آخر 10 مشاركات
1020 - فتاة الأحلام - جيسكا ستيل- ع د ن (كتابة /كاملة **) (الكاتـب : Breathless - )           »          قلبك منفاي *مكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          القبلة البريئة(98)لـ:مايا بانكس(الجزء الثالث من سلسلة الحمل والشغف)كاملة*إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          رواية فقاعة ج 2 _ نبيل فاروق (الكاتـب : MooNy87 - )           »          سأبكي غداً -ليليان روث -عبير الجديدة -(عدد ممتاز) (الكاتـب : Just Faith - )           »          2006- فارس الجزيرة الأستوائية - لينسى ستيفنز - روايات غدير 2000 (الكاتـب : Just Faith - )           »          إمرأة لرجل واحد (2) * مميزة و مكتملة * .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-04-10, 08:35 PM   #1

ضمآن بين النهرين

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ضمآن بين النهرين

? العضوٌ??? » 2194
?  التسِجيلٌ » Feb 2008
? مشَارَ?اتْي » 4,869
?  نُقآطِيْ » ضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond repute
افتراضي نمت الزهور بدمعها ( دمعة فرح ) ... مكتملة


ملاحظة هامة : هذه الرواية قمت بكتابتها بنفسي ولم أكملها حتى الآن بل ما زلت أكتبها قد يجدها البعض في منتدى آخر واسم كاتب الرواية مختلف لكني وكاتب الرواية ذات الشخص فكاتب الرواية أنا إنما باسم آخر وسأقوم بكتابتها وادراجها في المنتديين بنفس الوقت وهذا الجزء الذي قمت بكتابته حتى الآن :
المقدمة :
نسمع الكثير عن قصص التضحية والإيثار لكنها في عصرنا نادرة الوجود فالقليل من الناس من يضحي بحياته أو بحبة من أجل سعادة الآخرين .فرح إنسانة استثنائية ولدت في ظروف استثنائية جعلتها تحيا الحياة بصورة فريدة من نوعها . فما الذي منحته الحياة لفرح وما الذي أخذته منها هذا ما سنعرفه عبر أحداث هذه القصة .
القصة:

دخلت السكرتيرة إلى مكتب محمود بعد أن طرقت الباب بهدوء وقالت مخاطبة رأسه المنحني على جهاز الحاسب الآلي :
- صباح الخير .
رفع رأسه مرغما ليجيبها بينما ظلت هي واقفة في مكانها مم*** بطرد كبير في يدها وبضعة أوراق أخرى موضوعة في ملف وأجابها مغمغما :
- صباح النور .
- دنت من مكتبة قليلا ومدت يدها لتناوله الملف والطرد قائلة :
- أوراق بحاجة للتوقيع وبريد اليوم .
أخذ منها الملف والطرد ووضعهم على الطاولة أمامه وسأل :
- أهذا كل شيء ؟
- - أجابته أجل .
واستدارت لتخرج لكنها مالبثت أن عادت لتخاطبه مترددة :
- من أحضر الطرد أبلغني بأنه مهم للغاية وأحضر معه رسالة نسيتها على مكتبي سأحضرها إليك فورا .
غادرت المكتب مسرعة لتحضر الرسالة فرفع رأسه وأخذ ينظر لذلك الطرد مقطبا ، لقد أثار الأمر استغرابه رسالة وطرد معا والأمر هام جدا .
أمسك الطرد بين يديه وما إن فعل حتى دخلت سكرتيرته المكتب قائلة :
- لقد أبلغني من سلم الطرد أنه يتوجب عليك قراءة الرسالة قبل قيامك بفتح الطرد .
قال متعجبا :
- إذن فالطرد والرسالة قد سلما باليد .
- نعم .
قالتها بسرعة .
أنزل الطرد من يده وقال :
- أتعلمين من مرسلهما ؟
قالت بارتباك :
- آسف سيدي من جلبهما لم يذكر اسم المرسل أبدا كل ما ذكره هو ما قلته لك الآن ، ولا تحسب ذلك تقصيرا مني فقد حاولت أن أعرف منه المزيد من المعلومات لكنه رفض البوح بأي معلومة إضافية عدا تلك التي ذكرها أثناء التسليم وعندما ألححت مطالبة بمعرفة المزيد أجاب بأنه لا يعرف أي شيء عن الأمر عدا ما ذكره ومضى مسرعا بعد أن ترك الرسالة والطرد مغادرا المكان .
لاذ بالصمت لبرهة والحيرة ترتسم على محياه لكنه ما لبث أن قال :
- أعطني الرسالة يا ليلى وسأنظر بالأمر الآن بعد أن أنهي توقيع هذه الأوراق .
وأشار بيده إلى الملف .
أعطته الرسالة وسألت :
- أمن شيء آخر .
فأجابها :
- لا إنما انتظري قليلا ريثما أوقع هذه الأوراق لتأخذيها معكِ .
جلست ليلى على الكرسي ريثما يوقع لها المدير تلك المستندات التي هي الآن بين يديه .
فتح محمود الملف وأخذ يقرأ ما ورد فيه ويوقع على تلك العقود والمستندات بنصف ذهن إذ كان عقله مشغولا بأمر ذلك الطرد ، فقصته غريبة جدا .
ما إن انتهى من توقيع الأوراق حتى رفع رأسه قائلا لسكرتيرته :
- لقد وقعت على كافة الأوراق التي سلمتني باستثناء طلب الشراء فسأرجئ التوقيع عليه لوقت آخر إذ أود دراسته بشكل أفضل .
نهضت ليلى من مجلسها لتأخذ الملف منه وخرجت من المكتب .
ما إن غادرت مكتبه حتى أمسك تلك الرسالة بين يديه مسرعا لكنه ما لبث أن نظر مطولا إليها وكأنه مرتاب مما قد يكون فيها .
حسم أمره في الختام بأن قام بفتحها ، فتح الرسالة نظر أسفلها عله يرى اسم المرسل أو توقيعه لكنها لم تكن موقعة لذا أخذ يقرأها في صمت :
لن أبدأ رسالتي بتلك المقدمات الطويلة لتكون رسالة فرسالتي إليك موجودة في قلب ذلك الطرد المرفق مع الرسالة .
ستجد في الطرد مذكرات تحوي الكثير من الحقائق ، حقائق كنت يوما تتوق لمعرفتها وأحسب أن موعد معرفتك لها قد حان .
لذا أرجو منك أن تقرأها بعناية تامة لتتضح لك كل الحقائق
المخفية .
ربما تتساءل من هو مرسل هذا الطرد ؟ وهل الأمر دعابة ؟أقول لك بأن الأمر جاد بل هو في منتهى الجدية .
لذا أرجوك بل أتوسل إليك أن تقرأ هذه المذكرة من البداية إلى النهاية راجية منك أن تغفر لي بعد انتهاءك من قراءتها كل ما سببته لك من آلالام على الرغم من أنها حدثت رغما عني لا بإرادتي .
في هذه الصفحات ستجد كل الحقائق المخفية عنك منذ زمن لذا اقرأها اقرأها بإمعان .
ستعرف شخصي ما أن تبدأ بقراءة مذكرتي فأنت يا محمود جزء لا يتجزأ من حياتي كنت أنت الشاهد على الكثير من مجرياتها وأحداثها بل لعلك أنت محورها .
وبهذا أختم كلامي .
أنهى محمود قراءة تلك الرسالة فأسند ظهره على الكرسي خلفه وأغمض عيناه .
لو شاهده أحدهم لحسبه جالسا يسترخي لكنه لم يكن كذلك بل كان جالسا يعمل فكره في تلك الكلمات التي خطت بالرسالة تلك الكلمات التي أدهشته بل حيرته .
لكنه ما لبث أن رفع رأسه ومد يداه إلى ذلك الطرد .
فلمّ الحيرة طالما أن الجواب على كل أسئلته موجود في متناول يده .
أمسك الطرد وأخذ يمزق الغلاف المحيط به ، وما إن فعل حتى وجد دفتر جميل زاهي الألوان ماثلا أمام ناظره إنها مذكرات بالطبع وهي حتما بشكلها المزخرف بالزهور مذكرات امرأة .
هم بأن يفتحها ليقرأ ما جاء فيها لكنه ما لبث أن امتنع ، فكم سيكون موقفه محرجا إذ ما فتح أحدهم باب مكتبة وولج إليه ووجده يقرأ في مذكرات نسائية عوضا عن إطلاعه على مسار ومجريات العمل .
بقي محمود حائرا ووجلا طوال فترة عمله بل بات ينظر بين الفينة والأخرى إلى ساعة يده فبدا له يوم عمله ذاك طويلا لا يطاق على الرغم من كثرة الأعباء الملقاة على عاتقه ، ما ان إنتهى وقت العمل حتى نهض مسرعا من مجلسه حاملا بيده دفتر المذكرات ذاك ، لكنه فجأة وقبل بلوغة باب مكتبه توقف في مكانه ذاهلا من تصرفه فقد تذكر ماهية ما يحمله في يده لكنه ما لبث أن عاد إلى مكتبه ليخرج منه مظروفا كبيرا وضع المذكرات فيه وخرج مسرعا نحو سيارته لحق به أحد العاملين يود محادثته لكنه أجابه على عجل :
-أرجو عفوك سنتحدث غدا فأنا اليوم على عجلة من أمري ، أرجو أن تقبل عذري .
رمقه الرجل بنظرة استغراب وقال :
- حسنا نلتقي غدا .
قاد السيارة قاصدا منزله وأخذ يزفر الهواء من صدره ضيقا من شدة الزحام ،الإزدحام المروري خانق جدا ، الطريق الذي كان المرء يقطعة في خمس دقائق بات يقطعة في نصف ساعة .
بلغ منزله تعبا منهكا أوقف السيارة وحمل الطرد بين يديه وهم بالنزول من السيارة وإغلاقها لكنه ما لبث أن جلس في السيارة حائرا فكيف عساه أن يدخل إلى منزله حاملا بيده مذكرات إمرأه ؟
إن أبصرت زوجته أو أحد ولدية أو ابنته تلك المذكرات فما عساه أن يقول ؟ بماذا يبرر موقفه أساسا وهو لا يعلم عن هذه المذكرات أي شيء .
بل هو في الحقيقة جاهل لكل شيء عنها حتى شخص مرسلها .
أيتركها بالسيارة ويدخل ؟ وإن فعل كيف سيتمكن من قراءتها ؟ ثم ماذا لو وجدها أحدهم في سيارته كالخادم مثلا عند تنظيفه للسيارة ألن يحملها حينها إليه وإن لم يجده سيسلمها لزوجته وعندها تحدث الكارثة .
أيحملها إلى المنزل ويقول أن الظرف يحوي عملا هاما وسريا عليه أن ينجزه فيكون بذلك قد حقق هدفين في آن واحد وهما أن يبقى وحيدا في مكتبه وأن يتمكن من قرائة المذكرة دون أن يزعجه أحد .
لكن هل ستصدق زوجته قوله هذا ؟ ألم يوضح لها مسبقا أنه يرفض مزج حياته العملية بحياته الشخصية فمنذ زواجهما لم يحمل يوما أيا من أعماله إلى المنزل فلم سيحملها اليوم ؟
بينما كان سارحا في أفكاره سمع طرقا عنيفا على نافذة السيارة فأرجع رأسه للخلف فزعا ونظر باتجاه الطرق ، إذ بالطارق ابنه محمد الذي كان واقفا جوار باب السائق فزعا يطرق على النافذة محاولا إثارة انتباهه فما كان منه إلا أن أنزل النافذة وصرخ به غاضبا:
- ماذا تظن نفسك فاعلا لقد أوشكت على كسر النافذه .
قال متجهما :
- آسف أبي فعلت ذلك لأنني خشيت من حدوث مكروه لك فلقد سمعنا صوت السيارة منذ زمن لكنك لم تدخل المنزل فأرسلتني أمي لأستطلع الأمر فوجدتك جالسا في السيارة دون حراك حاولت محادثتك لكنك لم تسمعني فدونت من السيارة وطرقت على النافذه برفق فلم تسمعني مما إضطرني لطرقها بقوة أكبر .
خرج محمود من السيارة حانقا بعد سماعه لقول ولده ممسكا الظرف بين يديه وقال مغمغما :
- هيا بنا .
سار الإثنان نحو المنزل ، ما إن ولجا من الباب حتى هتفت زوجته :
- هل أنت بخير أم عساك مريضا .
أجابها مغمغما :
- لا لست مريضا إنما أنا متعب قليلا بسبب المجهود الذي بذلته في العمل ، رأسي يؤلمني كثيرا ، لذا سأمضي لأرتاح .
-حسنا ، سأحمل الطعام إليك إن كنت غير قادر على تناوله معنا .
-لا أريد طعاما فأنا لا أشعر بالجوع .
سار خطوة ثم ما لبث أن قال :
- لدي بعض العمل الذي يتوجب علي أن أنهيه لذا سأتوجه للمكتبة ولا أريد أن يزعجني أحد .
ورفع الظرف الذي يحمله عاليا لتراه .
أجابته وعلامات الإستفهام تملىء وجهها :
- عمل !
أجابها بحنق :
- أجل عمل هام يتوجب عليّ تسليمه غدا لكني لم أنهيه ويتوجب عليّ انهاءه الآن فهل تمانعين ؟
- لا ، لم إمانع طالما أنك ملزم بالقيام به ، لك أن تفعل ما تشاء .
لكم سره سماع هذا الجواب حتى أنه أوشك على تنفس الصعداء أمامها .
مضى مسرعا إلى غرفته وأغلق بابها بالمفتاح ودخل ليستحم خشية أن يدخل أحدهم فيجد الظرف ويفتحه أثناء استحمامة ما إن أنهى حمامه حتى حمل الظرف بين يديه وتوجه نحو المكتبة وأغلق الباب بالمفتاح وجلس على الكرسي مسترخيا ، فتح الظرف وأخرج المذكرة ، فتح صفحتها الأولى على عجل وبدأ القراءة في صمت
( اليوم بلغت عامي الثامن عشر ، إنه يوم مهم في حياتي فقد أنهيت دراستي الثانوية اليوم وها هو اليوم يمر متسللا من بين يديّ مثله مثل سائر الأيام فما من ملاحظ ، وما من مهنىء ، وحيدة أنا في غرفتي حبيسة الجدران .
فمن ذا الذي سيحفل بطفلة يتيمة فقدت أباها وأمها في يوم واحد منذ سبعة أعوام .
منذ ذلك اليوم الفاجع وأنا أحيا في منزل عمي مع أسرته ، حيث الرياش الفاخر والطعام الوفير .
لكنما العطف والحب والحنان أمر آخر كل ذلك ضاع وانتهى برحيل والديّ ، كم أنا وحيدة من دونهما .
مؤلم هذا الشعور بالخواء والفراغ .
اسمي فرح أتوق للفرح إلا أني أعيش في عالم الأحزان ).
ما إن إنتهى محمود من قراءة هذه الكلمات حتى أغمض عينيه تعبا وأخذ يخاطب نفسه مغمغما متعجبا :
- فرح ، فرح ، يا إلهي أبعد كل هذه السنوات .
مضت برهة من الزمن وهو مغمض العينيين لكنه ما لبث أن عاد لقراءة تلك المذكرات متلهفا لمعرفة المزيد .
( عشرة أيام قد مضت على يوم نجاحي ، وما من أحد قد أعار الأمر أي اهتمام وكأن نجاحي ورسوبي بالنسبة للجميع سيان ، لم يسألني أحد عن نتيجة الإمتحان أبدا ولم يسألني أيا منهم عن طموحاتي وتطلعاتي .
فما عسايّ أن أفعل ، أيتوجب عليّ أن أخبرهم من تلقاء نفسي بنجاحي دون أن أنتظر سؤالهم .
ما الذي يتوجب عليّ فعله لا أدري ؟ هل أمضي لعمي وأطلعه على الأمر من تلقاء نفسي ، فأنا أتوق للدراسة الجامعية توق الصحراء للماء .
أتعبنيّ التفكير .
يا إلهي أرشدني لطريق الصواب ، دلنيّ على ما فيه خيريّ وصلاحيّ ) .


( سرت بخطى مهتزة نحو مكتب عمي ، طرقت الباب بيد مرتعشة ، فكل أحلامي رهن بإجابتة ، وقفت أنتظر الإذن بالدخول فبدت ليّ تلك الثواني كالساعات ، ادخل ، قالها عمي على مضض إذ يبدو أنه منهمك في عمله ، دخلت ووقفت صامته ، أنتظر أن يعيرني إنتباهه ولو للحظات ، بقيت واقفة وكأن على رأسي الطير ، وبقي هو منهمكا في عمله أو لعل هذا ما بدا ليّ لكنه ما لبث أن سألني عما أريد ، أطلعته على رغبتي بمواصلة دراستي بصوت وجل .
ما إن أنهيت حديثي حتى نظر ليّ مبتسما وقال :
لكِ أن تواصلي دراستكِ يا فرح إن الأمر يسعدني ، يسعدني كثيرا .
ثم ما لبث أن قال متجهما : لمّ لم تجلسي ؟ لمّ بقيتي واقفة أثناء الحديث ؟ لمّ أنتِ دائمة التوتر في حظوري يا فرح ؟ هل أنا غول مرعب دون أن أعلم هذا ؟
فرح أنا عمكِ أي أباكِ ، لكنكِ لم تعتبريني هكذا يوما ، هذا ما شعرت به .
أنا عالم بأني قلما أتواجد في المنزل وأن هذا يصعب الأمور ، اعلمي أن السبب يعود لمتطلبات عملي ، أعلم بأن زوجتي لم تكن ولن تكون تلك الأم الحنون التي تنشدين فأنا أعلم الناس بطباعها لكنها صدقا طيبة في أعماقها ، لكنها شرسة أحيانا في طباعها ، أما أبنائي فهم كما تدركين أولاد ، فلو كانت ليّ ابنه لربما كانت لكِ نعم الأخت ولما بتِ منعزلة وحيدة هكذا ، لذا فإن كان هناك من ملوم لعزلتكِ وكآبتكِ فهو أنا وأنا آسف لهذا .
حركت تلك الكلمات أحاسيس جمه لطالما كانت مخبئة في أعماق نفسي منذ سنوات فانسابت الدموع غزيرة بالرغم مني لتنسكب على وجنتي وأنا أقول بصوت مرتعش :
لا تقل هذا فأنا أحبكم جميعا عمي .
قام من مجلسه دنا مني وأخذ يمسح الدموع من مقلتيّ .
أراد أن يخفف عني لكن لطفه ذاك أماط اللثام عن مشاعري فجعلني أذرف المزيد من الدموع .
فما كان منه إلا أن أمسك بيدي وأجلسني جواره ، وأخذ يلاطفني كما يلاطف الأب طفلته إلى أن هدأ روعي .
عندما هدأت شعرت بالخجل من تصرفي فتوردت وجنتايّ حياء منه فاستأذنت وتوجهت لغرفتي ) .

