آخر 10 مشاركات
مشاعر على حد السيف (121) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : salmanlina - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          أرملة أخيه-قلوب زائرة(ج1 سلسلة حكايات سريه) للكاتبة : عبير محمد قائد*كاملة&الروابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          خادمة القصر (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          هيا نجدد إيماننا 2024 (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          587 - امرأة تائهة - راشيل فورد - ق.ع.د.ن ... حصريااااااا (الكاتـب : dalia - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > مكتبات روايتي > المكتبة العربية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-11-11, 09:20 PM   #1

فاير فلاي
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 91292
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 8,378
?  نُقآطِيْ » فاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond reputeفاير فلاي has a reputation beyond repute
افتراضي أبو القاسم الشابى الاخطل الصغير 1 ل نعمات احمد فؤاد




بسم الله الرحمن الرحيم

أبو القاسم_الشابى..الاخطل_الصغي ر 1
ل نعمات احمد فؤاد

التعريف بالكاتب
ولدت بمغاغة بمحافظة المنيا، وحفظت القرآن الكريم في طفولتها ثم انتقلت من مغاغة إلي ضاحية حلوان في القاهرة لتلتحق بالمدرسة الثانوية الداخلية للبنات في حلوان وتخرجت من كلية الآداب جامعة القاهرة ونالت درجة الماجستير في أدب المازني، أما رسالة الدكتوراة فكانت عن >النيل في الأدب العربي< ولها عبارة مهمة تقول فيها >شيء كبير أن يكون للإنسان قلم ولكن شيئا نفيساً أن يكون للإنسان موقف، ومن نعم الله علي أن وهبني الكلمة والقرار، أعني القدرة علي الاختيار الصعب، فعرفت المواقف، وتحملت في سبيل مواقفي الكثير وعلوت علي الإغراءات والعروض والمناصب والبريق، فأعز منها جميعا تراب هذا البلد كل ذرة من هذا التراب<.
اقترن اسم الدكتورة نعمات أحمد فؤاد بقضايا أثارت خلالها العديد من المعارك دفاعا عن مصر وحضارتها وشعبها، من أهمها قضية هضبة الأهرام وقضية دفن النفايات الذرية وقضية الدفاع عن قبة الحسين وقضية الدفاع عن الآثار الإسلامية وقضية أبو الهول وقضية الآثار المصرية التي استولت عليها إسرائيل أثناء احتلالها سيناء، وللدكتورة نعمات مؤلفات عدة عن إبراهيم عبد القادر المازني، وأم كلثوم والنيل، كذلك عن العقاد والشاعر أحمد رامي، كما قامت اليونسكو بترجمة كتابها >إلي ابنتي< للإنجليزية.
منزلها قطعة منها، أرجاء رحبة تفتح ذراعيها لتحيتك، وأثاث عربي الملامح يلفت نظرك من اللحظة الأولي، وكتب ضاقت بها مكتبتها فتناثرت بين مائدة ومقعد، ومكتب صغير يناسب كاتبة أشاد بها العمالقة، يجاوره منضدة ليست كغيرها، فهي صممت لتحوي خريطة أثرية طبعتها الموسوعة البريطانية تعود لبدايات القرن الماضي، بها مقارنات لحضارات العالم القديم، وإلي جوار كل هذا كتب أثرية نادرة هي هدية زوجها لها.
أما هي فلا تزال رغم سنوات العمر الممتلئة بالمعارك تحيا بصمود في وجه هجمات المرض التي تهاجمها بين الحين والآخر، فتسلبها القدرة علي الحديث أو النقاش. ولكنها تظل في البداية والنهاية نعمات أحمد فؤاد، عروس النيل التي يزعجها لهاث المصريين وراء دراما التليفزيون، متسائلة: أما في البيت من كتاب أو جريدة؟، وتستشعر تراجع الشخصية المصرية فينتابها القلق علي المصير، وتري التراخي في علاج قضايا قومية كالتعليم أو الثقافة فتحزن في صمت بعد أن فقدت القدرة علي خوض معارك جديدة.
