آخر 10 مشاركات
لتتوقف الثلوج.....فانظري لعيناي و قولي أحبك "مكتملة" (الكاتـب : smile rania - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          زهر جبينها المكلل- قلوب أحلام غربية (118) [حصريا] للكاتبة Hya Ssin *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          المز الغامض بسلامته - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة Nor BLack *كاملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          مابين الحب والعقاب (6)للرائعة: مورا أسامة *إعادة تنزيل من المقدمة إلى ف5* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          واثق الخطى ملكاً فى قلبي *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : حياتى هى خواتى - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          أسيـ الغرام ـاد -ج2 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائــد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

Like Tree21Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-11-17, 08:45 AM   #1

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile25 أحمل لك الغفران " من سلسلة الأبعاد الثلاث " بقلم/ماري الشام






بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعضاء روايتي الغالين نقدم لكم رواية

((أحمل لك الغفران ))

للكاتبة/ ماري الشام





قراءة ممتعة لكم .....





التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 16-06-18 الساعة 10:29 PM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-11-17, 08:48 AM   #2

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الجزءالأول

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ....
هي بداية جديدة ....قصة جديدة .....و كتاب جديد يفتح ....
أضع بين أيديكم روايتي ...و أتمنى أن تكون ممتعة و ذات طابع مميز ...هي قصة من صلب المجتمع ...قصة شهد الغالي ....فتاة ربما تكون إحداكن ...أقصد البنات العربيات ...قصصها مختلفة ..بين الواقع و لخيال ...شهدتحمل أجزاء من كل فتاة ...لتروي قصتها ...حيث لكم أن تعدلوا....
أترككم مع المقدمة ......مع تحياتي ....


ورد الخال likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-11-17, 08:49 AM   #3

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


المقدمة


مذكراتي ....

كما أكون موقع منتصف الأشياء ..اليوم كذلك لم يكن استثناء .....
في الرصيف الفاصل بين الشركة العتيدة ذات الهندسة الأنيقة بعصرنة معمارية ذات امتدادٍ واسع ... ميزتها الواجهة الفاخرة في تستر ثراء صاحبها ...و بين الطريق الواسع يحمل في جعبته السيارات العابرة و الحافلات القادمة على عجل لتصف تملأ ما تشاء من ركب و تنطلق في جنون كما أتت نحو محطة ثانية و قدر ثاني ...
و أنا لم أكن في وقوفي شاذة عن القاعدة من أولئك الركاب ...المزدحمين بنظراتهم و إشارتهم اللامرئية ...بملابسهم و هيأتهم ..بكل ما حملوا من متاع حقيقي و معنوي ..
مثلهم أكون شخصاً حمل الكثير من الأمتعة في سير حياته ...ليترك منها ..هنا و هناك متناثرة مرمية بإهمال ...في طرقات عابرة عن نسيان أو تعب و عن حاجة غير مستعملة بعد ذلك ...
أجدني اليوم بعد مضي ثلاث سنوات أتخلى عن قرار أمضته إرادة حقيقة مني ..قد انبثقت داخلي توثيقا و تخليدا لنزعة التمرد العنيفة التي قمت بشنها على والدي كقضية مبدأ لن أجلس عليه كما غيري ... و أود كسره ذليلة الكبرياء ....منقوصة الخيار ...محدودة المساحة الكافية في حريتي ...
قراري الذي يتواجد مثلي على عتبة إيقاف التنفيذ..هو كغيره من القرارات الطائشة ..مجحفا مليئا بالحقد و الغرور المريض ..ضعيف القاعدة ..سريع العطب متى تنطفئ بي متعته السادية ....
كنت أكره أن أجبر على الدارسة و أن أحشو دماغي بتفاهات الثانوية الخاصة ...و قد فعلت بإتقان ما لو يتوقعه مني والدي ..مراوغة إياه في نجاح دام ثلاث سنوات ..لم يزد على ذلك إلى الجامعة حيث سجلت ركود دائم رافق سيرة دراساتي العليا ...
مصرة برعونة و غباء ...أنه تعثر دون قصد ...صنعته مصادفات الحياة ..حتى تلك التي رميت أرضا ...
و مما زاد النار بداخلي ..هو انسيابية و ليونة والدي معي ..تاركا لي ما أشاء من مساحة الحرية ...قد أخطأت دوما فهمها ..دون أن أعي تماما أن حريتي تنتهي عند بدء ثانية لشخص آخر ...
..و هكذا رحت أرسب في سنتي الأولى الجامعية مرارا و تكرارا بفخر و اعتزاز ...لم تهوني فيه تلك النظرات المستغربة ..المزدرية و النفقة ..لوقت طويل ربما على ما أعتقد ...
حتى بدخول الحب إلى حياتي ..في رجل تمثل لي بفلسفته السوداوية و نظرته اللاوسطية و اللامحدودة للمنطق الأشياء مساندة لطالما تفقدت غيري بصمت للحصول عليها ...في منحي لي إعفاء الكلام المباح عن قضيتي المتعصبة آنذاك ...قد غرقت أكثر في الوحل ..ما أخرجني منه أبي إلا و أنا مشوهة المنظر ...
تفاصيل أكثر لم تعد لي مقدرة على شرحها ..فعلاقتنا كانت من التعقيد و التطرف ما فاق حده ..و ربما ما كانت حبا ..بل التزاما حتى النهاية منتصف الطرق و المقطع الأخير .....في عنفه و قسوته على كلينا ...
و عندما انتهت الحرب و الزوبعة ..هلعت على كم الخسائر النفسية و الجسدية و الروحية ...التي خلفها مروان بي ...لم أستوعب فداحة ما كنت غبية مهووسة في طريقي نحوه ...فلم أجد لي غير أن أعتزل في قوقعة خاصة ...
هكذا بعدها سلطت كما يقول البعض في اعتراف ضمني بقسوة الضمير ..عقاب ذاتي ..وضعني مراتب دونية ...لأحترف صنعة يدي ...و أقحمها عالم الأشغال الصعبة و المرهقة ..قد لم تتحملها نعومة أظافري ...
و رحت أستنزف طاقتي الشبابية في أعمال وضيعة بين المصانع و المعامل ...البيوت و المكاتب ...تارة خادمة و تارة سكرتيرة درجة ثالثة لا أهمية لها إلا في أكواب القهوة التي تتناقلها بين المكاتب ....و تارة ساعية ..أو غسالة صحون بمطعم تنتهك فيها كرامتها أكثر من طاقتها ...
انغماسي في أعمال كتلك بمشتقها النفسية و الجسدية ..قد كبح جنون الروح المتمردة داخلي ...و لفترة طويلة كنت أعاني فيها تعب مضني لم أخرج بقرار أهوج ..ضد سلطة والدي ....
بالأخير سعة تحملي لشقاء لم تعتد تحتمل أن تعتمر بأكثر مما يثقلها ...
و ربما ما دفعني حتى أتقدم للمنحة التدريبية التي تفتحها شركات الصاوي خلال هذه الفترة من السنة ...جريمة القتل الذي وجدت بها نفسي متهمة ...لم أدري ما قضيتها و لا جنايتها سوى أنه تم اقتيادي مع مجموعة فتيات يعملن معي في ملحق نظافة تابع لمبنى السكنات الوظيفية ....
و بقيت في سجن الاحتياطي إلى أن تم إفراجي بكفالة من ولدي ..حينما تأكد لهم إنه لا أنا و لا غيري من الفتيات القاصرات ....قد تورطن في أمر كهذا ..و مع هذا لم يجدوا حرجا في تشويه سمعتنا الاجتماعية ..و توثيق سجلنا الإجرامي ....
قد لم تفارقني تلك النظرات الخالية إلا من الشفقة و العنف الأبوي في الحماية التي شيعني بها والدي عند استقباله لي خارج أسوار السجون الاحتياطية...مغمورا بالفرحة المخنقة به و عيناه ..تتراقص حنان و عطف نحوي .....
أجفلتني ذبذبات المشاعر بيننا حينها ..و أخلطت بداخل أحشائي أشياء غريبة ..مما جعل النار يغلي في عروقي عوضا عن الدماء التي انسحبت مني تخلفني كتمثال جامد ... فابتعدت عنه أرفض الحضن الذي أغاراني به أبي ....
لأعود نحو البيت من دونه رافضة أن يقلني بسيارته ....
بعد أيام عديدة من اعتكاف السجن الانفرادي بملحق غرفتي ..قررت الخروج ..و رحت أبحث عن جريدة تذكرت أنني قد رميتها بإهمال على درج مكتبي ...لم أعي حينها ما شدني نحوها في بحث حثيث و ظل صوت داخلي يلح علي أن أعثرها ...فربما وجدت ما يعوض علي وظيفيتي التي فقدت ....
و كنت أعرف في قرارة نفسي أنه يجب أن يتولى زمن العبودية النفسية التي احترفتها مضادة لذاتي ....و أن الوظائف الصعبة لم تعد في متناول من تملك سجل مشبوه دون أن يجعلها محل الشبهة و الانتهاك في العمل ..كما مرت علي الكثير من حالات مشابهة ..و كما أصبحت لي ذاكرة انتقائية ..تختزن الأهم مما قد أتعرض له ...و للأسف دائما ما أحشوها بالأسوء .....
تفحصت عيناي تلك الجريدة بلهفة و نهم ..و بين السطور و الأوراق الكبيرة من نوعية ورق رديء راحت حديقتاي تجري ...و تجري عل الفرج يلوح لي ..و ينقذ كرامتي من مغبة احتياجي المالي ...الذي نفذ و بالمناسبة تزامنا مع فترة تسديد ديوني ....
عناوين كثيرة و عروض محدودة ..لم تتطابق و سيرتي الجامعية خصوصا و أنه زاد على كارثتيها شبهة لا أجل لها حتى ترفع عني ..و بين السطور و الكلمات و بين أفكاري المبعثرة ..أخيرا كان الخلاص ..
توقفت مبهورة و ربما مسرورة ..مدهشة أمام خط كبير منمق أشك أن صاحبه دفع مبلغا محترما حتى يظهر بتلك الأناقة ..."إعلان منح تدريبية لشركات الصاوي ..."
لم أدقق كثيرا في فحوى الإعلان ..كل ما شلني توقيع من مدير 'عمر خطاب الصاوي '...مرت هنيهة من الزمن قليلة تجاوزت فيها وجلي و كنت أدق على الهاتف ...(ليديا ) ....
ليديا تكون ربما " من المعارف الغير المرغوبين فيهم ..." أو أنه أحيانا فقط ...
و وجود اسمها مرفقا بالإعلان كرقم استفسار لدى الطلبة المتقدمين ..منحني الضوء الأخضر حتى أستغلها .....
تقدمي للدورة بحماس لم يمنع رسوبي بها ...و أنا هنا بوساطة من ليديا نفسها ..من جديد ...
مصرة و بإرادة من حديد على أن أقابل عمر الصاوي ..حتى أقنعه بمنحي الاعتماد ...
فكرة أن أجلس إلى كرسي أكبر رجل أعمال في البلد ..تثير في مشاعر التلبد و الرهبة ..كما تشعرني بالانقباض و التوجس ..
لكني أعود و أذكر نفسي ..أنه شخص مثلي لم يعد يحمل ما لديه جعبة كلام ..أو ترقب فظيع في وخزه ..... حتى أحاول جاهدة إقناعه .....و حتى المقابلة ليست بتلك الإثارة التي تستحق مغامرة كهذه ..
فالصاوي عائلة عريقة الأصل و العلاقة التواصلية مع الغالي ...و ربما قد أفتح على نفسي باب للجحيم أنا في غنى عنه ....لكني تحت مغبة الاحتياج ....و أظنه رغم مساوئه باب الفرج ...
بالأصل تكفيني شماتة الغالي في والدي ..و امتناعهم عن وصل القطيعة و تجبير كسر الرحم المقطوع ....
لكن رجل مثل عمر في انتشار صيته و سمعته الشريفة ...رغم عدم معرفتي به ...يبدو لي أرفع مقام من تناقل خبر تذلل سليلة الغالي ...للوظائف الشاغرة و المنح المقدمة مجانا...
قم ما عليه أن أقوله ...رسوبي في المنحة دفعني لأقابلك ...؟؟؟
أم أنني أتوسلك المنحة يا سيادة الصاوي ؟؟.....
إن كان حقا بتلك السمعة المهنية جد الاحترافية ....في مجال أعماله رجل نزيه لا يقبل الطرق الملتوية ....لا أظنه أقل ردة فعل منه ..سيكون معي كريم الخلق ...
أكثر من طردي بلباقة ...تغلفها الدهشة المستنكرة ...
فلا أوقح ممن يطالب بمن لم يحصل عليه في فرصة ..كانت أقل مما قد يبذله في العادة ..في سبيل الحصول عليها ....
أسبابي و إن على خط النار ...لن أشرحها له ..يكفي أن أعطيه الوجه البارد في معالمه ..و التصرف الغامض في دواخله ...
لأجعله تحت قيدي ...و أسير سحري ...
لا أصعب تعامل مع أصحاب النظرات المظللة ...شحيحة التعبير ...و أنا على قدر كبير من تصنعها ...أو بالأحرى تلبسها ....
*******
وصولي متأخرة بأكثر من نصف ساعة ...لم يمنع عني نظرات ليديا الحانقة ...و المنتفخة أوداجها ..كما لو أنني ارتكبت بها جرم لا يغتفر ...
طبعا أضنها مع وصلت الوساطة ..قد أضاعت الكثير من المحبة المحترمة بينها و بين عمر ...و لكثير الكثير من المهنية الصارمة ..من يظن أنها تتوسط لمدرسة ابنها ...
لكنها فعلت ...تحت وطأة الاحتياج لي ..في تطويع تمرد جنون ولدها ...
أيقظني صراخها الحانق من شرودي الطويل ...حيث توقفت نظراتي أمام الباب الخشبي الأبنوسي الثقيل في رسوماته و نقوشه الغريبة ...
-إن كنت هنا في حملة ثقافية ..لاكتشاف أصالة خشب الباب و عراقته ...أنصحك بالمتحف الدولي ..
لويت شفاهي في إمتغاض عنها ...لأدلف الباب ..نحو المصير ...
.........

ورد الخال likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-11-17, 08:50 AM   #4

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الأول

مذكراتي الأخيرة .........


قد خرجت مصدومة من المقابلة.....؟؟ لا بل نظرة خاطفة فقط لمكتبه الباهر و الباذخ في تأثيثه الفاخر ... أشعرتني بالدونية تحت وطأة البريق اللامع من كل زاوية به .....لدرجة أن أحسست بصعقة الدهشة تجمدني مكاني ........
و عميت ذلك أنني لم أتمكن قط من رؤية ملامح وجهه…فرحت أشحن أفكاري و قدراتي التحليلية .... بأنه لابد أن يكون عديم اللباقة بالفطرة أو محدث نعمة بالطريقة التي صرفني بها ....
قد أعترف أنني فاشلة في تسيير قدراتي و مكاسبي علمية لكن هذا لا يعطيه الحق في أن يحكم علي بتلك الطريقة القاسية و كأنني صاحبة سوابق عدلية...... اللعنة فقط عليه من رجل صلب لا يقبل فيما سماه به كعيب و هو الفشل .....
و من رغم مكابرتي قد وجدت نفسي أُسائلها بمنطقية .. هل حقا فشلت في حصولي علي منحتي المستحقة؟؟؟ ........ حسنا يمكنني قول أنها دعوة ثلاثية الأبعاد من أمي ...ما يبهرني أنها وصلت حتى لمخططاتي السلمية في تطوير قدراتي و مكاسبي ..أي أنها تخطت بعد الأول مني في الشخصية الذاتية و الثاني في السمعة المبهرة ....و وصلت إلى بعدي الحقيقي و الذي لا تشوبه شائبة بعد .....
هي فعليا دون أدنى رأفة بي دعت علي في كل عمل أقوم به يتجاوز سلطتها الفاشلة في إحكام طوق الطاعة حول رقبتي ....أن يكون مصيره قبل بدايته تحدد بكثير على طرف لسانها ..إنه الفشل كما وصفني إياه هذا الصاوي القابع خلف برجه العاجي ...... ماذا أقول فيك يا نبع الحنان ......قد لن يمنحنا القدر في كونك والدتي أن نجد سبيل التفاهم .....لكنه حتما سيريك فيني ما تزدرينه بتبجح .......
-فقط لو أعرف ماذا يدور في ذلك الرأس الفارغ ...؟؟؟.......
أفزعتني ليديا قطعة الثلج المتنقلة بين البشر كما أحب تسميتها ..... أستاذة ليديا والدة أحد تلاميذي....أنيقة المظهر و الملبس ...سلسلة الطباع و عميلة جدا في معاملتها ....صريحة القول و الفعل ....
أجدها حولي كلما انتكست عزيمتي في محاربة طواحين هواء لذاتي ...بيتها كقلبها من ناحيتي.. مفتوح كلما خالجتني رغبة في اعتزال عالمي أو بالأحرى صراعاتي ..
بعملي في تقديم دروس إضافية خصوصية طبعا في غرفة نومي في أيام العطل الأسبوعية.....كسبت الكثير من المعارف المرغوبين و الغير المرغوبين فيهم مني ....
ليديا قد أحار في تصنيفها بين الفئتين إنها تقع دائما في منتصف الأشياء ...هي لا تعلن عن نفسها ..مثل الكل من حولها . فخلف قناع الثبات و المرونة في التعامل ...تقع جراحا و ربما خيبات و طعنات تستهويني و تعلقني بها في علاقة ثنائية مجهولة الصفة و الميزة ...لا تحكمها قيود السن و العرف ...لربما ما أنتظره منها في أن تطمئن لي لا يعد سوى غطاء لرغبتي أنا في اللجوء إليها ....
فلسفة غريبة اكتسبتها و تعمق بها فهمي و علاقتي الاجتماعية ........مم ماذا أقول إنه عملي الذي أعيش عليه و أتمكن بواسطته من حفظ كرامتي أمام أبي... فأنا أقسمت أن لا أطلب منه قرش منذ فترة طويلة...
مما دفعني لتعليم جميع المستويات التعليمية في مواد العلمية ....
لأجد نفسي أنني تجاوزت سقف طموح رفع الميزانية الاقتصادية العاطلة لأصل إلى نحو مبكر من العزلة الاجتماعية ...فقد أصبحت أتواجد بين الكتب في بيتي و بين الأعمال الشاقة خارجه ....و رغم صعوبة العمل في غرفتي الشخصية أقصد المشتركة بيني و بين أختي و ابنة عمي..... و أحمد الله سلفا أنهن تتحملنني في العطل الأسبوعية من صباح الباكر حتى منتصف الليل في تدريسي لمجموعة المتوحشين لا يستحقون بعد لقب المتمدرسين .........إلا أنه يعد الشيء الوحيد الذي لا أحاسب فيه عن تراكمات من الماضي ....إلا إن أخطأت في معادلة رياضية ما ......
من أمثلة الصبر العظيم الذي تمارسه أختي في تحمل تفاصيل حياتي الصاخبة ...مشكلة أشك أنني من صنعها أو بالأحرى جلبها لنفسي ...أيهم طفل أستاذة ليديا ليس بقليل عن غيره ...في الشغب المريب الذي انبثق منه بعد أن كان شبه المزهريات الملونة في هدوءه و جموده و جمالية أدبه .... ذلك العفريت مد يده آخر مرة على أغراض الشخصية لأختي و عبث بها مما اضطرني لمواجهة عنيفة معها كادت أن ترميني من نافذة الغرفة ...و والدته هذه لا تكف عن جعلي أمر بإحساس طالبة ابتدائية أمام سلطتها الفكرية و ذكاءها الحاذق في تسييري حسب رغبتها ..بت أشك من أنه إحدى عميلاتي أمي في استخداماتها الخارجية ...حينما لا أكون متواجدة تحت مراقبتها المقتنصة خارج البيت ....وجدت نفسي أتخيلها تزف الخبر السعيد لأمي عن فشل وراء آخر في شحذ منحة ترفعني و تكفيني ذل المهن الشاقة .....التفت نحوها أرد بصوت ملئه القهر و الغل ..
-لا شيء يذكر .... سوى أن مديرك الكريم قد طردني بلباقة تحت ما يسمى بالمبادئ العريقة لشركتم العظيمة .....
لم أغفل عن الخيبة المرتسمة على صفحات وجهها ..حينما أشارت بيدها نحو الباب الخشبي الثقيل الموصد كما حظي ....و هي تهتف بي ببرود ..
- اخرسي يا طويلة اللسان ... أنت لم تجيبي على أي سؤال في امتحان التقدم للمنحة التكوينية ....و تأتي في آخر المطاف لتنتقدي ببساطة ..خسارة تعبي في إقناع سيد عمر بقبولك .....
....قد قهرتني بلومها و تعنيفها اللبق المهذب في أسلوبه .... مررت لي خذلانها مني في بضع كلمات موجزة .......فرددت عليها الضربة ....
- نعم....... جاوبت على السؤال مهم و الأهم .....لم يسعني وقت ...لكنه لماذا قد استدعاني إن كان ينوي طردي هكذا....لكان وفر علي الوقت الضائع في استكشاف طلته البهية ...
لكنها كانت أوفر مني في إبداء قهرها بطرق ذكية ..أظنها نبعت من تجربة غباء سابق استبد بها آنذاك ..إلى أن تحولت لهذه المرأة الراقية بطبعها و الضبابية بتصرفاتها ...طاعنة في حكمة المبالغ فيها .....لم أعرف من نظرة عينيها إلى أي حد متدني وضعتني به بعد خيبة أملها في نجاحي .......
- أظنك لم تجادلي حتى في قراره.....
بادلتها النظرة ذاتها ....أتشاغل بترتيب كتبي المكدسة في يدي ....كي أجيبها ببساطة ..
- لما أضطر لفعل ذلك إن كان حتى لم يقل مرحبا بي . أنا حتى لم أرى ملامحه..... اللعنة عليه من مدير سمج أحمق .....يظن نفسه سابق لأوانه ..
هزت رأسها بنفاذ صبر و أمل منقطع ...بينما تدق أصابعها على سطح المكتب برتابة و هدوء ....كأنها تقرر في أمري شيء ....
- توقعت ذلك أنت لا فائدة ترجى منك.... ارجعي لجامعتك و اهتمي بدارستك....أظن أن لا شيء يصلح بك .....
لا يصلح بي شيء ...حسنا هي تبالغ نوعا ما في تقرير عن ما قدرة لي في فعله ....و أصلا ما فائدتها في ما قد أفعله ..لما أعلم لما تصر بعناد بغال على دفعي بطريقة تشعرني أحيانا أنني ما سوى شخص كسيح ....فقد كل تواصله الحركي و الروحي مع الحياة .. الأمر ببساطة حبذا لو تفهمها ...هي أنني لم تعد تبرهني ملكة الحياة حتى تكون لي اللهفة في عيشها .....توجهت نحو المخرج ....
- نعم يبدو أنه الحل الوحيد.... أنا فقط عديمة حظ كما تتبجح أمي بفخر .....
يوم ممل في أحداثه ....
لكأن الصدمة أصابت شهد عندما صاحت ليديا من خلفها جالسة في مكتبها .....بصوتها منخفض الرنة ......أخفى الكثير مما ودت أن تصارحه بها ......
- يابسة رأس .....أنت لا طريق لك
لم ترد شهد أن تسمع موشحات أكثر مما حفظت عن ظهر قلب في تفكيرها المتصلب و عدوانيتها السافرة أمام غيرها في فرض مجرد رغبة الرفض .....هي مجردة كذلك لأنها لا هوية لها سوى أنها من صلب الألم ...الألم الاختياري ...هي ترفض و ترفض مما قد يعطى لها أو يطلب الأخذ منها ...فقط لأنها ليست بالقدر الكافي على أهلية الأخذ و العطاء...و حتى التقدم .....فردت عليها تشير بإصبع مهدد ....
- اسمعي طفلك ذاك العفريت كاد يتسبب بطردي من غرفتي إن لن تربيه جيدا فلي كل الفخر في فعل ذلك
تصنعت ليديا الدهشة على وجهها بطريقة استفزت حاجب رقيق لشهد ارتفع لا إراديا ....حينما رفعت ذراعيها تلوح في الهواء بهما بطريقة درامية.....
- ماذا انظروا من يتحدث عن تربية......أنت آخر شخص يصلح للنقاش في موضوع التربية آنسة شهد الغالي .....إلى حد الآن لم تخف صدمتي منك ...... لم أنسى معاملتك لأمك بتلك الطريقة آخر مرة ...و أشك في أنني سأفعل .....
تيبست كل أطراف شهد و جمدت ملامحها بقسوة جليدية أمام نظرات ليديا الحذرة و المترقبة بحبور .... خاصة عندما كسا اللون عسلي الداكن بغضبه البارد عينيها اللامعتين بقوة و ضمت شفتيها تزمهما ...كما ارتفع حاجباها بطريقة جعلت ليديا تشك أصلا في أن روح قد تتواجد بداخل جسدها في حالتها تلك ..... هي مختلفة عن باقي البشر بداخلها روح نزقة عنيفة و نارية تشتعل في وجه أي شخص تتعامل معه .... لكن ما إن تسدل ستار الجمود حولها فإنك لا تملك سوى أن ترى ملامحها تتبدل نحو ما يشبه التوحش....... حقا إنه لمريب أحيانا تشعر ليديا بأن شهد شيء خطر قد يهدد سلامتها الفكرية؟؟و أحيانا تندم لأنها وضعت بيدها طفلها أيهم بين أيديها لكن ما إن ترى تقدم نتائجه الدراسية تهدأ شكوكها اتجاهها ربما هي هكذا شهد في طبيعتها المتفجرة كالحمم ... لكن ما الذي تخفيه هذه الفتاة الجامحة....حتى جعل منها شخص فريد من نوعه ...يذهب في كل حالة إلى أقصاه ...و الغريب أن في تطرفها تكمن قواها و يخلد أثرها باقي ....لربما لو كانت معتدلة الطباع ..ما أثرت في حياتها لتلك الدرجة .....فتمتمت متأسفة ...
-آسفة شهد على ضياع الفرصة أعرف أنها مهمة لك في رفع الغبن عنك من شقاء الأعمال المهينة التي تحصلين بها على راتبك و مصروفك ..... لكن ربما تجدي ما هو أفضل مستقبلا ...سيد عمر شخص نزيه و لم يكن ليظلمك في اختياره ...
انصرفت ببرود عنها دون توديعها و كأنها لم تساعدها في دخولها شركة تعد من أهم البنى التحتية الاقتصادية للبلد...لقد كانت فرصة غالية بالنسبة لها ..و لن تكرر في طرقها العابرة ...ذلك أنها تشك في قدرتها على صمود أكثر في انضباطها على تطوير نفسها .فالصوت العنيف الذي يهز جدران قلبها لا يكف عن كشف الصدع الكبير .... صدع قد يبقيها في الزاوية ...فلا شيء سيغير ما مر و فات .....احترام و تقدير الذات بالنسبة لشهد لا يتواجد بين الشهادات العالية .......هو فقط في فرصة خيالية لمسح الماضي ....
فكرت ليديا بأن شهد شخص لا يجد حرجا في إظهار امتنانه حتى لو عبرت عن ذلك بطريقتها الصامتة في بريق عينيها و مسحة الاطمئنان النفسي ..... لكن أحيانا تكون جاحدة اتجاه أشخاص قد يملكون مكانة خاصة بداخلها ..تحاول أن تبقى في الظل بعيدا عن حولها ...فقط لمراقبة حياتهم و الراحة لهم ...... التفت ليديا لعملها دون أن تتعب نفسها بلحاق شهد فهي عندما تغضب تستحيل لكائن بشري غير معروف سمات ......ربما غدا تهاتفها لتطمئن .......
مذكرات شهد الأخيرة ......
"........يا لا حظي العاثر ...من بين كل الطلبة المتقدمين لم يجد الصاوي غيري ..ليفرغ به رغبته السادية في إظهار سلطاته المكتبية بي على الشباب المغمور إلا أنا ؟؟.... ..... أنا أين سأكون نفسي إن خسرت حقا فرصة مثل هذه .....هل سأجدها في المطاعم البسيطة بين أطنان من الأطباق المتسخة ...أم في معامل الخياطة البدائية بساعات الدوام المرهقة ......لو فقط أجبت على أسئلة الباقية ..لكنت وفر على كرامتي الكثير ... و ما جعلته يطلع على شهاداتي السابقة حتى يجد لي العذر التافه الذي تبجح به .......من يظن نفسه صاحب المبادئ ذاك حينما ترفع حتى عن النظر لي (نحن لا نرغب بتكوين شخص بمثل هذه الشهادات بدون أن يعرف كيف يستخدمها)....... فقط لو أهملني ما يكفيني لأرد له بما لا يعجبه عن ماهية الشهادات الخالية إلا من كتابتها المبجلة و المنمقة في تمجيد صاحبها و إكسابه مهارات قد لا يعرفها من أساسها ......و رغم أن أغلبهم لا يستحقونها ...
البعض منا يتخطى حياته كما لو أنها أرسلت له عبر البريد القدر في هدية مغلفة بما لا يضيره و لا يشقيه ..أما الآخر فكمن ينحت حياته على الصخر القاسي بأصابعه ...جاهدا على تثبيت نفسه على الأقل كإنسي عبرها ...لتسلبه التصاريف ما قضاه جاهدا فيها ... و أنا أظن أن عالم قد سلبني جميع فرصي في نفض الغبن عني .....
كذلك هو يوم ممل و أؤكد ..
رن هاتف شهد بنغمة موسيقية حالمة.... فاستلت الهاتف من حقيبتها السوداء بصعوبة مع حملها لكتب الجامعة ....و ما إن رأت الرقم حتى زفرت غاضبة ....... رقم إحدى نساء أو بالأحرى المعارف الغير المرغوب فيهم كما سمت .....طلبت منها أن تدرس ولديها لكن المشكلة تكمن في أن العدد قد اكتمل عندها و لا يمكنها أن تسمح بالزيادة ...مسؤوليتها الخلقية في التدريس تحتم عليها أن تضع حدود ..... فلا يمكن أن تتحكم بأن من ثلاثين طالب أثناء 14 ساعة من أيام العطل..... لكن تلك السيدة لا يمكن أن تمل قطعا من اتصالاتها اللحوحة .....فتحت الخط وهي تبرطم بين أنفاسها .......
- آلو من معي
فوصلها الصوت الأنثوي الناعم بنبرته و هادئ بكلماته ....كأنها تملك كل الوقت الكافي لتقنعها .....في الحقيقة هي تقلق راحة شهد بالنظر إلى تعاملها السلس و رزانتها العميقة في تقبل تنمرات عليها .....بها من الاستقرار النفسي و الروحي ما يبعث على النفور لها ....
-شهد أرجوك ابنتي استمعي لي أنا أحتاج فعلا لخدماتك سأدفع لك راتب كامل إن أردتي ..... فقط اقبلي بولدي .....لا تكوني متمنعة هكذا .....
- قلت لك لا العدد اكتمل لدي..... أنت فجرت رأسي بهما ....
- أرجوك شهد
- لا ....
- أريد مقابلتك يا شهد أين أنت سآتي لك......
- في الجحيم ابتعدي عني ......
أغلقت الهاتف بعنف و رمته بداخل الحقيبة و هي تشتم بخفوت من تلك المرأة اللحوح التي لم تمل من فرض قراراها عليها ... ...هي تحفر حتما في البحر بحثا عن الكنز .....فأخذت تدمدم بين أنفاسها (...يوميا بحق الله لا أراها إلا وهي ورائي أمامي ..... لما لا تتركني و شأني أنا في حالة أقدر فيها على قتل إنسان ......)
****
سارت نحو البهو الواسع بخطوات غاضبة تفرغ فيها شحنات الخيبة و المرارة التي ما تعرفت إلا على قدرها ....لا أكثر أذى من هذا السؤال ...فما أبرع القدر في تكريسها للعبودية النفسية ..حينما تبقى صايخة بين حقيقتها و الرغبة في تمزيقها ......فلا يبقى منها سوى الاسم دون الذاكرة ..... وصلت لدرج فاصل بين المدخل و رصيف الباحة الواسعة تسقط على وجهها مباشرة بعد أن تعثرت رجليها بإحدى درجات الواسعة....... فشتمت بقوة و احتقن وجهها غيظا ... لتتجمع دموع القهر بمقلتيها....لم ترد أن تجلب الانتباه أكثر لها من ذي قبل ...فأحنت رأسها بين ركبتيها جالسة ...تسترجع الأنفاس و الأعصاب .......فقطع الصوت الأنثوي الناعم ....صمتها المهين ...
آنسة هل أنت بخير...؟؟..تحتاجين مساعدة ؟؟....
نعم تماما شكرا لك ..فقط أصبت بدوار خفيف .....-
و ما إن رفعت شهد رأسها حتى اصطدم نظرها بنفس الهيئة المتأنقة بتكلف و الوجه الأنثوي لأمال ....رجفة عميقة عبرت أوصالها وهي تتأمل الابتسامة المجاملة التي رمتها أمال نحوها بحذر و ترقب ....إنه الامتنان العميق الذي يبرق من تفاصيلها .و كأن العناية الإلهية قد ألمت بها و سقطت عليها من السماء .....لربما كانت تحارب طواحين الهواء وهي تتبع شهد من مكان لآخر دون أن تلقى الفرصة المناسبة .....فكرت بأنها تشبه كثيرا هاشم الغالي في عناده و صلابة تفكيره ....بينما استقرت يد شهد على كتفها في حركة دفاعية من نظرات أمال وهي تتمتم بصوت داخلي حانق .." .. بحق الله من أين وقعت علي هذه المصيبة أي دعوة علي سلطتها يا أمي..... هذه المرأة ستصيبني بالجنون حتما ......."...
نفضت ثيابها المتسخة وهي تنهض تلملم حاجياتها من حولها ....تبعرث كل كتبها على الأرضية المتسخة ...كما فكرت بأن كرامتها قد تبعرث كذلك ..فلا يمكنها أن تغفل عن المرح الخفي للمرأة الواقفة خلفها ..وهي تراها عارية من كل دفاعاتها النارية ......و قناع الغطرسة التي ترتديه عادة أمام أي غريب .....كأنها مشهد تأملي لغروب العواطف ....استدارت نحوها متصلبة الملامح .....
-سيدة أمال ما الذي تفعلينه هنا ؟؟على ما أعرف أنت لا تعملين هنا بخلاف انشغالك بإصلاح ولديك و الجري ورائهم ...؟؟
صاحت أمال مدافعة عن نفسها فهذه شهد لم تتوقف عن إهانتها قصدا و عمدا كل مرة..... إنها لمجرد أم تخاف على مستقبل أبنائها ...فلما تلقى هذا الجفاء منها كل مرة تتواجد معها تشعرها بأنها مجرد مراهقة تجري وراء شاب أحلامها ....

