شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   37 - قال الزهر آه - مارغريت روم - ع.ق ( كتابة / كاملة ) (https://www.rewity.com/forum/t69348.html)

أمل بيضون 04-07-09 04:31 PM

37 - قال الزهر آه - مارغريت روم - ع.ق ( كتابة / كاملة )
 
37-قال الزهر آه-مارغريت روم روايات عبير القديمة
الملخص
عندما يتوه الانسان في بحار الظلمات فاقدا بصره , هل يلتمس طريق الحياة معتمدا
على حواسه الاخرى ؟ ام يبحث عن انسان اخر يكون له بمثابة العصا ؟
الكونت الفرنسي الان تريفيل حين تزوج فلورا الفتاة الانكليزية الرقيقة . هل منحها لقب
كونتيسه كثمن لقيامها بمهمة العينين للجسم ؟
سولانج الخطيبة السابقة والتي تسببت بوقوع الكارثة هل تشعر بالذنب أم بمزيد من الحقد؟
وما هو موقفها من فلورا الطيبه التي يعمل لويس ابن عم الكونت على انقاذها من الامها .
فلورا سمعت في زواجها من الكونت الى اسعاده وقررت ان تكون الشمعة التي تنير طريقه .
هل تستطيع الشمس محو ظلام القلب ؟ وهل يكون لعطر الزهور الدور المهم في قيادة الاعمى الى الحب والخلاص ؟





يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

بنوته عراقيه 04-07-09 06:30 PM

يعطيكِ العافيه على اختيارك الروايه رووعه..تسلمي يالغاليه

هبهوبة 05-07-09 12:42 AM

تسلمي حبيبتي امولة

الله يعطيكي الف عافية



MooNy87 06-07-09 09:59 AM

شكرا حبيبتى أمل

الرواية دى حلوة جدا

اختيار موفق

* فوفو * 06-07-09 11:09 AM

تسلمى يا قمر
على الرواية الرائعة
يعطيك الف عافية .

lilipop 07-07-09 03:18 AM

:44::44::44::44::icon30::icon30::icon30:

ЄҺểểяΨ 08-07-09 11:35 PM

موفقة ياغالية

اختيار موفق عزيزتي

um abody 09-07-09 02:35 AM

رواية روعة

um abody 10-07-09 09:03 PM

نشكرك على الرواية

أمل بيضون 11-07-09 11:53 AM

1- رجل لا يحتمل


الحديقة مسترخية بفعل الحرارة الثقيلة المعتادة كل عام في شهر أغسطس( آب) , الأزهار تحتفظ بعطورها المختلفة في أنتظار هطول المطر الذي يطلق أريجها في كل مكان , وفي هذا الجو الجامد , لا صوت, سوى طنين نحلة ضخمة يدوي في رتابة وضجر ما لبث أن أنتهى بعد فترة قصيرة.
توقت فلورا مينارد لحظات عن تفصيص البازلاء الموضوعة في وعاء أزرق على ركبتيها وراحت تتأمل النحلة , الهدوء شامل , سقطت في مقعدها وأزاحت بيدها خصلة من شعرها كانت متهدلة على عينيها , السلام ! لكن من يرغب به؟ وتبين لها أن حياتها دائما تتبع مسيرة واحدة هادئة , حتى ولا حدث... أرتسمت على شفتيها أبتسامة صغيرة.
يا ترى , ماذا ستكون ردة فعل أبناء رعية والدها القسيس , لو عرفوا أن الفتاة الشابة التي يعتبرونها اليد اليمنى لوالدها , الفتاة الهادئة والمتواضعة , التي أصبحت أمرأة شابة مشرقة, الخالية من العقد, تحلم أن تعيش حياة أكثر أضطرابا , وأن تستطيع الخروج عبر حدود القرية الصغيرة النائمة في منطقة ساسكس , حيث أمضت كل سنوات طفولتها ومراهقتها , وتتعرف الى العالم الواسع من حولها؟
تحركت والدتها في المقعد المجاور لها , وفتحت عينيها الناعستين في كسل ,وسألت فلورا في ريبة قلقة:
" هل عاد والدك يا حبيبتي؟".
أبتسمت فلورا, فالعاطفة العميقة التي يظهرها ولداها تؤثر فيها دائما وترسخ فيها الأطمئنان , أنهما في سن ناضجة , لكن حبهما لها أقوى مما كان عليه في أيام الصبا , وما زال الأحمرار يداهم والدتها عندما يمدحها زوجها, وبدوره كان والدها يحب الأستماع من زوجته الى كلام المديح , أنه رجل رائع وسكان غيلينغهام محظوظون بقسيسهم الطيب, وكانت فلورا تعرف أن والديها زوجان لطيفان وبريئان , لا يريان الشر في أي مكان , حتى الذين يخطئون في حقهما يلقون منهما كل مساعدة مطلوبة , ولا يجدون أي أدانة من قبلهما لما يمكن أن يفعلوه , وربما لذلك كان الأشخاص المتصلبون يخرجون من الرعية وعلى شفاههم أبتسامة بعرفان الجميل وثقة مجددة لطبيعتهم الأنسانية.
ولذلك أيضا كانت فلورا تشعر أتجاه والديها بالقلق نفسه الذي تستوحيه من جمعية الكشاف التي ترأسها.
أجابت فلورا في لهجة حانية:
" يا أمي لا داعي للقلق , صحيح أن والدي تأخر قليلا , لكن لا تنسي , أن اليوم هو موعد زيارته للمستشفى , وتعرفين جيدا تعلقه الكبير بالمرضى , وخاصة الجدد , لن يتأخر أنا متأكدة من ذلك".
نهضت فلورا وأعطت والدتها الوعاء الأزرق الممتلىء بالبازلاء , ثم تمطمطت مطولا لتزيل الخدر الذي أصاب مفاصلها من جراء جلستها الطويلة.
ثم قالت:
" أنني أشعر بتحسن الآن , البطالة لا تناسبني يا أمي!".
رفعت جين مينارد عينيها نحو أبنتها الرائعة وأبتسمت لها , فقد أنعم عليها الخالق بأبنة بعد طول أنتظار وأصرار الأطباء أن لا أمل لها بالأنجاب , فقد سمياها فلورا( أي زهرة) لأنها كانت تتمتع بجمال الأزهار المتنوعة التي تنمو في هذه الحديقة الغنية , وبأعجاب أمومي , راحت جين تنظر الى أبنتها وتتأمل لون بشرتها الفاتح والخالي من أي عيوب , والناعم مثل ورق الزهر, وفمها الحساس المليء بلون الورد البري , وعينيها البنفسجيتين وشعرها الطويل الأشقر المتهدل على كتفيها النحيلتين كأمواج ثقيلة , لكن جسدها النحيل كان مليئا بالصحة والعافية , وفوق كل شيء . كان مالكوم وجين مينارد متأكدين أن فلورا فتاة جميلة أيضا في داخلها , كانت تمتلك طبيعة ناعمة وسخاء كبيرا , مما يجعل الجميع يحبونها بسرعة , لكن هذا لا يمنعها من أن تبدو أحيانا فتاة عصرية , مسؤولة ومستعدة لتحمل كل أعباء أبناء القرية وهمومهم.
رفعت فلورا حاجبها متسائلة , فأخفت والدتها الأبتسامة التي كانت على وشك أن ترتسم على شفتيها , ثم نهضت لتتوجه الى المنزل:
" سأتركك لتغيري ملابسك يا حبيبتي , سأعد طعام العشاء , وسيكون والدك قد عاد عندما يكون الطعام جاهزا".
هزت الفتاة رأسها علامة الأيجاب وشبكت ذراعها بذراع والدتها, ودخلتا معا الى المنزل.
وبعد ساعة , وصل القسيس مالكوم مينارد, فكان العشاء جاهزا وزوجته وأبنته في أنتظاره , لكن ما أن دخل المنزل حتى أدركتا أن هناك شيئا ما على غير ما يرام, كان على جبينه المالس عادة تجويف عميق, وحلت مكان لمعان عينيه المتألقتين رصانة عميقة , كان مالكوم مينارد يتمتع بقلب واسع على تحمل كل عذابات الناس الذين يحتاجون اليه, لكنه كان يعمل جاهدا وبأستمرار للمحافظة على روح التوازن بين عمله وراحته , كي لا يأتي اليوم الذي يسقط فيه تحت ثقل المسؤولية الضخمة المتراكمة عليه, ومع ذلك , هذه المرة يبدو مضطربا ... الى درجة أنه بدا عاجزا على أخفاء هذا التوتر.
سألته زوجته وهي تقترب منه:
" مالكوم , ماذا جرى , ماذا حدث؟".
تجنبت فلورا طرح أي سؤال عليه , وفي مثل هذه الظروف كانت تعرف أنها آخر أنسان يمكنه تحقيق السعادة المنشودة لعائلته أنهما يحبانها كثيرا وتعرف أنهما يتألمان لو عرفا أنهما لا يستمعان الى رأيها في مثل هذه الظروف الحرجة.
هز مالكوم رأسه , وبدلا من التوجه الى غرفة الطعام حيث العشاء في أنتظاره , توجه الى مكتبه وأنزلق في مقعده الجلدي , ولما لحقت به زوجته وفلورا وجلستا في مواجهته , وهما قلقتان , راح يقول وهو يمرر أصابعه في شعره الرمادي:
" أمضيت وقتا شاقا في المستشفى وخاصة في فترة ما بعد الغداء , والله يدري كم كان كبيرا عدد المرضى الذين زرتهم في المستشفى الملكي الجنوبي , ومعظمهم من العميان الذين فقدوا نظرهم ولا أمل لهم بالشفاء...".
ثم أضاف في صوت تخنقه الشدة قائلا:
" ذلك الرجل الشاب يعيش في وحدة , وأي وحدة! , لا يسمح لأحد بتقديم التشجيع والغذاء له , أنه يرفض كل عروض الصداقة , وحسب ما قال لي, أنه لا يثق بالجراحين ولا حتى بالكهنة!".
أنحنت نحوه زوجته وربتت على يده وقالت:
" أخبرنا كل شيء منذ ابداية , لا شك أنك سوف تشعر بتحسن بعد ذلك".
لكنه أجاب بحدة ونبرة عميقة:
" ليس المهم ما أشعر به أنا, يا جين , يجب أن أجد طريقة لأساعد هذا الشاب!".
لزمت زوجته الصمت , وبعد تنهد عميق سمع نصيحتها وقال:
" عندما وصلت الى المستشفى , كانت تنتظرني رسالة من السير فرانك هاملين, جراح العيون الشهير , ربما تتذكرين أنني أخبرتك من قبل, فهو يرسل معظم مرضاه الى المستشفى الملكي الجنوبي وطلب مني سير فرانك في رسالته أن أراه قبل أستئناف زيارتي العادية, وهذا ما فعلت بالضبط".
أنحنت فلورا حتى يتسنى لها الأصغاء بوضوح أكثر , لأن والدها يتكلم بصوت خفيض.
" طلب مني سير فرانك مساعدته في شأن مريض دخل المستشفى أخيرا, وهو شاب فرنسي , بينه وبين عائلة سير فرانك علاقة قديمة العهد, والقصة التي أخبرني أياها تعتبر مأساة حقيقية, منذ سنتين فقد هذا الشاب نظره بواسطة مادة الأسيد , وحتى الآن كان الأطباء الفرنسيون يعدونه بأن هناك أملا لشفائه لكنه أمل ضئيل , وبعد أن أجريت له ست عمليات من دون أي نتيجة تذكر , أستنجدت عائلته بالسير فرانك الذي طلب على الفور نقله الى أنكلترا بالمستشفى الملكي الجنوبي, بعد الحادث كان المريض يثق بأطبائه ثقة عمياء , ولم يتذمر أبدا من الآلام التي كان يلاقيها , لأنه كان متأكدا بعد كل عملية , أنه سوف يستعيد نظره , لكن شيئا فشيئا , كان تفاؤله يخف الى أن حلت مكانه المرارة , وأخيرا , بعد العملية الجراحية السادسة, رأى آماله تضمحل وأقسم ألا يدع أحدا يجري له عملية جراحية أخرى بعد الآن".

بنوته عراقيه 11-07-09 07:26 PM

سلمت الايادي يالغاليه

أمل بيضون 11-07-09 07:27 PM

همست جين مينارد وهي على وشك البكاء:
" آه, يا له من رجل مسكين!".
قال القسيس:
" نعم , لا شك أنه يستحق الشفقة".
سألت فلورا برصانة:
" لكن, ماذا ينتظر سير فرانك منك يا أبي؟".
" يريد مني مساعدة هذا الشاب حتى يسترد شجاعته يا حبيبتي, أن سير فرانك متأكد تماما أنه قادر على أجراء عملية جراحية ناجحة, ويرغب بشدة القيام بالمحاولة , وتوصلت عائلة المريض الى أقناعه بقبول العملية الجراحية الأخيرة, لكن وضعه النفسي المنهار وهذا الذي يقلق سير فرانك الذي يصر على أنه لا جدوى من أجراء عملية جراحية لأنسان مصاب بأنهيار نفسي مزمن, ولذلك طلب مني مساعدته , وهو بنفسه حاول كثيرا , وعائلة المريض حاولت أيضا ... لكن من دون جدوى , وما أخشاه أن يكون الجميع قد وضعوا آمالهم الأخيرة بي".
أحنى رأسه وكأنه استسلم لليأس , مما جعل زوجته تعترض قائلة:
" لكنك يا حبيبي, قادر على مساعدته , أنا متأكدة من ذلك ! كم مرة رحت تشدد من عزم اليائسين؟ وكم مرة جاءك أناس يشكرونك على مساعدتك لهم؟".
هز القس رأسه وقال ببساطة:
" لقد حاولت, لكنني فشلت , لم أر من قبل في حياتي كلها حقدا بهذا العمق, وأستخفافا بهذه البرودة, ولا مبالاة بهذا الغموض . ولمدة ساعة كاملة , حاولت أزاحته عن رأيه بشتى الوسائل , لكنني لم أحصل منه سوى على ابتسامة صغيرة باردة, من حين الى آخر, وعلى جواب سبق ولمحت له( أني آسف , لكنني لا أثق بالأطباء ولا حتى بالكهنة) ".
ثم أضاف القس بحسرة وألم:
" ولا يثق حتى بالأنسان نفسه , لقد أصبح هذا الرجل كأنسان آلي, لا حس فيه, ولدي شعور أن هذا الشاب أصيب بجرح عميق , ليس فقط جسديا , بل أن كل الأحاسيس في أعماقه قد ماتت".
خيّم صمت ثقيل , ثم قالت جين مينارد وهي مليئة بالأمل:
" ربما فلورا تستطيع أن تفعل شيئا...".
رفعت الفتاة وجهها بصورة مفاجئة وقالت:
" أنا؟ ماذا في أستطاعتي أن أفعل؟ هل صحيح يا أبي , أنني....".
لكن عندما أستدارت نحو والدها , فوجئت لدى رؤيتها بريق أمل جديد في عينيه , وما لبث أن أبتسم قائلا:
" صحيح! لماذا لم أفكر بذلك من قبل؟ هذا الأمر يستحق التجربة!".
" لا يا أبي , لست قادرة...".
وخلال العشاء , كانت فلورا تتخبط في أفكارها , وتشعر بالذعر لدى تخيلها لقاء هذا الرجل الذي وصفه لها والدها , والأستقبال الذي سينتظرها أذا أعتبر تدخلها في حياته نوعا من الوقاحة , لكن, أمام أضطراب والدها أنتهت بالأستسلام والخضوع لأرادة أهلها , وفي المساء عندما دخلت غرفتها كانت قد وعدت والدها بأن تذهب في الغد لترى هذا الشاب الفرنسي المتطلب.
وبعد ظهر اليوم التالي , توجهت فلورا في وقت مبكر الى المستشفى , ومهمتها تتلخص في القراءة وكتابة الرسائل , والرد على الهاتف , ووضع لائحة بأسماء الأشياء التي لا يمكن الحصول عليها داخل المستشفى , وبأختصار كانت تقوم بالمساعدة قدر المستطاع , لكن في هذا اليوم بالذات, كانت تشعر بحاجة ماسة الى أن تتحدث مع أنسان ما , قبل الأقتراب من المريض الذي وعدت برؤيته, وبعد تفكير طويل وجدت أن الأنسان الوحيد الذي يمكنه أن يساعدها هي صديقتها الممرضة جنيفر دالتون , التي كانت تعمل في الجناح الذي من المفروض أن تتوجه اليه.
وجدت فلورا صديقتها جالسة في مكتبها الصغير , تحتسي فنجانا من الشاي, وهي تراجع التقارير الموضوعة أمامها على الطاولة, بعدما طرقت الباب مدت رأسها وسألتها:
" جنيفر, هل تسمحين لي بدقيقة من وقتك؟".
أجابتها صديقتها بترحاب:
" أدخلي يا فلورا, لقد جئت تماما في الوقت المناسب كنت على وشك الصراخ لدى رؤية تقارير الممرضين التلامذة وطريقة خطهم , يعتقد المرء أن كاتبها صيني , وقد أستعمل ريشة قديمة".
أقترحت على صديقتها وهي تقدم لها كرسيا لتجلس عليه:
" هل تريدين فنجانا من الشاي؟".
أجابتها فلورا وهي تسقط في مقعدها :
" كلا , شكرا, أن كل ما أريده هو نصيحة منك".
وبعد أن ألقت جنيفر نظرة الى وجه فلورا المضطرب , صرخت بغيظ:
" هل من الضروري يا فلورا , أهتمامك الدائم بمشاكل المعذبين الذين تلتقينهم؟".
كانت فلورا على وشك الأحتجاج , لكن صديقتها رفعت يدها قائلة:
" آه, لا تحاولي الأجابة , أعرف, هذه المرة, طبعا الأمر مختلف!".
أنحنت الى الأمام وأضافت:
" في كل مرة الأمر يختلف, وفي كل مرة النتيجة هي ذاتها , ترهقين نفسك من أجل مريض لا يستحق مساعدتك , متى ستفكرين بنفسك؟ هذا ما أريد معرفته؟".
لكن محاضرة صديقتها لم تؤثر فيها , أنها تعرف جنيفر تمام المعرفة , لأول وهلة تبدو الفتاتان مختلفتين تماما كي تكونا صديقتين , لكن طبيعة فلورا الخجولة والمتحفظة بحاجة ألى حيوية جنيفر الوقحة.
أعلنت فلورا بحزم:
" لست هنا في صدد التكلم عن حالي".
أجابتها جنيفر في صبر مستسلم:
" عظيم , قولي الآن كل شيء من يكون صاحب الموضوع هذه المرة؟".
" مريضك الجديد, طلب مني والدي رؤيته لأرفع من معنوياته , وكنت آمل لو أن في أستطاعتك أعطائي ولو مجرد فكرة حول أهتماماته , لأنني لا أعرف عن أي شيء سأحدثه".
وقفت جنيفر فجأة وصرخت:
" هل تلمحين الى الكونت الفرنسي؟".
راحت فلورا تضحك:
" آه, أهكذا تسمينه؟".
تجاهلت جنيفر السؤال وتابعت كلامها بسرعة:
" يا عزيزتي لا توجد فائدة , لقد حاولت كل ممرضات هذا القسم أن تحدثنه لكنه شرس , غضوب , كئيب , رائع , كلنا جميعا متفقين على شيء واحد : أنه رجل لا يطاق".
شعرت فلورا بقلبها يستسلم . أن كلام والدها هيأها نوعا ما لما ينتظرها, لكن ما قالته جنيفر , جعل الرجل في صورة أكثر خطورة , فاقت ما كانت تتصوره , فقالت في صوت واضح يعتريه تأنيب ناعم:
" أنه أعمى, يا جنيفر".
أكفهر وجه صديقتها التي قالت:
" نعم, لكن معظم مرضى هذا القسم هم عميان أيضا, ولا يتمتعون بذات الأمتيازات, أن لديه جناحا وكل أهتمام وعناية سير فرانك هاملين, أن هذا الرجل ولد مدللا يا فلورا , لقد فقد بصره, لكنه لا يعاني من أي عاهة أخرى , لديه قدرة غريبة على ألتقاط الشفقة ورفضها في كبرياء, أرجوك يا فلورا , لا تتعرضي الى كلامه البذيء , أتركيه لمن لهم الخبرة الكافية والمناعة اللازمة ليتحملوه , لست جديرة بذلك".
أصفر وجه فلورا ثم هزّت رأسها:
" يجب عليّ رؤيته , لقد وعدت والدي بذلك, في أي وقت تنصحينني برؤيته؟".
رفعت جنيفر يديها في حركة يائسة:
" حسنا , ما دمت مصرة على ذلك , واأسفاه!".
وسرعان مت هدأت عندما رأت كتفي فلورا تخوران.
" أسمعي يا فلورا, أولا هل قمت بجولتك العادية في بقية الغرف؟".
أجابتها فلورا بالنفي .
" حسنا , عندما تنتهين من ذلك الى موعد الأكل قد حان , ويكون سير فرانك قد زار مريضه وأنتهى ,وسأحاول أبقاءه لوحدة مدة , هكذا عندما تذهبين لرؤيته يكون قد سئم من وجوده وحيدا , وعلى أستعداد بالتالي لأستقبال أي زائر كان , ما رأيك؟".
" أي زائر كان ... أنها فكرة جيدة أنني أشكرك".
نهضت فلورا محتفظة بهدوئها وتوجهت الى الباب , وظلت ضحكات جنيفر ترن في أذنيها وهي تسير في الممر في خطى سريعة , أرتسمت على شفتيها أبتسامة سرعان ما زالت أمام فكرة التجربة التي تنتظرها بعد أقل من ساعتين.