( لأول مرة منذ زمن طويل ينتابني شعور عارم بالفرح كهذا الذي اعتراني اليوم ، لقد استيقظت صباح اليوم على نغمات طرق باب غرفتي ،فانتابني الذهول ، باب غرفتي يطرق لعلني ما زلت أحلم ، هذا ما دار في خلدي لكن صوت عمي الذي علا قائلا :فرح ، من خلف باب غرفتي أيقظني من حيرتي .
لم أكن أحلم ولم أكن أهذي بل كان عمي بالفعل واقفا خلف باب غرفتي يناديني ويوقظني .
نهضت من فراشي مسرعة وأنا أهتف : نعم . فسألني : هل أنتِ مستيقظة ؟ فأجبت بنعم .فقال هاتفا سأنتظركِ في مكتبي بعد ساعة من الآن ولتكوني جاهزة فسنخرج معا في سيارتي وانصرف مبتعدا عن الباب .
جلست على سريري ذاهلة فالموقف بأسره أذهلني ، عمي يوقظني ! أخرج معه في سيارته صباحا وفي يوم عمل ! ما الذي يحدث حقا ؟
أأنا حقا مستيقظة ! لربما كنت أهذي ! لكن لا ، لا ، لست أهذي .
فجأة تذكرت ، ساعة ، قال بعد ساعة أكون جاهزة في مكتبة .
لم أعلم ما الذي جعلني أفعل هذا ، نهضت من فراشي واثبة ومضيت مسرعة لأستحم وأرتدي ملابسي .
قبل الموعد المحدد كنت جاهزة إلا أني جلست في غرفتي أنتظر حلول الموعد المذكور ، فأنا أكثر الناس إدراكا بأهمية الإلتزام بالمواعيد بالنسبة لعمي إنه دقيق في مواعيده لأبعد حد ، إن قال بعد ساعة فذلك يعني بعد ساعة دون زيادة أو نقصان .
فكرت أن أمضي لغرفة الطعام لأتناول إفطاري ،لكن الإحساس بالجوع هذا الصباح لم يزرني مطلقا .
جلست أنتظر مضي الوقت معلقة عيني على ****ب الساعة أحسب الثواني والدقائق التي تمر بطيئة ثقيلة كما الساعات .
بقي من الوقت خمس دقائق حينها نهضت مسرعة ، حثثت خطاي نحو مكتب عمي ، لأصل في الوقت المحدد ، قرعت الباب ، انتظرت برهة ، خرج عمي من مكتبه باسما وقال : صباح الخير . فأجبته بالمثل .
وأشار بيده وقال : لنذهب .
خرجنا من المنزل دون أن يطلعني على وجهتنا ، كلما حاولت أن أستفسر منه عن وجهتنا ، بدل الحديث بآخر وهكذا علمت بأنه لا يود أن يطلعني على الوجهة التي نقصدها ، لذا لذت بالصمت ، كان صوت المذيع الذي يذيع نشرة الأخبار هو الصوت الوحيد الذي يشق السكون القائم بيننا .
أدرت وجهي نحو النافذه وبدأت أتأمل الطريق بينما كنت أفكر .
إلى أين سنمضي ولماذا ؟ وانجرفت في تفكيري إلى البعيد .
أيقظني من تفكيري العميق صوت عمي بقوله وصلنا :
نظرت حولي وقلت : أين ؟ فقال الجامعة ) .

( الجامعة ذلك الحلم الذي يراودني منذ أمد أخيرا الجامعة ، خرجت من سيارة عمي فرحة شعرت بأني أوشك أن أطير من الفرح ، توجهنا نحو المبنى الإداري للجامعة ، كنت أخطو وكل ثقة العالم تتقدمني ، بلغنا مبنى التسجيل ، دخل عمي يتقدمني فتبعته ، طلب عمي الأوراق اللازمة للتسجيل من الموظف المختص فأعطاها له بعد أن أطلعه على كافة الإجراءات المتبعة وعلى الأوراق التي يجب إرفاقها بالطلب .
أمسك عمي الأوراق بيده ونهض واقفا وأشار لي بيده لنغادر المكان ، نهضت من مجلسي ومضيت أسير من خلفه إلى السيارة ، خلت أنه سيمنحني الإستمارة لأملئها لكنه لم يفعل ، بلغنا المنزل هممت بمغادرة السيارة فقال لي عمي بصوت رخيم :
فرح هلا تحضرين لي شهادتكِ لأرفقها بأوراق الطلب .
أشرت له برأسي أن نعم .
خرجت من سيارته توجهت لغرفتي أمسكت شهادتي بيد مرتجفة ومضيت إلى مكتبه . طرقت الباب ، سمعت ادخل فدخلت ، وجدته جالسا على مكتبة منكبا على استمارة التسجيل الجامعي يملئها بالبيانات .
رفع رأسة وقال : أهي شهادتكِ فقلت أجل أخذها مني وبدأ ينظر إليها وهو يقول : رائع ، رائع ، ممتاز درجة نهائية رائعة .
ثم ما لبث أن قال : اجلسي يا فرح .
جلست على أقرب كرسي وانتظرت ريثما ينبأني بما يريد .
رفع رأسة عن الأوراق وقال لي باسما :
تعلمين يا فرح أنكِ تمتلكين 55% من أسهم الشركة والتي هي بالأساس نصيب والدكِ بينما أمتلك أنا 45% منها فقط .
صمت قليلا ثم تابع حديثة :
الحياة يا صغيرتي تستمر وأنا أخشى عليكِ من بعد عيني ،لقد مضى والداكِ لدار الفناء ولا أعلم أنا متى يحين موعد رحيلي فذاك أمر بيد الله وحده ، لكن الحياة تمضي ولن أبقى بجانبكِ إلى الأبد فهذه هي سنة الحياة .
لذا ارتأيت أن تدرسي إدارة الأعمال لتكوني قادرة على إدارة أعمالكِ ومالكِ بشكل صحيح بعد رحيلي .
لعلكِ ترغبين بدراسة تخصص آخر يلائم ميولكِ وتطلعاتكِ ، أعلم هذا لكنكِ تنظرين للأمر بعواطفكِ بينما أنا أقيسه بعقلي .
يحتم عليّ واجبي أن أحمي مصالحكِ ومصلحتكِ كما ذكرت تكمن في الحفاظ على أموالكِ وإدارتها لذا إتخذت قراري بأن إدارة الأعمال هي ما يناسبكِ .
كان وقع تلك الكلمات عليّ كوقع الصاعقة ، لقد حدد مصيري ، لا رأيّ لي بالأمر .
إلا أني لذت بالصمت ، لم أصرخ لم أعارض ، لم أحتج .
مع أن كل عرق نابض فيّ كان يصرخ احتجاجا على ضياع حلمي ، فحلمي كان أن أغدو مهندسة لا سيدة أعمال .
نظر لي عمي مطالبا بجواب فأجبته :
لك أن تفعل ما تحسبه يصب في مصلحتي .
ثم سألته أما من شيء آخر فأجاب بلا .
فإستأذنته طالبتا الأذن بالمغادرة وغادرت المكان .
أسعد أيام حياتي تحول في الختام ليوم بائس ، كل أحلامي اغتيلت في مهدها ، عليّ أن أودع حلمي الجميل الذي رعيته إلى الأبد .
المال ، إنه السبب .
المال بالنسبة للعالم نعمة لكنه على ما يبدو بالنسبة إليّ نقمة .
إدارة الأعمال تلك التي أمقتها ستصبح على ما يبدو هي طريقي بل ستغدو وفقا لقول عمي مستقبلي .
الدموع ، أهذا هو وقت انهمارها على وجنتي ، كفي ، توقفي يا دموعي أرجوكِ فأنا الآن لا أريدكِ أن تمطري .


( مضت الأيام بعد ذلك متماثلة متشابهة فما من جديد إلا أن اليوم كان بالنسبة لي يوما غريب .
إنه يومي الجامعي الأول ، كنت أحسب الجامعة هي ما نشاهده على شاشات التلفزة في المسلسلات والأفلام لكن الواقع مغاير لما تخيلت .
دخلت الجامعة فوجدتها عالم كبير وواسع عالم مليء بالمباني .
أبصرت الآلاف الطلبة وهم يسيرون في الممرات كل يهرول في جهة مختلفة .
دخلت مبنى إدارة الأعمال بحثا عن قاعة المحاضرات حيث سأحظر محاضرتي الأولى .
أبصرت عيني حينها ما ملىء نفسي بالتساؤلات لقد شاهدت العجب .
لكني لم أكترث لكل ذلك بل حثثت الخطى بحثا عن قاعة المحاضرات ، تلك التي تورمت قدماي سيرا حتى عثرت عليها .
مرت ربع ساعة كاملة وأنا أبحث عنها ولجت إليها ، وجدتها فارغة فجلست وحيدة أنتظر . بلغتها قبل وقت بدء المحاضرة بعشرون دقيقة . بعد ذلك بدأ الطلاب والطالبات في التوافد إلى القاعة حتى إمتلئت ، جلسنا جميعا ننتظر المحاضر إنما دون جدوى ، مضى الوقت والمحاضر لا أحد .
شعر الجميع بالضيق والملل وبدأ الجميع في التسلل مبتعدين عن القاعة جماعات ووحدانا .
أما أنا فلبثت جالسة أنتظر عله يحظر ، خرج الجميع لم يعد في القاعة إلا أنا وفتاة أخرى يملؤنا الأمل .
لكنها ما لبثت أن قالت لي :
هل ستبقين جالسة تنتظرين يبدو أنه لن يحظر أبدا ، كلهم خرجوا ولم نبقى إلا نحن .
فأجبتها وإن خرجت فأين أذهب ؟
رمقتني بابتسام وقالت :
- اسمي ابتسام إدارة أعمال وأنتِ .
فأجبتها :فرح إدارة أعمال .
فقالت ضاحكة : نحن الإثنتان جديدتان ووحيدتان فلما لا نمضي إلى الكافتيريا فنتحادث ونتعارف عوضا عن جلوسنا في هذا المكان .
قصدنا الكافتيريا ، جلسنا نتحادث وبيد كل منا كوب من القهوة الساخنة ، تبادلنا الحديث فمر الوقت سريعا دون أن نشعر به .
وجدتها فتاة لطيفة ومؤدبة ، مما أشعرني بالسرور ، شعرت بالراحة وأنا أجالسها وأحادثها هذا الشعور الذي افتقدته منذ زمن .
كان سروري عظيما عندما علمت بأن جدولها الدراسي مماثل تماما لجدولي فغدينا زميلتي دراسة ولعلنا نكون صديقتان مستقبلا .
مضى يوميّ الجامعي الأول على خير ما يرام ) .

( لطالما حسبت أن إدارة الأعمال هو تخصص مناسب للرجال أكثر من النساء وأنه تخصص مليء بالأرقام والحسابات لكن الأيام وضحت لي عكس ذلك ، فما خلته صعبا كان بالنسبة لي سهلا .
قضيت أيامي السابقة كلها بين المنزل والجامعة .
كانت أجمل اللحظات هي تلك التي أقضيها مع صديقتي ابتسام حيث تمر الساعات في غمرة أحاديثنا وضحكنا كاللحظات .
المذاكرة تشغل كل أوقاتي فقد قررت بل هو عهد قطعته على نفسي بأن أكون من المتفوقات وأن أحرز أفضل النتائج في الإمتحانات .
لذا بات الكتاب رفيقي الدائم ، فأين ما أكون يكون دائما معي .
ولم تخيب الأيام آمالي أبدا فقد انتهى الفصل الدراسي الأول بنجاحي بإمتياز وكانت هذه أغلى الأماني .
عندما أبصرت نتيجيتي النهائية شعرت بالفرح ، أردت أن أطير ، أعانق النجوم ، ألامس القمر .
حملتها بين يدي ، أسرعت بالخروج من الجامعة ، عدت مسرعة إلى المنزل علني أبصر عمي فأبشره بنجاحي .
دخلت المنزل أحث الخطى ، عبرت الحديقة في عجلة من أمري وأنا أهرول لم أبصر تلك الحقيبة الصغيرة الموضوعة في طريقي قرب الدرجات الموصلة للمنزل فتعثرت قدماي بحزامها الملقى بإهمال فأوشكت على السقوط على وجهي .
اختل توازني أردت الحفاظ عليه لأحول دون سقوطي ، فتمسكت بأول شيء وجدته أمامي وكان ذاك أصيص الزهر الكبير الذي زرعته بنفسي ، فأوشك ذلك الأصيص على السقوط فوقي لولا امتداد يد جذبته للخلف بسرعة وبقوة
مما أنقذني من السقوط والسحق في آن واحد .
من سحب الأصيص صاح هاتفا بغضب :
أمجنونة أنتِ .
كنت خائفة مرعوبة ، كل عصب في جسدي يرتعد .
ما إن تمكنت من الوقوف باستقامه وكرامة حتى رفعت رأسي أبصر ذاك الغاضب .
أبصرت وجه الرجل الماثل أمامي ، ملامح وجهه مألوفه لكنها كذلك غريبه .
أنا أعرفه ، نعم أعرفه .
لكنه تغير كثيرا منذ آخر مره أبصرته فيها )
( أهذا هو حقا ؟ إن كان هو فقد حدثت في العالم معجزة ، من كنت أعرفه كان فتاً مراهقاً ، غاضب وثائر ، أشعث الشعر ، ملابسة دائما مجعده أو ملوثة لم تعرف الترتيب يوما ، يلبسها نظيفة لدقيقة ويعود بها مغبرة متسخة .
وهذا الماثل أمامي رجل أنيق ، وسيم ،ملامحة تنطق بالجمال وملابسة هي النظافة والأناقة في آن .
أمنّ الممكن أن تغير الخمس سنوات كل شيء في الإنسان ؟!!
رباه أهذا هو محمود حقا ! أهذا هو ابن عمي محمود .
أفقت على صوته الغاضب :
ما بالك ترمقيني هكذا وكأنك تشاهدين مخلوقا فضائيا قد هبط من كوكب المريخ على سطح الأرض .
قلت ذاهله :
محمود .
أجاب بملل :
إن لم أكن محمود فمن عساني أكون ؟
ثم ما لبث أن قال بسخرية :
طالما أنكِ تتكلمين كما يفترض بالنساء أن تتكلم فلا بد من أنكِ بخير .
ثم قطب ما بين حاجبيه وأضاف :
لا بد أنكِ فرح فما من أحد قادر على خلق المشكلات عداكِ ، لقد غدوت يافعة لكنكِ مازلتي عرضة للمشكلات تماما كما لو كنتِ طفلة ، ما الذي كنتِ تفعلينه قبل قليل ، إن كنتِ تودين قتل نفسكِ فافعلي ذلك بعيدا عن طريقي رجاءا ، فأنا لا أحبذ مشاهدة محاولات الإنتحار وخصوصا الفاشلة منها .
لكم أشعرني كلامه ذلك بالقهر والألم ، شعرت بأني موشكة على البكاء ، لذا اخترت الغضب فرفعت رأسي في شموخ وانبرى لساني يقول :
الإنتحار ، أنا أنتحر ، يبدو أنك أكثرت من مشاهدة الأفلام الهندية في الآونة الأخيرة .
ما أريد معرفته هو لمن تكون هذه الحقيبة الملقاة على الأرض ؟ لمن ؟ لا تقل لي أنها لك ، إن كانت لك فأنت الملوم على كل ما جرى ، تكون حينها المذنب الذي همّ بقتلي .
رمقني مغتاضا وقال :
عندما وضعتها هنا لم أخل أن عمياء تقطن معنا ، حقيبة بهذا الحجم ، أرجوكِ لا تقولي أنكِ لم تبصريها .
قلت حانقة :
ما كان لك أن تتركها في مدخل المنزل ، توجب عليك ادخالها منعا لحدوث الحوادث .
قال بملامح تنطق بعدم التصديق :
ماذا ؟ قلتِ ماذا ؟ حوادث ، رباه أرجوك ألهمني الصبر .
ثم ما لبث أن زفر قائلا :
أعود من السفر بعد غياب خمس سنوات وعوضا عن الحمد لله على سلامتك يا محمود ، أسمع منكِ هذا الكلام ، شكرا لكِ يا ابنة عمي .
أذهلني ما قال فرمقته بإندهاش وقبل أن أتفوه بأي كلمة استدار عني مبتعدا وغادر المكان .
بقيت واقفة لبرهة من الزمن ثم ما لبثت أن خطوت للأمام فتذكرت ، يا إلهي نتيجة الفصل الأول ، وقعت مني .
أدرت رأسي أبحث عنها فوجدتها مرمية أرضا وقد وطأتها الأقدام .
رفعتها عن الأرض بين يديّ ثم ما لبثت أن ضممتها لصدري وجلست على سلم المدخل أٌبصرها ملوثة فغشيت عيني الدموع وبت أبكي .
شعرت بتواجد أحدهم خلفي ، ما إن أدرت رأسي حتى وجدته واقفا يرمقني بحيره .
ثم ما لبث أن قال بصوت منخفض قلق :
دموع ! لن أفهم النساء يوما أبدا ، أتبكين لأني أنقذتكِ من سقوط محتم أوشك على تغيير ملامح وجهكِ .
ثم ما لبث أن قال بصوت حنون :
آسف إن قلت ما أزعجكِ ، فأنا لا أريد أن أكدركِ .
ما إن أكمل كلامه حتى ازداد سيل الدموع وعلا النحيب .
إزداد ذهولا وقال :
لا ، ما الذي فعلته الآن .
استدار قليلا فلمح الورقة بين يدي فقال :
ما الأمر ، ما هذا ؟
لمّ تحضنين هذه الورقة وتبكين ؟
كان ملىء صوته الرعب .
فأجبت بكلمات متقطعة :
نتيجة ...أأ الفصل الأول آآآ سحقت بالأقدام آآه .
ماذا !!!!!!!!!
مد يده وقال :
الورقة ولم يضف .
أعطيتها له متردده .
فأخذها مني وأخذ يمعن النظر فيها .
ثم ما لبث أن رمقني بعطف وقال :
أنا آسف وأرجو أن تقبلي اعتذاري ، لم أكن أعلم بأنه يوم نجاحكِ ، مبروك النجاح يا فرح ، نجاح باهر هذا الذي حققته .
رسم ابتسامة واسعة على شفتيه وقال :
ألن تصفحي عني ؟ ألن تتقبلي اعتذاري ؟ أرجوكِ كفي عن البكاء .
استدار للحظة وقطف بضع زهرات من اصيص زهوري وضعها مع نتيجتي ثم استدار وقدمها لي قائلا :
أعلم أن النساء تعشق الزهور ، ألن تأخذيها .
صرخت من بين زفراتي :
يا مجرم قتلت زهوري ، زهوري المسكينة قتلتها .
وقف جامدا متسع العينيين لبرهة ثم ما لبث أن استدار بعد أن أسقط الزهور من يده وغادر المكان .
جلست وحيدة أبكي ، إلى أن جفت دموعي ، فدنوت من تلك الزهور المرمية ، حملتها بين يدي هي ونيجة الفصل الأول ودخلت المنزل بهدوء قاصدة غرفتي
ولكم حمدت الله أن المنزل كان فارغا فكلهم قد خرجوا فلمّ يشهد أيّ من قاطنيه ألمي باستثناء مسببه ( محمود ) .
طرق باب المكتب فرفع محمود رأسه وقال :
ما الأمر .
أجابته زوجته :
هل أنت أفضل حالا الآن ؟
فأجابها :نعم .
ثم ما لبثت أن قالت : أتحتاج لشيء كوب شاي أو شيء من هذا القبيل .
صاح لا أريد شيئا فقط أن أبقى بمفردي .
كل ذاك الحديث دار من خلف الباب المغلق .
أتاه صوت زوجته الحزين : حسنا إن احتجت لشيء أبلغني .
فرق قلبه قليلا وقال :
شكرا لكِ عزيزتي ، لكني لا أحتاج لشيء الآن سوى أن أكون لوحدي .
حسنا .
كلمة وحيدة مبهمة قالتها وانصرفت .
ما إن غادرت زوجته المكان حتى عاد إلى تلك المذكرات يطالعها في شغف .
( كان ذلك اليوم كئيبا وحزينا بل قاتما بالنسبة لي ، لقد حول محمود فرحي الغامر إلى حزن عظيم ، جلست في غرفتي مكتئبة حزينة إلى أن حان موعد وجبة الغداء ، ولجت غرفة الطعام مكتئبة ولولا الحرج لأدعيت المرض ولما تناولت الطعام ، لأول مره كان الجميع متواجدا على وجبة الطعام ، عمي وزوجته وأبناءه الثلاثة أحمد ومحمد ومحمود ، بل كان الجميع فرحين فهذا يضحك وذاك يتحدث في صخب .
دخلت مسلمة فردوا عليّ السلام فدنوت من مقعدي وجلست عليه ، فنظر الجميع نحوي في ذهول باستثناء محمود ثم ما لبث عمي أن قال :
فرح لقد عاد محمود من السفر اليوم ألن ترحبي به .
كان عمي يحادثني والجميع ينظر لي .
فما كان مني إلا أن قلت بخجل :
الحمد لله على سلامتك يا محمود .
فأجاب :
سلمكِ الله يا فرح شكرا لكِ .
كانت وجبة الطعام تلك وجبة كارثية بالنسبة لي فقد كدت أختنق بالطعام الذي أتناوله أكثر من مره .
وذلك لأني شعرت بأن أحدهم يراقبني وما إن أرفع رأسي حتى تنخفض تلك العيون المراقبة إلى أن أدركت أن الفاعل محمود .
ما إن انتهت تلك الوجبة حتى هممت بالإنصراف لكن عمي منعني بقوله :
لم لا تبقي معنا قليلا صغيرتي لنستمع لأحاديث محمود عن سفره .
فأجبته قائلة :
آسفة عمي إلا أن صداعا مؤلما أصابني وأنا بحاجة للراحة قليلا .
فأجاب وإن على مضض :
إرتاحي يا صغيرتي .
مضيت لغرفتي أنشد الهدوء والسكينة والراحة .
جلست أفكر في أحداث اليوم إلى أن أرهقني التعب فثقلت عيناي ، شعرت بالنعاس فقررت أن أغفو قليلا وهذا ما حدث .
أفقت من نومي على صوت قرع باب غرفتي فقلت :
من الطارق ؟
فلم أسمع جوابا بل حل الصمت .
نهضت من سريري ، دنوت من الباب وهتفت :
من الطارق ؟
لم أجد مجيب .
ارتديت حجابي وفتحت الباب فوجدت جواره باقة زهر كبيرة واصيص زرع فارغ .
نظرت في أرجاء الممر فلم أرى أحدا دنوت من باقة الزهر والأصيص فوجدت بطاقة مرفقة مع باقة الزهر كتب فيها :
زهور اعتذار أقدمها لكِ ليتها تكون قادرة على محو ذنبي ، أرسلها لكِ لتزرعيها وتعتني بها عوضا عن تلك التي قتلتها بجهلي ، مبروك النجاح .
أرجوكِ اصفحي عني .
انتابني الذهول بعد قراءتي لتلك البطاقة ، لكني ما لبثت أن حملت باقة الزهر وأدخلتها لغرفتي ثم عدت من جديد لأحمل الأصيص هو الآخر وادخله ، فإن رأى أحدهم الزهور أو الأصيص فلا بد من أن ينتابه العجب .
دخلت لغرفتي وجلست على المقعد أتأمل باقة الزهر في صمت تتنازعني رغبتان الأولى أن أحطم رأس محمود والثانية أن أصفح عنه ).


