

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 3

بالتقسيط ... المهم الأرض والبيت، لو في يوم غير محمد ومصطفى رأييهما سأكون جاهزا لأردهما إليهما.
اعتدلت في الوقوف وابتسمت ابتسامة حزينة وقالت وهي تغادره:
- معدنك أصيل وأنت تستحقها.

بالجامعة ... سمراء بصحبة نور الدين بكافتريا الجامعة، لما أدرك سرحنها قال وهو يرتشف القهوة:
- سمراء حبيبتي إلى متى وأنت على هذه الحالة؟
لحظتها تصل زهراء فردت عليه:
- أعذرها يا نور الدين فأنت لا تعرف مدى تعلق سمراء بالمزرعة وبالريف عموما.
يتقدم منهم مجموعة من الطلبة وهم زملاء نور الدين، فقام ليصطحبهم، وهو ينصرف قال:
- سأذهب لإجراء مقابلة في كرة القدم، إذا تأخرت عن المحاضرة فلا تنسى حجز مكاني معكما.
بقيت زهراء بصحبة سمراء تحاول التخفيف عنها ...

بعد الخروج من المحاضرة ... على باب الجامعة نور الدين يودعها على أمل اللقاء بها غدا قائلا:
- أرجو أن أراك غدا وقد نزعت ثوب الحزن من على وجهك ...
حاولت أن تبتسم وهي تودعه ... بعدها قالت زهراء وهي تقترب منها:
- و كيف حال أم محمد الآن؟.
- بيني وبينك أنا حاسة أن روحها هناك بالريف.
- مسكينة باعت أرضها وبيتها، كل هذا من أجل أن ترضنهما.
- بالرغم أنهما عوضاها بشقة مؤثثة أحسن تأثيث، لكن أبدا لن تكون أغلى وأجمل من بساطة بيتها الريفي.

تصل سمراء إلى المنزل، تدخل البيت، فتجد الأم بالمطبخ وقالت لها بلوم:
- من قال لك أدخل المطبخ؟ أنت مكانك السرير أو على الأقل الجلوس بالصالون.
- أنا خلاص خفيت.
- لكن الطبيب يؤكد على راحتك الدائمة يا لله ... يا لله إلى السرير وإلى معاد الدواء.
بالصالون راحت سمراء تناول والدتها الدواء بكل حنان، وفجأة سألت أمها قائلة:
- أمي بعد إذنك ... هل أنت راضية على بيع البيت والمزرعة؟
وردت الأم بعد فترة صمت قصيرة وبعد أن تنهدت بعمق:
- لا أكذب عليك، لم أتمنى يوما أن أفرط في أرض من مات من أجلها، لكن ماذا أفعل إنهما ولداي ولا أستطيع أن أتأخر في تقديم أية مساعدة أرى أنها بمقدوري وفي مصلحتهما.
وترد سمراء في صمت "آه لو يدركان مدى تضحيتك وحبك لهما".
تحاول الأم أن تغير الجو الحزين وهي تبتسم قائلة:
- ومع ذلك أنا سعيدة، تعرفين يا حبيبتي لماذا؟
ولم تنتظر رد سمراء وتابعت تقول:
- أولا لأنني التحقت بك لأكون إلى جانبك بدل غربتك بالحي الجامعي، ثانيا بعد التخرج ستعملين بشهادتك هنا بالمدينة، ثالثا وهو الأهم سأكون سعيدة وأنا أستقبل نور الدين وأهله هنا بدل الريف ليخطبك...
ابتسمت سمراء ابتسامة حزينة قائلة:
- أولا ... كنت سأعمل بالريف كمدرسة وقد اتفقت مع نور الدين على ذلك، خاصة وأن العمل بالمدينة بعد التخرج من رابع المستحيلات العثور عليه بسهولة.
وتقاطعها الأم قائلة:
- لا ... أنت مهندسة وبإذن الله ستكونين مهندسة كبيرة تتمنى أكبر الشركات الانتساب إليها، كيف لا وأنت فنانة حتى في الرسم ...
توقفت ثم تابعت وكأنها تذكرت شيئا مهما:
- لكن قولي لي يا ابنتي متى سيحضر نور الدين ليخطبك رسميا؟
- بمجرد ما نتخرج سيحضر وبعد أن نشتغل ونكون أنفسنا سنتزوج بإذن الله ولو أنني ...
وتوقفت وقد غابت ابتسامتها فنطقت الأم قائلة بقلب يخفق قلقا:
- ولو ماذا يا حبيبتي؟.
وردت سمراء بابتسامة حزينة:
- وأنت هناك بالريف ببيتك وبمزرعتك كنت بعيدة عنك لكن كنت أشعر بالاطمئنان عليك، وأنت في وسط الناس الطيبين مثل أم مختار وأم زهراء، لكن اليوم بالرغم أننا مع بعض لا أخفي عنك حقيقة مشاعري، إنني لا أحس بالاطمئنان عليك خصوصا إذا فكرت في الزواج، لهذا أنا لن أتزوج إلا إذا وجدت منزلا بجوار شقتك.
- ومن قال لك حين تتزوجين ستعيشين بعيدة عني، ليكن في علمك أنت ونور الدين شرطي الوحيد لهذا الزواج هو أن تقبلا العيش معي.
ابتسمت سمراء ابتسامة حزينة وردت في صمت : "أتمنى ذلك لكن لا أظن محمد ومصطفى سيوافقان.

بمنزل مصطفى ... وبغرفة النوم راحت زوجته تحرضه قائلة:
- إذا أبقيت على الشقة باسم والدتكما فليس بعيدا عليها أن تكتبها باسم سمراء وخطيبها الذي سيصبح زوجها عن قريب.
ويرد مصطفى:
- ماذا تقولين؟.
- أكيد قد تكون فعلتها قبل أن تودع، أعذرني يا حبيبي على قول كلمة حق، فأمك صاحبة مرض ثم ألا يكفي أنكم صرفتم عنها بجميع مراحل دراستها.
- لا ... هي كانت ...
وتقاطعه قائلة:
- أعرف ماذا ستقول ... بأنها كانت تصرف على نفسها من خلال بيعها للوحات ترسمها، هل يعقل هذا؟.
توقفت ثم قامت لتنصرف وتابعت تقول:
- هل بيع اللوحات اليوم أصبح مصدر عيش؟ على كل أنا حذرتك وإذا حدث ما أراه غير مستبعد حدوثه، فلا داعي للندم بعدها.
خرجت وتركته تائها وقد تذكر يوما زار أمه، ولما قدم لها النقود كمصروف شهري قالت له بعد أن رمقت المبلغ بطرفة عين:
- ألا ترى أن المبلغ لا يكفي؟.
ورد عليها متلعثما:
- تعرفين نحن في بداية المشروع وما زال بعد المشوار طويلا.
- لكن أختك بحاجة إلى مصروف.
ويرد محتجا:
- ما هذا يا أمي، فهل نحن من أنجبناها حتى نصرف عليها؟
- إنها ابنتي أمام الله ولن أجعلها تحتاج إلى أي شيء ما دمت حية ترزق، وهذا كان شرطي الوحيد لما وافقت على بيع البيت والمزرعة.
يعود مصطفى من الخيال إلى الواقع بعدها يستعد لحمل محفظته، وهو يفتح الباب الخارجي أوقفته زوجته وهي تقول بصوت متعجرف:
- اذهب إلى وظيفة الحكومة فأنت لا تصلح للتجارة مثل محمد أخوك.

بإحدى الأحياء الراقية يتواجد المكتب الإداري الفخم الخاص بشركة محمد عبد الرحمن "شركة للبناء الجاهز" ... ومن مكتبه يهتف لزوجته، لحظتها تستأذن السكرتيرة بالدخول لتعلمه بحضور صديقه مصطفى وما إن أمرها بالسماح له بالدخول حتى راح يضع سماعة الهاتف بعد أن ودع زوجته، ولم يكن مصطفى الذي استقبله بمكتبه سوى أخوه مصطفى.

بالجامعة … بعد خروج سمراء مع خطيبها نور الدين، ومن بعيد ترقبهن مجموعة من الطالبات إحداهن وجهت سؤالها لسليمة قائلة:
- هل صحيح يا سليمة أخوك نور الدين سيتزوج سمراء قريبا؟
وردت أخرى بسرعة:
- بل قولي متى يتزوج قيس بليلى؟.
أدركت سليمة استهزاء الصديقة فقالت:
- لا اطمئني الذي بينهما ليس حب لينتهي إلى زواج فهو مجرد عطف وشفقة على واحدة معوقة ريفية.
وتركت بعد ذلك سليمة الصديقتان في تجاه أخيها وما إن اقتربت منه حتى استوقفته قائلة متجاهلة وجود سمراء:
- هل ستعود الآن إلى المنزل؟
- لا بعد ساعة ... فإذا أردت انتظاري ...
فقاطعته وهي تنصرف قائلة:
- لا شكرا ... بالمناسبة دلال تشكرك على زيارتك لها.
أدرك لحظتها نور الدين الإحراج الذي أوقعته فيه سليمة متعمدة ذلك مما اضطره للتوضيح قائلا لسمراء:
- أرجوك يا سمراء لا تهتمي لكلام أختي فهي تقول أي شيء، فأنا فعلا زرت دلال، لكن ليس كما قصدت أن تفهمك لقد أوصلت سليمة إلى بيت دلال لأنها كانت مريضة وأرادت الاطمئنان عليها، وبقيت أنتظرها بالخارج، لكن أخوها فاجأني بدعوته لي بالدخول، وهذه هي كل القصة.
وهو ينتظر رد سمراء وكله قلق فإذا بعد فترة صمت تبتسم لتريحه قائلة:
- أيها الغالي لست بحاجة إلى توضيح وتفسير، الذي بيننا أقوى من أي مبادرة من طرف أي كان للإيقاع بيننا، وسليمة أنا خلاص تعودت على كل ما يصدر منها وإن شاء الله الأيام ستثبت لها من فعلا صديقاتها ...
توقفت للحظة ثم تابعت بنظرة تساؤل قائلة:
- قل لي يا نور الدين هل فعلا تحبني أم تشفق علي؟
اندهش من تساؤلها الذي أدرك بسرعة خلفيته فقال:
- من حقك يا حبيبتي أن تشكي في حبك لي.
وقاطعته قائلة:
- بصراحة أنا لا أشك في حبك، لكن بصراحة أكثر ساعات أشعر بالإحراج أمام الطالبات حين أقدمك كخطيب.
ورد عليها قائلا:
- ومن حقك أيضا أن لا تقتنعي بخطوبتي الفردية، حين زرت والدتك لوحدي لأطلب يدك منها، لكن تأكدي يا حبيبتي أنا عند وعدي فبمجرد التخرج سأحضر مع عائلتي لنعلن الخطوبة رسميا.
بعدها مد يده بكل حنان ليتناول يدها وتابع قائلا:
- تأكدي يا حياتي أنك أول وآخر حب في حياتي.
تشعر لحظتها سمراء بالسعادة والأمان وهي تستمع إليه ...

بشركة محمد ... كان في زيارته أخيه مصطفى، ودار الحديث بينهما في شتى الأمور ... قال محمد باعتزاز وفخر:
- الحمد لله وفقت إلى حد كبير في إدارة هذه الشركة.
ويرد عليه مصطفى متحسرا على نفسه وسعيدا في نفس الوقت لأخيه:
- طبعا البركة في حماك فهو رجل أعمال معروف وتمكنت أن تأخذ منه الخبرة والمساعدة المادية والمعنوية، ليس مثلي ربنا وضع في طريقي زوجة هي وأهلها ظنوا أنني بئر.
ويرد عليه محمد وهو يضحك:
- لا يا محمد، القضية هي شطارة وذكاء وتفرغ وإرادة، كلانا أخذ نفس النصيب بعد بيع الأرض والبيت، أنا تركت وظيفة الحكومة نهائيا وقررت التفرغ للتجارة ... أما زواجي من بنت رجل الأعمال كان زواج من حوالي أربع سنين فقط، لكن أنت تزوجت مبكرا فخلفت فريقا كما أنك أردت أن تدخل التجارة من باب، وفي الوقت نفسه احتفظت بوظيفة الحكومة ولأن التجارة تحتاج إلى شطارة وتفرغ فكانت النتيجة طبعا الفشل، فاضطررت إلى أن تصرف ما بالبنك على المحل وبدل ما يصرف عليك المحل كنت أنت من يصرف عليه لأن بكل بساطة الابن البكر لكما لم يحسن التجارة في غيابك فخسرت في بضعة شهور كل نصيبك تقريبا.
ونطق مصطفى بعد أن تنهد بعمق:
- فعلا هذا ما حدث، المهم الآن ما رأيك في الفكرة التي اقترحتها عليك هل تساعدني وتتركها لي أم ستشاركني فيها؟
- لا ... إذا نجاحها مضمون فهي حلال عليك، المهم الوالدة ترضى بأن تسكنوا معها.
- طبعا سترضى، فكيف ترضى بالغريبة معها ولا ترضى بأحفادها؟

بالجامعة ... تلتحق زهراء بسمراء بالمكتبة، ولما وصلت، أدركت مسحة حزن على وجهها فسألتها بقلق:
- ماذا يا سمراء؟ ... هل سألت عني؟
وردت سمراء بدون مقدمات وبصوت حزين:
- مصطفى باع الشقة فعلا.
- هل أم محمد على علم؟
- وهل يعقل أن أخبرها وهي صاحبة مرض ... أقول لها بأن ابنك معك بالشقة ليس مؤقتا كما أفهمك ريثما يعيد تجهيز شقته، ولو قلت هذا، معناه أنني أتدخل فيما بينهما.


هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 01:49 AM   #4

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 4

- أنا من رأي تعلم بالحقيقة، فمن يدري ما يدبره هو وزوجته الخبيثة لقد أقنعوها ببيع أرضها وبيتها وليس بعيدا تكرار نفس السيناريو فأطماعهم ليس لها حد.
- أفضل أن لا أتسرع برغم اقتناعي بكلامك لا ربما يعيد شراء شقة أخرى وبالتالي يرحل هو وأولاده.
- كل ما أتمناه لك وللخالة أم محمد أن يكون الله في عونكما من تصرفات زوجته وأولاده.
وحتى تغير سمراء الجو الحزين الذي يسيطر على حديثيهما قالت وهي تبتسم:
- لقد مر عليك مدة ولم تحضر لي زبائن ... أم خلاص رسمي ما عاد يعجب أحد.
وردت زهراء:
- ما رأيك لو تجمعين لوحاتك وتقومين بمعرض بدل بيعها بثمن بخس لأصحاب المحلات.
وردت سمراء باندهاش ونبرة بلا حماس:
- أنا أقوم بمعرض
- نعم أنت ولم لا؟ ... فأنت يا عزيزتي فنانة موهوبة وكل الأساتذة وبجميع مراحل الدراسة كان يدهشهم عملك.
وتنهدت سمراء بعمق وقالت بصوت مهدود يحلم بالأمل والأمنية البعيدة المنال:
- لا أخفي عليك لو قلت لك إقامة معرض سيبقى أمنية وحلم حياتي، فأنت تعلمين أن مراكز الشباب ودور الثقافة هي الأماكن الوحيدة التي بإمكانها أن تساعد المواهب الشابة، لكن مع الأسف بيروقراطية الإدارة تحيل بيننا وبينها، وحتى أن وفقت في الوصول إليها فمساعدتها تتوقف عند عرضك للمعرض بعدها لا تتابع خطواتك وتتبناك، وهذا إما لقلة إمكانياتها ومحدوديتها أو كما قلت لبيروقراطية الإدارة مع الأسف.
- ما رأيك لو تكلمي محمد فهو رجل أعمال معروف وبإمكانه مساعدتك فأكيد له معارف في مستوى أعلى.
- محمد فين ونحن فين، فهو لا يزور أمه إلا مرة في الشهر ليحضر لها مبلغا من المال وكأن أمه بحاجة للفلوس أكثر من حاجتها إلى حبه وحنانه كابن أو كأن ما يقوم به اتجاهها عمل مفروض عليه وليس واجب، يدخل كالغريب ويخرج كالغريب، أما أنا ولا مرة لا هو ولا أخوه حسسوني أنني أختهم أو على الأقل واحدة من العائلة.
لحظتها تبصران نور الدين فراحت تغيران مجرى الحديث، بعدها بلحظات تقوم زهراء لتستأذن بالانصراف، يصل نور الدين وقبل أن يجلس رمقها بكل حب وحنان قائلا:
- ممكن رفيقة عمري تقبل دعوتي على الغذاء؟
- لا شكرا أنا مضطرة أن أعود إلى البيت حالا.
- وأنا مصر أن أدعوك، خصوصا وأنا أرى بعيونك وبصوتك نبرة حزن وإصرارك على العودة إلى البيت حالا معناه تتهربين من مشاركتي ما يتعبك ويحزنك.
لحظتها سمراء أدركت إحساس نور الدين بها فابتسمت وقالت:
- ما دام مصر ... فحاضر.

واختار نور الدين تناول الغذاء بأفخم مطعم بالمدينة، وأثناء دخولهما يقترب منهما النادل، همس نور الدين في أذنه، فهز النادل رأسه بالإيجاب وبكل احترام راح يتقدمهما نحو أحسن مكان شاعري بالمطعم، وبعد جلوسهما قالت سمراء باستغراب وسعادة:
- من أين لك فلوس هذا المطعم وأنت مازلت طالبا؟
- طالبا وموظفا.
- ولو يا نور الدين ... فما تتقاضاه من ذلك العمل هو من أجل مصروف الجامعة.
وما إن حضر النادل وترك أمامهما صينية مغطاة ثم انصرف حتى قال نور الدين بكل رقة:
- اليوم يا حياتي هو يوم عيد ميلادك، ففكرت في هدية مناسبة، وفي الأخير قررت أن أدعوك إلى هذا المكان الشاعري، أولا لأنسيك ولو لساعة الجو الحزين الذي أصبح ثوب وجهك البريء، وثانيا لنكون بعيدين عن أنظار وألسن الفضوليين.
ثم راح يزيح الغطاء على تلك الحلوى التي توسطتها شمعة فأشعلها ثم أطفآها معا وهو يقول:
- كل سنة وأنت بألف خير يا حياتي.
وهما يتناولان قطعة الحلوى قال نور الدين مازحا:
- لا تأكلي كثيرا منها، فالغذاء مازال بعد، فأنا فضلت الحلوى قبل الغذاء حتى أفتح شهيتك للحديث بفرح.
ضحكت سمراء بسعادة، ومن أعماق قلبها من تصرف نور الدين المحب لها فعلا ...

نهاية السنة الدراسية ... تحضر سمراء إلى البيت وهي في منتهى السعادة لتبلغ والدتها خبر نجاحها بتفوق كالعادة ونيلها الشهادة، أم محمد تلقت الخبر وهي جد سعيدة قائلة:
- عقبال الوظيفة يا حياتي.
بينما زوجة مصطفى تجاهلت فرحة سمراء ولم تهنئها، بل انصرفت باتجاه غرفتها.

بعد أسبوع ... بالجامعة سمراء بصحبة نور الدين خارجان من الإدارة والفرحة تعلو وجهيهما وقد تسلما الشهادة، فجأة تتوقف أمامهما سيارة ... فكان السائق مصطفى نزل واقترب منهما، حضوره أدهش سمراء مما جعلها تبادر بالسؤال بسرعة:
- مصطفى هل حدث لأمي شيء؟
ابتسم ورد قائلا وهو ينظر إلى الشهادة التي تحملها:
- لا ...أبدا... آه مبروك عليك الشهادة يا ... يا أختي العزيزة.
شكرته وراحت تقدم له نور الدين ... اكتفى مصطفى بالنظر إلى نور الدين بنوع من الاعتلاء ثم قال موجها كلامه لسمراء:
- أريدك في موضوع مهم.
فما كان على نور الدين سوى الانصراف قائلا بكل أدب واحترام لمصطفى:
- سعيد برؤيتك ومعرفتك .

ركبت سمراء السيارة إلى جوار مصطفى، وذهبا إلى إحدى النوادي حيث بدأ الحديث بمقدمات أدركت سمراء من خلالها أن مجيئه لغاية الجامعة ثم مرافقته لها بالسيارة لغاية النادي يخفي أمرا ليس سهلا عليها حيث بدأ قائلا:
- سمراء اسمعيني جيدا ... مثلما لم أحرجك أمام خطيبك، وتركتك تقدميني على أساس أنني أخوك، فأرجو أن لا تحرجيني في الموضوع الذي سأكلمك فيه.
وراح يصطنع الجدية في كلامه ... بينما سمراء حافظت على هدوءها ولم تقاطعه الحديث بل راحت تسمع لعرضه:
- الحقيقة أنني بعت شقتي وكنت أتمنى الحصول على سكن وظيفي لكن مع الأسف بعد التحريات اكتشفوا ملكيتي لسكني الذي بعته فحرمتني اللجنة من السكن الوظيفي ... لكن المصيبة أن مبلغ السكن دخلت به صفقة تجارية خاسرة والآن أصبحت مضطر البقاء بشقة الوالدة وأنت تعلمين نحن والأولاد والسكن لا يتسع كما ترين ...
ولما وجدته سمراء قد طال في الحديث قاطعته قائلة:
- أدخل في الموضوع مباشرة وقل ما تريده مني.
وفاجأها قائلا:
- أريدك أن تخلي لنا غرفتك.
وبدموع تحجرت وبصوت هادئ قالت:
- قصدك أغادر البيت ...
-لا تقلقي، أنا سأدبر الأمر سأجد لك غرفة ببيت المغتربات بل وسأقنع محمد أخي أن يجد لك عملا محترما بشركته أو بأي شركة المهم أن يكون رحيلك من البيت في نظر أمي برغبة منك.
كلامه الجافي جعلها تقوم بكل هدوء لتنصرف فأوقفها قائلا:
- ماذا قلت؟
استجمعت كل قواها ورغم القلق الذي بداخلها قالت تكلم نفسها: "حان الوقت ليعلم نور الدين بحقيقتي" ... ولما أدرك سرحنها ردد:
- ماذا قلت إذا؟
قالت بصوت هادئ:
- قلت بأن نور الدين يعرف بأنك لست أخي ...
شعر لحظتها بالانهزام ومع ذلك تابع يقول:
- لكن عائلته لا أظنها تعلم؟
لحظتها يدرك خوفها وقلقها من عيونها وهي تغادره.