شوشولاف82 11-07-09 07:52 PM

من أجمل الروايات تسلم ايديك

https://www.ss60.info/uploads/images/...f209df230b.gif

أمل بيضون 11-07-09 08:12 PM

2- زيارة رهيبة
حينما أقترب موعد الزيارة الرهيبة , تأججت أحاسيس فلورا ما بين الخوف والرضى , فخلال كل فترة ما بعد الظهر وبينما كانت تكرس وقتها للأهتمام بالمرضى, كانت عيناها تنجذب صوب النافذة المحجوبة بالستائر والتي وراءها ذلك الرجل الذي وعدت نفسها بزيارته , كانت أفكارها مشوشة الى درجة جعلتها غير قادرة على التركيز على المهمات الموكلة أليها , ومع ذلك تخلصت من هذه الورطة بنجاح.
راحت تسوي شعرها بقبضة يدها وشعرت بذعر مفاجىء , ووبهدوء توجهت نحو باب الغرفة المعنية , تصلبت أستعدادا للمعركة , ثم طرقت الباب طرقة خفيفة.
سمعت صوتا آمرا وعنيفا:
" أدخل!".
ثلاث خطوات مترددة أوصلتها الى وسط الغرفة تماما , وللحال نظرت نحو السرير فوجدته فارغا , حولت نظرها نحو النافذة التي تطل على حدائق المستشفى , فرأت صورة رجل طويا القامة يرتدي مئزرا من الحرير الثقيل واللون الداكن ماثلة أمامها, قفز قلب فلورا قبل أن يبدأ بالنبض بسرعة مؤلمة , وفي الحال أنحفرت صورة الرجل في ذاكرتها ., كان جذابا بكل ما تحمله الكلمة من معنى , ليس غريبا أن ينفعل قلب فلورا البرىء في أتصالها الأول بهذا الرجل , أنه فارس يرتدي الملابس العصرية , كان وجهه أسمر وذقنه بارزة , وهذه علامة العناد والتصلب , وكانت نظرته كدرة , وأنفه مستقيما , راح يرتجف كأنه شعر بأقتراب الخطر... أو التطفل, لا ينقصه سوى أن يرتدي صديرية ذات لون فاتح , ودثارا متموجا , وأن يحمل سيفا نحيفا , أنه بطل, دون كيشوت زمانه , يعتبر قطعان الغنم جيوشا , والطواحين الهوائية جبابرة , كان يظهر عليه بوضوح أنه يعتبر أي شعور ينم عن الصداقة تحريضا وتحديا, وأن الشفقة والعناية والأهتمام ما هي ألا مجرد أهانة .
قال بصوت ينم عن نفاذ صبر:
" من أنت؟ وماذا تريدين؟".
أحست فلورا بالرأفة تمتلكها لدى تذكرها أنه أعمى وأجابت بصوت حازم:
" أنا ... أنا فلورا مينارد , أبنة القس مالكوم مينارد الذي زارك أمس , هل تتذكر؟".
رفع رأسه متعاليا ومن غير أن يشيح وجهه عن النافذة , أجاب بأقتضاب:
" أتقصدين أنك أبنة هذا القس التافه؟ لقد أعتقدت أنني أفهمته بصورة واضحة أن وجوده غير ضروري , وأنني أتساءل لماذا أرسل لي أبنته الآن, ربما كان يريد منك مرافقتي في الحدائق , حتى أستغني عن عكازتي البيضاء , أو ربما ... آه آ÷ , فهمت! يريدك أن تعلميني طريقة البريل( طريقة في الكتابة خاصة بالعميان تستخدم حروفا نافرة ) لا شك أن هذه مهمة تليق بأبنة كاهن!".

أمل بيضون 11-07-09 11:22 PM

سخر منها ما فيه الكفاية, وكان في أمكانها أن تغفر له وألا ترد بأي كلمة , لكن أن تسمعه يعامل والدها بهذه الطريقة , كان أكثر مما يمكن تحمله, وبغريزة بدائية , كما النمرة تحمي صغارها , راحت فلورا تهاجمه بقسوة قائلة:
" أنني أرى أن الطريقة في الشفقة على نفسك طريقة شنيعة وممقوتة, أنني لا أستغرب من أنهم يتركونك لوحدك مع أفكارك المنحرفة وغضبك الطفولي!".
أنطفأ أندفاعه المفاجىء في صمت رهيب, لم يرد عليها , لكن قبضة معصمه تشنجت , كأنه يقبض على خنجر غير موجود, كان غضبه باديا , في هذه الغرفة الساكنة, وتساءلت فلورا , هل تجرأ أحد من قبل على أن يوجه كلاما الى هذا الرجل المتزمت الفرنسي , بهذه اللهجة القاسية , لو كان رجلا بمعنى الكلمة لصفعها على الفور! أنتظرت فلورا وهي ترتجف , خجولة وخائفة حتى من مجرد الركض نحو الباب, أحمرت وجنتاها وسرعان ما بهت وجهها مظهرا عينين واسعتين , وفي الوقت الذي شعرت به أنها لم تعد قادرة على أحتمال هذا التوتر المستمر أستدار نحوها وجها لوجه , وبلطف غير معقول, أعتذر منها قائلا:
" أنت على حق يا آنسة , لقد أصبحت صعبا ولا أطاق , لست وحدك تفكرين بذلك, أنني أفقد بسهولة ضبط النفس ولا أعرف ما هي الطريقة للتخلص من هذا الأحساس".
وتابع في لهجة عذبة:
" لكن... هل يمكنك أن تساعديني...؟".
" لا شك في أنه لاحظ أستغرابها المكبوت , فغيّر نبرة صوته مدخلا بعض السخرية عليه:
" هيا , يا أبنة الكاهن أين رأفتك وأحسانك؟ أنت تعرفين جيدا أنك بسبب والدك , لن تتجرأي على رفض هذا الأحسان , ماذا يقول لو عرف أن أبنته رفضت مساعدة رجل يائس؟".
أرتسمت صورة وجه والدها الكئيب القلق أمام عينيها , وأبتلعت على مضض الرفض الذي كانت ستعلنه , لا شك أنه رجل ذكي, هذا الفرنسي , أذ أنه أكتشف , من دون الوقوع في الخطأ الحجة التي يمكنها أن تؤثر بالفتاة لصالحه, أذا رفضت طلبه , تكون بذلك قد أذت والدها أكثر بكثير من أيذائه هو.
وسألته في لهجة مرغمة:
" وكيف يمكنني مساعدتك يا سيدي؟ هناك أشخاص مختصون ومؤهلون أكثر مني, تحت تصرفك , لماذا لا تسمح لهم بمساعدتك؟".
ركز على صوتها وتقدم منها , وتوقف على بعد خطوة واحدة منها , نظره الذي لا يسمح لأحد أن يخرقه كان مصوبا نحوها , محدقا بوجهها كأنه يدقق في قسماته حتى أنها شعرت بالأحمرار يجتاح خديها , وعندما لاحظت الندبات البيضاء النحيفة حول حاجبيه وعلى جبينه – دليل عملية جراحية حديثة- حينئذ أدركت بأقتناع أنه لم يرها, فزاد أحمرار وجهها , لكن من الخجل هذه المرة.

node55 12-07-09 04:28 AM

هيا فيييييييييييييييييييييييي ييييييين

ЄҺểểяΨ 12-07-09 05:02 AM

ماشاء الله عليك امووولي

مجتهدة مرررة

يسلمووو الديآآآت عمري

أمل بيضون 12-07-09 03:12 PM

قال بصوت قاس:
" لماذا أختارك أنت بالذات؟ منذ الحادث الذي تعرضت له, كنت أنت الأنسانة الوحيدة التي تجرأت بكل صدق فبينت لي وجها لوجه كل عيوبي وأخطائي, منذ سنتين حتى الآن والجميع يكذبون علي بأستمرار, لم أعد أتحمل ذلك, لكن عندما سمعتك تكلمينني بهذه الصراحة, شعرت كأن نسمة ربيعية منعشة أخترقتني, من خلال غيوم الشفقة الخانقة والأساليب التافهة لتهدئة الآلام وتسكسنها, أنت الأنسانة الوحيدة التي يمكنني الوثوق بها لتقول لي الحقيقة, ولهذا السبب لا أنوي أن أخسرك, عليك أذا فعل ما أطلبه منك, يا أبنة القس, والا سأرفض أن أدعهم يجرون لي عملية جراحية أخرى ! ما هو ردك على ذلك؟ هل توافقين؟".
قالت فلورا في صوت خفيض:
" أن أولفق على تهديدك؟ هل لديّ أختيار آخر في مثل هذه الظروف؟".
هز كتفيه وأستدار عائدا الى النافذة , رفع رأسه سامحا لأشعة الشمس بأن تداعب جروحه, يبدو أنه يحب المداعبة اللطيفة والساخنة على عينيه المعذبتين, لكنه يفهم جيدا أن الفتاة لا تزال بأنتظار جوابه وأذا به يرد عليها بلهجة متوترة:
" كلا- ليس لديك أختيار آخر!".
فجأة , تملكه التعب من وجودها فقال:
" والآن , أذهبي , أريد أن أتاح , لكن عودي في الغد لنتناول طعام الغداء معا".
توترت فلورا غضبا أمام هذا الموقف الصريح, وخرجت من الغرفة, وتمكنت بصعوبة كلية من عدم صفق الباب وراءها.
أظهر سير فرانك تعجبه وفرحه من التغيير المفاجىء الذي طرأ على مريضه , بعد أن كان قد أمضى أسبوعين في رفقة لورا, وأقنتعت جنيفر بأن صديقتها أستطاعت تحقيق المستحيل , فبدأ المريض , بدلا من البقاء داخل غرفته معظم الوقت , بالقيام برحلات صغيرة في سيارة سير فرانك , يقودها السائق, وبقربه فلورا تحل مكان عينيه, ومالكوم مينارد يبتهج مهللا غير قادر على العثور على الكلمات اللازمة لأمتداح نجاح أبنته, لكن والدة فلورا كانت تعلم مدى الجهد الذي بذلته أبنتها والتوتر الناتج عنه.
في أحد الأيام , كانت فلورا تستعد للقيام بنزهة جديدة, حاولت جين مينارد التحدث الى أبنتها قائلة:
" فلورا , يا حبيبتي, يبدو عليك التعب والأرهاق , لماذا لا ترتاحين اليوم؟ سأتصل هاتفيا بالمستشفى لأخبرهم أنك غير قادرة على مرافقة الأستاذ تريفيل في نزهاته".
كانت فلورا ترتدي فستانا من القطن الوردي اللون , فأجابتها بصوت واضح:
" لست متعبة يا أمي , أبدا, أرجوك لا تشغلي بالك, فأنا في أتم العافية, في أي حال أذا تمنعت من الذهاب اليوم , لن يكون آلان مرتاحا لذلك, فهو يحب النزهات كثيرا , وقد سر كثيرا عندما أخبرته بوجود سباق خيل في حديقة قريبة جدا من هنا, ولا أريد أن أخيب أمله, أليس كذلك؟".
تنهدت السيدة مينارد وقالت:
" كل هذا جميل جدا , يا فلورا , لكنني بدأت أقلق عليك , فأنت لا تتمتعين بالقوة نفسها التي كنت تبدين بها قبل تعلافك الى آلان تريفيل, وأنت فوق ذلك شاحبة , لا شك أن ألان شاب لطيف , لكنه ذو سطوة ومنذ أن تعرفت اليه , نادرا ما تخصصين لنفسك وقتا خاصا بك, هل أنت متأكدة بأنه لا يطلب نك الكثير؟".
أستدارت فلورا رغبة منها في أخفاء الدموع التي تنهمر على وجهها , من الأفضل لها أن تظل أمها ووالدها يعتبرانه رجلا لطيفا , في كل حال أنه كذلك أتجاههما , لكنها هي وحدها من يعرف الأنهيار القوي الذي يصيبه عندما يكونان معا , أصبحت هي صمام الأمان بالنسبة أليه , وكبش المحرقة , وأمام كل العاملين في المستشفى يبدو آلان مريضا مثاليا, هي وحدها من يتكبد كل الهجمات التي توقظ فيه يأسا عنيفا, أذ يرى أن راحته الوحيدة في أن يصب جام غضبه على الآخرين , في البداية كانت ترد الضربة بضربة أخرى مماثلة , لكن هذا التصرف من جانبها كان يزيد من غيظه , مما جعلها تتنازل عن مقاومتها والتحلي بالصمت حتى تنتهي الأزمة , لكن أحيانا, كان يظهر لطفا غريبا , مما جعلها غير قادرة على رفض أي طلب له , أكتشفت فلورا أنها تحبه...
ما زالت والدتها تنتظر منها جوابا , أقتربت فلورا منها وركعت أمامها:
" يأ أمي , قال لي سير فرانك أنه يأمل في أجراء العملية الجراحية لعيني آلان في الأسبوع المقبل , وبعدها لن يعود في حاجة ألي , ومتى أستعاد نظره سيعود الى فرنسا وسينساني بسرعة".
أنتفض قلبها أنتفاضة مؤلمة, لكنها أضطرت الى متابعة الحديث:
" بعد أسابيع قليلة , تعود الحياة الى مجراها الطبيعي, وسيتسنى لي الوقت لأرتاح , لكن ما دام ألان في حاجة ألي يتحتم علي البقاء معه , هل تفهمين؟".
ربتت والدتها على يدها وقالت:
" عظيم , لن أزيد كلمة واحدة... لكن تذكري أن سعادتك ثمينة لي ولوالدك , وأننا موافقان على كل شيء يضمن سعادتك".
شدّتها فلورا الى ذراعيها وقالت وهي تضحك:
" هل هناك من قرار يمكن أن آخذه , يؤثر على حياتي معكما؟".
أكتفت الأم بالأبتسام ونهضت لتخرج من غرفة أبنتها , لكنها ظلت راكعة تفكر مطولا بما قالته.
وصلت سيارة سير فرانك متأخرة, كان آلان بداخلها , ومن خلال نافذة غرفتها المفتوحة سمعت فلورا والدتهاتصر عليه بالنزول وتقول له: فلورا ستصل بعد لحظة , وأجاب آلان بلهجته الأنكليزية اللطيفة شيئا لم تسمعه الفتاة , لأنها تناولت حقيبة يدها ونزلت مسرعة , تريد معرفة ما أذا كان آلان في مزاج جيد أو أن عليها أن تتحمل ساعات طويلة من العذاب.