( انتابتني الحيرة ، أين أضع اصيص الزرع ؟ لكني ما لبثت أن اهتديت لحل ، شرفة غرفتي هي المكان المناسب ، حملت الأصيص إلى هناك وقمت بزراعة الزهور فيه .
كانت الزهور جميلة عطره ، تنم عن ذوق رفيع ، أضفت بوجودها جمالا آخاذا إلى شرفة غرفتي .
فجلست على الكرسي جوارها أتأمل وفجأة تبادر هذا السؤال إلى ذهني :
منّ اختار هذه الزهور أهو محمود أم من باعها له ؟
إن كان محمود هو من اختار هذه الزهور فبالتأكيد إن ذوقه قد تحسن .
لقد تغير الكثير في محمود فمحمود الذي عرفت غير محمود الذي رأيت .
جلست قرابة الساعة في ذلك المكان أتمتع بالهدوء وبنسيم الهواء الخفيف .
بعدها عدت إلى غرفتي لأشاهد التلفاز .
مضى الوقت سريعا وحان موعد تناول وجبة العشاء فخرجت من غرفتي قاصدة غرفة الطعام ، ما إن أغلقت باب غرفتي بعد خروجي وسرت في الممر بضع خطوات حتى وجدت نفسي أسير خلف أحدهم إنه محمود .
لا أعلم لم تفوهت بتلك الكلمات لقد خرجت من فمي بطريقة تلقائية :
شكرا لك يا محمود .
كان الصوت ضعيفا بالكاد يسمع لكنه سمعه واستدار قائلا :
أنا لا أطلب شكركِ بل أطلب عفوكِ ، هل عفوتي عني يا فرح ؟
أجبته بسرعة :
نعم .
ارتسمت ابتسامة طفيفة على شفتيه واستدار مغادرا لغرفة الطعام وهذا ما فعلته أنا أيضا .
دارت أحاديث جمه أثناء تناول الطعام كان محورها محمود وما فعله خلال سنوات غيابه فكل يطرح الأسئلة وهو يجيب .
تبين ليّ من خلال الحديث أن محمود متحدث لبق قادر على استقطاب انتباه محدثيه وكان هذا اكتشافا جديدا بالنسبة ليّ .
انتهت وجبة الطعام فقصدت غرفتي ، أمسكت احدى الروايات في يدي وجلست أقرأ فيها إلى أن زارني النعاس فوضعتها جانبا وأغمضت عيني ) .

( انتهت إجازة منتصف العام وعدت إلى الجامعة وأنا بكامل استعدادي النفسي لبدء فصل دراسي جديد ، نظرت لجدولي الدراسي سأدرس خمس مواد خلال هذا الفصل وهو أمر جيد .
جلست في الكافتيريا أنتظر قدوم ابتسام لكنها بلغت الجامعة متأخرة قليلا حتى حسبت أنها لن تحظر لكنها سرعان ما ولجت من الباب وأسرعت تحث خطاها نحوي قائلة :
صباح الخير ، كيف حالك ؟ هل تناولتي القهوة أم أنكِ تنتظريني .
فأجبتها :
صباح النور ، أنا بخير ، لم أتناول شيئا بل بقيت جالسة أنتظركِ منذ الصباح .
فأجابت بارتباك :
آسفة على التأخير لن يسعنا شرب القهوة الآن فستبدأ المحاضرة بعد عشر دقائق ، سننصرف ونعود لشرب القهوة بعد انتهاءها .
حسنا .
قلتها على مضض .
بعد ذلك أسرعنا في مشينا قاصدتين قاعة المحاضرات وجلسنا متجاورتين بانتظار وصول المحاضر .
ما إن جلسنا حتى سألتنا إحدى الفتيات أتعلمون من سيكون محاضرنا ؟
فقلنا لها : لا ، لا نعلم .
بالكاد نطقناها إذ بأحدهم يلج من الباب حاثا خطاه نحو طاولة المحاضر .
ما إن أبصرته حتى انتابني الذهول .
هل بت أحلم في وضح النهار ، لا بد من أن بصري قد بات يخدعني ، أحقيقي هذا الذي تبصره عيني ؟
قطعت كلماته حبل أفكاري .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اسمي الاستاذ محمود وسأكون محاضركم في ..................... لكن إذني لم تسمع المزيد ، محمود إنه محمود ،
محمود ابن عمي هو استاذي الجديد !!!!
كان وقع المفاجأة عليّ غريبا فلم أعلم أيجب عليّ أن أفرح أم يجب عليّ أن أحزن .
وما صدمني حقيقة هو عدم معرفتي بالأمر فهو لم يخبرني قبلا بأنه سيعمل استاذا محاضرا بالجامعة .
أفقت من أفكاري على همسات ابتسام الموجهة لي :
ما بالكِ أنتِ ترمقين المحاضر بإندهاش منذ دخوله ، كفى وإلا أثرتي ريبة الآخرين ، صدقيني أنا الأخرى صعقت عندما شاهدته فلم أخل أن محاضرنا سيكون شابا ، فما بالكِ وأنا أراه شاب جميل ووسيم ، لكني لم أبالغ مثلكِ في شعوري بالصدمة .
نظرت إليها بابتسام للحظة فلم أعرف بماذا أجيبها ، لذا لذت بالصمت .
رفعت رأسي أنظر أماما لأتابع المحاضرة التي بدأت قبل فترة بينما كنتٌ أنا مسافرة في عالمي الخاص .
كان إسلوبه رائعا وشرحه وافيا ، بالمختصر المفيد كان استاذا بارعا .
انتهت المحاضرة فغادرنا أنا وابتسام قاعة المحاضره متجهتان لحضور المحاضرة الثانية ما إن انتهت حتى قصدنا الكفتيريا لشرب كوب القهوة الذي تأخر قليلا وطلبنا معه شطيرة لكل منا .
ما إن استقر بنا المقام حتى ضحكت ابتسام بحبور قائلة :
كلما تذكرت وجهكِ وأنتِ ترمقين الإستاذ الجديد بذهول انتابتني موجة من الضحك ، يا إلهي ، لربما حدقتي به لأكثر من عشر دقائق .
قلت حانقة :
إن كنتِ مصرة على هذا الحديث ***تحسن بي النهوض من مكاني والتوجه لمكان آخر .
قالت ذاهله :
مهلا كنت أمزح ، أقسم بالله أنه كان مزاحا ، ما الذي يحدث لكِ ؟ آسفة إن كان كلامي قد أحرجكِ .
أجبتها بإعتدال نسبي :
لم تحرجيني أبدا ، أشعر بأني متعبه قليلا .
ثم ما لبثنا أن غيرنا موضوع الحديث إلى آن حان موعد المحاضرة الثالثة والأخيرة في ذلك اليوم فأسرعنا نعبر ممرات الجامعة لحضورها .
( شعرت بالغضب والضيق من محمود ، بلغ غضبي أقصى مدى له في ذلك اليوم هو استاذي ولم يخبرني بذلك قبلا أضف لذلك أنه لم يعلمني بأنه سيعمل وأن عمله سيكون في الجامعة .
بلغت المنزل عصرا فتوجهت إلى غرفتي أبحث فيها عن هدوء البال والسكينة إلا أني بالكاد بلغت أولى درجات السلم إذ بالباب يفتح ، استدرت لأبصر القادم إذ به محمود فاستدرت غاضبه أود الصعود لكنه قال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مساء الخير يا فرح .
فأجبته ببرود :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، مساء النور .
وصعدت درجتان من درجات السلم إذ به يقول :
ما الأمر يا فرح لمّ تحدثيني ببرود وكأنكِ تودين تجاهل وجودي .
أغاظتني تلك الكلمات إلى أبعد الحدود فاستدرت إليه غاضبه وقلت محتجة :
ولمّ أحادثك ببرود ؟ هل فعلت أنت شيئا يجعلني أتجنبك ، مستحيل . فأنت لم تفعل شيئا من ذلك أبدا .
لقد أخبرتني بأنك قد عدت من سفرك لتعمل كأستاذ في الجامعة بل لم تكتفي بذلك لقد أنبأتني بأنك ستكون استاذي أيضا .لذا لم أشعر بالدهشة والعجب عندما شاهدتك في قاعة المحاضرات اليوم .
كنت أتحدث بإنفعال وكان وجهه طوال فترة حديثي يتقلب بكل ألوان الطيف .
وقبل أن يفتح فمه ليجيب على كلامي .
ارتفعت ضحكة ساخرة من أعلى السلم فاستدرت أبصر الواقف هناك إذ به محمد ، وقف أعلى السلم يضحك ملىء فيه ثم ما لبث أن قال متهكما:
ألم تدرك يا أخي العزيز أنه كان يتوجب عليك حمل لوحة إعلانات كبيرة تحملها على صدرك مكتوب عليها إني استاذ في الجامعه ألا فليعلم حاضركم غائبكم وليكن أول العالمين فرح وذلك لأنها ستكون تلميذتي طبعا .
ما إن أنهى تهكمه المهين حتى هرولت مبتعده عن الإثنان ، قادتني قدماي إلى المطبخ .
كنت أسير وهتاف محمود يطرق مسمعي :
فرح ، اسمعيني يا فرح .............. فرح ................
كان جوابي هو الهروب للمطبخ .
أغلقت باب المطبخ خلفي ، شعرت بأني موشكة على البكاء ، قاومت هذا الإحساس ، فإن بكيت ودخل أحدهم وشاهد دموعي فسيكون في ذلك منتهى اذلالي .
لذا قمت بوضع الماء في ابريق الشاي ، لأعد لي كوبا من الشاي عل الأمر يشغلني قليلا .
ما إن وضعت الإبريق على النار وابتعدت عدت خطوات إذ بصوت الصياح يعلو :
لم أفعل ما هو خاطىء أبدا ولن أعتذر من أحد .
كان ذلك صوت محمد .
صاح محمود قائلا :
بل فعلت ، تدخلك فيما لا يعنيك تصرف خاطىء ، أضف إلى ذلك أنك قد جرحت مشاعر الآخرين ، ستعتذر أو ............. .
يإالهي سيتشاجر الإثنان هذا ما قلته لنفسي .
وهرولت خارجة من المطبخ أهدف لوقف نزاعهما ،بينما كنت في طريقي سمعت من الكلمات الغاضبة ما يجعل الولدان شيبا .
بلغت مكانهما ، كان منظرهما مرعبا ، الإثنان غاضبان وكل منهما يهدد ويتوعد الآخر .
لذا صرخت فيهما :
كفى أنتما الإثنان ، كفى صراخا .
استدار الخصمان المتنازعان ورمقاني بغضب وهتفا بصوت واحد :
لا شأن لكِ بالأمر .
ثم استدارا وتابعا الجدال .
كانت تلك هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير .
لم أعد قادرة على تحمل المزيد ، لذا تركتهما لشأنهما وابتعدت قاصدة غرفتي إلا أني تذكرت ابريق الشاي ، حثثت خطاي نحو المطبخ ، أطفئت النار وهرولت مسرعة نحو غرفتي ).


ضمآن بين النهرين غير متواجد حالياً  
التوقيع
ظلم ، ظلم في أطيب شعب يرمون النار
جرم ، جرم أن يقتلنا الجيش ويدمي الدار

ترقبوا


رد مع اقتباس
قديم 28-04-10, 08:51 PM   #2

ضمآن بين النهرين

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ضمآن بين النهرين

? العضوٌ??? » 2194
?  التسِجيلٌ » Feb 2008
? مشَارَ?اتْي » 4,869
?  نُقآطِيْ » ضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond repute
افتراضي

( انتابني صداع شديد ، شعرت بأن رأسي موشك على الإنفجار ، كانت التساؤلات الحائرة تعتمل في نفسي .
لم سخر محمد من كلامي الموجه لأخيه ؟ ثم لمّ تشاجر الإثنان ؟ ولمّ لم يصرح لي أياً منهما بسر ذلك الشجار .
خرجت من غرفتي إلى الشرفة أتوق لتنفس الهواء الطلق فأبصرت عيناي الزهور التي أهداني إياها محمود في يوم نجاحي لقد نمت وأزهرت .
لطالما عنيت بها كنت أرويها الماء كل يوم ، وها هو جهدي قد أثمر جمالا طبيعيا ساحرا يسلب الألباب .
دنوت من الزهر أشم أريجه العطر الفواح ، فقادني أريجها لذكرى ذلك اليوم وما تلاه من أحداث .
لطالما كان محمود بالنسبة ليّ لغزا غامضا فهو تارة طيب القلب ، لطيف ، وتارة أخرى عنيد ، ثائر ، صعب المراس .
فأيهما هو محمود الحقيقي بل لعله مزيج من الإثنان . إذن لمّ محمود الطيب القلب يروق لي بينما محمود الثائر يقلقني ؟
بقيت في غرفتي طوال تلك الليلة أصارع الأفكار متذرعة بألم الرأس .
استيقظت صباح اليوم التالي متألمة ، رأسي يؤلمني للغاية إلا أني لم أعتد التغيب عن الجامعة قبلا لذا تحاملت على نفسي ونهضت .
بلغت الجامعة منهكة القوى تماما بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ، التفكير أتعبني وأقلق راحتي .
بلغت قاعة المحاضرات إذ بإبتسام تنتظرني ما إن شاهدتني حتى قالت :
ما الأمر يا فرح تبدين متعبه للغاية ؟
هل يبدو الأمر جليا .
ربما ليس للجميع إنما بالنسبة لي بلى .
جلست جوارها صامته ، فرمقتني بعجب وقالت :
ما الأمر ؟
أجبتها :
رأسي يؤلمني يوشك على الإنفجار .
فابتسمت وقالت مازحة :
إن كان رأسكِ موشك على الإنفجار قبل محاضرة الدكتور حسان فإنه من المؤكد سينفجر بعد إنتهاءها .
لذت بالصمت ورسمت بسمة مقتضبة على شفتاي .
دخل الدكتور حسان قاعة المحاضرة وبدأ في عرض المعلومات بطريقته السردية المعتاده التي تشعر جميع الطلبة بالسأم لذا يلجأ الكثيرون في أثناء محاضرته إما للرسم في دفتر المحاضرة وإما لتبادل الحوار المكتوب بين الزملاء المتجاورين .
رباه ، اشتد الألم في رأسي عن ذي قبل فلم أعد قادرة على احتمال المزيد من الألم لكني لذت بالصمت ما إن انتهت المحاضرة حتى نهضت متثاقلة من مكاني .
فأسرعت ابتسام هي الأخرى واقفة ،دنت مني مسرعة وقالت :
وجهكِ شاحب جدا ، ما الخطب ؟
رأسي .
كانت تلك هي الكلمة الوحيدة التي خرجت من لساني ، سرت ببطء شديد إلى خارج القاعة ، كانت ابتسام تسير بقربي تراقبني .
ما إن بلغنا منتصف الطريق حتى شعرت بموجه عاصفة من الألم ، استندت على الجدار ، أسرعت ابتسام لتمسك بيدي وتحادثني .
سمعت أحدهم يقول بقلق :
ما الأمر ؟
ابتعدت ابتسام قليلا عني تبصر السائل ما إن شاهدته حتى قالت باستغراب :
استاذ محمود ............ استاذ لا شيء خطير إنها آآ............فرح رأسها يؤلمها .
هل أنتِ بخير يا فرح ؟
قلت بضيق وبألم وأنا ممسكه بصدغي :
رأسي أشعر بأنه سينفجر ، ألم رهيب .
لدي محاضرة بعد خمس دقائق ، سأتصل بالسائق ليأخذكِ للمنزل ، آنستي ابقي معها أرجوكِ إلى أن يأتي السائق ، لا تتركيها وحيدة .
قال كل ذلك في نفس واحد ثم أمسك هاتفه النقال واتصل بالسائق ليأتي ويأخذني من الجامعة .
ثم استدار ليواجه ابتسام المنذهله وقال خذيها للإستراحة لترتاح قليلا .
فأجابته ابتسام باندهاش:
حسنا .
ما إن أتمت كلمتها حتى استدار محمود مبتعدا متوجها نحو محاضرته بينما بقينا وحدنا أنا وابتسام فقادتني إلى الإستراحة لأرتاح .
كانت عيناها تقول الكثير مما يود لسانها البوح به لكنها ظلت صامته ، فهي تدرك تمام الإدراك أن الوقت غير ملائم للنقاش .
وصل السائق فعدت إلى المنزل إلى هدوء غرفتي لأنام وأرتاح .
( نمت نوما عميقا نسبيا ، استيقظت منه على صوت قرع الباب ، أحدهم يطرق باب غرفتي هذا مؤكد إلا أني لم أستطع الإجابه فقد كنت بحاجة للنوم والراحة ولم أشأ الإستيقاظ فأنا لم أشعر بالإكتفاء بعد ، فجأة أفقت من نومي على صوت محمود القائل من خلف الباب :
فرح هل أنتِ بخير أرجوكِ أجيبيني إن كنتِ تسمعين قولي لي وإلا سأضطر للإتصال بأمي لتحضر من بيت الجيران أجيبيني يا فرح أجيبي .
قفزت من سريري فزعة مضطربة وأنا أصرخ بضيق :
لا تزعجني أود أن أنام ، ولا تزعج عمتي .
سمعت صوته القلق يقول :
أأنتِ بخير يا فرح .
فأجبته :
نعم لكن أرجوك دعني أرتاح قليلا ، أنا بحاجة للنوم أكثر من الصراخ والقلق .
قال متبرما :
حسنا .
وانصرف .
لكن النوم هرب من عيني ، حاولت أن أنام مجددا فلم أتمكن من فعل ذلك .
فأخذت أتمتم غاضبة صابة كل الكلمات الغاضبة في الكون على رأس محمود فهو سبب صداعي وهو السبب في هروب النوم من عيني ) .