قبل الحوار لابد من عودة للوراء إلي البداية التي لم تبدأ مع الميلاد أو بعده ولكنها سبقته بعدة أشهر، رؤية.. مجرد منام مر بعقل أبيها التاجر في ذات ليلة قبل مولدها بعدة أشهر، رؤية كالصحو عرف فيها الأب أن مولوده القادم فتاة، وأن اسمها نعمات، وأن شأنها في الحياة كبير، ويصدق الفأل وتأتي للحياة صبية ذكية تمتلك من الهبات الكثير، قدرة علي الحفظ والتذكر، وبلاغة في التعبير، وسعة في الأفق، وشجاعة في الحق، وإحساس بالجمال يمنحها الإيمان بالنيل، وبقيمة الأرض وطينتها السمراء، لتشب عاشقة لكل ما هو مصري صميم. نهاية التعليم للفتيات في الصعيد في تلك الفترة كانت الشهادة الابتدائية، بعدها يكون الزواج،
إلا أن موهبة نعمات ورؤية والدها الخاصة بها، كانتا الدافع كي يتصدي الأب لرغبة جدها في منعها من التعليم، فيصر أبوها علي إرسالها إلي القاهرة لتلتحق بمدرسة حلوان الثانوية الداخلية للبنات، كان شتاؤها دراسة، وصيفها قراءة لما أعده لها والدها من كتب سبق له قراءتها وتعليك ما فيها من أجزاء هامة، كي تلحق ابنته صاحبة الرؤيا بقراءتها، والتي لا تزال حتي يومنا هذا حامدة شاكرة لفضل الوالد والمعلم في المدرسة،
تحكي لـ «المصري اليوم»: «عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي بمدرسة مغاغة بالمنيا، ذهبنا في رحلة لمصنع السكر، وبعد عودتنا طلب منا الأستاذ أحمد عطية معلم اللغة العربية، كتابة موضوع تعبير من عدة جمل عما شاهدناه في الرحلة فكتبت ١٢ صفحة، بهت بها المعلم إلي حد أنه بكي من شدة التأثر، وذهب لوالدي يطلب منه معاونته في رعاية موهبتي الأدبية، يومها تأكد لوالدي ما شعر به من قبل، وبدأ الاثنان في إمدادي بالكتب والمجلات التي يمكنها تنمية ملكة الكتابة عندي، وزاد هذا من مكانتي لدي أستاذي حتي إنني عندما كنت أذهب له لشأن ما أثناء تدريسه في فصل غير فصلنا، كان يطلب من البنات الوقوف لتحيتي من شدة تأثره بموهبتي وأنا عمري لم يتعد العاشرة.
عندما التحقت بالمدرسة الثانوية الداخلية في القاهرة، تكرر موقف المساندة لموهبة الكتابة لدي من قبل مدرس اللغة العربية الأستاذ محمد الحوفي الذي كثيراً ما كان يثني علي موضوعات التعبير التي أكتبها بعبارات مؤثرة في الصفحة الأولي من الكراسة، وكلما تذكرت أساتذتي جالت بخاطري حالة من المقارنة بين حال جيلي والجيل الحالي، فلا أعتقد أن هناك الآن معلمًا يتبني موهبة تلميذه ويحاول الدفع به للنجوم».
ترتسم علي شفاهها بسمة وهي تحكي عن فترة الدراسة بالمدرسة الثانوية وتضيف: «كانت زميلتي في الدراسة المذيعة الرائعة آمال فهمي، كانت خفيفة الظل وحلوة الصوت وكثيرا ما كانت تطلب مني أن أكتب لها موضوع التعبير الذي طلبه منا المعلم، وكنت أوافق بشرط أن تغني لي إحدي روائع أم كلثوم التي كنت أعشقها وأسمع صوتها في الظلام حتي لا تشغلني عنه أي رؤية. وبعد نهاية الدراسة في الشتاء أعود إلي بلدتنا في الصيف أقرأ ما أحضره لي أبي من كتب، وأستزيد من تعلم اللغات التي أقبلت علي تعلمها بدأب إلي جانب القرآن الذي حفظته بأكمله وتعلمت قراءاته كلها وهو ما منحني القدرة علي امتلاك مفاتيح اللغة العربية وفتح أمامي باب الاستزادة من الفنون والآداب».
تصمت للحظات يمتزج فيها الحنين بالرغبة الحثيثة في استعادة ما مضي من ذكريات، وتضيف: «جاءت وفاة أبي وأنا في الرابعة عشرة من عمري صادمة لي، كنت كمن كان يستند علي جدار وفجأة انهار من خلفه. حتي إنني أهديت له أول كتاباتي قائلة له إنه إذا كان تمني أن يراني صاحبة قلم، فإنني أتمني أن يشعر بما صرت فيه».