بنوته عراقيه 12-07-09 06:30 PM

يعطيكِ العافيه على المجهود

أمل بيضون 12-07-09 07:38 PM

وما أن وقعت عيناها عليه , حتى فهمت أن النزهة ستكون ممتعة, وحين سمعها تقترب منه أبتسم, وشعرت برغم نظارتيه السوداوين أن لا قلق في عينيه.
سألها بفارغ الصبر:
" هل أنت حاضرة؟".
" نعم يا آلان".
منذ اليوم الأول الذي دعاها لتتناول طعام الغداء معه , أصر عليها بضرورة التخلي عن كل الأعراف والشكليات , وأحتاجت الى أكثر من أسبوع لتعتاد أن تناديه آلان بدلا من السيد تريفيل.
" هيا بنا أذا, لنسرع حتى لا تفوتنا الجولة الأولى".
كان الطقس جميلا ورائعا لمثل هذا النوع من النزهات, والجو حارا, لكن النسيم يمنع الحرارة من أن تكون لاهبة , أختارا مكانا هادئا , لأن آلان لا يحب الأزدحام , فقد طلب من السائق الذهاب والتمتع بوقته, وحدد له وقتا للعودة.
لم تكن فلورا تعرف أي شيء عن سباق الخيل, لكنها كانت تعرف بواسطة غريزتها كل ما يحبه آلان, راحت تصف له بدقة كل ما حولها بصورة تفصيلية جعلته يتحمس للأمر , وعندما حان وقت الغداء , فتحت سلة الأكل فأكلا بشهية كل ما طاب ولذ , وبعدها تمدد آلان على بطانية فرشت على الحشيش وقال لها وهو ينتهد:
" رائع! شكرا يا فلورا, عندما أعود الى وطني , عليك بزيارتي وسآخذك بدوري الى سباق الخيل هناك, (بفرح , أنها المرى الأولى التي يتحدث فيها عن رغبته في العودة الى بلده, أو يتكلم عن حياته الخاصة, كانت دائما تشعر بحاجة الى معرفة ولو شيء بسيط عن حياته الشخصية, لكنها كانت دائما تخشى أن يوبخها , لكن في هذه المرة, قررت المخاطرة وسألته في تردد:
" أين يقع منزلك يا آلان؟".
أجاب فجأة بعد أن ظهرت تجعيدة صغيرة على جبينه:
" قرب مدينة غراس".
توقف برهة ثم أضاف:
" غراس هي مدينة فرنسية وكذلك المركز الأساسي لصناعة العطور , خلال كل فصول السنة تتفتح الأزهار النامية بكثرة على طول الشاطىء التابع للبحر الأبيض المتوسط, مدينة كان مشهورة بالورد والأكاسيا والياسمين , ومدينة نيس مشهورة بالبنفسج والخزام , لكن من بين كل هذه الأمكنة غراس هي التي تتمتع بأكثر من شهرة, لأن هناك تنمو كل أنواع الأزهار وحيث تتم صناعة العطور".
كانت فلورا تصغي بأفتنان , ليس من العجب أذا أحب مداعبة الشمس , هو الذي أمضى كل حياته في جنة كهذه.
" الأزهار تنمو طيلة أيام السنة؟".
" طبعا , من كانون الثاني – يناير حتى آذار- مارس, نجد أزهار البنفسج والميموزا , وفي نيسان – أبريل وأيار- مايو وحزيران – يونيو , نجد الورد وفي حزيران –يونيو أيضا نجد الخزام والقرنفل والوزال , وفي تموز –يوليو مجموعة مختلفة من الأزهار بما فيها اللاوند والياسمين والمسك , وفي آب- أغسطس وأيلول سبتمبر وتشرين الأول- أكتوبر نجد النعناع والجيرانيوم , وحتى في الميلاد – نرى في كل مكان بحرا ذهبيا من المشمش الذي يعم المنطقة بعطره, على طول كيلوميترات في جميع الجهات".
قالت فلورا ضاحكة:
" كفى , لم يعد عقلي يستوعب أكثر! كم كنت سعيدا ومتفائلا لرؤية هذا الجمال , لا شك أنك ترغب في رؤية كل هذا من جديد!".
وما أن نطقت بهذا الكلام حتى عضّت على لسانها , لكن الأوان كان قد فات , لكنه لم يقم بأي حركة, لكنها غزيريا , شعرت بأنقباضه , نظرت اليه في قلق , لكنه لم يكن يخبىء أحاسيسه , كان جسده الطويل بكامله مرتاحا , فجأة لاحظت أنقباض معصمه , فندمت لما قالته ووضعت يدها في يده , وهي تدرك تماما مدى قلقه وقالت:
" سوف تستعيد نظرك يا آلان , بأذن الله, أنا متأكدة من ذلك! لا تدع اليأس يشوه حظك بالنجاح , من الضروري المحافظة على الأسترخاء وعلى روحك المعنوية , فسوف يقوم سير فرانك بالعملية الجراحية في الأسبوع المقبل".
أبعد يدها عنه بغضب وأصطكت أسنانه المشدودة وراح يقول:
" يا ألهي! لا تراعي خواطري يا فلورا! ماذا تفهمين من كل هذه العمليات الجراحية؟ ألا يكفي أنني تحملت ست محاولات فاشلة؟".
ثم تابع بسخرية كأنه يقلد صوتا آخر:
" لا تخافي , أن الندبات حول عيني تخف مع الأيام , لا تهمني الندبات أنها لا تنفع في شيء, كل ما أريده هو أن أرى!".
أنفجرت فلورا في البكاء , فهي غير قادرة على تصور ما يمكنه أن يفعل أذا عرف أن لا أمل في شفائه وأنه سوف يبقى ضريرا طوال حياته.
كانت على وشك الأنهيار , بقيت صامتة طوال الوقت, ومرة أخرى أنطوى على نفسه , لا شيء تقوله يمكنه أن يخرجه من هذه الحالة الأنطوائية, وراحت تصلي كي تمر الأيام المقبلة بسرعة , جسديا, ما زالت قادرة على المقاومة , لكن كم يبقى من الوقت أمام عقلها ليتحمل كل هذا العذاب , الذي أختارت بكامل أرادتها أن تعانيه من أجل مساعدة آلان تريفل في تحقيق أمنيته العزيزة؟

ЄҺểểяΨ 13-07-09 02:59 AM

Thanxxxx :45:

أمل بيضون 13-07-09 11:50 AM

3- قبلت عرضك
أنتهت العملية الجراحية , وبعد دقائق قليلة , وصلت جنيفر كالأعصار الى غرفة الأنتظار لتقول لفلورا أنهم بصدد أيصال آلان الى غرفته, وأن سير فران يريد التحدث اليها , كانت فلورا فريسة أحاسيس داخلية حزينة , هل فشلت العملية؟ هل يريد سير فرانك منها أطلاع آلان بهدوء على هذا الخبر تاسيء؟
راحت تذرع أرض الغرفة بخطى واسعة, ينخر قلبها القلق , وكانت الدقائق تمر ولا يزال فرانك لم يظهر بعد, أستمرت العملية ساعات عديدة , وخلال هذا الوقت كانت تأمل في حدوث المعجزة , أما الآن فكل ما تريده هو رؤية آلان والتأكد أنه لا يتألم.
أنفتح الباب ودخل سير فرانك وعلى وجهه ملامح متعبة:
"آه, آنسة مينارد , أشكرك لأنتظارك ! أود أن أكلمك في شأن آلان".
أنتظر منها الجلوس , فقرأت على وجهه المتعب علامات القلق , يداها مشدودتان على تنورتها , تنتظر ما سيقوله.
وما لبث أن أعلن بحدة:
" تمت زراعة القرنية في العين اليمنى , وكنت أنوي في الأيام المقبلة أن أباشر العمل في العين اليسرى, لا شك كنت تعرفين, والآن يعرف ذلك أيضا, أن العملية ستتم على مرحلتين".
هزت فلورا رأسها دليل الأيجاب , ثم تابع سير فرانك كلامه:
" بعد أن أجريت العملية في العين اليمنى , فحصت اليسرى بدقة...".
ثم توقف عن الكلام لبعض الوقت, فأنقبضت فلورا وسألته:
" و...؟".
هوى في المقعد ثم قال:
" أخشى ألا يكون التشخيص مشجعا...".
" هل تريد القول أن ألآن لن يستعيد نظره ثانية؟".
تردد وراح يبحث عن الكلمات التي تخفف الصدمة عليها:
" العين اليسرى متلفة , لكني كنت متأكدا أنها ليست متضررة بشكل يتعذر معه معالجتها , أما اليوم , فقد أكتشفت أنها ملتهبة قليلا , وعليّ أولا القضاء على هذا الألتهاب قبل الأستمرار في المعالجة , هذا يعني تأخير المرحلة الثانية من العملية الجراحية لبعض الوقت, لهذا السبب طلبت أن أحدثك , يا أبنتي العزيزة , لقد حققت أعجوبة مع آلان , في الأسابيع الماضية , وأريد أن أتأكد أنك ستبقين هنا ما دام هو في حاجة أليك, وأن تكوني بجانبه عندما أخبره كل هذه التفاصيل , وما أنوي فعله".
كان صوت الجراح يخترق الضباب ويرن في أذنيها رنة حزن , وراحت تتصور حالها مكان آلان وتتساءل: هل من العدل أن يتحمل عذاب سبع عمليات جراحية, ليصل في النهاية الى نتيجة سلبية كهذه؟ ألم يكن من الأفضل لو ترك بدون أي أمل؟ بدلا من أن يفرض عليه هذا التوتر المستمر بين الأمل واليأس؟ شعرت بالغضب والأسف وراحت تهاجم سير فرانك:
" لماذا ترك كل هذا؟ لماذا تظل تقدم اليه الوعود , وأنت تعرف أن لا شيء يمكن فعله في هذا الصدد؟".
أجابها في هدوء:
" هناك شيء يمكن فعله دائما , يا أبنتي العزيزة, لولم نكن نتمتع بهذا اليقين نحن الأطباء لما أجرينا أية عملية جراحية على الأطلاق, خيبة الأمل هذه تؤسفني أنا أيضا , وأرجوك أن تصدقيني , أنها فقط خيبة أمل... وأرجوك أن تساعدي آلان على تصديق ذلك أيضا , بعد سنة أو ربما أقل يمكنني أن أنهي العملية بنجاح هذه المرة, لكني في حاجة أليك لتقنعي آلان بأن لا يستسلم لليأس , هل يمكنني الأتكال عليك؟".
" لن يصدقني , لا الآن ولا في أي يوم , أنا متأكدة تماما من ذلك".

أمل بيضون 13-07-09 02:36 PM

شعرت فلورا بأن كلامها أفتر حماس فرانك, فسكت ثم قال:


" أذا, نطلب من الله أن يساعده ويساعد عائلته! والدته تعز علي كثيرا وكذلك كان والده, ولا شيء يفرحني سوى أن أتمكن من أعادة النظر اليه, لكن أذا كان ما تقولينه صحيحا, فمن المستحيل أذا أن أصل ألى هدفي ".


قالت فلورا والدموع تترقرق في عينيها:


" سأفعل كل ما في وسعي لأقناعه , لكن أذا رفض , أرجوك ألا تشعر بأنك مسؤول عن هذا, في المستقبل , عندما يتغلب على خيبة أمله, ربما يقبل حينئذ أن يقوم بمحاولة جديدة".


ربت على يدها وقال:


" أنت فتاة رائعة جدا, يا فلورا, لم أعد أستغرب لماذا يشدد وجودك من عزيمته , وأني متأكد من أنك أذا بقيت خلال الأشهر المقبلة الصعبة , فسوف تنقذينه من هذه الورطة , أما اذا كان ذلك مستحيلا , فلا يبقى لدينا سوى الأمل في تغلبه على خيبة الأمل ويتوصل ألى نتيجة حكيمة".


قبل عودتها الى منزلها, سمح لفلورا بأن ترى ألان في غرفته, لقد أكد لها سير فرانك أنه ما زال تحت تأثير المخدر, ولن يستعيد وعيه الا بعد ساعات, وأنه في حاجة ألى عناية فائقة , وأن الزيارات ممنوعة عليه.


وما أن دخلت فلورا غرفة المريض , حتى صوبت نظرها الى الوجه الراقد على الوسادة البيضاء , الضمادات تغطي عينيه , والركائز تجعل رأسه جامدا , وللمرة الأولى كانت أصابع يده الطويلة الشديدة الحساسية , ممددة بجانبه على السرير بدون حركة.


كانت فلورا في الغرفة ذلك الصباح عندما قرر سير فرانك أخبار ألان عن نتيجة الأبحاث , حدث ذلك بعد أسبوع من العملية , لم يكن ألان في سريره , أنما كان جالسا في كرسي قرب النافذة , ومئزره الغامق يزيد من شحوبه , وخلافا لجميع النصائح , كان قد أزاح الستائر , وأشعة الشمس تسطع على شعره وتدفىء ملامحه القاسية بنورها العسلي, ثم قام بحركة عبّر فيها عن أنزعاجه من أستمرار وجود الضمادات على عينيه , وتشنجت فلورا , لدى دخول سير فرانك الغرفة.


أقترب من ألان بخطى وفاجأه قائلا:


" أعتقد يا ألان أن الوقت قد حان لمحادثة صغيرة".


شعر ألان بعداء مباشر وقال بصوت حاد:


" لا شك, لنتحدث أذا , أذا كان الحديث ينهي هذه المسرحية الهزلية التي تحملتها طيلة هذا الأسبوع!".


ردد سير فرانك بلهجة معقدة:


" مسرحية هزلية؟".


لم تكن فلورا مستغربة عندما أجابه ألان بصوت بارد:


" هل تعتبرني أنسانا أبله؟ هل تعتقد أنني لا أعرف الأشارات الحسية المباشرة , فأن لطفك الزائد والقلق في صوتك , يكفيان لتحذيري ! فضلا عن محاولات فلورا المستمرة لمواساتي من دون أظهار ذلك, أنها تعرف أيضا , أن العملية الجراحية كانت فاشلة , فكل تعبير في صوتها , أعرفه تمام المعرفة , لقد فضحتها شفقتها العميقة التي تشعر بها أتجاهي , في مئات المرات , وبطرق عدة".


أن حقده العنيف ويأسه المميت جعل فلورا والسير فرانك يلتزمان الصمت , وفي عينيها المليئتين بالدموع كانت فلورا تنادي سير فرانك بصمت, لكن هذا الأخير هز كتفيه معلنا عن ضعف عزيمته , مما جعلها تكاد تخنق بكاءها في حنجرتها , وفي هذه المرة أيضا , أظهر ألان حساسيته المرهفة أذ قال:


" لا تذرفي دموعك من أجلي, لا أريد شفقتك! من الآن فصاعدا سوف أستسلم وأعيش حياة رجل أعمى , وأتعلم لغة البريل , وأنتقل مستعينا بعكازة بيضاء , كما يجب علي أن أتقبل الشفقة ومظاهر اللطف من الجميع... لكن ليس منك أنت يا فلورا , أبدا! يجب أن تبقي صادقة أتجاهي , هل تفهمين؟ واذا أكتشفت مرة وأحدة , أنك كذبت علي , فسيكون ذلك اليوم كارثة حقيقية عليّ".

أمل بيضون 13-07-09 04:19 PM

أستعادت فلورا هدوءها وقالت:

" لا يمكنني الكذب عليك أبدا يا ألان , ويجب أن تصدق كل ما سأقوله لك الآن , ما زال هناك أمل في شفائك, كان سير فرانك يحاول أن يطمئنك أن في وسعه بعد عدة شهور, أنهاء المرحلة الثانية من العملية بنجاح أكيد, عليه فقط معالجة ألتهاب بسيط , قبل أن يستأنف برنامج عمله في المرحلة الثانية , وبعدها كل شيء سيتم كما يجب, أرجوك , يا ألان أن تسمعه , أني أتوسل أليك!".
وكان جوابه بأن رفع يديه الى عينيه شاتما, وخلع عنهما الضمادات , ورماها أرضا , ثم رفع رأسه في عزم , رافضا كل الحجج بعد خيبة الأمل القاسية.
وخلال الأسابيع اللاحقة , لم يقم سير فرانك وفلورا أي أعتبار لرغبة ألان بعدم السماح لأحد في أستئناف الحديث حول مسألة مرضه, لكن ألان تمسك بعناده وتصلبه , وبدأ يسترجع قراه تدريجيا, ومع أقتراب موعد رحيله , فهم سير فرانك وفلورا أن عليهما تقبل فشلهما, غير أن فلورا كانت تشعر بوجود أمل خفي بأن ألان سيشعر أنه في حاجة لرؤية كل الأشياء التي أعتاد رؤيتها قبل الحادث , فلن يتحمل الأعتماد على حواسه الأخرى.
ولما سمح له سير فرانك بأستئناف النزهات التي كان يقوم بها, عادت الحياة الى مجراها الطبيعي من جديد, وكانت فلورا تمضي أوقات بعد الظهر برفقته , لكنها لم تتجرأ على التحدث اليه عن أمكان أجراء عملية جراحية أخرى, خوفا من أن يجرحها غضبه الذي يزداد مع تحسن صحته وأستعادة قواه.
وخلال فترة النقاهة , أصبح ألان بالنسبة الى فلورا زائرا مداوما , وبدأ والداها يشعران أتجاهه بمحبة كبيرة , ومن جهته كان يبدو متحمسا برفقتهم. وخلال أحدى زياراته , وبينما كان جالسا في الحديقة برفقة فلورا , يتمتعان معا بنعومة الطقس وعذوبة الهواء , فاجأها ألان سائلا بلهجة عادية:
" فلورا , هل توافقين على الزواج مني؟".
كان ممددا على كرسي طويل مريح , يمضغ عودا من الحشيش الأخضر , لا شك أنه أحس بأستغراب فلورا التي همست تقول:
"ماذا ... ماذا قلت؟".
رفع رأسه في حركة متلهفة ورمى عود الحشيش وقال:
" أنا بحاجة أليك يا فلورا, لا أستطيع العودة الى فرنسا , من غيرك , أتعدينني , على الأقل بالتفكير في الموضوع؟".
راح قلب فلورا ينبض بسرعة فائقة , حتى أنه خيل أليها أن كل أعضاء جسمها ترتجف بشدة أنها تحبه كثيرا الى درجة أنها مستعدة لأن تضحي بحيلتها من أجله , لكنه كان يظهر لامبالاة عندما طلب منها أن تصبح زوجته , فتحت فمها لتقول له أنها تحبه كثيرا, لكنه تابع حديثه بهدوي:
" سيكون زواجنا زواج مصلحة, لا أكثر ولا أقل , لن أطلب منك أكثر مما تقدمينه الى الآن , وما قدمته خلال الأسابيع الماضية , لقد أصبحت بصري الذي خسرته , وبفضلك أشعر وكأنني قد أستعدت بصري, كما أنني أعدك , أنك أنت أيضا سوف تحققين مكسبا من هذا الزواج".
ولما هدأت نيران كرامتها , أحست بسعادة خجولة ويائسة لم يكن في وسعه رؤية مدى تأثير كلامه عليها , هذا العرض الجاف والبارد للزواج منها , كان بالنسبة لها, أقصى العذاب الذي يمكنها أن تتحملع حتى الآن , وودت عزاءها الوحيد بأنها متأكدة تماما من أنه يجهل حقيقة عواطفها , ظل رأسه منحنيا , كأنه يصغي أو يحاول أدراك ردة فعلها , وهي ظلت جامدة تنتظر هدوء توتر أفكارها وحتى تستعيد السيطرة على نفسها مرة ثانية.
سألها فجأة :
" هل ما زلت هنا؟".
كانت كلماته تنم عن مدى حاجته الماسة اليها , وأرادت فلورا لطبيعتها المتسامحة أن تنسى ما ينطوي عليه عرضه المفاجىء لتحتفظ فقط بندائه اللاواعي وطلبه مساعدتها , فأجابت وهي تحاول التحدث في صوت هادىء:
" نعم, ما أنا ما زلت هنا".
أسترخى وأرتسمت على شفتيه أبتسامة صغيرة ثم قال:
" هذا أفضل , كنت أخشى ألا تكوني قد سمعت ما قلت, أذا ما هو جوابك يا فلورا؟ هل تقبلين بالزواج مني والعودة معي الى فرنسا؟".
أجابت في صوت خفيض جدا:
" نعم".
كبرت أبتسامته وقال وفي صوته بعض السخرية:
" شكرا, لقد كنت أتصور أن هذه الفكرة ستروقك".
حاولت فلورا جاهدة المحافظة على برودة أعصابها ,و ولتتذكر مدى حزنه ووحدته وحتى خوفه العميق الذي لا يريد أظهاره , منذ سنتين وهو يعيش أملا في أستعادة بصره, والآن , مات الأمل في داخله , ولكي يجابه المستقبل , فهو في حاجة الى مرساة , ألى أحد يفهم حاجاته ولا يتطلب منه أي عاطفة أو شعور ما , تذكرت فلورا كلمات سير فرانك:
" أني متأكد من أنك اذا بقيت معه خلال الأشهر المقبلة , الصعبة فسوف تنقذينه من هذه المحنة , ربما ما تفعله تضحية كبرى , وربما يكون ذلك جنونيا تتحمل وحدها نتائجه , لكنه طلب منها مساعدته وحبها له كبير الى حد أنها عاجزة عن رفض ما طلبه منها.
رفع حاجبيه في سخرية وسألها في صوت فاتر:
" تعجبك أذا فكرة أن تصبحي كونتيسة؟".
نظرت نحوه في أستغراب , لكنها تذكرت أنه لن يراها وتلعثمت وهي تقول:
" كون... كونتيسة؟".
قال وهو يضحك في أشمئزاز:
" هه! هه! هل تريدين الأدعاء أنك لا تعلمين حقا , أنك سوف تصبحين كونتيسة بزواجك مني؟ ستأخذ والدتي لقب كونتيسة بالتقاعد ... ولا شك أنها ستكون مسرورة ومرتاحة لتنقل اليك العبء كله, وحسب ما أتذكره , قالت مرة أنها متعبة من مسؤولية تنظيم جميع الأمور في القصر ولا شك أن مجيئك سيجعلها تتمتع ببعض الراحة".
شعرت فلورا بما يشبه الهلع يجتاح كيانها , قالت:
" لست أفهم شيئا , أتريد القول أنك أنت الكونت ألان تريفيل وأنك تملك قصرا؟ أذا كان الأمر كذلك فلا يمكنني قبول عرضك.... أن فكرة أن أصبح كونتيسة ترعبني! أرجوك , قل أن كلامك مزحة...!".
" كلا, لست أمزح, أن لقبنا من أقدم الألقاب في فرنسا , وقصر الزهور بناه أسلافي , في القرن الثاني عشر".
تنهدت فلورا مرتعبة:
" لكن لماذا , لم تقل لي ذلك من قبل؟".
سكت قليلا قبل أن يجيب:
" كنت أعتقد أنك تعرفين جيدا من أنا , لم يكن ذلك سرا فالجميع في المستشفى يعرفون من أكون , وبعض الممرضات كن يتجرأن بوقاحة وينادونني: الكونت الذي لا يطاق".
تذكرت فلورا أنها سمعت من جنيفر تعبيرا بهذا المعنى , وفي ذلك الوقت أعتقدت أنهم لقبوه بالكونت بسبب تصره الوقح والمتعجرف , ولم تعرف ألا الآن بالذات أنه حقيقة كونت, بكل ما في الكلمة من معنى.
عاد ألآن ليقول بلهجة معبرة:
" أن والدك على علم بذلك, هو أيضا , لقد أخبرته أني الكونت تريفيل , وذلك منذ أيام قليلة , عندما قررت طلب يدك, كان يجب أن أبدو أمام عائلتك أنني قادر على الأهتمام بك كما يجب".
" آه, ألان".
لم تستطع منع نفسها من الأبتسام أمام التعبير اللطيف, أن والدها , لا يعلق أهمية على الفوائد المادية , وما يهمه هو أن يعرف هوية الرجل الذي يرغب في الزواج من أبنته , هل هو يحبها , أم لا.
عرأف ألان الذي يتمتع بموهبة غريبة في أدراك ما تشعر به فلورا تماما , أن الفتاة في حيرة , فقرر على الفور تغيير الموضوع فقال:
" كفانا كلاما في هذا الموضوع , لقد قبلت العرض ولن أدعك تغيرين رأيك, يجب أخبار والديك بهذا القرار , ثم نهتم بالأجراءات اللازمة لهذا الزواج , أني أصر على الأحتفال به هنا في أنكلترا , وهكذا يمكنني أن أقدمك الى قصر الزهور على أنك زوجتي ... الكونتيسة تريفيل الجديدة!".
شعرت فلورا بالشكوك تستيقظ في داخلها , وفي أنزعاج عميق, رأته يرسم أبتسامة غير محببة , أبتسامة رجل وجد ضالته في طريقه ليصفي حساباته القديمة , لقد وجدت قليلا من الأرتياح لدى طلبه الزواج منها لأنه في حاجة اليها , وأنها تتساءل من سيكون ضحية الأنتقام الذي يحيكه ألان , في قصر الزهور , شعرت بدمها يتجمد لمجرد التفكير أنه يستعملها كسلاح لينفذ مآربه , أنها تحبه , وسواء شاءت أم أبت , فهي ستظل تحبه الى الأبد , لكن هذا لا يمنعها من رؤية أخطائه بوضوح , أنه أنسان قاس , حاقد , متغطرس , لا يشعر بأدنى أنفعال , أنه كل هذا , ولهذا السبب بالذات قبلت عرضه , ألان , الكونت تريفيل , يركض وراء خسارته , وهي تعرف أنها لن تتخلى عنه ما دام هناك أمل لمساعدته على الشفاء وأستعادة بصره!
جوابه بأن رفع يديه الى عينيه شاتما, وخلع عنهما الضمادات , ورماها أرضا , ثم رفع رأسه في عزم , رافضا كل الحجج بعد خيبة الأمل القاسية.
وخلال الأسابيع اللاحقة , لم يقم سير فرانك وفلورا أي أعتبار لرغبة ألان بعدم السماح لأحد في أستئناف الحديث حول مسألة مرضه, لكن ألان تمسك بعناده وتصلبه , وبدأ يسترجع قراه تدريجيا, ومع أقتراب موعد رحيله , فهم سير فرانك وفلورا أن عليهما تقبل فشلهما, غير أن فلورا كانت تشعر بوجود أمل خفي بأن ألان سيشعر أنه في حاجة لرؤية كل الأشياء التي أعتاد رؤيتها قبل الحادث , فلن يتحمل الأعتماد على حواسه الأخرى.
ولما سمح له سير فرانك بأستئناف النزهات التي كان يقوم بها, عادت الحياة الى مجراها الطبيعي من جديد, وكانت فلورا تمضي أوقات بعد الظهر برفقته , لكنها لم تتجرأ على التحدث اليه عن أمكان أجراء عملية جراحية أخرى, خوفا من أن يجرحها غضبه الذي يزداد مع تحسن صحته وأستعادة قواه.
وخلال فترة النقاهة , أصبح ألان بالنسبة الى فلورا زائرا مداوما , وبدأ والداها يشعران أتجاهه بمحبة كبيرة , ومن جهته كان يبدو متحمسا برفقتهم. وخلال أحدى زياراته , وبينما كان جالسا في الحديقة برفقة فلورا , يتمتعان معا بنعومة الطقس وعذوبة الهواء , فاجأها ألان سائلا بلهجة عادية:
" فلورا , هل توافقين على الزواج مني؟".
كان ممددا على كرسي طويل مريح , يمضغ عودا من الحشيش الأخضر , لا شك أنه أحس بأستغراب فلورا التي همست تقول:
"ماذا ... ماذا قلت؟".
رفع رأسه في حركة متلهفة ورمى عود الحشيش وقال:
" أنا بحاجة أليك يا فلورا, لا أستطيع العودة الى فرنسا , من غيرك , أتعدينني , على الأقل بالتفكير في الموضوع؟".
راح قلب فلورا ينبض بسرعة فائقة , حتى أنه خيل أليها أن كل أعضاء جسمها ترتجف بشدة أنها تحبه كثيرا الى درجة أنها مستعدة لأن تضحي بحيلتها من أجله , لكنه كان يظهر لامبالاة عندما طلب منها أن تصبح زوجته , فتحت فمها لتقول له أنها تحبه كثيرا, لكنه تابع حديثه بهدوي:
" سيكون زواجنا زواج مصلحة, لا أكثر ولا أقل , لن أطلب منك أكثر مما تقدمينه الى الآن , وما قدمته خلال الأسابيع الماضية , لقد أصبحت بصري الذي خسرته , وبفضلك أشعر وكأنني قد أستعدت بصري, كما أنني أعدك , أنك أنت أيضا سوف تحققين مكسبا من هذا الزواج".
ولما هدأت نيران كرامتها , أحست بسعادة خجولة ويائسة لم يكن في وسعه رؤية مدى تأثير كلامه عليها , هذا العرض الجاف والبارد للزواج منها , كان بالنسبة لها, أقصى العذاب الذي يمكنها أن تتحملع حتى الآن , وودت عزاءها الوحيد بأنها متأكدة تماما من أنه يجهل حقيقة عواطفها , ظل رأسه منحنيا , كأنه يصغي أو يحاول أدراك ردة فعلها , وهي ظلت جامدة تنتظر هدوء توتر أفكارها وحتى تستعيد السيطرة على نفسها مرة ثانية.
سألها فجأة :
" هل ما زلت هنا؟".
كانت كلماته تنم عن مدى حاجته الماسة اليها , وأرادت فلورا لطبيعتها المتسامحة أن تنسى ما ينطوي عليه عرضه المفاجىء لتحتفظ فقط بندائه اللاواعي وطلبه مساعدتها , فأجابت وهي تحاول التحدث في صوت هادىء:
" نعم, ما أنا ما زلت هنا".
أسترخى وأرتسمت على شفتيه أبتسامة صغيرة ثم قال:
" هذا أفضل , كنت أخشى ألا تكوني قد سمعت ما قلت, أذا ما هو جوابك يا فلورا؟ هل تقبلين بالزواج مني والعودة معي الى فرنسا؟".
أجابت في صوت خفيض جدا:
" نعم".
كبرت أبتسامته وقال وفي صوته بعض السخرية:
" شكرا, لقد كنت أتصور أن هذه الفكرة ستروقك".
حاولت فلورا جاهدة المحافظة على برودة أعصابها ,و ولتتذكر مدى حزنه ووحدته وحتى خوفه العميق الذي لا يريد أظهاره , منذ سنتين وهو يعيش أملا في أستعادة بصره, والآن , مات الأمل في داخله , ولكي يجابه المستقبل , فهو في حاجة الى مرساة , ألى أحد يفهم حاجاته ولا يتطلب منه أي عاطفة أو شعور ما , تذكرت فلورا كلمات سير فرانك:
" أني متأكد من أنك اذا بقيت معه خلال الأشهر المقبلة , الصعبة فسوف تنقذينه من هذه المحنة , ربما ما تفعله تضحية كبرى , وربما يكون ذلك جنونيا تتحمل وحدها نتائجه , لكنه طلب منها مساعدته وحبها له كبير الى حد أنها عاجزة عن رفض ما طلبه منها.
رفع حاجبيه في سخرية وسألها في صوت فاتر:
" تعجبك أذا فكرة أن تصبحي كونتيسة؟".
نظرت نحوه في أستغراب , لكنها تذكرت أنه لن يراها وتلعثمت وهي تقول:
" كون... كونتيسة؟".
قال وهو يضحك في أشمئزاز:
" هه! هه! هل تريدين الأدعاء أنك لا تعلمين حقا , أنك سوف تصبحين كونتيسة بزواجك مني؟ ستأخذ والدتي لقب كونتيسة بالتقاعد ... ولا شك أنها ستكون مسرورة ومرتاحة لتنقل اليك العبء كله, وحسب ما أتذكره , قالت مرة أنها متعبة من مسؤولية تنظيم جميع الأمور في القصر ولا شك أن مجيئك سيجعلها تتمتع ببعض الراحة".
شعرت فلورا بما يشبه الهلع يجتاح كيانها , قالت:
" لست أفهم شيئا , أتريد القول أنك أنت الكونت ألان تريفيل وأنك تملك قصرا؟ أذا كان الأمر كذلك فلا يمكنني قبول عرضك.... أن فكرة أن أصبح كونتيسة ترعبني! أرجوك , قل أن كلامك مزحة...!".
" كلا, لست أمزح, أن لقبنا من أقدم الألقاب في فرنسا , وقصر الزهور بناه أسلافي , في القرن الثاني عشر".
تنهدت فلورا مرتعبة:
" لكن لماذا , لم تقل لي ذلك من قبل؟".
سكت قليلا قبل أن يجيب:
" كنت أعتقد أنك تعرفين جيدا من أنا , لم يكن ذلك سرا فالجميع في المستشفى يعرفون من أكون , وبعض الممرضات كن يتجرأن بوقاحة وينادونني: الكونت الذي لا يطاق".
تذكرت فلورا أنها سمعت من جنيفر تعبيرا بهذا المعنى , وفي ذلك الوقت أعتقدت أنهم لقبوه بالكونت بسبب تصره الوقح والمتعجرف , ولم تعرف ألا الآن بالذات أنه حقيقة كونت, بكل ما في الكلمة من معنى.
عاد ألآن ليقول بلهجة معبرة:
" أن والدك على علم بذلك, هو أيضا , لقد أخبرته أني الكونت تريفيل , وذلك منذ أيام قليلة , عندما قررت طلب يدك, كان يجب أن أبدو أمام عائلتك أنني قادر على الأهتمام بك كما يجب".
" آه, ألان".
لم تستطع منع نفسها من الأبتسام أمام التعبير اللطيف, أن والدها , لا يعلق أهمية على الفوائد المادية , وما يهمه هو أن يعرف هوية الرجل الذي يرغب في الزواج من أبنته , هل هو يحبها , أم لا.
عرف ألان الذي يتمتع بموهبة غريبة في أدراك ما تشعر به فلورا تماما , أن الفتاة في حيرة , فقرر على الفور تغيير الموضوع فقال:
" كفانا كلاما في هذا الموضوع , لقد قبلت العرض ولن أدعك تغيرين رأيك, يجب أخبار والديك بهذا القرار , ثم نهتم بالأجراءات اللازمة لهذا الزواج , أني أصر على الأحتفال به هنا في أنكلترا , وهكذا يمكنني أن أقدمك الى قصر الزهور على أنك زوجتي ... الكونتيسة تريفيل الجديدة!".
شعرت فلورا بالشكوك تستيقظ في داخلها , وفي أنزعاج عميق, رأته يرسم أبتسامة غير محببة , أبتسامة رجل وجد ضالته في طريقه ليصفي حساباته القديمة , لقد وجدت قليلا من الأرتياح لدى طلبه الزواج منها لأنه في حاجة اليها , وأنها تتساءل من سيكون ضحية الأنتقام الذي يحيكه ألان , في قصر الزهور , شعرت بدمها يتجمد لمجرد التفكير أنه يستعملها كسلاح لينفذ مآربه , أنها تحبه , وسواء شاءت أم أبت , فهي ستظل تحبه الى الأبد , لكن هذا لا يمنعها من رؤية أخطائه بوضوح , أنه أنسان قاس , حاقد , متغطرس , لا يشعر بأدنى أنفعال , أنه كل هذا , ولهذا السبب بالذات قبلت عرضه , ألان , الكونت تريفيل , يركض وراء خسارته , وهي تعرف أنها لن تتخلى عنه ما دام هناك أمل لمساعدته على الشفاء وأستعادة بصره!