- أنا هنا في زيارة أخي إنه صاحب و مدير الشركة ..عمر خطاب الصاوي .....
- ماذا قلتي أخوك أنت..؟؟
- نعم لما لا أتظنني بدون أهل .....أجل أخي عمر ...
فكرت شهد مليا و شردت بعيدا عن أمال في عالمها ....بأنها تملك فرص ربما تحصل عليها بالخديعة ...هي ليست شخص يملك من النزاهة ما يكفيه حتى يعيش مرتاح البال ....و لا ضير أن تستغل اللهفة الموجعة لأمال في إحكام طوقها عليها ... امرأة مثلها رصينة و ناضجة نضج قد يتقبل نزعتها المهووسة في حصولها على ما تريد ...لتغطي على ما أخذ منها من كرامة و شرف و تقدير ... ..فاستحال لون عينيها عسلي داكن و ضاقت حدقتهما في وجه الواقفة بارتباك أمامها ....
-أنا سأدرس أبنائك بشرط واحد ..لا جدال فيه يا سيدة المجتمع الراقي ...
.ردت أمال ملتاعة و كأنها وجدت طوق نجاة بعد أن كانت تغرق في بحار الحيرة و الاضطراب.....
- تحت أمرك أنا .....
- شيء بسيط لا يكلفك الكثير أنا فكرت كثيرا في عرضك و رغم اعتراضي على تخطي اللاءات في منهجية التدريس .... لكني سأختارك فنحن في نهاية المطاف لا نملك سوى الاختيار الخاطئ


ورد الخال likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-11-17, 08:52 AM   #5

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



مذكرات شهد الغالي

لم أملك أي خيار آخر أمام الفرصة المغرية في تشابك رغباتنا أنا و أمال ... و لا حلول سحرية قد أحصل عليها إن ترفعت عن استغلالها كما كان يصرخ ضميري ....الضمير شعور مكلف و لا أحد قد يملك فكرة عن كمية ما خسرت و انتظرت وفاءا لمبدئك به .....و هل الذي فعلته أهل للثمن ... كان مربكا جدا لي حيرتي بين أمران أحلاهما مر ....لكنه في النهاية كانت شطارة مني أنني انحزت لما قد يخلصني من سلطة الضمير .....على أيامنا هذه كلما ازدادت ألاعيب الشخص ازدادت ثقة الناس به ... الصدق الخالص يولد شكوك التذاكي ...ذلك أنني أشك أصلا في سبب ملاحقة أمال لي ...فذريعة التدريس لأبنائها ما تمكنت من نباهتي ....و أظنها شخص يخفي الكثير مما يبدي .....إن كنت صادقة مع أمال لن ينفعنا الصدق لكلينا معا ....

حقيقة عملي الذي أصبح يرهقني بقوة مع المشاكل التي تفتعلها لي أمي في رقابتها الخانقة ...هي تحجزني في معتقل السلطة الأمومية دون محاكمة .....قد أكون متهمة بشيء أشنع مما فعلته سابقا إن تأخرت عن الوصول للبيت في موعده المحدد .....
لكل شخص مخزون صبر و أنا من الأساس ولدت بعيب خلقي في مخزون الصبر و التجمل ..... لم يعد لي حمل على صراخها علي يوميا بينما تشيعني نظرات والدي و إخوتي المشفقة ....حتى أنني أصبت بفوبيا الشفقة ....و أصبحت عنيفة حد الألم لي ...من جهة علاقتي بهم ...أفضلها سطحية باردة على أن أكون محور و محرك تعاطفهم الأسري ....أحيانا أعامل من طرفهم بحذر مهيب يستفز كل أعصابي على آخرها فبت أشعر بمراقبتهم الخفية لي ....كنظرات تخترق ظهري لتصل إلى قلبي كأنها طعنات غادرة ....حتى اهتمامهم بأدق تفاصيل حياتي أقصد فشلي ...... يحسسني بأنني قد فقدت الأهلية و القدرة الذاتية و المسؤولية....... مهما بلغت أخطائي السابقة حجما لا يعقل في فظاعتها و تهورها .... لا زلت شخصا كغيره يستحق من الفرص ما يكفيه كرامته ....من غير المعقول أن أقيد بمعاملة مشاعر والدي .....معاملة ناعمة كزجاج في هشاشته ...فالحرص الزائد عن حده ...في تجنب ما يثير مشاعرهم الحمائية ....يستنفد مني قدرة كبيرة ..أتعب في بذلها لسبيل أن أبتعد عما قد يحرر الوحش الغاضب بداخلي ....لكن للصراحة التامة أنا لا أنجح سوى أن أكون إلا الابنة العاقة لهما .... لا تجيد سوى الصراخ فيهما رفضا و عنادهم بتخطي أوامرهم و ضربها عرض الحائط .... فقدت ما يلزم لتحمل المعاملة الحذرة ..تكفيني الخلفية الاجتماعية الصعبة ..التي أحملها بين كتفاي ........
هنا لا يبدو أنه يوم ممل .
انتبهت أمال أنها كانت قضت فعليا نصف ساعة تثرثر في هواء .. بينما شحبت شهد بتصلب فيها ... دون أن تبدي أية اهتمام بكلامها .....فقطبت حائرة ترفع كفها نحو ذارع شهد وهي تهزها برفق ....
-شهد أنا أكلمك منذ دقائق... هل تراجعت عن قرارك...؟؟....
فأفاقت الواقفة أمامها من شرودها الطويل .... و عادت ملامحها لراحة بعد أن تشنجت كليا في أفكارها الخاصة كعادتها...الغوص في دواخلنا قد تكون خطوة لا رجعة فيها نحو متاهة متشعبة ...فالبقاء على سطح الأمور تفكير ذكي يجنبنا أحيانا ما نخشى ألمه ... كما التعمق هو وجه الثاني لعملة للألم ......إذا يكون الألم اختياري لا حتمي كما يدعي البعض ...
ابتسمت ساخرة من الرهاب العميق الذي يتلاعب بآمال كقشة في وجه الإعصار ...متسائلة عن القدر التجني الذي تمارسه عليها ....وهي تستغل الحاجة العميقة التي تدفع بها إلى تحمل نزقها .... ربما تستمع بالقدر الكبير لاهتمام الخالي من الشفقة أو عطف الذي توجهه أمال نحوها ....تمنحها رفاهية البساطة في تعاملها ...لا تشير أبدا إلى ذلك العالم السفلي المعتم بداخلها ....لا سمعة الطيبة و الشرف النبيل أو الاسم العريق الذي يحكم بينهما ...فقط رغبات مجردة ..قد لن تؤذيها إذا ما تعاملت معها ..فأمال تمتاز بالرقي ما قد يمنعها من نبش ماضيها و ارتياد قبعة القصاص الاجتماعي ..فتمتمت بسعادة كاذبة ..مداعبة ...
-لا ليس بعد هيا أسرعي لنجلس على إحدى مقاعد قبل أن أغير رأيي بالعرض......
........فردت أمال بسأم منها ....
- بربك يا شهد هل تمنين علي بمجرد وظيفة تنالين أجرها مسبقا ..... أنت انتهازية و صاحبة مصالح ......
التفت شهد لها بحدة و رفعت حاجباها بسخرية مريرة و ملامح باردة
-ماذا تفضلتي حضرتك...حقا أنت واعية لما تجعلينني عليه .... ما كان يرشيني بمال الدنيا لأطرد بعض من تلاميذي حتى يخلو الجو الدراسي لحضرة أبنائك ...حقا يليق بك يا سيدتي ....
فتوترت السيدة الأربعينية من لاذعة لسان شهد و قررت الاحتفاظ برأيها في هذه الآفة التي وجدتها في طريقها ....الصمت و إن كان أشد في عنفه ....إلا أنه يضل سليم العواقب أكثر من الكلام ......فتصنعت بملامحها الحزن و قالت بنبرة بكاء مفتعلة .....و خبث في محاولة لسعها و مجاراة طول لسانها .....إن كان عليها أن تباريها بذكاء فليكن لا أخطر من امرأة ذكية كشهد ...
- لا تليق بك إلا القسوة ....كفى عني تجنيا منك شهد ...لا تلفي هنا و هناك ..ضعي الاتفاق و اتركينا من اللوم ....
ضمت شفتيها بقوة و أشهرت أصبعها في وجه أمال مهددة و منذرة بفقدان أعصابها في أي لحظة .........
- ألف ...؟؟ هل أنت متأكدة من مطابقة الكلمة لفحوى الحديث...من يلف الدنيا على طولها ....أنا أم أنت يا أمال ...ثم هل أنت هنا لتقيمي مدى قسوة مشاعري اتجاهك ...
أمسكت أمال بإصبع شهد و حضنته بيدها مترجية لها و حانقة من قلة تهذيبها.....
- لا أحد قيمك يا شهد ....لا تقلقي كنت أورع من أن توصفي بالقسوة ....
أطلقة شهد امتعاض من أمال المتملقة و أردفت حازمة..... ذلك أنها ستحصل على تلك المنحة مهما كلفها الأمر حتى لو صارت في نظرها تشبه مروان ... عن غيرها هي لا تملك بجعبتها ما يجنبها شقاء المهن الصعبة ...... و طريقها الوحيد لعبور نحو ضفة الأخرى.... منحة عمر الصاوي .... فالخطوة الأولى نحو النسيان أن تشغل نفسها بطريق لا نقطة وصول فيه ....أبدا لن تبقى خلف الركب تنتظره بيأس و أسى....لن تسمح له أن يتفوق عليها حتى في القطيعة ...الانتظار و الاستكانة غباء نسوي متفشي ....بين القابعات في سجن ذكريات الحب ..برجل لم يستحق يوما رجولته الناقصة .....لن تسمح له أن يصيبها بالعدوى .....
.....فالماضي في علاقتها به ليس بالضرورة يجب أن يكون خيبة تحملها على عاتق حاضرها ...
– مم حسنا أقنعيني بنواياك الحسنة و رقة قلبك اسمعي عرضي لكي سار إذا و فقط إذا........ أتيت لي بورقة اعتماد لمنحة التكوينية في هذه الشركة...... أخوك الجلف طردني اليوم بكل بساطة دون أي اعتبار.... لم يمنحني حتى مجرد فرصة ثم ما ينقصه مني حتى ينصب نفسه علي المعلم تصدقين يتشدق علي بمبادئ سخيفة ما دخله فيم استعملت شهاداتي الثانوية ثم ما كان اسمه
.................................................. .................................................. ...........................
ليست المفاجأة وحدها من اعترت ملامح أمال بكل كان مزيج غريب من مشاعر مختلطة ... في صدمتها متأخرة أكثر من اللازم حينما وعت على وجود شهد الغريب بشركة الصاوي دون غيرها من الشركات ...فنظرت لها بطريقة استشفت منها الأخيرة مليون شيء ..الدهشة ..ارتياح ..غموض ..سخط ..خوف ...ألم ...
أمور أشعرت شهد بخوف غريب يزحف فوق جلدها كما لو أن المياه الباردة تعبرها كسكين حاد في لسعتها و صقيعها ...فالأفكار التي خطرت على بالها جعلت شيء يخبط بداخلها ....بينما تهدل فم أمال بطريقة كما لو أن الدماء انبثقت في نهايات أعصابها مشحونة بالترقب ....و هي تنتظر منها أن تكمل كلامها المبهم في تفاصيله و المخيف في طبعه ....و فكرت أن هاشم الغالي لن يكون سعيد بما تفعله ابنته من غير علمه ...
..لكن سرعان ما استعادت زمام تحكمها ....
-إذن تريدين منحة التدريبية ...عمر شخص متشدد فيما يخص العمل بالشركة ..هولا يمنح الفرصة إلا لأصحاب الكفاءات العالية .....رجل أعمال صعب لا يقبل إلا بالمستوى العالي ...لن يسعد باتفاقنا هذا ..
قطعت شهد كلامها وهي تلوح بنزق و نفاذ صبر ...
- لا تهمني سيرته الذاتية و مزاياه كرجل أعمال ... ما أريد حصوله هي تلك المنحة ....أنت لن تشرحي له شيء ....فقط اطلبي منه ورقة اعتماد المنحة ...و خلصينا مما نحن نتجادل منذ ساعة من أجله ...
فكرت أمال بعرض شهد هنيهة من الزمن أمام صمتها ....هي تبدو أنها قطعا لا تملك أية خلفية أو هدف ما ....ربما لا زالت صغيرة على أن تقحم نفسها في صراعات عائلية ....و كانت جد سطحية في طلبها للمنحة ..شهد رغم تلك الشرارات العميقة التي تبعث من نظرة عيونها ..إلا أنها تملك سمة من البراءة الروحية ..في شخص لم يتشوه بالكامل و لازلت به أماكن مغلقة ..خلف باب الانتظار ...فقط تحتاج لمن سيحرر ذلك الجانب النقي منها ... .... ثم قالت باقتضاب.....
- حسنا لن أشرح له شي عن هذه الصفقة لكن لي رجاء عنك...
أمالت رأسها جانبا تمط شفتيها لأمام و كتفت يداها لصدرها....تصدر صوت ساخر ...
- دعيني أزيدك فوق هذا سكرة ...تشكرا على جهودك العظيمة ....في منحي الشرف الأعظم لشركتكم العتيدة ....كفى بالله عليكي مجرد منحة لم تزيد عن شهرين .....
قلة الاحترام التي تتعامل بها شهد لا تنم سوى عن انعدام تربية بالنسبة لغيرها ...كما سمعت كثيرا من أمهات طلباها ..تشكيا و رفضا لطريقتها في التعامل ......بينما تراها أمال كطريقة مشابهة لما يفتعله ولدها البكر في إثبات نفسه و كسر حاجز الخوف الذي يملأ قلبه ....هي تكسر قيود و تتخطاها قبل أن تكسرها ....تفعل المضاد المتوقع من فتاة شابة تنتمي لعائلة الغالي ...بل هي تزدري انتماء كهذا فهو يعزز بها مشاعر الكراهية نحو ذاتها..و يزرع الخوف الكبير أمام الفقد ...و الفقد هنا لا يكون سوى روحي ....فقدٌ لما تملكه في سبيل أن تكون الصورة الحسنة و الواجهة المنمقة لعائلتهم ..بينما ترى نفسها أنها لا تملك شيء...و لو حاولت أن تعطي أكثر مما لا تملك .....قد يزيد كرهها فوق الحد المنطقي ...هي بالنهاية شخص يسعى للحفاظ على ما تبقى منه ...
و الحقيقة سمعتها في تدريسها المتقن و قدرتها على رفع مستويات الطالب المتدنية في فترة وجيزة.....سمة تبرع بها و تضل المتنفس الوحيد حيث تواجه نفسها فيه . أو بالأحرى الشيء اليتيم الذي يمثلها .. هي من جعل أمال تترجاها كما لو أنها تملك على أصابعها المفتاح السري ....متحملة منها قسوة المعاملة و انعدام لباقة ..... ملاحقة إياها بالاتصالات ليل نهار من أجل قبول ولديها عندها...... لكن أحيانا يكون من الصعب مسايرتها ....خصوصا عندما تفقد السيطرة على نفسها ...و تفتقد لأي ذرة تحضر و أدب......فهزت رأسها بأدب ...تفتش بحقيبتها عن ضمادة نظيفة .....
-حسنا توقفي فقط عن النظر لي بتلك الطريقة المخيفة.....سينتهي الجدل هنا ....ضعي هذه على شفتك لقد جرحت .....
... فتناولت شهد منديل أمال منها ...لتجفف دماء شفتيها بقوة ....و هي تخاطب أمال الجالسة ....
- قد أصبح منظري مشرد ....أنت لا تجلبين لي سوى المتاعب.....
ابتسمت أمال بحنان ....تشير نحو المدخل الزجاجي للشركة .....
-لا ليس سيئة المنظر لتلك الدرجة ...بك من الأناقة الفطرية ما يميزك حتى في أسوء حالتك ...بالنسبة للمنحة اصبري إلى أن أجد لك منحة ...عمر صلب قليلا فيما يخص عمله ...
- صلابته ..خشونة رأسه ...عناده ليست محطة اهتمامي .....أنت لديك مهلة ثلاث أيام .....إذ لم تأتي لي بالوثيقة اتفاقنا ملغى .... لكن لا أنصحك بالفشل .... فعلى ما أظن أبنائك يعانون الويل في مدرستهم بسبب عدم قدرتهم على الاندماج وسط عامة الشعب...... عامة هكذا هم مترفين عديمي الشخصية و ضائعين في إختيارتهم أظن أن المال الوفير يسلب الإنسان إرادته الكاملة .....
جلست آمال على كرسي جانبي و أمسكت بقلبها دلالة على حزنها من إهانة شهد لها ....و هي تهمس بنبرة ألم ....
-ما تتفوهين به إهانة في حقي ...... أنت لا تطاقين بالمرة....فقط أريد معرفة ما الذي يجبرني على استحمالك....
فردت شهد ببساطة ....
- إعتبريها ما شئت و الآن سلام لدي محاضرات علي أن احضرها ...قبل أن أرسب أنا الثانية .....
غادرتها مرتبكة و مضطربة....كلما حاولت جرح غيرها ..لم تجد الألم إلا يعود عليها ........ لطالما رجع تأثير كلماتها المسمومة على روحها و كيانها...و همست بخفوت ..(.. فقط أنا لم أعد أريد أذية نفسي..)......
.................................................. .................................................. .................................................. .................................................. .............................................

طرقت أمال الباب بخفوت و دلفت لغرفة المكتب الواسعة. ....فأخذت عيناها تجول حول المساحة المبهرة في تأثيثها الأنيق بتفاصيلها.... دون تكلف في إبداء مظاهر الثراء الفارغة ..... مكتبة كبيرة الحجم برفوفها المرتفعة و المكتظة كتبا التي غطت أحد جدران الغرفة .. أجهزة الحديثة تراصت بترتيب حوله .... إلى أن استقرت نظراتها على الجالس وراء المكتب....يبدو منهمكا في دراسة إحدى ملفات الضخمة و تقطيبه تعلو وجهه دلت على تفكيره العميق بمشكلة معينة ....
هكذا هو عمر كما تعهده ... عميق التفكير في كل ما هو حوله....سرعة إدراكه و بديهته ... هي ما جعله يصل للقمة في غضون عشر سنوات.... رغم انشغاله الطويل في سفراته و أعماله الكثيرة بالخارج.... بالإضافة إلى مسؤولياته العائلية باعتباره رجل العائلة الوحيد من بعد وفاته والدهم الحنون.... و عجز والدتهم عن مداراة حزنها... فتقوقعت حول نفسها كليا في سنوات أخيرة تنعي ذكرى زوجها الراحل و تمجد خصاله دون أن تعير أبنائها الستة ( الخمس بنات و عمر )..... أية اهتمام و كأنها فقدت اللذة في العيش بجانب أبنائها.....
فرحتها الوحيدة تمثلت في خطوبة عمر الغامضة بقرار منها ...لم يجد فيه الأخير أي مجال للمناقشة ...و كان لا بد أن يقبل على مضض باختيارها لأميرة الساري رغم ما جاء ورائها من مشاكل.... سببتها أميرة بطفوليتها الزائدة و حسها العالي لجذب الفوضى أينما حلت...في رغبتها العميقة للحصول على الاهتمام الرجولي المعدوم لديها ...و العاطفة الأبوية المفقودة التي حرمت منها طوال طفولتها حتى أن كبرت محرومة حد الألم ..لتجد في عمر ما ينقصها من أمان عاطفي و روحي ..تفهم و حنية ..عطاء رجولي لا حصر له.... في كرمه و إغداقه عليها تكمن أوجاعها ...فلا رأت معاملة ناعمة حد الخدر من رجل ..لا تستهويه الفتن و شهوات النفس ...و لا يَبَشِعُ الثراء الفاحش داخله ...هو مختلف عن والدها ..رجل صالح شهم أصيل ذو أنفة و عزة نفس ...صريح و غير مرواغ ..لا تكون متعته في إيلام امرأته ..و الأهم ما يغريها به أنه وفيٌ لا خائن ..حتى لنفسه ......
إنه يغطي جميع أوجاعها الداخلية ...يشفيها من حقدها اتجاه كل ما هو ذكوري .......و كذلك يحطم جدران الوحدة التي تملئها ......و لدهشتها المجفلة تتصرف عكس ما تتمنى أن تكون ... فهي تخاف أن تعيش حلم لن يكون إلا في مخيلتها ....تخاف حقا أن تكون سليلة والدتها ....
تفككٌ أسري رهيب كالذي عاشته قد جعل منها امرأة منقوصة من كل شيء ..حتى في احترامها لذاتها و تقدريها للعلاقة الزوجية ....بها من الشك اللعين ما يفقد عمر هدوءه و صوابه ....لكنه رغم كل ما يحدث لا يجد نفسه سوى أن يشعر بالشفقة نحوها ...فهو رجل يقدر تماما معنى أن يرمي والد ابنته فور عقد زواجها أمام الحضور المهنئين ...يتأبط في ذراعه عارضة شقراء ملونة ..دون اعتبار لسنه الكبير و هيبة رمادية شعره .....وهو يتخلص بآخر ما قد يربطه بالبلد و العائلة ...ليلحق بزوجته الإيطالية التي تماثل أميرة سنا ........
لكن وقوف عمر في عتمة صمته إزاء حال أميرة الاجتماعية ....و تخبطها بين السفر خارجا و اللحاق بأب لا تضمن أبوته لها أمام سحر تلك العارضة الشقراء .... ..و إما البقاء في البلاد فريسة طريدة للمجتمع القاسي بحكمه الجائر على كل من يحمل في جيبه محفظة نقود ممتلئة ....في التقاط الشاردة و الواردة من حياته لتكون لقمة سائغة تكفيهم جوع النميمة لأعوام ....هي تعتبره صمتا تضليليا منه لا أمان فيه ...يضعها في حالة استنفار و حساسية قاسية .......و يقرع بداخلها أجراس الإنذار الحتمية ...فربما غدا كذلك هو في يوم ما ... رجلٌ نذلٌ و استبدلها بأخرى أكثر شبابا و ذكاءا ....بالأخير تكون أسيرة ماضي أسرتهم ...و بالتأكيد نصائح والدتها لن تثمر إلا شوكا بها .......
قطعت صمتها الطويل حينما لاحظت غفلته عن الانتباه لها ....