( بلغت الجامعة في اليوم التالي مبكرة قليلا كالمعتاد ما هي إلا خمس دقائق وإذ بابتسام تدخل من باب الكافتيريا ، بلغت مكانها المعتاد قائلة :
صباح الخير يا فرح ، كيف حالكِ اليوم .
فأجبتها :
صباح النور ، بخير والحمد لله ، أترغبين بكوب من القهوة قبل بدء المحاضرات ؟
أجابتني :
لا ، لا رغبة لي بالقهوة الآن ، بل أود أن أطرح عليكِ العديد من الأسئلة التي أتوق لمعرفة الإجابة عنها وبأسرع وقت .
كنتٌ كلما استمعت إلى الكلام الخارج من فمها أتوق إلى إرجاعة حيث كان ، إنما ما من سبيل لفعل ذلك خصوصا مع ابتسام فقلت وإن على مضض :
تفضلي :
ابتسمت بحبور وبدأت بإطلاق سيل أسئلتها قائلة :
أنتِ تعرفين الأستاذ محمود من قبل وهو يعرفكِ أليس كذلك ؟ منذ متى وأنتِ تعرفينه ؟ كيف تعرفتي عليه ؟ لمّ لم تخبريني بذلك قبلا ؟ لمّ ..................
يا إلهي ما كان لسيل الأسئلة أن يتوقف لولا مقاطعتي لها بقولي :
الأستاذ محمود هو ابن عمي وأحسب أن هذا يجيب على كافة أسئلتكِ التي طرحتي نوعا ما ولا أمتلك الوقت الكافي للإجابة على كافة الأسئلة فالمحاضرة الأولى ستبدأ بعد قليل ، فلنمضي .
لكنها لم تنهض وأرادت معرفة المزيد فقالت :
ولكن .........
لم أدعها تكمل الحديث بل قلت :
المحاضرة أولا .
فنهضنا متجهتين لقاعة المحاضرات .
بعد ذلك بات الأستاذ محمود هو محور أحاديث ابتسام وتساؤلاتها ، فكلما جلسنا نتحادث يلج اسم الأستاذ محمود تلقائيا إلى موضوع الحديث .
كان الأمر مزعجا بالنسبة لي ، لكني لم أجد طريقة لبقة ومناسبة لأوضح لها بأني لا أود الحديث عن ابن عمي لا أمامها ولا أمام سواها .
بعد ذلك ببضعة أيام انتشر نبأ قرابتي بالإستاذ محمود بين طالبات الكلية ، فباتت بعضهن يتقربن مني بأي عذر ليسألنني عنه و يسعين لصحبتي مع أنهن ربما لم يدركن وجودي من قبل .
وأخريات يتهامسن بقربي قائلات :
الأقربون أولى بالمعروف ، بما أنها ابنة عمه فمن المؤكد أنها ستحظى بدرجة ممتاز ، بل لعلها ستكون على علم بكافة أسئلة الإمتحان قبل الإمتحان وكذلك أجوبتها .
ويتضاحكن .
كنت في أعماقي أود أن أنهض من مكاني ثائرة وأن أقوم بصفعهن جميعا ، لكن ما جدوى ذلك ، لن يفيدني ذلك بشيء سوى أن يفاقم المشكلة .
شعرت بالضيق والألم بت أكره الذهاب للجامعة .
وجدتني عمتي ذات يوم جالسة في حديقة المنزل أرمق الأفق والدموع تنهمر من عيني ، لم أدرك وجودها جواري إلا عندما تكلمت قائلة :
ما الذي يبكيكِ يا فرح ؟
رفعت رأسي وأجبت ذاهلة :
لا شيء .
فدنت مني وجلست جواري قائلة بابتسام :
لا يبكي المرء من أجل اللاشيء يا فرح ، ما الأمر ؟ أخبريني .
فأطلعتها على ما يقلنه الطالبات عني في الجامعة ومن أن حصولي على درجات عليا هو نتيجة لقرابتي بمحمود لا نتيجة لإجتهادي .
ما إن أنهيت حديثي حتى قالت لي :
الناس تبحث عن أي شيء لتتحدث عنه وما من شيء يمنع أقوال وأحاديث الناس خصوصا الحاقدين والحاسدين منهم ، هن يعلمن أنكِ متفوقه وأنكِ تحصلين على درجة ممتاز في كل المواد قبل أن يعمل محمود في الجامعة .
لكن ما يحرضهن على قول هذه العبارات هو حب الفضول والغيرة ، ثقي بنفسكِ يا فرح ولا تدعي الأقاويل تنال منكِ أبدا بل كوني قوية دائما .
أنهت حديثها وانصرفت تاركة إياي وحيدة أفكر في كلماتها تلك .
ما الذي سأجنيه إذ ما كرهت الجامعة سوى تعذيب نفسي وضياع مستقبلي ، لن أكترث بعد اليوم لكلماتهم المهينة ستدخل من أذن وتخرج من الأخرى وستكون اجابتي دائما هي ابتسامة وضاءه تعلو شفتاي كلما أمعنوا في اهانتي ، وسأرى لمن تكون الغلبة في الختام .
كان القرار الذي اتخذته قرارا مصيريا لكنه قرار فعال .

( التزمت بقراري وبت أجابه كلام زميلاتي عني وعن محمود بالإبتسام الدائم ، أدركن مع مرور الوقت أن الأمر ما عاد يغبضني فتركنني وشأني .
مضت الأيام بعد ذلك متماثلة فما من جديد ،الفصل الدراسي يوشك على نهايته وما من تغيير في مسار حياتي .
( لقد حدث اليوم أمر جلل ، لربما تعجز كلماتي عن وصفه ، فما من كلمات قادرة على وصف ما حدث .
توجهنا أنا وابتسام إلى قاعة المحاضرة قبل موعد بدأها بوقت طويل لذا فضلنا الجلوس في الممر على الكرسي المواجه لقاعة المحاضرات ، وجلسنا نتحادث ، قبل بدء موعد المحاضرة بربع الساعة تقريبا دخل محمود قاعة المحاضرات حاملا معه حقيبة أوراقة ، ما إن دخل القاعة ووضع حقيبته إذ برئيس القسم يلج إليها فحادث محمود ببضع كلمات وغادر الإثنان القاعة .
دخلت إحدى زميلاتنا إلى القاعة بعد مغادرتهم ببضع ثوان ، أبصرت القاعة فارغة فأخرجت رسالة من دفتر محاضراتها وخبأتها أسفل حقيبة محمود ثم خرجت مسرعة غافلة عن وجودنا أنا وابتسام على الكرسي المواجه لباب القاعة ، أصابتني الصدمة عندما شاهدت فعلها ، وعللت الأمر بقولي لعليّ كنت أهذي ، أدرت رأسي نحو ابتسام إذ بملامحها تنطق بالصدمة والغضب في آن ، كانت واقفة على قدميها وقبل أن أفتح فمي أمسكت بيدي وجذبتني لأنهض مرغمة وهرولت بي نحو قاعة المحاضرات ، ما إن دخلنا حتى أغلقت الباب خلفنا على عجل ، وأسرعت نحو طاولة المحاضر ، استلت الرسالة من مكانها ووضعتها في دفتر محاضراتها ثم قالت :
افتحي الباب ولنجلس .
فقلت مصدومة :
ماذا ؟
فقامت هي بفتح الباب عوضا عني وأمسكت بيدي وقادتني للجلوس .
ما إن جلسنا حتى قلت هامسة بغضب :
كيف تجرأت على أخذ رسالة موجهه لغيركِ من دون إذن صاحبها ، وما الذي سيحدث لو رآكِ أحد .
فأجابتني بصوت منخفض :
اعلمي أني فعلت خيرا بأخذي الرسالة ، لو كان ما ورد فيها أمر شرعي لما وضعتها أحلام خلسه وهرولت مبتعده عن المكان .
ثانيا ما كان لأحد أن يبصرنا والباب موصد يجب عليكِ أن تحمدي الله على أن الأمور قد جرت على خير ما يرام .
ثم ما لبثنا أن كففنا عن الحديث في الأمر فقد بدء الجميع بالتوافد للقاعة .
دخل محمود القاعة وأخذ يحاضر لكني ولأول مرة لم أكن انصت لمحاضرته ، إذ كان ذهني مشغولا بأمر تلك الرسالة وما تحويه ، أضف لذلك كيفية استيلاء ابتسام عليها دون إذن من صاحبها .
انتهت المحاضرة فبدأ الجمع في المغادرة ، فهمست ابتسام قرب اذني :
فرح ، لنخرج فأنا متشوقة لمعرفة ما كتبته أحلام في تلك الرسالة .
رمقتها بغضب وخرجنا .
سرنا إلى الكافتيريا واخترنا لنا طاولة منعزلة وجلسنا عليها إذ بابتسام تخرج الرسالة فقلت لها بصوت متحشرج :
هل جننت ؟ ما الذي تفعلينه ؟
فأجابتني بالفعل لا بالقول ، فضت الرسالة وقرأتها في صمت بينما كنت أرقبها في ذهول .
كانت تقرأ الرسالة وكلما قرأت أكثر كلما إزداد وجهها تغضنا وحنقا .
انتهت من قراءة الرسالة ومررتها لي قائلة :
إقرأي .
فقلت :
لا أريد .
فأدنت كرسيها من الكرسي الذي أجلس عليه وأخذت تقرأ الرسالة بصوت منخفض جدا بالكاد يسمع كان أقرب إلى الهمس منه إلى الكلام :
أستاذ محمود أود أن أشكرك على الجهود التي تبذلها من أجل ايصال المعلومات لنا .
تعجبني كثيرة طريقة شرحك للدروس ،يعجبني خلقك .
لكنك بعيد دائما عن طلبتك لكأنك تضع حاجزا دائم بينك وبينهم ، هناك دائما حاجز يقول أنت الأستاذ ونحن الطلبة مع أنك لا تكبرنا إلا ببضع سنوات .
التوقيع ( طالبة يهمها أمرك ) .


( أسمعتي هذا يا فرح .
قالتها بغضب .
فأجبتها وأنا مطرقة برأسي :
نعم سمعت ، لقد أخطأت هي بوضعها الرسالة لكننا أخطأنا أيضا ، لقد استولينا على الرسالة التي هي ملك لغيرنا بطريق غير مشروع وقمنا بفضها وقراءتها أليس فيما فعلنا خطأ كبير ، لم يكن يتوجب علينا علاج الخطأ بخطأ أكبر منه .
نظرت ليّ مصعوقة وقالت :
ماذا ؟
رمقتها بنظرة ثابته وقلت :
سمعتني ، لا يعالج الخطأ بالخطأ ، أنتِ تدركين ذلك .
أجابتني متمتمة باندهاش بل لكأنها كانت تخاطب نفسها :
إذن يتوجب علينا الجلوس مكتوفتي الأيدي ونحن نبصر فعلها المشين !
ثم ما لبثت أن قالت :
لنغير موضوع الحديث رجاءا ، لا أريد أن نختلف بسببها .
جاريتها وناقشنا مواضيع أخرى مختلفة لكن الجلسة ظلت معتمة تخيم عليها الظلال التي كتمت أنفاسنا وضيقت صدورنا ، بل لعلي الوحيدة التي ضاق صدرها .
كنت أتحدث لكنما الشعور بالذنب كان ملازما لي بل شعرت بأنه مرتسم على جبيني .
لم يعجبني تصرف ابتسام مطلقا ، كان هذا هو الخلاف الأول الذي يحدث بيننا ، ليته كان خلافا في وجهات النظر لكان الأمر بسيطا وسهلا ، لكنه خلاف جوهري ، إنه المبدأ ، إنها الأخلاق .
لم أعتد يوما النظر إلى ممتلكات الآخرين الشخصية ، تربيتي وأخلاقي لم تجز لي يوما فعل هذا .
واليوم أٌجبرت بل أٌ كرهت على معرفة ما ورد برسالة موجهه لسواي .
لكم آلمني هذا الإحساس .
قبل بدأ المحاضرة التالية أبصرت ابتسام أحلام وهي تسير في الممر قادمة لحضور المحاضرة ولا أعلم لمّ انتابني شعور بأن ابتسام كانت تقف هناك عامده تسعى لإنتظارها لأنها ما إن أبصرتها حتى قالت بغنج ودلال :
فرح ، لمّ تضعين حاجزا بيني وبينكِ ، أنتِ تعلمين أن أمركِ يهمني .
سمعت أحلام تلك الكلمات ، توقفت عن السير لبرهه ثم ما لبثت أن استدارت ترمقنا بذهول ، كل علامات الصدمة ارتسمت على محياها فقد اتسعت عيناها وعلا الشحوب وجهها في آن ، إن هي إلا برهه ثم استدارت مهرولة عائدة من حيث أتت .
وددت لو كان بامكاني ارجاع الزمن إلى الوراء لأمحو تلك اللحظة لأزيلها من الحياة ، لكن لو لا تحقق شيئا أبدا .
كنت ذاهلة أنا الأخرى من تصرف ابتسام لذا لم أقوى على الكلام .
عندما أفقت من صدمتي قلت لها بحنق وغضب :
من المؤكد أن الجنون قد أصابكِ ، ما الذي فعلته ؟ ما الذي حققته بإهانتكِ لها سوى الحقد والغل بل لعلها الآن لا تكرهكِ وحدكِ بل تكرهنا جميعا ، أما كان بامكانكِ إلتزام الصمت ؟
رمقتني بغيض وقالت :
ما الذي يحدث لكِ اليوم ؟ هي المخطئه ولست أنا ، لمّ تتوقين للشجار معي ؟ لمّ تلوميني بينما يجب أن تلوميها ؟
فأجبتها ببرود ثلجي :
إن أخطأت فالله هو الذي يحاسبها على تصرفها وليس أنتِ .
نظرت لساعتي وأكملت :
المحاضرة ستبدأ بعد دقيقة فلندخل قاعة المحاضرات الآن .
سرنا معا نحو قاعة المحاضرة وجلسنا متجاورتين كما اعتدنا دائما ، لكني شعرت بأن هناك مسافة شاسعة غير مرئية تفصل بيننا نحن الإثنتين .
آلمني هذا الشعور ، أرهقني هذا الإحساس ) .