أمل بيضون 13-07-09 07:07 PM

4- رغبة الأنتقام
بعد مرور ثلاثة أسابيع , تم الزواج بين فلورا وألان , في كنيسة القرية الصغيرة , التي كانت شاهدة على طفولة فلورا وأصبحت بعد ذلك محور حياتها , لم ترتد لهذه المناسبة الثوب الأبيض الطويل . ولم تحمل باقة الزهور المعطرة , ولم تضع نقاب العروس , بل كانت ترتدي بذلة بيضاء قصيرة, وقبعة عادية متناسقة , وتحمل بين يديها كتاب الصلاة المغلف بالعاج, لكنها لاحظت رغن أضطرابها أن الكنيسة كانت مزينة بمختلف أنواع الزهور ذات الرائحة العطرة والألوان الزاهية , تلمع على الأثاث المصنوع من خشب الجوز الداكن , أبتسمت وهي تعرف جيدا أن والدتها هي التي قامت بتزيين الكنيسة , أنها مبادرة تمردية ضد قرار ألان القاطع بالأمتناع عن أقامة عرس أحتفالي.
كانت فلورا شاكرة لواليها لطفهما وجهدهما الكبير في أخفاء قلقهما العميق أتجاه مستقبل أبنتهما الوحيدة .
لم تكن تحدث أي صوت وهي تتقدم في بطء متأبطة ذراع سير فرانك , لكنها رأت ألان يرفع رأسه كأنه سمعها تقترب, ويلتفت نحوها , كان يبدو عليه الأرتياح في الظاهر , مد يده وشبكها بيدها , أي أنسان لا بد أن يدهش لدى رؤية تصرفات ألان الواثقة , لكن فلورا رأت أرتعاشة عصبية في زوايا شفتيه تدل على محاولته كبت غضبه , فلم تندم لتخليها عن الأحتفال والبذخ المألوف في مثل هذه المناسبات , من أجل تجنيبه هذه المحنة الطويلة.
كان ا؟لأحتفال بسيطا وقصيرا , ذهب الجميع الى القاعة الملحقة بالكنيسة لتناول الغداء , جنيفر التي كانت شاهدة زواجهما , مع سير فرانك , كانت الوحيدة التي أعربت عن فرحها , وساعدت ثرثرتها على أضفاء جو البهجة على الأحتفال , وبرغم توتره أظهر ألان لطفه أمام الحاضرين , لكن عندما حان الوقت للذهاب الى المطار , ترك نفسه ينزلق في مقعد السيارة التي وضعها سير فرانك تحت تصرفهما , وهمس قائلا:
" يا ألهي, أنني سعيد أن كل شيء أنتهى! لم أعد قادرا على الصبر دقيقة واحدة أخرى!".
لم ترد فلورا , أنها الآن وحدها مع الرجل الذي وعدت, منذ ساعات قليلة , بأن تحبه , وتحترمه وتتبعه , فجأة تملكها الذعر , محبسها الذهبي الثقيل كان بمثابة سلسلة تربطها به مدى الحياة , كانت ترغب في سحبه من أصبعها ورميه من نافذة السيارة.
لا بد أن ألان شعر بعصبيتها وحالتها النفسية , فراح يحدثها في هدوء ويقول بلطف:
" قريبا نصبح في طريقنا الى فرنسا, أني متأكد من أن الرحلة ستعجبك, هل قلت لك أن هناك طائرة خاصة تحت تصرفنا؟".
لم تستطع النطق , فأكتفت بهز كتفيها , فتابع ألان حديثه:
" عندما أتصلت بوالدتي هاتفيا لأعلمها أننا سوف نسافر عندما تتوفر لنا أماكن في الرحلات العادية , أخبرتني بعرض قدّمه جيراني بأن يضعوا طائرتهم الخاصة تحت تصرفي".
قالت فلورا في صوت خفيض:
" لجيرانك طائرة خاصة؟".
" نعم , أنهم أصحاب مصانع كبرى , يملكون قصرا بالقرب من قصرنا, يقطنونه أشهرا قليلة خلال السنة كلها , وقد بنوا مدرجا وأشتروا طائرة , وهكذا يستطيعون السفر متى أرادوا وبالسرعة المرجوة , لكن السيد شيسينيه يستعمل الطائرة من أجل القيام بأعماله العديدة , وهذا يعني أن أمتلاكهم لطائرة , ليس ترفا كما ظننت ".
تنهدت فلورا:
" آه , أنني أفهم الآن, أنها تلائمهم وتريحهم".
أعتبر ألان أن جوابها ساخر , فعاد الى صمته وأستعاد نظرته الداكنة ولم يقم بأي جهد ليسري عنها من جديد.
وبعد ساعتين , عرفت فلورا للمرة الأولى في حياتها ما يمكن أن تعنيه كلمة ترف , ساعدهما سائق سير فرانك لأنجاز الأجراءات , ثم عهد بهما الى قبطان الطائرة , وهو شاب فرنسي , فراح يدلهما على الطريق التي تأخذهما الى المدرج حيث رأت فلورا طائرة, عنابية اللون ذات شكل متناسق , وراحت تتساءل كيف يملك هذه الطائرة أنسان واحد , وقامت مضيفة بمساعدة ألان على تسلق سلم الطائرة وأدخلتهما بعد ذلك الى غرفة فاخرة وواسعة في ذات الوقت , تسع ثمانية أشخاص , مقاعدها من الجلد الثمين , وفي الأرض سجادة عنابية سميكة , وبعد أن أطلق زفرة أرتياح , سقط ألان في مقعده وأمر المضيفة:
"عندما تقلع الطائرة , أحضري لي شيئا أشربه".
" بكل تأكيد يا سيدي , وهل ترغب السيدة في شيء هي أيضا؟".
السيدة! الصدمة أفقدت فلورا النطق , ولأول مرة فهمت أنها دخلت الى حياة ألان بصورة نهائية , كانت المضيفة تنتظر بصبر, لكن صوت ألان الملح , أنتزع المرأة من حلم اليقظة الذي تعيشه وسألها طالبا منها جوابا سريعا:
" فلورا؟ أين أنت؟ لماذا لا تردين؟".
" أني هنا بقربك يا ألان , كما سأظل دائما".
وراء النظارات السوداء تصعب قراءة ما في عينيه , لكن عندما بدأ يسترخي في مقعده , رأت فلورا أبتسامة ترتسم على شفتيه.
وبدورها أسترخت , وحل مكان القلق الذي يعتريها نوع من الأرتياح , أنها سفرتها الأولى وأطلالتها الأولى على عالم جديد يبدو مليئا بالوعود المدهشة والساحرة , وخلال الرحلة كانت تحدق من خلال نافذة الطائرة بين سماء جامدة وبحر هائج , لكن للأسف , بينما كانت تنتظر بفارغ صبر أكتشاف فرنسا , تكدست الغيوم أمام عينيها ,ولمدة طويلة لم تكن قادرة على رؤية المنظر المعروض تحت أجنحة الطائرة.
وعندما جاءت المضيفة لتقدم لها الطعام اللذيذ , قالت لفلورا , أن الطائرة تحلق الآن فوق ساحل البحر األأبيض المتوسط وقالت لها بأن الغيوم ستختفي بعد قليل وسيكون في أستطاعتها أكتشاف أجمل مناظر المنطقة , ألان ظل صامتا , لا يتدخل في الحديث , كما رفض مد يده الى الطعام وأكتفى بأحتساء القهوة , وبدأ يتوتر شيئا فشيئا مع مرور الوقت , أخيرا , عندما أعلن الطيار قائلا:
" نستعد للهبوط , سيدي الكونت".
شدت قبضة ألان على الفنجان في قوة جعلته يتحطم في يده .
" ألان ! هل جرحت؟".
أنحنت فلورا لترى عن كثب ماذا حل بيده , لكنه ترك حطام الزجاج يتناثر ثم وضع يده المتشنجة داخل جيب سترته , وهو يقول بلهجة آمرة :
" لا شيء".
كان وجهه خاليا من أي لون والعرق يتصبب على جبينه:
" أرجوك لا تتصرفي في تكلف".
لم يكن لديها الوقت للمناقشة , أذ وصلت المضيفة لتتأكد بنفسها من وضع أحزمة الأمان , لكن قلب فلورا هبط بسرعة مع هبوط الطائرة التي ستعيدهم الى الأرض من جديد.

بنوته عراقيه 13-07-09 08:06 PM

يعطيكِ العافيه ..بانتظارك

أمل بيضون 14-07-09 02:46 PM

كانت على وشك الأنهيار فلم تنتبه الى حديقة البناء الأنيق حيث هبطت الطائرة , لكنها شاهدته من بعيد وقالت لنفسها أن مالكي هذا المكان أشخاص محظوظون وأثرياء , ثم جلست مع ألان في المقعد الخلفي لسيارة ليموزين فخمة, وكانت السيارة تسير بسرعة كبيرة من خلال المناظر الخلابة التي لم ترها من قبل الا على شاشة السينما , الى يسارها , وبعيدا وحتى الأفق, تنتصب الجبال المغطاة بالثلوج, والى يمينها البحر الأزرق , وكانت الطلايق تتعرج بين التلال المزروعة صعترا ووزالا ومردقوشا وأكليل الزهر , منازل صغيرة مختبئة حتى سقفها داخل غابات الصنوبر ومجاري المياه الضيقة تسيل في أعماق الوديان , ومجموعة متناسقة لتؤلف أريجا لا يمكن أن يصنعه أحد.
أنها بحق كالجنة بما تحمله الكلمة من معنى , وكانت السيارة تمر من وقت الى آخر , أمام فيلات جميلة مبنية في وسط الحدائق الرائعة حيث أشجار النخيل والزهور الغريبة , وفي كل مكان أشجار السرو والشربين , تنتصب عالية كأنها تلتصق بالسماء.
كانت فلورا ترغب في الصراخ من فرط أعجابها أمام كل منظر جديد, لكن ألان يبدو كئيبا , متوترا , مما أثبط من عزيمتها وحيويتها , فظلت ساكتة , مكتوفة اليدين , تحتفظ لنفسها بتأثير المناظر الساحرة عليها.
وما أن خفت سرعة السيارة لتدخل بين جدارين من الحجارة الثقيلة المشبكة بقضبان الحديد, حتى عادت فلورا الى الواقع في عنف جعل قلبها يقفز من مكانه , هل هذا حقا منزل ألان... البناء الضخم الذي يترايى لها من بعيد يوحي بأنه قلعة , ومع مرور الزمن أكتسبت أسواره لونا عسليا , لكنه لم يفقد شيئا من عظمته , القسم المتوسط المستطيل , يلتصق بالزوايا الأربع لأبراج متصلة , ولن تستغرب فلورا أذا رأت الحراس في بذلاتهم الرسمية يرفعون أسلحتهم , أو أذا سمعت طلقات المدفع تحيي وصولهما , ولما أقتربت السيترة راحت فلورا تميز مجموعة من الناس مجتمعين في الساحة المتوسطة وعلى بعد بضعة أمتار حاجزان من الرجال يحملون أبواقا , وما أن ظهرت السيارة حتى أعطيت الأشارة , وأذا بالرجال يعزفون لحنا حماسيا على شرف الكونت وزوجته الشابة, كان هذا الأحتفال كبيرا وتقليديا لدرجة أن فلورا أعتقدت أنها أنتقلت الى القرن الثاني عشر , لم تعد تستغرب تصرفات ألان, أن تعجرفه اللاواعي ليس ناتجا عن غروره , أنما هو نتيجة طبيعية لتربيته.
أصوات الأبواق جعلت ألان ينتصب , راح يشد على فكيه ويحاول أستعادة برودة أعصابه أمام هذه التجربة التي تنتظره , منذ سنتين وهو يصر على عدم العودة قبل أستعادة بصره , لكنه قرر في النهاية التخلي عن أمنيته وكبريائه , كان قلب لورا ينزف شفقة عليه , لكنها رفضت أظهار أنفعالاتها , لأنها لم تنس الأهانة التي تعرضت لها في الماضي , لذلك كبتت قلقها وقالت بهدوء:
" ما هذا الأستقبال يا ألان! أنه لشيء عظيم أن ينتظر عودتك هذا الجكع الغفير من الناس".
لاحظت مجموعة صغيرة تقف على درج مدخل القصر.
" أعتقد أنني أرى والدتك , تبدو نافذة الصبر ومتلهفة".
" ومن معها؟".
طرح هذا السؤال في صوت مبحوح , فحدقت فلورا جيدا في هذه المجموعة الصغيرة , وقرب شبح المرأة المسنة النحيلة , وقف رجل يصغر ألان بسنوات قليلة وفتاة شابة, فلورا على وشك وصفهم لزوجها عندما خففت السيارة سرعتها , وتوقفت , قفز السائق من مقعده ليساعدهما على النزول.
صرخة كبيرة تعبر عن الفرحة خرجت من الحضور , وفي أحترام وضعت فلورا يدها تحت أبط ألان لتساعده في الدخول الى المنزل , وفوجئت لقبوله مساعدتها من غير أن يكفهر وجهه أو يقطب حاجبيه , وللمرة الأولى فضّل تحمل تدخلها بدلا من أثارة السخرية أذا تعثرت قدماه أمام هذا الجمهور الغفير.
وأندفع الموجودون نحوه , لنساء والفتيات , معظمهن يرتدين الثياب السوداء والمناديل أتقاء لحرارة شمس ذلك اليوم , الأولاد ذو البشرة السمراء يمسكون بأيدي آبائهم , العجائز يخلعون قبعاتهم أحتراما للكونت الشاب , الذي لا شك أن الجميع يحبونه.

بنوته عراقيه 14-07-09 06:19 PM

يسلمووو على المجهود..بانتظارك والله يعطيكِ العافيه

أمل بيضون 14-07-09 06:25 PM

وتألقت ملامح ألان بأبتسامة عفوية حقيقية شاهدتها فلورا للمرة الأولى , كان يرد على كل صوت بأسم الشخص الذي يناديه , كأنه يرى ويعرف كل واحد, أندست بين الجمع أمرأة مسنة حتى وصلت الى المقدمة , وأذا بها تتمسك به وهو مار بقربها , كانت الدموع تنهمر بغزارة على وجهها الأسمر المتجعد , وصرخت تقول:
"آه, يا ولدي ألان المسكين".
كانت فلورا تفهم بصعوبة ما تقوله هذه العجوز , لكن لم يكن هناك مجال للشك في العطفة الجياشة التي كانت تعبر عنها, وتخوفت فلورا من ردة الفعل التي يمكن أن تصدر عن ألان حيال هذا , لكنه مد يده باحثا عن يد المرأة العجوز ولما شد عليها , أجاب بلطف:
" شكرا , يا عجوز فيكتوريا , شكرا لتعاطفك ومحبتك".
وما لبث أن تحرر من قبضته وأكمل سيره.
ولما وصلا الى مقربة من عائلة ألان , كانت فلورا تحبس دموعها, ولحسن حظها , وقبل أن تلفت أنتباه زوجها أن عليه تسلق السلالم , نزل الشاب الذي كان يقف قرب الكونتيسة الأم السلالم مسرعا:
" أهلا وسهلا يا ألان! لقد طال غيابك!".
وتأبط ذراع ألان ليساعده على تسلق الأدراج.
وما أن سمع ألان صوت الرجل حتى غابت الأبتسامة عن شفتيه وأجابه بلهجة تدل عن حقيقة عواطفه أتجاهه.
" الفأر لا يحب عودة الهر , يا لويس , ألا أذا أعتقدت أن ذكائي ذهب مع نظري؟".
" أهكذا يا ألان, ترد على تحية أبن عمك؟".
أنحنى الرجل أمام فلورا في أحترام, ولاحظ عينيها الكبيرتين وتجعيدة فمها الحزينة ,وبعد تقطيب حاجبه , هز كتفيه وأبتلع خيبة أمله وقال مبتهجا:
" تبدو زوجتك تحت تأثير الصدمة , أرجوك يا ألان أن تطمئنها , قل لها أنني لست أنسانا سيئا كما ستعتقد عندما سمعت كلامك".
قام ألان بتقديم نسيبه في لهجة يغلب عليها الأحتقار:
" فلورا , أقدم اليك أبن عمي لويس , أذا كنت أنسانة عاقلة , فلا تكترثي بما يمكن أن يقوله , لا شك في أنه رجل مسالم , لكنه لن يتردد في أضاعة وقتك وأعتماد الكذب ليبرر تصرفاته".
ألقت فلورا نظرة متعاطفة أتجاه لويس , لكنها أدارت رأسها بعد تحية مقتضبة , أذ أنها شعرت بالحرج أمام أبتسامته الوقحة , وشعرت بأرتياح عندما وصلا أمام والدة ألان , كانت جامدة تتبع بنظرها كل خطوة من خطوات أبنها , كانت تشجعه وتسانده بسكوتها ألا يتعثر قبل وصوله اليها , وكانت فلورا مقتنعة بأن والدته على وشك التخلي عن وقارها والأندفاع أمامه ومعانقته , لولا وجود مشاهدين عديدين , لكن في مثل هذه المناسبة , كانت تكبت أندفاعها الغريزي وتتصرف كما يجب أت تتصرف الكونتيسة الأم.
وشعرت فلورا ببرود لدى تفكيرها بأن الجميع ينتظرون منها مثل هذا التصرف الأرستقراطي , فهي تعرف أنها لن تستطيع تحمل عبء بهذا الثقل.
" ولدي الحبيب!".
مد ألان ذراعيه نحو والدته التي أقتربت منه في نفس الوقت , وتعانقا طويلا ثم أبعدها عنه وأستدار نحو فلورا التي أسرعت تضع يدها الباردة في يده.
قال ألان ببساطة:
" أمي , لا شك أنك مشتاقة للتعرف الى زوجة أبنك, فلورا , هذه أمي, آمل أن تحبيها بقدر ما أحبها أنا".
كانت لحظة حارة ومؤثرة , وبرغم أضطرابها , تنبهت فلورا للزفرة الناقمة التي أطلقتها الفتاة التي كانت في أنتظار عودة ألان , وأدركت أنه هو أيضا سمعها , أذ أنقبض فجأة وأستدار .

أمل بيضون 14-07-09 07:47 PM

وهنا لم تعد فلورا تتذكر ما قالته لوالدة زوجها , ولا حتى ما ردت به حماتها , كانت تعرف أنهم أستقبلوها بحرارة وحنين, وكآبة في ذات الوقت . وتبين لها أنه من السهل عليها أن تحب الكونتيسة المسنة . لكن ذهنها كان منهمكا بتفاصيل اللقاء بين ألان والفتاة التي أحدث وجودها تأثيرا كبيرا عليه, كانت الفتاة تتمتع بجمال فاتن, سمراء داكنه, شفتاها مليئتان وناعمتان كالمخمل , كانت قامتها قصيرة وترتدي فستانا أنيقا.
أبيض اللون , لا شك أنها أشترته من دور الأزياء الرفيعة في باريس, كانت تفرس في وجه ألان , بدون أخفاء ذعرها وغضبها أمام خبر زواجه المفاجىء لها , دام الصمت وقتا طويلا قطعه ألان قائلا:
" أنت سولانج؟".
تشنجت فلورا وهي تحس في صوت ألان ببعض القسوة وتابع يقول في أنشراح يشوبه الكدر:
" سولانج , أحب أن أقدم أليك زوجتي ... الكونتيسة نريفيل الجديدة!".
أنها اللحظة التي كان ألان ينتظرها منذ البداية ! لأسباب تجهلها كانت الفتاة الجميلة هي الضحية التي ستسقط فريسة أنتقامه.