– عمر كيف حالك.....؟؟...
رفع رأسه أخيرا ليجدها تقف بجانب مكتبه و على محياها أعذب ابتسامة غريبة ...فهمس بصوت داخلي (.... غريب أنها تاسعة صباحا كيف لها أن تأتي في هذا الوقت المبكر... عادة تعود لنوم فور ذهاب أحمد و رائد للمدرسة طبعا إن رضي الشقيان بالذهاب و مزاولة الدوام ......)
عمر يرى أن المرحلة الحرجة التي يمر بها كل من رائد و أحمد تعد طبيعية للغاية مقارنة بمراهقتهما الصعبة .... بتقبل وفاة والدهم منذ سنتين في ظروف غامضة لسقوط طائرة عسكرية ... فلا أحد منهما توقع أن يأتي يوما ليتحول الفخر بوالدهم كضابط شرطة إلى حزن و رثاء له ....و حتى غضب دفين من أقدار لم تختره إلا هو عن غيره ..بينما نجى بقية الضباط من الهبوط الاضطراري لتلك الطائرة ..... ما يشكل عندهما رفضا لحقيقة اليتم التي صارا عليها .....يترجمانه في عدوانية سافرة اتجاه أمومة والدتها عليهما ...و تمرد صخب على سلطتها عليهم .......
لكن أمال بطبيعتها الحساسة و رهافة شعورها تظن أن طرقهما التعبيرية البحتة في حزنها أمر جليل الخطر على قوامة سلوكهما ..و أمان تفكيرهما ..هذا غير هلعها الكبير ناحية التعنت القاطع منهما في الإقامة عند قصر والدها ..إلى درجة أن خصصت لهما طابق منفرد عن بقية الطوابق .......لاعتبار تعاطف الخالات معهم مجرد شفقة إنسانية على يتمهم ....يترفعون عن الإحساس بها ..حينما يصبح الشعور اليتم سمة الخطر على كرامتهم ..... هم يملكون من الأنفة ما يشقيهم حتى في طفولتهم ....ما منحتهم الحياة بساطة بكاء لعبة لم يحصلوا عليها ....جل ما تعلموه تلك الطريقة الشاذة المعبرة عن الفقد ..في صمتها المتخاذل ...و وجعها الخدر ...و براءة شذوذها .....و انعزاليتها التامة ...
أحيانا تعبير الإنسان عن حزنه بابتعاده عن الدنيا و ما فيها أحسن طريقة لمجاراة الألم و تقبل الحقيقة..... لكن ما تفعله أمال من إظهار قوة جبارة في الصبر و التجلد..... كأن شيء لم يحدث أن تصدع بقلبها ... سبب في ابتعادها عن أطفالها..... فربما شعر أحدهم أنها حقا تخلصت من أباهم ضابط الصارم في معاملته و الضبابي في مشاعره ...
ما عانته من سنين بجانبه تمثل في انعدام قدرته على احتواء إغداق أنثوي باذخ في روحيته ..كالذي شكلته أمال له .. فهي لم تكن مجرد زوجة و امرأة بحياته ..لقد مثلت له كل شيء ...و جعلت من نفسها محور ما قدر على إيجاده بين تجاربه النسوية ...أمال شخص يعطي كل ما بداخله دفعة واحدة لا على جرعات ...هي أكسبته حبها حد الثمالة ....مشاعر أخافته و أرعبته ...في أن يدمنها حد لا يقدر على التنفس إلا جوارها بل يصير يتنفسها ...ليجد نفسه يوما أبعد ما يكون عن أؤكسجين حياته ..فالرجل إن أعطته المرأة أكثر مما يريد ..أربكه العطاء و صار في نظره قضية مشبوهة ..تستحق منه ملكته المحققة ....
فكل محاولتها الحثيثة في ترويض جانبه العسكري الصلب ...قد وضعتها على الرف الأمثل لأن تكون ...... و تقبلته كما يكون على سجيته ....بتردده و انغلاقه حول نفسه خوفا كلما فرشت له أجنحة الوله و الصبابة ... ...فالحب يعني أن نحتوي من نحب بالطريقة التي تضمن أنه لن يضطر لشطب جزئيات من نفسه في سبيل أن نسعد ...و أمال أحبت زوجها ووجدت طريق لقلبه...
فقده كان صدمة من الصعب أن تستوعبها ....لم تتوقع وضع بحسابها أنه رجل قد يرحل ...قد يموت أو يختفي ...أو أن الأقدار لن تكون لها بتلك البسمة الكبيرة ......كل ما كان يقيدها بأصفاد ....هي تلك المخاوف التي تقيد السعادة بينهما ....أنه رجل قد لا يحبها ...و حتى إن فعل قد لن يكون بمثل طوفان مشاعرها ...و حينما رحل كما لم تتوقع ..حزنت كما لم يفعل غيرها .... فما تعيشه اليوم ليس حزنا على وفاته ..بل هو غضب منا على نفسها لما أضاعته هباء من حياتهم في ترصده و الجري خلفه عسى أن يبادلها الحب جهرا و علنا ..ما عرفت أنه كغيره من الرجال الذين يحبون بصمت ...صمت يقطعه كلمات بسيطة أو جمل شهية حد الجوع ...كان من المفروض أن تبكيه لذكرى ...لا لعدم وجودها ....قطع شرودها الطويل ... الصوت الرجولي الهادئ في نبرته .....
-أمال صباح الخير
...........اقتربت نحوه بخطوات هادئة بينما وقف احترام لها حتى وصلت لجانبه ....المسافة القريبة بينهما سمحت لعطره النافذ أن يصلها مختلطا برائحة رجولية بحتة عكست مدى جاذبيته و قوة شخصيته الهادئة ..فتطلعت عليه بفخر و حب أخوي ....ناسية أنه يغتاظ من ابتسامتها البلهاء نحوه .....يملك من الحياء الرجولي ما يجعله مغري لأبعد حد ...فلا أوسم من رجل خلوق .....أخاها الصغير عمر كامل القوام و القوامة ... فارع الطول كغيره من رجال العائلة و قوي الشكيمة..... ملامحه الصلبة و قاسية تعبر عن مدى خبرة هذا الرجل الطويلة في الحياة.... و كأن شي لم يعد يبهره بعدما خبر الكثير و ذاق أنواع عديدة من الفقد و الاحتياج......و سامته الفذة و الغريبة جعلته مطمع عديد الفتيات متيمات به.....
هذا ما يجعل من زواجه غاية في الاستبدادية...لا يملك فيه حقا أن يستمع لمخاوف أميرة و يرد عليها ..حتى ثقافة الاعتذار لم تتواجد بمفهوم علاقتهم ..كل ما عليه أن يتقبل ثوراتها الجنونية و ما كان وليد المخاوف الأنثوية المتأصلة فيه و الشكوك القاتلة بها ...
البقية الوحيدة التي تجعل زواجهما ثابت إلى حد الأمان ...هي قدرته الكبيرة على جعلها بإحساس الضالة و الصغر سواء بالحد ..حينما تتجاوز المساحة الرجولية من التفهم و الصبر الجميل .... التي يمنحها إياها حتى تنفس عن ما يعتريها لدرجة الخنق ......
ربما ما تمكن أحد من رؤية الخذل العاطفي مرتسم على وجه عمر كلما وقفت أميرة أمامه ...لكن أمال شعرت بتلك الذبذبات العنيفة بالخطر تنبعث منه فور أن تلامسه خطيبته بحميمة أو عاطفة ....يتبلد شعوره الهادئ في طبعه ... و يخطف لونه بدرجة شحوب مخيفة ....
أمور كثيرة لاحظته فيه من مدة ...لتعرف أن عمر يعاني أزمة العلاقة و الأمان ....من خلال ابتعاده الكلي عن كل ما هو نسوي في طبعه ....فحتى باقي أخواته لا يتعامل معهن إلا عن اضطرار...في مناسبات عائلية بحتة ...يتصنع فيها الثبات و الهدوء ..إلى أن يهرع نحو غرفته في طابق منفصل عنهم ... ...و أمال الوحيدة التي أجبرته على تقبل اهتمامها و سطوتها النفسية عليه ....أمسكت كتفه بقوة تشد عليه ..وهي ترد
-صباح النور .....يا سيد عمر ....
ابتسم عمر بتسامح و وقف تجانب أخته يقبل صدغها بعطف و محبة..... يحيطها بذراعه اليمنى و يبادلها النظرة المتفحصة ...فأخفض بصره نحو ما تدقق به ...قد عرفت من قميصه المجعد أنه لم ينم بالقصر ..و ربما لن يعود إليه ....فهمست بصوت هادئ ....
-إلى متى ستضل بعيدا عن القصر عمر ...؟؟..
تردد عمر كثيرا في الإجابة قبل أن يهمس بتوجس و حذر
- البارحة قضيتها في المكتب هنا كانت لدي أعمال طارئ كما أن القصر لن يبرح مكانه ...سأعود إليه وقت ما أجد نفسي متعب ...
تأملته بنظرة مشككة حاذقة في الترصد لأدنى زلة قد تظهر عليه ...إلى أن رفعت كفها نحو معصمه الأيمن تشد عليه برفق ..لدهشتها قد ألمه ....و همست بفتور...
-عمر ...لا تدع تلك الهواجس تتآكلك ...حياتك الزوجية تستطيع أن تجعل منها سعادة تكفيك قناعة ...كل شيء يكون صعبا في البداية ...لكن مع الوقت ستتفهم ظروف أميرة ..
هم يرد بالرفض لنصائحها التي يراها عن قيد تجربتها السابقة في زواجها ..إن كانت وجدت طريق لزوجها "باسل "..فهذا لا يعني أن غيرها قد يسلك طريقها نفسه نحو السعادة ....لكنها قاطعته بضغط خفيف على معصمه القيد بأصابعها ....ليزفر حنقا منها ..
-لا تدع منظر الخراب الذي تعيشه أميرة يشوه مزاجك و حياتك و يحد من قدرة على الوقوف في مشاكلك معها ..بعض اللين في المعاملة يكفيك ...
و أضافت بنبرة غامضة .
-صدقني لا امرأة قد تنفر منك ...حتى أعتاهن....وحدها النفوس الصغيرة تهجس بالأذى ..حينما لا تملك المقدرة إلا عليه .....و أنا ما عرفتك إلا كبيرا ...
ما هي ثواني قليلة على صمتها في وجهه حتى ابتعد عنها نحو كرسيه الجلدي ...خطوات قليلة وضعت له المسافة التي أراد... حتى يمرر نفسه الطويل دون أن تلاحظه ....لكنها ضلت تتصيده بثبات و تصميم ...بينما غطت ملامحه مسحة خذلان و حزن ......
ما توقع منها أن تجابهه في ألمه ...أمال و رغم جهلها بتفاصيل كثيرة عن حياته ....لم يسمح لها أن تكون ظاهرة لعائلته ..إلا أن أمومتها القوية تمدها بإحساس وراء آخر ....يتعلق به و ينبهها إلى غموض كبير يلفه ...بأنه خلف تلك الواجهة الهادئة ينطفئ ببطء و عذاب ....
هو يعرف تمام الثقة أنها ستهب لنجدته فور أن تخذله أقنعة القوة ...تسقط عنه ...لتعريه أمام الواقع ..فمثله واقعه قادر أن يفجر فيه ما يحاول جاهدا أن يدفنه في الأعماق .....الأعماق المظلمة حيث لا مكان لذاكرة أن تدخله .....
سيبقى على غموضه و صمته ...لأنه لن يكون شبيه ذاك الرجل ..حتى لو إستلزمه الأمر ....أن يختنق بعذابه .......كما قالت أمال أنه وحدها النفوس الضعيفة ..تقدر على الأذى ....ما تعلم أن يؤذي غيره فقط لأنه عاجز .....
فوق هذا لا يريد أن يجرب شعور الراحة لامرأة ...فالراحة تعبير شافي عن ما بلغه من الألم ...و لأنه لا يريد أن يحصي جردة ألامه و إنكسارته ..يجب أن يضل في عتمة الصمت ...و إن كان نورها أسطع من ضياء كشفه لنفسه أمامها .....أن تطرح كل أوراقك بالنسبة لرجل مثله.... يعني أن تفرط بألمك ...و هو ما اعتاد أن يفرط بما يملكه ....استدار بعيدا عنها نحو زواية من مكتبه ....و تكلم بهدوء
-مشكلتي لا تكمن إلا في زواجي ...تعلمين أنني ما قبلت إلا تحت رغبة أمي ...لا أريدها أن تشقى حزنا و وحدة بعد اليوم ....يجب أن أملكها فرحة الأحفاد ......أنا أدفع سبب انغلاقها علينا ...
فكر عمر بأن لا أشقى من والدته تعيش مزدحمة بكراكيب و مخلفات الماضي ...بأنها امرأة تضع نصب عينها أن ألمها اختياري و ليس قدري ...لهذا تتعامل معه بثبات ...لربما إن اقتحم خلوتها الآن ...وجدها تحيك ملابس صوفية بصمت أم تقرأ كتاب ما من كتبها المتراصة على الأدراج المعلقة بغرفتها ...لن تبادله النظرات طويلا قبل أن تفر بوجهها تشيح به ...لأنه فقط نسخة كربونية عن خطاب ....
لكنه أمال لم ترحمه من سياط المحقق ....فأخترق صوتها الغرفة ....عاليا بنبرته و مخيفا بكلماته ....
-لما لا تكف عن اختلاق الأعذار الواهية و تعود للبيت ...كفاك تشردا بين مكاتبك ...أم أن الشقة الجديدة التي قمت بشرائها قد أعجبتك ..
كل ما يختلقه عمر في أعماله الطارئة و سفراته الكثيرة مؤخرا ..أعذار تافهة صارت في نظرها ....بل و تستفزها ... يتقصد عمدا أن يغيب ساعات متأخرة عن البيت مجهدا نفسه بالعمل ...... ظنا منه أنه قادر على إخفاء ارتباكه الرافض من أميرة....و تواجدها في القصر بين الفترة و الأخرى ...... خصوصا بعد عقد قرانهم و تخلي والدها عنها لاحقا ككلب لاهثا وراء عارضة إيطالية . و هو يعلن بكل انعدام دم و أبوة أنه قد سلم عمر مسؤولية أميرة ..
لقد كان مستعدا أن يدفع له مال الدنيا حتى يخلصه من التزامه اتجاه ابنته ....و مما صدمه أكثر زواج والدتها الفوري بعد طلاقها ..... من عجوز ثري ضمنت أنه على استعداد كامل بأن يملأ محفظتها نقودا و ألماسا ...تعوضها عما سطت عليه الأوربية الشقراء .....
...شفافية عمر منعت من إخفاء رفضه مصاهرة عائلة متفككة العلاقات بتلك الدرجة ...لكنه يجد نفسه عاجزا أمام فرحة أمه الوحيدة و تفاعلها مع تجهيزات زفافه ....تفاعلٌ صدمه بشدة ..فلم يتوقع أن تخرج من قوقعتها الانعزالية ..فقط لأنها تريد أن تشاركه الفرحة .... تاركة قدسية الوحدة التي تمجدها ..في انتظار أن تلحق بوالده ......
فلطالما سببت طريقتها في حزنها الكثير من الأذى له..... كيف لا و هو من كان مدللها باعتباره رجلها الوحيد ....بين بنات منشغلات بحياتهن الأسرية بعيدا عنها ...ليبقى و أمال أعزلين أمام مواجهة والدتهم الباردة في رفضها تخطي عتبة البيت ..إلا لضروريات تعد على الأصابع ....

ردة فعل الوحيدة منها ...و التي أدهشتهم أكثر مما أسعدتهم ... هي حينما طلبت منه لتقدم لأميرة ابنة صديق والدهم المقرب.....ولم تسمح له بأي بادرة رفض ....أمام احتوائها الكبير لخطيبته....و دفاعها المستميت عن أخطائها و زلاتها في حقه .....مانحة إياها سلطة لم تجد استخدامها في تهديد أخواته بالطرد من القصر .....أكسبتها عنجهية و تكبر لا حدود له ..خصوصا حينما تقرر الإقامة في جناحها من فترة لأخرى ...فلم يجد عمر نفسه مجبرا إلا على تعجيل زفافه تزامن مع كثرة سفراته خارج البلاد لأمور مجهولة ....
استدار نحوها بثقة و هدوء ..جفلت لها ..كلما أرادت محاصرته في الزاوية وجد لنفسه مهرب ...
-لا أظنك تجدين مهنة التحقيق ...أنا منضبط تمام الانضباط في عملي و لا داعي للشك ...
و أضاف بنبرة مازحة ..
-أم أنت حينما فلت منك ولديك ..قررت أن أكون ضحية أمومتك المخيفة ....تعرفين أنني رجل ناضج ....
........... ابتسمت أمال بحنية و أحاطت خصره بذارعيها و قالت تتصنع الدهشة و الفرحة ....
- اترك منك ولدي يا غيور ..انظر لحالتك قميصك مجعد و لا تجد حتى من تكويه لك ....على ذكر رائد و أحمد ...لك البشرى ...
-قولي هيا ....
تنفست بعمق وهدوء .....لتهمس به بتوجس ....
-لقد أقنعت أخيرا تلك الفتاة بتدريسهم ....كانت غاية في العناد ..حتى رضيت علي ....
.فكر عمر مليا و هو يدرس ملامح أخته مرتبكة و المتصنعة...هامسا بصوت داخلي (....مكشوفة أنت يا أمال .....) ...
-حقا ؟؟...لقد أخبرتني أنه لا جدوى من إقناعها ..كما انك شكوت منها كثيرا ..كيف لها أن تتفاهم معك بسهولة ....؟؟
. فابتعدت عنه خطوات مرتبكة للوراء ..متشاغلة بإصلاح شعرها ..... ربما لن يكون سعيد بمعرفته عنها ...
- هي في الواقع صديقة قريبة لرائد .... صداقتهم كانت قبل وفاة باسل بمدة قصيرة .. طبعا قبولها يعود إلى مواهبي .....ما فعلت إلا بعد إلحاح مني.... فأنا لحوحة جدا فيما يتعلق ب مستقبل أبنائي .....هي عشرينية في السن ..ذكية جدا .. ...
قطب عمر متسائلا..........
- تكبره فقط بأربعة سنوات.... هل ستتمكن من إحكام قبضتها عليه جيدا؟؟....
ابتسمت أمال بفخر و شرف ... حسنا في نهاية تمتلك شهد بعض الأمور الجيدة التي يمكن الاعتماد عليها .....
- أنت لم ترى بعد ناريتها.... و قوتها المهم دعني أدخل في موضوع المهم....
أحس عمر بذبذبات جسد أخته المتوتر ....حسنا بدأ يفهم ماهية الموضوع الذي تنوي الدخول إليه.... حتما تحتاج إلى إحدى خدماته أو معارفه الشخصية ......تنهد مستسلما و قال....
- تفضلي ...
فنظرت مطولا له و هي تدعو سرا ألا يكتشف هوية شهد و يطردها من الشركة.....و تتمنى فقط أن يكون تكوينهم بعيدا عن أروقة مكتبه فلا يراها هنا
-أريد فرصة التدريب لتلك الفتاة ..هنا في الشركة ...هي تملك مقدرة هائلة في البرمجيات ....يحزنني أن يشقى مثلها في مهن صعبة لا تسمن و لا تغني من الجوع .....
- تريدين منحها فرصة للعمل ..لكنني أدربهم فقط دون عقود ثابتة أي لا أجور لهم ..كما أنك حتما لن تبخسي حقها ....
و نظر بريبة لوجه أخته المحمر و ارتباكها....غير قادر على تخطي شعوره بالغرابة في الموضوع ......لم تكن مدة كبيرة خرجت منها تلك الفتاة من الغالي لتدخل أمال بطلبها الغريب ...فهمس (. حسنا ..عرفت هوية الفتاة التي تتوسلين لها فرصة )....... سألها مقتضب وهو يجلس على كرسيه من جديد ...
-أريد قائمة تحوي هويتها و شاهداتها السابقة ...شرط أن تكون منتسبة للجامعة .....
و لم يكمل كلامه حتى اندفعت أمال رافضة تلوح يديها في الهواء عاليا..... ...
-لا تشغل بالك أعطي تصريح القبول لي و أنا سأتكفل بالباقي ....
- حقا حسنا لكن فقط أريد اسمها....بالنهاية أنا المدير لربما استطعت. منحها فرصة عمل بدل التدريب ..لو كانت تملك المقدرة كما أشرت
تشنجها المثير للشفقة قد أرضى غروره و جعل في نشوة استمتاع بقلب طاولة التحقيق عليها ....إنها أكثر صدقا و شفافية من محاولتها الكذب ...و كذلك أكثر حساسية من ناحيته ....موضوع كهذا قد يلهيها عن محاولتها سبر أغواره ...إلا أمال هي آخر من يريدها أن تراه عاريا من قوته ....راقبها تردد كثيرا مرة تفتح شفتيها تنوي الكلام ...و مرة تصمت بقهر أمام ابتسامته المتشفية ....حتى استسلمت خاسرة تهمس بحزن
-حسنا ..... شهد الغالي.....
و لم تكد تنهي همسها الذي بالكاد كان مسموع ...حتى ارتفع حاجبا عمر بسخرية كاذبة .... و تصلبت جميع قسمات وجهه المنحوتة كالصخر.....بينما صدح صوته الداخلي يسخر منه ليذكره (....بالتغاضي عن تاريخه العريق مع عائلة الغالي ..... تلك العفريتة التي لم تجب إلا على سؤال واحد في امتحان... تعرف حتما كيف تستغل قدراتها الماكرة.... ألا يكفي أنها تحايلت لتدخل الشركة من السكرتيرة ليديا بل و وصلت متأخرة بأكثر من نصف ساعة في اختبارها..... كما شكا له مؤطري الدورة من تسلطها عليهم .. حتى إنها نامت طويلا أثناء إجابتها على الامتحان و بقيت صامتة أثناء الامتحان ألشفاهي لا تجيب سوى عما يرضيها... و تجرأت على شتم المراقب العام... لقد أثارت فوضى عارمة في الشركة... ظنا منها أن المدير مسافر في رحلة عمل لقد كانت أخبارها تصله بالتدقيق فهو من أشرف على تصحيح أوراق إجابتهم و دراسة ملفات سيرهم الدراسية إنها متفوقة بدرجة رهيبة تعد من نخبة النخبة متخرجة من أصعب المدارس الثانوية التقنية بمعدل ممتاز... لكن سيرتها الجامعية كارثة.... الفتاة لا تواظب عليها و نتائجها الدراسية كارثية متذبذبة جدا بين قبول و رفض......حتى و إن شك بنوتها لهاشم ...لكنها لا تحمل له اسم )...فسألها متوجسا
-هل هي تكون ابنته ....أمال لا أريد مشاكل مع الغالي من جديد ....كما أن مسيرتها الجامعية جد كارثية .....
لم تحتج لكثير من المجهد حتى تغطي صفحة مشاعرها عنه ....و أجابته كاذبة ......وهي تلوح يديها بسخط و نزق ....
-لن أنبش في ماضي تعيس يا عمر ...لا رغبة لأحد منا في فعل ذلك ....و تلك الفتاة بعيدة كل بعد عنه ....لا تحكم عليها من مجرد شهادات تعرف كرجل أعمال أنها تشترى ..
اندفاعه أثار استغرابه فوق ما كان عليه .....تبدو شبه متعلقة بالفتاة ..... حقا يقر بذكاء الأخيرة..... عن اختياراتها الذكية في الأسئلة .... كما أنها أثارت انتباه العديد من مراقبي اللجنة بفطنتها الشديدة و قوتها في تلقي ضغطهم عليها ....تساءل عن إمكانية ميلان مشاعر أمال الأمومية نحو شهد كذلك ....نظرتها المترجية أسرته و أربكت تصميمه ...أمال امرأة تعبر عن احتياجها بتلبية حاجيات غيرها ........فحضن وجه أخته و قال مقتضب....
-أنا لا مشكلة لدي أمال ..لكنني حقا لا أريد فتح دفاتر قد أغلقتها بإحكام ....
ابتعدت أمال بسرعة و سارت اتجاه الباب بسرعة مخافة تغيير رأيه و قالت
- حسنا...أعدك يا أخي ....شكرا على المنحة ....
ابتسم عمر يرفع ذراعيه عاليا مما أبرز عضلاته المتخفية خلف قميصه الأبيض ....
- أنا لست مخير في هذا بالرغم من اعتراضي عليها لكني سأختارها في نهاية المطاف......
جمدتها نبرته الشبيهة لشهد فتوقفت مكانها كفها معلق على مقبض الباب .... كلمات عمر التي قاربت معناها لكلمات شهد.....استدارت نحوه ببطىء شديد ...لتقبض فيه النظرة الهادئة التي يملك ....لكن سرعان ما هرعت تخرج من الباب مسرعة ...قد يزل لسانها و تأتي على الأخضر و اليابس ....
.................................................. .................................................. .................................................. ...........................................

مشت شهد تهرول بخطوات سريعة نحو مدخل الجامعة.... عسى أن تلحق محاضراتها الأخيرة ...نفاذ الفرص من حولها سيدفعها دفعا إلى إتمام تعليمها الجامعي ...أن تنهض من جديد يعني أن ترفض الواقع .....و تمحي أجزاء كبيرة من نفسها ...لأنه تعلم أنها لم تكن من قرارها ..فخضوعها لسلطته الفكرية هي من تولد بها التخاذل الفظيع ..و النظرة السوداء لمن حولها .....لن تبقى معلقة طوال حياتها برغبة إعادة ما انكسر بروحها ..كما أن الرغبات لا تقدم على طبق من ذهب ...عليها أن تشقى لبناء ما تهدم كما شقيت في هده بعنادها ...فليس عليها أن تعيد بل تصنع لنفسها صرح جديد ...لبناته من الكرامة و الشرف ...ما نفقدهم عادة هو أكثر شيء نريده بعدها .....و في العادة الفقد لا يكون إلا سمة قدرية حتى نستوعب حجم الأشياء التي تمثلنا ....مثلها قد فرطت بما تملكه و يميزها ....تسعى إليه كما لو كان قرار فيصلي .....
إنه لمن صعب أن يعيش الإنسان يبني لنفسه كيان و روح ليستقل بتفكيره و حياته.... فيجد في لحظة ما أن كل ما بناه و اعتمد عليه..... لمجرد سراب توهمه ...لم تعد تريد تلك الفلسفة الصعبة أن تعايشها .... فقط تود لو تركن إلى زاوية ما في زوايا الحياة...تعيش عزلة شهية في مذاقها ...و رحيمة في عذابها ..... بدون أن تضطر لمعايشة البشر...لأن ضجيجهم أصبح لها الهاجس في عتمة الليل ..تظل تحصي على نفسها و تعدد ...كيف نظر لها هذا و ماذا قالت الأخرى ...نظرات تختلف بين الرفض و القبول ..الشفقة و التعنيف النفسي ...الشماتة و التعاطف .......كلهم يعرفون أنها قد تعرضت لاغتصاب أو ربما لم يحصل ..هي لا تذكر شيء و لا تسعى لمعرفة ما حدث ...لأن معرفتها الوحيدة تمثلت في نصف الطريق نحو الاغتصاب .....أنه كان بإرادة كاملة و عيون مفتوحة ..لا عن تضليل مراهقة متمردة ....فلا أكثر تعاسة من شخص ذكي حد الغباء ......لا يعلمون و ليتهم يفعلوا أنها مشت تريد لنفسها هوية المذنبة ...قد أرادت الذنب و كان لها ..بأكثر أضعاف مما أحبت ....
عايشت أقصى لحظات و كينونتها الفتية تتحطم ..... عارفة لمدى الألم .....و دون أن تجرب شعور المرأة الحقيقة أو تفكر فيه ...كانت تجيد أن تقتله بداخلها قبل أن يولد ......
بعد ذلك لم تكن لديها حماسة الصبيات في عذرية شعورهم بالأنوثة ...بل حد الوجع أصبحت تبحث عن شعور الهوية الصلبة و الكينونة الواعية .........يغيظها الضعف الذي ألصقه الناس بها كهوية المغتصبة...مسكينة منتهبة ......
في نظرها لا أكثر أسى من مجرم بُرِىَء من تهمته عن بلاهة من قاضيه ....إحساس الزيف في البراءة ....كمن يتجرع العلقم المرير و هو يبتسم ... لربما حقا لم يتمكن ذلك الرجل من فعل أراده بها ..إن لم يواريها شكٌ..... لكنه بالمقابل اغتصب براءتها و أحلامها..... قد لم يكن مجرد رجل عابر سبيل بالنسبة لها ...و هنا تكمن المعضلة ...و تزيد البلة ...أن لا تجد هوية لمن أذاك ...يعني أنك كنت مستمتعا بنشوة العذاب معه ...بالفعل كانت امرأة ماشوزية معه ؟؟......تصدقه و هو يكذب ..تريد حبه و هو لا يقدر ...تسامحه وهو لا يخطئ ..بل يجرم بحقها ...تتمسكه وهو يرمي لها قيود العبودية .....
ما وضعت حُدُوداً منطقية لعلاقتهما .. كانت لتحفظ الكثير من كرامتها الأنثوية الشامخة و براءتها الشهية في مذاقها ...
بل استمتعت بفعل أشياء غاية في العبثية ....لمجرد الرغبة الشرسة في كسر القيود الأبوية التي حاصرها بها والده هاشم .. قد تأخر كثيرا في منحها إحساس البنوة و الحماية منه .. و عندما فعل لم تعد لمعنى شعورها أية تقبل منها ...فالأماني التي ننتظرها قيد العمر ..قد تأتي في وقت متأخر تجدنا فيه كبرنا في الاختلاف و لم نعد نملك أمنية...