كان رحيل الأب سببا في توطد علاقة نعمات بكل ما يستطيع منحها مشاعر الأبوة، ولهذا كانت صلتها بأحمد حسن الزيات الذي كان يراها امتداداً له، والعقاد الذي قدمت للمكتبة العربية مؤلفاً في أدبه، وغير هذين من أدباء جيل العمالقة، وهو ما قالت عنه في حوار سابق لها: «عندما اختفي الأب البطل من أمام الصغيرة توطدت علاقتي بآباء غيره، ولعل هذا سر ارتباطي بالنيل الذي اعتبرته الأب الأكبر منذ أن تفتحت عيناي علي الحياة، وزادت صلتي به عندما كنت أصحب والدي في مسيرته الصباحية المبكرة بجوار شاطئ النيل للمرور علي أرضه.
أتذكر نشيد الصباح في المدرسة الابتدائية، كانت كلماته رنانة تبعث علي حب ذلك الساري من الجنوب إلي الشمال، في النفوس. ما زالت كلمات النشيد تتردد في ذهني وتقول: النيل العذب هو الكوثر، والجنة شاطئه الأخضر، ريان الصفحة والمنظر، ما أبهي الخلد وما أنضر».
تكبر الصبية وتلتحق بكلية الآداب وتبدأ خطواتها الأولي في عالم الكتابة وهي في السنة الأولي، ليكون القرار بعد التخرج بمواصلة الدراسة العلمية فتحصل علي الماجستير برسالة كان محورها أدب عبد القادر المازني لتكون أول دراسة يدور مضمونها عن الأدب الحديث وكان ذلك في العام ١٩٥٢، تلا ذلك بعد عدة سنوات رسالة أخرى نالت بها الدكتوراه كان عنوانها «النيل في الأدب العربي»، وهي الدراسة التي أكدت فيها أن النيل جزء من تراث المصري وحياته اليومية، من خلال ترحال دام شهوراً طويلة بين مدن وقري مصر، شمالها وجنوبها، غربها وشرقها، تجلس وتستمع، تسأل وتنتظر الإجابة، لتخرج في بدايات الستينيات برسالتها عن النيل.
في منتصف الخمسينيات كان الزواج من رفيق رحلتها في الحياة الأستاذ محمد طاهر، الذي كان يمتلك مصنعاً للأدوية وداراً لنشر الكتب، وقبل لقائه بها كان عازفاً عن الزواج وهو ما يبرره في جلستنا معها بقوله: «منذ طفولتي الغراء كنت عاشقاً للقراءة التي كانت رفيقتي في كل لحظة، حتي إنني قررت عدم الزواج حتي لا أرتبط بامرأة تستشعر تفضيلي للقراءة عليها، ولكن سمحت لي الظروف أن ألتقي نعمات أثناء إنهائي بعض الأوراق في عملها بوزارة الثقافة، وكنت كلما ترددت عليها وجدتها تمسك بكتاب تقرأ فيه، فكان الحب والزواج في منتصف الخمسينيات.
شعرت بحسي الأدبي والمتخصص في عالم الكتب أنني أمام موهبة قلما تتكرر، حتي إنني منعتها من القيام بمهام الزوجات في المنزل فكان لدينا الطاهي والخادمة، وأذكر أنني عدت من عملي ذات يوم ووجدتها تقف في المطبخ فنهرتها بقولي إن ملايين النساء يستطعن القيام بتلك الأمور، ولكن كم واحدة منهن تمتلك هبة الكتابة التي شبهها الأديب الراحل أحمد حسن الزيات في مقدمة كتابها (بلادي الجميلة) بمي زيادة، مؤكداً علي تفوق نعمات في الأسلوب، وقال واصفا إياها للقارئ: أنت من نعمات بين زوج وفية، وأم رءوم، وأخت مواسية، ومواطنة مخلصة وعاشقة للنيل تنشد علي ضفافه الخضر أناشيدها المؤلفة من عبرات إيزيس وضحكات كليوباترا، وصلوات عمرو، وغزوات صلاح الدين، لتطوف بك في مجالي الطبيعة ومشاهد الكون». كان الزوج نعم الرفيق في مسيرة نعمات أحمد فؤاد وكان يحب بين الحين والآخر مفاجأتها بنفائس الكتب والنادر منها كدليل علي محبته لها، ولعلمه بما يمكن لمثل تلك الهدايا من فعله بروحها.