(عدت إلى المنزل مرهقة ، متعبة، مثقلة بالآلام ، ولجت من باب المنزل إلى غرفتي مباشرة ، جلست أفكر فيما جرى والقلق والندم يتآكلاني ، كلما ازددت تفكيرا كلما زاد اضطرابي .
انتهى الأمر بسقوط الدمع من عيني على وجنتيّ .
قادني فكري إلى خيارين لا ثالث لهما إما أن أخبر محمود بما حدث فأكفر عن ذنبي وإما أن ألوذ بالصمت فتظل الذكرى صفحة سوداء عالقه بذهني تطاردني طوال الحياة .
كان الإختيار صعبا جدا فالخيار الأول يتطلب شجاعة فائقة بينما الخيار الثاني يتطلب جبناً وانهزام .
طال تفكيري بالأمر ، فجأة ودون انذار مسبق ، نهضت واقفة على قدماي ، ارتديت حجابي وغادرت الغرفة ، سألت الخادمة عن محمود فأخبرتني بأنه موجود في مكتب عمي ، حثثت الخطى نحو المكتب ، بلغته فانتابني الإضطراب ، رفعت يدي لأطرق الباب فوجدتها ترتجف ومع ذلك طرقته وانتظرت .
سمعت كلمة تفضل ففتحت الباب ودخلت .
كان محمود جالسا إلى المكتب يطالع بعض الأوراق ما إن شاهدني حتى تملكته الدهشة وقال :
فرح ، إن كنتِ تريدين محادثة أبي فهو غير موجود حاليا .
رمقته بضعف وقلت بصوت مضطرب واهٍ :
لا أريد التحدث مع عمي بل معك أنت .
قطب ما بين حاجبية وقال :
ماذا ؟ لم أسمع .
قلت فجأة بصوت مرتفع ومرتبك في آن :
أود محادثتك أنت لا عمي .
نظر ليّ بعدم تصديق وقال تفضلي بالجلوس .
جلست على أقرب كرسي ليّ وأخذت ألهو بأصابع يدي في صمت ، لم أعرف كيف أبدأ حديثي وما الذي يتوجب عليّ قوله .
طال الصمت القائم فقال محمود :
أخبريني ما الأمر يا فرح ، بم تودين محادثتي ؟
فقلت باضطراب :
محمود إن أخطأت بحقك واعتذرت لك هل تسامحني ؟
حدق بي متعجبا وقال :
أهو سؤال افتراضي ؟ أم هو سؤال حقيقي ؟
فقلت له :
لقد طرحت عليك سؤالا وأردت منك أن تجيبنيّ عليه ، لكنك أجبت السؤال بسؤال آخر وهو أمر غير مسموح به ، أريد الجواب .
شعرت بأن نظراته نحوي قد إزدادت عمقا ، لكأنه يريد أن يقرأ ما أخفي .
لاذ بالصمت لبرهه فبدأ الخوف يطرق بأياديه البارده جدران قلبي ويتسلل إلى مشاعري ، صارخا بي كفى غباءاً اهربي ، أنقذي نفسكِ .
كان صراعا عنيفا ذاك الذي يحتدم في نفسي .
جلى صوته قليلا ثم ما لبث أن قال :
تذكريني بأحداث التاريخ فكلما وقع أحدهم في ورطة كبرى قال للحاكم أو للقاضي لا أتكلم حتى تعطيني الأمان ، أهذا ما تسعين إليه يا فرح ، الأمان .
أغمض عينيه لبرهه ثم فتحهما وقال :
حسنا أعطيكِ الأمان .
محمود أنا أنا . أنا في الواقع ...أنا في الحقيقة ........... أ
فقال هازلا :
ما الأمر يا فرح ؟ يبدو أن كلمة أنا تعجبكِ كثيرا ، أيمكنكِ تركها جانبا والدخول في صلب الموضوع .
فقلت حانقة :
أنت لا تسهل الأمر عليّ .
فابتسم وقال :
وكيف أسهل الأمر ؟
فقلت :
بأن تكف عن الحديث وأن تكتفي بالإصغاء فقط .
أطرق برأسه وقال :
كلي آذان صاغية .
بدأت الحديث بصوت مضطرب وقلت :
محمود لقد اقترفت اليوم جرما شنيعا جدا .
توقفت عن الحديث لبرهه ورمقته لأبصر تعابير وجهه ، لكنه ظل مطرقا برأسه صامتا ينتظر مني اكمال الحديث ، فأراحني ذلك قليلا وتابعت قولي :
أنا ، حسنا ، شاهدناك أنا وزميلة لي اليوم وأنت تلج لقاعة المحاضرة مبكرا لكنك ما لبثت أن خرجت تاركا حقيبة أوراقك هناك ، بعد مغادرتك أبصرنا فتاة ، زميلة أخرى لنا وهي تلج لقاعة المحاضرة ، كانت ، كانت تضع رسالة لك أسفل حقيبة أوراقك .
شعرت بأن صوتي قد بدأ بالإنخفاض مع نهاية الكلمات وانتابني الإضطراب ، رفعت رأسي أبصره في صمت فقال :
أكملي :
وضعت الرسالة ثم خرجت فدخلنا القاعة حيث ، حيث ..............أنا أنا
ولم أعرف كيف أو لماذا انهمرت الدموع من عيني .
لكني أكملت بصوت تخنقه العبرات :
أخذت زميلتي الرسالة وأخفتها رغم احتجاجي ثم قرأتها على مسمعي بعد انتهاء المحاضرة .
أنا آسفة ، آسفة جدا ، ............ حدث هذا رغما عني ، أعتذر لأني كنت موجودة .............. لأني لذت بالصمت ، ولأن ما حدث حدث أمام ناظري .............. أنا ................................
وازداد سيل الدموع ، فلم أعد أقوى على قول المزيد .
فجأة ، وجدت علبة المحارم الورقية موضوعة قرب يدي وأحدهم يقول ليّ :
خذي .
كان محمود واقفا على قدميه جواري يناولني محارم الورق .
أخذتها منه ومسحت دموعي .
عندما انقظت موجة البؤس التي اعاني منها ، عاود الجلوس على كرسيه وقال بهدوء :
أخبريني إن كنت قد فهمت قولكِ جيدا ، كتبت إحدى الطالبات رسالة ليّ وضعتها مع أغراضي وأنتِ واحدى زميلاتكِ رأيتن ذلك فأخذت زميلتكِ الرسالة خفيه وقرأتها أمامكِ ، أهذا ما حدث ؟
نعم .
نطقتها بجهد .
فأكمل :
أين الرسالة ؟
مم معها .
زميلتكِ .
أجل .
أنتِ مدركة يا فرح بأن ما فعلته زميلتكِ أمر خاطىء ، ما يؤلمكِ حقا هو أنكِ شاركتها في الجرم مرغمه وأحسب أن شعوركِ بالذنب هو في حد ذاته بالنسبة لي أفضل من أي اعتذار ، فمعنى هذا أن ضميركِ يا ابنة عمي حي يقضان .
ألن تخبريني بمحتوى الرسالة ؟
علت حمرة الخجل محيايّ ولذت بالصمت التام .
فأجاب مطرقا :
فهمت ، أتعلمين لو بقيت تلك الرسالة في مكانها ولم تأخذوها لكان مقرها الآن سلة المهملات .
ولا أريد أن أعرف المزيد عن الأمر ، دعيه ينغلق هنا ، فهو محظ هراء ، تصرف مراهقات لا أكثر .
نظرت نحوه متعجبه وقلت بصوت شبه باكي :
هل سامحتني يا محمود ؟
فقال :
نعم ، جميعكن ، شرط أن لا تعاودن فعلها مرة أخرى .
فقلت بعجب :
جميعنا ، لكنك لا تعرف منّ ؟
فقال باسما :
نعم ، لا أعرف منّ ولا أريد أن أعرف منّ ومع ذاك أغفر لهن ولكِ .
فقلت له بعدم تصديق :
شكرا .
فأجابني :
عفوا ، لا داعي للشكر .
نهضت من مجلسي ، لأغادر المكان فقال محمود :
فرح .
قلت :
نعم .
نظر ليّ بابتسام وقال :
سلوككِ راقني ، فالإعتراف بالذنب فضيلة .)
سمع محمود طرقا على باب مكتبه فقال :
نعم من الطارق .
أجابته زوجته :
أنا منال ، ألا تحتاج لشيء يا محمود تصرفك يقلقني جداً ، لم أراك يوما بمثل هذا الحال .
أصابت كلماتها تلك منه مقتلا ، فأسقط المذكرات من يده برفق ونهض من مكانه متجها إلى الباب .
فتح الباب وخرج منه مسرعا حتى أوشك على الإصطدام بزوجته وقال :
آنا آسف لم أقصد إخافتكِ أو إقلاقكِ ، لكني انشغلت قليلا .
قال كلماته تلك وهو يغلق الباب من خلفه بالمفتاح .
رمقته زوجته بارتباك وقالت :
ما نوع هذا العمل يا محمود ؟ ما سر هذا التكتم ؟ لم أعهدك يوما هكذا .
أسند محمود جسمه على الباب بتعب وقال :
عن أي سر وأي تكتم تسألين ؟ نوع العمل !! العمل هو العمل .
رمقته زوجته بنظرة ارتياب وقالت مردده من خلفه :
العمل هو العمل .
احتار في أمره ، ما عساه أن يقول ، بأي شيء قد يجيب .
أنقذه صوت المؤذن فقال بعجل :
الصلاة ، وقت الصلاة حان ، سأصلي .
لكنها سرعان ما أوقفته بقولها :
يمكنك الذهاب للصلاة ، إنما رجاءا أعطني مفتاح المكتب قبل ذهابك ، أود تنظيفه .
وقعت كلماتها تلك على مسامعه كوقع الصاعقة ، انتابه الذهول ، لم يتوقع أن يسمع منها هذه الكلمات ، لكنه سرعان ما تمالك نفسه وقال :
تنظفين ماذا ؟ المكتب ! لقد قامت الخادمة بتنظيفة اليوم بشكل جيد ، إنه في غاية النظافة ولا يحتاج للمزيد من التنظيف .
ثم تابع قوله متذكرا أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم :
أحسب أن الغرض من طلبكِ هذا يا عزيزتي ليس تنظيف المكتب كما تزعمين فلو لم تخني الذاكرة أجزم أنكِ لم تنظفيه يوما أبدا .
أنتِ تشكين بي قوليها ، قوليها أنتِ تشكين بي ، أنا أنتظر ........ قوليها .
قال كلماته الأخيرة بغضب عارم ، مما أثار فزع زوجته واضطرابها فهي لم تبصره يوما غاضبا هكذا إلا في حالات نادرة .
دنا منها فازداد اضطرابها ، مد يده الممسكه بالمفتاح وقال :
مفتاح المكتب ، خذيه عزيزتي ، خذيه ، فتشي مكتبي كما تشاءين ، تجسسي عليّ كما ترغبين .
أنهى كلامه ووقف منتظرا ردة فعلها .
نظرت إليه ذاهلة وقالت بوهن :
ما كل هذا يا محمود ؟ لا أريد التجسس عليك أنا ..
قاطعها بقوله متهكما:
لا تكذبي ، لا داعي للكذب ، أنتِ أردتي التجسس عليّ وها أنا أمنحكِ الفرصة بطيب خاطر ، فلمّ لا تستغلينها .
نظرت له باستعطاف وقالت بصوت شبه باكي :
آسفة ، أستميحك العذر أنا أنا ....................
وانسابت الدموع .
شعر محمود عندئذ بالذنب والإنحطاط فهو مذنب فعلا بإخفاءه أمر تلك المذكرات عن زوجته ، كل تصرفاته اليوم بالفعل كانت مريبه ومثيرة للشكوك ، فلمّ يغضب عندما تشك به .
صفعته هذه الحقيقة المؤلمة فأيقضته من غفلته .
اقترب منها وقال :
آسف عزيزتي ، أعتذر منكِ لغضبي ، لكنما شككِ آلمني ، فلتعذريني .
أمسك بيدها وقال بحنان :
حان موعد الصلاة ، فلنمضي لنصلي ولنترك كل ما حدث خلف ظهرنا فهو لا يعدو كونه سوء تفاهم ، أرجوكِ امسحي دموعكِ ، لا أقوى على تحمل ألمكِ .
نظرت إليه فازداد تدفق الدموع :
رفع يده الممسكه بيدها وقام بمسح دموعها ثم ما لبث أن قال ملاطفا :
أتعلمين لن أبارح مكاني هذا حتى تبتسمين واحد ........ اثنان ............... ثلاثة أحلى ابتسامة .
علت بسمة حزينه شفتيها وقالت :
حان موعد الصلاة منذ وقت يا عزيزي وما من شيء أفضل من الصلاة .



تناول محمود وجبة العشاء مع أسرته وهو حائر في أمره ، ما عساه أن يفعل الآن ؟ إنه يتوق لإكمال قراءة تلك المذكرات ، لكن زوجته ترمقه كما يرمق الصقر فريسته ، عيناها تطارده باستمرار ، إن قال لها بأنه يود إنهاء عمله فهو بذلك سيزيد من شكوكها .
لذا ما إن انتهوا من تناول طعامهم حتى قال لزوجته :
لمّ لا نخرج من المنزل قليلا لنرفه عن أنفسنا وعن الأولاد ؟
نخرج .
قالتها بتعجب ممزوج بفرح .
فأجابها باسما :
نعم ، أتوافقون على الذهاب إلى حديقة الملاهي ؟
طبعا موافقون .
كان ذلك بالطبع هتاف أبناءه .
فقال لهم ضاحكا :
أمهلكم نصف ساعة لا أكثر للإستعداد ومن يتأخر منكم يبقى في المنزل .
ما إن سمع أبناءه تلك العبارة حتى جروا مسرعين نحو غرفهم ليستعدوا للخروج ، لم يبقى في المكان إلا اثنان محمود وزوجته .
نهضت من مكانها قائلة :
كنت مشغولا طوال اليوم يا محمود ، ان كنت متعبا فلا داعي للخروج .
فقال لها باسما :
لا تقلقي حبيبتي ،أنا معتاد على ضغوطات العمل ، ما يهمني حقا هو أن اسعدكِ أنتِ والأولاد .
صمت لبرهة ثم أضاف :
حقيقة الأمر هو أني أود الإعتذار منكِ على تأنيبي لكِ بسبب غيرتكِ عليّ وشككّ فيّ ، لقد نسيت أن الغيرة هي دليل حب .
أنساني استغراقي في العمل أن النساء تغار على الرجال من كل شيء حتى من أعمالهم ، لذا قررت أن أترك العمل جانبا وأن أسعدكِ عزيزتي ، أيسعدكِ هذا ؟
علت ابتسامة حقيقيه وجهها وقالت :
نعم .
تعمد محمود النظر لساعته وقال :
إن لم تستعدي خلال الوقت المتبقي رحلنا عنكِ .
وضحك الإثنان ثم هرولت مسرعة لإرتداء ملابسها وعباءتها .
خرج محمود مع أسرته إلى حديقة الملاهي ، ما إن بلغوها حتى انهالت عليه طلبات أبناءه :
أبي أريد أن أركب القطار ..
لا ليس القطار أبي بل ..............
لالا أنا أود أن ألهو في ...............
وكل يجذبه من يده راغبا في تنفيذ رغبته هو أولا .
انشغل محمود بأبناءه وأسرته تماما ، ونسي كل أمر آخر .
كان يضحك معهم ويحادثهم ويلهو معهم .
فمضى الوقت سريعا جدا دون أن يدركوا ذلك إلى أن قالت زوجته :
لقد تأخر الوقت وعلينا العودة للمنزل .
ما إن أنهت كلامها حتى علا العبوس وجه أبناءها وأرادوا الحديث ، لكن كلمة محمود :
سنعود للمنزل الآن .
حالت بينهم وبين الإحتجاج .

عاد محمود وأسرته إلى المنزل ، دخل الأطفال غرفهم ليناموا بينما توجه محمود وزوجته لغرفتهم ، أراد أن يرتاح لكن فكرة طارئة أقلقته :
الخادمة معها مفتاح إضافي للمكتب ، بامكانها فتحه ساعة تشاء ما الذي سيحدث لو أخذت زوجته منها المفتاح وفتحت المكتب أثناء نومه في الصباح الباكر أو أثناء انشغاله ، بالطبع ستقرأ المذكرات وهو أمر لا يريد حدوثه الآن فما العمل ؟
نظر ليده وكأنه يريد أن يبصر الوقت ثم بدأ بتمرير يده على معصمة في حيره وقال :
لقد أضعت ساعتي ولا أدري أين تركتها سأبحث عنها وأعود حالا .
فقالت :
أتريدني أن أبحث معك عنها .
لا ، لا داعي لذلك لربما أكون قد تركتها في السيارة أو في المكتب . سأذهب لوحدي ولن أتأخر .
غادر الغرفة مسرعا نحو مكتبه ، فتح الباب بالمفتاح وأنار المصباح ، دخل المكتب وأغلق الباب خلفه بالمفتاح ، سار مسرعا نحو المذكرات حملها بين يديه ومضى مسرعا نحو مكتبه ، أخرج منه مفتاح الخزنة ، فتحها ووضع المذكرات فيها ثم أقفلها ، حمل مفتاح الخزنة معه وغادر المكتب .
مضى إلى الحمام مسرعا حيث استحم فتناول الساعة من مكانها وعاد مجددا إلى غرفته لينام .
ما إن ولج إلى الغرفة حتى سألته زوجته :
هل وجدتها ؟
فرفعها عاليا في يده وقال :
نعم .
أطل الصباح بنوره ، تناول محمود وجبة الإفطار مع أسرته وبينما كان يرشف الشاي قالت له زوجته ببسمة مزيفة .
يبدو أنك لم تقفل باب المكتب بعد خروجك يا محمود .
فأجابها بنبرة استغراب :
ماذا !
مع أنه كان مدركا لمرادها فزوجته قد قامت بدخول المكتب وتفتيشه كما توقع منها أن تفعل تماما .
باب مكتبك كان مفتوحا مع أنك أقفلته بالمفتاح .
مرر يده على جبينه لكأنه يتذكر وقال بصوت متعب :
لربما تركته مفتوحا عندما دخلت أبحث عن ساعة يدي .
فقالت متعجبة :
بالأمس تقفله عليك واليوم تتركه مفتوحا .
فأجابها باسما :
أقفلته يوم أمس لأعمل في هدوء وما إن أنهيت عملي حتى فتحته ، فالمكتب وجد للعمل ، للعمل فقط عزيزتي .
لقد ذكرتني يتوجب عليّ الذهاب للعمل الآن بالإذن .
أنزل كوب الشاي عن المائدة ونهض مغادرا مكانه .
ما إن استدار حتى قالت له زوجته :
عزيزي ألم تنسى شيئا ؟
فأجابها حائرا :
ما الذي نسيته ؟
فقالت :
عملك الهام الذي أنجزته بالأمس ، لم تحمله معك .
حمد محمود الله أنه كان يعطيها ظهرة وإلا لكشف أمره حقا ، بكل صدق فاجأه قولها ، لكنه تماسك بسرعة وقال :
لم أنساه عزيزتي بل أنا ذاهب لآخذه معي .
خرج من غرفة الطعام مسرعا ، دخل المكتب ، أغلق الباب خلفه إنما ليس بالمفتاح فإن فعل ذلك ستزداد شكوكها به ، دنى من الخزنة فتحها بالمفتاح ، حمل حقيبة أوراقه أدناها من الخزنة معطيا ظهره للباب أدخل المذكرة في الحقيبة المفتوحة بسرعة وأغلقها ثم أغلق الخزانة بالمفتاح .
حمل الحقيبة بيده ، ما إن سار خطوة واحدة حتى فتح الباب ، كانت الواقفة بالباب زوجته ، فقال لها :
ما الأمر ؟ هل نسيتي اخباري بشيء هام ؟
فقالت : لا ، فقط أتأكد من أنك لم تنسى أوراقك .
فأجابها متهكما :
اطمأني عزيزتي لم أنسى شيئا أبدا .
قالها وهو يسرع في الخروج حاملا معه حقيبة العمل .


أسرع محمود في سيره حاثاً خطاه نحو سيارته ما إن بلغها وجلس خلف المقود حتى تنفس الصعداء ، أدار المحرك ومضى قاصدا العمل .
بلغ العمل مبكرا قليلا لكنه لم يكترث لذلك ، دخل مكتبه وأغلق الباب خلفه
وجلس إلى مكتبة ناظرا لساعة يده إن هي إلا خمس دقائق إذ بسكرتيرته تدخل المكتب قائلة :
صباح الخير .
فأجابها صباح الخير ، أريدكِ أن تحضري لي البريد والمراسلات وأوراق العمل الهامة لأطلع عليها .
رمقته بتعجب وقالت : حاضر سيدي .
غادرت المكتب مسرعة وعادت بعد دقائق محملة بالملفات المطلوبة ، تناولها منها محمود على عجل وبدأ العمل فيها .
أنهى أعماله بعد ساعتين .
ما إن أنهى متطلبات العمل العاجلة حتى اتصل بمكتب سكرتيرته قائلا :
سأغادر المكتب لعمل عاجل ، إذا ما استجد طارىء أبلغوا سعيد ليبت فيه فإن عجز عن ذلك اتصلوا بي .
أجابته :
حسنا سيدي .
ما إن قالت له ذلك حتى أغلق الهاتف .
حمل حقيبة أوراقة وغادر المكتب مسرعا قاصدا سيارته ثم ما لبث أن غادر الشركة متوجها إلى مزرعته .
بلغ المزرعة بعد نصف ساعة ، فتح له البواب الباب ، أوقف محمود سيارته ونزل منها ممسكا بحقيبة عمله قاصدا بركة السباحة ، جلس على مقاعد الإسترخاء .
أراح نفسه قليلا ثم فتح حقيبة أوراقه واستخرج منها مذكرات فرح ، راح يبحث بين الصفحات إلى أن وجد الصفحة التي كان يقرأ فيها ، واصل القراءة من جديد ( مرت الأيام بعد ذلك متشابهة وانتهى الفصل الدراسي .
العطلة شيء أردته ولم أرده ، أردتها لأنها ستريحني قليلا من عناء الدرس ولم أردها لأنها تشعرني بالملل ، وهذا ما شعرت به فعلا فقد كان اسبوعي الأول روتينيا للغاية نوم وطعام .
لحظاتي السعيدة كانت تلك التي أقضيها مع الكتاب .
في الأسبوع الثاني من الإجازة استدعاني عمي إلى مكتبه ، ما إن دخلت مسلمة حتى قال لي :
وعليكم السلام يا فرح ، اجلسي .
جلست على الكرسي المقابل له فتابع قوله :
ألم تشعري بالسأم يا فرح بجلوسكِ في المنزل ؟
أطرقت برأسي وقلت هامسه :
نعم .
فقال باسما :
إذن سأمنحكِ عرضا لا يقاوم .
ما رأيكِ في أن تعملي معي بدءا من يوم غد في الشركة لتحصلي على الخبره العملية إضافة إلى الخبرة النظرية التي تمنحكِ اياها الجامعة .
ابتسمت فرحة وأجبته مستبشرة :
نعم أود ذلك طبعا .

( استيقظت من نومي مبكرة جدا بل لم أتمكن من النوم جيدا ، قضيت ليلي وأنا أفكر ما الذي يتوجب عليّ فعله في يوم عملي الأول ؟
نظرت للساعة فوجدت أن موعد تناول الفطور قد حان ، خرجت من غرفتي وآلاف الأسئلة تعتمل في نفسي ، عندما وافقت على العمل في الشركة وافقت بعفوية إنما الآن وأنا على مشارف بدء العمل باتت الشكوك والمخاوف تطاردني ، أيمكن أن أبلي حسنا أم سأصبح أضحوكة الموظفين كلهم .
بلغت قاعة الطعام إذ بها فارغة إلا من عمي ، رسمت ابتسامة خاطفة على شفتي وقلت :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، صباح الخير .
فأجابني :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، صباح النور .
جلست على مقعدي بهدوء وبدأت في تناول طعامي .
حل الصمت لدقائق معدودة إذ بعمي ينهي الصمت بقولة :
هل أنتِ جاهزة للذهاب إلى العمل اليوم ؟
فقلت بصوت مضطرب قليلا :
نعم ، هل سنغادر الآن .
فأجابني باسما :
لا ، ليس الآن ، أنهي إفطاركِ أولاً .
نظرت لعمي في خضوع وقلت :
بامكاني الإستغناء عن وجبة الإفطار لهذا اليوم .
رمقني باسما وهو يقول :
لا داعي لذلك يا فرح ،أنهي طعامكِ أولا ، لست مستعجلا .
انكببت على تناول طعامي لأنهي إفطاري بسرعة وبينما كنت أفعل ،
دخل محمود مسلماً فرددنا السلام ، تجاوزني ليجلس على المقعد المجاور لوالده وبدأ في تناول إفطاره بهدوء في الوقت الذي بدأ فيه عمي بمطالعة صحف الصباح .
مر بعض الوقت ، رفع عمي رأسه عن الصحيفة قائلا :
هل أنهيتما طعامكما ؟ علينا التوجه للشركة .
إذ بمحمود يجيبه باسما :
إن كنت المقصود بكلامك فقد انتهيت من تناول طعامي .
في ذلك الوقت كنت قد وضعت زيتونة في فمي وقد كنت موشكة على قضمها ، قلت ذاهلة :
ماذا ؟
شعرت بأن الزيتونة قد انزلقت لتقف في حلقي ، بدأت أسعل بعنف ، نهض عمي من مكانه مسرعا ليناولني كوب الماء أخذته منه وشربت منه على مهل .
إلى أن تحسن الوضع ، رفعت رأسي فوجدت أن محمود يرمقني بنظرات ذاهلة مرتبكة .
قلت ببطىء :
آسفه لما حدث .
فأجابني عمي قائلا :
لا بئس يا صغيرتي ، يبدو أني استعجلتكِ كثيرا ، فأسرعتي في تناول الطعام .
فقلت موضحة :
لا أنت لم تفعل ذلك ،
لكني ما لبثت أن صمت فبمّ عسايّ أن أفسر الأمر له ؟ أأخبره بأني لم أتوقع تواجد محمود معنا ، بل لم أخل ولو للحظة واحدة بأنه سيتواجد في الشركة .
جمعت ما تبقى لديّ من شجاعة وقلت بصوت ضعيف :
ألن نذهب ؟
فأجاب الإثنان معا :
بالطبع .
وهكذا غادرنا المنزل متجهين للشركة حيث سأبدأ يوم عملي الأول .