و لأنها لم تحصل على شيء من اهتمامه الأبوي الصادق .....عمدت إلى كسر تلك السلطة الحانية منه حينما أعادها إلى البيت ...منهيا سنوات القطاع عنها ..و بنت لنفسها عالم يخصها حيث لا يقتحمه أي شخص عداها...
بنية أي عالم منفرد بطبيعته يجب أن تكون أسرار كونية ...و ربما جغرافية أو فلكية ... لكن أسرارها كانت أكبر و أفظع من أن تؤسس لها العالم الذي أرادت ...
.فقد عبثت بمفهوم قدرة البشرية على التحمل ..أحيانا إن تحملنا الكثير ماتت بداخلنا أشياء جميلة ....لكنها لم تفق إلا على حرائق مهولة بداخلها ....ما تصدعت أو انهارت جدران كيانها في غمرة تلك الفترة من حياتها .. بل انمحت عن بكرة أبيها ...و سكونها الجنوني أمام الوحشية في الحب التي فتكت به .. ...دل بخطر على الهوية الأبية التي قتلتها ....
مروان كان رجلٌ لم تعرفه من قبل ....اختلافه عما ما حوله ....أكثر ما قد جرفها نحوه باندهاش عذري ..لم يكن كغيره من رجال ... يجد عنفوان رجولته في أن يتمادى في القطيعة ...بل يفعل في الوصال ....أو يغدق عليها بالمشاعر الكاذبة ...بل يضعها أمام واقعٍ طالما آلمها ... وما عرفت له تفسير وهي طفلة ...يحيرها أنه لم يرى بها المرأة التي أراد ...و مع ذلك ما تركها إلا مجبرا ...كما ظنت ...
بالنسبة لمراهقة محملة بالغضب مثلها ..و فاقدة لمعنى الشعور الحميمية للبيت و العائلة....أغراها كثيرا أمر أن تناوره ببراعة في كل رقصة سادية ..يجبرها فيها أن تراقصه بألم ...
لم تهتز بها نخوة الأنفة و همجية العزة ..كلما كان يتفنن في ذلها .....و لم تقدر إلا على استخراج مشاعر الدهشة أمام أعطابه النفسية ..و مخيباته الرجولية ..
تذكر جيدا ولعها و شغفها المثيران للشفقة بدور الممرضة المنقذة له ....ربما ما كان حب بينهما ...بل مجرد وصال فكري و روحي ...يجمع بين العطف و الألفة ...و المنطق والجنون .....بالمختصر بين المتضادات من الأشياء ....
ما يعزيها أنها أرادت به الخير ...أن تقضي على تلك المساحة السوداء فيه ..بكثير من عطفها الأنثوي النقي ..لكن تشمي الرياح بما لا تشتهي النفوس....وكجزاء سنمار نالت...قد تغلبت أوجاعه على صفاءها ....

و لأنها أخافته كثيرا بعطائها أخذ يقسو عليها عن ألم .. ما تنفك تألفه لتجتاحه بتفهمٌ و تقبلٌ عن قرار...معركة المد و الجزر في العطاء و الأخذ ..لم تكن نهايتها إلا عليها ...إذن بالنهاية تكون هي المذنب ...

سخرية القدر اللعينة ..كانت في العتاب الذي يكون بدل الانتقام ..لو حدث أن جمعتهم الصدف مرة ثانية ....
. رهبتها العميقة هي اكتشافها أنها قد أحبت حقا من كانت له النزعة السادية في تطويعها على هواه ..و رغبةٌ الغير المسيطرة عليه في إيذائها و الدوس على كرامتها ... و أن حقيقة الارتضاء لنفسها الألم
.... مصدرها قدرة مروان على تعليمها إياها .....
هي لم تكن قط شخصا يستغل مشاعره ويتعامل معها بتلك الطريقة الماشوزية
...لكن تحت وطأة احتياجها الاهتمام أجبرت على تقبل غروره و تكبره ....و ما درت أنها حكمت على نفسها الإعدام الأنثوي الغبي ....

( إن أردتني لك... فعليك أن تسلمي روحك و كبريائك لي... و أن تتخلصي من نزعاتك القوية في الدفاع عن ذاتك ...محولاتك في الإحساس بحقيقة الحب تقتصر عليك بنسيان إنسانيتك معي أنا... عليك أن تدربي نفسك في تحمل مني القسوة و الظلم ...
الحب أن تخضعي لي لا أن تخضعيني..... الحب أن أمتلكك لا تمتلكيني و تجعلني في نهاية سيد حياتك.... أن نكون معا يعني أن تكوني نصفي التابع .... و تنسي وجودك كامرأة )
رغم اختلاله و طعون ظلمه عليها ..كان به من الولع ما يجذب الفراشة نحو الشمعة ...بغباء تفرد جناحيها الملونين ..لتكسبه انتصار نزعة عذريتها ...و عندما يكويها حبا ..تموت ذليلة تحت ضوءه الساطع ......

انتزعها رنين هاتف من شرودها الطويل ...واقفة أمام المدخل ..... لتحول نظرها للحظات تحدق في محطة مترو الصاخبة .... حيث التقت أول مرة بمروان .... حينما بدا لها رجل ليس كغيره ينتشلها من ضياع بكاءها الخافت .... إنها روعة البدايات و بشاعة النهايات في قصص الحب ...أو توهم الحب .... .....تذكر أنها بكت جانب المحطة وحيدة ... لإجبار والدها على إتمام دراستها في الوطن ..رافضا عودتها لفرنسا .....ولم تنسى لمروان سماحة مسحه لدموعها .... .....
ذكريات كهذه أصابتها بالغثيان في وجعه ... فأخرجت هاتفها من جيب حقيبتها السوداء..ترفعه نحو اتجاه نظرها ....لتضلل الشمس التي سطعت بقوة تحته ..و ما إن همت بالرد ... استوقفها الاسم الذي علا الشاشة جعلها تصفر عاليا من دهشتها . ...و همست بصوت داخلي (بريهان تتصل شخصيا بي يا لا حظي العاثر؟؟؟)
فتحت الخط على صوت ضعيف غطى نبرته تشويش عال و ضجيج الصاخب .....فأرهفت السمع جيدا إلى أن سمعت الكلمات الخافتة
-إن كنت تريدين لقائي أنا في بهو المطار ....
-فكرة سفرك تثير بي رغبة مقرفة في الضحك ..صدقيني مزاجي غير مناسب ...
- عذابها كله لن تكون نهايته إلا الموت ..فما فائدة العلاج .؟؟.....
-بريهان كفى جنون ....أين مكانك أنت ؟؟.....
- لكم أتمنى أن أقطع تذكرة عبور ....فلا أجد طريقي للعودة هنا ....
زفرت شهد عاليا بغضب مكتوم ..
- أنا قادمة لا تتحركي من مكانك عليك اللعنة ....
رمت الهاتف من يدها عبر الحقيبة تستدير عائدة من مدخل الجامعة......و تدمدم بين أنفاسها غاضبة ( حسنا يبدو أنه لا دراسة كذلك....بحق الله أي لعنة هو اليوم.... كل ما أود فعله يفسد و تنقصني تلك بريهان بمشاكلها....يكفيني كذبها و تمثيلها الرخيص علي .... ).....
و اتجهت نحو الرصيف الكبير تطلب تاكسي لتصل بسرعة لمطار الدولي.....
-من فضلك إلى المطار الدولي......
قالتها باقتضاب لسائق التاكسي ....منشغلة بتفتيش حقيبتها بحثا عن الأجرة ...حتى أخرجت المبلغ المتبقي من مصروفها ...تطلعت عليه بعيون ملئها الدمع الخفي .... ..فأسندت رأسها لزجاج السيارة و غابت في أعماق روحها..... تشعر بالنعاس الشديد..و لم تكن لها من طريقة لتخلص منه غير أن تفرد جميع أوراق اليوم قبل أن يحين موعدها الليلي ....بعض الأمور تقديمها أحسن بكثير من أن تأتي في موعدها بصفة دورية ..لربما صادفها ألمها يوما...جل ما تخشاه أن تقابل مروان من جديد ..فلا تنام ليلا من بعدها ....

صعقتها الفكرة في ألمها ....فراحت تفردها بعبث و ارتجاف داخلي ... تذكرت عمر الصاوي الذي طردها شر طردة الصباح من الشركة ... ابتزازها لأمال مع أنها لم تقصد أن تحصل على فرصها بتلك المصلحية...صديق كرائد معزته تفوق الوصف .... لكن خاله قد أجبرها على فرض وجودها بتلك الطريقة....قط لم تريد أن تشبه مروان و لا أن تتشبع بروحه و تصبغ على نفسها بعقليته ......لكن ما نرفضه دائما بازدراء هو ما نكون عليه غالب الأحيان..... لطالما عبرت عن رفضها لطرقه في العيش و مبادئه.... التي كانت تسميها بقوانين هتلر الطاغي لكن في نهاية نلبس القماش الذي نترفع عن نوعه .. ......و نتوهم حب الشخص الخطأ......قطع صوت السائق الغليظ بنبرته .....
-وصلنا آنسة
- تفضل سيدي
مدت له بأجرة التوصيلة.....متذكرة أنها قد اعتادت دخول المطار كلما ضاقت بها الدنيا..في مهمة تهديديه لحياتها بأنها ستترك ورائها كل ما يعنيها ..فلا عودة لنا لمن نحب ..عدما نقر على القسوة ........
ابتسمت بفخر نحو المدخل الواسع و بهي بطلته ....فقد وجدت أخيرا من يتبنى فكرة مجنونة في حد ذاتها ..طريقة ذكية في حد ذاتها من لا يملك تذكرة سفر ..أم من حُضِرَ اسمه و عمم على كل المطارات البلاد ..حتى لا يهرب ...فعلها هاشم الغالي و حجزها إلى الأبد ....
طريقة بريهان في التعبير عن رفضها لأقدارها بمجيئها اليوم إلى هنا ...تعد نجاح فتي لشهد قد تفتخر به بعدها ..... حتى لو عاد الأمر لاحدى أفكار مروان لها حينما قال لها ذات مرة ( نحن عندما لا نملك سوى أن ننصاع لأقدارنا نختار أكثر الطرق إثارة لشفقة لتعبير عن الرفض لها.... أنت مثل تركنين إلى زواية ما من غرفتك و تبكي.......... عليكي أن تجدي طرق أكثر فاعلية تمنحك شعور غريب في نوعه ... ).... و بالفعل وجدته ذات مرة في نفس مكان بريهان منزعج ينفخ بسيجارة .... لم تصدق إلى الآن ما حصل لها آنذاك....في انبهارها به و إعجابها بطريقته الفذة في تعبير عن حزنه......
جرت قدميها برهبة داخل بهو المطار الدولي الواسع... و أخذت تبحث بعينيها طويلا إلى أن استقرت على فتاة جالسة على أحد مقاعد ....وحيدة مرهقة و آثار البكاء واضحة عليها....
سجلت بأنها المرة الأولى التي تشهد على حالة مثل هذه.... ل بريهان هي دائما قوية و مرحة محبة لحياة...في الواقع محبة لدرجة الجشع .....و حزنها المرير هذا ما هو إلا انكسار لا يجبر ..... تقدمت نحوها تدريجيا و جلست بجانبها بقلق متصاعد .... و لدهشتها ساد صمت طويل بينهما....صمت بإيقاعه الكبير عليهما ...رغم الضجيج المرتفع من حولهما ... فعرفت أن صديقتها تحتاج لفترة هدوء وسط هذا الصخب من المسافرين ..... منهم من رائح و منهم من هم راجع .....
إنه لمن قدسية أن نحدد هوية طريقنا في حياتنا ...فأغلبهم يعيشون دهرا و يموتون كما أنهم لم يعيشوا قبلا .بلوغنا الغاية من وجودنا الإنسي روحية قليل من يعرفها ...كمن يبلغ درجات من الخشوع في إيمانه التقي ..و غيره لم يعرف لها لذة ......
فنصف السعادة أن تعرف لك طريق...رغم أنه لن يكون مفروش بالورد لكنه سيكون طريقك ....كثيرا ما غضبت لحجزها دوليا من طرف والدها ......و فكرت أنه لربما تصل لسلامها النفسي إن قررت يوما ما السفر.... هي على الأقل ستعرف أين تكون وجهتها ستختار لا إجبار منه...لأنه في الضفة الثانية من العالم ستكون بانتظارها المرأة التي تحب
التفت بريهان بملامح شاحبة و صوت مهزوز.... ليقطع صوتها صمت شهد و شرودها الطويل......
-أمي ستموت
أحنت الأخيرة رأسها تجمع يديها عند حجرها و تمتمت مقتضبة
-على الأقل هي تملك تذكرة للموت ...هوني عليكي ....إنه معبر من الدار الفانية إلى الآخرة ..... حصولها عليها ما هو إلا إرادة ربانية....لم تكن عبثا ....
قطبت بريهان حاجبها و تشنجت ملامحها بقوة من مدى برودة شهد و قسوتها في تقرير حالة أمها دون مراعاة شعورها و مدى إحساسها باليتم من جديد بعد وفاة والدها فصاحت مخنوقة .....
-لديها مرض سرطان ثدي هي لن تقتطع تلك التأشيرة إلا بعد معاناة كبيرة ستدفع ثمنها طويلا.....
. ضاقت عينا شهد في وجه بريهان المنقبض و أردفت ببرود و بساطة ...
-في نهاية ستموت
فالتفت نحوها مغتاظة من برودها و كلماتها المسمومة و هتفت بها تلوح يدها في وجهها....
-إن أتيت خصيصا لتدميري نفسيتي و تعزيز نزعتك السادية في إيذاء مشاعر الناس... فاغربي عني أنا لا أحتاجك و كما أنني قطعا لست مثيرة لشفقة كما ترينني.....
. تململت شهد في جلوسها و مطت شفتها بدون اهتمام بثورة غضب التي اجتاحت الجالسة جنبها و أطلقت صوتها بقوة.....
-انقلعي أنت من وجهي.... حقا أنت سخيفة لما عساني أسخر منك... قد تكون أمي في نفس مكان أمك لسمح الله ...بعيد الشر عنها..... أنا أسمعك ما تريدينه ببساطة ...لما تنفجرين في وجهي كمفرقعات .....
.فأبعدت وجهها الشاحب عن وجه شهد الساخر و شردت طويلا في المسافرين منهم من هو فرح بعودته للوطن و منهم فرح بمغادرته حقا تعدد طرق سعادتنا و تختلف .....
أدرات شهد عينيها بسأم من سكوت صديقتها ... و بدأت تلعب احدى لعب إلكترونية بهاتفها الذكي تاركة لها مساحة الحرية التي تحتاج أن تعبر فيها عن غضبها و حزنها بتحديقها الطويل في الفراغ ....فأحيانا نستمد قوتنا من جماد و أخرى من الحركة....و بعد فترة طويلة لم تتحملها أكثر قطعت شهد الصمت ....تخاطبها ...
-دعينا نعد لا فائدة ترجى من بقائك جامدة
على جلستها صامتة تتطلع على ما تقع عليها عينها بشرود و عدم اهتمام.....قد أثارت غضب شهد ..كيف لها أن تتصنع الألم لتلك الدرجة ....هل أصبح مغري لذلك الحد السخيف ..... فأخفت وجهها بين كفيها و زفرت طويلا بين أنفاسها الحارة ....
- بريهان أنا حقا لست أهلا لمداراتك طويلا لكن هل ستتحملين مصاريف العلاج الكيماوي لوالدتك....
..... أجابت برهان بصوت مكبوت
-لا أنا لا أملك لكن أمي تملك دفعة تكفيها لمدة ثلاث شهور......
حدقت شهد بها و مالت شفتيها بابتسامة حنون دافئة عبرت مدى متانة صداقتها
-يعني في النهاية ستضطرين لاستدانة مني إنه قدرك
ضحكت بريهان بقوة من تعليقها و التفت نحوها تضربها في معدتها بقوة تردف
-أيتها القاسية تختارين أوقاتك حرجة لتنتقمي مني يا سافلة ......
ضحكت شهد و هي تحاول إفلات من ضربات صديقتها.......
-حسنا لنعد نحن لا نملك سوى بعضنا يا عاهة .................................................. .................................................. .................................................. .........
مذكرات شهد الغالي
كما الحياة تمنحك أشياء ما تتوقعها أو ترغبها ....في الوقت الذي تتوقف فيه متطلباتك الإنسانية ..... تسلبك أخرى يسري اعتقادك أنها مسلمة من حياتك ..مسرى الدم في العروق على غفلة .. ..إذن تَفْرُقُ هي بالنسبة لنا في شعورنا ناحية العطاء و الأخذ ....فشقائنا فيما قد تعطيه و سعادتنا فيما تسحبه ....
لكن هناك نوع من البشر عادة ما يكونوا استثنائيين في قدرهم ...إما أن يُمْنَحوا حد البذخ بكل ما رغبة لهم فيه ..و إما أن تستنزفهم الحياة كل ما يملكون ...حتى يغادرونها محملين بديون فاقت ما سلبتهم إياه ...
في الواقع قد أجد نفسي أكثر تفردا عن غيري في حقيقة أنني أمثل النوعين فيهم....والدي هاشم منحة تفوق الوصف في أبوته اتجاهي....لم أتمكن من تحديد أبعادها بعد ....أو ربما لم أرد إستوعابها ..... هي علاقة بيننا سمتها أنها متذبذبة بين الرفض و القبول له ....
فمن الصعب على من عاش مثلي مشرد بين البيوت أن يتقبله كأب من أول يوم أعادني فيه إلى البيت .....أو بالأحرى رواده الحنين إلى نسخة ثانية من ورد ..... فأنا كبرت و ماتت تلك الأمنية البريئة بداخلي ....أمنية أن أناديه أبي كما رغبت ..دون أن يراودني شعور الغرابة في أبوته لي ... .. إنني أصبحت أشك أصلا في النوايا التي دفعتني و أنا طفلة إلى كتابتها في دفتر صغير ..ربما كانت الغيرة التي أحرقتني في صميمي ..كلما رأيت فيها زميلاتي في المدرسة برفقة آبائهن ...فأنظر من حولي لأجد الفراغ .....و أفرد أوراق هويتي فأجدها خالية من نسبه ... فقد جعلني معلقة على باب عائلة الغالي ....
هذه الهبة الأبوية المخيفة في حنانها التي حصلت عليها أخيرا و أنا مراهقة غاضبة ثائرة ....ضاعت مني أحلامي الطفولية ......قد سلبت مني كل هدف أن أعيش ...ربما أن قلت أن عطفه الحاني و الإستوعاب المتفهم الذي أبداه في مواجهة جنوني التمردي ...هو نصف الطريق الذي قطعته في علاقتي مع مروان ...
اليوم أدهشني أن تعود سفراته الخارجية من جديد ..حين لم أتوقع أن أجده بالمطار الدولي برفقة شخص لم أعرفه ...فصرفت بريهان بتهذيب فاق حده ..إلى درجة أن أثرت شكوكها ..وهي المرأة المولعة بالشك و الحذر ....لكنني راوغتها كما أجيد دائما ...فأنا بالنهاية أمتلك حكمة الذكاء و هي خبث الثعالب .....لأهب ناحيته بملامح متشنجة غضبا و قهرا ....كان يقف موليا لي ظهره ....و لم أفق على نفسي إلا صارخة بأعلى صوتي ..الذي اخترق الضجيج بنبرته ...
-هاشم الغالي ....
أحسست بالرجفة العنيفة تجتاح جسده المكسو ببدلته الرسمية ...كما لو أنه قد تأرجح عاليا من برج شاهق الارتفاع ....قد خفت حقا أن يسقط عن طوله فلا يجد غيري من ينتشله ..لم تعجبني الفكرة مطلقا .......فرحت أكبح شعور الشفقة عليه بالقوة و أنا أتنفس بعمق كبير ....
شجاعتي كلها اختزلتها في أن أتقدم الصفوف الكثيرة اصطف فيها المسافرين ...مع أنه معرفتي وليدة من زمن غابر حينما كنت لا أزال اخط أحلامي الصغيرة ....بأن الوصل بيننا يكون مستحيل الجغرافية المعقدة لعلاقتنا ....
الطرق المتقاطعة بيننا كثيرة أكبر من حد رغبته في احتوائي ....لربما العوائق كلها ما كانت إلا أنني أشابهه روحا ...أحيانا أرى بعيناه العسليتين دهاليز كياني المعتمة صمتا ...لترتعد أوصالي من الرهبة العميقة كلما رمى نحوي نظرته الحانية في هدوءها ....
أما عندما يبلغ ألمي مبلغ الوجع الإنساني برمته في قلبي ...... لا يكفيني إلا أن يكون جانبي متخفيا خلف الجدار المصمت ..ليحفظ كرامته الحسية عبر تلك المسافة اللامرئية التي أجبرته عليها ....إنه رجل يحترم رغبة المرأة في البعاد ...و أنا ابنته لم يجد حرجا أن يعاملني بشهامته خلقية ...
استدار نحوي بإباء ...بملامحه النبيلة في حسنها ...معبر في حزنها ...عزيزة في أنفتها .....لأجد أن كل خلايا جسدي تصرخ رغم عن إرادتي ...'هذا أبي '.... فلم ترضى دموعي إلا أن تشاركها التمرد العلني ......قد أدهشني أن أجد نفسي أبكيه و أنا أرتمي في حضنه ممسكة إياه بقوة ...تمنيت أنني ملكت سيطرة أن أبقيه جواري ..حتى لو شهد على خطأي من جديد ......
لكأنه أحس بما اعتمر بداخلي فأحاطني يطوقني بذارعيه الصلبتين في شدهما و رقيقتين في لمستهما ..لقد طوق الوجع بساعديه ....و من فرط غبائي في اللحظة انتشلت نفسي بقوة من قيده ...حيث ضربتني جليدية الهواء شتوية في برودتها ...تعلقت عيناي بعيناه طويلا ..إلى أن كسرت الصمت ..
-هاشم ..سأفعل الشيء الذي تمنعني عنه ..فقط دعني أجد العذر المناسب حتى اهرب منك ....حيث لا مكان لك أن تجدني ...
أجابني بثقة حميمة ..وهو يقبل وجنتي بالأبوة التي تليق به ...
-أنت ابنتي أين ما كنت ....حينما تجدين العذر المناسب غاليتي .تذكري أن والدك سيدعمك ...
و راح يغادرني أبي إلى حيث أعرف .......
..................................
......................................


بعيد عن صمت ضجيج الليل بتلك المنجاة التي كانت تخترق سمعه ....استند عمر بوركيه إلى سطح المكتب المعتم في تلك الظلمة المحيطة به .....فتنفس عاليا و مشاعر الوحدة تخنقه و تستفزه بالذاكرة المضادة ..ربما ما عليه أن يبقى وحيدا بعد اليوم ..حتى لا يضطر لمواجهة تلك الضلال المتوارية خلف الذكرى ...تحرك بنظره نحو سطحه فوقعت أنامله المرتجفة من فرط التعب... على أوراق تركها على مكتبه منذ فترة الصباح ... قطب و حملها ليقرأ اسم لا بد أن يخط بصماته عن قريب في شركة....شهد الغالي ......
فهمس بهدوء (يبدو أنك تصرين على اقتحام الشركة ....مهما وضعت بيننا المسافة التي يلزم ..أتمنى أن لا تكوني كغيرك من الغالي ..لم يعد بي ما يحتمل ..)...
تحركت عيناه على خط يدها المبعثر و كلماته المبهمة و جرت على رسوماتها على هوامش الورقة ........و حتى توقف عند كلمة كتبتها بعجلة ......لكني سأختارك.... أحس عمر أنها تقصده بكلماتها المبهمة و ابتسم ساخرا ...فبحث عن قلمه و خط بسرعة عليها بكلمات أنيقة بدت رائعة أمام خطها المشوه ....لكنه سرعان ما رمى القلم بألم عن يده اليمنى ..دون أن يفقده الأمر ابتسامته المريرة ...