من بين الموروثات التي حرص علي اقتنائها لها كتاب «بانوراما» الفرنسي اللغة ،والذي يعود تاريخ طباعته إلي العام ١٨٤١، وقد طبع منه ٥٠ نسخة فقط تم إهداؤها في حينها لملوك ورؤساء العالم. أما نسخة دكتورة نعمات أحمد فؤاد فلها قصة يقول عنها زوجها: «في النصف الثاني من الخمسينيات حضرت أحد المزادات الخاصة بأحد القصور الملكية، وكان هذا الكتاب من بين المقتنيات المعروضة للبيع. ظللت أزايد علي ثمنه أنا وزوجة رجل أعمال شهير لا أتذكر اسمها الآن، وكانت معروفة بحب الكتب والمزادات.
ظللنا نزايد علي بعضنا البعض حتي علا صوتي بمبلغ ٤٠٠ جنيه، وكان مبلغاً كبيراً بمعايير وقتها، فصمتت السيدة وهي تظن أنني قد أبيعه لها بعد المزاد مقابل بعض الجنيهات الأخرى، ولكنني كنت منذ رأيته أيقنت أن نعمات ستطير به فرحاً، حيث يحكي مصر ويصورها في وقت الحملة الفرنسية.
بالفعل صار الكتاب أحد أهم ما نقتنيه، وأتذكر يوما من عدة سنوات حينما أعلنت روسيا عن عثورها علي نسخة من هذا الكتاب النادر لدي أحد أفرادها، مشيرة في متن الخبر إلي أنه قد يكون النسخة الوحيدة الباقية في العالم، يومها أصرت دكتورة نعمات علي الاتصال بوكالة الأنباء الروسية، وأخبرتهم باعتزاز أن لديها هي الأخرى نسخة أصلية من الكتاب».
في هدوء وحياة خلت من الزحام إلا من أقرب المقربين لها، تعيش الآن المفكرة نعمات أحمد فؤاد، إلا أن عينيها لا تزالان تلتقطان الواقع وتقرآنه، رغم الجراحة التي أجرتها بهما في العام الماضي، أهم ما تقرآنه بين سطور الحياة والواقع المصري الآن هو حال المصريين، الذي تري أنه بات مثيراً للشفقة بعد تغير معالم شخصيتهم وتراجعها في السنوات الأخيرة، وهو ما قالت عنه:"عندما يغيب الإنسان عن دور يشعره بوجوده وقيمته للحياة، لابد وأن تتغير ملامح شخصيته،
في العقود الأربعة الأخيرة عاني المصري بشدة ما بين الجري وراء توفير قوت يومه هو وأبنائه، وبين شعوره بتهميش القائمين علي أمره لوجوده، بالإضافة إلي الاستهزاء بقدراته العقلية عبر مناهج تعليمية لا تنمي، وغياب ريادة ثقافية كان هو المضطلع بها علي مدي سنوات سابقة، وتزييف لواقع يلمس هو آثاره ونتائجه، فهل بعد كل هذا نعود لنتساءل لماذا تغير المصري وتراجع دوره؟.
هل يعقل أن مصر التي علمت العالم الزراعة تعصف بها أزمة قمح وخبز ولديها النيل والأرض والطاقة البشرية، من يصدق هذا؟ إنني أتذكر قاعدة فقهية للإمام الشافعي كثيرا ما أستشهد بها عندما أسأل عن هذه الجزئية، حيث يقول: (لا تستشيروا من ليس في بيته دقيق فإن عقله غائب). ولهذا كله فإنه لن تقوم للمصري قائمة إلا إذا شعر بذاته وحريته وكيانه».
ليس غياب الدقيق وحده هو ما يقلق عروس النيل نعمات أحمد فؤاد -رغم تقدم سنوات العمر- بل يحزنها حالة اللهاث المصري وراء الدراما التليفزيونية عبر عشرات القنوات التي باتت تتباري وتتنافس لعرض أكبر كم، وتتساءل: «إذا كان هناك هذا الكم الذي لا نهاية له من الأعمال التليفزيونية فمتي يمسك الإنسان بمجلة أو كتاب أو بحث لقراءته بعد عناء يومه، في الماضي كانت البيوت المصرية علي اختلاف مستوياتها بها مكتبات تختلف وتتنوع، ولكن كانت القراءة جزءًا من حياتنا التي باتت تعاني الآن حالة من الخواء العقلي جعلت الواقع مشوشاً».