بعد يوم من التفكير والقلق والحيرة تقرر سمراء الرحيل، ذلك القرار الذي فاجأ أم محمد حيث لم تهضمه بسهولة لكنها اقتنعت بما قالته لها سمراء بأن الشركة التي ستعمل بها أعجبت بكفاءتها، بحيث أجرت امتحان وكانت الأولى بتفوق، وستمنحها فرصة لمتابعة تربص بالعاصمة، وكان رد الأم بعدها:
- لكن يا ابنتي العاصمة بعيدة؟
- أعدك بأنني سأحضر كل مرة لزيارتك.
- وهل مدة التربص ستطول؟
وتدرك سمراء وقع ذلك التساؤل بقلبها فأحرجت، ولم يخرجها من ذلك المأزق سوى مصطفى الذي كان حاضرا فقال مبتسما:
- طبعا يا أمي، لتعلمي أن مدة التربص فيما يخص تخصصها نادرا ما يكون أقل من سنة 
وترد سمراء:
- أرجوك يا أمي لا تقلقي علي إنها فرصتي والفرصة هذه الأيام نادرا ما تأتي لمتخرجين مثلي.
ابتسمت الأم، وقد تحجرت دموعها وقالت:
- اذهبي يا ابنتي رافقتك السلامة ...
ثم توقفت الأم وكأنها تذكرت شيئا فقالت:
- لكن نور الدين قال أنه سيحضر لخطبتك رسميا بعد التخرج.
- لقد أخرنا الموضوع لغاية استقرار كل منا بعمله ...

واستقرت سمراء ببيت المغتربات، ولأول مرة تشعر بالغربة ... فبكت بحرارة وهي جالسة وحيدة بغرفتها ... حضرت زهراء لزيارتها وراحت تحكي لها ما حدث فكان رد زهراء بغضب:
- لا هذا ظلم، خالة أم محمد يجب أن تعرف.
- لا ... أرجوك لا داعي ... فأنا لا أريد لها أي خلاف مع ابنها ففي الأخير هو ابنها وأنا فعلا الغريبة.
- لا أنت لست غريبة أنت أمام الله أختي، وبيتنا مفتوح لك وأنا حضرت من أجل أن آخذك معي، يجب أن تغادر بيت المغتربات حالا.
- زهراء يا صديقة عمري ... ما حدث لي لا أريد أن يعلم به أحد غيرك، ولعلمك وجدت عملا وسأبدأ غدا، هو صحيح لا يناسب شهادتي لكن على الأقل مرتب يكفيني لأصرف منه على نفسي.
وتحاول زهراء أن تنطق لتقنع صديقتها بالعودة معها لكن سمراء بكل لباقة ولطف قاطعتها قائلة:
- أرجوك يا أعز صديقة.
وبعد فترة صمت قالت زهراء:
- وماذا كان رد نور الدين لما حكيت له حقيقتك؟
وكان رد سمراء:
- قال بأنه لن يتخلى عني مهما كان وطلب مني أن أمهله وقتا لقد سافر إلى الجنوب من أسبوعين بحثا عن عمل.

بإحدى مقاهي المدينة كان نور الدين مجالسا إحدى أصدقاءه ويدعى عماد وأثناء حديثيهما لبعض سأله نور الدين قائلا:
- الآن سمعت حكايتي معها وكذا اعترافاتها الأخيرة فما رأيك؟
- هل تريد مجرد رأي أم نصيحة؟
- طبعا رأيك ونصيحتك لي.
اصطنع عماد الجدية والتردد في كلامه قائلا:
- بصراحة ... هي في الحقيقة ... قصة مؤثرة جدا.
- وأنا فعلا تأثرت لقصتها لكن ...
قاطعه عماد ضاحكا بسخرية:
- وهذا ما أرادته فعلا.
- ماذا تقصد؟
- قصة مؤثرة تجعلك تتضامن معها، فماذا تنتظر أكثر؟
- أوضح أكثر؟
- أكيد إما أنها لقيطة أو أن عائلتها تخلت عنها كونها تصرفت تصرفا أساء لسمعة العائلة، ولا أظن طبعا هذا حدث من أيام الصبا بل حديث العهد ولا ربما علاقتها بمن ليس بأخويها دائما في جفاء يؤكد كلامي وشكوكي.
ويظهر على نور الدين الحيرة والشكوك فقال وقد تنهد بعمق:
- لا أخفي عنك فأنا فعلا راودتني هذه الشكوك، لدرجة أنني لم أجرؤ على مقابلتها واختلقت لها حكاية سفري إلى الجنوب بحثا عن عمل.
وكأن الصديق تذكر شيئا مهما فقال:



التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 01:53 AM سبب آخر: تكبير الخط بعد إذنك ...
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 01:51 AM   #5

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 5

- آه فعلا هل وجدت عملا؟
-تعرف أنه صعب الحصول على عمل لمتخرج جديد خصوصا قبل التجنيد.
- لكن على حسب معلوماتي أن الطالبة دلال رشدي عرضت عليك العمل بمصنع أبيها، هذا بالإضافة إلى كونها كانت تتمنى منك ولو نظرة عين، والذي لا تعرفه يا صديقي، دلال ومركز أبيها بإمكانها أن تضمن لك ورقة الإعفاء من التجنيد.
يشعر لحظتها نور الدين بالإحراج وهو يتلعثم في الكلام قائلا:
- هو ... في الحقيقة ... أنا ...
- يالله يا صديقي دعك من الحسابات، وخذ خطوة إيجابية حيث مستقبلك الحقيقي مع الإنسانة التي تستحقك والتي تبدأ معها من الفوق إلى الأمام وليس من الأسفل إلى الوراء.

عماد ما أن ترك نور الدين وأدرك أن نفسيته أصبحت مهتزة اتصل بسرعة بدلال وأخبرها بالتفاصيل، ما علمته منه جعلها تطلب حضوره على الفور، أولا لتكافئه وثانيا ليستمر في استمالة نور الدين وزرع بذور الشك بينه وبين سمراء.

حضرت سمراء بعد أسبوعين لزيارة والدتها أم محمد وكم كانت سعيدة بهذه الزيارة لدرجة أنها عانقتها بقوة وبشوق لمدة أطول ودموعها على خديها قائلة لها:
-اشتقت إليك لقد تأخرت عني.
- أرجوك يا أمي لا تلوميني ... لعلمك المرات القادمة قد أتأخر أكثر، وممكن شهر.

بقيت سمراء ليلة واحدة لتغادر المنزل في اليوم الموالي ... بأسفل العمارة كان مصطفى بانتظارها ليوصلها، لكنها رفضت بكل لباقة وبكل أدب، حاول أن يكون معها جد لطيفا حيث قال:
- سمراء ... محمد أخي وعدني بأن يجد لك عملا يناسب شهادتك وطلب مني أن أحضرك إلى الشركة متى أردت.
- لا شكرا أنا مرتاحة بعملي.
وقبل أن تنصرف رمقته بنظرة تساؤل ثم قالت:
- مصطفى! ... أمي ما بها؟
أحرجته بالسؤال فقال في تلعثم:
- أمي ... أمي بخير والحمد لله.
- لكن عيونها الحزينة تقول الكثير.
- أبدا ... أبدا كل الحكاية أنها تريد إرهاق نفسها بمساعدة أم رضا، لكنني منعتها حتى لا تتعب صحتها...
ثم انصرفت وهي تقول برقة:
- طبعا لست بحاجة بأن توصيك الغريبة بأمك.
كلامها بقدر قمة الحزن الذي تكسوه بقدر قوة رصاصة أصابت قلب مصطفى الذي يخلو من مشاعر البنوة نحو أمه الكبيرة في السن.

ومرت شهور عن آخر لقاء سمراء بنور الدين ... بغرفة المغتربات... حضرت زهراء ... ودار الحوار بينها وبين سمراء ... قالت سمراء:
- زهراء أرجوك ممكن تكلفي خطيبك كريم بالسؤال عنه؟
وترد عليها زهراء:
- أنا من رأيي ما دام مرت شهور ولم يسأل فمن الأحسن ... تنسيه.
وردت سمراء باندهاش:
- أنساه، مستحيل، زهراء أنت من تطلبي مني هذا ؟
تشعر زهراء بنوع من الإحراج فتحاول تغيير الموضوع قائلة:
- سمراء ما رأيك أن تأتي معي إلى الريف لترتاحي قليلا.
أدركت سمراء وأن زهراء تتهرب من الحديث عن غياب نور الدين فقالت لها متسائلة:
- زهراء أصدقني القول أشعر وأن نظرتك لنور الدين تغيرت و ...
وتقاطعها زهراء قائلة وبدون مقدمات:
- ما دامت مصرة على معرفة سبب غياب نور الدين ... تعالي معي فأنا أعرف مكانه من مدة.
- تعرفين مكانه
- نعم في الأول لما قال لي كريم عن مكانه لم أصدق لكن لما رأيته بنفسي فهمت كل شيء وصدقت كل شيء.

وكم كانت مفاجأة وصدمة قوية لسمراء وهي ترى نور الدين بصحبة دلال بإحدى النوادي وهما في كامل نشوتهما ... سمراء وهي تتجه نحوهما حاولت زهراء منعها قائلة:
- أرجوك لا داعي.
لكن سمراء دون أن ترد راحت تقترب منهما ... فتبادلت معهما النظرات ... شعر نور الدين بإحراج بينما دلال تجاهلتها تماما، وبكل قواها أخفت دموعها وقمة حزنها وبصوت هادئ قالت:
- يظهر أنكما من نفس الطينة.
وما إن غادرتهما حتى قالت دلال:
- ما بك ... هل ما زلت تفكر فيها؟.
وتلعثم في الكلام قائلا:
- لا ... لا طبعا لكن ...
-لكن ماذا؟
ابتسم وراح يقبل يدها قائلا:
- لم يعد بقلبي غيرك ... كم حاولت أن أصارحها ولم أجرؤ، فهي مسكينة صاحبة قلب رهيف والصدمة قد تقضي عليها، لكن الحمد لله لقد وفرت علي ذلك.
وردت عليه وهي تضحك:
- يا لله يا حبيبي نحتفل بهذه المناسبة بشقتي، وخرجا من النادي ويديهما في يد بعض.

بعدما كانت أم محمد هي صاحبة البيت أصبحت زوجة الابن هي الآمرة الناهية، حيث فضلت أن تغير ديكور البيت كما استبدلت غرفة نومها بغرفة نوم أم محمد وراحت تنتزع بعض لوحات سمراء ... فكان رد أم محمد:
-غيرت غرفة نومي، استبدلت ورميت كل ما لم يعجبك بهذا البيت ولم أنطق لكن أن ترمي بلوحات ابنتي فلا وألف لا ...
فحدث شجار بينهما حيث قالت أم محمد:
- إنه بيتي وأنا حرة فيه.
وترد زوجة الابن صارخة:
- لا يا عجوز اصحي ... هذا البيت بيتي إنه باسم زوجي.
ذلك الكلام فاجأ أم محمد حيث سقطت مغميا عليها، مما أستدعي حضور الطبيب وبعد مغادرة الطبيب اقترب مصطفى من أمه المستلقية على السرير ودموعها على خديها، ولأنه يعلم مسبقا مدى قمة طيبة قلب الوالدة، فلم يكن أمامه سوى أن يستعمل جميع المفردات التي تجعل منه أمامها الابن الوديع، المسكين، المغلوب على أمره، وبصوت حزين مخنوق قال لها:
- أرجوك يا أمي أعذريني على ما فعلته، كان رغما عني فأنا كما تعلمين أصبحت مفلس وأحمد الله أنني ما زلت بوظيفة الحكومة ... وطبعا لو رحلت بعد عمر طويل فأخي محمد سوف يطلب حقه في الشقة رغم أنه غني الآن، ولكن لأنه محروم من الإنجاب فالمستفيدة الوحيدة هي زوجته، أما الذي سيضيع هو أنا وأولادي، أرجوك يا أمي سامحيني، لقد استغليت أمومتك وأعطيت لنفسي حق تسجيل العقد باسمي ... لقد حضر صاحب الشقة لاستكمال الأوراق فتجرأت وأكملتها دون أن أعلمك.
توقف للحظات ثم أجهش بكاء مفتعل:
- أرجوك ... أرجوك يا أمي سامحيني.
وراح يقبل يديها طالبا منها العفو والسماح، وفي الأخير يرق قلب الأم الحنون وتنطق وهي ترفع رأسه بكل رفق وحنان:
- لا عليك يا ابني أنا لست غاضبة منك.
وسكتت وقالت تكلم نفها بصمت "بل من تصرفات زوجتك التي لا تطاق" ولما أدرك صمت أمه وسرحانها قال:
- أمي ... ما بك؟
وتنهدت بعمق وقالت:
- لقد اشتقت إلى سمراء وأخوك محمد لقد مر عليهما أكثر من شهر ولم أراهما.
وكان رده عليها:
- سمراء كما تعلمين في تربص بالعاصمة وقد أعلمتك مسبقا بهذا التأخير أما محمد مع الأسف معذور، لقد انتسب للمجتمع الراقي الذي اضطره أن يخفي عنهم أصله القروي، ولأنه أصبح رجل أعمال مهم فوقته لم يعد ملكه.

ببيت المغتربات ... سمراء بغرفتها مستلقية على السرير وبالقرب منها زهراء التي فضلت أن لا تفارقها وقد حزّ في نفسها أن ترى صديقة عمرها وقد صدمت في الإنسان الذي منحته قلبها وعقلها، وأمام صمت وعمق حزن سمراء نطقت زهراء بصوت حنون:
- يجب أن تنسيه فهو لا يستحق منك أن تظرفي ولو دمعة عنه.
وردت سمراء بعيون دامعة:
-لقد تمكنت منه ... لقد ظلت وراءه حتى ...
وقاطعتها زهراء محتجة:
- لا يا سمراء لا تحاول أن تجدين له الأعذار فلو كان أهلا لك ما أنساق نحو إغراءاتها.
- أكاد لا أصدق أن نور الدين الذي كان يهيم بي حبا هو نفسه الذي رأيته مع دلال.
- إنه فعلا هو نفس الشخص الذي أحببتنه وأحبك، لكن مع الأسف هو شخصية ضعيفة، فمن ينساق وراء إغراءات الفاني ما هو إلا شخصية ضعيفة تستحق منا الشفقة وليس الندم على فقدانه.
فترة صمت ثم تستقعد سمراء وتمسح دموعها وتحاول أن تبتسم قائلة:
- فعلا معك كل الحق ... وأنا إن كنت اليوم أبكي دموعا ليس على فقدانه، بل على كل سنة، بل كل يوم ودقيقة ضيعتهم معه وجعلت نفسي أقنع الكل بأن قصة حبنا هي أروع قصة حب يحتذى بها.
وتحاول زهراء أن تخرجها من الجو الحزين قائلة:
- يا لله ستذهبين معي إلى القرية ... فأهل القرية كلهم بشوق إليك وأولهم مختار.
وما إن ذكرت مختار حتى ابتسمت سمراء ابتسامة حزينة وقالت:
- مختار!... زينة شباب القرية ... يخيل إلي أن ما حدث لي لعنة حلت بي بسبب رفضي له وأنا أستحقها فعلا.
- معقول واحدة متعلمة ومثقفة مثلك تقول هذا، ما حدث لك يا حبيبتي تجربة من تجارب الحياة التي علينا أن نتعلم منها لتقوينا ... ثم إن مختار لو علم بما حدث لك سيكون سعيدا وحزينا في نفس الوقت، سعيدا لأنه ما زال يحبك ويتمناك، وحزينا لأنه طول عمره يتمنى لك السعادة حتى لو اخترتنها بعيدا عنه.
- لا يا زهراء ... أرجوك لا أريد لمختار أو أي كان أن يعلم بما حدث لي على الأقل الآن.
- سمراء أنا من رأيي أن تفكري قليلا في مختار ... قد تجدين فيه الإنسان المناسب ... وإن كان على تعليمه فأنت تعلمين أنه يحمل الثانوية وبإمكانه الالتحاق بالجامعة.
- لا يا زهراء ... القضية ليست مستوى تعليمي فمختار إنسان جد مثقف قلما تجدين ثقافته الواسعة عند أي جامعي.
- إذا أنت غير قادرة على حبه؟
- بالعكس فهو إنسان محبوب جدا، لكن بعد الذي حدث لي معه لا أستطيع أن أتصور حبه لي حبا بقدر ما يكون شفقة.
- لكن ...
- أرجوك يا زهراء لا داعي إلى محاولة إقناعي، فمختار لن أنسى أنني اعترفت له يوما بحبي لغيره.
بعدها تقوم زهراء لتحضر حقيبة سفر سمراء ... وهي تقول:
- إذن يجب أن تأتي معي إلى القرية.
- لا يا زهراء لا داعي الآن.
- لا غير ممكن فأنا لن أتركك على هذه الحال لوحدك.
ابتسمت سمراء وقالت بصوت المطمئن:
- تأكدي أنني في منتهى القوة ... فبعد حديثي معك ارتحت كثيرا ...
- سمراء أنت ...
وتقاطعها سمراء قائلة برقة وحنان:
- أنت أعظم صديقة تحملتني.
- أرجوك لا تقولي هذا فأنت بالنسبة لي صديقة عمري وأختي الحنونة ....
- أعدك لما أزور أمي وأطمئن عليها سأحضر لقضاء عطلة الأسبوع معكم ... فأمي هذه المرة تأخرت في زيارتها.
وكأن زهراء تذكرت شيئا مهما فقالت بصوت متلعثم:
- سمراء ... سأسألك سؤال ... وأعتذر مسبقا عن هذا السؤال.
وبدون مقدمات سألت السؤال مباشرة قائلة:
- ألاحظ عليك تأخرك في زيارة خالتي أم محمد لماذا؟
وكأن زهراء وضعت يدها على عمق الجرح الذي تحاول سمراء تجاهله رغما عنها، ومع ذلك تنهدت بعمق وبصوت حزين قالت:
- بقدر حبي لها وشوقي لها أصبحت أتعذب كلما زرتها، لإحساسي اليقين أنها غير سعيدة مع زوجة ابنها وفي نفس الوقت غير قادرة على إخراجها أو إبعادها ولو مؤقتا من ذلك الجو، بل ساعات يخطر ببالي الاختفاء من حياتها نهائيا ما دام لم أحافظ على عهدي ووعدي لأبي أبو محمد ...
وتوقفت عن الكلام لما اختنق صوتها بالبكاء ولم تجد إلا صدر زهراء يحتضنها بكل حب وحنان ليخفف عنها معاناتها التي تكاد لا تنتهي .... تخرج زهراء بعد أن ودعت صديقتها ... لكن ما هي إلا لحظات وتعود، فإذا بسمراء ما أن فتحت عليها حتى استغربت عودتها مما جعلها تقول:
- هل نسيت شيء؟
- لو سافرت وتركتك على هذه الحال ما كنت لأسامح نفسي العمر كله يا صديقة عمري ... وتعانقتا عناق الوفاء والإخلاص للصداقة الحقيقية.

بمكتب الشركة ... محمد يستقبل أخوه مصطفى ... ودار حوار عائلي بينهما حيث قال مصطفى:
- بصراحة من الأفضل تبادل ضيافة الوالدة.
ويرد محمد بغضب:
- هل جئت لتهددني؟.
- لا .. معاذ الله ... لا أقصد هذا؟.
- الحقيقة أمي ست كبيرة في السن وبحاجة إلى رعاية خاصة فهي أصبحت تتدخل كثيرا في شؤون البيت لدرجة تثير الغضب خصوصا غضب أم رضا ولهذا فكرت في مركز العجزة.
ونطق محمد بنوع من الإحراج:
- والله إذا هي موافقة وليس لديها مانع ... فأنا شخصيا ليس لدي مانع.
ورد مصطفى:
- الحقيقة هي لا تعرف بأن المركز يعرف بمركز العجزة بل هي تظن أن هذا المركز طبي للراحة والاستجمام.
- وهل فاتحتها في الموضوع؟.
- أنا كنت دائما ألمح لها في الحديث حين أراها تشكو بآلام في المفاصل وكذا عدم إحساسها بالراحة مع أم رضا.
- والله أنا من رأي إذا أقنعتها بهذا المركز خيرا وبركة، المهم أن تبعدني أنا من الصورة.
لحظتها يرن هاتفه النقال فكانت زوجته التي تستعجله الحضور وقد أصبحت جاهزة للخروج، فقام محمد من على كرسيه قائلا:
- معذرة يا أخي اليوم حفلة عيد ميلاد زوجتي وهي بانتظاري لاصطحابها إلى مختلف المحلات.

تحضر سمراء لزيارة أمها فإذا بها تفاجأ بزوجة مصطفى تفتح الباب بغضب قائلة:
- نعم ماذا تريدين؟
وردت سمراء باندهاش وهي واقفة أمام الباب:
- طبعا زيارة أمي.
- أمك ليست هنا.
لكن سمراء دفعت الباب بقوة واتجهت نحو الغرفة ولم تجدها بل وجدت غرفة أمها قد تغيرت وأصبحت غرفة خاصة بالأولاد فعادت تسألها بلهفة وقلق:
- أين أمي؟.
وظهر مصطفى ليطمئنها قائلا بهدوء:
- اطمئني هي بخير.
وتنطق زوجته بغضب.
- هي بمركز دار العجزة.
وكم كان جواب زوجة مصطفى قاسيا لدرجة دمعت عيون سمراء وهي تقول بصوت مخنوق موجهة كلامها لمصطفى:
- هل صحيح ما قالته زوجتك؟.
ورد بصوت متلعثم:
- تعلمين أمي صاحبة مرض ... ولأنها تحتاج إلى هدوء وراحة فهي من فضلت هذا المكان رغم رفضنا له.
وبصوت مبحوح ودموع تكاد لا تتوقف قالت وهي تتجه نحو الباب الخارجي:
- ممكن أعرف أي مركز؟.
ورد بنوع من الإحراج:
- دار العجزة بحي المدينة الشرقية ولعلمك أنها لا تعلم بأنه مركز العجزة بل مركز طبي.
وردت وهي تخرج:
- لا ... أكاد لا أصدق ... لا أصدق ... الابن يفعل هذا بأمه.