ورد الخال likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-11-17, 08:56 AM   #6

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثالث


استندت شهد بظهرها على سرير الواسع ......ترمي ثقلها عليه كما لو كانت أكثر أضعف من أن تتحمله على قدميها ...فحينما يتضخم القلب بألمه يضعف الجسد في قدرته ...و هي ما وجدت المنطق الموجز على البوح بما يتشرب من قدرتها النفسية و الجسدية حتى الخوار ..و يستنزف عنفوانها الأبي في عيش الحياة التي رغبت .....حتى لم يعد يتبقى منه إلا الخذل ليدفع صمت الكلمات المدفونة ...حيث مكمنها أن تعريها من القوة و الثبات في وجه عاصفة الوجع ....
شعرت بجسدها الغض النحيف يشتعل حرارة ....حين الغفلة منها في وقوعها عارية الروح أمام ندبتها المخزية ..عن غباء قدري تسلط بها .... راحت تؤنب نفسها بشفقة .....ربما ما كان عليها أن تقف مقابل وشم العار عليها ....لأنها إن تفعل و تتجرأ .. لا تجد سوى أن تقف مكتوفة اليدين تراقب انصهار تلك الغصات المختنقة في جوفها تحت نار الغضب المكتوم ....لتشعل بها النيران من الكبت و الحزن كأنما الحمم تتدفق عبر أوردتها .....تكويها تلك الجمرات على قلبها ..
رفعت أناملها الرقيقة المرتعشة نحو نحرها ....لتتحسس عروقها النابضة كما لو أنها تخنق بحبال لا مرئية تلتف حولها بكسل مخيف ....
حركة خفيفة من جانبها الأيمن خلفتها بسكونها المفاجئ تعض على شفتيها قهرا من العيون المتلصصة برهبة ... فأنزلت أناملها نحو طرفي روب الحمام....تعقده في حزمة صلبة .... صلابتها نادت و بشراسة روحها المقاتلة على العودة .....الندبات تخفي الكثير من الخيبات ....لكن ما يخفيها أمام العين في حقيقتها ..هي تستشعر نظرات الريم المشفقة التي تواريها عبر تشاغلها السخيف في تمثيله... بشعرها الغجري الفاتن في نعومته ....
لكم تظن ابنة عمها جدوى تمثيلها العاجز في تصنعه ...إنها أرق مما تتلبسه قسوة و برودة في تعاملها .... و شفافة أكثر مما هي تحاول إن تكونه غامضة خلف قيود الكلمات المهذبة ....ربما لأنها رأت عجيب من الأسرار الغالي كما لم تتصور .......أسرار قد تكون صعقت قدرات دهشتها القروية ...بأكثر مما لم تتجهز من معرفة ......فلم تتخيل أن تجد ببيت ابنة مخطئة بشرفها...تتواقح بما لا يليق مع عبثية ذنوبها ... ..ملامحها الرقيقة في نعومتها و البريئة في قسماتها ...لن تخفي تلك السمة المتقززة أو الغاضبة ...و هي التي مذ قاربتهم في مشاكلهم و صراعاتهم ... لم تجد سوى ذاك الغضب البارد يترسب إليها خلف شعور النفور ...قد جعلها تتمنع الرأي السديد و الوجهة النظر السليمة ....اتجاه العائلة التي كلفت لها حلم الدارسة ...إنها تبدو عنصرية نوعا ما ؟؟....
دائما ما تكون العنصرية الحقة في طبعها بعيدة كل البعد عن خلاف البشرية في الأجناس و الألوان ..فعليا تكون سمتها في كونها جدران اللامرئية تستهدف الشخص في طبعه و خلفيته الاجتماعية ..و ربما هي عنصرية مضادة من شخص نفسه مواجها لذاته ... فهذا أصعب ما تعاني منه شهد .....
فأن تجد نفسك في صراع عنصري ضد ذاتك الإنسانية ...هو أقسى ما تلاقيه .....تلك العنصرية التي تتناهب فيها كينونتنا الجسدية حيث اليمين قبل اليسار في اختيارنا ...و العقل قبل العاطفة التي تقمع ..و الفكر قبل الصورة حتى لو كانت أبلغ ..يعني أنك تعاني ثالوث عنصري عضوي تأصل فيك حين كنت تحارب طواحين الهواء لزلاتك ..
تنفست بعمق كبير يسمح بأكبر قدر ممكن من الثبات ...الانتكاس حاليا قد لن يفيد إلا سوءا ... ومن الأفضل لها على أن تحافظ على سلامتها الفكرية..... فما ينتظرها من واجبات مهمة أصعبْ ..خصوصا أنه عليها الوقوف جنب صديقتها في المرحلة الحرجة من حياتها... لن تنسى قط أن بريهان كانت خير سند لها في أزماتها السابقة و انتكاساتها النفسية ... بدون أن تسألها الحقيقة و تطالبها بتوضيحات صارمة ..تستقبل نوبات جنونها بصدر رحب واسع .... إنها تشعر نحوها بالامتنان حتى لو غلب على حرصها الشك في تصرفها ...الذي يبدو مريب في ثباته ..كما لو أنها مهمة لا جدال فيها ..تؤديها بعيدا عن المعاملة الحانية في إحساسها .....
بالنسبة لها بريهان شخص يقدم لك الكثير من غير أن ينتظر منك مقابل .. شخص ينجز ما يراها واجبا عليه دون أن يفرض قيوده ...لكن بالمقابل يأخذ ما يريد كذلك ..بالطريق التي تتناسب مع رغبته .....هي شخص لا يجد الحرج في القيود .....كما هي معطاءة في معاملتها ..شجعه في طلباتها ...
رفعت رأسها نحو الباب الزجاجي لشرفة الغرفة و تطلعت بظلام الليل الممتد الواسع أمامها ... الظلام لا يعني أبداً الخوف ... بالعودةِ إلى زمن ما من ماضيها تجد أن الظلام شكل لها بطريقة صعبة مريرة جزء من الأمان... و منذ ذلك الوقت لم تعد ترعبها قصص الليل الموحشة و تخاريف الصغر حول الجنيات المخيفة ....
استمعت راهبة لبداية ترنيمة زخات المطر الخافتة ...هي بها من روحانية ما يبعث الهدوء بداخل روحها.... أجراس المطر تهدأ صخب كيانها و ضجيجه المزعج . .. كيف لا وهي تؤمن بأن الطبيعة تبكي حزينة ...كما تبكي كل زواية معتمة من قلبنا ...بكل فصول حياتنا ....
لكم تحب الطبيعة الباكية في أمطارها ....أول مطر أنه يدفعها بالحنين إلى النقاء ..وآخره كأول البكاء الذي تشتهي ...يخنقها بالصمت و الكآبة ... يعملها أنه لا جدوى من الاحتماء بمظلة الكلمات ..حيث لا أمل أن يفهمها شخص يجيد الحضن .....وحده الصمت رفيقها أمام حضرته ...يطوقها بالطمأنينة و السكينة ....و يعدها بأن يحفظ تلك الأسرار خلف المياه الأمطار التي تجف ...يغسلها من أحقاد قلبها و سوداويته ..فيعود من جديد محمل بالنقاء البراق في جماله ...
من لياليه الجميلة في حدادها الرهيب ....ليلة من ديسمبر البادرة....عادة ما تكون في سابع و عشرين ...حيث تعبق رائحة الأرض الندية ..بعطر ترابي غامق في مسكيته ...و تنتشر سيموفينة الطبيعة التي تراقصه ...عن حياء أنثوي فتهدءا المساحات الشاسعة من أرضها ....هدوء الروح عند بارئها .....تراقب بوجل و خجل رقصة العاشقين في محرابهما ...
كم أحبت في صغرها الأغنية من فيلم كرتوني جميل بعنوان " الأميرة أنستا زيا" و لازلت تجد نفسها تستمع به ...و هي تتذكر دائما أن نصبت من ديسمبر شهر الأميرات الراقيات ...مغترة بجمالها الغريب في لونه ....
و من المضحك حقا أنها كانت تصرخ باعتراض في وجه فيحاء كلما قابلتها ....حزينة عن فرصة ولادتها في ديسمبر التي ضاعت ....
ازدادت قوة المطر و برق الرعد يزأر في وجه الطبيعية ..فحملت منشفة صغيرة و لفت بها شعرها الطويل لترمي نفسها جالسة منهكة بعد أخذها لحمام سريع غسلت فيه تعب نهارها المضني ....
ما يخزيها أنه يومها مر هباء في تعبه ..... قد لم تتمكن من تخطي أية مشكلة من يوميات حياتها المعقدة في تسليطها حول حياتها المراقب الذاتي و الحاكم المستبد ... ....إنها شخص اعتاد أن يحارب المستحيل حتى يحتفي بانتصاراته طول ليله الطويل ...إن لم تفعل شيء مبهر في سمعته قد لن تنام بعدها لأيام ...
إنه شبح الذاكرة المضادة حيث لا الرهبة من الظلام أو الأشباح بل من الذكريات التي تغافلك عن ألمك ...لتنقض عليك بتفاصيلها الرهيبة ..و تلك الخيبات المستترة خلف ظلال النسيان ......
رفعت يدها نحو نظرها تعدد السقطات بالتوالي ....أولها الطرد المجحف الذي لاقته من ذلك المدير الغريب في هيأته... حيث كان يوليها ظهره العريض ...مكتفيا بتمريرها الرهبة في حضرة أكبر رجال أعمال البلد
إنه عُمَر خَطَاب الصّاويْ ... الرجل الفخم و الفخور بنفسه كما سمعت ... صهر عائلة الساري العريقة المعروفة بتجارة القمح ....
ثانيها استفزاز ليديا السافر لها بسيرة علاقتها المتوترة مع أمها...بقد تجنت عليها في أمر غاية التعقيد ...ثالثها عودتها مجددا إلى قبول عن مضض بالسيدة أمال المثيرة للحنق في إلحاحها ...لطالما جزمت بقدرته على إفقادها الصواب و جعل منها كمفرقعة نارية تتفجر في وجه من يقابلها ..
كما أن أحداث الظهيرة كانت صادمة فهي لم تتوقع قط أن تعود إلى نفس المطار... حيث كان مروان يعتصم بها كلما مر بإحدى نوبات جنونه السابقة .... ورغم صعوبة نبشها لذكريات مريرة لكن وجود صديقتها أضفى بعض الطمأنينة على نفسيتها فهي حتما لم تتوجه لمطار بتلك سرعة لأنها اشتاقت لذكرى مروان ...
لكن على الأقل تمكنت من امتصاص غضب بريهان و حزنها .........صديقتها العتيدة لم تكن تحتاج لمصيبة كهذه.... من الرغم من شكوكها السابقة اتجاه والدتها التي أخفت مرضها لمدة أربع أعوام بدون أن تتحدث عن الكشف السلبي الذي أجرته .... متجاهلة الحاسة سادسة التي تملكها بريهان .....
تعترف شهد بأن بريهان لديها غريزة غريبة تمكنها من قراءة المستقبل و تخيله بصورة مبهمة فهي لم تنفك عن إبداء قلقها اتجاه أمها و حالتها الصحية لا و بل قالت لها مرة (يراودني إحساس قوي أنني سأفقد قريب لي ....غريب أنني أحس بشعور اليتم مرة أخرى بعد وفاة أبي ).......
كلامها يومها في كافتيريا الجامعة قد ألجم شهد و أصابها بالخرس التام.... و هي من اعتادت على استخفاف بقدرتها ..فأحيانا كانت تنعتها بالساحرة و تمد لها يدها ساخرة ( اقرئي لي حظي يا منجمة القرن الواحد و العشرين )...........و بالعودة لحالة خالة رؤى أخبرتها بريهان بأن والدتها قد قضت على كل فرص نجاتها و قللت نسبة نجاح العملية إلى ما يقرب الصفر ..
انزعاج صديقتها من والدتها و اعتبارها إخفاء المرض عنها مجرد استخفاف بها و انعدام ثقة.... حتى أنها أرجعت الأمر لقلة إيمانها و عدم قدرتها على تقبل القدر بخيره و شره.... أزعج كثيرا شهد التي تجد كل القدرة على تفهم سلوك خالة رؤى السديد ...
فحتى و إن كان في باطنه خداع لابنتها الوحيدة.... غطت به ضعف الشخصية في مواجهة المصائب بدفنها و تقبلها صمتا دون السعي لعلاج فعال و سريع .... لكن شهد اعتبرته شجاعة نادرة و معدن نقي مثلها في التضحية ...... .مكنت بريهان من تخطي مختلف أزماتها خصوصا بعد وفاة والدها.... فكيف كانت ستتمكن من تجاوز المحنة و أمها تشهر في وجها سوء صحتها ..لو فعلت حقا ذلك لما تمكنت من نجاح في حياتها الاجتماعية و العلمية .....
أحيانا تصرفاتنا الخاطئة في حق أشخاص ..و رفضنا لإظهار حقيقتنا أمامهم ... تكون مجنبة لكثير من الألم ... كعلاقة شهد بمروان لو أنها أخبرت والديها عن تاريخها المخزي معه....و أبعدت عنها تلك الضبابية في تورطها معه ... لاكتشفا في نهاية أنه ربما استحقت بجدارة ما تعرضت له على يده .....
فمحاولته لانتهاك عذريتها و اغتصابها....مرات كما تعرف عن غيرها .. واقع جسده خنوعها له و بخصها لثمنها الغالي.... في سبيل حصولها عليه....
بالنسبة لها آنذاك تجاوز الأمر مشاعرها بكثير ..بقدر ما أحبته بقدر ما اعتبرته تحدي يستفز غرورها الأنثوي و كيانها المستقل ..قط لم ترغب أن تتورط بتلك الطريقة في لعبته السخيفة ...لكن بمجرد أن رمت بيدق اللعبة بينها ..كأنما انفتحت أبواب الجحيم على مصراعيها ...و حينها فقط لم تعد تجد وقت لتفكر بمنطقية العلاقة المختلة في أساسها ... أمام وحشية أبداها مروان ما خبرته و لم تعرف لها مثيل .. ....الوجع إن كان غريبا ..يكون ممتع أكثر مما هو كونه مؤلم ...
لكن أحيانا نرتكب أخطاء لمجرد أننا نرغب في ذلك و هي كانت مدركة تماما لنوايا مروان ....و لنهاية تلك علاقة مريضة التي جمعتها بشخص حقق الكثير في حياته..... و قد فرض منطقه الغريب على الكثير من بنات أمثالها ...
ترى الآن بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات ...أنه من مضحك حقا معرفتها بمختلف علاقاته النسائية ...دون أن يشكل هذا عائق في انجرافها اللامتحفظ نحوه .... في نهاية اكتشفت أنه كان انتقائيا في ما يتعلق بصحبته النسائية ....و هي ما شكلت أبدا الخامة الأنثوية المناسبة ....
فقط هوسها به و دهشتها بكل جوانب حياته و شخصيته الغريبة بتناقضاتها ....قد جعلتها ترتكب الكثير من أخطاء في حق نفسها ...فسمحت بأكثر مما تسمح الحدود الرغبة أن يتخطى .....
أمام عنجهيته الفريدة في مراراتها ....راحت عن غباء تتعرى من كل حصونها القوية في ردعه .. فلم تملك أبدا حق الرفض اتجاه ما عاملها من دناءة ....
بعد ذلك سخطت إنسانيتها رفضا لمزيد من ألم .. فاختارت أن لا تعترف بماهية رجل آخر في حياتها.....قد نبذتهم جميعا كما يلفظ الجسد أنفاسه الأخيرة ...فهي ضعيفة أمام فكرة أن تجد مروان آخر يتخطى عتبة انعزالها ...و يقتحم حياتها البسيطة .......
ربما هي منافقة بعض الشيء في تظاهرها البارد ناحية الرجال .... فبقدر شوقها لإحساسها بقوامة رجل عليها وسلطته دون أن يخدش روحها و يألم كرامتها ...... بقدر ما تخاف من عدم استحقاقها لرجل أحلامها الذي رسمته في طفولتها ....
تذكرت يوم صرخت في وجه مروان بحدة بعد أن سخر منها فور عندما حدثته عن رجل أحلامها و الذي كان مغاير له تماما (أنا شهد الغالي ....تعرف ما معنى الغالي أنا لست سلعة ترميها لأنها لم تعجبك أو أنك مللتها ..ازدرائك لي و سخريتك مني لا تعكس سوى أنك لا تستحقني ...أنت لست بند لي و لا تمثل روحي .. إياك أن تفكر بملكيتك الحصرية لي لربما استحققت رجل أفضل منك ).....
فقبض على ذقنها بقوة و أرغمها على النظر إليه ..ماذا كانت ملامحه.... بشعة لغاية و كأن شيطان تلبسه فأحال ملامحه المليحة الى ما يشبه التوحش البري .. تقاسيم وجهه كانت بها سخرية مريرة و حقد دفين غلفته قسوة لم تكن تظهر عليه إلا نادرا ...بداخله وحش كانت شهد تخافه و تخاف أن توقظه ..هي فعلت حقا ذلك منذ أول مرة رآها عند محطة مترو ( أنت أصبحت منذ اليوم سلعة مستهلكة لن يضطر أي رجلُ أن يضع يده عليك حتى لو فعل لن تكوني أكثر من مجرد متعة فانية تزولُ نشوتها سريعا في اللحظة التي يرميك فيها دون أن يشعُر بذرة ندم ...لا تقاتليني بعد اليوم و لا تتبجحي بالفضيلة أمامي ففاقد الشيء لا يعطيه )
تقريره بموقعها بعد تجربتها الفاشلة معه...ضربة ما توقعت أن تقعدها للأبد ....جريحة الأنوثة أصبحت .....
بعدها تحولت لمجرد روح تائهة تحمل بين ثناياها جراح نازفة مضجرة بدماء طازجة لن تسمح لها أبدا بأن تشفى...... وجودها دليل دامغ على وجود هي شخصيا .. طالما هي تنزف و تؤلمها ..فهي حقا تتأكد بأنها تعيش ...باختصار الألم هو الزمن الذي يحكم عالمها ....
(أنت لا زمن لك غير الألم ..لن تتجرئي على وضعي في خانة الماضي لأنك لن تجدي مفردات لأي زمن قد تريدين وضعي به غير الألم و بالتالي تسبقيني معلقا دون أن ترميني وراء ظهرك ...سأكون الطرف الموازي لعالمك أو بالأحرى العملة الحقيقية لوجودك )...............
و شهد لن تتوقف كذلك عن لعق جراحها كأسد جريح بعيد عن مرأى الآخرين..... بدون أن تهدد قدسية حزنها و وحدتها الخانقة قد لا تريد فعلا أن تخرج من سجنها ..... لأنه قد زرع فيها خوف مواجهة نفسها ( في اليوم الذي أتركك فيه أعدك أنك بعدها لن تتمكني من رؤية وجهك في مرآة دون أن تشعري بالغثيان ..حتى لو استعدت مقدرتك و شجاعتك في مواجهة نفسك سترين فقط حينها روحك السوداء و دنيوية رغباتك الدفينة ..شعورك حتى لو تفوق علي لن يمنحك سوى كسر مرآتك حتى لا تضطري بعدها من تمييز نفسك ...ستكونين قضيتي الخاسرة )....
الكلمات التي بقيت ترن في أذنيها و محفوظة في أعماق قلبها رغم قسوتها .... لكنها لامست واقع تفرضه عقلية رجال حتى و إن لم يكن أغلبهم.... لكن لا كرامة لرجل في أنثى مستهلكة كما سماها مروان .....و بإخفائها جزء كبير من قصتها قد ضمنت على الأقل أن تعيش دون أن تفكر في قتل نفسها قهرا من وصمة العار التي ألحق ....
في نهاية حربها كسبت طهارة جسدها ...رغم سخافة مكاسبها لكن المادة هي آخر طوق نجاة حصلت عليه من مروان ( لا تظنني لم أكن قادر على إخضاعك... سهولة اغتصابك تكمن بسهولة تحريكي لأفكاري ....سأدع لك هذا الجسد الفارغ لتتمتعي به قليلا لن أحرمك من هذه الفرصة ..أعرف أنك يوما ما ستدفعين عمرك لتجربي إحساسك كأنثى أمام رجل ما ...قد تركت لك جسدك لتفهمي أنني في النهاية أجعل منك عاهرة روحيا ..و العهر الروحي أشد ألما من العهر الجسدي ..صدقيني بعدها لن تفكري أبدا بلغة جسد مرة أخرى ...جربي و تكتشفي فظاعة ما خلفته فيك من حطام ) .................................................. .........................
.................................................. .................................................. .................................................. ......
مذكراتي ....لشهد الغالي ....
لا أظن أن هناك من يملك شجاعة الارتجال في القرار و الصمود القوي في تحقيقه مثل والدة بريهان ....ما فعلته الخالة رؤى بإخفائها الكثير من الأسرار لم يكن فقط وليد العجز المقيد بالفقر و قلة حيلة في إيثارها بين النجاح لابنتها و الشفاء المفخخ من مرضها...
بل كان صفاء نفس و قدرات تبصيرية نفوذه في نظرتها .. اخترقت معالم روحي حينما سمعت القصة من بريهان الغاضبة ....ما كان يعني غضبها البارد... أو حتى ما مر الأمر على سمعي الخارجي فقط ..بل اجتاح بصيرتي فأحدث بها جلبة من التحقيق.......فهي لم تبد مقموعة بالدهشة و الغضب .... لحظتها همس لي صوت داخلي أنه تصرف كان تمام الصواب في قراره ....
فالكشف الذي أجرته رؤى في إحدى المستشفيات الحكومية قبيل شهران كما أدرك عن فطرة ....حقيقة أوقفت شعورهما المتضاد بين المعرفة و الضبابية لانتظاره... ....واحدة قلقة و مترقبة من ردة فعل ابنتها التي أصرت على استلام نتيجته ...و ثانية واعية حد الألم دون أن يفقدها الأمر توازنها ..
عني أنا بدت لي اليوم في المطار أكثر تماسك من قبل ..و لم تكن الصدمة ما دفعها نحوي باكية ...؟؟...
قد أعلمتا بالنتيجة قبلا بكثير ....و ليس ظهر اليوم كما قالت .......على أمل أن ينفي حقيقة مرض أمها لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..فهي ما شفيت من مرض كانت صدمة جوابه أكثر من حتمية تكراره .... و أنا ما صدقت فخاخ كلماتها ......
....بقيت على صمتي واقفة بتصلب أضم الروب إلى جسدي كما أنه يسحب مني ....و راح يعاندني السؤال الملح الذي تفجر في أعماقي فور زرت خالة رؤى بعد أن ودعت والدي.....ترى حقا لو أن أمي كانت في مقامها ما ستكون رد فعلي ؟؟؟؟.....أمام قسوة السؤال في ازدواجية إجابته انتفضت من شرودي .... و رحت أتجول بعينين فارغة في رحاب الغرفة الواسعة و الرجفة تعبرني من رأسي حتى أخمص قدماي صغيرتان ......
لم أستسغ فكرة أن أتخيل نفسي أجيب عنه ...فلا إجابة قطعية سلمية أقول قد أجد ......مجرد افتراض يجعلني على حافة البكاء.....قهرا و ليس حزنا .. إن علاقتي بأمي سيئة الأحوال..و هي امرأة تنازلك بشرف حتى الرمق الأخير ...أحبها قوية صلبة و سأفقد ميزة منافستها مريضة إن كانت ....فخورة مثلها قد يقتلها القنوط من الضعف ......
إننا نبرع دائما في إيجاد سبل التعايش التي تضمن أن لا يدوس طرف آخر في كرامته ....فهي تحفظ كبريائها الأمومي في سلطته و أنا غموضي المحمي في التباسه و صمته ... ففوق معاناة الجذب و الشد ..لا أريد أن يدخل معركتنا فيصل حتمي كمرض السرطان ....
على عكسي تماما بريهان قريبة جدا من أمها و أنا شهدت على القرب الروحي و النفسي الذي تعيشانه ..بحق الله هي فور أن تحس نفسها معجبة بشخص ما تهرع لأمها لا و بل تقومان بتتبعه على مختلف صفحاته على مواقع التواصل و السخيف أنهما تتابعان بشغف أخباره و صوره و أحواله و تبحثان عن سيره بفضول ....كان ذاك قبل سنتين من الآن يحدث ....
مضحك حقا.... لكن يمكنني قول أن مأساة حياتهم في بحثهم المضني عن شقة تؤويهم فقرهم المدقع .... و انتفاء عائل مالي لهم قد قلصت قيود التي تفرضها عاطفة الأمومة من طرف الأم على ابنتها ..التقارب قد منع عنها تدمر دواخلهما الفكرية...في عدالة القدر و التصريف ......
من مروان عرفت أنه لا أقوى من شيئان قد يدمران نفسية الإنسان بالتدريج ....الفقر تحت درجات الصفر..و لا يعني هنا أن يكون ماليا ...فهناك فقر لاسم و الشرف و الجاه ..فقر الحب و الكره ..فقر الوصال و الهجر ...... و الثراء الفاحش دون إحساس بقيمة المال .....حينما لا يمنحك المال أكثر من أشياء مادية في فحواها ...مجوفة في عمقها .....
عائلة بريهان دائما ظروفهم كانت تدفعهم دفعا لتقرب من بعض بهذه الدرجة.... في نهاية مطاف هما لا يملكان سوى نفسيهما في هذا العالم .....إن أهملت طرف من نظري .......
(-شهد ألن تلبسي ملابسك.... البرد عليك عزيزتي دفئي نفسك )
لم يصدمني صوتها الرقيق في نعومته و الخافت في حذره المترقب ....إنها تفترسني كما الصقر في نظرته ....خلف قناع البراءة الذي يغلف مراقبتها الواعية ..عكس الدهشة القروية التي تبدي .......كمن يشهد على صمت ...تسجل ما يفوق أن تعرفه .....
ما جعلني أكثر حذر من أن أغافل بصعقة تعيدني للواقع أمامها ..إنها تحاول أن تجد لنفسها طريقا على حسابي ...فترسم خطا رقيقا متلفا للأعصاب تمشي عليه وفق ما رأته فيني و يجب أن تتجنبه ...لكنها عن جهل لا تدري ....أن الحياة إن قررت دفعها نحو المطبات عنيفة ..و تجاربها قاسية .....لن تكون لها رفاهية المقارنة .....غباء أن تجعلني مقياس خطر .....
فالتفت نحوها ببطىء رتيب ....أتفحصها بنهم شجع .....تشعرني تفاصيلها الهادئة في سكونها و النقية من مما يشوه روحي و جسدي ...بالغيرة المحرقة .... ريم فتاة طيبة جدا من النوع الذي تجده دائما يتحاشى وجوده بين الناس.....وجودها في منطقة الظل مختفية عن أنظار ...أراه تصرف غبي أكثر مما ذكي و سلمي .... كما أنها تتقبل ثورات أمي و نوباتها التحكمية بصدر رحب ..لكن ما يخيفني أي مشاعر تضمرها ..دون أن تجد طريقها للسطح ..........
...............
زفرت شهد طويلا و استلقت على سرير ترفع رجلاها عاليا على جدار الذي يستند عليه السرير و تدعكه شعرها المبلل بمنشفة زرقاء .... ... .... ....
-لا سأرتاح قليلا قضيت يوم مجهد كالعادة في الخارج.... لا أسمع صوت أمي ربما ذهبت لزيارة جدي
تحركت ريم لتجلس بجوار شهد و هي تربت على يديها ...و تطلعت بوجهها طويلا و كأنها تتفرس ملامحها الجميلة.... عينان واسعتان نجلاوين للغاية... بلونهما العسلي البارد في جموده ...... أنف صغير محدد به من الشموخ و البأس و عزة النفس .. شفاه صغيرة ممتلئة بلون أحمر داكن تناقض قمحية بشرتها الناعمة .. في الحقيقة ملامحها الدقيقة بخلاف عيناها الواسعة تمنحك شعور غير مريح ... فمن ينظر إليها للمرة الأولى يجد نفسه حذر منها ... و تحرك أجراس الخطر بداخل عقل أي كان من قابلها ...
تعترف ريم أنها في المرة الأولى حينما قابلت شهد قبل خمس سنوات أحست بالغيرة الشديدة منها في كونها فتاة مدللة و مائعة لدرجة فظيعة.... إنجاب الخالة فيحاء لتوأمين شهد و ورد في عمر صغير اضطرها لوضع شهد تحت رعايةِ جدتها منذ أن كانت رضيعة ....
....مما منحها رفاهية التحرر من القيود الأمومية ....
لم تعترف بأمومة فيحاء اتجاهها و كان من صعب ان تتخلى عن لقب "خالة فيحاء " مستفزة والدتها بفرض سيطرتها عليها ....و بعد محاولات عديدة من جميع أطراف العائلة في الجمع بين الخالة فيحاء و شهد أثمرت في النهاية.... و اضطرت نارية الطباع لتخلي عن تلك الرسمية اتجاه أمها... لكن ما إن خلعتها حتى استبدلتها بالعناد و العقوق اتجاهها....
. شهد إن أجبرت نفسها على ظهور بمنظر مؤدب أمام من لا يروقها في تفكيرها..... ما إن تخلعه حتى تعامله بصفاقة تامة و يبدو أنها لم تحمل أي مشاعر إتجاه فيحاء .... تمتمت ريم وهي تحدق بشهد
-نعم هي ذهبت أظنها ستبيت الليلة عند الجدة جدتك مريضة شهد ....أنت لم تزوريها منذ أشهر عديدة ألن تنتهي حملة الجفاء التي سلطتها على العائلة
......أبعدت شهد يد ريم عن بطنها بنزق و اعتدلت تنام مكورة على جانبها الأيمن ..ترد عليها بفتور ...
-أطفئي الأنوار أريد النوم ... أنا اليوم في حالة تسمح لي بقتل أي كائن حي يتنفس .....