لم تكن كلماتها في مؤلفاتها مجرد عبارات تسطرها يداها بأمر من عقلها، كانت تسكب علي الورق من روحها، وتضيف له من خبراتها المدعومة بقراءات متعددة في كتب من سبقوها، دون أن تشترط تقديم المألوف والمعتاد أو المتفق عليه، بل يمكنها أن تقدم لقارئها صورة جديدة تاركة له خيار التأمل والقبول أو الرفض.
من أوائل أعمال دكتورة نعمات أحمد فؤاد كانت رسالتها لنيل الماجستير وكانت عن أدب المازني والتي تحولت فيما بعد لكتاب طبع وبيع في الأسواق. ويعد هذا الكتاب أول رسالة علمية في الجامعات المصرية تتناول شخصية من الأدب الحديث، حيث كان الجميع يركن إلي البحث في الأدب العربي القديم أو الآداب الغربية والمقارنة.
من بين مؤلفات الدكتورة نعمات نذكر كتاب «رسائل إلي ابنتي» الذي بدأت فيه في نحو العام ١٩٥٥، قصة الكتاب كما ترويها لنا بدأت منذ لحظة معرفتها بأنها باتت علي شفا خطوة من الأمومة، فبدأت في كتابة ما يطرأ علي بالها من عبارات تعبر عن مشاعرها تجاه جنينها، وعقب الولادة العسرة التي ألمت بها، شعرت بالخواطر تنهال علي رأسها وبخاصة بعد علمها بأن المولودة أنثي، فطلبت من الممرضة أوراقاً وقلماً فكتبت ما كتبت وليحوي الكتاب إلي جانب المشاعر، المعلومات التي تزرع في النفس الانتماء، وتنشط في الروح العزة، وتفتح للعقل الآفاق.
فبعد فصول الأحاسيس، تتنقل بالحديث بين الفلاحة المصرية إلي المرأة العربية، ثم تأخذك لتحكي عن قيمة المال، وقيمة الصداقة، ومعني الدين والثقافة، وفن اختيار الزوج.
الطريف أن هذا الكتاب رغم بدئها الكتابة فيه منذ الخمسينات، فإنه لم يخرج للنور بطبعته الأولي إلا في العام ١٩٨٤، حيث انتظرت لتكتب مشاعرها تجاه ابنتها الثانية «فينان»، وولدها الوحيد ذي الاسم المركب «أحمد فؤاد»، الذي حمل اسم والدها.
ومن بين كلماتها في فصل الكفاح تقول: «الحصول علي ورقة يانصيب قيمتها بضعة آلاف من الجنيهات لذيذ ومريح، ولكني لا أتمني لك يا ابنتي أن تربحي ورقة يانصيب فمثل هذا المال يذهب بسهولة كما جاء، وإن مكث فلا طعم له ولا بركة فيه، إن خير المال المندي بالعرق».
وتهدي كلماتها للفلاحة المصرية في فصل خاص بها قائلة: «إلي تلك التي امتزجت بوادينا وحملت طابعه فجمعت في كيانها النحيل طيبة الأرض، وعذوبة السماء، وصبر الصحراء الذي لا ينفد». وتعرف الصداقة في فصلها فتقول: «الإنسان خامة..وتشغيل الخامة هو الصداقة».
ثم تقول في موضع آخر محدثة إياها عن الإيمان وأثره: «علمتني الحياة أن الإيمان مرفأ ترسو عليه بشرية الإنسان بأوهامه ومخاوفه وأحلامه أيضاً، ولا يؤنس الإنسان شئ كصلته بربه، مهما حلق في الفضاء وهبط علي سطح كوكب أو آخر فما أوتي من العلم إلا قليلا».
من روائع نعمات أحمد فؤاد كتاب «الجمال والحرية والشخصية الإنسانية في أدب العقاد» تحدثت فيه عن شخصية هذا المبدع الذي تملأ الكتب طرقات وغرف منزله الذي يعيش فيه بمفرده بلا زوج تؤنس وحدته. وهو ما عبرت عنه بقولها: «وكأنه منذور للمعبد....فقد وهب نفسه للكتابة ووهبت نفسها له»، وتقول في موضع آخر: «مسكين الكاتب العملاق في توحده... نخلة سامقة وسط الحجر». وتقول عن أسلوبه: «هو خير من تتمثل عنده دقة اللفظ العربي ومطابقته للفكرة..الكلمة عنده قفاز محبوك».