تصل سمراء إلى مركز المسنين وما إن سألت عن السيدة فاطمة عبد الرحمن حتى أشير لها إلى مكان تواجدها ... كانت بالحديقة جالسة على كرسي عجلات منزوية في مكان لوحدها تائهة النظرات ... ذلك المنظر أثر في نفسية سمراء لدرجة أنها لم تجرؤ على الاقتراب منها وراحت تمسح دموعها ثم عادت إلى موظفة الاستقبال تسألها عن سبب استعمالها كرسي العجلات، فكان رد الموظفة:
- في اليوم الثاني من دخولها المركز فاجأت الكل بعدم قدرتها الوقوف على رجليها.
- هل هذا يعني أنها أصبحت مشلولة؟
- مع الأسف هذا ما حدث ... حتى طبيب المركز لم يجد أي سبب عضوي لهذا الشلل المفاجئ، لقد أرسل إلى ولدها الذي أحضرها، لكن مع الأسف لم يعد يزورها من مدة.
تنهدت سمراء بعمق وقالت بصمت وبصوت حزين: "هما السبب ... هما السبب..." بكت بحرارة ثم تراجعت إلى الخلف، وخرجت مكسورة الخاطر تمشي تائهة لا تدري ما بإمكانها أن تفعل ... فهي غير ممكن أن تحضرها إلى بيت المغتربات لسبب واحد هو أن الوالدة لو علمت بوضعها قد تسيء حالتها أكثر فأكثر، فلم يكن أمامها سوى الاتصال بزهراء وطلبت منها أن تتصل بأم مختار وتحكي لها عن حكاية والدتها، فهي الوحيدة القادرة على إخراجها من ذلك المركز باعتبارها قريبتها، كما طلبت منها أيضا أن لا تظهرها في الصورة، على الأقل الآن، خصوصا وأن الكل يعلم بسفرها في تربص بالعاصمة ...

تحضر زهراء بصحبة أبيها ومختار وأم مختار ... وذهبوا مباشرة إلى المركز ... ولما اجتمعوا بها وأفهمتها أم مختار أنها حضرت لتأخذها معها فكان رد أم محمد وهي تحاول أن تصطنع السعادة والابتسامة على وجهها:
- كما تعلمين يا أختي يا أم مختار الشقة ضيقة وأنا من اختارت هذا المكان ... والحقيقة أن محمد عرض علي أن أعيش معه لكن أنا رفضت فأنا لا ارتاح في البيوت الأرستقراطية.
ونطقت زهراء في صمت: "يا لك من أم عظيمة ... معها حق سمراء لما قالت لي ذات يوم أنك تخلقين ألف حجة وحجة لتسامحينهم، فأي قلب تحملينه لمن لا يستحق".
لكن في الأخير أم مختار ومختار يصران على أخذها معهما إلى القرية لتعيش معهم معززة مكرمة .........

سمراء بغرفتها تائهة بعيون حزينة وقالت تكلم نفسها بصوت مبحوح ودموعها تكاد لا تتوقف:
- رباه ماذا أفعل؟ ... أحس أنني مقيدة غير قادرة حتى الذهاب على الأقل لأرتمي في حضنها وأواسيها، وحتى لو ذهبت ومسحت دموعها ... هي بحاجة إلي معها إلى الأبد، لكن ما باليد حيلة.
وفي غمرة قمة حزنها ويأسها تستقعد، ثم تقوم من السرير وكأنها تذكرت شيئا مهما، وتتجه بسرعة نحو مكتبها تقلب بين أوراقها، وأخيرا وجدت ظرفا وراحت تتذكر حكايته ... كان ذلك بالجامعة وقبل التخرج بشهور وصلتها رسالة من الخارج فأحضرتها بسرعة لتخبر نور الدين وهي في كامل سعادتها قائلة له:
- لقد قبلوا تلك التصميمات وهم يطلبون حضوري في أي وقت، غريب ...أبعث عدة رسائل إلى عدة جهات مختلفة ببلدي ولم أتلق أي رد سواء إيجابي أو سلبي ... لكن أبعث رسالة واحدة فقط إلى الخارج وأنساها فإذا بالرد رغم تأخره يأتي.
ويرد نور الدين بسعادة وتساؤل:
- ما رأيك يا سمراء في الهجرة؟
وردت عليه بسرعة:
- لا ... أنا لست من أنصار الهجرة ... هو صحيح الطلبة المتخرجين حاليا قلت فرصة عملهم، لكن بلدنا جميلة ولا تستحق منا أن نهدر شبابنا في بلد غيرها والأهم من هذا أنا وحيدة أمي ولن أسافر وأبتعد عنها.
ويرد بنوع من الفضول:
- لكن لماذا راسلتهم؟
- فعلت ذلك من باب الفضول ... فالعمل عندهم صحيح مغري لكن له ثمن وأول ثمن هو الغربة وأنا لا أتحمل هذه الغربة ....
تعود سمراء من الماضي إلى الواقع ودموعها على خديها قائلة:
- من أجلك يا أمي سأعمل المستحيل.
وجلست إلى مكتبها وراحت تخط بقلمها رسالة، وهي تنهي الرسالة رفعت رأسها وقالت:
- يا رب لا تتخلى عني فأملي في هذه الرسالة كبير، إن لم يكن من أجلي فمن أجل من فتحت لي بيتها وقلبها.

مرت أيام صعبة في حياة سمراء وهي تنتظر الرد على رسالتها من باريس ... وفي الوقت الذي ظنت أن أملها خاب فإذا بموظفة الاستقبال تحمل لها الرسالة المنتظرة.

بغرفة سمراء ... وقفت تائهة بعيون حزينة بجوار النافذة بينما زهراء جالسة أمام المكتبة تقرأ الرسالة وفي الأخير تنهدت بعمق وقالت:
- هل مازلت مصرة على السفر؟
- بل قرار لا رجعة فيه ... بل فرحتي الوحيدة ... والفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر وقد لا تأتي أبدا وأنا بصراحة أكاد لا أصدق أنها تحدث معي.
- لكن ...
وتقاطعها سمراء وبصوت كله رقة وحنان:
- أعرف ما ستقولين ... عملي كمدرسة بالقرية مضمون و ...
وتتابع زهراء قائلة:
- ولعلمك مختار مستعد أن يمنحك منزل العائلة، وحتى لا يحرجك، هو مستعد أن يتقاضى منك شهريا مبلغا من المال يكون بمثابة ثمن البيت بالتقسيط لغاية ...
وتقاطعها سمراء:
- لكن هذا غير معقول ... أرجوك يا زهراء افهميني مرتب مدرسة لن يكفي خصوصا وأن أمي بحاجة إلى رعاية طبية مستمرة ... وحتى لو حالفني الحظ ووجدت عملا مناسبا لشهادتي مع الأسف لن يكون ذلك سهلا، إن لم يكن لديك مبلغ من المال تدفعينه لأصحاب النفوذ، أو ليس لديك معارف ذو مراكز، فمع الأسف قبولك حتى لو نجحت في المسابقة يكون ذلك ضرب من الخيال.
- لكن سفرك هذا يجعلك تتنازلي.
- لا اطمئني.
- هو صحيح نحن بعيدتين لا نرى بعض إلا مرة في كل أسبوعين أو مرة في كل شهر، لكن إحساسي بأنك موجودة معي بنفس البلد كان يطمئنني، لأنه بإمكاني أن أراك متى أردت، مهما بعدت المسافة ... لكن سفرك ...
وراحت سمراء تتعانق مع صديقة عمرها وهي تقول:
- يا صديقة عمري أنا بحاجة ماسة إلى تشجيعاتكم جميعا وإلى دعواكم والأكثر من هذا هو بعد سفري فلن أوصيكم بأمي، لا أريدها أن تعلم إلا بعدما أستقر وأراسلك ...
- أعلم يا صديقتي أن هذه السفرية وهذه الغربة هي من أجل الوالدة.
- أمي تستحق مني أن أفديها بعمري ... أمي يجب وبإذن الله تستعيد رجليها ... الأطباء هنا عجزوا لكن هناك الطب متطور وممكن تحدث المعجزة.
دمعت عيون زهراء وقالت بصوت كله رقة وحنان:
- أنت عظيمة يا سمراء ... وما دام تسعين إلى الخير أكيد ربنا لن يتخلى عنك ... سيحفظك الله يا صديقة عمري.
راحت زهراء تتقدم من إحدى اللوحات وهي تبتسم وتتمعن في تلك اللوحة التي عبارة عن أمواج تخترقها عيون امرأة في منتهى الجمال ثم قالت:
- هل ستحملين معك هذه اللوحة التي لم تعرضيها للبيع؟
ابتسمت سمراء ابتسامة حزينة وقالت:
- طبعا ستكون أول شيء أحمله معي.

بالمطار كانت زهراء تودع سمراء، كونها كانت الوحيدة التي تعلم بسفرها.



التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 01:58 AM سبب آخر: تكبير الخط بعد إذنك ...
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 02:02 AM   #6

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 6

تصل سمراء إلى مطار باريس حيث وجدت في انتظارها مندوب الشركة، أخذها على متن السيارة إلى مقر سكنها، وكان عبارة عن غرفتين ومطبخ وحمام ... وهي تلتقط أنفاس السفر، فإذا بصاحب الشركة يتصل بها ليرحب بها ويحدد معها موعد اللقاء، وما عليها إلا أن تحضر بعض التصاميم ...

بالشركة ... وهي عبارة عن محل بالطابق الأرضي مكون من ثلاث مكاتب .... يستقبلها مدير الشركة بكل ترحاب، وهو يقلب التصاميم بحضور اللجنة أبدوا إعجابهم، لكن بالرغم من ذلك سمراء كانت في حالة قلق ... وفي الأخير طمأنها المدير بالموافقة على التصاميم وإعجابهم بها، وقدم لها العقد وشروطه وأعطاها مدة شهر لدراسة الشروط والموافقة عليها ... لكن سمراء عادت في اليوم الموالي بالعقد، وكان من بين الشروط أن مدة العقد عشر سنين وأن تحمل الجنسية الفرنسية وأن تكون لهم حرية التصرف في كل ما تنتجه من تصاميم ورسومات بالإضافة إلى شروط تعجيزية في حالة إذا فسخت هي العقد. حوالي عشرون بند في العقد يستحق منها التريث والتفكير لمدة شهر وأكثر، لكن شرطها كان يتمثل في اثنين ولو رفضوا الثاني ما كانت لتستغني عن الأول ... فالثاني كان الاحتفاظ بجنسيتها والأول هو التكفل الكامل برعاية طبية لوالدتها، كانت شروطها بالنسبة لمدير الشركة بسيطة وتمت الموافقة والإمضاء ... وانتقلت سمراء للإقامة بمسكن أكبر، ولائق أكثر، وأرسلت رسالة إلى صديقتها زهراء حيث حكت لها كل شيء بالتفصيل كما أعلمتها بموعد حضورها لأخذ والدتها.

حضرت سمراء إلى القرية ... بالضبط بغرفة السيدة والدتها حيث إقامتها عند أم مختار ... الأم جالسة على كرسي العجلات وسمراء أمامها جالسة على ركبتيها وكلاهما دموعه الحزينة تكاد لا تتوقف حيث قالت الأم الحنون وهي تمسح بيديها بكل حنية على وجه سمراء:
- لماذا أخفيت عني حقيقة خروجك من البيت دون رضاك؟
وبصوت مخنوق وبكل رقة وحنان ردت سمراء:
- كلانا خرج من البيت بدون رضاه بل بأمر من زوجة مصطفى وكلانا أخفى الحقيقة عن الثاني حتى لا يحمل أحدنا الآخر همه بالإضافة إلى هموم الدنيا.
تقوم وتقترب خلف أمها وتلف يديها حول عنقها بكل حنان وهي تتابع قائلة:
- لكن المهم الآن أنا وأنت خلاص سنجتمع مع بعض إلى الأبد ولن أسمح لأي كان أن يفرقنا، سأعرضك على أكبر الأطباء المتخصصين بباريس.
- لكن ...
وتقاطعها سمراء:
- أنا مصرة لاصطحابك معي ولن أتخل عنك مهما حصل.
وتبتسم الأم بدموع حزينة قائلة:
- وأنا ما عدت أتحمل البعد عنك، فأنت ابنة قلبي، وروحي، وعمري كله.

وسافرت سمراء مصطحبة والدتها ... وكان بإنتظارهما سيارة الإسعاف وسيارة خاصة بالشركة، وحملت الأم مباشرة إلى إحدى المستشفيات حيث وضعت تحت رعاية طبية مكثفة، أما سمراء بعد أن أطمأنت على والدتها بالمستشفى عادت على متن السيارة الخاصة بالشركة إلى منزلها.

بعد أسبوع من التحاليل والأشعة بالمستشفى، كان قرار الأطباء أن والدتها لا تشكو من أية أعراض عضوية تكون سبب الشلل، ورجحوا كلهم السبب الوحيد والاحتمال الوحيد قد يكون صدمة نفسية مرت بها، وطمأنها الأطباء بأنه ممكن أن تسترجع الوقوف على رجليها وما عليها سوى الصبر، والمسألة هي مسألة وقت.
وبعد أن اطمأنت سمراء على والدتها، حيث وجدت امرأة عربية تسهر على راحتها في غيابها، وكانت امرأة في حوالي العقد الخامس من عمرها واسمها حميدة.

مرت شهور فقط واستطاعت سمراء أن تثبت وجودها بالشركة وذلك بفضل تصاميم خاصة بإعلانات بشتى الميادين مما زاد في دخل وربح الشركة، في الوقت نفسه كانت سمراء لا تنسى الاعتناء بوالدتها، كانت تصحبها في نهاية الأسبوع إلى التجوال بمختلف الأماكن السياحية، وخلال ذلك لم تنس سمراء ريشتها الفنية.

ذات يوم جلست سمراء بغرفة الرسم، كعادتها تقف تائهة بنظرات حزينة أمام لوحة عيون البحر، حاملة ريشتها تحاول إضافة شيء ناقص باللوحة لكنها تقف عاجزة برغم إحساسها الدائم أن هذه اللوحة ناقصة... مدت أصابعها ومررتهم حول العيون المرسومة وفي نفس الوقت راحت تتذكر الماضي البعيد وهي طفلة لا تتجاوز الست سنوات وهي على سرير النوم حيث راحت تمرر نفس أصابعها حول عيون سيدة وجدت أمامها وحاولت أن تنزل بأصابعها إلى أسفل العيون لكنها أبدا لم تتمكن فصاحبة العيون ما هي إلا أمها الحقيقية التي لم تعد تتذكر من ملامح وجهها إلا العينان، تعود سمراء من الماضي إلى الواقع على صوت أمها وهي تدفع كرسي العجلات قائلة:
- ألم يحن وقت العشاء بعد؟
تحاول سمراء أن تخفي دموعها وهي تقول:
- طبعا حالا سيكون العشاء جاهزا.

سمراء بالشركة وبالضبط بمكتبها، مدير الشركة يطلبها الحضور إلى مكتبه، وبكل لطف وسعادة أبلغها بالترقية التي فرحت بها وقبل انصرافها وهي ماسكة بالعصي التي تستند عليها أثناء مشيها فاجأها لما سألها قائلا:
- آنسة سمراء لماذا لا تعرضي نفسك على أطباء متخصصين في العظام فأنا أرى أن إصابة يدك ورجلك هي بسيطة ويمكن أن تشفي منها إلى الأبد.
فكان ردها بعد فترة صمت:
- الحقيقة إنها إعاقة ولدت بها وعمري ما فكرت أعرض نفسي على الطبيب.
- لكن الآن الطب متطور وبإمكان أي إعاقة مهما كان حجمها أن تجد العلاج المجدي وأنا أطلب منك شخصيا أن تعرضي نفسك بأحسن مستشفى وعلى حساب الشركة.
وكم كانت سمراء سعيدة بحديث مدير الشركة معها واهتمامه بصحتها.

السيدة حميدة تتصل هاتفيا بسمراء لتعلمها قبل نزولها إلى العمل بأنها متعبة ذلك اليوم وسوف تتغيب، فما كان على سمراء سوى الاتصال بالشركة للاعتذار عن الحضور رغم إصرار أمها على ذهابها، وبكل فرح وسعادة تقول سمراء:
- بصراحة إنها فرصة لنخرج مع بعض اليوم وبالمرة نزور السيدة حميدة إنها إنسانة طيبة وتستحق منا السؤال عن صحتها.

بالمساء سمراء تصطحب أمها وتذهب لزيارة السيدة حميدة ... هذه الأخيرة فوجئت بزيارتهما وهي في منتهى السعادة حيث قالت:
- إنه مجرد تعب بسيط لنزلة برد أخذتها وما كان لتتعبا حالكما.
وردت أم سمراء:
- بالعكس نحن سعيدين بزيارتك.
- وأنا الأسعد يا أم الغالية.
- بصراحة ما عدت أستغني على جلساتك ... تمنياتي لك بالشفاء العاجل حتى تعودي إلى زيارتي اليومية.
- لا اطمئني لقد أخذت حقنة بالأمس واليوم ستكون الثانية وإن شاء الله غدا سأحضر لا محال.
لحظتها تحضر ابنة حميدة من الخارج وهي شابة في سن سمراء، راحت تسلم عليهما حيث قدمتها أمها قائلة:
- ابنتي الثانية، بعد زواجها أردتها أن تبقى لتعيش معي هي وزوجها، خصوصا وأن الزوج عمله يضطره للسفر لأكثر من أسبوع.
يدق جرس الباب فتذهب ابنة حميدة لفتحه فكان الطارق شاب أنيق حاملا محفظة طبية وما إن أقبل نحوهم حتى راحت السيدة حميدة تقدمه لضيوفها قائلة:
- إنه الدكتور رياض ابن بلدي وجارنا في نفس العمارة.
ابتسم رياض بكل أدب واحترام وهو يمد يده ليسلم على الضيوف، وبالأخص سمراء التي نظر إليها نظرة خاطفة ملؤها الإعجاب والاحترام وهو يقول:
- أنا سعيد بتشرفي بمعرفة حضرتكم.
بعدها استأذن ليراقب طبيا حالة السيدة حميدة ثم أعطاها حقنة بذراعها وهو يقول:
- الحمد لله حرارتك أصبحت عادية.

وتبدأ الشهور تمر وتثبت سمراء عن جدارة استحقاقها لرئاسة قسم المصممين، ومما زاد ثقة مدير الشركة فيها هو أن أحد التصميمات قدمت باسم الشركة لإحدى المسابقات الدولية الكبرى ولأنه تصميم رائع، نالت الشركة عنه الجائزة الكبرى، تلك الجائزة التي نقلت الشركة نقلة كبيرة، حيث أصبح المدير يفكر في توسيع محل الشركة خصوصا وأن الجائزة منحت الشركة سمعة عالية لم يكن ليحلم بها صاحبها، وبالمناسبة أقام المدير حفلة وأثناء الحفلة التي أقيمت بإحدى المطاعم، إحدى صديقات سمراء بالعمل اقتربت منها وقالت:
- لأنك صاحبة التصميم الذي نالت الشركة بفضله الجائزة فإننا بصراحة نريد أن يكون الاحتفال عندك وليكن الكسكسي.
وردت سمراء في خجل:
- لكن ...
وقاطعتها أخرى:
- ماذا؟ ترفضين أم لا تجدين الأكلة التقليدية لبلدكم الكسكسي؟
- لا ... لا أقصد ولكني مضطرة أن أدعو فقط الجنس اللطيف وبالتالي الجنس الخشن سيقولون عني عربية معقدة.
ونطق مديرها الذي تابع الحوار عن قرب:
- لا بالعكس نحن نحترم فيك هذا ... وإذا ليس لديك مانع نتذوق الكسكسي بالشركة.
وضحك الجميع في سعادة لما كان رد سمراء بكل أدب ولطف:
- طبعا سأفعل بكل سرور.

زارت صديقات العمل سمراء بمنزلها ... وبعد تناول الكسكسي، وتقديم القهوة والشاي بحلويات وعجائن عربية تقليدية فلم تزد الضيوف إلا تذوقا وإعجابا لدرجة أن بعض الصديقات إستأدنت بأن تحمل معها بعض الحلويات ... وأثناء حديثهن على صينية القهوة والشاي أبدون إعجابهن كذلك باللوحات التي رأوها بغرفة الرسم حيث نطقت إحداهن:
- معقول لوحات رائعة ولم يسبق لك المشاركة بها بأي معرض.
- الحقيقة إنه حلمي لكن لم أفكر به بجدية ربما لأنه لم تتح لي الفرصة بعد.
ونطقت أخرى:
- ممكن رؤية تلك الصورة المغطاة؟
بعد فترة صمت ابتسمت سمراء وهي تمد يدها بكل حنان لترفع الستار من على الصورة فنطقن في مرة واحدة وبإعجاب واندهاش:
- يا لها من عيون جميلة
ونطقت إحداهن:
- بل أجمل عيون.
ونطقت أخرى:
- لكن ماذا كتبت تحتها بالعربية؟
وردت سمراء:
- عيون البحر.
- ولماذا هذا العنوان؟
وترد سمراء وهي تتأمل الصورة بكل حب وحنان:
- المعروف عن البحر لمن يقف أمامه الغموض لما يحمل من أسرار يصعب الوصول إليها ... وصاحبة هذه العيون قابلتها في حياتي الماضية وأنا صبية ومن يومها لم أعد أراها ولا أتذكر من ملامحها سوى عيونها الجميلة، مع الأسف.
ونطقت إحداهن:
- أروع ما في هذه العيون أننا لا نستطيع أن نحدد هل هي عيون تحمل نظرات في منتهى الحزن أم في منتهى السعادة.
وفي نهاية الحفلة تغادر الصديقات منزل سمراء بعد توديعها وتوديع والدتها ... السيدة حميدة ما أن أنهت عملها بالمطبخ وهي تحضر نفسها للخروج، سمراء تضع بيديها بعض النقود وهي تقول:
- لست أدري كيف أشكرك لقد أخرناك عن موعدك المعتاد
- ولا يهمك ... أنت ووالدتك تستحقان مني كل خير.