أمل بيضون 14-07-09 08:18 PM

5- حادث أليم
كانت فلورا تتأمل بأعجاب خزانة الثياب الضخمة التي تحتل جدار الغرفة بكامله , فقد أنتهت لتوها من تعليق آخر فستان لها, وكانت تبعد الفساتين عن بعضها ومع ذلك ظل الفراغ واسعا يزيد من فقر جهازها , أقفلت الباب وهي تهز كتفيها , مقررة أبعاد كل الأفكار التي تضايقها عن مخيلتها , أصلها البسيط وعدم قدرتها على الظهور في مستوى العظمة التي تحيط بها , أبتداء من اليوم , حول عائلة ألان , ووالدته الحارة والودية والأرستقراطية , وأبن عمه الجذاب , وأخيرا صديقته , سولانج شيسينيه , التي قامت بجهد كبير لأخفاء نقمتها , والتي كانت عيناها الغامضتان تكذبان الكلمات اللطيفة التي أضطرت للتعلق بها رغما عنها.
ونتيجة لتفكيرها بكل هؤلاء الأشخاص شعرت برعشة تخترق جسمها , الجميع سيتناولون طعام العشاء معا, وعندما أقترحت الكونتيسة الأم على فلورا أن تأخذ قليلا من الراحة قبل العشاء , أستقبلت الفتاة الفكرة بفرح كبير , لكنها شعرت بأن عقلها لم يتوقف عن التفكير وهذا لن يساعدها على الأستمتاع بالراحة المرجوة , فأدارت نظرها عن الأثاث الفخم, وأقتربت من النافذة وحاولت جاهدة أستعادة توازنها , وراحت تتأمل الطبيعة , لكن لا فرق ففي الخارج كما في الداخل , كان الترف نفسه , مما جعلها تحن ألى منزلها العائلي وطراوة المرج الأنكليزي , كانت على وشك البكاء عندما سمعت طرقا خفيفا على الباب , وبسرعة , وضعت يدها على عينيها قبل أن تجيب:
" أدخل!".
كانت تنتظر رؤية أحدى الخادمات , لكنها فوجئت عندما أنفتح الباب وظهرت والدة ألان.
" كونتيسة ! لم أكن أتصور أن يكون الطارق أنت...".
أحمر وجه فلورا مثل تلميذة صغيرة أرتكبت ذنبا ثم تابعت كلامها وهي تقدم لها كرسيا.
" أرجوك أن تجلسي".
وفي أبتسامة أنيقة , جلست الكونتيسة , كانت ترتدي فستانا رماديا مخرما , يشع ألماس من عقدها ومن خواتمها العديدة , كانت تجسد الترف الذي يجعل فلورا تشعر بعقدة النقص ويزيد من توتر أعصابها.
قالت الكونتيسة بلطف:
" أجلسي يا أبنتي , يجب أن نتحدث , أنت وأنا فقط , أنني أدرك بوضوح التوتر الذي تعانيه وتتحملينه , ولأني عرفت أن ذلك يمنعك من الأسترخاء والأخلاد الى الراحة , فكرت في أغتنام هذه الفرصة لأتحدث اليك, هل هذا يزعجك , يا أبنتي ... هل تفضلين أن أذهب وأتركك وحدك...".
أجابت فلورا في حماسة:
" آه, لا , بالعكس , أهلا وسهلا بك , كونتيسة!".
أنحنت المرأة العجوز في مودة وربتت على يدها وقالت في تردد :
" أذا في البداية , لنتفق على الطريقة التي التي ستنادينني بها... يا أبنتي العزيزة , أحب أن تناديني أمي كما يفعل ألان , أرجو أن تعجبك هذه الفكرة...".
فوجئت فلورا بهذه المبادرة , فهذه المرأة العجوز الأرستقراطية تخشى أن يساء أستقبالها , وهذا ما تخشاه كل حماه! أنزلقت فلورا من مقعدها وركعت أمام الكونتيسة , كانت تبتلع دموعها , رفعت عينيها وقالت ببساطة:
" هذا لطف منك . يا أمي , أن تتيحي لي هذا الشرف الكبير!".
وللحظة كانت الكونتيسة على وشك الأستسلام لأنفعالها , لكن سنوات التدريب المنظم الطويلة ساعدتها , فشدت على شفتيها المرتجفتين , وقالت في صوت خال من الجرأة:
"هل تعرفين أنني أتوقع أحداثا سعيدة مع وصولك الى هنا كزوجة لألان ... مثلا , ألم تلاحظي أن أسمك مناسب جدا...".
قالت فلورا مبتسمة:
" لأنني أدعى فلورا أي زهرة , ونحن في قصر الزهور؟ نعم أنها حقا صدفة غريبة".
وأكملت الكونتيسة وهي مرتجفة اليدين:
" وفوق ذلك, واليوم, مضى على حادث ألان سنتان بالضبط , ولا شك أن عودته كانت مثيرة لو لم تكوني بقربه وتخففي عنه كل هذا الألم".
أختفت أبتسامة فلورا , كان ألان في الحقيقة وحيدا , وكانت تتعذب أذ أكتشفت أنه نادرا ما يبوح لها بأسراره , لا شك أنه يرغب في كتم كل الحوادث الماضية , ومع ذلك , فعليها الرد على بعض الأسئلة وألا تعتبرها العائلة وأصدقاء زوجها عديمة الأحساس , هم الذين يتوقعون أنها على علم بكل ما يجري في الحاضر وما جرى في الماضي.

أمل بيضون 15-07-09 12:19 AM

سألت على مضض:
" كيف ... كيف وقع الحادث يا أمي؟".
تراجعت الكونتيسة قليلا, لكن تعبير فلورا والعذاب الظاهر في عينيها الزرقاوين ونظرتها التوسلية , كلها تدل على أن الفتاة تريد جوابا على سؤالها , تغلبت المرأة العجوز على حسرتها وأجابت:
" لا أحد , حتى اليوم , يعرف كيف حصل الحادث على وجه الدقة , كان ألان يعمل في المقطرة . ويقوم بتجارب عديدة على عطر جديد صنعه , وكان يبدو فخورا بهذا الأنجاز بالذات".
وأمام نظرة فلورا المفاجئة , شرحت تقول:
" عائلتنا , منذ قرون عديدة , تعمل في صناعة العطور , يا أبنتي العزيزة , لا شك أنك سمعت عن عطور تريفيل؟".
تذكرت فلورا على الفور القارورة الصغيرة لعطر غالي الثمن قدمته لها مرة صديقتها جنيفر في عيد ميلادها , كانت تستعمله بدقة حتى القطرة الأخيرة , كما أنها حافظت على القارورة الفارغة في درج خزانتها لتعطر بها مناديلها.
أجابت فلورا :
" بكل تأكيد . الجميع يعرفون عطورات تريفيل!".
هزت الكونتيسة رأسها في رضى وتابعت تقول:
" لدينا شهرة كبيرة نستحقها , على ما أعتقد , أن ألان خبير وماهر , وبالتأكيد لديه سنوات عديدة من الخبرة وحياة أمضاها في أتصال دائم مع هذه الصناعة , ولويس كذلك , لكنه مع الأسف لا يملك نصف مؤهلات وقدرة ألان البارعة, لأبني حاسة مميزة ومرهفة ونادرة, تمكنه من كشف جميع الفوارق الدقيقة الموجودة في العطر وتعيين كل نوع وعنصر يتألف منه هذا العطر بكل دقة وتمكن, لكن موهبته الحقيقية هي قدرته على خلط خلاصة كل زهرة بأخرى وتنويعها , من أجل أنتاج عطورات جديدة متناسقة , حتى أن الخبير الماهر لا يمكنه معرفة مصنوعات العطر الا بصعوبة كبيرة , نعم أن غياب ألان أثر كثيرا على هذه الصناعة , صحيح أن لويس ما زال هنا, لكنه لا يملك الشرارة الخاصة بالعباقرة , أنه يقوم بجهد كبير قدر المستطاع , لكنه ما زال صغيرا ولديه الميل في البحث عن ملذات أخرى خارج العمل ... وحديثا , كان ألان , هو أيضا , غير مبال ... وغير مكترث...".
توقفت عن الكلام وقامت بحركة صغيرة كأنها تريد التخلص من ذكرى معينة طافت بمخيلتها , ثم أكملت في صوت حازم:
" يجب أن تطلب من لويس أن يأخذك لزيارة المعمل, يا فلورا , يعرف تماما أن يكون رفيقا رائعا ولطيفا, وأنني متأكدة تماما أنك ستجدين نفسك مهتمة بالأمر".
قالت فلورا:
" لا شك في ذلك , يا أمي".
هذه الأفكار كانت تقلقها بعض الشيء , لأنها كانت تخشى ألا يوافق ألان على هذا التخطيط , لكنها لم تر عذر مقبول لرفض هذه الدعوة.
قالت الكونتيسة:
" سوف تذهبين في الغد , دعيني أكلم لويس في الأمر".
قالت فلورا في هدوء:
" كنت ستحديثينني عن حادث ألان...".
لكن الكونتيسة قالت وهي تهز كتفيها بخفة:
" ليس هناك ما أضيفه, لقد جاء أحد العاملين في المصنع الى هنا ليخبرنا أن ألان أصيب في عينيه من مادة الأسيد , بينما كان يعمل في مختبره , يستعمل الأسيد لتنظيف الآليات , حتى لا تفسد التجربة تجربة أخرى ... وسولانج نفسها , التي كانت تعمل معه في ذلك الوقت لم تتمكن من تزويدنا بالتفاصيل الدقيقة عما حدث آنذاك, منذ سنتين تماما, بالنسبة ألى ألان , فقد رفض التحدث مع أي أحد بالأمر".
شعرت فلورا بقشعريرة تعبر جسدها , لكن قبل أن تتمكن من طرح أسئلة أخرى, نهضت الكونتيسة وقالت بحنان:
" سوف نتحدث عن ذلك مرة أخرى , يجب أن أرتاح قليلا , قبل موعد السهرة".
توجهت نحو الباب , ثم توقفت:
" يا أبنتي فلورا , جئت لأقول لك كم أنا سعيدة لأنك قبلت ألان زوجا لك, أن الحياة بالنسبة أليك , ربما تكون... صعبة ... لكن أؤكد لك أنك تصرفت بشكل جيد , حتى ولو أظهر بعض الأحيان قسوة وأبتعد بعض الشيء فأنك بكل تأكيد , ضرورية لسعادته ... وهو ضروري لسعادتك أنت أيضا , أرجوك أقبلي بركتي وأمتناني".
ظلت فلورا جامدة تفكر بكلمات الكونتيسة بعد ذهابها , لقد عبرت عن عاطفتها بصراحة وصدق وأفهمتها مدى الحيرة والأرتباك حيال التغيير الذي طرأ على أبنها , وفلورا نفسها , لم تلاحظ في لقائها الأول بالكونت هذه الأناقة وهذا اللطف وهذه الطلاقة التي تسحر المرأة , وضعت يدها على حنجرتها التي كانت تؤلمها , أنها مقتنعة بأن ألان سيصبح هكذا من جديد , أذا تخلص من مزاجه الحزين المسيطر عليه , لكن, هل سيلجأ اليها , فيما بعد, هي الفتاة البسيطة , أبنة الكاهن , ليشاطرها فرحه وأحلامه أو يلجأ الى سولانج بسهولة أكثر ؟ فجأة شعرت بالحرارى تخنقها , فقررت أخذ حمام سريع فاتر قبل موعد العشاء.
أنها وآلان يتقاسمان الجناح ذاته, فهي تشغل الغرفة الواسعة , وهو يشغل الغرفة الصغيرة , ويفصل بين الغرفتين حمام مشترك , عندما دخلت الحمام لم تسمع أية حركة داخل غرفته, دخلت الى الحجرة الشفافة وفتحت الحنفية وراحت تتمتع بالماء , ولم تقرر أنهاء الحمام الا حين شعرت بأن البرد بدأ يخدرها , فتناولت منشفة الحمام وراحت تدلك جسدها بهمة ونشاط , فكانت منهمكة الى درجة أنها لم تسمع الباب ينفتح , ولم تحس بوجود ألان ألا بعدما رفعت رأسها ورأته , كان مرتديا مئزر الحمام, ويتقدم بتمهل نحو الحنفية , واذا بفلورا تضع يدها على فمها لتخنق صرخة كادت تنطلق , لكنه سمعها وقال بنبرة قاطعة:
" من هنا؟".
لم ترد , أرتبكت من الرهبة , برغم معرفتها بعدم قدرته على رؤيتها .
" من هنا؟ أريد جوابا في الحال".
تقدم خطوة ألى الأمام لكنه تعثر أذ أرتطم بكرسي صغير , فركضت تتمسك به كيلا يفقد توازنه ويسقط , فتمسك بها, ومن جراء هذا الأتصال الجسدي الأول شعرت أنها لم تعد تلك الفتاة الصغيرة الخجولة الحالمة , لكنها أمرأة , ترتعش فرحا ورغبة لدى لمس زوجها لها .
قال بصوت خفيض:
" فلورا!".
كان على وشك أبعادها في غضب, لكنها تلعثمت قائلة:
" أرجو أن تسامحني , يا ألان".

أمل بيضون 15-07-09 11:47 AM

وتذكرت بصعوبة أن العينين السوداوين المحدقتين بها لا تبصران في الواقع.
" حاولت قفل الباب بالمفتاح , لكنني لم أتمكن من ذلك , أعتقد أن القفل معطل...".
كان جامدا في مكانه لا يتحرك . وما زال متمسكا بها, يضمها بشدة نحوه , وفي عينيه الخاليتين من النظارات , يلمع نور خفيض وعلى فمه ترتسم أبتسامة غامضة , وبهدوء , جذبها نحوه ورفع خصلات شعرها الخفيفة المجعدة فوق جبينها , راح يتكلم في صوت حنون , ما تعودت سماعه.
" قال لي لويس أنك أمرأة تتمتعين بجمال خارق , لقد قال لي بالحرف : أنها وردة أنكليزية رائعة".
كانت ترتجف بين يديه , غير قادرة على الرد وتشعر به قريبا منها , وتابع كلامه:
" هل تسمحين لي بأن أحكم بنفسي؟ أن وضعي سيء , لست قادرا على أن أرسم في عقلي صورة زوجة سيحسدني عليها كل أصدقائي , كما قال لويس!".
لم تتراجع فلورا عندما وضع ألان يديه على مجهها , وبنعومة وببطء كانت يداه تمران على جبينها المالس وفوق عينيها , تلمسان رموشها ثم تمتدان الى خديها.
همس وهو يردد كلمات لويس:
"عينان زرقاوان بريئتان , تشبهان أزهار البنفسج , بأتساعهما ونعومتهما المخملية , شعر كثيف وأشقر كالذهب , شفتان تشبهان الورد".
كانت فلورا تتخبط بين الخوف وأضطرام العاطفة, كان النبض يقفز في أذنيها , وشعرت بنفسها فريسة أحاسيس غريبة تزداد تطلبا كلما أمتدت أصابع ألان حول عنقها المرهف لتتوقف طويلا على كتفيها.
وصارت كالمجنونة عندما أنزلقت المنشفة عن جسمها , وفي تلك اللحظة بالذات أظهر ألان بدهشة مخنوقة عدم قدرته على السيطرة على نفسه أكثر , وبقوة شد زوجته نحوه وعانقها , ومن كل أعماق قلبها المحب, كانت فلورا تشاركه هذا الأحساس , كانت غارقة في حبها , وفي الوقت نفسه كانت تسمع صوتا يقول لها أن هذه الرغبة الجامحة التي يتظاهر ألان بها , لم تكن موجهة أليها , أنما لشبح في الماضي , لكنها رفضت الأصغاء الى ذلك الصوت , من كل قلبها , من كل روحها , كانت تحب ألان حبا عميقا, الى درجة أنها كانت مستعدة لتبادله كل عواطفه.
وفجأة أبعدها عنه وقال بصوت لاهث , وفم متقلص:
" أرجوك أن تغفري لي تصرفي هذا , ما كان يجب أن يحصل ما حصل!".
راح يحاول أستعادة برودة أعصابه:
" لا أجد عذرا لمثل هذا التصرف , أنه جدير بالأحتقار ! فلورا هل تسامحينني؟".
فوجئت أذ رأت الكآبة موسومة على وجهه , فقالت:
" ليس لك أن تعتذر , يا ألان".
قامت بحركة لتضع يدها حول عنقه , فتمسك بمعصميها , فصرخت:
" ألان! لا داعي للأعتذار , أنا زوجتك!".
جوابه البارد أطفأ في داخلها كل أمل:
" كان لي هدف من الزواج منك, لكنه لم يكن هذا الهدف , أنني في حاجة ألى وجودك , لكن يا ألهي , لا أعرف لماذا!".
كان يبدو مرتبكا وغير منطقي وتابع:
" بدأت أفهم أنك أرتكبت غلطة كبرى بالزواج من نصف رجل حي, عندما عرضت عليك الزواج , كنت أعتقد أنني أخدمك بذلك".
" تخدمني؟".
وبعد صمت مزعج , عاد يقول في تردد مضطرب:
" سأكون صريحا معك , كنت دائما صادقة معي , وسأجابهك بالمثل , على الأقل".
تصلبت وتماسكت وهي تنتظر أعترافه , وفي لا وعي , لاحظت حركات يده المرتعشة وتشعث شعره, لكنها تمالكت نفسها لتتمكن من أستيعاب ما سيقول:
لأسباب عدة , كنت في حاجة الى زوجة , وكنت أنت المرشحة المثالية , عندما سألتك أن تزوجيني , كنت أعتقد أنك أمرأة في سن متقدمة, وسيدة مطيعة لا ترفض متطلبات والدها , وليس لها أمل بالخروج من الوضع الشاق الذي كانت متوطة فيه".
رفع يده ليفرض عليها الصمت , عندما سمع آهة تعجب أطلقتها فلورا وأضاف بعنف:
" لم يقل لي أحد أنك فتاة شابة ورائعة الجمال, قادرة على جذب الرجال , لا أحد , قبل لويس ... بعد أن فات الأوان ,كنت أعتقد بأن صدقك عائد الى تربية قاسية , لو عرفت أن سبب ذلك أنك ما زلت شابة , لما أستغللت ثقتك وأرادتك الطيبة , بالنسبة الي كنت الرفيقة الممتعة , التي لم أكن بحاجة وأنا معها ألى أرتداء أي قناع , أرجوك أن تصدقيني , كنت مندهشا ومضطربا عندما وصفك لويس , أعتقدت أولا أنها مزحة من مزحاته التافهة , ولهذا السبب تصرفت الآن بهذا التصرف المؤسف , فقد كان يجب علي أن أعرف !".
شعرت فلورا بالخدر يتسرب الى جسمها , لكنها تمكنت من أطلاق ضحكة سريعة قبل أن تسأل:
" أذا كنت تعتبرني عانسا حقا , فلماذا أردت أن تتزوجني؟".
ومن خلال سحابة الدموع المغرورقة في عينيها , رأته يهز كتفيه ويقول:
" يمكنك أن تعتبرينني جبانا, أذا أردت , لكنني كنت أبحث عن أنسان أحتمي به من العواطف الجياشة التي تنتظرني هنا لدى عودتي , كما كنت بحاجة ألى عينين تريان وتصفان لي مفصلا كل ما يجب أن أعرفه , وكنت أريد أنسانا صادقا لا يموه الحقيقة أو يقنعها , لكنني أرى الآن أن الترف والمال وكل ما يمكن أن أقدمه أليك بديلا , ليس ذا أهمية بالنسبة الى المرأة التي أصورها...".
ثم أكمل يقول:
" لكنني لا أفهم لماذا قبلت عرضي , وما هو السبب الذي تقبلين الزواج من أعمى؟".
شعرت فلورا بقلبها ينقبض في صدرها , من الأفضل لها أن تتركه يعتقد أن هناك دوافع مثيرة وذات أهمية كانت السبب لما أقدمت عليه , أجابت في لهجة حازمة ومحاولة السيطرة على أرتجاف فمها:
"ربما كان حكمك علي خاطئا , أن قريتي غلينغهام بمثابة سجن حقيقي وكنت دائما أحلم بالفرار والعيش بعيدا , لذلك عندما أقترحت على الزواج والمجيء الى فرنسا , أردت ألا أدع الفرصة تفوتني, لذلك ليس من الداعي أن تحكم على نفسك أو على أعمالك يا ألان , لقد أشتريتني وأنا كنت مستعدة لأبيع نفسي , الزمن هو الوحيد الذي سيقول من منا الذي قام بصفقة أفضل ".
كان أنف ألان الكبريائي يرتعش , كان يبدو مرتبكا الى درجة أنه لم يجد أي جواب وضاعت الكلمة على شفتيه , لكن سرعان ما أبتسم أبتسامة ساخرة وأستعادت عيناه رونقهما الداكن , ثم أستدار وتمتم بتحية سريعة وخرج من الباب تاركا فلوا وحيدة , راحت تبكي بحرقة وترتجف من البرد في هذه الغرفة الفارغة.