لنعمات أحمد فؤاد العديد من المؤلفات التي تقترب من الأربعين كتاباً من بينها «أزمة الشباب»، «الأدب والحضارة»، «أم كلثوم وعصر من الفن» وهو الكتاب الذي تقول عنه: «عند انتهائي من كتابة هذا المؤلف الذي لم أكتبه كسيرة ذاتية فقط ولكن كتأريخ لعصر شامل، ذهبت إلي الست أم كلثوم كي أعرضه عليها قبل طبعه، فقرأته ونال إعجابها ولكنها تحفظت علي بعض نقاط وردت به أذكر منها ما كتبته عن مكانتها وقت أن كانت منيرة المهدية سلطانة الطرب، احتكمنا لشاعر الشباب أحمد رامي فجاء في صفي».
كتاب آخر لنعمات أحمد فؤاد هو «من عبقرية الإسلام»، الذي تقول في مقدمته: «كم قرأت لأكتب هذا الكتاب عن الإسلام، كم تأملت وكم تمليت، كم وعيت وكم استوحيت، وبعد هذا كله جاء مجرد لمحة من نوره ونفحة من هداه». وتقول في موضع آخر عن شخصية المجتمع في الإسلام: «إذا ضممنا آيات الشوري في القرآن إلي آيات المجادلة الحسنة، فإننا نلمح حض القرآن علي وجوب دور الرأي العام، وأن الرأي العام له رقابة نفسية بمعني أنه إذا صلح هذب الآحاد والجموع وإذا فسد وتقاعس فسد المجتمع، ووسيلة المجتمع إلي إيجاد مجتمع فاضل هو الحياء والاستتار، فالحياء قيد اجتماعي، والاستتار حصر للشر».
الطريف أن ممتلكات الدكتورة نعمات أحمد فؤاد من الكتب تجاوزت كما تقول ابنتها حنان الأربعين ألف كتاب وهو ما دفع بها للتضحية بميراثها وبناء مكتبة ضخمة علي الطراز العربي في قطعة أرض يمتلكها زوجها الأستاذ محمد طاهر في طريق الهرم حفاظاً علي ذلك التراث النادر الذي ضاق به المنزل. وقد سجلتها مؤسسة الأغاخان الثقافية كإحدي المكتبات النادرة التي أسسها فرد.
معارك طرقت بابها: من «هضبة الهرم» إلي دفن النفايات مروراً بسياسات وزارة الثقافة
قالوا عنها إنها امرأة ما فتأت تخرج من معركة إلا لتدخل أخرى جديدة، لا يعنيها الجهد بقدر ما تعنيها النتيجة. تارة تحارب الفساد الذي أراد يوماً بيع هضبة الأهرام لمستثمر كندي لبناء منتجع سكني بها، وأخرى تحارب الجهل الذي لم يمانع في أن تكون مصر مدفناً للنفايات النووية، وثالثة تعادي الأمية التعليمية والثقافية علي صفحات الجرائد رافضة بيع العقل والموروث المصري.
هي تقول عن نفسها: «لم أختر يوماً معركتي بل كانت معاركي هي التي تختارني، ولم أظن أنني في يوم ما سأخوض أي معركة، كانت البداية في منتصف السبعينيات عندما أرسل لي أحد طلابي حينما كان مبتعثاً في كندا، مجلة كندية علي غلافها صورة لرجل علي هيئة صقر يفرد جناحيه علي الأهرامات، وعنوان الغلاف «عودة بيتر مونك»، بينما تروي صفحات المجلة من الداخل كارثة بيع عشرة آلاف فدان من هضبة الأهرامات لهذا المستثمر الكندي مقابل نحو ٢ مليون دولار، بالمشاركة مع شركة مصر لتنمية السياحة، وهو رجل كما قالت المجلة سبق طرده من إحدي الولايات الكندية وتغريمه مبلغ طائل لخداعه لهم.
جن جنوني حين علمت الخبر وسألت عن الشركة وعنوانها وتتبعت أساس الموضوع ووجدت أن صحيفة «التيمس» أطلقت صيحة في عام ١٩٧٥ لحماية الأهرامات وهضبتها من تلك الصفقة أي قبل معرفتنا بهذه الكارثة بنحو عامين، تأكدت من المعلومات التي جمعتها وبدأت معركتي بمقال في جريدة الأهرام نشر بتاريخ السابع من يوليو عام ١٩٧٧ كان بعنوان «مدينة سياحية عند الهرم» أكدت فيه رغبتي في إعمار كل شبر في مصرنا، خاصة بعد أن كثر الحديث عن المدن والقري السياحية، ولكن هذا لا يعني أن نأتي بعدد البناء لتدك وتحفر وتوصل أنابيب المياه والصرف إلي منطقة الأهرامات. مؤكدة أن أصحاب الأموال غير أصحاب الحضارة.