بالشركة الجديدة أصبح لسمراء مكتب فخم تديره ويعمل تحت تصرفها أربع موظفين ... مدير الشركة يطلب حضورها وما إن حضرت قال لها بكل احترام وسعادة:
- هل أعجبك مكتبك؟
- بكل تأكيد.
بعدها راح يقدم لها ورقة، وما إن تسلمت الورقة وقرأتها حتى استغربت فحواها وهي في كامل سعادتها قالت:
- معرض باسمي وبأكبر القاعات الفنية بباريس؟


هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 02:04 AM   #7

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 7

- أنت فنانة كبيرة رغم صغر سنك وتستحقين أن تبدئين أول معرض بقاعة كبيرة ومعروفة.
- لست ادري كيف أشكرك.
ويقاطعها قائلا:
- بل أنا الذي أشكرك فبعد تصميمك الذي نلنا من خلاله الجائزة الكبرى، وكان السبب في تهافت الشركات والمؤسسات الكبرى للتعامل معنا، بل الأغرب تصرفك أنت مع هذه الشركات، علمت أن الكثير منهم أراد التعاقد معك بإغراءات لا يمكن تجاهلها خصوصا وضعك أنت ... أعرف أيضا هناك من الشركات من عرضت عليك عرضا مغريا لتخليصك من بنود العقد الذي يربطك بشركتنا، ومع ذلك رفضت وفضلت البقاء معنا وهذا لم يزدنا إلا تقديرا لك واحترامنا لك وما أقدمه لك الآن هو بالنسبة لي يظل شيئا قليلا.
وتحاول أن تنطق لكن للمرة الثانية يقاطعها:
- يا لله أنت الآن في إجازة مفتوحة أريدك أن تحضري جيدا نفسك لهذا المعرض، وبعده سنبرم عقدا أخر أنت تضعين شروطه.

وبدأت سمراء تحضر لهذا المعرض بكل جدية ... وبعد أن اختارت كل اللوحات التي ستشارك بها ... ففي الليلة التي تسبق المعرض بقيت بغرفتها في حالة قلق ... وأدركت الأم ذلك فلم تنم هي الأخرى، ففضلت الالتحاق بغرفة سمراء، وما إن رأتها سمراء حتى قامت من سريرها نحوها قائلة:
- ألم تنامي بعد؟
- وهل حبيبة أمها زارها النوم؟
- أبدا ... يظهر أنني لن أنام الليلة.
ابتسمت الأم وقالت:
- وهل إذا نمت في حضني يأتيك النوم ويذهب عنك القلق.
وراحت سمراء تساعد أمها على الانتقال من كرسي العجلات نحو السرير وهي تقول في سعادة:
- أكيد طبعا.
واستلقت سمراء على السرير، ورأسها على صدر أمها، وعيناها مغمضتان، بينما الأم راحت تمرر بكل حنان يدها على رأسها قائلة:
- هل ستكون لوحة عيون البحر من اللوحات المعروضة؟
وردت سمراء وهي تفتح عيناها:
- لا طبعا ... لأن اللوحات المعروضة إذا أعجب بها زائر ستحجز له لشرائها ولوحة عيون البحر ليست للبيع.
وترد الأم بصوت حنون متفائل:
- أنا صحيح لا أفهم في الرسم لكن عندي إحساس أن هذه اللوحة ستجلب لك الحظ في هذا المعرض.
ابتسمت سمراء بحنان واستقعدت وقالت:
- حتى لو لم تجلب لي الحظ فيكفي أنك تريدين أن تكون من بين لوحات المعرض.
ثم قامت لتتجه نحو الباب وهي تقول:
- أمرك يا ست الحبايب سأحملها ... سأذهب لأجهزها وسأكتب تحتها محجوزة حتى إذا حدث وأعجب بها أحد أقول أنها بيعت.

بصالون المعرض ... وبقدر خوفها وقلقها فإذا بعدد الزوار يزداد يوما بعد يوم، بل وحضر حتى النقاد، ورجال الصحافة، والإعلام، والمصورين الذين أشادوا على مولد موهبة شابة كفنانة كبيرة، وكانت أكثر اللوحات نالت إعجاب الجميع هي لوحة عيون البحر التي أخذت الحيز الأكبر في المناقشة من طرف كل من اقترب منها لدرجة أن هناك من عرض عليها مبالغ خيالية من أجل شراءها، لكنها رفضت بحجة سبق بيعها ... كان لهذا المعرض أول خطوة وبداية شهرة سمراء كفنانة، بعد المعرض تفاجئ سمراء والدتها برحلة إلى أمريكا فكان رد الوالدة:
- يا بنيتي لا داعي ... فلا أظن أطباء أمريكا أحسن من أطباء أوروبا.
- لا يا أمي الطب هناك متقدم أكثر.
- أنا خلاص تعودت على مرضي.
- لكن أنا أمنيتي أن أغمض عيني وأفتحها وأجدك واقفة على رجليك.

ورحلتا إلى أمريكا في زيارة استغرقت أكثر من شهر، فعرضت والدتها على أكبر المتخصصين بجراحة العظام، لكن مع الأسف الكل أكد لها أن والدتها لا تشكو من أي مرض عضوي، وعجزها على الوقوف على رجليها سببه حالة نفسية وممكن أن تسترجع رجليها في أي وقت بإذن الله...

عادت سمراء من أمريكا بصحبة والدتها وكعادتها لم تنس أن تراسل صديقتها زهراء لتعلمها عن كل صغيرة وكبيرة كما تعلمها أيضا بإرسالها لبعض المبالغ المالية بالبنك.

واستمرت سمراء الاعتناء بوالدتها، فهي لا تنسى أن تقضي معها عطلة نهاية الأسبوع خارج البيت حتى تعطيها من الرعاية النفسية الكافية كما أوصاها الأطباء، أما عطلتها السنوية فكانت تقضيها كل مرة ببلد أوربي.

سمراء بإحدى حدائق باريس بصحبة والدتها ... اختارا مكانا جميلا وجلست سمراء أرضا على البساط الأخضر تداعب ريشتها لترسم منظر البحيرة تسبح بها مجموعة من البجعات... فإذا بشابة من سنها تقريبا كان يظهر عليها أنها سائحة كانت تلتقط صورا بالكاميرا، وفجأة تلمح سمراء وهي في اندماجها مع الرسم لم تنس أن تتفقد أمها التي على مقربة منها لتمنحها من الحب والرعاية، ذلك المشهد أثار فضول وإعجاب تلك الشابة السائحة فاقتربت من سمراء ونطقت بالعربية:
- رائع ما ترسمين.
وردت سمراء وهي تنظر إلى الشابة بتمعن:
- شكرا.
- بالرغم أن لك ملامح إيطالية لكن وجودك مع الحاجة ...
وقاطعتها سمراء وهي تبتسم:
- إنها والدتي إنها لا تستغني عن الجلابية العربية.
وراحت سمراء تتمعن في الشابة ثم ضحكت بكل أدب، مما جعل الشابة تتساءل بعيونها، فبادرت سمراء بالكلام بسرعة حتى لا تفهم السائحة تصرفها غلط قائلة:
- بصراحة لو لم تتكلمي بالعربية ما قلت أنك تجدينها.
ابتسمت الشابة وقالت:
- أنا لا أجيدها فقط، بل أنا عربية أبا عن جد، إنني من المشرق العربي.
- أهلا بك، أما أنا اسمي سمراء من شمال إفريقيا.
وجلست تتحدثان عن باريس وفن الرسم ... حيث قالت رندا:
- أحب الرسم لكنني لا أرسم، فكان أن أشبعت حبي له عن طريق التصوير الفوتوغرافي.
وكأن رندا تذكرت شيئا مهما فراحت تفتح حقيبتها فأخرجت صورة شاب وقالت:
- إنها صورة أخي، صورة أخذت له وهو في حوالي العشرين من عمره، اليوم عمره حوالي أربعين سنة، لكن هذه الصورة نادرة وعزيزة علي وأنا الوحيدة التي أحتفظ بها، وبما أن عيد ميلاده بعد أسبوع هل لديك مانع أن ترسمي لي صورته هذه؟
مسكت سمراء بالصورة وقالت:
- طبعا ليس الآن.
- المهم قبل أسبوع.
وفي نهاية اللقاء تركت سمراء لرندا عنوانها وهي تقول:
- تعالي غدا مساءا ستكون الصورة جاهزة بإذن الله.

في اليوم الموالي بمنزل سمراء، بالصالون وبعد جلسة حميمة عربية اكتشفت خلالها رندا تلك العلاقة التي تربط سمراء بأمها حيث كانت علاقة لا تخلو من العطف والحنان والحب المتبادل، حيث أن سمراء رغم انشغالها بضيافتها إلا أنها أبدا لا تنسى أن تهتم بوالدتها في كل صغيرة وكبيرة، رغم وجود السيدة حميدة، فقالت رندا بإعجاب وحنان:
- ربنا يحفظكما لبعض.
ابتسمت سمراء وقالت وهي تنظر إلى السماء من النافذة:
- يا رب ... فهي كل عائلتي ولأن العمل يأخذني منها طوال النهار وطول الأسبوع إلا أنني أحاول بقدر الإمكان أن أعوضها بمجرد ما أدخل إلى البيت.
ويظهر أن رندا تذكرت شيئا وهي تنظر إلى سمراء تمشي بداخل المنزل دون الاعتماد على العكاز فقالت:
- سمراء أنت؟ ...
وتوقفت عن الكلام وكأنها أحرجت وهي تنظر إلى رجل سمراء وإلى العكاز الموضوع بإحدى زوايا الصالون وكأن سمراء أدركت تساؤل رندا فبادرت هي بالكلام حتى تبعد إحساس رندا بالإحراج:
- في يوم من الأيام كنت فعلا أعاني من إعاقة بسيطة برجلي ولدت بها ... لكن الحمد لله من سنة قمت بعملية جراحية ونجحت، لكن العكاز هذا الذي رافقني عمري كله أصبح وكأنه جزء مني فلا أستطيع أن أستغني عنه، خاصة وأنا خارج البيت.
وأدركت رندا اللغة الحزينة التي تحدثها بها سمراء فقالت:
- أنا آسفة.
ابتسمت سمراء وقالت:
- لا ... أبدا لا داعي إلى الأسف وحتى تتضح الصورة عندك أكثر فوالدتي أطال الله بعمرها كانت سليمة ... فقط من حوالي خمس سنين تقريبا فجأة فقدت حركة الرجلين، طفت بها كل أطباء العالم وكلهم يؤكدون لي بأنها لا تشكو من أي علة عضوية فقط القضية قضية وقت ورعاية دائمة لها.
حملت رندا الصورة وهي في منتهى السعادة بها، ثم راحت تقدم لها الثمن، سمراء ترفض الثمن واعتبرتها هدية منها بل وعربون صداقة عربية ولدت بينهما.
رندا وهي تنصرف قالت في سعادة:
- هذا عنواني ببلدي لو في يوم رمتك القدرة لزيارة لبنان سأكون سعيدة بحضورك.
وردت عليها سمراء وهي تقدم لها عنوانها:
- وهذا عنواني الدائم فمهما بقيت بباريس يظل عنواني ببلدي.
بعد مغادرة رندا منزل سمراء ... تتهيأ بعدها السيدة حميدة هي الأخرى للانصراف وهي تقول وتؤكد لأم سمراء بصوت منخفض:
- أرجوك حاولي معها.
وبعد مغادرة السيدة حميدة، جالست سمراء أمها التي راحت تفاتحها في موضوع الزواج فكان رد سمراء:
- أرجوك يا أمي تعرفين الرد كما تعرفه السيدة حميدة ولا داعي للإلحاح.
- أرجوك يا بنتي يجب أن تفكري في نفسك قليلا ... بصراحة الدكتور رياض لا يعيبه أي شيء ولست أدري لماذا ترفضينه.
- أنا لم أرفضه يا أمي ... كل الحكاية لا أفكر في الزواج حاليا.
- إذن أفهم من هذا أنك ما زلت تفكرين في ...
وتوقفت عن الكلام فتابعت سمراء قائلة:
- قولي ... في نور الدين ... أذكري يا أمي اسمه لم أعد أقلق لسماع اسمه لأنني خلاص ما عدت أفكر فيه.
- لو كنت فعلا نسيته كنت ...
قاطعتها سمراء واقتربت منها وجلست أمامها على ركبتيها وبكل رقة وحنان قالت:
- صدقيني أنا نسيته ولم يعد يشغل بالي وعقلي وقلبي غيرك يا ست الحبايب.
ومررت الأم يدها بكل حنان على وجه سمراء وقالت:
- وأنا أيضا قلبي وفكري مشغول بك، أرجوك يا حبيبتي أعديني بأن...
- أعدك بأنني يوم أجد ابن الحلال الذي يخفق له قلبي ستكونين أول من تعرف ...

وتبدأ الشهور والسنين تمر ... وكانت سعادة سمراء لا توصف وهي تحقق النجاح تلو الآخر في ميدان عملها حيث أصبحت تترأس أكبر شركات الإعلانات بأوربا كلها، كما أصبحت واحدة من رائدات الفن في ميدان الرسم فغدت فنانة مشهورة ... حيث كانت ترافقها أمها في جميع رحلاتها الفنية، وانتقلت إلى الإقامة بإحدى الفيلات الراقية ...

سمراء كعادتها بعد خروجها من الشركة تستقل سيارتها لتشرب فنجان قهوة بإحدى المطاعم القريبة من الشركة والتي تفضلها عن أفخم المطاعم، كون هذا المطعم جماله في بساطته كما أنه مطعم عربي يقدم أكلات عربية في جو عربي، ومن يعملون به طيبون جدا خصوصا السيد عبد الله، كما أن المطعم يطل على نهر السين ذا المنظر الجميل ... وما إن دخلت المطعم وأخذت مكانها المفضل حتى أقبل النادل عبد الله مبتسما مرحبا قائلا:
- مرحبا بالآنسة سمراء، فنانتنا المحبوبة.
- مرحبا يا عبد الله ... كيف حالك وحال العائلة.
- الحمد لله ... الكل معجب بالصورة التي رسمتها لي، ولعلمك الكل يريد له صورة مرسومة بإمضائك.
- غالي والطلب رخيص.
وبعد أن أنهت سمراء قهوتها واستعدت للخروج، وهي تخطو خطوات نحو الباب فإذا بها تصطدم بشخص يدخل المطعم، ولأنها السبب حيث اصطدمته بعكازها فنطقت برقة:
- أنا آسفة.
ولأن الشخص لم يرد عليها فما أن رفعت رأسها والتقت نظراتها بذلك الشخص الذي هو شاب أنيق ملامحه وشكله تدل على أنه أوربي مما جعلها تعيد التأسف بالفرنسية بينما هو رمقها بنظرات وابتسامة وإعجاب ورد عليها بالعربي:
- بل أنا الذي أتأسف.
ابتسمت سمراء لأدبه ولطفه وانصرفت، بينما تابعها بنظراته وكأنه لأول مرة يرى فتاة في مثل رقتها وتواضعها، بعدها تابع طريقه نحو طاولته المحجوزة دون أن ينس تحية عبد الله الذي يعرفه كونه زبون دائم قال وهو يستقبله:
- كيف حالك يا سامي متى عدت من البلد؟
- من أسبوع.
- لقد تأخرت هذه المرة بالبلد.
- كان يجب هذا التأخير، خصوصا وأنني لم أزورها من مدة.
وما إن جلس سامي حتى انصرف النادل عبد الله قائلا:
- طبعا أطباقك المغربية المفضلة.
راح سامي يتصفح الجريدة، لكنه غاب للحظات شارد الفكر وهو يتذكر تلك الشابة التي اصطدم بها وانتظر حتى حضر النادل حاملا له طلباته وبنوع من الفضول سأله قائلا:
- عبد الله، الزبونة التي خرجت الآن تعرفها؟
ورد عبد الله مبتسما قائلا:
-من لا يعرف ابنة العرب التي رفعت رأسنا بفنها.
- هي فنانة؟!
- فنانة في الرسم، اسمها وصورها بجميع المجلات والجرائد.
- لهذا قلت في نفسي الوجه ليس غريبا عني
- إنها الفنانة سمراء حجازي الملقبة فنيا "سمارة" تزورنا من حوالي أربعة شهور، وقد أصبحت زبونة دائمة عندنا لأخذ فنجان قهوة على الساعة الحادية عشر أما يوم الاثنين فهي تتغذى.

سامي بعد خروجه من المطعم يمتطي سيارته نحو "وكالة بيع السيارات وتصديرها نحو الدول العربية" وما إن دخل مكتبه حتى رن هاتفه النقال فكانت صديقته "كلوديا" مديرة الملهى الذي يملكه بوسط باريس لتعلمه بأنها حضرت برنامج خاص تلك الليلة حيث أحضرت أحد مغني الراي وكذلك صوت قادم من المشرق العربي، فطمأنها بحضوره بالمساء.

بالملهى كعادته يراقص صديقته كلوديا في نفس الوقت يشرب كثيرا ولم يغادر الملهى إلا مع بزوغ الفجر، وبالرغم أن كلوديا تحاول معه ليبقى للنوم بشقة الملهى، لكنه رغم ثمالته يفضل المغادرة لوحده على متن سيارته، يصل إلى فيلته في حالة يرثى لها ... ورغم اتساع تلك الفيلا وأثاثها الغالي إلا أنها تبدو وكأنها لم تنظم وتنظف من مدة، يسقط نائما على الأريكة بكامل ملابسه.
في حوالي الثانية عشر تصل كلوديا وتفتح الفيلا بالمفاتيح التي معها، وما إن رأته نائما حتى اقتربت منه وراحت توقظه بكل حنان وما إن استيقظ حتى نهض كالمذعور وقال:
- كم الساعة؟
- أظن أنه منتصف النهار، والأجدر بك أن تكمل نومك بالغرفة.
قام بسرعة وذهب إلى الحمام وطلب منها أن تحضر له ملابسه والقهوة، وحاول أن يكون سريعا في ارتداء ملابسه، وشرب القهوة وهو يخرج حاولت أن ترافقه لكنه رفض بلباقة قائلا:
- لدي موعد مهم بالوكالة، ابقي لتهتمي بتنظيم البيت من فضلك.

بسرعة البرق وصل سامي إلى مطعم فخر الدين، لكنه وهو يصل يجد سمراء تتهيأ للإقلاع بسيارتها، فبقي بسيارته وتابعها من بعيد لغاية ما وصلت إلى الشركة التي تعمل بها، ومن يومها أصبح يتردد على الشركة حتى تعرف على أدق مواعيد حضورها ومغادرتها... وما إن يدرك موعد خروجها حتى يقترب من سيارتها ويضع أمام زجاج السيارة وردة بيضاء جميلة اللون والعطر، واستمر على ذلك لمدة أسبوعان، سمراء بدورها استغربت في الأول مصدر الوردة، لكن بمرور الأيام تعودت عليها حيث تتناول الوردة وتشمها ثم تضعها أمامها عند المقود وقبل أن تقلع تحاول أن تنظر إلى جميع الاتجاهات لعلها تعرف من صاحب أو صاحبة الوردة.

يوم الاثنين حرص سامي أن يصل إلى المطعم الأول قبل حضور سمراء، وما هي إلا لحظات وتصل سمراء إلى مكانها المفضل بالمطعم، وما إن جلست وأحضر لها النادل عبد الله قهوتها المفضلة، سامي بكل أدب واحترام يقترب منها يحييها ويقدم لها وردة بيضاء، تناولتها وابتسمت وهي تقول بنوع من الحيرة:
- ألست أنت؟
ابتسم ورد عليها قائلا:
- أنا صاحب الوردة البيضاء، وأنا نفس الشخص الذي اصطدمت به من حوالي أسبوعين أمام مدخل المطعم إن كنت تتذكرين.
ابتسمت وقالت:
- آه فعلا تذكرت، لكن اسمحي لي أسألك لماذا تصر يوميا على وضع هذه الوردة؟
- اسمحي لي إن كنت سببت لك أي مشكل، فقط أردت أن أعبر لك عن مدى إعجابي بشخصيتك.
- لا أبدا ... لكنك لا تعرفني
- أنا فعلا لا أعرفك بالرغم أنني ألوم نفسي كيف أنه لم يسبق لي التعرف على فنانة الرسم المشهورة بباريس وبأوربا كلها.
ولأنها ردت بابتسامة وصمت فلم يكن أمامه وهو واقفا إلا الانصراف مبتسما.

سمراء بغرفتها شبه نائمة تفكر في ذلك الشاب الجريء الذي لم تعرف حتى اسمه فقالت تكلم نفسها:
- هل يعقل هذا الشاب لا أعرف عنه أي شيء، ولا أعرف حتى دوافعه في مطاردتي بكل أدب ولطف، يشغل فكري كله، وبهذه السرعة
وترد على نفسها:
- فكيف يحدثك ويعرفك بنفسه وأنت لم تعطيه فرصة حتى للجلوس معك؟
وترد على نفسها:
- ولأنني لا أعرفه، فكيف لي أن أستمر في الحديث مع إنسان لا أعرفه؟
وترد على نفسها:
- إذن إنسي الموضوع قد يكون مجرد معجب بك كفنانة.