أمل بيضون 15-07-09 05:09 PM

6- ليلة دافئة
حينما يصل الأنسان الى قمة العذاب , يتوصل الى معرفة الخدر المفرح والأحساس به , وبعدما أستعرضت فلةرا كلمات ألان القاسية , وعندما أضطرت الى الأعتراف بأنه لا يعني لها الكثير , وبأنه لم يطرح أي سؤال حول منظرها الخارجي أو حول عواطفها , توصلت الى الأحساس بذلك الخدر الذي ساعدها على تمضية الليل ولو بصعوبة.
بعدما خرجت من الحمام , جلست على حافة سريرها وراحت تفكر في السلوك الذي يجب عليها أتباعه كي لا ينزعج الأشخاص المعنيون , لقد طرحت بعيدا فكرة العودة الى أنكلترا , أذ لم تكن تريد بأي ثمن رؤية والديها يتعذبان من أجلها.
الكونتيسة الأم... هي أيضا, يجب ألا تعرف عمق الهوة التي تفصل أبنها عن عروسه الشابة , وشدد ألان على هذه النقطة بالذات عندما ورد الحديث حول الأقامة في جناح مشترك , فقد أفهمها أن والدته سعيدة جدا بزواجه ولا شيء يجب أن يكدر هذه السعادة , وقبلت فلورا لعب هذا الدور في وجود الكونتيسة , ولذلك يجب عليها الأستمرار في تنفيذ وعدها , حتى أذا كان ذلك يعني أن عليها البقاء في القصر الى الأبد , أو على الأقل, الى فترة من الزمن يوافق عليها ألان بنفسه , ومع ذلك أتخذت قرارا حازما, لن تعود من الأن فصاعدا تلك المرأة الوديعة التي تطيع كل نزواته , ولا تلك المرأة المستسلمة التي تقبل كل كلماته القاسية , ستكون لها حياتها الخاصة , هي أيضا, صحيح مستقبلها يبدو صعبا , لكنها لن تترك زوجها يجعله مستحيلا.
أرتدت ملابسها أستعدادا للعشاء , ونزلت على مضض لمجابهة محيطها الجديد , أن أتساع المكان وحجمه الضخم يبثان في قلبها الرعب, رفعت عينيها الواسعتين نحو السقف العالي , نوافذ طويلة وضيقة حيث تدخل أشعة الشمس التي تنير الأثاث الخشبي المنحوت بفن رفيع, هناوهناك تجد المشاكك المحفورة في الجدران والتي تحتوي على التماثيل الفاخرة والدقيقة , درابزين الدرج الواسع المصنوع من الحديد المنحوت بدقة كما ينسج العنكبوت بيته , وفي الطابق الأرضي كان البلاط أيضا مبلطا بالرخام ذي المربعات الوردية البيضاء , وتطل على البهو أبواب عدة , رأت فلورا أن أحد هذه الأبواب مفتوحة , فأتجهت صوبه.
الغرفة التي دخلتها كانت غرفة المكتبة , جدرانها الأربعة مكتسية بالكتب المجلد بمختلف الألوان والأحجام والممتدة من السقف حتى الأرض, سلالم نقالة متحركة تسهل الوصول الى الرفوف العالية , وفجأة سمعت صوتا:
" آه , الزهرة الجميلة! أنني سعيد بمجيئك مبكرة , سوف يتسنى لنا التعرف عن كثب".
فوجئت فلورا , لكن لويس أبتسم معتذرا:
" عفوا أذا كنت قد أخفتك , دعيني أقدم لك شيئا دليل الأعتذار".
ردت عليه بأبتسامة عريضة , هذا الرجل جذاب وعفوي , ومن المستحيل مقاومة سحره.
أجابت:
" شكرا".
توجه نحو طاولة عليها كل أنواع المشروبات:
" ما رأيك بعصير الليمون؟".
" عظيم".
قدم لها العصير وهو ينظر اليها في ثوبها الأزرق البسيط الذي حاكته والدتها, كانت فلورا بالنسبة أليه أنتعاشة جديدة , وبينما كان يلقي نظرة على فمها المرتجف , وعينيها الجميلتين الخائفتين فهم كيف تفشل المرأة من الهرب وكيف تخاف أن تعترف , تترك لعينيها ويديها وشفتيها شرف الأعتراف.
كانت تحتسي مشروبها في جرعات صغيرة وتتساءل متى سينضم اليهم الآخرون , نظرات لويس الوقحة لم تزعجها كما كان يتمنى , لكن أحتمال لقاء جديد مع سولانج أزعجها.
أعلن لويس بنبرة حادة تشبه نبرة ألان:
" لا شك أن سولاج تفعل المستحيل كي تبدو بمظهر رائع تتحدى فيه كل الأشاعات التي تهدد مركزها كأجمل أمرأة في المنطقة ...".
حدقت فلورا في عيني لويس وقالت بهدوء:
" أنك تقصد ألان بالذات , أليس كذلك؟ أذا كان هناك شيء علي معرفته لماذا لا تكون صريحا معي وتتكلم؟".
شعر لويس بأنزعاج أمام هذا الصدق البسيط لكنه سرعان ما قال وهو يهز كتفيه:
" الناس هنا, يعرفون أن سولانج وألان كانا على وشك الزواج , وربما أنت تعلمين بذلك أيضا".
رآها تعض على شفتيها , فسارع يطمئنها قائلا:
" لا تقاقي , لم يعد ذلك واردا منذ سنتين , فقد تخلت سولانج عن ألان بعد الحادث بقليل , كان ألان وقتئذ في المستشفى والجميع وجدوا أنها لم تصرف معه كما يجب, ولا أعتقد أن الكونتيسة غفرت لها هذا الفعل, بعد ذلك رفض ألان أن يسمع أي شيء عن سولانج , لذلك فوجئت اليوم من تصرفه , لقد حاول أقناع سولانج بمغادرة القصر قبل مجيء أبن عمي , لكنها أصرت على أن تكون موجودة لأستقباله, وبالطبع كانت تعتقد أنه سيكون بمفرده, لقد طلبت مني الكونتيسة أن أعدها بألا أخبر سولانج عن زواج ألان...".
سألته فلورا:
"هل يعني هذا أن سولانج كانت تنوي مصالحته الآن؟".
أجاب لويس مقطبا حاجبيه:
"ليس في أستطاعة أحد الدخول الى أعماق سولانج , منذ سنتين لم نرها في القصر ألا نادرا, حسب رأيي , لا شك أنها توقعت نجاح العملية الأخيرة , وقد تكون صممت لنفسها شيئا , جاءت الى هنا منذ أسبوع وقامت بالترتيبات اللازمة لتؤمن عودة ألان بطائرة والدها , هل كنت تعرفين ذلك".
هزت رأسها فأضاف لويس :
" ربما شعرت بصدمة قاسية لدى سماعها بفشل العملية , وكذلك صدمت مرة ثانية لكنها أقوى لدى أكتشافها زواجكما, أنا أعتقد أنه السبب الذي جعلها تقرر البقاء في القصر, أنها تعتبر أن ألان يخصها وحدها, وبرغم رفضها قضاء الحياة بكاملها مع رجل ضرير , ألا أنها لا تستطيع أن تتصور أن أمرأة أخرى خطفت منها ألان".
ثم أضاف:
" يا فلورا , عليك بالحذر منها يمكنها أن تكون خطرة , ولن تتردد من أن تجعلك تدفعين ثمن خيبة أملها".
أصفر وجه فلورا , كلمات لويس تكاد تحبط من عزيمتها , لقد أفهمها لويس بدون أن يدري موقف زوجها , أراد الأنتقام من سولانج بزواجه منها , وشعرت أنها على وشك البكاء , وكادت تسقط لو لم يسارع لويس الى تدارك ذلك في الوقت المناسب , وهنا دخلت سولانج وقالت في صوت ساخر:
" ماذا أرى! هكذا أذا , يا لويس , أنك الآن تمارس مواهبك".
ثم أستدارت نحو ألان وقالت:
" ليتك ترى فلورا ولويس , أنهما الآن في ذروة تفاهمهما".
كانت وجنتا فلورا محمرتين كالنار وهي تتملص من بين ذراعي لويس , لم تكن تحدق ألا بألان وحده , وشعرت بأنقباض في قلبها , عندما رأت الغضب باديا في وجه ألان , وهي وحدها لاحظت أنفعاله , وعندما أقترب منها قال في لهجة خفيفة:
" ماذا بعد يا سولانج , أكملي حديثك , لولاك ولولا تنبهك اليقظ لكنت مضحكة أمام الجميع".
سقطت الأبتسامة من على شفتي الفتاة وأحست فلورا بأرتعاشة تعبر جسدها , أن لويس على حق , سولانج قد تكون عدوا خطيرا.
وهنا وصلت الكونتيسة , ومنذ دخولها غرفة المكتبة , تنبهت غريزيا أن شيئا ما يحدث , كان ألان أول من حيّا والدته:
" آه , يا أمي الحبيبة , أنت هنا! والآن يمكننا البدء في العشاء".
عادت اليها بشاشتها وأجابت:
" آلان ! أنك لا تتغير أنك توبخني دائما على تأخري ! لكنني سعيدة لعودتك ولذلك أسامحك ".
وفجأة سألت سولانج :
" كيف عرفت , يا ألان , أن أمك هنا؟".
" هل نسيت بهذه السرعة , سا سولانج؟".
تبادلت الكونتيسة ولويس الأبتسام , فلورا وحدها لم تفهم شيئا.
قالت سولانج في أشمئزاز وأستياء:
" كلا, بالطبع, أن والدتك تتعطر بالعطر الذي صنعته خصيصا لها , وأنت شممته حتى قبل دخولها الغرفة , أنك ما زلت تحب هذه اللعبة , أليس كذلك يا ألان. وتعتز بقدرتك, وأنت أعمى , على أن تعرف متى تدخل أمك الغرفة".
أختفت نظرة الأشمئزاز من عينيها وأعترى صوتها نبرة حميمة وقالت:
" لكن هل نسيت يا ألان , أنك وعدتني بأبتكار عطر خاص بي؟ هل كان ذلك العطر الذي كنت تصنعه خلال الحادث , أم أنك أضعت الوصفة؟".
أصفر وجه ألان , فتقدمت فلورا نحوه , لكن لويس شدها من ذراعها , فقال ألان وأسنانه تصطك:
" ليست الوصفة وحدها التي ضاعت, في ذلك اليوم , ويكفي ضياع نظري لأتحرر من هذا الوعد , أذا كنت قد قمت بأي وعد ما!".
كأنه لم يتكلم ولم يتعذب , أذ تقدمت سولانج منه كأنها تتوسل اليه, وقالت فلورا لنفسها أن ألان عاجز عن تأمل هذه المرأة الجميلة ذات القوام الممشوق.
قالت سولانج بألحاح:
" يجب أن تتابع تجاربك يا ألان, أن موهبتك الأساسية هي حاسة الشم وما زلت تملكها , ولم تخسر خبرتك المكتسبة خلال السنوات الماضية , ينقصك النظر فقط , وأنا يمكنني أن أهبك أياه , كنت تقول دائما أنني أساعدك في المختبر , ويمكنني مساعدتك الآن أيضا, أنت وأنا , يا ألان. يمكننا أستعادة السحر الذي جعل من عطور تريفيل شيئا نادرا".
تدخلت الكونتيسة وعيناها تلمعان غضبا:
" أتريدين أن هذا السحر لم يعد موجودا؟".
قالت سولانج وهي تهز كتفيها :
" أن عطور تريفيل تتمتع بشهرة تستحقها , وهذا ما نعرفه جميعا , ويجب الأعتراف, أيتها الكونتيسة العزيزة , أن غياب ألان ترك فراغا لا يمكن أن يملؤه أحد , ومنذ سنتين لم يتم صنع أي عطر فريد من نوعه وهذا يجعل المتنافسون يبتهون فرحا , لذا أنتم في حاجة ألى عبقرية ألان, أذا أردتم المحافظة على شهرتكم .
غضب لويس لكنه ظل صامتا , أشفقت فلورا عليه , خلف قناع اللامبالاة , شعرت بأنزعاج هذا الشاب الذي حاول أن يحل مكان أبن عمه الكبير , لكنه فشل بصورة مؤسفة .
قال ألان بنبرة واضحة :
" لا شك أن معلوماتك واسعة يا سولانج , لكن أرجوك ألا تتحدثي عن أي شيء يخص ما حدث , أول ليلة بعد عودتي , لويس وأنا كنا دائما على أتصال , خلال غيالبي".
أنتصب بقامته ولفظ كلماته بلهجة حازمة وهو يضيف :
" أما فيما يتعلق بعرض خدمتك . فأن هذا لطف منك أن تقترحي مساعدتي, لكن آمل ألا تتهمينني بنكران الجميل أذا رفضت مساعدتك , لقد نسيت على ما أعتقد , أن لدي شريكة دائمة يمكنها مساعدتي في كل شيء ... فلورا زوجتي".
كانت كلماته قاسية بالنسبة الى سولانج مثل دوش بارد , وفرحت فلورا لأنها لم تكن عرضة لسخرية ألان , الذي كان يبتسم بينما الجميع يلزمون الصمت , أنه وسولانج الممثلان الأساسيان في المسرحية , كل الممثلين لا أدوار لهم , لكنهم مسحورون , يراقبون الأنفعالات تتتابع على وجه سولانج: المفاجأة , الأحتقار, والغضب وأخيرا الأستسلام الحنون الظاهر في عينيها , أقتربت من ألان وضمته بين ذراعيها وهي تقول:
" أنت على حق فعلا , فأنا أتدخل فيما لا يعنيني ,. لو كان أبي موجودا , لقال لك أن هذا أحد أخطائي الكبرى , هل تسامحني يا صديقي؟".
بدا ألان وكأن أستسلم , وضع يد سولانج على شفتيه وقبل طرف أصابعها وقال:
" ليس لك طلب غفران , يا سولانج الجميلة , أنت تعرفين تماما أننا متفقان جيدا والكلمات بيننا تفقد معناها".
ثم أستدار نحو المجموعة الصغيرة وابتسم قائلا:
"أعتقد أن الوقت حان لتناول العشاء".
خلال العشاء , كانت فلورا معجبة بلويس الذي أحاطها بكل مظاهر الرعاية واللطف , في حين أستأثرت سولانج بأنتباه ألان , الى درجة نسيا معها الآخرين , لكن الكونتيسة لم تكن موافقة , كانت تحاول مضاعفة جهدها لتدع الحديث يكون شاملا الجميع , ومن دون أخفاء أنزعاجها , قاطعت نكتة أطلقتها سولانج:
" ألان , طلبت من لويس أن يأخذ فلورا الى زيارة المقطرة غدا , الأمر يهمها على ما أعتقد".
رفع رأسه ووضع شوكته على صحنه وسأل:
" لماذا لويس؟ هل هناك سبب يمنعني من أصطحابها بنفسي؟".
" يمكنك الذهاب أنت معهما أيضا , يا بني , لويس يطلعك على التغيرات التي حصلت خلال غيابك , وفي الوقت نفسه يطوف مع فلورا في كل الأمكنة".
أحمرت وجنتا الكونتيسة , فأستدارت نحو كنتها وعادت لتقول بعصبية:
" يجب أن يأخذاك الى حقل الزهور , أنه منظر ذو جمال خلاب , وستلتقين هناك القطافين , أن بعضهم من هنا , لكن معظمهم يأتوم فقط خلال الموسم , وبينهم عائلات كثيرة تعمل عندنا منذ أجيال عديدة , العديدون كانوا هنا عندما جئت أنا الى القصر , وكنت عروسا , وكبر أولادهم مع ألان ولويس , ويكادون يكونون أخوة ...".
فجأة خفت صوتها المرتعش , وشعرت فلورا بأن ألان هو المتسبب في أضطراب والدته نتيجة برودة أعصابه , كانت يدا الكونتيسة ترتجفان , رفعت كأسها وأحتست جرعة منه ثم وضعت فوطة على شفتيها لتخفي أرتجافها , أبتسمت فلورا وقالت بهدوء:
" لا شك أنك كنت عروسا رائعة في ذلك الوقت يا أمي , أن سحرك وأهتمامك قد ساعدا كثيرا في جعل العمال مخلصين لعائلتك".
" هذا لطف كبير منك يا أبنتي ! لكن ليس الفضل في ذلك لي وحدي , كان زوجي العزيز رجلا طيبا وكريما , كان يعتني بهؤلاء الناس بشكل ممتاز , أنه أرستقراطي حقيقي , لكنه كان يظهر لطفه وأهتمامه بالعاملين لديه أكثر بكثير من جيراننا البورجوازيين".
وبسرعة البرق وجهت نظرها الى سولانج , وتساءلت فلورا ما أذا كانت عائلة شيسينيه من هذه الفئة من الناس , لكنها تأكدت من هذه الحقيقة عندما ضحك لويس , ويبدو أن الكونتيسة أدركت أنها تمادت فأسرعت تقول:
" كما قلت لألان , يا عزيزتي فلورا , لا تترددي أذا رأيت شيئا لم يعجبك داخل القصر , من أن تدخلي عليه بعض التغيرات المناسبة , منذ قرون عديدة , كما تلاحظين بقي الديكور نفسه, لقد تم تجديده بالطبع , لكنه ظل محافظا على طابعه الأصلي , أن لكل غرفة نموزجا خاصا وزخرفة معينة , غرفتك هي الغرفة الوردية , بينما غرفتي أنا هي الغرفة الصفراء , والغرف الأخرى بعضها يحمل ألوان البنفسج والاوند والجيرانيوم والزئبق ... وخلاصة كل الأزهار التي تنبت حول القصر".
" ستظل الأمور كما هي عليه , فيما يختص بي , يا أمي , أنني أرى الفكرة رائعة , أصلية ومبتكرة".
ضحكت سولانج بحدة ورددت بلهجة ساخرة:
" أصلية ؟ مبتكرة؟ كيف يمكن أعتبار هذه الفكرة مبتكرة وكل العرائس الشابات بقين يحترمنها منذ قرون وحتى اليوم ؟ بالنسبة ألي, كل شيء مبتكر وأصلي يعني أنه لا يوجد شيء مثله قطعيا , ثوبي مثلا, أنه الوحيد من نوعه".
ثم أضافت بخبث:
"مثلا, أنظروا الى ثوب فلورا , أليس هذا تقليدا بشعا لزي معين!".
خيم صمت كئيب وفهمت سولانج أنها ذهبت بعيدا بوقاحتها , وشعرت فلورا بالأحمرار يعبق وجهها , لكنها كانت شاكرة للويس الذي راح يدافع عنها أذ قال بنبرة ساخرة جعلت الفتاة تنتفض غضبا :
" لكن يا سولانج , يا ملاكي , أنني أتعجب دائما أن أرى , أن النساء مثلك , يخترن ملابسهن من مشاهير الخياطين , يتمتعن جميعا بنفس المظهر , بينما فلورا تملك جمالا طبيعيا يسطع حتى ولو كانت ترتدي الفساتين العادية! وهذه الميزة وحدها كافية لتجعلها رائعة أمام زوجها".
قطب ألان حاجبيه , في حين ظلت سولانج لا تعرف ماذا تقول لترد على لويس.
نهضت الكونتيسة وأعلنت بصوت حازم:
" أعتقد أن الوقت حان لأن ندع فلورا وألان يتمتعان بوحدتهما , أننا لا شك نسينا أن نهارهما كان مليئا , وفي كل حال, أنها ليلة زواجهما , ويجب علينا شكرهما أذ أتاحا لنا قليلا من الوقت لنستمتع بالعروسين الجديدين".
أقتربت من ألان وربتت على كتفه:
" لكنني , ألان , أطلب منك أن تأخذ فلورا الى غرفتها , أن الأبنة المسكينة تكاد تموت تعبا".
رفعت فلورا نحو ألان عينيها القلقتين : ماذا ستكون ردة فعله أمام الأمر الذي فرضته عليه الكونتيسة ؟ لا بد أن الكونتيسة تتساءل ما يمكنها أن تتوقع من أبنها الغريب هذا . لكنها رأت بأرتياح أنه كان مرتاحا , ربما قرر أطاعتها , لتسامحه على كلماته القاسية , سمعت فلورا لويس يتنهد طويلا وينتفض لدى سماع صوت ألان يقول:
" لا شك أنك على حق يا أمي".
ثم جال بعينيه الضريرتين حول المائدة وأضاف:
" فلورا, أذا كنت مستعدة فأننا نستطيع العودة الى جناحنا الخاص".
أنتفض لويس وقال:
"دعني أساعدك يا ألان".
أجابه ألان بلهجة ساخطة:
" لا , شكرا, ستتكفل فلورا بالأمر , تصبحين على خير يا أمي , تصبح على خير يا لويس , وشكرا يا سولانج , ربما نلتقي غدا , على الفطور".
وبأشمئزاز أجابت سولانج:
" ربما...".