بعد مقالي هذا حادثني رئيس مجلس إدارة الشركة علي الهاتف ورجاني أن أزور المشروع قبل مهاجمته معلنا عن يقينه بتغييري رأيي في حال مشاهدة الورق الخاص به، فحددت موعد لقائي به فعرض علي كتالوج المشروع بما فيه من صور المباني وملاعب الجولف التي ينوون إقامتها، فكان أول ما لفت نظري أن الطراز المعماري الذي اختاروه للمنتجع هو الطراز الأندلسي، وعندما تساءلت في سذاجة عن السبب قيل لي إن ذلك جاء بسبب رخص التكاليف حيث إن إقامة المشروع علي الطراز الفرعوني مكلف للغاية. وهالني ما أري وأسمع فكل بلاد العالم المتحضر تحرص علي الزمن في كل مبني قديم وتمنع قيام الحديث إلي جانبه لتحقيق وحدة الطابع ومحاولة اصطناع العراقة، فكيف نفكر عكس ذلك؟».
بالطبع فشل المسؤول في منح دكتورة نعمات أحمد فؤاد إجابة مقنعة فلجأ للتهديد تارة بإخبارها بأسماء كبار المسؤولين الحاجزين لفيلات في المشروع، وتارة أخري بإغرائها بمنحها فيلا هي الأخري في حال التزامها للصمت. فانصرفت ليكون مقالها في اليوم التالي الموافق ١٣ يوليو عام ١٩٧٧ بجريدة الأخبار تحت عنوان «ارفعوا أيديكم عن هضبة الأهرام».
أكدت فيه أن الهضبة ليست ملكاً لوزارة أو نظام أو لشركة، ولكنها ملك للهرم والتاريخ والحضارة الإنسانية، مشيرة إلي أن المصريين يعيشون علي عنصرين النيل الذي يطعم ويسقي، والهرم الذي يشد إليه الرحال من كل بلاد الدنيا فيعطي لمصر المال والقيمة الحضارية.
اختتمت مقالها بعبارة «إن الآثار أعراضنا فابقوا لنا الماضي.. إبقوا لنا شيئاً». لم يأت المقال بالنتيجة التي رجتها فلم يتحرك أحد، فسارعت لكتابة سلسلة من المقالات «أصدرت وزارة السياحة بيانا للرد علي مقالاتي نشر في جريدة الأخبار بتاريخ ٤ سبتمبر من عام ١٩٧٧ أكدت فيه أن العقد الخاص بالمشروع يتضمن حق الانتفاع بالأرض لا بيعها بسعر ٤٠ قرشاً للمتر وهو سعر مناسب،
كما أشار البيان إلي أن المشروع سيحقق أرباحاً تقدر بستة ملايين دولار في السنة الأولي، تصل إلي ٤٠ مليون دولار في سنته السادسة، إلي جانب ما سيوفره من فرص عمل، إلي جانب العديد من البنود التي فندتها في مقالي التالي، وأكدت فيه أن وزارة السياحة تستخف بعقلية المصريين وبرلمانهم بعد موافقتها علي مشروع كهذا من دون الرجوع إلي مجلس الشعب، مستندة في رأيي علي الوثائق التي حصلت عليها وتشير إلي خداع المستثمر الكندي». كان لهذا المقال دوره في تدخل مجلس الشعب بعد تكاتف الرأي العام والمثقفين مع مقالات دكتورة نعمات أحد فؤاد ليصدر قرار رئاسي فيما بعد في مطلع الثمانينيات بوقف المشروع.
استغرقتها معركة جديدة بدأت بعدما نما لعلمها عن توقيع مصر والنمسا لبروتوكول اتفاقية في العام ١٩٧٨ يقضي باستقبال أول شحنة نفايات ذرية كانت قادمة من النمسا لدفنها في صحراء مصر الشرقية. وهي المعركة التي كتبت فيها المقالات وحاضرت في الندوات بالتعاون مع الدكتور حامد عبد الله ربيع، الذي كان يشغل وقتها رئاسة قسم السياسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، تلك الواقعة تقول عنها دكتورة نعمات: «وقع تحت يدي بنود الاتفاقية فوجدتها يشوبها حالة من الغموض والتنازلات من الجانب المصري بلا أي مقابل، وكأنه من دواعي سرورنا وإحساسنا بالمكانة الدولية أن نتقبل نفايات النمسا الذرية، بينما تدل القراءة الجيدة للاتفاقية علي أن بنودها لا تعدو إلا أن تكون تأجير لبعض الأراضي المصرية لصالح الطرف النمساوي.