بوكالة سامي وهو بمكتبه، إحدى صديقاته واسمها جميلة، تدخل عليه، فقام ليستقبلها وهو يقول:
- أين أنت يا جميلة لم تعود تزوري الملهى؟
- بصراحة أصبحت أخاف على نفسي من صديقتك كلوديا، فغيرتها عليك قد تجعلها تبلغ عني، خصوصا وأنا لم أسو أوراق الإقامة.
- ما رأيك تعالي هذه الأيام إلى الملهى فهي ستغيب حوالي أسبوعان ستقضي رأس السنة عند عائلتها بليون.
- والله فكرة ... يا لله ما رأيك بتناول الغذاء مع بعض.
تلعثم في الكلام وقال يكلم نفسه بصمت "لا إنه يوم الاثنين" ولأنها لم تسمع رده بوضوح فكررت طلبها فكان رده بكل أدب ولطف:
- ليكن ذلك بالملهى مساءا.
وقام ليستأذن بالانصراف وتابع يقول:
- جميلة ،مضطر أن أتركك، لدي موعد مهم مع زبون.

سامي وهو يسوق سيارته شعر بالقلق نتيجة تزاحم الطريق، ويزداد قلقه وهو ينظر إلى الساعة التي تقترب من الساعة الحادية عشر ونصف.

سمراء وهي تخرج من الشركة في اتجاه سيارتها وما إن فتحت الباب وقبل أن تركب نظرت إلى حيث تعودت وجود الوردة البيضاء فلم تجد لها أثر، فراحت تنظر في كل الاتجاهات فلم ترى أثر لسيارة سامي، يظهر على وجهها نوع من القلق والأسى وخيبة الأمل، وهي تهم بالركوب فإذا بسيارة تتوقف بصعوبة حيث أحدثت فراملها صوتا مزعجا إلى جوار سيارتها لدرجة أثارت انتباهها واندهاشها، لكن ما أن تعرفت على صاحب السيارة، الذي لم يكن سوى سامي ينزل ليقترب منها حاملا الوردة البيضاء، فقدمها لها بكل أدب قائلا:
- أرجو أن لا تكون وردتي البيضاء عادة مزعجة بالنسبة لك.
ابتسمت وردت عليه:
- أبدا ... ثم من يكره أن يبدأ يومه وردا؟
- وهل يومك يبدأ مع منتصف النهار؟
ابتسمت وراحت تقدم له بطاقة قائلة:
- اليوم وبعد الساعة الثانية عشر سيكون افتتاح معرض لي بقصر المعارض بالمعهد العربي، وهذه البطاقة دعوة أسلمها لك إن كنت من هواة فن الرسم.
استلم البطاقة وهو يقول:
- سأكون جد سعيد بهذه الدعوة.
بعدها استأذنت بالانصراف وهي في كامل سعادتها ثم راحت تتصل هاتفيا بوالدتها وهي تقول:
- دعواك لي يا أمي أنا ذاهبة الآن إلى قصر المعرض.
- ألا تتغذي؟
- لن أتغذى إلا بعدما أطمئن على الافتتاح.
- يا ابنتي دعك من القلق إنه ليس أول ولا ثاني معرض لك.
- مهما كبرت، ومهما اشتهرت، سيظل قلقي قائما دائما قبل افتتاح أي معرض، كما سأظل العمر كله بحاجة إلى دعواك يا أمي.
تدعو لها الأم بالخير والتوفيق والنجاح الدائم بإذن الله.

تصل سمراء إلى مقر المعرض، وهي تدخل حتى استقبلتها عدسات المصورين وميكروفونات الإعلاميين، وحتى المعجبين بفنها، وراحت ترد على أسئلة الصحافة بكل لطف ولباقة وهي بين زحمة الصحافة والمعجبين فإذا بها تبصر على بعد أمتار الشاب سامي، بعد حوالي ساعة تنسحب من المؤتمر الصحفي بصحبة مديرة مكتبها وكذلك مدير المعهد نحو مكتب خصص لاستراحتها، وما إن جلست حتى قالت لها مديرة مكتبها ومساعدتها:
- هل أحضر لك شيئا؟
- لا شكرا، اذهبي لتهتمي بالمدعوين والزوار ريثما أرتاح قليلا.
وما إن أصبحت لوحدها حتى راحت تكلم نفسها "معقول يحضر بهذه السرعة إلى المعرض" ... لحظات وتسمع دقات الباب فإذا بأحد عمال قصر المعرض يستأذن بالدخول عليها قائلا:
- سيدتي أحد الزوار مصر على مقابلتك لأنه مصر على شراء لوحة عيون البحر.
- ألم تجعل تحتها لافتة بيعت؟
- بل فعلت لكنه مصر على مقابلتك.
- حسنا دعه يحضر لأقنعه.
فإذا بها تفاجأ بأن الزائر ما هو إلا ذلك الشاب فقالت باندهاش.
-أنت؟
- نعم أنا ... أم نسيت أنك سلمتني الدعوة؟
- لا أبدا، فقط لم أتوقع حضورك بهذه السرعة.
ابتسم وراح يقدم نفسه قائلا:
- اسمحي لي أولا أقدم نفسي ... أنا عربي من لبنان اسمي سامي أبو رستم وأرجو أن لا يضايقك إصراري على شراء لوحة عيون البحر؟
ابتسمت وردت:
-لا أبدا ... فقط أنا آسفة لأنها في الحقيقة ليست معروضة للبيع، لكن حبي لها وتفاؤلي بها في كل معرض أضطر أن أجعل تحتها سبق بيعها، وللمرة الثانية أقول لك آسفة ليست للبيع.
- بصراحة لم أكن أعلم أن في بلد أوربي، تتواجد فنانة عربية نفتخر بها، وقد أثبتت وجودها في إدارة أكبر شركات الإعلان وفي الوقت نفسه فنانة في الرسم، تزاحم أكبر رسامي أوربا.
- شكرا على هذه المجاملة.
- لا صدقيني أنا صحيح ليس لدي دراية كافية بفن الرسم لكن أحب كثيرا الرسومات التي تتناول الطبيعة.
وبدون مقدمات فاجأها بنوع من الجرأة قائلا:
- ممكن أتجرأ وأطلب منك طلب؟
- تفضل.



التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 02:46 AM
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 02:08 AM   #8

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 8

- معلوماتي أنك تتناولي غذائك كل يوم اثنين بمطعم فخر الدين، وأظن لم تتناوليه بعد ... فهل لديك مانع لو أدعوك للغذاء؟
استغربت اهتمامه بها لدرجة أنه يعلم عنها بعض التفاصيل كغذائها الدائم كل يوم اثنين ولأنها تأخرت في الرد شعر بإحراج مما جعله يسأل قائلا:
- أنا آسف إن كنت جريئا وتخطيت حدودي.
- لا أبدا ... الحقيقة أكلت من ساعة أكلة خفيفة وأنا لست جائعة الآن.
- إذا ... إذا ليس لديك مانع ليكون فنجان قهوة بأي مطعم تختارينه.
ابتسمت وردت بكل لباقة:
- إذا كنت مصر على الدعوة فأنا لا أرفضها لكن أفضل أن تكون في يوم غد كما تعلم اليوم مشغولة بافتتاح المعرض.
وهو يغادرها قال:
- إذا سأترك لك بطاقة بها كل أرقام هواتفي ويمكنك الاتصال بي في أي وقت إذا طرأ طارئ وغيرت الموعد.

سمراء بغرفتها لم تنام، وخرجت إلى الشرفة وراحت تفكر في الشاب سامي قائلة تكلم نفسها بصمت: "هل يعقل هذا الشاب هو لحد الآن إنسان مجهول لا أعرف عنه إلا القليل، يستحوذ على فكري".

في اليوم الموالي كان سامي في كامل أناقته جالسا ينتظرها بكل قلق بإحدى أفخم المطاعم وما إن أبصرها حتى قام بكل احترام قائلا لما اقتربت منه:
- كنت قلق خوفا أن لا تأتي بعد أن وافقت.
نظرت سمراء إلى الساعة وقالت:
- لقد حضرت حسب الموعد المحدد.
راح يرمقها بنظرات إعجاب لدرجة إحراجها، مما جعلها تلتفت يمينا ويسارا هروبا من نظراته وهي تجلس فجأة غابت ابتسامتها لما لاحظت على طاولة مقابلة غادرها زبائنها في الحال وجود كؤوس وقارورات الخمر، شعرت بنوع من القلق مما أثار انتباه سامي حيث سألها قائلا:
- آنسة سمراء ما بك؟
- لا أبدا فأنا بصراحة لا أحبذ شرب قهوتي وعلى مقربة مني زجاجات الخمر.
بلع ريقه وقام بسرعة في اتجاه النادل حيث قال له:
- لا داعي لإحضار أي خمر لتكن قهوة وشاي.
ثم عاد بسرعة قائلا:
- أرجو المعذرة لقد نسيت أن أطلب من النادل إحضار الشاي فأنا في المساء أفضل شرب الشاي بدل القهوة.
راحت تنظر إليه بنوع من التساؤل فأحس بالإحراج، وكأنه يخفي شيئا لا يريد لسمراء أن تعرفه وإذا بها تفاجئه قائلة:
- يخيل إلي أنني رأيتك من قبل.
إبتسم بقلق قائلا:
- طبعا بمطعم فخر الدين.
- لا ... يخيل لي أنني رأيتك من قبل بكثير.
ابتسم قائلا:
- أكيد يخلق من الشبه أربعين.
- أكيد، سبحانه وتعالى.
وحتى يخلق جوا للحديث قال:
- هل أعجبك هذا المحل؟
- بصراحة رغم موقعه الجميل وفخامته إلا أنني أفضل مطعم فخر الدين فهناك لي ركني المفضل يمكنني أن أشرب قهوتي دون أن أرى من يتناول الخمر أمامي، هذا بالإضافة إلى السيد عبد الله إنسان طيب فهو تعود على قهوتي المفضلة، ومكاني المفضل وزبائنه معظمهم من محبي القهوة والشاي والنغمة العربية الأصيلة.
وفاجأها قائلا:
- سمراء ... اسمحي لي، لقد أعطيت لنفسي الحق بمنادتك بدون ألقاب، بصراحة أنا أريد أن أعرفك أكثر فأنا معجب جدا بك.
تلعثمت ثم قالت:
- تفضل اسأل وأنا أجيبك، فمن حق الفنان أن يجيب على أسئلة المعجبين بفنه.
- بل أنا معجب بك كإنسانة وأريد بصراحة أن أتقدم لخطبتك.
كلامه الجريء أخرسها وجعلها تبقى لفترة صامتة، لا تدري بما ترد عليه، سوى بكلمتين وبصعوبة نطقت بهما:
- أستاذ سامي أنت لا تعرفني.
- بدون ألقاب من فضلك ... أعرف كلانا لا يعرف عن الثاني سوى اسمه لكن أنا أتكلم عن نفسي وأقول لك يكفيني أنني أعرف شيئا واحدا وهو أن قلبي خفق لك أول يوم بل في أول لحظة رأتك عيناي فيها.
- ولا أظن هذا يكفي.
- بالنسبة لي أنا يكفي إذا ليس لديك مانع أتقدم في الحال لخطبتك وسأترك لك فرصة تحددينها أنت، كم تدوم لتتعرفي على شخصي؟
بعدها تفاجئه بقيامها وهي تستأذن بالانصراف قائلة:
- أنا مضطرة للانصراف حالا.
- هل أفهم أن كلامي ضايقك؟
- لا أبدا أنت فعلا فاجأتني بجديتك في أول يوم نتعارف فيه.
حاول أن ينطق لكن قاطعته قائلة:
- أرجوك لا داعي لنكمل الحديث الآن ...
وما إن ركبت سيارتها، وهي تقترب من الحي الذي تقطنه فإذا بها ترى من خلال المرآة العاكسة سيارة سامي خلفها ... استغربت وجوده خلفها فراحت تكلم نفسها "هل يكون فعلا وقع في حبي من أول نظرة" ثم تصمت وترد على نفسها "ولم لا" ثم ترد على نفسها "ما بك يا سمراء أليس هو نفس الشاب الذي شغل فكرك، فلماذا إذا الآن استغربت جرأته وصراحته لك دون لف ولا دوران" ... وما إن وصلت ونزلت من سيارتها فإذا بها لم ترى أثر لسيارة سامي ... فتركت سيارتها بالخارج ودخلت إلى المنزل ... مباشرة بعد تحية السيدة حميدة راحت لتقبل والدتها بكل حب وحنان وهي تقول:
- حضري نفسك سآخذك معي إلى المعرض.
لحظتها يرن جرس الباب ... السيدة حميدة بعد أن تفتح الباب تأتي لتعلم سمراء قائلة لها:
- شاب يدعى سامي يريد مقابلتك.
تشعر سمراء بغضب قائلة:
- لا ... إنها جرأة ما بعدها جرأة ... سأوقفه عند حده.
كلامها وهي في قمة الغضب جعل السيدة حميدة وأم سمراء في حيرة من أمرها، بينما سمراء ما أن اقتربت من سامي فإذا بها تفاجأ به حاملا علبة حلويات وباقة ورد قائلا:
- جئت أولا لأعتذر لأنني ربما لم أحسن التصرف معك، ويمكن صراحتي وجرأتي فاقت الحدود، ثانيا وإن ليس لديك مانع أريد مقابلة عائلتك.
وما كادت سمراء أن تنطق حتى كان صوت والدتها الأسبق لما قالت بكل أدب ورقة:
- تفضل يا ابني ... مرحبا بك ... فأنا والدتها وكل عائلتها.
تقدم من الوالدة بكل احترام ... فحين تناولت منه السيدة حميدة باقة الورد وعلبة الحلويات ... وجلسوا بالصالون وبدون مقدمات قال سامي موجها كلامه لأم سمراء:
- سيدتي يشرفني أن أطلب من حضرتكم يد ابنتكم الفاضلة الآنسة سمراء.
ورغم اندهاش سمراء لكنها لم تخف إعجابها وجرأته ومع ذلك ردت عليه قائلة:
- لكن أنا أرفض.
وبنفس الجرأة رد عليها قائلا:
- من حقك الرفض ما دام حضرت لوحدي دون مرافق من أسرتي، لكن يجب أن تعلمي أن عائلتي ليست معي، لكن أنا فقط حضرت هذه المرة لوحدي، وبعد موافقتك وموافقة السيدة الكريمة والدتكم أكيد سأرسل في طلب عائلتي لتحضر لتطلب يدك رسميا.
وردت الوالدة في سعادة رغم أنها لم يسبق لها معرفته:
- أكيد يا ابني سيحدث هذا بعد أن نتعرف على بعض.
ورد عليها سامي:
- أنا من جهتي سأعطيها الفرصة الكاملة لتتعرف عني، أما عنها فيكفيني أنني متأكد من شيء واحد.
وتوقف وراح ينظر إليها بكل حنان ثم تابع يقول:
- وكل ما أتمناه هو أن الآنسة سمراء لا تتسرع في الرد.
لحظتها تقول سمراء بصوت هادئ:
- تفضل أشرب قهوتك.
ورد عليها:
- بل أتمنى أن أشرب الشربات في أقرب وقت.
وأمام إلحاحه وجرأته وصدقه لم يكن أمامها سوى الرد بابتسامة وحياء البنت الأصيلة.

بدأت الأيام تمر وتوطدت العلاقة بين سمراء وسامي وأصبحت لقاءاتهما يومية ... بالمطار ذهب سامي بصحبة سمراء لانتظار أخته التي حضرت بطلب منه ... وما إن ظهرت أخت سامي حتى راح يجري نحوها ليعانقها وهو في كامل سعادته ... أما سمراء ما أن رأتها حتى تبادلتا مع بعض النظرات ونطقتا في مرة واحدة باندهاش:
- أنت!؟
وتعانقتا بحرارة.
ورد سامي:
- ما بكما هل تعرفا بعض من قبل؟
وردت رندا وهي في منتهى السعادة:
- هل تعرف من التي رسمت لك صورتك التي أهديتها لك في يوم عيد ميلادك السنة الماضية إنها هي.
وقالت سمراء:
- الآن فقط تأكدت لماذا كنت دائما أشعر أنني سبق لي معرفته من قبل، لكن متى؟ وأين؟ لم أتذكر ...

بمنزل سمراء كان العشاء العائلي ... بعدها تغادر رندا وأخوها منزل سمراء ... لما وصلا الفيلا دار بينهما حوار عكّر صفو وقمة سعادة ذلك اليوم، حيث قالت رندا لأخيها بصوت اللائم:
- سمراء يجب أن تعرف عنك كل شيء قبل الخطوبة الرسمية.
ورد سامي وهو يحمل كأس الخمر قائلا:
- لا أريدها أن تعلم الآن.
- وأنا لست معك يجب أن تعلم سمراء ما تخفيه عنها ...
- سمراء إنسانة حساسة جدا ولو عرفت الآن أكيد ستكون صدمة لها ولي، وقد تقطع علاقتها معي بسرعة ودون حتى أن تعطيني فرصة لأفهمها.
- وأنت هل ما زلت مع هذه الجماعة المتطرفة التي لا تعترف بأي كتاب سموي؟
- لقد قطعت علاقتي بهم من سنة.
وشعر بنوع من القلق مما جعله يتابع قوله بنوع من الغضب:
- أرجوك يا رندا إنك الوحيدة في أسرتي من تفهمني، توقفي عن هذا الموضوع على الأقل الآن.
- لا لن أتوقف خصوصا وأن سمراء تكره من يتناول الخمر.

وتبدأ علاقة سمراء برندا ... كانتا تخرجان مع بعض يوميا تتجولان، وفي الوقت نفسه تستعدان للخطوبة والزفاف ... تعبتا من التجوال بين المحلات فاختارا الجلوس بأحد المقاهي للاستراحة، وهما تتناولان المشروبات فإذا بسمراء تفاجئ رندا قائلة:
- ساعات يخيل إلي انك حزينة، فأنت تتكلمين كثيرا عن سامي، وأشعر أن له معزة خاصة بقلبك دون بقية إخوتك، فهل كلامك عنه بلغة حزينة كونه يعيش بالغربة؟
وردت رندا بعد أن تنهدت بعمق:
- سامي بالرغم أنه ليس أكبر إخوتي ولا أصغرهم لكنه أعز إخوتي ولو طلب مني عيوني ما تأخرت عليه، لقد أمضى نصف عمره بالعمل على الكبير والصغير، ظل يفكر في سعادة كل العائلة ناسيا نفسه ولما قرر أن يحقق نصف دينه مع من أحب كان مهرها أكبر مما تتصورين فانسحب وقرر الهجرة وهنا في بلاد الغربة نسي كل شيء وراح يحقق المال والثروة على حساب نفسه، إلى أن شاء القدر ورماك في طريقه فأوقف ****ب الزمن الذي كان يجري به إلى المجهول وقرر أن يبدأ حياته من جديد، فكنت بالنسبة له أجمل شيء صادفه في باريس.
ثم تتوقف وتحاول أن تبتسم قائلة:
- من أعماق القلب أتمنى لكما السعادة.

يعود سامي من الخارج ... وما إن دخل حتى استقبلته أخته رندا قائلة بلهفة:
- كيف كانت سهرتكما؟
- جيدة ولقد لامتك لعدم حضورك.
- أنت تعرف أنني تعمدت عدم ذهابي حتى تفاتحها في الموضوع وتصارحها ... يا لله قل هل صارحتها؟
- مع الأسف لم أجرؤ، خائف أن أفقدها إلى الأبد، إنها المرأة الوحيدة التي أحببتها كل هذا الحب، حب من أول نظرة، في الأول ظننت أنه مجرد نزوة لكن شخصيتها وثقافتها وإحترامها لنفسها جعلني لا أجرؤ حتى على شرب كأس خمر أمامها، إنها ...
وتقاطعه قائلة:
- إنها فعلا كذلك، ولأنها كذلك فلا تستحق مني أو منك أن نخفي عنها أي شيء، لدي إحساس أنها ستتفهم الوضع، وأكيد ستقف إلى جانبك ولن تتخلى عنك حتى تعود إلى نفسك.
وراح يقترب منها وبكل حب وحنان أخوي قال:
- رندا، أختي حبيبتي أرجوك لا داعي أن نتحدث في الموضوع الآن أنا أفضل أن يكون ذلك بعد الزفاف، أو على الأقل بعد الخطوبة.
ورغم معزة سامي وحبها الكبير له إلا أنها حاولت أن تبدو حازمة معه حيث قالت بلهجة المهدد:
- سامي لأول مرة في حياتي أقول لك لا، لن أطيعك فسمراء تعتبرني صديقة قبل أن أكون أختك، وأنا آسفة إن قلت لك سأسافر ولن أحضر الخطوبة إن لم تصارحها بالحقيقة.
وأمام إصرارها وعزمها على السفر لم يكن أمامه سوى أن يقف وقفة صمت رهيبة، وفجأة يحمل بمعطف وسلسلة المفاتيح ويغادر المنزل دون أن يحرك ساكنا تاركا أخته واقفة صامتة وقد اغرورقت عيناها بالدموع.