( لم أحسب يوما أن العمل مرهق للأعصاب والنفس قبل الجسد ، كان هذا هو درسي الأول الذي تعلمته رغما عني ، عندما دخلنا الشركة حث عمي خطاه نحو قاعة الإجتماعات مسرعا ، تركني وحيدة في ذلك الرواق الواسع لا يرافقني إلا محمود ، كان الرواق مليئاً بالموظفين الداخلين والخارجين من مكاتبهم لكني لم أكن أعرف أياً منهم باستثناء محمود .
لذا بقيت واقفة في مكاني والحيرة والشعور بالغربة يخنقاني .
نظر محمود حوله لبرهه وكأنه يبحث عن شخص ما لكنه ما لبث أن قال :
اتبعيني .
سرت خلفه دون أن أنبس بأي كلمة ، فتح باب أحد المكاتب الخالية ، دخل إليه وجلس على الكرسي وأشار لي بالدخول فتبعته ، جلست على الكرسي المقابل للمكتب فازداد قلقي واضطرابي بحلول الصمت في المكان .
جلس محمود صامتا يطالع أحد الملفات الموضوعة على المكتب ، مر بعض الوقت وهو يقلب في تلك الأوراق بهدوء وروية حتى حسبت أنه قد نسى وجودي بشكل كليّ .
انتابني الضيق وشعرت بالضياع أكثر فأكثر .
إن هذا المكان لا يلائمني ، ليتني كنت الآن مختبئة بين جدران غرفتي ، حيث الأمان والسلام .
مللت الجلوس صامته دون حراك ، أردت أن أتكلم ، أن أصرخ ، بأني انسانة لا آله ولا جماد ، أنا موجودة ، لا تتجاهلني هكذا ، تجاهلك يغيضني ، يثير أسوء ما في نفسي ، كفى ، كفى ، كفى .............. .
كنتٌ أحادث نفسي ولم أعلم بأني نطقت كلماتي الأخيرة بصوت عالي .
أجفل محمود فرفع رأسه قائلا باستغراب :
كفى ! كفى ماذا ؟
علت حمرة الخجل محياي ، ارتبكت لم أعرف بمّ عساي أن أجيب .
أطرقت برأسي خجلا ولذت بالصمت .
سمعته يقول :
يبدو أني قد أشعرتكِ بالسأم ، لا تقلقي سأجد لكِ عملا تقومين به عوضا عن جلوسكِ هنا .
ما إن سمعت كلماته حتى رفعت رأسي وقلت بذهول:
ماذا ؟
أجابني بابتسامة طفيفة ، بينما كان يرفع سماعة الهاتف ، إن هي إلا ثواني معدودات حتى أجاب أحدهم على الإتصال فقال محمود :
صباح الخير يا سناء ، أيمكنكِ الحضور إلى مكتبي الآن .
صمت لبرهه يسمع الجواب ثم ما لبث أن قال :
قلت الآن أي الآن ، يمكنكِ ترك العمل الذي بين يديكِ للحظات .
دخلت سناء إلى المكتب بعد عدة دقائق قائلة :
صباح الخير سيدي ما الأمر ؟
فأجابها محمود ببرود مماثل لبرودها :
صباح النور ، أريدكِ أن تصحبي فرح معكِ وتطلعيها على كيفية سير العمل .
تجمدت الإبتسامة المصطنعة التي كانت ترسمها على شفتيها وقالت بذهول مردده من خلفه كالببغاء :
أطلعها على كيفية سير العمل .
ثم ما لبثت أن قالت بصوت شبه باكي :
أتود صرفي من الخدمة سيدي ؟ ما الذي فعلته لأستحق هذا ؟ قسما بالله لم أفعل شيئا خاطئا .
شعرت بأن محود موشك على الضحك لكنه تمالك نفسه بسرعة وقال :
لا أود صرفكِ من الخدمة ، لا تقلقي بهذا الشأن ، فرح هي ابنة عمي ، إنها مالكة الحصة الأكبر من أسهم الشركة لذا أريدكِ أن تطلعيها على شؤون العمل .
فأجابته قلقة :
أنا سكرتيرة سيدي ،عملي يقتصر على السكرتاريا فقط ولا يشمل الإدارة فبمّ عسايّ أفيدها ؟
كبداية يمكنكِ تعريفها على أقسام الشركة وعلى الموظفات بها ، أنا متأكد بأنكِ ستقومين بذلك على أكمل وجه .
قال عبارته الأخيرة ساخرا .
فأجابته بابتسامة مزيفة :
طبعا ولم لا .
رمقتني ببرود وقالت :
تفضلي سيدتي .
مشيرة إلى باب الخروج ، فتقدمتها وتبعتني في صمت .
لفنيّ الحزن بعباءته ، شعرت بأني مهملة ، بل شعرت بأني عبء ثقيل لا يرغب أحد في حمله فكل يلقيه على الآخر ليحمله عوضا عنه ) .
( صحبتني سناء في جولة لتعرفني بموظفات الشركة وليتها لم تفعل .
فكل مكتب دخلناه وجدنا موظفاته يبتسمن ويثرثرن سعيدات ، لكن ما إن يتم تعريفهن بشخصي حتى يحل الصمت ، لكأنها تقول لهن الجاسوسة قد أقبلت وليس أود أن أعرفكن بالآنسه فرح ابنة أخ صاحب الشركة .
كانت تلك الجولة كارثية على جميع الأصعده وبكل المقاييس .
استغرقت الجولة ساعة إلا أنها بدت لي سنوات .
ما إن انتهت تلك الجولة حتى عدت إلى مكتب محمود مسرعة ، طرقت الباب فأجاب :
من ؟
قالها بصوت منزعج ، فأجبته :
أنا فرح .
فقال :
تفضلي .
دخلت إلى مكتبة بنفسية محطمة ، تمالكت نفسي محاولة الظهور بمظهر المرأة القوية .
لكني ما إن جلست على المقعد حتى قلت بصوت متهدج :
أيمكنك الإتصال بالسائق ليأخذني إلى المنزل ؟
فأجابني قلقاً :
مابكِ يا فرح ؟ تبدين موشكة على البكاء ، هل أساءت لكِ سناء أو احدى الموظفات ؟ أرجوكِ أخبريني .
لم أتمكن من تمالك نفسي فقلت له باكية :
ليست سناء ولا الموظفات هنّ المشكلة ، المشكلة هي هي ، هي رأسي ، إنه يؤلمني كثيرا ، أريد العودة للمنزل .
ودون أن أدرك بدأت أنتحب كما الأطفال .
فقال قلقا :
لربما هو صداع مماثل لذاك الذي أصابكِ في الجامعة في ذلك اليوم .
فأجبته بغيض :
ربما هو كذلك ، ربما .
فجأة تغيرت نبرة صوته وغدت أكثر رقة وقال :
حسنا سأتصل بالسائق إنما أريدكِ أن تمسحي دمعكِ وتكفي عن البكاء أولا .
ما إن أنهى عبارته حتى فتح الباب ودخل منه عمي ، الذي أبصرني أبكي .
أغلق الباب خلفه ودنى من مكتب محمود قائلا بغضب عارم :
ما الذي فعلته يا محمود ؟ أودعت ابنة عمك أمانة لديك فآذيتها ، أهكذا تحفظ الأمانة يا محمود ؟ أجبني ، أهكذا تحفظ الأمانة ؟
قال محمود مرتبكا وحانقا :
لم أفعل شيئا يؤذيها ، اسألها إن شئت ، تبكي ، تبكي لأن ، لأن الصداع عاودها مرة أخرى .
فقال عمي متعجباً :
صداع ! عاودها مرة أخرى ! عن أي صداع تتحدث ؟
فأجابه محمود :
لقد عانت مرة من ألم في رأسها ، كان ذلك في الجامعة ، يبدو أنها الآن تعاني من آخر مماثل لسابقة ، إن الألم الذي تعاني منه شديد جدا ، لم تتمكن من تحمله فبكت وهي ترغب في العودة إلى المنزل .
اتسعت عينا عمي عجبا وقال :
ألم متكرر في الرأس ، لمّ لم يخبرني أحد بذلك قبلا .
استدار عمي نحوي قائلا :
لا تبكي يا صغيرتي ، سآخذكِ بنفسي للمشفى .
تجمدت الدموع في عيني رعبا وقلت فزعة :
لا ، لا أريد الذهاب للمشفى ، أنا أفضل حالا الآن .
رمقني عمي بحنان وقال :
لقد بتي كبيرة على الخوف من المستشفيات يا فرح ، مصلحتكِ تقتضي اجراء فحص طبي لكِ ، فألم الرأس المتكرر لا بد أن يكون له سبب .
علمت حينها بأن عمي لن يهدأ أبدا حتى يأخذني للطبيب .
فما العمل ؟ )


ضمآن بين النهرين غير متواجد حالياً  
التوقيع
ظلم ، ظلم في أطيب شعب يرمون النار
جرم ، جرم أن يقتلنا الجيش ويدمي الدار

ترقبوا


رد مع اقتباس
قديم 28-04-10, 09:01 PM   #3

ضمآن بين النهرين

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ضمآن بين النهرين

? العضوٌ??? » 2194
?  التسِجيلٌ » Feb 2008
? مشَارَ?اتْي » 4,869
?  نُقآطِيْ » ضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond repute
افتراضي

نزلت عند رغبة عمي ، قصدنا المستشفى ، كان عمي مصرا على ذهابي لمستشفى خاص ، لكني أبيت ذلك وأصررت على ذهابنا لمستشفى عام ،
نزل عمي عند رغبتي أخيرا ، أقلني إلى المستشفى وجلسنا ننتظر موعد دخولي على الطبيب .
ادخلت على الطبيب فسألني مما أشكو ، فأخبرته بأني أعاني من صداع مستمر لا ينفك يصيبني ، فأمر بإجراء بعض الفحوصات ليّ ، كان من بينها تحليل الدم .
قصدنا المختبر ، فأخذوا عينة من دمي ليفحصوها .
حينها عدنا قاصدين غرفة الطبيب وأثناء سيرنا لمحت ابتسام واقفة هناك في أحد الأروقة مستندة على الحائط ، في إعياء شديد .
أمسكت بيد عمي قائلة :
عمي أيمكنني محادثة صديقتي قليلا فهي واقفة هناك لأسئلها عن حالها .
وأشرت بيدي نحو مكان ابتسام فأجابني :
طبعا ولم لا ، الفحوصات ستستغرق وقتا طويلا حتى يتم تسليمها إلى الطبيب .
سرت مسرعة نحو مكان ابتسام ، دنوت منها لكنها لم تدرك ذلك لأنها كانت غارقة في بحر شجونها وأحزانها ، فقد بدا الحزن مرتسما بشكل واضح على محياها ، لا يستطيع أن يخطئه أي ناظر لها .
وضعت يدي على كتفها وقلت :
ابتسام .
ففزعت لكنها ما إن أبصرت وجهي حتى احتظنتي وبكت ، كان بكاءا مريرا يخرج من أعماق نفس معذبه .
أخافني وضعها فقلت فزعه :
ما الأمر ؟
فأجابتني من بين نحباتها :
أمي يا فرح ، أمي ، كل وجودي وحياتي ، مريضة جدا ولا أعلم ما الذي حدث لها ، لا أحد يخبرني ، لا أحد .
أردت أن أخفف عنها فلم أستطع .
فسألتها :
مع من حضرتي إلى المستشفى ؟
كانت الكلمات تخرج من فمها مريرة وهي تقول :
حضرنا في سيارة الإسعاف معا ، أنا وهي فقط ، فنحن دائما معاً .
استدرت لأبحث عن عمي فوجدته واقفا غير بعيد عنا ، وأحسبه سمع كلامها .
لأنه ما لبث أن وقف قربي مخاطبا ابتسام بقوله :
اهدئي يا ابنتي ، أمكِ مريضة إنها بحاجة الآن لقوتكِ لا إلى ضعفكِ فتماسكي .
فأجابته ابتسام نائحة :
ليتني كنت قادرة على منع نفسي من البكاء ، لو كنت قادرة على منع نفسي لفعلت ، أمي ، يا إلهي أعد إليّ أمي ، فهي سندي الوحيد في الحياة .
فقال لها عمي :
أيمكنكِ اخباريّ باسم أمكِ لأسئل الأطباء عن وضعها وأقف على حقيقة الوضع .
فأجابته وهي تمسح دموعها بكف يدها من دون وعي :
اسمها سعاد .......................... .
ما إن سمع عمي اسم أمها حتى بدا مصدوما ومذهولاً في آن .
وأخذ يردد من خلفها في بطىء شديد :
سعاد .................................... .
فأجابته بذهن شارد :
نعم .
لا أدري لمّ انتابني شعور بأن عمي كان يعرف صاحبة الإسم من قبل ، لأنني واثقة تمام الثقة من أنه تعرف على اسمها ما إن نطقته ابنتها ، بدا بعد سماعه لإسمها ذاهلا مضطربا .
لم تلحظ ابتسام اضطراب عمي ولا ارتباكه لأنها كانت مشغولة بأحزانها ، لكني أبصرت ذهوله وارتباكه بشكل واضح .
غادر المكان مسرعا يبحث عن الطبيب المعالج بينما بقيت واقفة جوارها ننتظر مقدمة بعد أن رفضت ابتسام الجلوس .
( وقفنا ننتظر قدوم عمي والقلق يتآكلنا ، كانت الدقائق تمر علينا بطيئة ، ثقيلة ، تأخر عمي كثيرا ، مضت ربع ساعة ، نصف ساعة وأخيرا إنه هو قادم .
دنى منا قائلا :
اطمئنا ، ما من شيء خطير ، أكد ليّ الطبيب أن الأمر ليس خطيرا جداً ، ما سبب الإغماء لها هو انخفاض نسبة الأملاح في جسمها بشكل كبير مما أدى إلى انخفاض ضغط دمها بشكل مفاجىء ، لذا قرر الطبيب أن يبقيها في الأقامة القصيرة قيد المراقبة إلى أن يتحسن وضعها .
ما إن أنهى كلامه حتى قالت ابتسام بسرعة :
أأنت واثق من أنها بخير .
فأجابها عمي بعطف وحنان :
نعم ، إنها بخير ، أنا واثق من ذلك فلا داعي للقلق .
ما إن سمعت ابتسام تلك الكلمات حتى أخذت تتمتم قائلة :
الحمد لله ، الحمد لله .
ثم ما لبثت أن نظرت لعمي قائلة :
آسفة أثقلت عليكم بمشاكلي ، شكرا لكما .
هممت بأن أجيب لكن عمي سبقني إلى ذلك بقولة :
لم نفعل شيئا نستحق عليه الشكر أبدا ، إنه واجبنا يا ابنتي ، لقد سألت الطبيب فوافق على بقائكِ جوار والدتكِ لذا يمكنكِ الدخول لمجالستها والإطمئنان عليها الآن .
فأجابته ابتسام بامتنان :
شكرا لك سيدي .
فأجابها :
لا شكر على واجب ، إن كنتِ بحاجة لأي شيء فأخبريني بذلك .
فأجابته ابتسام :
شكرا لك ، أنا بحاجة لرؤية أمي والإطمئنان عليها فحسب .
فأجابها عمي :
بالطبع عليك الإطمئنان على صحة أمكِ ، أما أنا وفرح فعلينا العودة لغرفة الطبيب ، لذا نرجو عذركِ الآن ، أرجوكِ اتصلي بفرح إذ ما احتجتي لأي شيء لنلبيه لكِ .
فأجابته ابتسام خجلة :
آسفة لم أسأل عن سبب تواجدكما في المستشفى ، انشغالي بوضع أمي الصحي أنساني كل شيء عداه .
فأجبتها قائلة :
ما من شيء خطير ، ألم في الرأس أصابني فأصر عمي على أن يأخذني للطبيب .
سلامتكِ يا فرح .
فأجبتها :
سلامتكِ ، سأنتظر مكالمتكِ لأطمئن على صحة والدتكِ ؟
حسنا ، قالتها على عجل .
فقلت لها :
أراكِ قريبا .
فأجابتني بالمثل ومضت مسرعة لرؤية والدتها .
قصدنا أنا وعمي الطبيب ،الذي أكد سلامتي ، معللا سبب الصداع بالإجهاد ، مؤكدا على أهمية الإسترخاء والراحة .
غادرنا غرفة الطبيب متجهين إلى سيارة عمي .
لا أعلم حتى الآن كيف تمكنت من نطق تلك الكلمات ، بل من أين أتتني الشجاعة الكافية لنطقها . لكني بالفعل نطقتها :
أنت تعرف سعاد والدة فرح ، أليس كذلك عمي ؟
كان عمي يسير جواري لكنه توقف عن السير فجأة ثم نظر لي بابتسامة حزينة وقال :
نعم ، أعرفها ، وللأسف الشديد أنا من عرفها على زوجها ، ابن خالي .
قلت فاغرةً فمي :
ماذا ؟
نظر لي عمي بحذر وأمسك بيدي يحثني على السير معه ففعلت ، عندما بلغنا السيارة وجلسنا فيها ، لم يدير عمي محركها لنرحل بل جلس لبرهة صامتا مفكرا ،كأنه يتذكر ثم ما لبث أن قال :
في ريعان شبابي أحببت فتاة رائعة الجمال تدعى سارة ، أحببتها دونا عن سائر النساء ليس لجمالها فحسب ، بل عشقت روحها الطيبة الرائعة التي قل أن يكون لها مثيل بين نساء عصرها ، هِمتٌ بحبها كثيرا ، باتت هاجسي الدائم ، أردت الزواج بها ، طلبت منها ذلك أكثر من مرة لكنها كانت ترفض طلبي في كل مرة بشكل قاطع ، معللة رفضها بأن المال الذي أمتلك يقف حاجزا بيني وبينها ، كانت تعلل رفضها الدائم بقولها :
( كيف لفتاة مثلي أن تتزوج من ثري مثلك ، لن تقبل عائلتك بزواجي بك حتى وإن قبلوا بزواجنا ، فسينظرون لي دائما بدونية وهذا ما لا أرتضية لنفسي أبدا ، لطالما عشت عزيزة النفس وسأبقى هكذا )
حاولت اقناعها مرارا وتكرارا بأن الفروق الإجتماعية والطبقية لا تهمني بشيء فالحب يبقى وكل شيء آخر يزول ، لكنها لم تقتنع بكلامي أبدا ) .
( لم أكن من النوع الذي يستسلم بسهولة إلا أن الخوف من فقدانها بدأ في التسلل إلى قلبي ، خصوصا مع بلوغ بعض الأحاديث مسمعي .
لقد سمعت من أحد زملائي المقربين بأن ابن جيرانهم تقدم لخطبتها رسميا فثار غضبي ، إنما ما من شيء أفعله طالما أنها ترفضني وتصر على رفضي .
وجدني ابن خالي ابراهيم في حديقة منزلنا وحيدا غارقا في حزني ، فأخذ يحادثني بل الأصح يستنطقني إلى أن رويت له حكايتي .
نظر لي متعجبا من مسلكي وقال :
لم أعهدك يوما ضعيفا يا سلمان ، أنت القوي المثابر ، تنهار بسبب إمرأة .
إن كنت تحبها كما تزعم فناظل حتى الرمق الأخير لتكون لك ، لا تسقط الراية وتعلن انسحابك قبل انتهاء المعركة أبدا .................... .
أخذ يشجعني بكلماته تلك ، فأضاء ليّ بكلماته دنيايّ المظلمة .
اتخذنا قرارنا بعد نقاش طويل فقررنا المضي لمقابلة الفتاة معاً واقناعها بأن المال لا يشكل عائقا بيننا .
إنما كيف نقابلها ؟ وأين ؟
فنحن لا نعرف مكان إقامتها ولا كيفية الإتصال بها .
تعرفت عليها في الجامعة ، كانت زميلتي في بعض المحاضرات ، جذبني إليها هدوءها وتعقلها والتزامها بالخلق .
عندما أعجبت بها طلبت من زميلي كريم أن يحادث أخته التوأم التي كانت زميلة لنا بالأمر، لتحادثها وتطلع على رأيها .
كان جوابها لي واضحا ، لن توافق على الزواج بيّ لأن المال الذي أملك يحول بيننا .
لم أقتنع بالجواب فطلبت من كريم أن يحث أخته على سؤالها مجددا ،علها توافق لكن الجواب كان كسابقه .
لم أيأس عاودت الطلب للمرة الثالثة فكان جوابها ثابتا لا يتغير .
تمسكت بالصبر ولذت بالصمت لبعض الوقت آملا أن تغير الأيام موقفها ، إنما دون جدوى ، فقبل تخرجنا من الجامعه بشهر عدت لسؤالها مجددا عن طريق عفاف أخت كريم وكان الجواب هو هو .
تخرجنا من الجامعة فانقطعت عني أخبارها بشكل تام إلى أن اتصلت بكريم فاطلعني على النبأ الأليم ) .