بهذا وجدتني وقد دخلت معركة جديدة لم أسع لها، فكنت أصور الأوراق والمستندات وأوزعها علي الحاضرين لإطلاعهم علي خطورة الاتفاقية وهو ما أثار الرأي العام العالمي وبالطبع وصل الأمر للرأي العام في النمسا، حتي فوجئت في أحد الأيام بسفير النمسا في القاهرة يأتي لزيارتي في منزلي مقدماً اعتذار بلاده، ومؤكداً عدم المضي في المشروع من قبل حكومته».
وتضيف دكتورة نعمات متذكرة: «كان لمناهضتي لمشروع الهضبة واتفاقية دفن النفايات في مصر، أثرهما في وضع اسمي في قائمة الاعتقالات التي طالت مصر في سبتمبر ١٩٨١، وكنت أتوقع ذلك إلا أن اسمي رفع في اللحظة الأخيرة بعد زوال أسباب الصدام.
في عصر الرئيس مبارك خاضت نعمات أحمد فؤاد معارك لا معركة واحدة ضد وزير الثقافة فاروق حسني معترضة علي ما يقيمه من معارض للآثار المصرية خارج مصر، مؤكدة أن في سفر الآثار الكثير من الأخطار عليها، وأن علي من يريد رؤية آثارنا المجيء لها، وأنه لا توجد دولة في العالم تفعل ما نفعله مقابل حفنة من الجنيهات، كتبت نعمات أحمد فؤاد الكثير ولكنها خسرت المعركة التي لم يستمع لها فيها أحد، إلا أن عروس النيل كسبت احترام الجميع.
تخرجت في كلية الآداب جامعة القاهرة. أعدت رسالتها في الماجستير عن أدب المازني؛ وكانت أول رسالة تقدم للجامعة في الأدب الحديث. حصلت على الدكتوراه من جامعة القاهرة في الأدب وموضوعها "النيل في الأدب العربي" 1952.
  • شغلت عدة مناصب هامة من أهمها مدير عام المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة حلوان لمادة فلسفة الحضارة، وأستاذ بالمعهد الدولي للاقتصاد والبنوك الإسلامية التابع للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية. قامت بالتدريس بجامعات دول عديدة: استانبول، جامعة نيويورك، جامعة جورج تاون بواشنطن، جامعة طرابلس بليبيا، وجامعة الأزهر الشريف، وأكاديمية الفنون بالقاهرة.
خاضت الكثير من المعارك الفكرية والقضائية لحماية التراث والآثار منها منع دفن النفايات الذرية للنمسا في مصر، منع المساس بماء النيل ومنح قطرة منه لإسرائيل، هدم قبة الحسن، سفر الآثار واستباحة الآثار بالنهب والإهداء، الدفاع عن الآثار الإسلامية، التعديات الداخلية على النيل، أعدت قائمة بالآثار التي أخذتها إسرائيل من سيناء وقدمتها إلى اللجنة الدائمة للآثار بوزارة الخارجية المصرية قبل التفاوض على استرجاع الآثار، وغيرها من القضايا الوطنية الهامة.
عضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية (لجنة العلوم والحضارة) وعضو اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية، رئيس الجمعية العلمية للمحافظة على التراث والآثار التاريخية.
لها أكثر من ثلاثين كتابًا مطبوعًا في الأدب والنقد والسياسة والدين والفن، منها دراسة في أدب الرافعي، أم كلثوم وعصر من الفن، أدب المازني، الأخطل الصغير، ناجي الشاعر، إلى ابنتي، في بلادي الجميلة، النيل في الأدب المصري، قمم أدبية، شخصية مصر، خصائص الشعر الحديث، النيل في الأدب الفني، أعيدوا كتابة التاريخ، الجمال والحرية، من عبقرية الإسلام، وغيرها الكثير، بالإضافة إلى المقالات الصحفية والبرامج الإذاعية والتليفزيونية في مصر والعالم العربي.



تحميل الكتاب
من هنا
.
محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي




فاير فلاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.