أغلقت عيناها بقوة أمام نظرات ريم الدهشة متسمرة الجسد في مكانها ......لكنها كانت أكثر تشاغل من أن تتفهم و تقدر جفولها المريب .... قد حاولت أن تحجب الذكرى قاسية أبت إلا الظهور أمامها...خوفها من أن يفترسها الليل بشجونه قد حدث .....فلا أمان في زيف نسيان المستتر خلف قيود الذاكرة .......
شتمت بخوف حينما ...شعرت بالرجفة تخترق أوصالها....كما لو أنها صعقت بالذاكرة المضادة ...
كلما عبرتها تلك عينان بلون أزرق فيروي جليديتان في نظرتهما الباردة ....التي تبعث على مشاعر الرعب...كأنما تترسب نبضات عبر جسدها ...
نحن لا نخاف من الأذى الجسدي بقدر ما نخاف من الأذى الروحي ..... و عيناه الناطقتين عكس صمته .....تدمران الروح من غير أن يعتب .... تلك العيون الزرقاء البادرة حطمت أي شعلة لهب أضاءت عتمة كيانها ....و هي تعرف أنها لم تمنحها هبة الغفران ......
(أنت لن تطئي عتبة هذا المنزل بعد اليوم و لن تتجرئي على زيارة فرد فيه....من اللحظة و إلى آخر يوم لك في حياتك نحن لم نعد لك أهل....... أنت بعد و قبل كل شي شهد الغالي و أنا مللت من الاعتراف بك في قاموسي و ضمك إليه و أنت لا تنفكي تخرجين عن طوره ...اذهبي و إياك العودة .. لا أريد أن تتقاطع بنا الطرق مجددا.....)

................................................

جلست ريم على طرف سريرها تضم يداها بقوة إلى حجرها.....قد كانت مرتعشة الجسد و مخطوفة النفس ... هل سبق لرجل خطف أنفاسها معه ..بحضوره الطاغي و المربك ...و جنونه العنيف في صمته ....... ..

هي لم تشعر بهذا التهديد الروحي و النفسي طوال سنواتها العشرين ..بنظرته المحرقة تلك ....جعلها تشعر بالحرارة تشع من كل خلية بها......و حينما غادرها بصمت انقبض جسدها و كأن روحها تخرج من حلقها ..
بردْ .. برد شديد يجتاحها كورقة صغيرة في مهب ريح عاصفة ..... دقات قلبها ما زالت قوية سريعة علا ضجيجها مسامعها ... فلم تعد قادر على التركيز أكثر .... تريد أن تحكي أن تشرح .... تفضفض عن روحها لكن شهد أغلقت عليها جميع المنافذ بغضبها البارد ...
رفعت رجليها لصدرها و شردت بعيدا عن هذه الغرفة الى صباح اليوم ....
حيث كانت وحيدة في البيت بعد انصراف الكل إلى أعمالهم و مدارسهم.... و غياب خالة فيحاء اضطرها لتطوع و البقاء حتى لا يخلو مرة واحدة ...ربما ما تفعل هذا إلا امتنانا على سماحهم لها بإتمام دراستها الجامعية ...
من وقت باكر تشاغلت بأعمال المنزلية حتى لا يصيبها السأم و الملل سريعا..... نظفت الأرضيات و الأسطح و مسحت الغبار .. غسلت الملابس المتسخة و الأواني المستعملة..... رتبت الغرف التي كانت غارقة في فوضى عارمة....
ريم في بداية إقامتها في منزل عمها هاشم استغربت كثيرا بل و دهشت لنمطية عيش أبناء عمها ... رفاهية أغراضهم الشخصية و محتويات خزائنهم و مكتباتهم أشعرتها بالدونية عنهم و كأنها لا ترتقي أن تعيش معهم ... هي لم تكن تحلم بامتلاك شيء مما يتوفر لهم .. لطالما اعتمدت على الملابس الأساسية التي تقي من البرد و الحر .... و تغذت على ما يقيها الجوع و يكسبها صحة منيعة ضد الأمراض ..
هي لم تحلم أبدا بارتداء فستان سهرة و كعب عالي ماسي و خواتم براقة .... أو تضع العطور الراقية و كريمات بشرة أبدا لم تتعود على عالم براق كهذا...
كما أن لم تتخيل أن تملك يوما ما حقيبة تحوي بعض أدوات الزينة..لا و بل تجد الجرأة على طلي بها وجهها..... في مرات نادرة تتملكها شجاعة و تحثها غريزتها الأنثوية على فعل ذلك ....( عندما تجدين نفسك مكتئبة لا حل أفضل من زينة أمسكي فرشاة الماكياج و أطلقي العنان لأنوثتك ستجدين نفسك تتحرين من الضغوط كليا .... صورتك في مرآة إما ستعجبك حتى تغتري بنفسك ...أو ستضحكك حتى تندمي على اللحظة التي زينت فيها وجهك ... إنها إحدى أسلم الطرق لتعبير عن غضبك و حزنك دون أن تسببي أذى لنفسك ) ....
كانت إحدى نصائح شهد في البداية تشعرها بالنفور و الرفض ...و ظلت تصنفها من إحدى أسخف الأفكار التي قد تصدر عن فتاة مدللة مميعة ..لكن ما إن فعلتها مرة حتى أدركت أنه لا بأس في أن نعيش بعض الرفاهية..... فالقليل منها لا يضر على العكس يدفعك نحو الأمام ......
تطلعت إلى فستانها البيتي الرياضي وردي اللون لقد وقعت في غرامه منذ أول مرة رأت شهد تلبسه و طلبته منها ....ميزته أنه به قبعة ملتصقة تحميها من برد الشتاء .....
في الحقيقة ابنة عمها كانت في بداية إقامتها كريمة الروح ولم تبخل عليها بشيء ...متجاوزة التي صدمة التي ظهرت على محياها حينما فتحت خزانتها لتريها إياه ....لربما غلب التقزز على الدهشة ..لكن شهد راحت تفرد الفساتين و التنانير بعملية احترافية ...متشاغلة عن نظراتها المدققة بالألوان الحارة و القصات المثيرة ..... قد صدمتها بجرأة ملابسها البيتية من أقمصة شفافة و بنطلونات قصيرة لا تتجاوز طولها ربع فخذيها..
سماحة العم هاشم و فكره محرر لطالما أثارت غيرتها فوالدها لم يكن قط من ذلك النوع .. إنه قروي رجعي .. رباها على الطرق الأصعب قط لم يملك ربع حنان عمها مع بنتيه التوأم .. سيد هاشم الأخ النصف شقيق لوالدها .................................................. ..
.................................................. .............
التفت ريم نحو بهو الشقة الواسع تتأمله بفخر و اعتزاز ...فقد تجاوزت عقدتها اتجاه ثرائهم ذو البريق الخاطف ....خوفا من أن تفسده بجهلها و ثقافتها المحدودة في التزيين ... فقد وضعت ديكور جديد لصالون البيت و نثرت عطرا بيتيا خفيفا.....
كما طهت أكلات لذيذة و ساخنة ..فأيام ديسمبر باردة جدا في المدنية التي يعيش فيها عمها هاشم ...... لم تحتج لكثير من الوقت كما العادة في أن تجهز طاولة الأكل للأولاد..... قد اقترب موعد عودتهم من المدارس ..إنها ربة بيت ممتازة كما تصفها ورد دائما ...وهذا طبيعي من ناحيتها فهي فتاة ريفية تربت بين أحضان الطبيعة و المزارع و كبرت على نظام قروي صارم ..
وقفت في شرفة المطبخ تستمتع بضجيج المارة و صراخ أطفال مدراس بزيهم المدرسي و هم يعبرون بوابات مدارسهم نحو جانب الرصيف تباعا منظمين حسب الأعمار.... في مجموعات كثيرة بصخب و مرح كبير.... أجبر ريم على ابتسام من طفولتهم و براءة أحلامهم
كانت تراقبهم و هم يعبرون الطريق بخوف لا ينفك يروح و يأتي محله الفخر بمجرد وصولهم لجانب الآخر من الرصيف سالمين... البنات منهم جميلات أنيقات ببراءة تخطف الأنفاس و الصبيان تملئهم الثقة ....
ضمت جسدها بيديها معا .كما لو أنها تحميه من البرد..... بينما غطت القبعة الكبيرة نظرها تماما ... ....تغريها الصور المموهة الغامضة ..فتحب أن تبدو كذلك بهذا الفستان لذي يغطي كثيرا من جسدها المكتظ أنوثة ...الفوارق الجسمية و النفسية و الفكرية بينها و بين الغالي ... تدفعها جاهدة أن تكون وسطية في كل شيء .....و عملية جدا في تقبل ما يخالف طبيعتها الفكرية عنهم ...إيجاد المنطقة المعتدلة بينهم يحمي وجودها في بيت لم تعرف له تفسير ..
الكل مرحب بها على عكس ما تتوقع ... لكنهم لا يجدون حرج إقحامها دوامة مشاكلهم و جنونهم ...حياتهم من رغم رفاهيتها إلا أنهم لا يملكون من لذة السعادة شيئا ...قد تبكي الخالة فيحاء قليلا في الخفاء فتنهض بعدها بدقائق مسرعة نحو واجباتها الأمومية ...ورد تتجنب الجدال و الشجار ...مكتفية بمساحة الظل لشخصيتها التي تجبر الغير على تقبلها ....
شهد الغائب الحاضر عن البيت لا تدخل له إلا و صراخ المشاكل في انتظارها قبلا ...عمها هاشم رجل يخفي أكثر مما يبدي ....و أخيرا ذلك المغترب وائل ....

رفعت بأناملها طرف فنجان القهوة الساخنة ....نحو شفتيها في نية شربه ....لكن على حين غرة توقف في منتصف الطريق ...حينما اخترق سمعها صوت فخم في نبرته ...بكلمات عربية ثقيلة كسولة مفخخة بذبذبات الرجولة الطاغية ....
-أمسكت بك أيتها الخائنة شهد ...يا واشية هاشم ....
تسمرت مذهولة غير قادرة على الإلفتات نحوه ...لكنته العربية بدت عنيفة الحروف ...عصية النبرة ...أنيقة برجولته المستفزة عبثا ... ....كما لو أنه لا يقدر على نطقها إلا بذلك الكسل و الخمول ......فنسيت الكأس الساخن من دهشتها . ....
و ما إن تحركت عن سياج الشرفة قليلا....حتى تحصل على المسافة التي تلزم ......باغتتها الأحاسيس في استيطانها علني لروحها تباعا ....أحست بذراعان قويتان لغاية تجذبانها عاليا نحو ارتفاع مخيف ......ثم الجسد الرجولي القوي وراء ظهرها يستفز هشاشة جسدها و طراوته.....
.... إلى أن لفتها غمامة لا مرئية قد أجبرتها على الاستكانة... فالعطر المسكي النافذ من ساعديه قد بعثر حزمها في الاستدارة إليه و صقل وجهه بصفعة قوية ....

على حين غرة ...باغتتها رغبة شيطانية في المقتل ..حينما قررت أن تفعل به المثل....دون اعتبار لقواعد التعارف الأولى ..ما دام قد اختار عن سابق طريقة لا تليق .. ...فلم تفكر كثيرا قبل أن تسكب القهوة الساخنة على يديه معا .... ...
قد أرضتها كثيرا الصرخة الحانقة التي اخترقت أذنيها ..بهمس لفظ روسي ..استنتجت أنها شتيمة محترمة .....لكنها وجدته ينازلها عن شرف حينما أرخى قبضته عن جسدها في غفلة عنها ......لتجد نفسها تطير من ارتفاع شاهق نحو الأرضية الصلبة .....و وقع الكأس المسكين في معركتهما متكسرا إلى قطع كثيرة ..

وائل الغالي .... ..لمع إدراك خفي في أعماق ريم ....و ومضت ذاكرتها الرجولية في إنخطاف عبثي ...... في أول مرة زرات منزلهم قبل خمس سنوات مضت....قد التقت الشاب اليافع.... قوي الشكيمة مخملي الوسامة بملاحمه الرجولية عذبة..... إنه النسخة الكربونية من أختيه شهد و ورد ... يملك نفس عينان النجلاء الشهلاء الواسعة بلون عسلي بارد مزينة بحروف سوداء قاتمة و الأنف صغير شامخ ... الشفاه الصغيرة ممتلئة قليلا حمراء كالبطيخ البارد الطازج في أيام الصيف الحار ...نفس اللمحة الناعمة لتقاطيع الوجه ...جمال يقرع طبول الحذر بداخل من يصادفه..... قد يضطره لتأمله طويلا دون أن يجد نفسه يفهم روحانيته و تعبيراته ... هم لا يتمتعون أبدا بالبساطة التي تشربتها شخصية ريم بها طوال حياتها ...ما يحصلون عليه من اهتمام بين أوساطهم ..يفوق ما يدركه أي شخص عادي مثلها ..
لربما انتمائهم لأشهر عائلات المنطقة المعروفة عبر التاريخ بثرائها و نبلها و عراقتها و أصالتها ...فالغالي رمز كبير لا يندثر بسهولة بين عائلات هذه المدنية ...هم صفوة المجتمع النبيل الراقي ..
في السابق عهد الاشتراكي لاقتصاد البلاد في ستينات كانوا قد سيطروا على جميع الباخرات التجارية للميناء الدولي .. ..
لكن ريم لم تلاحظ أية ثراء فاحش ببيتهم الكبير نسيبا الذي يقع في منطقة عادية كما أنهم لا يأتون بأية صلة عن أقارب سيد هاشم لا ورد و لا شهد حكت لها عن عائلة الغالي .
لكنها لم تنتظر أبدا أن يتحدثوا أبدا تكفيها ملاحظتها لنمطية عيشهم و طبيعة تفكيرهم و شخصياتهم التي تخالف كثيرا ما عهدته ريم عن أهل قريتها و صديقات الجامعة هنا في هذه المدنية اللواتي وجدت في حديثهن عن حياتهن و عائلاتهن نفس البساطة التي عاشتها ......
لكن عائلة هاشم
طباعهم بها نعومة ممتزجة بثقة عالية و نبل يتجسد في أقل ردات فعلهم ..حديثهم ..طريقة جلوسهم ...و أشياء كثيرة لا تقودك سوى لفكرة واحدة أن هذه العائلة مختلفة .....
قطع صوت وائل تفكيرها العميق و تحليلاتها النفسية عنهم ...يزمجر غاضبا ... ...من غير أن تستدير نحوه ...
-تطورت قدراتك الدفاعية كثيرا يا شهد ..إلى أن أصبحت لا تجدين من سوء أن تحرقي يدي ...
و أضاف بمكر خداع في عرضه ...
-أنت لا يخيفك إلا شد شعرك الأثيث ...تعالي لتجربي قدرة قبضة أخيك
سرعتها في وقوفها مبتعدة عن مرمى يديه لم تساعدها ......فشهقت بخوف حينما أمسك بطرف قبعتها بقسوة لينزعها عنها ..
لم تكن لهما الفرصة في أن ينازلا بعضها عن جهل كما سبق ...و أن يقاوما ذلك إغراء المتخفي في تلقائية التخاطر الصامت .....فقد دوى صوت ورد بينهما كالصاعقة التي تسكت جنون المطر على الطبيعة
-ما الذي يحدث هنا ؟؟....
....تبادلا أخيرا نظرات الإدراك القاسية في معرفتها ...حينما تقابلت الأجساد و الأرواح في ساحة الشرفة ..تشهد على عبثية شهقة الحب الأولى و الإنخطاف الروحي بينهما ...ريم بقامتها القصيرة أمام ضخامة جسد وائل ....تلقائيتها الفكرية أمام حذره الطاعن في صفته ...قد نافسته في كراميلية شعره و عيناه بسوادها الأنيق في حزنه ...
كم بدت له مختلفة الأنوثة عن حياء لون عيناها الأسود الغامض في قتامته ...حينما أسدلت جفونها نحو الأرضية ...في مستقطع استرجعت به أنفاسها ....
أما هي بدا لها بري في وسامته بسمرته الخفيفة..و لفحة التعب على وجهه ... متوهج العينين كما لو ارتحل عبر العوالم و خبر الأسفار ..بحضوره المربك ...و صمته الموجع أمام نظراتها ....حتى إن أمرها لم يصدمه ...راح يتفحصها عن بطئ و تروي كما لو يقيس قوة خصمه ...
انسحقت أنفاسه تحت السواد المظلم الذي غطاه قماش السميك للقبعة ...توقع أن تباغته النظرة العسلية المحرقة و البشرة الذهبية في شحوبها ...و القوية عن إدراك نحوه ....فترك لها ساحة القتال خاوية به ..و انصرف عبر الباب الزجاجي مسرعا ..تاركا لها نظرات ورد القاسية ..................
.................................................. ........
....
تولت ريم الدهشة و عيناها شائعتان نحو وائل حتى توارى ....قد لم يستأذنها في جبنه المغيظ حين تركها عزلاء إلا من كبرياءها ...و الذي عادة ما تستخدمه إلا بشح في اللحظة المناسبة لفقدانها طاقة التحمل ...وقت ما تحتاج لشراسة الغاب في الدفاع عن ما يلحق بها من إهانات عن استصغار الناس لها في ضعفها .....
رفعت نظرها ببطىء مموه إلى الواقفة عند الباب تكتف ذراعيها لصدرها في طريقة هجومية بإباء ...فبهتت و كاد الدم يجمد في عروقها ..أمام نظرات ورد الذي تلبسها الخذل كبرنس ثمين في نوعه ....و إن لم تبديه كله بل بعضه ..حفاظا على هيبته و رفقا بعواطفها الساذجة عن انعدام خبرة ...و ربما ترفعا عن الميل إلى فخ الظن و الشكوك...مما سبق تساؤلها الاستعداد العارم في طرح الحقيقة ...
هو كل عائلة الغالي ....أقوياء هكذا في نظراتهم المقاتلة ....نبيلين في مشاعرهم قبل الحكم ...متواطئين في عنفهم المستتر خلف الجمود ...
لقد أصبحت تشعر بالعراء في بعد أفاقها ..لمن الحق أن يكون القرويون أمثالها رجعيين بدرجة التخلف حتى لو تقدموا علما ...... فتفضيل هاشم في اهتمامه بدراستها ... على بنتيه التي واحدة منها لا زلت ترسب في سنتها الجامعية الأولى و الأخرى مستقبلها مجهول في الهندسة ....لم يكن سوى تشجيع عن شفقة ....
تراجعت خطوات قليلة نحو مساحة من مسافة الأمان ...توجس في نفسها خيفة ...حينما قطعت ورد حضرة ارتجال الكلام في قلبها ...بجلاء عيناها الذي نسف أي قدرة شجاعة فيها ..فأوقفتها على رؤوس أصابعها رهبة....متسمرة عن دهشة غباء اجتاحتها .. كما لو كانت علامات الاستفهام تشكل حلقة حول رأسها ..قد بدت ساذجة أمام عنفوان ورد ....
...
انتقلت ورد من وضعية الهجوم في صمتها و ترصدها للريم إلى الدفاع الذاتي ...تتراجع نحو مسند الباب لتتكئ عليها ..فراحت تختبر قدراتها الفكرية و النفسية على تحمل زيف التمثيل و العبث ...لكن قد وجدتها في وجهها صفحة غاية الشفافية ..تناوبت عليها مشاعر عديدة ...شحوب عن خوف و جهل ....احمرار عن خجل أنثوي و حياء ...
فراحت تقارنها بشهد ...هي ليست بارعة كما أختها في إعطاء محدثها مساحة تضليلية تجعلك تشك و تراجع قوانين الكونية ..التي فطرت عليها الطبيعة البشرية .... فشهد تبدو كقصة خارجة عن المنطق في أسرارها العميقة التي تخفي ....امرأة عنيفة حد البذخ و سريعة العطب في آن واحد ...جبارة في مشاعرها و انتقائية في مشاعر التي تحس ...لا تسمح لأي كان اختراق مساحة العسلية الداكنة من عيناها التي تقاتل باستماتة ...
أما ريم شخص بسيط ...لا يجد متعته في أن يملك أسرار تخصه ....كثير التردد و عديم البديهة في المنطق المخالف للطبيعة ...لا تجيد أن تنظر ما رواء العيون من عوالم ..بل أصلا لا تحبذ التحديق بها ....تكتفي بخلق مساحة بعدية في تواصلها مع الغير ..قنوعة بالقدر الذي تملك و إن كان قليلا ...و لا تملك أي رغبة للمجازفة ...متصلبة الرأي في تغيير نمطيتها و فكرها ..حتى لو كانت على معرفة بضعفه ....تعيش حياتها في مراقبة الغير عبر جدار لا مرئي ..كي تضمن فقط أنها لن تقع في نفس الخطأ أو الفخ ...هي كما الطفيليات في عالم النبات ...تقتات من تجارب الغير و خبراتهم ..رافضة أن تجد لنفسها العالم الذي تحب ... بعيدة عن المشاكل بحذرها المرهق للأعصاب ....حتما لن تجيد أن تكون ندا لوائل في ضلالته ....
ضاقت عيناها في تحليل نفسي بعدي ...ناسية مرور الوقت طويلا أمام ريم ..التي أصبحت تتململ في وقفتها بحذر شديد....خشية أن تقتحم قدسية مساحة التأمل التي أخضعتها عليها وردد ....التي عن دون رحمة راحت تسبر أغوارها و تخترقها بهدوء رصين و غموض مستكين ...و هي تعرف جيدا نتيجة ما خرجت به ...قد لن تعجبها الأمور لو سألتها ..ففضلت البقاء صامتة هروبا من الحقيقة ....لكن ورد بدورها قطعت عليها كل طرق النجاة حينما دوى صوتها كدوي قصف في صرامته ...
-أنت لم تتعرفي على وائل ..أليس صحيح ما أقوله ..؟؟؟...
فهزت رأسها بالإيجاب بطريقة مثيرة للشفقة و هي تزدري ريقها بصعوبة ...إذن ورد كعادتها تخرج من قوقعتها الصلبة لتصدم غيرها بما تملكه من معرفة فطرية ...تأخذ كل الوقت لتحلل ثم تنقض على فريستها دون هوادة .....لكن حاسة سادسة لريم قلما تشتغل بداخلها .عرفت أن ابنة عمها لن تخذلها فيما استنتجت حتى لو كان قاسيا ...
و استمعت لها ...
-و هو الذي يتوعد شهد من مدة طويلة على وشاية به لأبي ...من حماسته ظنك هي ...لديه رغبة حانقة في خنقها ....و أنت أوقعك القدر في يديه ...
و أضافت بمكر مثير
-أليس هذا ما تودين قوله ..؟؟
فعادت ريم تهز رأسها بإيجاب متحمس كادت أن تخلع به مفاصل رقبتها
....ابتسمت ورد بطريقة مستفزة ....و هي تطلق ذراعيها عن صدرها ...للتوجه نحوها إلى أن وصلت جنبها تتأملها طويلا ...
ثم واصلت بنبرة غريبة .....
لكني أحذرك قبلا ...إياك أن تنجرفي وراء سلطته و إغداقه الرجولي في منحك مشاعر ما خبرتها ...إنه سلطان في الحب ..يجرفك برغبته كطوفان هادر ..حينما يأتيك معلنا استعداده لفتوحات تغذي غروره ..لكن قد يقتلك قهرا حينما يمضي عنك قطيعة ...ليستل منك طعم الحب المرير في حلاوته ...هو رجل لا يعرف منتصف الأشياء باذخ في ألمه و كبريائه ......
ضابط في الجيش لكن خارجه لا يخضع لأي ضابط ..مثله مثل شهد في شخصيته ...أصلا لا يهمه منا سواها ..يمكنك أن تقولي أنها هوسه أو عقدته الأخوية ...تعد عامل مفجر لمشاعره الرجولية ..يتأثر بها كثيرا كمرجع يقيس بها مدى أخوته و قوامته عليها ...إياك أن يزل لسانك أمامه عن علاقة شهد بمروان ..كما هو يحبها حد الجنون قد يقتلها حد السادية ..به وحش كاسر لا يخرج إلا في حمايته لشهد .....حتى إنه يتوهم حبه لبنات يجد طيفها يعبرهن ...
إن كان وارئك لا تلتفتي ناحيته ..و إن أمامك اعبري مقصدك دون أن تتباطىء خطواتك ..
و خرجت من نفس الممر الذي عبره وائل من جديد ..تاركة لريم جحيم الأسئلة .....التي لا جواب لها إلا بالتجربة ......
********
الدقائق الطويلة التي قضتها ريم واقفة دون حراك ...قد استنزفت ما تبقى من صمودها ...فسقطت واهنة القوى جاثية بحراكها الفكري ...و لدهشتها قد أثقلها ...... فهي لم تعد تستطيع الوقوف صلبة أكثر في وجه أسرارهم المخيفة ...
ربما ما كان الأمر إلا صدمة بما قالته ورد في كلمات موجزة رددتها على مسامعها ببرود و بساطة ..ثم انصرفت كما دخلت على حين غرة ..لتتركها لجحيم الأسئلة ...
لم تجفلها حقيقة وائل و شهد في ابتعادهما المريب عن العائلة ... أو شعورهما الأخوي المعقد في تكوينه ...أو الماضي المخزي لكل واحد منهما....مصرين على حمل وزر الاغتراب العائلي كعقاب ذاتي قاسي في سجونه ...بل تلك البساطة و المرونة التي استشفتها من ورد في تقريرها كأنما الأمر لا يهمها طالما لم يمسها ....أو ربما ما كانت هويتهما إلا استحقاق قدر لا أكثر ..لا فائدة ترجى من جداله ..... لتتحدث عنه كما لو أنه نشرة جوية ......قد تجد نفسها تشعر بالغضب الدفين تحت أنقاض تفهمها الباهت الملامح لعلاقته الأسرية الناشز .....
إن صدق حقا ما قالته ورد في أخيها ....عن عنفوانه الباذخ و قدره المبعثر بين الوطن و الاغتراب ..لن يكون إلا شبيه بشهد ....شخص يملك قضية تخصه وحده في معناها ..قضية قد تسرقه من نفسه و تعجزه عن مشاعر الحب الحقيقة ...
في سبيلها ينجرفون نحو الخطر الفكري في تطرفه بدون رادع ...و دون استفادة من كل ما تعلماه بالقسوة من هذا العالم .....
فشهد بغض النظر عن اضطرابها النفسي و حاجتها الماسة لعلاج قويم ...أحيانا تبدو أقوى مما تكون عليه أي امرأة اغتصبت كرامتها قبل جسدها ....فالشرف تعقيد فكري ديني و إنساني وسط مجتمع منغلق حد الحصار ....هي تعيش صامدة بين الحروب الثقافية و العرفية في وسطه ....في قتالها بنظراتها الملهمة و العميقة حد البحار و المحيطات في أسرارها ...
عنيفة في مشاعرها ..و ضائعة في قرارت حياتها الحتمية ...تعيش منتصف الأشياء الزمانية و المكانية ..بين الماضي و المستقبل ..بين العتمة و الضوء ...بين الوسط و الزاوية ...مقيدة بأغلال الذاكرة و النسيان ...
فحتى وائل في وسامته البرية الملامح ...و عنف المستتر خلف العسلية التي تتشربه ...يبدو رجلا لم يجتز في أعماقه طفولته ...
*****
كبحت ريم سيل أفكارها الهادر تتنفس بعمق قوي ..و هي تقف لتصلح ما فسد من هيأتها البيتية و بقية الغبار العالق إثر سقوطها جالسة ..لاعنة أصابع وائل العابثة بمكر الرجولة ...على ما ألحقه بها من فوضى مشاعر و أحاسيس لذيذة في غرابتها و تناقضها ...بين الوجل و الغضب ....الدهشة و الترقب ...مزيج أجاده رجل خبر الكثير و كسب .....
فلا أكثر خطرا من الرجال العابثون بصمتهم ..الغامضون في مشاعرهم الضبابية ..الحاسمون في قبضتهم على الأشياء التي تقع فريسة غرورهم الكبريائي ...مهما اختلفت قيمتها...
ثم لم تلبث تصعد الدرجات نحو غرفتها تدخلها .....لتصعقها لأصوات الخافتة قادمة من ملحق الغرفة ..الذي تعتكف بها شهد في نزلاتها الجنونية ...كما من المفروض أن تسميه ..؟؟.....لم تتوقعه قد يأتي إلى هنا ؟؟......المغترب عاد و بقوة لديك حصون البيت العتيد ...و قد تجرأ على محراب شهد ....فراحت تتساءل عن ردة فعلها اتجاه تطاوله على مساحتها الخاصة ..
لكن تجاوزت دهشتها بتجلد باهر ..في بادرة إيجابية نحو المرونة و الانسيابية أمام تعقيد عائلة الغالي ...لتفاجئها فورا الرغبة العارمة دون صبرا في التلصص على ما داخل الملحق و إن كان من شق الباب الموارب ....بها من الفضول ما يدفعها من غير تفكير لتتعرف على طبيعة تعاملهم ..لم يحصلها شرف جمعتهم كلهم .....فراحت تنفذ ما حدثها قلبه ..و خلف الشق حبست أنفاسها ....
لم يقع الرعب عليها كما العادة ..و لم ترتعش أناملها أو تبدو الحيرة عليها في وجهها ببلاهة ..حينما رأت وائل بقميصه الداخلي الملطخ دماءا ...و هو ينظفها ببراعة عن جرح كتفه الأيسر ...بينما تقف ورد جنبه شاحبة الوجه زائغة العينين و يبدو عليها الغثيان من رائحة الدماء ....
كان يلهث بتعب و العرق قد بلل جسمه كاملا ...فتساءلت بجزع عن ماهية الرجل الذي حملها قبل قليل بأقل جهد عضلي ...و قد رماها على الأرض كما لو تكون قشة .....فقط كمناغشة على حرقها ليده متعمدة ...
و فور أن تذكرت الحرق ومضت عيناه بألم أنثوي مسالم ..حينما أسكبت القهوة الساخنة عن عمد متعمد ....و تشفيها المرح الخبيث في نواياه بما ألحقته به .... فهي لم تعتد في حياتها على تلك الحيوية بتصرفاتها ...لطالما كانت مسالمة الأنوثة ..ذات جسد بارد وملامح هادئة ...مرحها بسيط مجاور للحزن أكثر منه للفرح ....لكأنه وضع يده على جرحها ....فعرف ما تخفيه و تضمره من كبت رهيب بداخلها ....
راقبته مهتمة و هي تراه رجل مجروح لاهث بألم ..أمام ورد الجامدة كمزهرية زينة لا أكثر ...بينما لم يسلم من لسانها اللاذع و هي تشير بطرف عينيها نحوه ..
-لم يكن عليك حملها ..إن كان جرحك حديث التقطيب طازج بالدماء..تهريجك فاشل كالعادة ....
فأجابها بنزق
-قد ظننتها شهد ...ما بالك ترميني بسهام شكوك ...من رغم أنني أقسمت لك على جهلي بها ...
أصدرت صوت مكتوم دليلا على تصديقها الكاذب له ....نحوه تشير
-صدقتك يا ولد أمك...ثم لما تشعر بالغضب كله اتجاه شهد ...لم تكن لها يد ف بمعرفة والدي للأمر ..لا شيء يخبئ يا فاشل ..
فأفلت القطن من يده يرميه بإهمال على جوانب السرير ..ثم أضاف بفتور ...
-كأنني ارتكبت جرم عظيم في حق كبرياء هاشم الغالي ...ما الذي فعلته بحق الله ..
استهجنت ملامح ورد و هي تحدق تقذف به الحمم من لسانها السليط ..
-طوال فترة غيابك الذي قاربت السنة ..كنت تأتي باستمرار أيها السافل إلى الوطن ..في فترات متقاربة لا تتجاوز الخمس عشر يوم ..و لم تخبر أي أحد فينا حتى يطمئن عليك .ناسيا أن لك عائلة تستحق منك اهتمامك الشحيح ...ثم أين أقمت إذا لم تزرنا منذ سنة ..أم أنك كعادتك لا تطيق صبرا على مجونك النسائي ...لقد أصبحت غربي مقرف....
حملق فيها بغيظ يكبح رغبته العارمة في صفعها ...ثم أردف على كلامها ..
-ربما لم تسألني أنت أولا ...عن سبب جرحي ..حينها فقط سأفكر كم أنا رجل نذل يترك عائلته معلق دون ّأن أسألهم ..ما يقرب السنة ...
-ثم تعرفين أنني لا أجبر أي فتاة على ما لا تريده ..أنت لا زلت صغيرة على مناقشتي في أمور كهذه ....انقلعي عني و إلا وشمت وجهك بصفعة ...
فرمت ورد علبة الإسعاف على الأرضية بقهر و صرخت فيه ..
-أتعلم أنت و شهد على حد سواء تحتاجان إلى إعادة تأهيل نفسي ...لقد دب الجنون بكما ...
سكن وائل أمام السيل الهادر من شظاياها الرصاصية ....و هي تهتف به بغل و حقد ....
-كفاكم عبثا و جنونا في بيتنا ...لا تدخلونه إلا وقت ما تشاءون و تخرج في اللحظة التي ترغبون بها في الاختفاء ....كل واحد منكم يعبر عن نقصه و ضعفه النفسي بتصرفاته القذرة و القاسية .....أنتما لم تكونا على قوامة منذ طفولتكما ... فأي لعنة حلت علينا بكم يا وائل ...
-أنتما شاهقين كسؤال لا يطاله جوابه ...تحرركما خارج عن إرادتنا ...منفصلين ي عالم خاص ....تصران على حمل ذلك القدر الكبير من الكراهية الغامضة نحو المجهول ...لا سبب منطقيا قد أجده في وصف فتى تغرب عن أهله سنوات عديدة من القطيعة ....و أخت لم يحصل لي شرف أن أراها على طبيعتها إلا مرات نادرة ...لم تغفر لوالدي تركها للأغراب كما تقول ..حتى بعودتها إلا هنا لا أجدها سوى ساقطة من شدة تعبها في نوم عميق ....
و أطلقت دموعها الغزيرة على نحو مخيف ....يشق نهرين على وجنتيها المتوهجتين ...لتسمك يداها ساعده تشده نحوها و هي تهمس بصوت لم تسمعه ريم ......
هل تكره والدي أنت آخر كما تفعل هي ....؟؟لدرجة أن تعذبه بجفائك و أنت ابنه بكر .. لقد أصبحت مجرد عابر سرير ...تمر نادرا علينا ..و لا تعود إلا بعد سنين ربما ...
توقفت أنفاسه قليلا و هو يغطس بوجهه نحو الأرض بخزي يضم رأسه نحو صدره بمهل حاني ...إلى أن همس لها
-لا تقولي كلام علي كهذا .. أنتم بقلبي دائما أينما كنت ..فقط وجعي أكبر مما أتحمله....أنا سأستقر من الآن فصاعدا هنا ....
و ما إن تحرك صوب الباب بخفوت حتى جمدت نظراته كما جسده على تلك العيون السوداء العاصفة قلقا ....بلونها الغائر و هي تطالعه خوفا ....
كم بدا له الوقت طويل و غير منطقي في وقوفه عاجز عن الإتيان بحركة ..مقيد من ظهره بجسد ورد الباكية و من الأمام بسواد عاتب ..به مزيج من الحزن و الذهول و الذعر و الغثيان ....مواجها رهطا من المشاعر ...فأحس فجأة بالمكان من حوله عاري الجدران بائس على نحو مثير للشفقة .......
*****
وقف مستندا بجسده على إطار الباب ..ليراقب تفاصيل ملامحها المسترخية تعبا ....قد كانت هيأتها النائمة مشابهة في صورة تلك الطفلة الخائفة و المرتجفة .....و هي لم تطأ عتبة باب نسيانه ..
هي ظلت عالقة في جلوسها الباكي جنب جدار في ذاكرته ....فلكم تعذبه مرآها غافية بألمها المستكين في تنفسها المتحشرج ....و جبينها التي تناثرت عليه حبات عرق ...
راح يتأملها متشنج الوجه و معذب القلب ....يتلهمها بنهم أخوي حميائي ....لم تتغير كثيرا عما كانت عليه .... يتساءل كثيرا كلما مثل أمامها .... بصوت داخلي قاسي النبرة...و عنيف المشاعر ... (إلى متى ستكبرين و تتخلصين من طفولتك المسلوبة ....قد لا زالت تعذب أخاك المسكين ...ارحميني برحمة الله يا شهد ...من أشباح الماضي هربا .....كفى بالله عليكي أن تبقي تلك الصغيرة التائهة و الغافلة ....)....
لكن صوت أنينها الخافت اخترق ذبذبات الهواء نحوه ....فأجفله عن شروده وهي تدمدم بكلمات غير مفهومة كما لو أنها مقيدة اللسان .. أمام منظرها وقع الرعب في قلبه متسائلا بجزع عن ماهية الأحلام التي تنغص عليها نومها ..فرجولته المجروحة لا زالت تصرخ غضبا و قهرا لها ...
بحق الله لقد اغتصبوا أخته ...و هو لم تكن له قوة إلا على البقاء ضعيف أمام تجبر القدر ..و ذليل أمام شرفه الذي طعن ...عاجزا لصراخ أخته الطفلة ......
قد لا زالت تصله تلك الأصوات الباكية منها حتى في غربته البعيدة ...صرخاتها المترجية ..و جزعها من أمر لم تكن لها دراية عنه ....عنفوانها المقتول غدرا الذي يتراءى له في بريق عيناها العسليتين ...طفولتها المسلوبة قهرا ..و عاطفتها الأنثوية المطعونة بحقد رجل لم يعرف للإنسانية طريق ...قد وئد عذريتها وردة قبل أن تزهر ...السافل الذي تجرأ على تلويث عرضه و اسمه ....
مروان قد وشمه بعار أبدي ..لن تتخطاها رجولته قبل أن يأتيه كما فعل ....و كز على أسنانه غيضا ممسكا بكتفه المصاب حقدا......
فعلى ضوء الأباجورة الشاحب ..أغلق الباب بهدوء يتقدم نحوها بتكاسل متثاقل الخطوات ....حتى أشرف عليها من علو ليراها بصورة واضحة ...شاحبة الوجه ..بشعرها المتناثر على وسادة قد بللها العرق من جبينها و رقبتها ....تنقبض جفونها كما لو كان بها ألم .....
أغمض عيناه حينما وصله الصوت من أعماقه المدفونة ....
-وائل أنا خائفة من هذا المكان المظلم ..ضمني لك أخي ..أنا لا أحب الظلام ....
فهمس و هو يقترب منها على نحو بطيء ترفع كفه يدها الموشومة بحرق قديم على معصمها ...قد غطاه بسوار من حلي الذهب نقش عليه اسمها ...
-...آه من وجعك يا أخت وائل ....
و جلس على حافة السرير متوجسا من استيقاظها....فقد تظنه شخصا آخر ..لن يحتمل في وقت هكذا صراخ آخر منها ...و جرح كتفه ينبض لوجع لا يطاق ...من أعماقه المظلمة ...فولا مقاومة الإبر المضاد لما تحمل أن يبقى واقفا بصمود حتى هذه اللحظة ....
لكن استشعارها كان أكثر حساسية لما فتحت عيناها تشهق بخوف هستيري نحوه ...تمسك قبضتها كتفه المصاب بملامح مرتعبة ..فلم يفكر كثيرا ليضمها إليه أخرساً عن الكلام إلا همسه المتألم كما لو يخرج من روحه مثقلا بنبرة الترجي الآسر في حزنه ...
-حبا بالله توقفي يا شهد ...أنا أخوك صغيرتي ..لن يسمك سوء ...
فأصدرت صوت كعواء حيوان جريح ..و عيناها ضائعتان بين ملامح لم يتعرفها عقلها الواعي ...لتضربه الحقيقة التي رمتها نحوه بها ورد ...عن ضرورة علاج شهد النفسي قبل أن يتأخر الأوان ...و هو غير مستوعب لإمكانية معرفتها بأمر قد دفن من بعيد الزمن بين صفحات النسيان ...فراح يمسك وجهها المصبب عرقا و هو يهمس ضاغطا على شفتيه ..
-أنا وائل ..انظري إلي فقط و تعرفيني ..هيا شهد ليس صعبا عليكي معرفتي ..أنت أختي .....
و راحت تهمهم بصوت غريب عليه ..بينما لا تزال أصابعها تنغرس بكتفه الذي عاد ينزف من جديد تحت وطأة أظافرها الطويلة التي اخترقت قماش قميصه الرقيق ...إلى أن استكانت بين أحضانه الهادرة بعنف و غضب ...لتظل نائمة بين ذراعيه ...حتى اخترق صوت الأذان الصمت المهيب للغرفة الشاحبة ..كما لو كان نداء ربه بأن الحق لا يهدر ....
******
تململت شهد في فراشها يمنيا و يسارا ... و صوت هاتفها لا ينفك عن الرنين إزعاجا .. قد لم تفتح عيناها مخافة ضياع النعاس منها....فلا مهام قتالية تنتظرها .....
وهي على علم بأنه لن تكفيها المشاغل التي تصر على خلقها ... وجودها العقلي و النفسي خارج أبعاد الزمن الحقيقي....مقيدة بين الخطوط الوهمية للماضي ..
حينما ينسج علينا الماضي القاسي بذكرياته ... غلالة من الوهم الروحي بآلامه و مخيباته .. ..يكون الألم أقسى من قدرتنا على النسيان ....
... قطع رنين الهاتف محاولتها الغرق في النوم من جديد... فاستدارت نحو حافة سرير تمد يدها لطاولة الزينة جانبها الأيمن لترفع الخط و تصرخ عاليا بصوت مبحوح إثر نومها العميق.....
-أي لعين أنت ... ألا تعرفون النوم ... ماذا تريد
أجابها صوت ليديا الحانق و هي تدمدم بأشياء لم تستوعب شهد معناها فهي كانت شبه نائمة
-البشر المهذبون العاديون يقولون صباح الخير .... لا يصبون لعناتهم على أول من يصادف خلقتهم
جلست بإعياء في سريرها تلهث تعبا من صراخها .... فتأففت بصوت مسموع وصل مسامع ليديا و ردت عليها تسخر منها.....
-هؤلاء البشر العاديون الذين تتحدثين عنه لا يزعجون غيرهم باتصالاتهم الغير المرغوبة فيها تماما.. على السادسة صباحا ....ثم ما تريدين مني.... ألم أفهمك البارحة أنني لم أعد أريد أن أرى خلقتك إلا على بعد كيلومترات عديدة بحيث لا أتمكن من تذكرك حتى .. لما لا تتركني و شأني مشكورة ....
شهقت ليديا بقوة من وقاحتها و تنفست عاليا ثم قالت باقتضاب سريع..... تتمنى لو تتخلص منها بأسرع طريقة ممكنة .....من الجيد أن سيد عمر لم يتكلف بالإشراف على تدريبها .. لو فعل لما خرجا الاثنان بدون أن يقتل أحدهما الآخر هو ببروده و هدوء أعصابه و ثقته الشديدة بنفسه و فخره وهي بناريتها و سلاطة لسانها و تبجحها المثير للحنق ..
شهد لم تعد تُحتمل البتة بتصرفاتها الفظة و عنجهيتها .. سكنت للحظات و أجابت باحترافية عملية اكتسبتها على مدى سنوات طويلة من مزاولاتها العمل في شركات الصاويَ..... منذ ما يقرب العشر سنين .....
فقد دخلتها عن اضطرار رغم أنها لم تفكر في استخدام شهاداتها العليا في إدارة الأعمال .... و لربما منصب السكرتيرة غير مناسب تماما.... لكن كونها شركة من أكثر البنى التحتية التي يعتمد عليها قطاع اقتصاد البلد ..
كما أن سيد عمر يمنحها الكثير من الامتيازات في العمل تتمكن من خلالها تطوير قدراتها و عرض أفكارها في سوق العمل و الدعاية