بنوته عراقيه 15-07-09 05:59 PM

يسلمووو يالغاليه

أمل بيضون 15-07-09 08:26 PM

خرج ألان وفلورا من غرفة الطعام وتسلقا السلالم التي تؤدي ألى جناحهما , أنتظر ألان دخول فلورا غرفتها ثم توجه الى غرفته , وراحت فلورا تتساءل وهي تخلع ثيابها , أن لدى ألان القدرة على الظهور لطيفا ومهذبا , وأحيانا وقحا لا يطاق , ومن المستحيل معرفة حقيقة أفكاره , أو توقع ردات فعله , دخلت الحمام لتأخذ حماما سريعا .
وبعد أقل من عشر دقائق كانت ترتدي قميص النوم المصنوع من قماش النايلون الأسود المخرم الذي أخترته لليلة عرسها , والتي أعتبرته أسرافا , شعرت بغصة في حنجرتها عندما أشترته ... كان الجو مثقلا , فأزاحت الستائر وفتحت النافذة , في السماء القمر هلال , ولا نجمة واحدة تبعد عن فلورا الحزن والكآبة , كأنها غارقة في حلم ., راحت فلورا تتنشق الروائح الفردوسية من كل مكان حولها ,وبقيت أمام النافذة مخدرة لفترة طويلة , ثم تنبهت أذ سمعت ضجة آتية من غرفة ألان , صوت خطواته اللجوجة ذهابا وأيابا داخل الغرفة الصغيرة , أنتفض قلب فلورا , هل ألان مريض؟ راحت تصغي , كانت الخطوات أيقاعية متناسقة , ثلاث خطوات صوت درج أنفتح , خمس خطوات وصوت قاطع التيار , ست خطوات وصرير الباب , فهمت للحال , أنه يتدرب ليتعلم المشي في غرفته , وهمست في صوت متقطع : آه يا حبيبي المسكين , لو تسمح لي فقط بمساعدتك! . تصلبت فلورا , الخطوات تقف أمام الباب , جفت الدموع على خديها الساخنتين بينما تنتظر , لا تجرؤ على التنفس البطىء , وأرتاحت عندما سمعت ضربة خفيفة على الباب .
قالت بهدوء:
" أدخل!".
أزدادت نبضات قلبها الى درجة الأحساس بالألم .
لم تشعل نور الغرفة , وظهر شبح ألان في مئزره الغامق وهو يدخل الغرفة.
سألها في صوت متوتر:
" هل أزعجك؟ لم أكن قادرا على النوم وتسائلت... ربما يمكننا أن نتحدث...".
بذلت فلورا جهدا كبيرا حتى تحافظ على نبرة صوتها الخفيفة , لأنها تعرف أنها يجب عدم أظهار شفقتها, فقالت:
" بكل تأكيد , أدخل, وأنا كذلك لم أستطع النوم, ومن الأفضل أن نتحدث".
وبهدوء بدأت فلورا في الحديث حول كل شيء وحول لا شيء , الى أن أحست بالجو يهدأ , فسكتت , وأكتفت بالبقاء قربه , أمام النافذة , تاركة لليل العذب أكمال المهمة.
" أنت أنسانة مريحة جدا , يا فلورا , هادية وساكنة ! أنها الصفات التي جذبتني اليك في البداية ".
ثم أضاف بلهجة أكثر قسوة:
" ربما لأنها تعاكس كليا مزاجي الشيطاني , ونزواتي المتفجرة , التي لا تطاق!".
قالت بهدوء:
" رويدا يا ألان , دع عقلك يستريح , ليرتاح جسدك".
قال وهو يشد على معصميه :
" نعم ... كل الذين حولي يتمنون أن يحدث لي ذلك , لقد وصل بي الحال الى أن أجرح شعور والدتي".
فجأة أمسك بالستائر بيده في عنف , جعل فلورا تعتقد أنه سوف يقتلعها , ثم تابع يقول وأسنانه تصطك توترا:
" لا أحد يفهم , لا أحد يمكنه تصور العذاب الذي أقاسيه , أنني أسمع أصواتا , وأصغي الى الكلمات وأتساءل ياستمرار عما يمكن أن يفوتني من عدم قدرتي على رؤية التعابير على وجه محدثي , منذ سنتين وأنا أتعذب من الكذب , حتي أنني لا أثق بأية كلمة تقال لي عندما آكل , أتساءل . هل طريقتي وحركاتي منفرة , أم هل أستطيع الوثوق بالذين يتعجبون من قدرتي الهائلة ؟ أنني أرتاب حتى من كلمات والدتي , لكنني أتحملها لأنني أعرف جيدا أنها لا تخونني أبدا بأرادتها , لكن أنت , يا فلورا ؟".
أمسك كتفيها في قوة وقال:
" لقد أعتقدت أنك حنونة وطيبة , وتصورت أنك لا تفكرين الا بالغير , لكنك خيبت أملي نهائيا فيك عندما أعترفت بصراحة أنك أرتشيت ... كنت للبيع وأنا أشتريتك !".
تابع كلامه وهو يهزها بقوة حتى أنها أضطرت الى حبس صرخة مؤلمة من حلقها :
" يا ألهي! لا أعرف لماذا , لكن خيبة الأمل تؤلمني أكثر من أي شيء آخر, أنني بحاجة لوجودك بقربي , لكنني أرفض التصرف كشحاذ أعمى! قولي الحقيقة , من هي المرأة التي تزوجتها ؟ أبنة الكاهن الناعمة , الرقيقة أو المرأة المبذرة؟".
كانت تقاوم وهي مضطربة وخائفة من نفوره وغضبه ولم تلاحظ أنه طرح عليها سؤالا , كانت يدا ألان تلهبان كتفيها وعيناه تلتمعان غضبا , ومن خلال موجة الرعب التي غرقت بها فلورا , أستيقظت فيها الشفقة, لكنها كانت خفيفة لا تساعدها على التغلب على الخوف الذي كان يقترب منها , خوف أصبح جنونا عندما جذبها نحوه وهمس في أذنيها :
" هكذا أذا , الخل يمنعك من الأجابة ؟".
أحست بألان وهو يرفعها عن الأرض ويحملها الى السرير , أرادت الأعتراض على ذلك , لكن الدموع خنقت الكلمات في حنجرتها , ولم تعد تقاوم وظلت ممددة , رافعة عينيها الواسعتين هلما نحو الرجل , الأعمى نفسيا وجسديا , نحو زوجها , الذي تزوجته هذا الصباح بالذات على يد والدها القسيس.
أنحنى أمامها ورأت على وجهه أبتسامة متعطشة , وبعد لحظة , كان شعر فلورا الأشقر ينتشر على يد ألان كباقة ذهب , وكان غضب الرجل قويا وعنيفا , ويشعر بتجاوب خجول من جانبها.
أريج الأزهار يعبق في النافذة المفتوحة وينتشر في جميع أنحاء الغرفة , ستظل فلورا تتذكر هذه الليلة التي ولد فيها أحساس , يصعب وصفه , من رجل أعمى , قلبه هو عيناه.
وبينما كانت تحاول ترتاح قربه , كانت تحاول سبر أغوار عواطفها الصاخبة , الفرح والألم , الحب والخجل ,هل يحبها ؟ هل يكرهها؟ هل هو يمتلكها كزوجة أو كعاهرة يدفع لها ثمن خدماتها؟
تحرك ألان وناداها هامسا ثم شدّها من جديد بين ذراعيه , فأسترخت فلورا وبأبتسامة سعيدة , أغمضت عينيها , تاركة السؤال من دون جواب.

البلعاوية 15-07-09 10:22 PM

بانتظارك

ЄҺểểяΨ 16-07-09 02:06 AM

رووووووووووووووعة

بانتظارك قلبوووووو ^ــ^

سوسوالقمر 16-07-09 07:47 AM

شكرآ

أمل بيضون 16-07-09 12:49 PM

7- نار الغيرة
عندما أستيقظت فلورا في صباح اليوم التالي, لم يكن ألان بقربها , حاولت كل جهدها ألا تفكر بما حدث لها الليلة الماضية , لكن سؤالا ظل يقلقها , كيف سيتصرف ألان عندما سيواجهها وجها لوجه؟
جلست على كرسي أمام المرآن وأخذت ترتب شعرها ويدها ترتجف , وأذا بصورة ألان تظهر أمامها في المرآة , فوجئت وتركت الفرشاة تقع على الطاولة محدثة ضجة عالية.
وسألها من دون أي تأنيب ضمير:
"هل أخفتك؟".
كان يرتدي بذلة فاتحة اللون وقميصا من الحرير وربطة عنق معقودة بطريقة مثالية , وشعره الأسود المبلل بعد الحمام.
ردت عليه في صوت غامض وهي تحاول تهدئة نفسها:
" كان يجب أن تطرق الباب".
قال بأهمال:
" لماذا؟ فأنا لا أستطيع أن أراك , في كل حال , ليس هناك فرق بيننا بعد الآن".
أن برودة صوته لا تحتمل , نهضت فلورا على الفور وأرادت الأبتعاد , لكنه شعر بحركتها وأمسكها من كتفيها , زاما شفتيه:
" لم آت كي أعتذر , ما حصل مساء أمس , لم يكن محضرا أة مرغوبا فيه , هل تصدقيني؟".
أي أمل جديد في أعماق فلورا مات, يبدو وكأنه من المستحيل صدور هذه الكلمات المجردة عن رجل همس في أذنيها منذ ساعات قليلة , كلمات الغزل, والذي أيقظ فيها أحاسيس غريبة كانت تجهلها تماما.
ولأنها لم تجبه , هز كتفيه وتركها :
" أرى أنك لا تصدقيني , هذا لا طائل فيه , سأحرص على حصولك على المكافأة اللازمة , الوقت لا يسمح لي بأن أرافقك الى باريس, لكنني سأطلب من دار أشهر الخياطين أن يرسلوا لنا كل مستحدثات الأزياء , وسأطلب من أمي أن تريك كل مجوهرات العايلة, وهي تنصحك بأختيار ما يليق بك ".
كل كلمة كانت تنعر قلب فلورا مثل نصل سيف حاد , وراحت تتساءل ما أذا كان بأمكان الأنسان أن يموت من الخجل أو العار , وما أذا كان قلب مصاب بجرح عميق يمكنه أن ينزف حتى الموت , وراحت تهاوى تحت تأثير غثيان مزعج , خار جسدها النحيل , وعنقها النحيف يحمل ثقل رأسها بصعوبة , وفمها يرتجف ألما وخيبة.
لماذا لا تردين على سؤالي ؟ أذا كنت ترغبين في شيء ما , ما عليك ألا أن تطلبيه".
أستعادت أنفاسها قبل أن تقول في صوت مرتجف :
" أريد البقاء وحدي , أرجوك , دعني".
رفع ألان حاجبيه وبدا وجهه قد أكتسى بأمارات الحيرة , كانت عيناه تتفحصان ملامح فلورا محاولة معرفة سبب ضيقها.
سألها:
" ماذا قلت حتى تتوتر أعصابك هكذا؟".
ثم أضاف بهدوء كأنه أستوعب الفكرة:
"ربما أكون قد أخطئت؟".
أخذها من جديد من كتفيها وشدها بعنف نحوه:
" قولي من جديد , لماذا تزوجت مني؟".
لو أنه طرح هذا السؤال قبل خمس دقائق, لربما قالت له الحقيقة, مجردة من أي وهم , تفضل الموت على أن تتركه يعرف أنها تحبه بقوة , أن ضعفها أيقظ فيها الغضب الذي ساعدها على لعب دورها عن أقناع , تحررت من عناق ألان وتراجعت خطوات الى الوراء , وراحت تؤدي دور الممثلة البارعة مستخدمة نبرة أنسانة مدللة أصيلة وقالت:
" متوترة؟ لماذا؟ بصراحة يا ألان , يؤسفني أن يكون ميلك الى أعتبار اللذة بهذه الجدية , لقد كنت أعتقد أن الفرنسيين هم أشخاص مولعون بالغرام ومفعمون بالحماس , من دون أي كبت , لكن أنت تبدو على العكس تماما من ذلك , لا داعي للقلق , أني أرفض كليا أفساد وعدي بمستقبل رائع!".
تمثيلها الشجاع والبطولي أتى بنتائجه , فقد أعتلى وجه ألان قناع القسوة والكره الغاضب , مما جعل فلورا تتراجع الى الوراء وقد أعتراها القرف من نفسها.
قال ألان:
" أني آسف أن أكون قد خيبت آمالك الى هذا الحد , ولحسن الحظ أن تلك الغلطة لن تتكرر".
" لا أفهم...".
أني حزين على نفسي , أذ تنقصي برودة الأعصاب , لكن ما أسمعه الآن يعفيني من ضرورة الأعتذار منك , في أي حال أنت أمرأة لا تستحق الأعتذار, فأنت لا تبحثين الا عن الملذات المادية , وأنا سعيد بأن أقدمها لك وذلك لأحرر نفسي من أي دين لي أتجاهك".
وراح يشد على معصميه محاولا السيطرة على غضبه , وكان على وشك أن يقول أكثر من ذلك , لكنه تحاول على نفسه وخرج من الغرفة بعد أن صفق الباب وراءه بشدة, ألقت فلورا بجسمها على السرير , في حالة يأس , مقررة ألا تبكي , لكنها كانت عاجزة عن أن تكبت النشيج المؤلم الذي كان يهزها بكاملها .


الساعة الآن 11:06 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.