بإحدى المقاهي ... سامي يتناول بعض الكؤوس ثم غادر المقهى على متن سيارته، وما إن وصل إلى حيث إقامة سمراء حتى راح يتصل بها هاتفيا ليفاجئها بأنه بداخل سيارته أمام باب منزلها، وما إن خرجت، اقتربت منه فإذا بها أدركت رائحة لا تحبها تنبعث من فمه وهو يكلمها، مما جعلها تغير في لهجتها قائلة:
- سامي لأول مرة في حياتي أراك سكرانا.
- أنا فعلا كذلك، اليوم أنا أشرب لكوني بحاجة إلى شجاعة كبيرة لأصارحك.
طريقة حديثه لم تزيدها إلا قلقا مما جعلها تقول:
- ممكن تنصرف الآن وغدا لنا كلام.
- لا ... لن أذهب إلا بعدما تسمعيني.
- وأنا لست مستعدة أن أسمعك وأنت سكران.
- لا ... أنا لست سكرانا.
ينزل سامي من سيارته ويقترب منها قائلا:
- سمراء أنا صحيح شربت، لكن ليس لدرجة فقدي لوعي فأرجوك لا تقلقي ولا تخافي مني، أنا بصراحة إنسان كنت شبه منتهي إلى أن ظهرت في حياتي ...
وفي الوقت الذي كان يحدثها كانت والدتها بجوار الشرفة حيث نادت على السيدة حميدة قائلة لها:
- حميدة ... أشعر أن وحيدتي ليست على ما يرام مع سامي ... ليس من عادته أن يقف ليحدثها مدة طويلة أمام الباب وهو يترنح يكاد يسقط وهي تبتعد عنه.
وردت عليها حميدة:
- لا ... لا يا أم سمراء لا داعي إلى القلق ... إنه حديث الحبيبان.
وكان حدس الأم في محله، حيث فاجأتها سمراء وهي تدخل عليهما ودموعها على خديها بوجه شاحب حزين متجهة نحو غرفتها لدرجة أنها لم تعبأ لصوت أمها وهي تناديها لأكثر من مرة.

يعود سامي إلى منزله في حالة يرثى لها، تائها حزينا وما إن أبصر رندا جالسة أمام حقائبها حتى نطق:
- إلى أين؟
- سأسافر حالا.
- خلاص اطمئني لقد عرفت الحقيقة ... الحقيقة التي وضعت حدا لأكبر قصة حب عشتها في حياتي ... لكن مع الأسف قصة حب فاشلة وكأنه كتب علي دائما الفشل.
أدركت رندا عمق حزنه فاقتربت منه لتتأسف لحاله، لكنه رد قائلا:
- لا ... لا داعي للحديث الآن لم يعد له فائدة.
- أرجوك يا سامي حاول أن تفهمني، قصة حبكما كانت أجمل قصة حب، بل كانت الإنسانة الوحيدة التي تمنيتها لك من أعماق القلب لذلك أردتها أن تبنى وتستمر على الصدق والصراحة من البداية.
دمعت عيناه وقال بصوت حنون:
- رندا أرجوك إنك الوحيدة في أسرتي التي تعرف حقيقتي وتفهمني، أرجوك لا تسافري وابقي لمساعدتي.
وراحت تمسح على شعره بكل حب وحنان أخوي قائلة له:
- أدفع عمري كله وأراك أسعد إنسان في الوجود مع سمراء.

سمراء بغرفتها تائهة بدموع حزينة مستلقاة على سريرها ... باب الغرفة يفتح بهدوء ... وما إن دخلت رندا حتى أشاحت وجهها عنها، لكن رندا تعرف جيدا أن الموقف حساس ويستلزم منها شجاعة قوية وصبرا أقوى لذلك راحت تقترب بخطوات بطيئة وبعد فترة صمت نطقت:
- سمراء .... أعرف كم أنت غاضبة مني ومن سامي وأعرف أيضا أن الحقيقة كانت صدمة قوية عليك ...
لم ترد سمراء وكأنها لا تسمعها لكن رندا تتابع قائلة:
- أرجوك حاولي أن تسمعيني على الأقل، لتعلمي أنه بقدر حبه لك بقدر ما كان يتعذب فهو كان يريدك أن تعرفي الحقيقة وفي الوقت نفسه لا يريد أن يفقدك ولأنه كان مترددا وفضل أن يفعل ذلك بعد الخطوبة فلم يكن أمامي إلا أن أضطره ليصارحك بالحقيقة، الحقيقة التي هي فعلا صدمة قوية لشابة في مثل طيبتك وصدقك وشخصيتك، وصدمة حتى بالنسبة له ولي، لأننا في الوقت الذي كنا نظن أنك ستقدرين هذه الصراحة وتقف إلى جانبه فإذا بنا أصبحنا في نظرك أناس خداعين وهذا معناه أننا فقدناك إلى الأبد، فهو فقد فيك الحبيبة والزوجة التي تمناها، وأنا فقدت فيك نعم الأخت والصديقة، وليس من السهل علينا نسيانك بهذه السهولة.
وبالرغم أن سمراء تأثرت لكلام رندا إلا أنها حاولت أن تبدو قوية، ولم تحرك ساكنا كما أنها لم تحاول أن توجه نظرها نحو رندا، وأمام هذا الموقف الصعب لم يكن أمام رندا سوى أن تتهيأ للخروج قائلة بصوت حزين:
- سامي عرف الكثير من بنات حواء، لكن أعترف لك بأنك الوحيدة التي تحمست لها وتمنيتها له من الأعماق، وتأكدي من شيء واحد وهو أنك كنت له أعظم حب.
وقبل أن تفتح رندا الباب أوقفها صوت سمراء المبحوح:
-رندا ....
تستدير رندا نحو سمراء وقد تحجرت دموعها فتابعت سمراء قائلة:
- أنا إنسانة ... بشر من لحم ودم يحس ويحب ويكره، وأنا طول عمري أكره من يشرب الخمر، فكيف لي اليوم أن أتحمل إنسان بالنهار في منتهى القوة والصلابة والحنية وبالليل إنسان مستهتر ضعيف الشخصية أمام الخمر .... أرجوك يا رندا حاولي أن تفهميني، سامي أنا رسمت له صورة إنسان له شخصية قوية تهد جبال، وصعب ... صعب علي أن أراه ضعيفا أمامي، والأدهى من ذلك إنسان أجرم في حق نفسه ودينه، وإذا كان في رأيك عودته إلى نفسه ودينه تستلزم مني وقوفي إلى جانبه فأنا بصراحة لا اضمن أن حبي القوي له سيبقى، لن يتغير خصوصا وأنني سأشعر وأنه سيعمل المستحيل من أجلي وسيفعل ذلك لإرضائي وللحفاظ على حبنا وليس بإرادته وباقتناعه هو، فأرجوك يا رندا إن كنت صديقتي، بغض النظر كونه أخوك فأرجوك للمرة الأخيرة أنا أحببت سامي حبا ملك كل حياتي، لكنه مع الأسف حب بالنسبة لي حب مستحيل في ظل هذه الظروف، ولذلك ساعديني ... ساعديني على نسيانه، وآسفة إن خيبت أملك، ولا تعتبري موقفي هذا تخلي عنه بقدر ما هو صدمة بالنسبة لي...

رندا على متن السيارة ودموعها على خديها تكاد لا تتوقف، وهي تتذكر سامي الذي طلب منها أن تساعده لكي لا تبتعد عنه سمراء ... وسمراء التي تطلب مساعدتها من أجل نسيان سامي، وقالت تكلم نفسها بصمت: "يا إلهي أي موقف هذا الذي لا أحسد عليه بين أعز صديقة قابلتها في حياتي وأعز إخوتي".

بمرور الأيام سمراء تحاول الاندماج في عملها حيث كانت تسافر بنفسها للإشراف على مشاريع الشركة بفروعها المنتشرة بكامل قطر فرنسا، ولا تعود إلا مع الليل منهكة متعبة، كل هذا حتى تنسى صدمتها وحبها لسامي لدرجة أنها سقطت متعبة جدا بالعمل فحملت إلى منزلها وحضر الدكتور وبعد خروجه من غرفتها أعلمهم قائلا:
- هي بحاجة إلى راحة تامة وتغيير جو، يا إما قد تصاب بانهيار عصبي، هي الآن نائمة لقد أعطيتها حقنة منومة.
دخلت رندا على سمراء التي كانت نائمة كملاك وقد حز في نفسها أن ترى صديقتها تتعذب أمامها وغير قادرة على فعل أي شيء ... فقامت لتخرج حيث لم تتحمل رؤية سمراء نائمة بحقنة منومة وإلى جوارها والدتها المقعدة تبكيها.

تصل رندا إلى المنزل لتفاجأ بأخيها جالسا أمامه كؤوس الخمر وبصحبته كلوديا، والستائر كلها منزلة مما جعلها تصرخ في وجهه قائلة وهي تفتح النوافذ:
- كنت تفعلها بالليل، لكن في عز النهار ما رأيتك يوما تفعلها، يظهر أنك فعلا إنسان ضعيف أمام الخمر، بل وأمام النساء ولا أظن أنك فعلا أحببت سمراء.
وما إن سمع اسم سمراء حتى حاول أن يعتدل قائلا:
- أنا لم ...
وتقاطعه قائلة:
- هي تتعذب من أجل نسيان حبك وأنت هنا تتلذذ بالخمر، الآن فقط أدركت صدقها لما قالت لي بأنها لا تستطيع أن تقف إلى جانب واحد ضعيف أمام الخمر والذي لا تعرفه حتى أمام النساء.
ويرد عليها بصعوبة:
- أرجوك يا رندا لا تظلميني فأنت أعقل إخوتي وأكثرهم فهما لي ولوضعيتي.
- لكن إلى متى؟ ... إلى متى ستظل عبدا للخمر، إذا كنت فعلا تحب سمراء ما كنت عدت للخمر ثانية.
- هي لم تعطيني فرصة فلم يكن أمامي إلا الخمر لعلي أنساها.
- إذا أفهم من هذا أن نيتك غير صادقة في التخلي عن الخمر ما دام ربطتها بحبك لسمراء ... بصراحة أنا أحي فيها شجاعتها، فهي رغم قوة حبها لك، إلا أنها اختارت صدقها مع نفسها وإيمانها بالله عز جلاله، لتحتفظ بالصورة الجميلة التي رسمتها لك.
وحتى تغرس بعقله وقلبه الحماس تابعت تقول بنوع من الاستفزاز:
- أنت ضعيف، والخمر سيظل يسيرك العمر كله ولا أظن أنك ستعود إلى نفسك، وأنا هذه المرة إذا سافرت لن أعود سأنسى أنا أيضا أن لي صديقا وأخا ببلاد الغربة، سأنساك يا أعز إخوتي رغما عني مادمت عبدا للخمر.

بمنزل سمراء ... سمراء كانت نائمة فإذا بها وهي في عز النوم صوت ملائكي تبصره بمنامها يرد "لا... لا يا أحلام ما يجب عليك الاستسلام"... نهضت سمراء مذهولة من تلك الرؤية وقامت بهدوء لتتجه مباشرة إلى غرفة الرسم وراحت تقترب من صورة عيون البحر ومدت يدها بكل حنان ولامست أصابعها تلك العيون لتتذكر لحظتها أن ذلك الصوت ما هو إلا صوت أمها الحقيقية حيث كانت تقول لها دائما وهي صبية:
- أريدك أن تتحدي الكل ... أصابعك هذه يجب أن تتحدى العالم كله ... أريد من إعاقتك دافعا قويا للتحدي.
وردت سمراء بدموع حزينة:
- حاضر ... سأفعل ... لن أستسلم لهذه الصدمة ... سأكون قوية بإذن الله.
لحظتها أمها تقترب منها وهي على متن كرسي العجلات قالت في صمت وبصوت حنون: "حمدا لله ... والشكر لك يا رب على قيامها بالسلامة" ... استدارت سمراء فإذا بها تفاجأ بوجود والدتها فقالت:
- ألست نائمة؟
- كيف لي أن أنام وقرة عيني ...
ابتسمت سمراء وهي تقاطع أمها قالت:
- أنا خلاص قررت أن أنساه إلى الأبد.
وردت الأم:
- الحل الوحيد لنسيانه هو السفر.
- السفر
- نعم نرجع إلى بلدنا ويكفينا غربة.
وأخذت بيد والدتها تقبلها بكل حنان قائلة:
- فعلا يا أمي سبع سنين غربة ... يكفي، بالفعل يكفي.
وراحت تنظر إلى رجلي والدتها وأكملت تقول في صمت: "كنت قد قررت أن لا أعود إلا بعدما تسترجعين رجليك لكن ..." ثم راحت تعانق أمها وهي تقول:
- معك حق ... لقد حان الوقت لنعود إلى بلدنا.


تحضر رندا لزيارة سمراء وتوديعها، فإذا بها تفاجأ بأن سمراء هي الأخرى تستعد للرحيل، حيث وجدت كل الحقائب محضرة فأشارت لها الوالدة إلى مكان تواجد سمراء ... دخلت رندا بغرفة سمراء فوجدتها جالسة



التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 02:47 AM
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 02:10 AM   #9

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 9

الوالدة إلى مكان تواجد سمراء ... دخلت رندا بغرفة سمراء فوجدتها جالسة أمام الموقد تقلب صفحات الألبوم الذي احتوى صورها مع سامي وكانت في حالة تردد بين الاحتفاظ بها أو حرقها فإذا بصوت رندا ينقذ الموقف حين قالت بصوت حنون:
- ممكن أحتفظ به معي إذا ليس لديك مانع؟
سلمته لها سمراء بدموع متحجرة بينما قالت رندا:
- أنا أيضا قررت السفر ورحيلي غدا بإذن الله.
وبعدها توقفت ثم نطقت بصعوبة:
- سمراء هل قرار العودة إلى وطنك هروبا من الواقع أم ...
تنهدت سمراء وردت:
- الحقيقة الاثنان معا فأنا فعلا اشتقت إلى وطني ...

في اليوم الموالي كانت رندا على متن سيارة أجرة متجهة نحو المطار، فيرن هاتفها النقال فكان صوت أخوها، ما أن كلمها حتى أدركت صوته الغير الطبيعي فردت عليه:
- ألم أقل لك لا تكلمني وأنت ثمل؟ ... لعلمك أنت فقدت سمراء للأبد فهي الآن بالمطار تستعد للرحيل لعلها تنساك.
ولم تنتظر الرد وأقفلت هاتفها بقلب يعتصر حزنا.
سامي وهو على متن سيارته يكاد لا يصدق ما سمعه من أخته فانطلق كالمجنون بسيارته.

بالمطار بينما رندا تودع صديقتها قالت لها:
- سمراء كل ما أطلبه منك أن لا تنقطع أخبارك عني.
وبصوت حزين ردت سمراء:
- أنا أيضا سأنتظر أخبارك وأخبار ....
توقفت فتابعت رندا قائلة:
- لدي إحساس قوي بأن رحيلك وابتعادك عنه ربما يكون سبب قوي في تغيير مجرى حياته... فانتظري مني رسالة بإذن الله قد أنقل لك فيها أخبارا سارة.

في الوقت الذي تبدأ الطائرة بالإقلاع، فإذا على مقربة من المطار كانت سيارات الإسعاف والمطافئ والشرطة ... توقفت السيارات، فكانت حادثة سيارة اصطدمت بعمود كهربائي فيخيل لمن يراها بأن من كان بداخلها أكيد توفي في الحين...

رندا وهي تصل إلى المنزل فإذا بها تفاجأ بالشرطة أمام المنزل الذين أعلموها عن حادثة أخوها ... وصلت إلى المستشفى... تخرج من مكتب الطبيب الذي أجرى له عملية جراحية مستعجلة، ودموعها على خديها صارخة بأعلى صوتها ... لا ... غير ممكن ... لا ...

بموطن سمراء ... بالمطار ... كان في انتظارهما زهراء صديقتها وزوجها وكذلك مختار مع صبية في حوالي الأربع سنوات من العمر ... وما إن سلمت سمراء ووالدتها على الجميع، راحت تنحني لتقبل الصبية التي قدمها لها مختار قائلا:
- ابنتي ... سمراء.
لحظتها تشعر بإحساس جميل وهي تقبل الصبية ثم تحملها لوالدتها كي تقبلها هي الأخرى ..... وعلى متن سيارة مختار من الحجم الكبير ركبوا جميعا.

يصلوا إلى القرية ... وكم كانت سعادة الأم وهي تعود إلى بلدتها، وازدادت سعادة وهي تكاد لا تصدق أن بيتها ومزرعتها ما زالتا بانتظارها، وقد عادا إليها وبنت بجوارهما سمراء فيلا فخمة من طابقين، واغرورقت عيناها وهي تقول لسمراء:
- كيف حدث هذا؟ ... ومتى؟ ...
وقبل أن ترد سمراء على أمها نظرت نحو مختار الذي نطق قائلا:
- طلبات أختي سمراء أوامر، لذاك لما أرسلت تكلمني عن إعادة شراء البيت والمزرعة فلم يكن لدي مانع.
وردت سمراء وهي في كامل سعادتها:
- وأنا لم يكن لدي أدنى شك في طيبتك ورجولتك، فلم تخيب طلبي بل رفضت أن تأخذ ولا مليم إضافي بالرغم أن سعر الأرض والبيت ازداد أكثر من الضعف الذي اشتريت بيه يوم أخذتها.
ثم حولت نظرها نحو زهراء وتابعت تقول:
- مساعدتكم لي جميعا لن أنساها، فلولاكم ما استطعت فعل أي شيء.
ثم راحت تقترب من الوالدة وبصوت حنون تابعت تقول:
- كان لدي إحساس أننا لن نطول بغربتنا وأكيد سنعود إلى بلدنا مهما غربتنا الأيام.

بالمزرعة ... راحت سمراء تتجول بصحبة زهراء ... قالت سمراء بصوت حزين:
- هل تذكرين يا زهراء يوم قلت لك أن ما حدث في علاقتي مع نور الدين وأرجعت أن السبب لعنة مختار تلاحقني، ويظهر أنها فعلا ما زالت تلاحقني.
- لا يا سمراء أرجوك لا تقولي هذا ... بصراحة هذا كلام لا يقبله العقل خصوصا من واحدة تعليمها عالي وإيمانها بالله أقوى وأنا بصراحة عن الذي حكيته لي عن سامي أتمنى من أعماق القلب أن يكون الله هداه إلى الطريق السوي وبإذن الله لن يطول تأخره في الحضور هو وأخته.
تنهدت سمراء بعمق قائلة:
- أصدقك القول بأن حبي لسامي كان أعظم قصة حب، بل أجزم أنه الحب الحقيقي الذي عشته بكل جوارحي، لذلك أعترف بأنه من الصعب نسيانه بسهولة، لكن سأعمل كل ما أقدر لنسيانه وأكيد مع اندماجي بمشاريعي، يمكن أن أنساه مثلما نسيت أزمات كثيرة مررت بها.
وترد زهراء بكل رقة وإعجاب بقوة إيمان سمراء:
- سمراء أنت إنسانة قوية وأنا متأكدة أن هذه الأزمة ستمر على خير بإذن الله.
تبتسم سمراء وترد:
- المهم الآن أن أجد مكتب بالمدينة.
- ستجدين المكتب بإذن الله، وسيكون أشهر مكتب للإعلانات تمتلكه الفنانة "سمارة"، كيف لا وأنت كنت مديرة لأكبر شركات الإعلانات بباريس.

ومع مرور الأيام تمكنت سمراء من إيجاد شقة بإحدى الأحياء الراقية بالمدينة، فحولتها إلى مكتب وبدأت الاستعدادات لتجهيزه ... وأثناء غيابها عن المنزل كانت تترك مع أمها، أم مختار أو زهراء أو والدتها ... وحين تعود ترتمي في حضن والدتها وهي منهكة متعبة من عملها اليومي.
تقول الأم:
- متى إذن ستفتحين المكتب؟
- الحقيقة قد يكون جاهزا بعد أسبوع لكن لن أفتحه إلا بعدما أجد من تؤنسك في فترة غيابي بالمدينة.
- يا ابنتي اطمئني فأنا مستأنسة بأم مختار، ومرات أم زهراء، وحتى زهراء عندما لم يكن لديها عمل تأتي لزيارتي.
- أعرف هذا يا أمي، لكن معاد الدواء يجب أن يتم في وقته لهذا أنا أفكر في البحث عن ممرضة تسهر على راحتك طول النهار بالخصوص.

وحان موعد افتتاح مكتب سمراء ... ولأن موعد الافتتاح سبقه عدة إعلانات بالجرائد وبقية وسائل الإعلام فكان زواره بكثرة خصوصا وقد نظمت حفلة لافتتاحه، فهناك من حضره بدافع الفضول للتعرف على خدمات هذا المكتب الحديث أو بدافع التعرف على صاحبته كونها فنانة رسم مشهورة، كانت مديرة شركة معروفة بباريس ... وبعد أن أشرفت سمراء على حفلة الافتتاح ومقابلة رجال الصحافة والإعلام ... راحت إلى مكتبها لتجلس وترتاح قليلا وهي بصحبة زهراء، كان حوار جلستهما حيث قالت سمراء:
- أريدها أن تكون من سن أمي تقريبا حتى تؤنسها وأن تكون لها دراية بالتمريض ومتفرغة تماما.
- إذن امرأة بهذه المواصفات ما عليك إلا الوصول إليها عن طريق الإعلان.
- فعلا إنها حقا فكرة ولم لا، وبهذا تكون لي فرصة أكبر للبحث والاختيار، وسأجعل عنوان المنزل مباشرة للمقابلة.
- ولماذا لا يكون على عنوان المكتب؟
- أولا حتى تكون المتقدمة على دراية بمكان العمل بالضبط، ثانيا وهو الأهم حتى يتسنى للوالدة أن تختار معي الإنسانة التي سترتاح لوجودها معها.