-لم أتصل حتما لأنني مشتاقة لوجهك العابس و كلماتك المسمومة ... ولسانك كالمنشار .. ما أنا إلا عبد مأمور ..لقد طلب مني سيد عمر خطاب الصاويَ الاتصال بك و إعلامك بقبولك في الدورة التكوينية ..أرجو أن تلتحقي اليوم على ساعة الثامنة تماما بمكتب رقم 300 الدور الخامس ....مع السلامة ...
و قطعت الاتصال في وجه شهد دون توديعها ....بينما بقت الأخيرة شبه متجمدة أمام الهاتف المواجه لها ..لكنها هزت كتفها ببساطة و لسان حالها يقول .. حسنا هي من تواقحت عليها تستحق منها هذا.. فهي عاملتها المثل البارحة .....
فعادت لنومها تغمض عيناها تبحث فيه عن سبيل لنعاس...... و هي تفكر في اتصال ليديا ..( لما عساها تتصل تلك المرأة المجنونة ؟؟)..

ثم لم تلبث تقفز على سريرها العريض واقفة بصراخ الفرحة..... بخبر ليديا لها....الذي استوعبته أخيرا .... فلطالما تمنت فرصة عمل بشركات الصاويَ ...
شركة تدر فرص ناجحة جدا لأصحاب الشهادات العالية و القدرات العالية في برمجيات الحواسيب المتطورة.... كما أنها لا تقل شئنا عنهم حتما ..فلطالما كان النجاح من مبادئها الصلبة التي لا تتغير....

أحد أهم أسباب إيذاء المستمر لمروان لها... نجاحها الباهر دون جهد منها و عبقريتها الفذة على عكسه ..علميا كان جد متواضع بلغ طريقه بشق الأنفس رغم ثراء عائلته ... وهو الذي قضى حياته يحصل على شهاداته المتواضعة بصعوبة بالغة ... فقد استغرق سبع سنوات ليتخرج من الجامعة بشهادة محاسب دون أن يستعملها .. فقط كان ناجح في فلسفته الغريبة و جنون أفكاره ........
تطلعت لصورتها تنفض شعرها البني اللون و متماوج بلفات كبيرة مختالة بصورتها في المرآة ..... ثم فكرت صارخة ( يجب أن أستحم..... و ألبس أجمل ملابسي... سأبدو كسيدة أعمال مجتمع راقي ...ألست أنا شهد الغالي و الغالي عائلة القرن العشرين ...) وصلت لباب الحمام فوجدته مغلق في وجهها كما العادة أن تبقيها وراءه انتظارا لورد ..فطرقت الباب و صاحت
-ورد أخرجي لدي موعد مهم و أنا أريد الاستحمام ...بسرعة قبل أن أرميك خارج الحمام ..
لكن ردت عليها ريم مرتبكة بصوت مخنوق تحت سيل مياه الباردة التي كانت تبرد حرارة جسمها المرتفعة و تهدأ روحها الثائرة التي ما انفكت ترتعش منذ وقعت عيناه صباح اليوم على الغريب .....
-إنها أنا ريم ... ورد لم تبت البارحة هنا امنحني عشر دقائق ...
-أسرعي ...خمس دقائق فقط و اج.....
لكن شهد قطعت كلامها ...بصياح صارخ أفزع ريم حتى اقشعر بدنها من الرهبة .... و هي التي هربت من وجوده صباح الفجر من الغرفة..... منظره و هو يحضن أخته الباكية أشعل بها جمر من المشاعر ..ما عرفت لها ذاك الإحساس الخانق في جوفها .. ...
شعورها بالغيرة الحاقدة تحرق أحشائها ....و بأنها أقل شأنا و حضا من شهد في كل ما لم تحصل عليه من تفهم أخوي..... و إغداق رجولي ارتعبت دواخلها رؤيته في وائل من رغم غربته عن أهله ....لم يزدها فوق نقصها ..إلا فجوة عميقة تتسع بداخلها ..و قد كانت ضريبة انتقالها من عالم إلى آخر مخالف لما تربت عليه و شبت به ...
قد لم تنم قط في حضن أحد من إخوتها في حياتها بالمرة..... فكيف لها أن تتقبل من يعامل أخته بتلك السماحة و يضهما في نومه بجانبه دون حرج أو اعتبار هذا إهانة لرجولته.... لو رأى هذا والدها لأرجعها للبيت دون عودة لهنا و سخر من وائل ناعته بالخانع لأخته ..... من الجيد أنها استيقظت من الفجر فهي لم تستطع النوم بجانبها البارحة دون أن تجد نفسها تتطلع بملامحها و تقارنها بوجه..... لكانت فقدت البقية المتبقية من عقلها........................................ .....

وجدت شهد نفسها معلقة بين السماء و الأرض مقلوبة رأسا على عقب وهي تتأرجح كقشة في مهب الريح .. رفعت أناملها تثبتها على فخدها .. و تطلعت بالجسد الرجولي القوي مقلوب لها بحنق .... لتعرف على الفور هويته المحببة إلى قلبها ..في غربيته البحتة و ضخامة جسده المريبة على وقعها في النفوس ....... إنه وائل الأحمق ...و في الواقع إنه أكثر الرجال حمقا في حزنه و جموده .....
راحت تتساءل بأمل عن اليوم الموعود الذي يعلن فيه اعتزاله الحمق الرجولي الساخر في مرارته و العقيم في نجاحه ..لكنها قطبت حاجبها بغضب حينما إتكىء بكتفه على بطنها و هي ملصقة على الحائط كالبهائم
قد أصبحت امرأة بالغة في العشرين من عمرها ومن العيب أن يحملها بتلك الطريقة ...لو رأتها ريم لأصابت بصدمة ثلاثية الأبعاد (نفسية و تربوية و عقلية ) هذا بغض النظر عن الردود و الكدمات الفكرية ...قد يضرب تصلبها في المقتل
....صرخت بأخيها حانقة
-كفى عبثا يا وائل ..أنا ليس لي ذنب فيما عرفه والدي ...
جواب وائل كان أنه قد ضحك عاليا باستفزاز و عنجهية ... و هو يسندها مقلوبة على الجدار بكتفه القوية التي غرسها في بطنها و خصرها مما عصرها تماما......حتما هو العقاب الذي يليق بها .....
أخفض بصره نحو وجهها المختنق و المحمر غضبا .... يضع يداه في جيوبه و يغني بصوت أبعد ما يكون عن الغناء منه النعيق ...فتأرجحت رجلاها على رأسه تضربه حتى تتحرر ....لكنه رد ساخرا منها و هو يضغط بكتفه عليها بقوة و يسحب شعرها من تحت يده الممسكة برأسها حتى لا يرتطم بالأرضية الصلبة القاسية
-حقا ..قد أصدقك فقط يا كاذبة ..لو تمنحني فكرة بسيطة عن الطريقة التي كشف فيها والدي أمري ... ثم أرفعي رجلاك ثقيلتان عن رأسي .. . إلا رميتك على رأسك .....
تكلمت بصعوبة بالغة بسبب هبوط الدم معكوس المجرى لوجودها مقلوبة
-أعفيني من هذا ..قلت أنني ليس لي يد في ذلك ....اسأل نفسك أنت كيف عرف لهوك و عبثك..لا تنسى أنه والدك ...ثم أخرج من غرفتي ريم قد تخرج في الحمام ..و لا أظنك قد تملك فكرة عن صدمتها إذا ما رأتك هنا ....
تصلبت جميع عضلات وائل و توقف نفسه يتخيل تلك الفتاة موجودة خلف باب ....تخرج له لتضربه بسهام النظرة السوداء المظللة بكثير من الألم الفطري ...و الدهشة العذرية في براءتها ... هو رجل قد حرص على انتقاء صحبته النسوية مطابقة تماما للسواد العميق بذاته ....لن يكون سهلا عليه أن يرى طهراً روحيا كمثل كيانها يمر دون أن يضع عليه ... توتر كتفه المسند لجسد شهد و اهتز بشدة حينما وصل لآخر أفكاره ..... فشعرت شهد بجفاف حلقه و هو يزدري ريقه بصعوبة ...
راقبته ساهما ناحية الباب المقابل له بفضول يشتعل بداخل رأسها ...إلى أن أقسمت بحدوث شيء بين و بين ريم ..جعله على هذا النحو من التردد الخائف بملامحه ... ... يبدو شاردا بأفكاره الصاخبة ..متخليا عن عباءة الرجل المتحكم بكل شيء حوله ......فسكنت تماما تحت وطأة جزعها من فكرة انجذابه نحو ريم ......
الى أن ابتعد بسرعة نحو الباب يغلقه بعنف تاركا أخته تنزلق على رأسها من أعلى الجدار نحو الأرض الصلبة بقوة .. مما أوجع رقبتها و كتفها الذي كاد أن يكسره ... .... ..
أطلقت شتيمة لاذعة و تقلبت على جسدها تشعر بالدوار يلفها ...تشتمه ( عديم الدم تركني أهوي دون أن يشعر بي ... نسي فور سماعه لوجود ريم ...أن هناك كائن بشري معلق بين يديه... ماذا أتوقع من ضابط في القوات الخاصة ..لربما ظن أنها لن تسقط مستخدمة قواها و ليونة جسدها .....عديم الرحمة و الحس ذاك)
فتحت ريم الباب داعية الله خروج ذلك الغريب.... لتصدم بوجود شهد مرمية على الأرضية ساكنة بدون حراك... فهرعت نحوها و الدم ينسحب من أطرافها تصرخ و تضرب صدرها شاهقة بعنف .....
-شهد أنت بخير؟؟ ..... حبيبتي ردي علي....
لكن ما ألجمها ...ضحك شهد الهستيري بصوت عالي و هي تتقلب على ظهرها ....لتظهر لها ملامح ريم القلقة و الشاحبة كجثة هامدة .. حاولت التوقف عن الضحك دون جدوى .. كيف لا وهي تتخيل وجه ريم حينما تفتح الباب على منظرهم المخزي هي و وائل المجنون و حركاته السخيفة ... توقفت نسبيا لتردف بصوت مختنق و عيناها تلمع بفرحة نادرة طرقت أبوابها ..
-بخير الحمد لله وصلت آمنة و الفضل لله ... لا تقلقي فقط قمت برحلة فضائية سريعة و عدت سالمة غانمة ...صحيح اليوم يجب أن أكون في قمة الجمال ابتعدي عني......
دفعتها تجري نحو الحمام و تغلقه بعنف ارتجت له العطور المكدسة على طاولة الزينة تاركة ريم تحدق في إثرها مصدومة .. تسمع صوت صراخها و حنقها ...لتشتم بأقذع الألفاظ ...و تجدها تضحك .. هل تأثير ذلك الغريب على البشر .....زفرت وهي تجلس على الأرضية الباردة تتنفس بغضب مكبوت من سحره عليها الغير مرغوب فيه أبدا ......
.................................................. .....................
.................................................. .........................
تأملت ريم شهد بانبهار في تنقلها برشاقة و خفة بين دولابها و طاولة الزينة ..تضع بعض اللمسات الأخيرة على وجهها .... و تنثر عطر خفيف على معصميها و رقبتها ..
كانت تبدو جميلة شهية للنظر بتنورتها السوداء الضيقة... في قصتها الجملية و قد انسدلت من تحت صدرها حتى كوعيها بشق خلفي صغير أظهر جمال ساقيها المغطاتين بجوارب شفافة جميلة .. و قميصها الحريري عسلي اللون..... انعكس بريقه على عيناها التي شعت فرحة اليوم بوميض مشتعل ....و تورد وجنتها الناعمة قمحية اللون ... الزينة التي وضعتها لم تؤثر أبدا في كلاسيكية تقاطيع وجهها و نبله ...
بينما كان الإكسسوار الوحيد الذي ارتدته.... سوار رقيق بسيط التصميم ..خط عليه اسمها بالفرنسية العريقة.... أحاط معصمها مع ساعة سوداء صغيرة عملية ...و حجاب بلون أبيض أظهر جمالية حواجبها المرسومة بدقة و جغرافية شفاهها الصغيرة الممتلئة... الواضحة الإغراء في أنوثتها .. لونتها بلون ترابي داكن .....
أدهشها أن تجعل من نفسها تبدو جميلة بطريقة غير مبتذلة ...دون تكلف أو زيف .... بدقة عالية الابتكار في استخدام زينتها البسيطة .. مظهرة الاختلاف الذي تتميز به عن باقي بنات جنسها ...
راقبتها تتجه نحو معطفها الأبيض القصير تلبسه على عجل .... و هي تضع هاتفها المتطور به ...ثم التفتت نحو حقيبتها السوداء الكبيرة و حملتها خارجة من الغرفة تخاطبها بثقة ....
-إياك أن تخبري فيحاء عن ماهية عملي ...أخبريها أنني في الجامعة ....
توقفت للحظة و استدارت مهددة ترفع أصبعها و هي تتوعدها
-ثم إياك إخبارها أنني أخذت مفاتيح سيارتها ...لدي عمل مهم بها ..كوني عاقلة و اذهبي لجامعتك دون إثارة مشاكل ...لا تفتحي الباب لوائل اطرديه فورا.....
و خرجت مسرعة تصفق الباب في وجهها دون أن ترى تصلب جسد ريم و تيبس أطرافها السفلية ..هكذا هي شهد في عادتها ... تسمم البدن و تفقد العقل و المنطق.... لربما عرفت ما جرى لها مع أخيها ... نبيهة للغاية تلتقطها في السماء ..لن تغفل عن الارتباك البادي على كليهما ....كما أنها تتمتع بالذكاء العاطفي و الإحساس العالي .. (فقط لو أنني أمتلك ربع ما تملكيه شهد )..فكرت ريم يائسة .............
.................................................. ..............................
.................................................. ...........................
أوصلت ليديا ابنها أيهم لباب الإعدادية تودعه راجية المولى أن لا يعود لها اليوم كذلك بملاحظة جانبية و تقرير من إحدى مدرساته .. إنه يزداد شغبا و عبثا هنا و هناك رغم أن نتائجه الدراسية تحسنت كليا و ارتفع لصف الناجحين في مدة قصيرة.....منذ التحاقه بدروس شهد الخصوصية
لكن على ما يبدو هي من زرعت فيه تلك الشيطنة بعد أن كان شخص هادئ للغاية و منطوي على نفسه كليا .. لقد كان يرسب باستمرار ولا يستطيع تركيز على حرف مما يتعلمه ... وحدها من فكت شفرته ...غادرت مدخل البوابة مستعجلة لتوقف تاكسي قبل أن يبدأ زحام المدينة فتتأخر عن حضور افتتاح الدورة التكوينية ... الذي سيحضره جميع العاملين بالشركة بالمكتب الكبير على شرف عمر خطاب صاويَ....
و تستغرب منه هذا بشدة ...فمنذ زمن بعيد لم يعلن عن رغبته في اجتماع جميع موظفيه و يلقي عليهم خطاب طويل.... نسخته البارحة و تكفلت بتعديله و تنسيقه يبدو أنه يخطط لأمر ما .. ...
تنبهت ليديا لبوق سيارة مزعج فرفعت رأسها لتلحظ سيارة مجنونة تتجه نحوها بسرعة كبيرة ... تيبست جميع أطرفها و انسحبت الدماء من عروقها فخلفتها شاحبة حتى الموت ..و همست بجزع (هذا السائق مخبول سيقتلني ...)
فكرت وهي ترفع يداها تغطي بها عيناها عن رؤية نهايتها على يد الجالس خلف كرسي القيادة ....أنه قد قطع الرصيف اتجاهها دون اعتبار لقوانين المرور ...لو أنجاها الله ستحرص على دخوله مدرسة المتخلفين لسواقة ....
حاولت أن تتجلد الصبر و تقفز بعيدا عن مرمى هدف السائق الجنوني .... لكنها فشلت و قد صرخت عاليا وهي تبكي مرتجفة بقوة ..... كم انتظرت بعدها ..للحظات طويلة .... لحظة ..لحظتين و هي تتخيل نفسها تطير على جانب الطريق مرمية مضجرة بالدماء النازفة... لينتهي بها الحال ميتة و يُتيمَ ابنها الوحيد أيهم .. من سيربي طفلها المشاغب هو لم يتجاوز الرابعة عشر و سيصبح بلا أمم .. رباه ..
فتحت عيناها بعد سمعت همهمات الناس الساخطة... لتجد مقدمة السيارة تتوقف على بعد إنش منها ... لقد كادت تصيبها في المقتل ..تنفست شاكرة لله و هي تقع على مؤخرتها بإهمال ...مما تسبب في اتساخ ثيابها الغالية الثمن التي حرصت على ارتدائها في المناسبات الخاصة لشركة