( الوحيدة التي يمكنها أن تطلعني على مكان إقامتها أو كيفية الإتصال بها هي عفاف ، إنما كيف أطلب منها ذلك ؟ من المستحيل أن توافق على مطلبي ، لذا فوضت أمري لرب العالمين وهذا ما قلته لإبراهيم ، لكنه رفض الإصغاء لي ، طلب مني معاودة الإتصال بكريم ، مشيرا عليّ بضرورة حثه على سؤال أخته عن الأمر ، فما أطلبه هو الزواج ولا شيء آخر .
نزلت عند رغبته وليتني لم أفعل .
لم تزل تلك الذكرى عالقة في ذهني ، لم تستطع ا لأيام أن تمحوها أبدا ..............أبدا .
اتصلت بكريم فأجابني بصوت وجل حزين ، لم يكن هذا من طبعه أبدا ، بدا لي مرتبكا جدا فأسرعت أسأله ما الخطب يا كريم ، بداية لاذ بالصمت لبرهه مما أقلقني جدا فسألته ما الخطب ياكريم سألته مجددا وقلبي يحسٌ بالشر ، كان جوابه صاعق بل قاتل :
سارة يا سلمان سارة
ولاذ بالصمت
صرخت به :
ما الأمر هل تزوجت .
فقال لي بصوت متهدج :
بل رحمها الله يا صديقي لقد ماتت .
الصدمة أخرست لساني لم أستطع أن أستوعب كلامه بداية فلذت بالصمت بينما كان هو يصرخ مناديا اسمي .
ما جعلني أفيق قليلا من صدمتي هو تحريك ابراهيم العنيف لكتفي وصراخه :
- ما بك ؟ ما الذي حدث ؟ لا تقل لي بأنها قد تزوجت من سواك بهذه السرعة ؟
لم أعلم كيف انهمرت دموعي وأنا الصلب الشامخ ، بتٌ أصرخ كالمجنون دون وعي :
ليتها فعلت ، ليتها فعلت لكنها............ لكنها........... .
لم أعد أقوى على قول المزيد وفي غمرة ألمي سقط الهاتف من يدي فالتقطه ابراهيم بينما سقطت جالسا على الكرسي خلفي .
علمت فيما بعد بأنها قد ماتت في حادث سير هي وأباها ،ماتا هما الإثنان فور حدوث الحادث .
كان حادثا مروعا ، اصطدما بشاحنة كبيرة فسحقتهم .
عشت بعد ذلك أحلك أيام حياتي وأشدها سوادا ، كرهت الحياة بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، باتت العزلة ملاذي والذكريات زادي .
ابراهيم أبى أن يدعني وحيدا غارقا في بحر أشجاني ، فبات يزورني كل يوم محاولا بشتى السٌبل أن يخفف عني ولو جزءا يسيرا من آلامي .
هكذا هي الحياة ........ تستمر ، لا يوقفها شيء أبدا .
بعد مضي ثلاث سنوات على الحادثة ونزولا على اصرار أمي تزوجت من ابنة خالتي .
بعد زواجي بعامين ، كنت أقوم بزيارة لإبراهيم في عمله ، لأنه قلما يتواجد في منزله فهو طبيب ، ما إن بلغت مكتبه حتى وجدته واقفا جوار باب مكتبه يحاور أحدهم وأحسبه قريبا لمريض ، دونت منهم فلم ينتبه لوجودي بداية إذ كان مستغرقا في الحديث ، ما إن أبصرني حتى أشار لي بيده أن انتظرني قليلا .
وقفت في مكاني أنتظره إلى أن ينتهي .
ما إن وقفت برهة حتى أبصرت عيني عجبا ( سارة أهي سارة ) لكنها قد ماتت .


جمدتني الصدمة في مكاني ، فوقفت جامدا مثل أبو الهول .
لكن فكري كان نشطا ومضطربا ( ماتت ، لكنها حية ترزق لقد أبصرتها للتو ، أبصرتها إنها هي .................)
أنهى إبراهيم حديثه مع قريب المريض واستدار نحوي ، أبصرني جامدا وتائها فناداني :
-سلمان هل أنت بخير ؟
إلا أني كنت غارقا في لجة أفكاري فلم أسمعه .
فدنا مني ، أمسكني من يدي وقال :
-هيا بنا إلى مكتبي ، فسلوكك غريب يا سلمان .
جذبني من يدي في محاولة منه لإدخالي إلى مكتبه حينها أفقت من صدمتني وقلت :
-أين هي ؟
نظر لي متعجبا فاغرا فمه وكأنه يبصر مجنونا ثم ما لبث أن قال :
-هل جننت يا سلمان عن من تتحدث فلا وجود لهي هنا ، جئتني وحيدا فإلى أي هي تشير ؟!
قلت بعجل وأنا أدير رأسي في الأنحاء :
-سارة ، سارة كانت تسير هنا منذ وقت وجيز .
-عن أي سارة تتحدث ؟ لابد أنك مريض أو مجنون .
قال كلماته تلك بوجل ، أمسك بيدي مجددا محاولا إدخالي لمكتبه ، لكني أفلت يدي من يده عنوة وقلت بغضب :
-لا هذا ولا ذاك أنا واثق تماما من أني أبصرتها هنا منذ بعض الوقت .
ما إن أنهيت عبارتي حتى أبصرتها قادمة من الناحية الأخرى ، فسرت نحوها مسرعا وأنا أصرخ سارة ، سارة .
بات الجميع يرمقني بذهول بمن فيهم هي ، كنت أناديها لكنها كانت تنظر نحوي كما يفعل الآخرون بدهشة وعجب ، كأنها لم تعرفني يوماً ، حثثت الخطى نحوها بسرعة أكبر ، ما إن وقفت مواجها لها على بعد نصف متر تقريبا حتى أدركت خطأي ، الواقفة أمامي لم تكن سارة إنها امرأة أخرى تشبهها كثيرا لكنها لم تكن هي .
قلت مرتبكا ومضطربا :
-آسف سيدتي حسبتك امرأة أخرى فأنتِ، أنتِ تشبهينها ، تشبهينها كثيرا ، حسبتكِ هي ، أنا آسف .
رد فعلها على كلماتي تلك زادني اضطرابا .
فقد اتسعت عيناها دهشة وقالت بصوت وجل :
-سارة ! أقلت سارة ! لكن ...... كيف تعرفها ؟ فنحن لا نعرفك ؟
ثم ما لبثت أن لاذت بالصمت وعلت محياها حمرة الخجل .
أدركت بأنها ما كانت لتقول ما قالت لولا المفاجأة .
فسألتها بعجل :
-أتعرفينها .
لاذت بالصمت قليلا ثم ما لبثت أن قالت :
-إن لم أكن مخطئة فأنت تشير إلى أختي الكبرى سارة رحمها الله ، لكن من أين تعرفها ؟
إذ بإبراهيم من خلفي يقول بصوت واهِ :
-سلمان ، الناس يبصرونكما ، فما فعلته استقطب أنظار الناس ،لذا من الأفضل أن نمضي .
جذبني من يدي قبل أن يتسنى لي فعل أي شيء وقادني نحو مكتبه .
ما إن دخلنا حتى أغلق الباب على عجل وقال :
-ماالذي فعلته ؟ أتدرك أن الناس كلهم كانوا يبصرون تصرفك المتهور بعجب ، ما الذي فعلته بالفتاة المسكينة ؟ لقد أحرجتها أمام الجميع .
-أنا لا أعلم ما الذي أصابني ، لقد أخطأت فعلا بتصرفي إنما ما من سبيل لإصلاحه الآن ، فلقد جذبتني من يدي قبل أن أعتذر وكل ما أعرفه هو أنها أختها الصغرى .
-يا إلهي .
قالها بعدم تصديق ، ثم أضاف قائلا :
-أكنت تريد معرفة المزيد أيضا ؟ دع الماضي عنك يا سلمان فهو لن يجديك نفعا ، انس الماضي وعش حياتك .
قلت باضطراب :
-تناسيت الماضي يا إبراهيم تناسيته ، لكن ما إن أبصرت وجهها حتى استيقظ كل شيء ، تدفقت الذكريات كلها من جديد حتى حسبت أن السنوات الماضية لم تمضي ، عادت الذكريات الحزينة تغمرني ، كأني للتو أسمع خبر رحيلها المفجع ..................
إذ بصوته الغاضب يقطع عليّ حديثي :
-سلمان ، أفق .
-صرخته تلك أعادتني لرشدي فلذت بالصمت ولاذ هو بالصمت أيضا ، اعتذرت منه بعد لحظات وغادرت المستشفى وأنا مشغول البال .
كانت هذه الحادثة هي بداية التعارف بين إبراهيم وسعاد ، ولا تسأليني عن تصاريف القدر فقد كان ذلك اليوم هو يوم عملها الأول في المستشفى كممرضة .
حين أبصرتها كانت مرتدية الملابس الرسمية للممرضات إلا أن عيناي حينها لم تبصر ذلك فالصدمة حالت دون استيعابي للكثير من الأمور .
خلال شهر واحد غزا الحب قلبيهما ، فقررا الزواج .
زارني إبراهيم في منزلي وأطلعني على ما حدث وما ينويه وما زالت كلماته باقية في ذاكرتي حتى اليوم .
-أحبها كثيرا وهي تحبني أيضا لذا قررت الزواج منها ، سأتزوجها رغم اعتراض أسرتي على زواجنا ، فما يعنيني هو الحب لا المال ، ما جدوى المال دون حب ؟ أسرتي الثرية يغضبها أن أتزوج من فتاة تنتمي للطبقة المتوسطة بينما يمكنني الزواج دائما من فتاة ثرية ، ثرائها يقارع ثراء أسرتي قرشا بقرش، الزواج من وجهة نظرهم صفقة تجارية لجمع المزيد من الأرباح ، لكن الزواج بالنسبة لي اجتماع قلبين بل روحين والربح الأوفر يكمن في السعادة .
رمقني باستعطاف وقال :
-هل ستكون معي أو معهم يا سلمان ؟ إن كنت معي فاحضر حفل زفافي كشاهد ، أرجوك يا سلمان .
قلت له حينها باسما :
-لو لم تسألني ذلك لفعلت من تلقاء نفسي ، وهل أضيع على نفسي حضور زفاف ابن خالي وصديقي وقبل كل شيء أخي فأنت أخي يا إبراهيم .
وقفت بسرعة ودنوت منه آمرا :
- قف .
ثم ما لبثت أن احتضنته وقلت له مهنأً :
-مبروك .
كان زواج إبراهيم بسيطاً فقد اقتصر الحضور على ذوي زوجته وعدد بسيط من معارفهم وأنا وأبوكِ بينما رفض بقية أسرته الحضور بدءا بوالديه وأخته وإنتهاءاً بوالديّ وبقية أفراد أسرتنا .
رغم بساطة الحفل وأجواء الاحتفال إلا أن السعادة التي أطلت من عينيّ العريس وبسمته الدائمة قد جعلت من حفل العرس ذاك فرحة لا تنسى .
سافرا بعد الحفل مباشرة في رحلة شهر العسل إلى لبنان ، عند عودتهما كنت أنا من استقبلهم في المطار .
كانا زوجين سعيدين ، فرحة الدنيا تطل من عيونهم واضحة كأنها إشراقه شمس الصباح .
أوصلتهما إلى مسكنهم وهو عبارة عن شقة استأجرها إبراهيم ليحيا فيها هو وزوجته بعيدا عن غضب أسرته ونقمتها ، فزوجته من وجهة نظرهم لن تستطيع يوماً أن تدانيهم منزلة ورفعة .
عاش الاثنان في سعادة غامرة لبضعة أشهر ، لكن سعادتهم تلك لم تدم طويلا .
إذ سرعان ما حولت أسرته حياتهما إلى جحيم .
عمدت والدته إلى الاتصال بزوجة ابنها لا للترحيب بوجودها في الأسرة كفرد من أفرادها بل لتوجيه الاتهامات لها وشتمها فهي الوصولية التي لا تنشد شيئا سوى المال ، الحب كذبة اخترعتها بغية الوصول إلى مآربها المنشودة وهي ثروة الأسرة ................ .
لم تستطع سعاد تحمل ذلك السيل الجارف من الشتائم المتكررة ، أطلعت إبراهيم على الأمر فقام بتغيير رقم الهاتف ، حسب أن الأمر سينتهي عند هذا الحد لكنه كان مخطئاً ، مخطئاً تماماً .
فما كان حديثا هاتفيا يدور بين اثنتين بات حينها حديث مجالس النساء ، فقد عمدت أمه إلى نشر إشاعة مفادها أن زوجة ابنها الانتهازية ما تزوجته إلا لأجل ماله ، لذا عمدت إلى إبعاده عن أسرته ، فإذا كان وحيدا مسلوب اللب سهل عليها خداعة ، لتعمد بعد ذلك إلى الحيلة لتنهب منه ممتلكاته وماله .
بلغت تلك الأقاويل مسامع سعاد فوقعت عليها وقع الصاعقة ، أخذت تصرخ كالمجنونة لم أعد قادرة على تحمل المزيد ، وجدها إبراهيم عند عودته من العمل على تلك الحال ، امرأة هستيرية منفعلة تصرخ بجنون والدمع المتناثر من عينيها يغمر وجنتيها كسيل ماطر .
حاول تهدئتها بشتى الطرق لكن مساعيه باءت بالفشل ، فما من شيء قادر على تهدءتها ، تذكر بأنها حامل ، فخشي من حدوث كارثة لا تحمد عقباها ، فقادها مرغماً إلى المستشفى .
قضى الاثنان ليله مؤلمة بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، سعاد النائمة بفعل الدواء تهذي بكلمات موجعة ومؤثرة أما إبراهيم فساهر جوارها قلقاً يستمع إلى تلك الكلمات القاتلة ، أدرك من كلماتها عمق الألم الذي تعيش ، لقد حولت أسرته حياتها إلى جحيم ، كانت تهذي بقولها :
-أحبه ، أحبه ................ لا ...... لا أستطيع ........... العيش دونه ............. لكن العيش ........... معه .........يعني فقدان ............ كرامتي كرامت............ وتصمت وتسيل الدموع ثم تعاود الهذيان من جديد .
سالت الدموع من عيون إبراهيم ، ما الحل ؟ إنه واقع بين نارين أسرته وزوجته .


غادر المستشفى صباح اليوم التالي بعد أن أرهقه التعب ، لكنه لم يقصد منزله الخالي بل قصد منزلي .
يا إلهي كم كان منظره مؤلما ، كان مرهقا تعبا ، نامي الذقن ، محمر العينيين ، كنت موشكا على الخروج للعمل ، إلا أني عدلت عن ذلك حال رؤيتي له ، قدته للداخل فجلسنا نتحادث بعد أن أمرت باحضار الإفطار له لكنه لم يأكل منه شيئا بل اكتفى يإحتساء كوب الشاي .
حدثني بما جرى بصوت مرهق متألم ثم ما لبث أن وضع رأسه بين يديه وبكى .
كان حزنه عميقاً جداً ، كان يبكي ويقول :
- آه ، إني واقع بين نارين يا سلمان ، نارين ، أهلي من ناحية وزوجتي وطفلي الذي لم يولد بعد من ناحية أخرى .
حاولت جاهدا أن أخفف من وطأة حزنه ، إنما دون جدوى .
بكى لبرهة من الزمن لكنه ما لبث أن مسح دموعه من على وجنتيه ونهض من مكانه قائلاً :
- أحسب أني قد أثقلت عليك يا سلمان ، ما كان لي أن أحضر إلى منزلك الآن وأنا على هذا الحال ، سأذهب .
حاولت ردعه عن الذهاب ، أردته أن يبقى لكنه أبى ذلك ، وأحسب أنه كان خجلا من بكاءه أمامي فإبراهيم كان دائم القول :
- على الرجل أن يكون قويا دائما وأن لا يضعف مهما واجه من أزمات .
غادر المنزل مسرعا بعد أن ودعني .
آه يا صغيرتي ، ليتني كنت حينها أعلم بأن هذا اللقاء سيكون لقاءنا الأخير .
خرج إبراهيم من منزلي مسرعاً متوجهاً لمنزله لكنه لم يصل إلى حيث أراد .
لم يكن منتبها أبدا أثناء القيادة ، اصطدم بسيارة أخرى ، كان حادثا قويا ومروعا انتهى بموته فورا وبإصابة قائد السيارة الأخرى بجروح خطرة نقل على إثرها إلى المستشفى .
مات إبراهيم مخلفا وراءه زوجته وطفله الذي لم يولد بعد .
لم أخبر سعاد بما جرى عندما كانت بالمستشفى على الرغم من سؤالها الدائم عن إبراهيم خوفا على صحتها .
لكن ما إن خرجت من المستشفى حتى نفذت كل الأعذار وكان محتما علي إبلاغها .
كان وقع النبأ عليها صاعقاً ( أعولت وبكت ) ثم ما لبث أن صمتت فما حدث هو أمر الله .
بعد الحادثة أقفلت الشقة وعادت إلى منزل ذويها حيث أخيها وأمها ، أما أسرة خالي فلم تكترث مطلقا لأمرها فهي من وجهة نظرهم من أضاعت منهم إبنهم .
حاولت زيارتها لأكثر من مرة لكنها أبت ، وعندما عرضت عليها أن أساعدها بأي شيء رفضت قائلة :
شكرا لك ، أنا قادرة على إعالة نفسي والطفل الذي أحمل في بطني ، أرجوك لا تقم بزيارتي بعد الآن فأنا أرمله وحديث الناس لا يرحم .
احترمت رغبتها تلك فلم أقم بزيارتهم بعد ذلك أبداً .
كنت فقط أتقصى أخبارها وأخبار الطفلة بين حين وحين من أخيها جمال .
وعندما بلغ مسامعي أنها أسمت الطفلة ابتسام ، علمت حينها أنها قد نزلت عند رغبة إبراهيم فهو لطالما قال بأنه إن ولد له صبي فسيسميه عادل وإن ولدت له فتاة فسيسميها إبتسام .