وما إن تناولت الصحف الإعلان ... فكان من بين القراء الذين اهتموا بالإعلان سيدة في بداية العقد الخامس من عمرها وهي تقرأ الإعلان راح تفكيرها بعيدا إلى الماضي وبالضبط بالمستشفى حيث كان زوجها يصارع الموت وهو يتكلم بصعوبة:
- كل الذي أذكره أن الرجل من قرية تدعى ...
فقاطعته ودموعها على خديها:
- ماذا بإمكاني أن أقول وقد حرمتني من فلذة كبدي.
- لا تقولي شيئا فها أنا ذا أقاسي ما جنته يدي ... وأمنيتي أن أراها قبل أن أفارق الحياة لعلها تسامحني.
تعود إلى الواقع ودموعها على خديها حيث قال لها ابنها البكر عمر وهو شاب في حوالي الرابعة والعشرين من عمره:
- لا يا أمي أنا لا أوافق على عملك بالبيوت.
- لا يا عمر ... أرجوك لا تفهمني غلط ... إنه الحل الوحيد الذي يجعلني أبحث عن أحلام ... فصورتها وهي طفلة على صفحات الجرائد لم تأت بأية فائدة.
- لكن ...
- أرجوك يا ابني حاول أن تفهمني وتقدر شعوري.
وأمام إلحاحها وعمق حزنها فما كان على عمر وأخته سحر التي تصغره بأربع سنوات إلا الموافقة حيث قال:
- حسنا يا أمي لكن بشرط أن لا تطول مدة عملك عندهم، وأن لا تأخذين العمل بالبيوت بمحل الجدية وتستمرين به.
- شكرا لكما وأرجو أن لا تفهماني خطأ وتظنا أنني أتعمد من خلاله الإساءة لكما ... لكن كما تعلمون إنه الحل الوحيد ... فالقرية بعد أكثر من عشرين سنة صارت كبيرة بعدد سكانها وغير ممكن الوصول إلى أحلام، قد تكون ما زالت هناك كما قد تكون غادرت القرية، ولو ذهبت يوميا للبحث عنها فلن أفلح في الوصول إليها، لأنه احتمال كبير أن تكون ما زالت هناك ومتذكرة لكنها لا تريد الاتصال بنا، أو بالأحر ممكن فعلت لكن هي الأخرى لم تصل إلى مكاننا فنحن لم نعد مثلما كنا بعدما غادرنا الفيلا والعيشة الرغد، لكن وجودي عند عائلة ما هناك قد يجعل بحثي عنها يكتسي السرية التامة حتى أصل إليها وأتأكد منها.

ومع بزوغ الفجر استعدت أم عمر للرحيل إلى القرية، ووصلت إلى حيث إقامة عنوان الإعلان وهي حاملة الجريدة ... تدق الجرس ... لحظتها كانت سمراء تستعد للخروج وهي تقبل أمها قائلة:
- أكيد أم مختار حضرت لتؤنسك قبل خروجي إلى العمل.
وردت الأم قائلة:
- ولماذا لا تكون الممرضة؟
- لا ... لا أظن لأن موعدي معها بعد الظهر.
وما إن فتحت الباب فإذا بلحظة اندهاش تتملك السيدة أم عمر وهي تنظر وتحدق النظر في سمراء التي تستند على العكاز بينما سمراء نطقت:
- نعم سيدتي؟ ... هل من خدمة؟
ونطقت أم عمر في تلعثم:
- جئت بخصوص الإعلان.
- أنا آسفة ... لقد جئت متأخرة فالممرضة التي اتفقت معها ستحضر بعد الظهر ...
ظهر على أم عمر الحزن والأسى وهي تحاول الانصراف لدرجة اغرورقت عيناها بالدموع وبصوت مبحوح مخنوق قالت:
- يظهر أنه ليس لي نصيب في هذا العمل.
نظراتها ونبرتها الحزينة وتحجر الدموع بعيونها أثر في نفسية سمراء مما أثار اهتمامها حيث أوقفت السيدة قائلة:
- سيدتي هل تجدين التمريض؟
وردت السيدة قائلة بنفس النبرة الحزينة:
- لا أخفي عنك ليس لدي شهادة التمريض لكن الظروف حتمت علي ذات يوم أن أكون ممرضة للمرحوم زوجي الذي أطال به المرض لفترة طويلة.
وتدرك سمراء عمق حزن السيدة فقالت:
- سيدتي هل بإمكانك مباشرة عملك من الآن؟
تكاد أم عمر من الفرحة لا تصدق وهي تقول مبتسمة بدموع تحولت إلى دموع فرح:
- طبعا ... طبعا.
- إلى هذه الدرجة بحاجة إلى العمل؟
تنهدت أم عمر بعمق وقالت:
- مهما قلت لا تستطيعي أن تدركي مدى حاجتي له.
وكأن أم عمر تذكرت شيئا مهم فقالت:
- لكن والممرضة التي ستحضر بعد الظهر؟
وترد أم سمراء التي تابعت المقابلة عن قرب:
- ولا يهمك ستتصرف معها ... إن شاء الله ستعطيها مرتب شهر بأكمله من أجل قبول اعتذارنا.
ثم راحت سمراء تقدم السيدة لوالدتها، فكانت نظرة حنان واطمئنان وراحة بال، وكأن الثلاث تربطهن علاقة ما، وقبل خروجها قالت لها:
- ستحضر قريبة لي اسمها أم مختار ستعرفك بكل شيء في غيابي.

ركبت سمراء سيارتها ... وأثناء مرورها بالقرية أبصرت زهراء متجهة إلى المدرسة فتوقفت لتوصلها بطريقها ... ولما اقتربت السيارة من المدرسة قالت سمراء لزهرة:
- إذن خلاص أخيرا اقتنعت بأنني بحاجة إلى عملك معي بالمكتب.
وردت زهراء:
- لكن ليس الآن، لقد اتفقت مع المدير أن أكمل هذه السنة الدراسية.
- لا يهم كلها شهور وتعدي ... المهم ستنظمين إلى مكتبي الذي سيكون مكتبك أيضا.
تضحك زهراء وهي ترد:
- آه منك ... كنت ورائي ورائي لغاية ما أقنعتني بترك مهنة التدريس.
- لأنه حرام تحملين شهادة مهندس ديكور ولا تستغلينها.
بعد لحظات اكتشفت زهراء أن سمراء سرحانة البال حيث أنها لم تتوقف عند المدرسة فراحت تنبهها، وما إن تنبهت سمراء كانت تعدت المدرسة بعدة أمتار فتوقفت وقالت:
- أنا آسفة.
- سمراء ما بك ... فجأة أرى أن وجهك تغير.
- هذا الصباح جاءتني سيدة بخصوص الإعلان فلم أتمكن للاعتذار لها فقبلت خدمتها.
وردت زهراء مندهشة:
- لكنك متفقة مع الممرضة سعاد، وسبق أن اعتذرت للكثيرات بعدها فكان يجب الاعتذار لهذه السيدة أيضا.
تنهدت سمراء بعمق وقالت:
- صدقيني حاولت لكن لم أتمكن فطيبة هذه السيدة ورقتها بالإضافة إلى سنها وإحساسي بحاجتها الماسة للعمل حال دون تصميمي على الاعتذار لها، والأغرب أن أمي هي الأخرى وافقت عليها.
لحظتها تسمع زهراء الجرس بالمدرسة فتنزل وهي تقول:
- إذن إلى اللقاء أراك بالمساء.

بمنزل أم سمراء ... وبعد أن أنهت أم عمر شغل البيت ... راحت تجالس أم سمراء على فنجان قهوة بغرفتها ... وكان يظهر على أن أم سمراء ارتاحت لهذه السيدة فراحت تسألها:
- ممكن أسألك سؤال يا ابنتي؟
- تفضلي يا سيدتي.
- أولا أنا لست سيدتك فيمكنك أن تناديني بأم سمراء أو الحاجة فاطمة.
ابتسمت أم عمر في سعادة وقالت:
- أصدقنني الرد ... يخيل إلي أنك لم تخلقي للعمل بالبيوت.
واندهشت أم عمر من تساؤل أم سمراء فقالت بسرعة:
- ماذا تقصدين؟ ... ألم أقم بعملي كما ينبغي؟
- لا... لا أقصد هذا ... فأنت ما شاء الله ست بيت لكن ثمة غمامة حزن بعيونك ويديك الناعمتين، كل هذا يدل على أنك كنت، وأصبحت ... أم أنا غلطانة وحدسي ليس في محله؟
تنهدت أم عمر بعمق وبنبرة حزينة قالت:
- إنه الزمن الذي لا يرحم يا أم سمراء.
وردت أم سمراء:
- أنا آسفة يا أم عمر يظهر أنني قلبت عليك المواجع.
حاولت أن تبتسم وهي ترد:
-كنت فعلا زوجة رجل مهم بالبلد ذو مال وجاه ... شاء القدر أن يصاب في حادث فيقع مشلولا كلية... فاستغل أخوه مرضه وتحكم في كل ثروته ... حدث هذا أكثر من عشر سنين ولما أكد الأطباء استحالة علاجه ... زوجته الثانية طلبت الطلاق واتفقت مع أخوه فتزوجته وهاجرت البلد بعد أن رفض ولديها العيش معها بعد زواجها بعمهم، ومن سنتين مات أبو الأولاد تاركا لي من ثروته بعض الملاليم أنا وولديه من زوجته الثانية، مما اضطرني عمل أي شيء من أجل تربيتهما أحسن تربية وتعليمهم، والحمد لله وفقت إلى حد كبير معهم.
وسألتها أم سمراء:
- وأنت ألم يكن لك أولاد منه.
تحجرت دموعها وهي تقول بصوت مخنوق:
- كانت لي ... لكن مع الأسف.
وتتوقف وتمسح دموعها لما أدركت حضور سمراء ... بينما سمراء تدخل لتتجه مباشرة نحو والدتها لتقبلها ... بينما أم عمر تنظر إليها بكل حب وحنان ثم قالت:
- ربنا ما يحرمكما من بعض.
بعدها توجه سمراء كلامها لأم عمر قائلة:
- كيف أمضيت أول يوم؟ ... أرجو أن لا نكون أتعبناك ...
وردت أم عمر مبتسمة:
- لا ... بالعكس أنا جد سعيدة.
بعدها قالت أم سمراء:
- بصراحة لولا أن لها ولديها بانتظارها ما تركتها تذهب.
وردت سمراء مبتسمة في سعادة:
- شكرا لك يا رب ... فيظهر أنني كنت محقة لما اعتذرت للممرضة سعاد ... فأمي فعلا بحاجة إلى إنسانة مثلك لتؤنس وحدتها أثناء غيابي.

في اليوم الموالي ... راحت أم سمراء تراقب أم عمر وهي تهتم بكل كبيرة وصغيرة بالفيلا، ولما لاحظت أنها لم تتوقف وترتاح من الصبح نادت عليها وطلبت منها فنجان قهوة، وأحضرت أم عمر القهوة فقالت أم سمراء:
- وأنت أين فنجانك؟
وحاولت أن تنطق لكن أم سمراء تقاطعها:
- يا لله أحضري فنجان قهوة لك، وتعالي لتكملي ما بدأتنه البارح.
وللمرة الثانية تقاطعها أم سمراء ولا تسمح لها بأي كلمة لما تابعت تقول:
- يا لله اذهبي وأحضري فنجان قهوة لك وتعالي فأنت من الصبح لم ترتاحي وموعد ذهابك اقترب.
وأحضرت أم عمر فنجان القهوة وجلست بالقرب من أم سمراء، وتنهدت بعمق وهي تنظر إلى صورة سمراء المعلقة على الحائط وفاجأت أم سمراء بسؤالها:
- هل الآنسة سمراء ابنتك؟
أم سمراء بالرغم من اندهاشها إلا أنها ردت بعد فترة صمت قائلة بهدوء:
- ممكن أعرف لماذا هذا السؤال؟
وأدركت أم عمر نفسها فسحبت السؤال وهي تعتذر قائلة:
- أرجوك يا حاجة فاطمة أعذريني يظهر أنني نسيت نفسي.
وبكل رقة وحنان ردت عليها:
- بالعكس إذا كنت فعلا مهتمة بالسؤال فأنا سأرد عليك.
- أرجوك أعذريني يظهر أنني أصبحت كثيرة الكلام أتدخل فيما لا يعنيني من أول يوم عمل.
وترد أم سمراء التي أدركت عمق وحزن أم عمر ودموعها المتحجرة، وهي تكاد لا تتوقف النظر إلى صورة سمراء:
- سمراء اسمها الحقيقي أحلام علي حجازي.
وتكاد أم عمر من المفاجأة لا تصدق لدرجة أن دموعها نزلت كالوديان على خدودها، والفنجان يقع من يدها، وقالت بصوت مخنوق بالبكاء:
- لا ... لا أصدق ... إذا كان إحساسي في محله ... أول ما رأيتها أحسست وكأنني كنت ضائعة فقلبي خفق أول لحظة جاءت عيني على عينيها ... يا إلهي، هل أنا في حلم أم في علم؟
وتابعت أم سمراء قائلة:
- وأنا أيضا أدركت نظرتك لها ولصورها لم تكن بنظرة عادية كانت نظرة قلب أم حزينة منكسرة، نظرة شوق وحنين وضياع … ياه يا أم عمر، أنا حاسة بك لأنني أعرف معنى قلب أم وقمة ضياعه لما ترى أن فلذة كبدها بقدر ما هو قريب منها بقدر ما هو بعيد، وقد لا تصدقيني لو قلت لكي أنني أدركت نظراتك لها وقمة حزنك في أول لحظة التقت عيونكما.
لحظتها يسمع صوت سيارة سمراء … فما كان عليهما سوى مسح دموعهما وقالت أم عمر:
- أرجوك لا أريدها أن تعلم شيء عن موضوعي.
وما إن دخلت سمراء ووجدتهما جالستين على فنجان القهوة حتى قالت:
- يظهر أنكما أصبحتما صديقتين من أول لقاء.
وردت أم سمراء وهي تبتسم:
- آه ... فعلا أم عمر إنسانة طيبة وأم عظيمة.
تنظر سمراء إلى أم عمر بكل حنان ثم تقول:
- بإمكانك يا أم عمر أن تغادرين الآن.
ونطقت الحاجة فاطمة:
- أنا من رأي أن توصلينها فأنت تعرفين الساعة الآن الخامسة والحافلات المتجهة إلى المدينة تكون زحمة.
وتنطق أم عمر:
- لا … لا داعي.
وتقول سمراء وهي تبتسم:
- بل سأوصلك، ولعلمك ما دام ست الحبايب ارتاحت لك فسوف أبحث عن سائق خصوصي يقوم بإحضارك صباحا وتوصيلك مساءا.
وهي تتجه نحو الطابق العلوي تابعت تقول:
- والآن سأذهب لأغير ملابسي، على ما أعود تكوني حضرت لي قهوة من يديك الحلوين وفي نفس الوقت اتصلي بخالتي أم مختار تحضر للبقاء مع الأم الحنون أثناء غيابي.

بالمدينة ... بإحدى شوارعها تتوقف سمراء بسيارتها، تنزل أم عمر، وبعد أن ودعتها لاحظت أنها لم تقلع بسيارتها فلم يكن أمامها إلا أن تشير لها بيدها قائلة:
- إلى اللقاء ... غدا إن شاء الله.
وراحت تدخل باب إحدى العمارات ... لكن ما أن لاحظت أن سمراء ابتعدت بسيارتها حتى عادت لتخرج من تلك العمارة وأخذت طريقها نحو الحي المجاور حيث تقطن بحي شعبي.

بالليل ... الحاجة فاطمة بغرفتها نائمة فإذا بها ترى حلما مزعجا يتعلق بابنها مصطفى فقامت مذعورة من الحلم ... أقعدت وراحت تقرأ آيات قرآنية، وتمنت أن يكون الحلم مجرد حلم ... لكن في الصباح وعلى طاولة الفطور فوجئت سمراء قائلة:
- سمراء هل من أخبار عن مصطفى ومحمد؟
ونطقت سمراء بعد فترة صمت واندهاش:
- أكيد هما بخير ....
بعد فترة صمت راحت سمراء تسأل أمها قائلة:
- أمي مثل ما سبق وقلت لك، أنا مستعدة أن أذهب إليهما.
وقاطعتها الأم قائلة:
- لا ... لا يا حبيبتي لا أريدك أن تفعلين ذلك، فأنا رغم شوقي لرؤيتهما لست مستعدة أن أشحذ منهم حبهم لي، الله يهنهم ويسعدهم المهم أسمع عنهم كل خير فأنا متأكدة أنهم على علم بعودتنا من الغربة.

بعد حضور أم عمر غادرت سمراء الفيلا ... وهي على متن سيارتها بصحبة زهراء تقتربان من المكتب ... أوقفت السيارة ... نزلت زهراء ... وفي الوقت الذي تنتظر فيه نزول سمراء التي تراجعت للإقلاع ثانية بالسيارة وهي تقول:
- زهراء اذهبي أنت إلى المكتب وأنا سأذهب لزيارتهما.
وردت زهراء:
- هل تظني أنهما لا يعلمان بعودتكما من الخارج؟
- لا ... أنا لا أشك في ذلك لكن، بالرغم من أن احتمال كبير جدا لن أقابل من طرفهم بالترحاب لكن من أجل ست الحبايب يجب أن أعمل المستحيل.
ابتسمت زهراء وقالت:
- اذهبي وربنا معك.

تصل سمراء إلى حيث إقامة مصطفى وقبل أن تنزل من سيارتها رأت ما فاجأها ... سيارة الشرطة أمام باب العمارة وما هي إلا لحظات



التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 02:49 AM
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-11, 02:12 AM   #10

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 10

ورأت ما زادها اندهاش حيث الشرطة تقود أمامها مصطفى وابنه البكر رضا وانتظرت حتى غادرت الشرطة المحل ونزلت من سيارتها واتجهت إلى حيث منزل مصطفى ...ففتحت عليها الباب صبية في حوالي السادسة عشرة من عمرها حيث صاحت لما رأتها:
- من؟ ... عمتي سمراء؟
وارتمت في حضنها تبكي:
- عمتي أرجوك نحن بحاجة إليك لا تتركينا.
وما إن أبصرتها أم رضا حتى اقتربت من ابنتها وبكل قوة وقسوة تبعدها من حضن سمراء قائلة:
- نعم... ماذا تريدين؟ ... هل جئت لكي؟ ...
وتقاطعها سمراء:
- لا ... ليس هذا من طبعي ولا من تربيتي.
- لكن الذي سمعناه عنك أن سفرية باريس وغربة سبع سنين جعلت منك إنسانة مهمة في عالم الفن وسيدات الأعمال لدرجة أنك لم تسألي عنا.
وأدركت سمراء لحظتها أن أم رضا هي ... هي ... لا تتغير أبدا، المهم عندها بالدرجة الأولى المادة، فلم تفضل مجادلتها في الكلام وسألتها مباشرة قائلة:
- ممكن أعرف الآن ماذا حدث بالضبط حتى نتمكن من تعيين محامي؟
وراحت أم رضا تصطنع الحزن والدموع قائلة:
- الله يلعن الشيطان والاختلاط بشبان السوء ... لقد ضبطت الشرطة بالمحل كمية قليلة من المخدرات.
وردت سمراء باندهاش:
- مخدرات؟
- لكن رضا أكد لي ولأبيه أنها لم تكن له ولا يعرف عنها أي شيء لكن يشك في أحد أصدقاءه، طاردته الشرطة فلم يكن أمامه إلا إخفاءها بالمحل دون علمه.
- لكن لماذا قبض على مصطفى وابنه؟
- المحل يديره رضا لكنه باسم مصطفى.
وردت سمراء باستغراب:
- غريب
وردت أم رضا:
- وما الغرابة؟
- أم محمد رأت حلما عن مصطفى، لقد أقلقها الحلم ويظهر أن قلقها كان في محله، لما طلبت مني أن أتفقد أخباركم كي أطمئنها.
وراحت تقول أم رضا:
- مع الأسف حاولت أن أتصل بأخيه محمد هاتفيا فكان رده بأن طلب مني عدم إزعاجه بمشاكلنا.
وردت سمراء وهي تنصرف.
- اطمئني سأذهب لتوكيل محامي، ثم زيارتهما بمركز الشرطة.

تتصل سمراء بزهراء بالمكتب فحكت لها ما حصل، فأعطتها زهراء عنوان أحد أكبر المحامين ... بمركز الشرطة يتمكن المحامي إخراج مصطفى وابنه بكفالة ريثما تحال القضية إلى المحكمة وتحدد لها جلسة ... المحامي يؤكد لسمراء بأن القضية صعبة نوعا ما لأن رضا بعد الكشف عليه طبيا وجد بدمه كمية من المخدرات، فهو أكيد يتعاطى المخدرات، ومن حسن الحظ أن الكمية الموجودة بالمحل قليلة جدا لا تؤكد أنه من تجار المخدرات ويكون رد سمراء:
- أرجوك يا أستاذ حاول أن تعمل كل ما بوسعك.
- سأحاول وبإذن الله أوفق على الأقل في براءة والده.

بمنزل مصطفى ... كان جالسا تائها وما إن أحضرت له الزوجة الغذاء حتى نطق:
- خلاص كل شيء ضاع بعد غلق المحل ومصادرة كل ما فيه.
- لماذا هذا التشاؤم؟ أكيد بعد الجلسة ستتضح الأمور فسمراء طمأنتنا.
وبنوع من الاستغراب قال مصطفى:
- سمراء ... آخر واحدة كنت أتوقع مساعدتها، ووقوفها إلى جانبنا.