عندما أنهى عمي حديثة كانت الدموع تتماوج في عيني لكن عمي كان غافلا عنها ، فقد حملته ذكريات الماضي إلى أعماق الحزن .
قاد السيارة بهدوء في طريق العودة إلى أن بلغنا المنزل ، أردت الخروج من السيارة إذ بعمي يقول :
- فرح أرجوكِ لا يجب أن تطلعي أحدا على ما أخبرتكِ خصوصا زوجتي ، إن لها منزلتها الرفيعة واحترامها كما أنها حبيبة قلبي فهي رفيقة دربي وأم أبنائي ولا أحبذ أن أجرح شعورها وأحاسيسها أبدا ، لم أفعل يوما شيئا خاطئاً أو مسيئاً لشخصها وكرامتها والله على ما أقول شهيد لكن النساء يشعرن بالغيرة دائماً من أي شيء حتى من الأمور العادية التي حدثت في الماضي .
ابتسمت خجلة وقلت :
تأكد بأني لن أخبرها بالأمر أبدا ، هذا وعد مني فأنا أحترمها كثيرا كما تحترمها أنت ، إنها بمثابة أمي .
ما سمعته من عمي جعلني أكثر قرباً من ابتسام ، لقد استشعرت معاناتها ومعاناة والدتها .
آه لكم قاستا من الأذى ، يالابتسام المسكينة ، فقدت الأب وبفقدانه فقدت أسرتها ولم يبقى لها في هذه الحياة إلا أمها ، جدتها ، خالها وأسرة والدها التي لا تعترف بوجودها .
بت لصيقة بابتسام طوال فترة تواجدنا في الجامعة لكني لم أجرأ يوما على زيارتها في منزلها ، خوفا من تعرف والدتها عليّ ، إذ كنت أخشى أن ترفض استقبالي في منزلها حال معرفتها لشخصي .
منعني الخوف من زيارة ابتسام في منزلها لفترة طويلة .
اليوم لممت ما تبعثر من شجاعتي وتمسكت بقوة إرادتي ، رفعت هاتفي ، اتصلت بمنزلها لا بهاتفها النقال ، كانت هذه هي مكالمتي الأولى لها على هاتف منزلها .
من أجاب على الهاتف إمرأة لكنها ليست ابتسام فأيقنت أنها أمها ، لا أعلم ما الذي دفعني لقول ما قلت أهي الشجاعة أم الخوف أم الحماقة ؟ لا أعلم لكن الكلمات خرجت من فمي سريعة وواضحة :
- سيدتي أنتِ والدة ابتسام ؟
- نعم ، من المتحدث ؟
- أنا صديقتها المقربة فرح .......................... .
ذكرت اسمي كاملا فحل الصمت لبرهه لكن أمها ما لبثت أن قالت :
- مرحبا بنيتي ، أتودين الحديث مع ابتسام ؟
- مرحبا عمتي ، لا بل اتصلت لأستأذنكِ بزيارتها اليوم في المنزل ، هذا إن لم تمانعين طبعا .
جاء الجواب سريعا متواصلا وليس كما حسبت :
- باب المنزل مفتوح لكِ بنيتي في أي وقت ، أهلاً وسهلا بكِ .
يبدو أن والدة ابتسام لم تشعر بالصدمة بل أنا من شعرت بها ، فلم أخل يوما أنها ستستقبلني يوما في منزلها بحفاوة كما فعلت ، لذت بالصمت لبرهه ثم ما لبثت أن قلت شكراً لكِ عمتي سأزوركم هذا المساء إن لم تمانعين .
فأجابت بصوت رقيق :
- أهلا وسهلا عزيزتي .
فأجبتها :
- إلى اللقاء .
فبلغ مسمعي قولها :
- إلى اللقاء .
قبل أن ينغلق الهاتف .



أغلقت الهاتف وتوجهت إلى مكتب عمي ، طرقت الباب منتظرتا إذنه بالدخول ، إذ به يقول :
- من تفضل .
دخلت إلى مكتب عمي وأنا أقول :
- عمي أود أن
لكن حديثي سرعان ما انبتر في منتصفه ، لم يكن عمي وحيدا ،كان يجلس معه شخص ما ، لم أعلم من يكون في البداية إذ لم أبصر إلا ظهره ورأسه من الخلف لكن ما إن استدار حتى أدركت أنه أحمد .
فوقفت في مكاني جامدة لبرهه ثم ما لبثت أن قلت بعجل :
- السلام عليكم ، آسف للمقاطعة ، عمي سأحضر في وقت لاحق .
واستدرت نحو الباب لأهم بالفرار ، إذ بعمي يقول :
- تعالي يا فرح اجلسي ، أنتِ لم تقاطعي أمراً هاما أبدا ، هيا اجلسي .
لم أعرف بم قد أجيب لذا أطعته وجلست على أحد المقاعد وبقيت صامته ، رمقني عمي قائلا :
- ما الأمر يا فرح ؟
لم أعرف بم عساي أجيب ، كان الموقف محرجا جدا ، شعرت بأن حمرة الخجل قد صبغت وجنتاي ، يجب أن أتحدث فما من مفر إنما كيف أفعل وأحمد جالس هناك فقلت بارتباك :
- أنا أنا ، عمي أنا ، في الواقع أنا ، كنت أريد .............
كان كلاما مبهما وغير مترابط .
يبدو أن أحمد قد أدرك بأني لا أود الحديث في حضوره فنهض من مكانه قائلا :
- أستميحك عذرا أبي سأنصرف الآن وسأكمل حديثي معك لاحقا .
خرج من المكتب بعد أن رمقني بنظرة حائرة .


بعد أن غادر أحمد المكتب ، أطلعت عمي على ما حدث وعن رغبتي بزيارة ابتسام في منزلها ، حسبت أنه سيتعجب مثلي لما حدث لكنه لم يبدي أي رد فعل بل اكتفى بقوله حسنا لكِ أن تزوريها .
ما إن حل المساء حتى تأهبت للزيارة ، بلغت منزلها فطرقت الباب ، إن هي إلا برهه حتى فتح لتخرج منه خادمة أندونسية قائلة :
- تفضلي .
قادتني لغرفة الجلوس التي جلست فيها إمرأة في أواسط العمر تبدو سيماء الجمال والهدوء ظاهرة على محياها ، أبصرتني فوقفت من مجلسها ، تقدمت نحوي مبتسمة ، مددت يدي لأصافحها لكني فوجئت بها وهي تحضنني قائلة :
- مرحبا بك ، كيف حالكِ صغيرتي ؟
فأجبتها :
- بخير والحمد لله .
لقد أثار سلوكها اضطرابي ، مر زمن طويل جدا على احتضان أحدهم لي بمثل هذا الإسلوب الأمومي ، شعرت بأن الدموع موشكة على التساقط من عيني .
أجلستني جوارها ، حادثتني بهدوء وطيب إلى أن ولجت ابتسام إلى الغرفة فنهظت من مجلسها قائلة :
- سأترككما معا تتحادثان ، عن اذنكما .
وانصرفت .
لا أعلم ما الذي حدث حقا ، خلال تلك الدقائق القليلة التي أمضيتها معها ، شعرت بشعور غريب ، شعرت بفيض حنان غريب من نوعه ، أحسست بأن أمي هي التي كانت تجالسني وتحادثني لا شخصا آخر أبصره لأول مره في حياتي .
كان شعورا غريبا واكتشاف جديد .


ضمآن بين النهرين غير متواجد حالياً  
التوقيع
ظلم ، ظلم في أطيب شعب يرمون النار
جرم ، جرم أن يقتلنا الجيش ويدمي الدار

ترقبوا


رد مع اقتباس
قديم 28-04-10, 11:45 PM   #4

هبة

روايتي مؤسس ومشرفة سابقة وقاصة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية هبة

? العضوٌ??? » 3455
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 23,166
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » هبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond repute
افتراضي

مشكور ضمآن على الرواية و على البارتات الروعة ...


السؤال الذى يطرح نفسه أين هى فرح الآن ... و لم أرسلت بدفتر مذكراتها لمحمود بالذات ؟؟؟ متشوقة لمعرفة باقى الأحداث و ما الذى حدث لتبتعد فرح ...



ضمآن متابعاك و شكراً لك


هبة غير متواجد حالياً  
التوقيع






اللهم ارحم والدى برحمتك الواسعة ...إنه نزل بك و أنت خير منزول به و أصبح فقيراً إلى رحمتك و أنت غنى عن عذابه ... آته برحمتك رضاك ... و قهِ فتنة القبر و عذابه ... و آته برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين ...

اللهم آمين ...
رد مع اقتباس
قديم 29-04-10, 12:02 AM   #5

seiro

? العضوٌ??? » 117045
?  التسِجيلٌ » Apr 2010
? مشَارَ?اتْي » 35
?  نُقآطِيْ » seiro is on a distinguished road
افتراضي

القصة جميل جداااااااااااااااا
اتمنى انك تكمليها :44::44:

بس مش عارفة ليه كل ما اقرأ قصة فيها شخصية اسمها سارة الاقي نهاية الشخصية دي حزينة انا عارفة ان سارة مش شخصية اساسية بس لفت نظري الاشتراك بين نهايتها ونهاية شخصيات بنفس الاسم في بعض القصص الاخرى (يعني انتي ممكن تفسيرهالي كاكاتبة:blushing

منتظرة باقي القصة بشوق كبير
لكي مني احلى سلام:icon30::icon30:


seiro غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-10, 10:09 PM   #6

ضمآن بين النهرين

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ضمآن بين النهرين

? العضوٌ??? » 2194
?  التسِجيلٌ » Feb 2008
? مشَارَ?اتْي » 4,869
?  نُقآطِيْ » ضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبة مشاهدة المشاركة
مشكور ضمآن على الرواية و على البارتات الروعة ...


السؤال الذى يطرح نفسه أين هى فرح الآن ... و لم أرسلت بدفتر مذكراتها لمحمود بالذات ؟؟؟ متشوقة لمعرفة باقى الأحداث و ما الذى حدث لتبتعد فرح ...



ضمآن متابعاك و شكراً لك
شاكر لكِ أختي مروركِ الكريم ، سلمت يداكِ .
مكان فرح وسبب ارسالها المذكرات لمحمود سيتم ايضاحهما في ختام القصة ففيها يكمن سر الأحداث .
دمتي بخير .


ضمآن بين النهرين غير متواجد حالياً  
التوقيع
ظلم ، ظلم في أطيب شعب يرمون النار
جرم ، جرم أن يقتلنا الجيش ويدمي الدار

ترقبوا


رد مع اقتباس
قديم 03-06-10, 10:21 PM   #7

ضمآن بين النهرين

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ضمآن بين النهرين

? العضوٌ??? » 2194
?  التسِجيلٌ » Feb 2008
? مشَارَ?اتْي » 4,869
?  نُقآطِيْ » ضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة seiro مشاهدة المشاركة
القصة جميل جداااااااااااااااا
اتمنى انك تكمليها :44::44:

بس مش عارفة ليه كل ما اقرأ قصة فيها شخصية اسمها سارة الاقي نهاية الشخصية دي حزينة انا عارفة ان سارة مش شخصية اساسية بس لفت نظري الاشتراك بين نهايتها ونهاية شخصيات بنفس الاسم في بعض القصص الاخرى (يعني انتي ممكن تفسيرهالي كاكاتبة:blushing

منتظرة باقي القصة بشوق كبير
لكي مني احلى سلام:icon30::icon30:
شاكر لكِ أختي مروركِ الكريم ، يعطيكِ العافية .
في كثير من الأحيان يشار للشيء بعكس حقيقته ككناية عن تبدل الحال وتغيرة أو لجمع التناقضات فكثيرا ما تجمع الظروف والحياة بين المتناقضات في آن فالبعض يذرف الدموع من شدة الفرح ، والبعض يخفي أحزانه خلف ابتسامته ، لذا يعمد البعض إلى اقران اسم سارة بالحزن للإشارة لتغير أحوال الحياة لكون اسم سارة يدل على السرور والفرح كما أن البعض يرجع معنى سارة إلى أنها من تسر الناظرين .
دمتي بخير .


ضمآن بين النهرين غير متواجد حالياً  
التوقيع
ظلم ، ظلم في أطيب شعب يرمون النار
جرم ، جرم أن يقتلنا الجيش ويدمي الدار

ترقبوا


رد مع اقتباس
قديم 03-06-10, 10:46 PM   #8

ضمآن بين النهرين

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ضمآن بين النهرين

? العضوٌ??? » 2194
?  التسِجيلٌ » Feb 2008
? مشَارَ?اتْي » 4,869
?  نُقآطِيْ » ضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond reputeضمآن بين النهرين has a reputation beyond repute
افتراضي

( باتت ابتسام ووالدتها منذ ذلك اليوم أكثر قربا مني ، بٌتٌ لصيقة بشخصهما ، باتت زيارة منزلهما ومحادثتهما جزءا هاما من حياتي ، بٌت أخال أن والدة ابتسام هي والدتي وأن ابتسام هي أختي ، عاد الفرح من جديد يرتسم على وجهي .
بات عمي يقول لي كلما شاهدني :
- لم نعد نراكِ كثيرا في الآونة الأخيرة يا فرح .
- كنت حينها أبتسم وأقول :
- أنا دائما معكم يا عمي .
كان يشير إلى كثرة زيارتي لمنزل ابتسام فقد بٌتٌ أزورهم بشكل يومي تقريبا ، لم يثر الأمر استغراب عمي فحسب بل الجميع لكن أيا منهم لم يتفوه بأي حرف باستثناء محمود ، وجدني ذات يوم واقفة جوار الباب في انتظار مقدم السائق ليقلني لمنزل ابتسام فقال :
- هل ستخرجين اليوم أيضا ؟
فأجبته :
- نعم .
فقال :
- لمنزل ابتسام ، ما سبب هذا الدأب المفاجأ على زيارتها ؟ هي زميلتكِ منذ أمد ، لم تصرين الآن على زيارتها ؟
لم أشأ أن أجيب على استفساره بشكل صريح ، لذا قلت :
- توطدت علاقتنا في الآونة الأخيرة بشكل أفضل مما كانت عليه قبلا .
نظرت إذ بالسائق قد أقبل بالسيارة فقلت :
- عن إذنك .
تركته واقفا هناك ودخلت السيارة مغلقة بابها لينطلق السائق مغادرا المكان .
منذ ذلك اليوم دأب محمود على إلقاء بعض التعليقات والتساؤلات بين الحين والآخر عن موضوع زياراتي المتكررة لمنزل ابتسام ، لكني لم أحفل بما يقول طالما أني أشعر بالراحة التامة معهما .
انتهى الفصل الدراسي ، كانت فرحتي كبيرة بنجاحي ونجاح ابتسام بتفوق ، لم يمر نجاحي هذه المرة مرور الكرام كما كان يحدث دائما .
قررت والدة ابتسام أن تحتفل بنجاحنا وهذا ما حدث ، خرجنا نحن الثلاث للتسوق ، قمنا بشراء العديد من الأغراض ، عدنا لمنزلهم ، قمنا بخبز الكعكة وصنعنا بعض الحلويات ، ثم أخذنا ننشد فرحات بنجاحنا ، كان احتفالا صغيرا وبسيطا ، لكنه ملأ نفوسنا بهجة لأن سعادتنا كانت نابعة من أعماق قلوبنا ، انهينا حفلنا فعدت إلى المنزل ليصعقني محمود بنبئه الغريب ، لقد قدم استقالته من الجامعة بناءا على طلب من عمي ، سيتفرغ كليا للعمل في الشركة .
كلامه لقي قبولا وترحيبا صادقا من الجميع بمن فيهم أنا على الرغم من إدراكي لفقداني مدرس بارع ، إن كانت الشركة بحاجة لخبرته وهو راغب بالعمل فيها لا بالتدريس فما المانع ، بالطبع لا مانع .
عندما عٌدت لغرفتي باتت الظنون والشكوك تساورني :
( لمّ طلب عمي من محمود أن يقدم استقالته من الجامعة الآن وليس قبلا ؟ لمّ الآن تحديدا ؟ لطالما تحمل عمي كافة أعباء الشركة لوحده سنوات طوال دون حاجته لأحد ، ما الذي جعله الآن يطلب العون من محمود ؟ ................................. )
ما لبثت أن أسقطت هذا الأمر من تفكيري لأني لم أجد أجوبة صحيحة لتساؤلاتي تلك .
مضت الأيام عادية مماثلة لسابقتها .
اليوم حدث أمر جلل ، كنت أزور منزل ابتسام ، شعرت بحدوث خطب ما ، لا أعلم ما هو لكن قلبي يحدثني بحدوث خطب ما .
فتحت والدة ابتسام الباب لأدخل إلا أن البسمة التي كانت تعلو وجهها دائما كلما فتحت ليّ باب المنزل قد اختفت ، رحبت بمقدمي كما اعتادت إنما بصوت خالي من نبرة الفرح والسرور ، كل هذا جعلني أقلق ، ما جعل قلقي يزداد أضعافا مضاعفة هو جوابها على سؤالي عندما سألت عن ابتسام إذ قالت :
- إنها متعبة قليلا ، دخلت غرفتها منذ قليل لتنام وترتاح ، أحسب أنها قد نامت .
فقلت :
- سلامتها يا خالة ، إسمحي لي بالانصراف ، يبدو لي أنكِ متعبه أيضا .
رسمت على ثغرها ابتسامة صفراء شاحبة وقالت :
- بل ابقي معي قليلا صغيرتي لأحادثكِ وتحادثيني ، أنتِ تعلمين أنه يسرني أن أحادثكِ .
لبثت معها قرابة الساعة أحادثها وتحادثني ، شعرت بوجود ما يؤرقها ويقلقها طوال فترة حديثنا ، إذ كانت تسرح أحيانا وتظهر نظرات حزن عميقة في عينها بين حين وآخر ما تلبث أن تحجبها بسرعة ما أن تدرك تطلعي إليها .
ودعتها وغادرت .
بلغت غرفتي والأفكار والظنون تحول بيني وبين راحة فكري ( لو كان الأمر خطيرا لأخبرتني ، إنما ما سر النظرات الحزينة التي ما تلبث أن تختفي ؟ ما سر ضياع البهجة من وجهها ؟ آه أتمنى لو كنت أعلم ، إنما الأمنيات تبقى أمنيات ...... ) .
بٌت ليلتي تلك وأنا مشغولة الفكر ، شاهدت العديد من الكوابيس المرعبة في منامي لكني لم أعد أتذكرها عندما استيقظت ، نسيتها جميعا باستثناء أحدها ، ظل راسخا في فكري عند استيقاظي :
كنت في المنام طفلة صغيرة ألهو في منزل قديم جوار أمي ، كانت أمي ترمقني بين الحين والآخر باسمة وتقول :
- أحبكِ صغيرتي .
فجأة دخل شخص غريب إلى المنزل ، أخذ ذلك الشخص أمي ، أمسكها من يدها يدفعها إلى الأعلى ، كنت أصيح في أثره :
- أيها السارق أرجعها .
لكنه أخذها بعيدا واختفى .


ضمآن بين النهرين غير متواجد حالياً  
التوقيع
ظلم ، ظلم في أطيب شعب يرمون النار
جرم ، جرم أن يقتلنا الجيش ويدمي الدار

ترقبوا


رد مع اقتباس
قديم 04-06-10, 01:54 AM   #9

seiro

? العضوٌ??? » 117045
?  التسِجيلٌ » Apr 2010
? مشَارَ?اتْي » 35
?  نُقآطِيْ » seiro is on a distinguished road
افتراضي

اولا اعتذر اخى ضمآن على طريقة الخطاب في الرد السابق انما لم تكن مقصودة( جهل يعني:blushing: )

شكرا جزيلا على البارت الجديد ومنتظرين الباقي بإذن الله :44:
عايزين نعرف سر فرح:icon30:


seiro غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-10, 02:13 AM   #10

هبة

روايتي مؤسس ومشرفة سابقة وقاصة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية هبة

? العضوٌ??? » 3455
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 23,166
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » هبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلم ضمآن على البارت ...


ربى يستر من الحلم >>> معقولة يصير شيئ لإبتسام أو أمها و يبعدهم عن فرح ؟؟؟



ضمآن متابعاك و شكراً لك


هبة غير متواجد حالياً  
التوقيع






اللهم ارحم والدى برحمتك الواسعة ...إنه نزل بك و أنت خير منزول به و أصبح فقيراً إلى رحمتك و أنت غنى عن عذابه ... آته برحمتك رضاك ... و قهِ فتنة القبر و عذابه ... و آته برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين ...

اللهم آمين ...
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:39 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.