بالقرية ... بمنزل سمراء ... أم عمر بالجنينة بصحبة أم سمراء التي قالت لها بكل رقة وحنان:
- حدثيني عن طفولة سمراء قبل أن تغادركم.
تنهدت أم عمر بعمق وبدأت حديثها بصوت حزين:
- حين حملت بأحلام ... أقصد سمراء ... كانت فرحتي أنا وأبوها لا تسعنا ... لكن كم كانت صدمة لنا لما ولدت وبها إعاقة ... الطبيب أكد لنا أنها ممكن تشفى من إعاقتها لكن أبوها الله يسامحه لم يتقبل الأمر، ومن يومها لم يحاول النظر إليها ومما زاد في رفضه لها هو قرار الأطباء بعدم حملي بعدها، ومرت الأيام والسنين وحاولت أن أعوضها حنان الأب ... فإذا بصدمة أخرى لم تكن في الحسبان وهو أنها أصبحت غير قادرة على النطق وأتضح أن ذلك سببه أزمة نفسية، أذكر أن أبوها لم يكن يفضل رؤيتها، وإن حدث وصادفها بطريقه يتحاشاها كما ولو كانت غريبة عنه...
وراحت أم سمراء تتذكر أول يوم نطقت سمراء بأول كلمة، وهي تحكي لها عنها دمعت كلاهما عيناهما ثم تابعت أم عمر قائلة:
- ولما صارت في سن الرابعة من عمرها حاولت أن أدخلها إلى مدرسة خاصة بالمعوقين لكن أبوها رفض بشدة واقترح علي أن أتخلى عنها نهائيا بأي مركز من مراكز الطفولة، وأمام إصراري على الاحتفاظ بوحيدتي ومنحها كل وقتي ورعايتي، وتعليمي لها بنفسي كان جزاءه لي هو أنه فاجأني بزواجه بسكرتيرته، طلبت منه الطلاق لكنه رفض، وحتى يضمن عدم إصراري على الطلاق كتب كل ثروتي باسمه مستغلا التوكيل الذي منحته له من يوم زواجنا، وكوني مقطوعة من شجرة رضيت بالأمر الواقع، وبعد زواجه أنجبت له زوجته صبي وصبية وكانت أحلام ترى مدى عطفه وحبه وحنانه لهما وهي محرومة من كل هذا، كانت أحلام رغم إعاقتها تبدو جد ذكية، وقد ظهرت عليها بوادر موهبة الرسم وهي في الثالثة من عمرها، فعاهدت نفسي أن لا أتخلى عنها فعملت لها مدرسة في كل المواد.
وبصوت مخنوق تابعت تقول:
- من يوم ضياعها مني وأنا أعيش على أمل اللقاء بها...
توقفت لحظة ثم سألت أم سمراء:
- وأنت يا أم سمراء أحكي لي عن حياتها من يوم حضورها عندكم.
وبنفس الصوت الحزين ردت أم سمراء:
- وأنا يكفي أن أقول لك بأن سمراء لو لم تتواجد في حياتي أكيد كنت انتهيت من زمان، ففي قوة صبرها وحنانها لا أتصور بنت مثلها.

بالمدينة وبالمكتب كانت سمراء بصحبة صديقتها وشريكتها زهراء التي قالت:
- هل أنت مصرة على مساعدتهم؟
- أرجوك يا زهراء افهميني.
- بل ما أريد أن تفهمينه أنت هو أن تتركيهم على الأقل يتذوقون طعم الإحساس بالظلم، كما لا أريدك أن تنسي ما فعلوه بك.
- لا ... لم أنس ولن أنس ... لكن من أجل أمي أعمل المستحيل.
- هل هي التي طلبت منك ذلك؟
- لا أمي لا تعلم بشيء ... فهي حين سألتني عنهم طمأنتها بأنهم بخير.
وظهر على زهراء أنها تفهمت قصد سمراء فقالت:
- هل تظني؟....
- نعم أنا في الأول كنت أشك سبب شللها ربما مرضها بالقلب، لكن بعدما طفت بها كل أطباء العالم، الكل أكد أن الإعاقة نفسية ولا علاقة لها بالقلب.
توقفت وتنهدت بعمق وتابعت تقول:
- أملي كبير ... لو اجتمع حولها ولديها من جديد، وأغدقوا عليها بالحب والحنان أكيد ستشفى ... لأن الإصابة تزامنت يوم تخلوا عنها بالمركز ... فهي دخلته على أساس مركز طبي لكن أكيد لما اكتشفت أنه دار للعجزة كان ذلك بالنسبة لها صدمة أفقدتها حركة رجليها.
- أنا متأكدة أن ما تقومين به ليس فقط من أجل خالتي أم محمد بل لأنك أصيلة ومعدنك أصيل.
وتعانقت الصديقتان بكل أخوة ومحبة.

بقصر العدالة، وقف مصطفى وابنه في قفص الاتهام ... حضرت سمراء بصحبة زوجة مصطفى إلى الجلسة ... وفي الوقت الذي ظن الجميع أن القضية تعقدت وأن أحداهما على الأقل لن يفلت من السجن فإذا المحامي بخبرته وحنكته استطاع أن يضمن لهما البراءة مع غلق للمحل لمدة سنة وإحالة رضا إلى المصحة للتأكد من عدم إدمانه على المخدرات أما أم رضا من شدة الفرحة راحت تبكي وتقبل سمراء شاكرة إياها والمحامي .... سمراء وهي تغادر القاعة فإذا بصوت رضا يوقفها قائلا:
- عمتي سمراء ...
توقفت ... راح رضا يقترب منها من خلال أعمدة القفص قائلا:
- أنت...
ابتسمت وقاطعته قائلة:
- أنا عمتك وحقي عليك أن لا أتخلى عنكم مهما حصل.
بعدها تتبادل نظرات صامتة مع مصطفى ثم تغادر القاعة وهي تقول لأم رضا:
- أنا مضطرة أن أعود إلى المكتب لكن السائق بالخارج بانتظاركم.

سمراء وهي بالمكتب فإذا بالسكرتيرة تدخل لتعلمها بحضور زبون يريد رؤيتها شخصيا فإذا بها تفاجأ بحضور مصطفى الذي وقف أمامها صامتا تائها خجولا وهي تطلب منه الجلوس قال لها:
- أريد أن أشكرك وأعتذر ... لكن لست أدري بأي كلمة وبأي فعل بإمكاني أن أكفر عن ذنوبي نحوك.
وبصوت هادئ ردت:
- ما قمت به كان واجب علي ... أو بالأحر جزء قليل من خير والدتكم والمرحوم والدكم.
- لا يا سمراء ما قمت به معي ليس فقط من أجل والدتنا بل لأنك بنت أصيلة ومعدنك نادر ...
لم ترد عليه فتابع يقول:
- هل بإمكانك أن تسامحيني؟
وردت عليه بعد فترة صمت قاتلة بالنسبة له خصوصا لما نطقت قائلة:
- ألم تفكر في زيارة والدتك؟
ويظهر أنها فاجأته بالسؤال فرد قائلا:
- وبأي وجه أقابل أقرب الناس إلي وقد أخطأت في حقها ... غريب أمري ... لم أدرك قسوتي معها إلا لما كدت أضيع ابني إما بالسجن أو بالمصحة ... هل يعقل هذا؟ كان يجب أن تمر كل هذه السنين كم أنا قاس ... أنا إنسان قاس لا يستحق السماح والعفو.
ولأول مرة ترى سمراء دموع مصطفى فاسترق قلبها فقامت وجلست بالكرسي المقابل له قائلة:
- لم يفت الوقت وبإمكانك أن تصلح أخطائك ... والمطلوب منك فقط أن تقنع محمد لتحضر معه لزيارة والدتكما التي هي في انتظاركم على أحر من الجمر.
وباندهاش ودموع على خديه قال:
- هل تظني هذا كافي؟
- أمي عمرها ما نسيتكما.
وفي الأخير يودعها بعد أن وعدها بأنه سيحضر مع محمد في أقرب وقت ... بعد خروج مصطفى من عند سمراء يذهب إلى زيارة محمد أخيه بالشركة فلم يجده ففكر في الذهاب إليه حيث إقامته وبالرغم من تردده في الذهاب إلا أنه في الأخير يقرر أن يذهب دون أن يعلمه هاتفيا قائلا بصمت: "سأزوره بفيلته مهما حصل ومهما سيكون رده" .... واستقبله أخوه بمكتبه وهو يقول:
- ليس من عادتك أن تزورني بفيلتي ماذا حدث؟
- لا أبدا هو في الحقيقة ...
وأمام تردده في الكلام وتلعثمه قاطعه محمد قائلا:
- يا لله تكلم واختصر فأنا ورائي أشغال.
ورد مصطفى باندهاش:
- طول عمرك مستعجلا.
- للمرة الأخيرة أقول لك تكلم فيما تريد واختصر.
- يظهر أنك تغيرت كثيرا بعدما دخلت مجالس السياسة وأصبحت عضوا في البرلمان.
- ما دام تدرك هذا أحذرك من اليوم، أن لا تحاول الاتصال بي مادام عتبت رجلك مراكز الشرطة وقصر العدالة.
وكم كانت دهشة مصطفى كبيرة وهو يرد عليه:
- محمد ... ماذا تقول؟
- الذي سمعته.
- ووالدتنا ... التي تنتظر زيارتنا بعد عودتها من الغربة.
- ليس لدي وقت الآن ... سأزورها فيما بعد، إذا سمح وقتي.
وارتفع صوت حديثيهما، وفي اللحظة التي كان يخرج فيها مصطفى من مكتب محمد كانت زوجة محمد تخرج من الصالون مما أثار انتباهها ... ففضلت أن تبقى بعيدة عن نظرتهما ... وبعد خروج مصطفى قالت تكلم نفسها: "لم يسبق لي أن رأيت هذا الشخص" بعدها سألت عنه أحد عمال الفيلا الذي أوصله إلى الخارج فكان رده:
- أظنه واحد من أصدقائه.
وكلفته قائلة:
- عبد الفاتح أنا لا أرتاح لهذا الشخص يظهر أنه خرج في حالة من الغضب، أخاف أن يؤذي محمد خصوصا وهو على أبواب الانتخابات.
وفهم عبد الفاتح قصد سيدته فقال وهو ينصرف نحو الخارج:
- اطمئني سيدتي لن أعود إلا بعدما أطمئن عن كل ما يجول بذهن هذا الشخص.
ويعود عبد الفاتح على جناح السرعة بأخبار غير متوقعة، حيث علمت منه أن ذلك الصديق ما هو إلا أخو محمد الأصغر ...

وذهبت زوجة محمد بنفسها لزيارة مصطفى الذي حكى لها القصة من البداية، فدمعت عيناها وهي تستمع إليه ثم قالت بصوت مخنوق:
- معقول أبناء يفعلون هذا بأقرب الناس إليهم ... لكن لماذا؟ لماذا أخفى عني حقيقة عائلته؟
- كان يستحي من أصله الريفي أمام غناكم وجاهكم، وخصوصا وأن مركزكم الاجتماعي من الطبقة الراقية ...
- لكن مركزنا الاجتماعي لم يمنعنا بأن نكون بسطاء ومتواضعين جدا وهو يعلم ذلك، وإلا ما كنت تعرفت عليه وأحببته وتزوجته.
- لكن هو بالرغم من أنه دخل مجال السياسة من أيام الجامعة، لما انظم إلى إتحاد الطلبة ينادي بالحرية والمساواة ومن حق الفقراء وذوي الدخل البسيط أن ترقى معيشتهم ... كان يفعل ذلك وهو لابسا ثوب أبناء الطبقة الأرستقراطية ولأنه كان قادرا على تلميع كل شيء في حياته فكان من رابع المستحيلات أن تكتشفي أمره.

تعود زوجة محمد إلى الفيلا وهي في حالة يأس وضياع مما عرفته عن زوجها الذي كان في نظرها أرق وأطيب وأعظم إنسان قابلته في حياتها كونه في نظرها كان إنسان عاش يتيما مقطوع من شجرة، وهي تصعد السلم نحو الطابق العلوي فاجأها محمد وهو يخرج من مكتبه قائلا:
- حبيبتي يجب أن تحضري نفسك حالا لقد تأخرت بالخارج هل نسيت أننا مدعوين لحفلة خطوبة ابنة الوزير؟
- وبدون مقدمات وبكل هدوء استدارت وقد اغرورقت عيناها بالدموع وقالت:
- محمد ... طلقني ...
ورد باندهاش:
- نورا ... ما بك؟ ... ماذا تقولين؟
وبصوت مخنوق ومرهق قالت:
- لماذا؟ ... لماذا أخفيت عني أن لك عائلة؟ لماذا أخفيت عني وجود أمك وأخوك مصطفى وأختك سمراء؟
ورد بغضب:
- إذن هو ... هو من أخبرك؟
- لا يهم من أخبرني ... المهم إنها الحقيقة.
- أرجوك يا نورا ... إنسي كل شيء الآن وحضري نفسك للحفلة وفيما بعد سوف أفهمك كل شيء.
وصرخت في وجهه قائلة:
- أي إنسان أنت، كل ما يهمك هو طموحك ووصولك إلى أعلى المراتب على حساب أقرب الناس إليك ... يا إلهي أكاد لا أصدق أنك أنت محمد الذي لم أندم في يوم ما ولو لحظة من عمري على ارتباطي به خصوصا لما علمت أنني لن أحمل منك والعيب منك ومع ذلك كان في نظري أن حبنا أقوى من أن نفترق.
- أرجوك.
- بل أرجوك أنت ... أنا سأحضر حقيبتي وأغادر الفيلا وسأنتظر ورقة الطلاق عند والدي.
واتجهت إلى الطابق العلوي دون أن تترك له فرصة لمناقشة أكثر.

بالقرية ..... سمراء وهي بغرفة النوم ... أم عمر تستأذن بالدخول عليها وهي حاملة صينية القهوة، ثم وضعت الصينية أمامها وراحت تفتح النافذة قائلة:
- يا لله يا مهندسة ... الساعة الثامنة صباحا لقد تأخرت في النوم.
سمراء وهي تزيح الغطاء قعدت وقالت وهي تبتسم:
- أنت تحضرين مبكرا هذه الأيام.
- ما دام مصرة على أن يحضرني ويعيدني السائق.
ثم نظرت إليها بكل حنان وتابعت تقول:
- ثم بصراحة أكون جد سعيدة وأنا أقدم لك فطور الصباح.
وهي تتجه نحو الباب لتنصرف أوقفتها سمراء قائلة:
- أم عمر ... هل أنت سعيدة معنا؟
- صدقيني لو قلت لك أنني أسعد مما تتصورين.
ثم انصرفت بسرعة حتى لا تحرج بأسئلة سمراء ونظراتها.

بالمدينة ... محمد على متن سيارته وهو يقترب من فيلا عائلة زوجته، يتوقف على بعد أمتار مترددا، وإذا به يلحظ خروج زوجته نورا لتمتطي سيارتها، وما إن أقلعت حتى أقلع خلفها.

تصل نورا إلى مكتب سمراء ... رحبت سمراء بنورا قائلة:
- تفضلي سيدتي.
لحظتها السكرتيرة تجد صعوبة في منع شخص يريد مقابلة سمراء دون أن ينتظر، ولم يكن ذلك الشخص إلا محمد الذي دخل عليهما وكله غضب:
- الآن عرفت من سعت وراء تخريب بيتي، ولعلمك يا نورا سمراء ليست أختي إنها لقيطة، يا لله أكملي واحكي لها عن بقية قصة العائلة التي رحبت بك وأحسنت إليك...
وأمام غضبه وتهجمه فضلت سمراء أن تلتزم الصمت والهدوء ... لكن نورا نطقت قائلة:
- خلاص هل أنهيت كل ما عندك ... لعلمك أن سمراء لا تعرفني لحد اللحظة من أكون ... لقد قدمت نفسي على أنني إحدى العاملات بمجموعة شركاتك وحاولت أن أدحرجها في الكلام عنك ... فلم أسمع منها ما يسيء لك أو لأخيك وزوجته.
وكم كانت دهشته وقد أدرك متأخرا وقوعه في موقف حرج للغاية، بعدها تستأذن نورا بالخروج، يلتحق بها محمد وهو يحاول مصالحتها لكن بدون جدوى، سمراء تستقل سيارتها وتتجه نحو منزل مصطفى حيث حكت له ما حدث فكان رده:
- إنها غلطته وعليه تحمل النتائج لقد توصلت إليّ أنا أيضا وحكيت لها كل شيء بعدما عرفت أنني أخوه.
- محمد يحب نورا وهو مقبل على الانتخابات وكل هذا أكيد سيؤثر على معنوياته فلن يستعد لها كما ينبغي.
وأدرك مصطفى قمة رقة وحنان سمراء فقال مبتسما في حنان:
- بعد كل الذي حصل من محمد ما زال قلبك رقيقا معه.
- أريدك أن تفهم شيئا واحدا، سعادة كل واحد فيكم هو سعادة الوالدة، خصوصا وأنك تعلم أنها مشلولة من أيام دخولها المركز.
ويشعر لحظتها بإحراج شديد ثم ينطق:
- سمراء، نورا مصرة على الطلاق، ومهما حاولت معها فلن أفلح لكن من رأي إنك الوحيدة القادرة على إعادة المياه إلى مجاريها ...

وبصحبة مصطفى ذهبت سمراء إلى حيث إقامة عائلة نورا، وبعد حوار طويل ومناقشة وتجادل بكل حب، استطاعت سمراء أن تقنع نورا بعدولها عن قرار الطلاق وتغفر لمحمد وتعطيه فرصة ليكفر عن أخطائه.
قالت نورا في آخر الجلسة:
- سمراء ... أنا لم أعرفك إلا من ساعات فقط ... ولأنك إنسانة طيبة وصاحبة قلب مسامح ولأنك حضرت إلى منزلي فلن أردك خائبة ومثلما قلت كل شيء يهون في سبيل الأم الحنون، وأنا بصراحة في شوق كبير للتعرف على هذه الأم العظيمة التي تحملت وخنقت شوقها لأولادها في سبيل أن تراهم أسعد وأحسن الناس.

بالقرية ... سمراء تصل إلى المدرسة ... فكان أول من أبصرها الأستاذ سالم الذي يظهر عليه السعادة لما رآها فراح يقترب منها ليسلم عليها ... لكن سمراء ما أن رأته مقبلا نحوها حتى شعرت بإحراج ... وبعد التحية والسلام المتبادل، سمراء ما أن أبصرت زهراء وكأنها رأت منقذا للموقف المحرج حتى لوحت لها بيدها فأقبلت نحوها تعتذر وتودع سالم، وما إن سلمت على زهراء حتى قالت لها:
- هل لديك حصة الآن؟
- لا خلاص أنهيت حصصي.
- حسنا يا لله بنا نخرج.
ابتسمت زهراء وهي تلقي بنظرها نحو سالم ثم نحو سمراء، وهما تتجهان نحو الباب لتخرجا قالت وهي تضحك:
- ما بك قلقة ... كل هذا الاستعجال بسبب الأستاذ سالم الذي سعد بلقائك.
- أرجوك يا زهراء حاول أن تقنعه بأنني لا أفكر في الزواج.
- إلى متى تظل ترفضين كل من يتقدم لك؟ هذا ثاني واحد من يوم عودتك من باريس.
- أنا لا أرفضه لكنني بصراحة لن أتزوج مع إنسان لا أشعر نحوه بأية عاطفة حتى لو كلفني ذلك أن أبقى دون زواج.
وردت زهراء وهما تركبان السيارة:
- إذن قولي بأن قلبك وعقلك ما زال وراء البحار.
تنهدت وردت عليها:
- لا ... صدقيني بعد مرور أكثر من أربعة شهور دون أن تصلني أية أخبار لا منه ولا على الأقل من رندا قطعت أي أمل في الانتظار.
وتحاول سمراء أن تبتسم وهي تتابع قائلة:
- يا لله إنسي هذا الموضوع فأنا حضرت من أجل أن تأتي لمساعدتي على تحضير حفلة صغيرة بالبيت.
- حفلة؟
- نعم حفلة أعلق عليها أمال كبيرة بخصوص أمي.
- هل محمد ومصطفى ...
وتهز سمراء رأسها بإيجاب وهي مبتسمة قائلة:
- يا رب ... أملي كبير في هذه الحفلة العائلية.
ونطقت زهراء:
- إن شاء الله يحدث ما تتمنيه ... فقط لا ترهقي نفسك أكثر من اللازم.
تنهدت سمراء وقالت:
- أنا فعلا مرهقة جدا خصوصا وأن هذه الأيام جاءنا شغل كثير وتزامن مع مشكلة أخواي.
وردت زهراء:
- سمراء أنا مستعدة أن أحضر لمساعدتك الأيام التي ليس لدي حصة.
- يكفي يا زهراء أنني حرمتك حتى من عطلتك فكيف لي ....
وقاطعتها زهراء:
- وأنا لم أشتكي ومستعدة أن أعمل بالمدرسة صباحا وبالمساء معك بالمكتب.

بالمدينة ... السيدة نورا تحضر إلى البيت الزوجي ... وهي تعبر الصالون فإذا بمحمد الذي كان جالسا وواضعا رأسه بين كفيه يرفعه لما سمع صوت أقدام ورائحة ليس غريبة عنه، وما إن التقت نظراته بنظراتها حتى تحجرت دموعه وقال:
- نورا ... سامحيني.
وبصوت كله رقة وحنان ردت عليه:
- الوحيدة التي تستحق سماع منك هذه الكلمة هي والدتك.
- أعرف بأنني أخطأت لما أخفيت عنك الحقيقة مع أنه كان ممكن أن أصارحك لما اكتشفت بعد الزواج طيبة قلبك، وإنسانيتك، وتواضعك، بعكس بقية أفراد أسرتك، وما زادني احتقارا لنفسي اليوم هو ورغم قمة إصرارك على الطلاق لم تحاول أن تبوحي بمشكلتنا الحقيقية لعائلتك.
وردت بكل حب وحنان لتؤكد له مدى حبها وتعلقها به:
- هل تذكر يوم أحضرت التحاليل الطبية، وقلت لي بأن عدم الحمل هو عيب موجود بي أنا ولست أنت، ولم أعرف الحقيقة إلا بعد شهور لما أعدت التحاليل بالخارج وأتضح أنني لا أحمل أي عيب مانع للحمل والعيب في الأساس منك، يومها لم أغضب ولم أثور لأنني قدرت شعورك، لأنني فعلا أحبك لشخصك ولا أستطيع أن أعيش من غيرك.
وتنهدت وتابعت تقول:
- لم أعاتبك ولم ألومك لأنني أعلم جيدا كلانا يحب الآخر وغير مستعد للعيش بدونه ... لكن اليوم ألومك وأعاتبك لأنك كنت قاسي مع أقرب الناس إليك.
- أرجوك سامحيني ... وأرجو من الله أن تسامحني هي أيضا.
- سنذهب مع بعض إلى زيارة والدتك وإذا سامحتك هي وسمراء، فلن يكن لدي مانع لمسامحتك بدوري ... يا لله سنذهب حالا ...
ورد عليها وهو سعيد:
- سنفعل ذلك لكن سيكون ذلك غدا إن شاء الله.



التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 02:50 AM
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:25 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.