و من بين غمامة تفكيرها ... وجدت فتاة يافعة لم تتبين هويتها تخرج من باب السيارة تصفقه بقوة و هي تضحك عاليا بسماجة ... لم تصدق عيناها الباكيتين بأسى هيئة شهد الغالي الأنيقة ...تقف مستندة على باب السيارة بثقة و غرور كبير ...فكلمتها ساخرة ...
-هل تحتاج ..سيدة ليديا توصيلة سريعة تليق بمقامها .... إلى شركة الصاوي َ العتيدة ...؟؟؟
لم تصدق بساطة حديثها الساخر و ضحكها السمج بعدما كادت تتسبب لها في سكتة قلبية من فرط خوفها .....أخذت تتنفس بعمق و الدموع تشغي عينيها .. ....إلى أن تمالكت نفسها و صرخت ببكاء عنيف.....
-أي لعنة حلت علي صباح اليوم .....أنت شهد الغالي لن ترتاحي حتى تأتي بآخرتي ...ارحميني لي طفل في ثالثة عشر .. و زوج مريض بالسكري .....لدي عائلة يا عديمة الإحساس .....
ضحكت شهد مجددا و هي تهز كتفيها بعدم مبالاة .... لتقترب منها تساعدها على النهوض و ترفع حقيبتها التي وقعت غير قادرة على السيطرة على نفسها ....و غير آبهة لشتائم الناس المسلطة عليها ..كيف لها وهي أرعبت امرأة قديرة دون اعتبار لفرق السن بينهما .......
أدخلتها إلى السيارة و أغلقت بابها تتجه ناحية بابها ودخلت تغني فرحة ... فرمقتها ليديا بنظرة حانقة نارية و أبعدت وجهها ناحية زجاج تطالع البنيات و الأشجار المصطفة على طول الطريق من الجانبين حتى قطع صوت شهد مبحوح الخافت صمتها و أخرجها من دائرة تفكيرها حول فضائية الفتاة الجالسة بجانبها ...
-كيف كانت مفاجأتي لكي ..؟؟ جميلة و رائعة و خلابة مثلي تماما .. أي شخص رائع أكونه أنا ....
قطبت ليديا مستغربة من مدى انشراح شهد و فرحها و مرحها الغريبين عن أطوراها ... الفترة القصيرة التي عرفت فيها إياها لم تكن سوى عابسة و نارية و متأففة و ضجرة حتى من نسمة الهواء المارة ..
كانت تنفجر فيها دون أي مراعاة لفرق السن و المكانة و الأهمية الاجتماعية.... في كونها أم و ربة منزل و صاحبة واجبات كبيرة و مسؤوليات مهمة ....عكس شهد الطالبة الجامعية صغيرة السن و متحررة من جميع القيود ...حتى إنها مستقلة من الناحية مالية ...على حسب ما تعرف هي لا تأخذ قرش واحد من والدها ........
البريق الخافت في عينها و الألق السعيد لم تتوقع أن يضفي هذا الجمال عليها ..تبدو متوردة و جميلة جدا بطريقة خلاقة ...و كأنها قد تخلصت من قيود حملها الثقيل ....فتبدو كشخص حقق حريته في أن يكون مختلف ....هذه المرة لا سمات القلق و الحزن المتخفي خلف ناريتها ...لا تبدو و كأنها خارجة للتو من عالم الذهول و الفجيعة ....
ابتسمت ليديا بحنو و سعادة تجتاح كيانها... و هي تربت بكفها على يدها الممسكة بالمقود.... شاكرة لله على اللحظة المبجلة التي تشرفت برؤيتها ....لشهد وهي تشع مرحا و حيوية....متخيلة عن نظام الصارم في الغضب ...
-مغرورة حتى النخاع أنتي ... مفاجأة سعيدة منك..أنا في الواقع أكثر فرحا لقبولك في الدورة التدريبية ....لهذا سندع الحساب على ما فعلته بي لاحقا .....
أصدرت شهد حمحمة رجولية ... تدل على فخرها بنفسها و ركزت على القيادة صامتة ....فتلاعبت ليديا بحقيبتها لتخرج أدوات ماكياج و تشاغلت بإصلاح زينة وجهها بعدما تلطخ بالغبار و الوسخ جراء ..مفاجأة شهد على حسب قولها إن لم تخنها حاسة سمعها ...
قطبت متسائلة وهي تبحث عن قلم كحل ..تهمس بصوت داخلي (..غريب وضعته هنا صباحا لربما وقع مني أثناء سقوط حقيبتي...)
-شهد أجدك عندك كحل ..؟؟
التفت شهد نحوها لتحدق به بعيناها الواسعتين المكحلتين .... فبهرت ليديا و قالت تضع يدها على صدرها....
-عيناك آية في الجمال ..أنا لم أرك قط وضعت عليهما كحل ...مشاء الله ....
مما جعل الأخيرة ..تلتفت نحو الطريق مصدومة من إطرائها.. هي لم تتجرأ قط على تحديد عيناه بالكحل منذ سنوات ثلاث مضت ...و فرحة اليوم أنستها خوفها من سيرة الكحل ...
ضاقت بعيناها و غابت بذكراها للبعيد ... يوم أصرت على نفسها أن تبدو جميلة ناضجة في نظر مروان ..حتى توقف به السخرية البادرة التي كانت تخشاها كصقيع يتلف أطرافها ..ربما ما كان يتلف منها إلا الأنوثة الوليدة بها .....
فقررت أن تفاجئه بما لم يشغل نفسه في اكتشافه..أو تقصد أن يتخطاه عن عمد .. ..عدا تلك النظرات الكسولة التي كان يلقيها نحوها بإهمال مبعثر ....و كأنما لم يهمه منها إلا القضية التي تكفل بحملها ....و شحذها بما يتطلبها من همم ....قضية أن تكون عصية لوالدها ....
صباحا وقبل ذهابها لجامعتها بتذمر كعادتها في رفضها لأمر هاشم الذي لم تكن فيه لها قرار ...قررت أن تشغل مللها الدراسي بإحداث تغيير على مظهرها الخارجي ...في وقت بلغ تعلقها بمروان أوجه ....و هي مولعة بالطريقة التي كان يغذي بها تمردها و ثورتها ضد والدها ....بما كانت تحتاج إليه من خطابات مؤثرة غاية التعقيد في فلسفتها ....
...لم تجد من الزينة أكثر جمالا من كحل ثقيل ..اشترته في غمرة وحدة خانقة ... فوضعت كحلا عربيا ثقيلا على عيناها .... ..لقد كانت تبدو تحفة أنيقة ..جميلة و صاحبة نظرة نارية ..كيف لا و الكحل أضاف قوة خفية بها و أشعل ناريتها...
لم تمر على رواق من أروقة الجامعة إلا و سمعت غزل رجولي هنا وهنالك .. مضايقات تجاهلتها و تصفيرات بعض الشباب الطائش أرضت غرورها الأنثوي ....
قد انتظرت طويلا مروان في رواق جانبي ....هو كان دائما يتأخر عنها ..كأنما يملك كل وقته من غير أن يعتذر عن موعد مؤخر بكثير أو يؤجل لسبب يخصه .. ...إلى أن أطل عليها من بعيد ..متأنق إلى حد متكلف..بما يوحي حرصه المرضي ... على مظهر متألق يخفي عيوبا لا حصر لها به .....
فبعيدا عن الرومانسية الحالمة التي توهمت أنها تعيشها في جوه و حضوره الرجولي القاسي ....لطالما جزمت بأنه شخص يخفي أكثر مما يبدو عليه أن يتحدث ..لم تكن هي من تشغله بل كان يحرص على تجريد انتمائها من هوية الغالي الناقصة بها .....مشعلا بها رغبة هوجاء في التطرف العائلي .....
كان يقترب و هو مقطب يرمقها بنظرات نارية ..إلى وصل إليها يتبدلان صمت متواطئ...لم تعرف له نوايا ......و رفعت رأسها إليه تشع سعادة متلهفة لردة فعله ما إن يلحظ الفرق ...أو يغرقها بغزل مما سمعته من قبل مجيئه .... فهمت بإلقاء التحية متوردة الوجه .. ...
لتجد يده تقبض على ذراعها بقوة وهو يجرها خلفه جرا كما تساق البهيمة للذبح حاولت إيقافه ..لكن كان يبدو كالمغيب كليا عن ما حوله... عبر بها طريق آخر نحو الحمام الرجالي ...توقفت نظراتها لمرآه.....في حين أنه لم يتوقف له طريق يجرها دون هوادة ....
.رغم ممانعتها القوية ..قد أدخلها بقوة يجرها و هو يدفع الباب برجله فكاد أن يكسره بعنف مريب ...و حررها من يده لحظة خاطفة
وقفت لها تسمد معصمها المزرق ...حتى باغتتها صفعة مدوية في أرجاء الحمام ..لم تجفل من رغم صوتها المدوي أرجاء الحمام الخالي إلا منهما ...... إلا باليد الثقيلة تحط عليها بقوة دون رحمة فتخلف توهج محمر آلمها ...و قبل أن تستوعب ما يجري لها ..رفعت وجهها ناحيته لتفاجئ بالصفعة الثانية على جانب وجهها الآخر ...
شهقت عاليا بأنفاس عنيفة ...لتباغتها صفعة ثالثة فرابعة ..فخامسة على توالي دون أن تتمكن من تصدي لها ...كانت سرعته قوية و يده قاسية على تقاسيم وجهها الناعمة تضرب حصونها مرة بعد مرة ....
شعرت بالدوار يلفها و سقطت مستندة على ركبتيها تحت جسده الضخم القوي تلهث و تأن عاليا ..و الدماء قد غطت شفتيها و أنفها ....تشوشت الرؤية أمام عينيها و إمتلئت بالدموع .....متسائلة بدهشة عما آل إليه ما خططت له في مفاجئته....
من غمامة تفكيرها المشلول ....سمعت صوت مياه الحنفية حاولت له أن ترفع رأسها الثقيل لتتمكن من رؤية ما يفعله ......إلى أن رفعتها يده القاسية عاليا و أحكم قبضته على فكها ...فحاولت التملص بضعف من يديه.... لكنه كان الطرف الرابح بالعودة لتفوق الجسدي بينهما ..
هو كان رجل في رابعة و ثلاثين في عمره ..بينما تكون مجرد فتاة شابة يافعة في سابعة عشر من عمرها ....تطلعت بعينيه لترى النظرة القاسية بهما و الوحشية ...لم تستطع تبين المزيد إذ سرعان ما وجدت نفسها تغرق في حوض المغسلة كان يشد جسدها نحوها ... نظرا لفرق الطول و يحني رأسها نحو المغسلة يغرقها بمياه الحمام القذرة
لم تعلم كم قضت تحت المياه تحاول شد نفسها وهي تدفعه برجلها و تضربه بيدها الحرة .و الحقيقة تضربها في نيته بقتلها غرقا ......قاومت حتى نفذ الأكسجين منها و دخلت المياه المتسخة اللاذعة لجوفها و حلقها....بينما كان يصرخ هو بوحشية و اهتزاز ...لم تكن مهتمة بما يخالجه بل جل ما كانت تحاوله أن تتحرر من المياه التي أغرقتها ...
.حينما أصدرت صوت يدل على غرقها ...رفعها من حجابها عاليا يشده بقوة ....ما أن تلامست الهواء حتى أطلقت شهقة عالية و جسدها يهتز بقوة طلبا للأكسجين.... و ازدادت دقات قلبها سريعا بألم ...
نظرت بالمرآة انعكاس شكله المرعب و هو يضعها بين يدها و يقيدها بجسمه ....فحاولت الصراخ لتجد نفسها مرة أخرى في حوض المغسلة تغرق من جديد ..و قد كان يخرجها كل مرة و يعيد تغريقها حتى شربت ربع الماء .. عذبها بقوة و هو يضغط على نفسها و روحها ....و ضحك بقوة ليرفع رأسها يشده... بعدما انفلت الحجاب منها و وصلت يداه لشعرها البني الناعم ذو لفات كبيرة يقبض على فكها يصرخ فيها
-أنظري إلى نفسك في مرآة و أخبريني من هذه الفتاة ...
تطلعت شهد بالمرآة تبكي بقوة و تشهق غير قادرة على ضبط نفسها ....صدرها كان يضيق و حلقها يلتهب بعدما شربت كميات كبيرة من مياه المغسلة القذرة ...لكن وجدت القوة الداخلية تدفعها أن تفعل كما أمرها ...فهو شخص يدعوك لما لا يريدك أن تقوم بفعله ..بل و بقناعة مسبقة أنك لن تقدر عليه ..لهذا قررت أن تباغته كما باغت فرحتها و قتلها في الصميم ....فلم تكن مشغولة بملاحظة مدى السوء الذي وصلت إليه ..و مدى اختلاله في تعامله ...
تطلعت بالمرآة لتتصلب جميع تقاسيم وجهها ...و تراجعت نيتها القتالية قليلا ...فتهدل فمها بألم ..... وجدت فتاة مرتجفة حتى الصميم ... قد سال الكحل على وجنتيها و لطخهما و انتفخت عيناها ..بدت بشعة جدا ...بشاعة لم تخفي فجيعتها في اكتشاف ما وراء مروان من تعقيدات و رغبات غاية العنف .....
بشعرها مبلل مقيد بأصابع مروان القاسية ... لقد كانت صورة مثالية للبؤس و الدونية .... تبدو كالعاهرات المخيفات .. ...مقيدة مبللة و منتهكة من قبل رجل استحال لوحش كاسر دون أن تفهم السبب ...أغمضت عيناها تحجب الصورة عن عقلها و عضت شفتها المكدومة إثر صفعاته القاسية.... و الغضب يحل محل الذهول و الخوف ....
فصرخت عاليا ترفع أنفها بشموخ و فخر أذهل مروان و أفقده صوابها تماما و طير البقية المتبقية من عقله ...
-شهد الغالي .... إنها الغالي ما أرى ....شهد الغالي ...أنت لن تكسرني يا مروان ...مجنون متخلف ....
فأدراها نحوه بخشونة لينقض على شفتيها يقبلها بعنف و قسوة .... يحبس أنفاسها بطريقة أخرى .. و هو يشد شعرها ...في قسوة همجية يتخلله بأصابعه الطويلة و يمشطه بطوله الذي امتد حتى خاصرتها النحيفة ........
....قد لم توقفه إهتزازت جسد شهد العنيفة و الهلعة ...بل أخذ يغرس أسنانه في شفتيهما حتى أحست بالدماء الفاترة تسيل تلذع لسانها..رغبة في تطويعها ... ...لكن من أعماق روحها برزت غريزة أنثوية جامحة في حماية ذاتها .....فأخذت تضرب قبضتاها صدره بقوة و تدفع برجلاها جسده بعيدا عنها ...
حتى حررها يلهث و الرغبة تستعر به . في الفتك بها و قلتها ...... فاستل خنجر من جيب سرواله الجينز و قبض على شعرها ليقسمه على نصفين ...ليتركه مشوه مقصوص الأطراف .....أمام جمود شهد المتصلب و الشجاع ..قد بقت ساكنة منتهكة و مجروحة في وجهه....دون أن تطالها الرغبة في إظهار رعبها الكبير منه ...
لكنه غافلها عن عمد حينما أسدلت نظرها عنه نحو شعرها ...و رفع كفه ليهوي على وجنتها بالصفعة السادسة على وجنتها اليسرى .و هناك لم تكن لها أي ردة فعل ثانية لتلجمه بها من غير صمودها و انهيارها ......فسقطت فاقدة للوعي ..بين يداه مكدومة و الدماء تنزف من أنفها و شفتها ...تطلع بها طويلا و أجهش بالبكاء يضمها إليه بقوة ...... ..
عندما عادت لوعيها رمشت بعينيها مرات عديدة تتأكد من بقائها حية بعد تعنيف مروان لها ..تتحسس كفها شعرها .. ..ففوجئت بالحجاب يغطيه ...أدرات عينيها المرهقتين تكتشف وجودها بداخل سيارة مروان..... .. لتنتفض بقوة من مكانها نحو الباب بنية الهرب ..لكنه بقاءه ساكن محني رأسه على المقود .....في صمته لا حركة تصدر عنه.... سوى من أنفاسه الرتيبة ...جعلها تتوقف بتردد و يدها على مقبض الباب .....
قد أحست برغبة في فتح الباب و الهرب بعيدا بحيث لا يدركها بعد اليوم ... فالوحشية التي اكتشفتها فيه اليوم تمنحها ألف سبب لتبتعد عنه دون رجعة ..و عليها أن تقطع علاقتها بهذا الإنسان الهمجي ... و إلا دمرها روحيا كما فعل جسديا ..لكن وجدت نفسها تستبقيه لآخر لحظة في فكرها ..مدفوعة بفضول قاتل نحوه ...تلك الرغبة العبثية في فضولها هي سبب ما منحته له من إيذاء مجاني نحوها ..لن تتجرأ فيه على مطالبة نفسها أن لا تمنحه الغفران ......
قطع صوته المرتجف شرودها و صخب أفكارها
-لا تضعيه ...
قطبت شهد متسائلة و هي مشيح بوجهها .... لكنه ما انفك يعيدها على دفة الحوار معه .كأنما يلاعبها على نهايات الجنون و المنطق .....و قد كانت أبعد من أن تستوعب ما يهتف به في ارتجافها حتى أوصالها أن يرفع يده عليها مرة ثانية.... فسكتت تسمع ما يبرر الجنون التي شهدته عنه في حمام رجالي
-أن تحددي عيناك بكحل كالذي وضعته ..يعني أنك تقررين فتح قبوري المدفونة ....هناك أشباح بداخلها لن ترضي حقيقتك الإنسانية ....
أجابته وهي تلتف برأسها بعيدا عن مرمى جسده الضخم و الذي أصبح مخيف في صلابته و عنفه .... بعد أن كان يشكل لها هويته عن باقي أقرانه من الرجال.....
-أنا لا أعرف عن ما تنهاني إياه ...لكن إن فعلت حقا ما تخشاه ..هل ستعود لتنتهكني كما فعلت توا .....
رفع رأسه إليها لتضربها دموع عيناه في الصميم...قد ظهرت على حافة وجنتها المرتفعة نحو أقصى نظر في ابتعادها عنه ....فثقلت أنفاسه بصدره ...و اهتز الألم يتراقص بدمائه التي تغلغلت عروقه بحقد الوحشي المتراكب على مر الزمن ....
ذبذباته العنيفة التي استشعرتها من تأمله لها .....أدرات نظرها نحوه بتردد خائب ..لم تعد تجد به ما تتوقع بل ما لا تعرف ...فالمعرفة ليست ممتعة بالقدر نفسه دائما ......
لكن هالها منظره المبعثر ....ذقنه كانت داكنة و شعره الحريري الأسود متشعث ..بطريقة ذكرتها بصورتها في المرآة ..... شعور الخزي الذي تملكها لن تنساه يوما ما حيت ...قال بصوته الخشن و هو يمسكه من يدها بحنو
-أنا لن أفعل لأنك لم تسمحي لي بعد اليوم بفعل ذلك ... فقط ضميني و أنا أعدك بأنني لم ألمسك ....
.................................................. .......................
أفاقت شهد على صوت صراخ ليديا وهي تقبض عليها من مرفقها تهزها حتى تخرج من شرودها ...بملامح مرتعبة ....مشدودة كما أنها تتوقع شيء بشع ....فتذكرت قيادتها لسيارة أمها نحو الشركة ..لكأنها غابت أياما على الواقع ..
.أعاد صوت صراخ ليديا تركيزها المشتت بين الغفلة و الواقع .....فدققت النظر من جديد أمامها في مدخل منفق الشركة التحتي لصف السيارات .....كانت سيارة مسرعة بدرجة جنونية نحو أسفل البنية ..... و ليديا لا تكف عن العياط ذاته ..فرفعت رأسها نحو محدد السرعة .لتهمس صراخا بداخلها (. ماذا ..متى زادت السرعة بهذه الدرجة لقد تخطت 110 كلم /ساعة...).....
كرد فعل غريزي انعطفت بقوة عندما لاحظت سيارة من الأمام تكاد تصدم بها أثناء محاولتها لصف السيارة .... فدارت السيارة دورات عديدة حول نفسها بعنف..... أثناء محاولتها التحكم فيها .. .إلى استقرت في النهاية دون ضرر....
أخفضت رأسها على وقع ضجيج ...ضجيج قوي و صورة مروان ترتسم أمامها ...... فغابت في حالة اللاوعي بعيدا عن العالم .... لم تستمع لهتاف الجالسة بجانبها و هي تكبر و تشهد بصوت مرتفع ..
لم تستمع الصوت رجولي عالي من زجاج الباب المفتوح و هو يشتم بخفوت قريبا منها ....لم تشعر بضربات ليديا على وجهها تفيقها و هي تدمدم صائحة غاضبة......
-لقد كدت تقتليننا ..و تقتلين سيد عمر خطاب ..

تأملتها شهد كما لو أنها قالت نكتة سمجة ....طويلا لدرجة أن ارتكبت ليديا فوق جزعها و هي تلاحظ بها سمات الاهتزاز النفسية ...و يتناهى إلى مسامعها صوت صفق باب مجاور ...
إلى أن طلقت ضحكة مدوية لم تتناسب و الموقف اهتزت لها أسارير الجالسة جنبها ....و تضرب المقود بقبضتيها المتعرقتين بشدة ..كما لو بها مس ...بينما تراقبها ليديا بقلق متصاعد في داخلها ملتصقة جنب الباب .....
إلى أن هدأت للحظات قصيرة ..كما تسبق العاصفة الأجواء المتواطئة في صمتها ... لتنفجر بعدها في بكاء مرير ....
أبعدت ليديا وجهها نحو مقدمة المرفأ بعدما خرجت متعثرة الخطى ...فلمحت عمر قادم مسرع بخطوات رشيقة نحوهم يتفحصها من كل الجوانب قلقا مرعوبا من احتمالية تعرضها لضرر..... و هو يصرخ ..
-سيدة ليديا أنت بخير ...سلامتك لقد كدت تصطدمين بسيارتي منذ لحظة.....
رفعت ليديا وجهها الشاحب نحوه مقطبة بقوة و قالت بصوت مرتعش قوي.... تشير لسبابتها نحو الفتاة داخل السيارة لم يتبين عمر ملامحها فقد كانت تبكي بقوة و تشهق بصعوبة .....
-شهد الغالي ..إنها بداخل السيارة ....هي لا ترد علي
فور أن تناهى الاسم إلى مسامعه شحب عمر و هرع يجري نحوها كما لو تطارده شياطين العالم ..عارفا أنه لو مسها سوء قد يدفع ثمن متراكم ...ليس له فيه أي ذنب كما اقتضت العادة معه .....في تصاريف القدر الظالمة .... ففتح باب مقدمة السيارة يجذب الفتاة النحيفة النحيلة .....ليوقفها على طولها بعنف ارتدت له بفعل القصور الذاتي ..مما جعله يستنشق العطر النسائي الخفيف بجرعات كبيرة ...حركت به إحساس غامض بداخله..
بالنسبة لعمر طبعه الرجولي تجلى في أن يكره العطور الثقيلة النسائية....قد يراها مجرد زينة و واجهة براقة لا تعبر البتة عن المضمون ..فلطالما انزعج من عطر خطيبته و ميزه و لو عن بعد أمتار عديدة ..
الأنثى الراقية هي من تضع عطر خفيف يعبر عن روحها لا أن يضعها هي ..فتستحيل لمجرد قارورة عطر متنقلة ... .....
تطلع بوجهها للمرة الأولى دون أن يتوقع بنظرته الصدمة الإرتجاجية له .... فقد شلت حركته و أنفاسه العتيدة .....تلك العينان الباكيتان المتسعتان و أثارتا به كل مشاعر حمائية الجنونية .....و هو من عمل على ترويض نزعاته البطولية و الحمائية ...حتى لا تضعه موقف الضعيف ..كما فعل ....
...و مما زاد صدمته حينما خفض بصره عن تأثير عسلية عيناها إلى باقي جغرافية وجهها الجميلة المنحوتة بكلاسيكية ... القسمات المؤلفة في فم الرقيق المرتجف مزموم بحزم ... غطاه لون ترابي طابق بها البريق الخاطف .... يتناسب و بشرتها القمحية الصافية ... ...فانتفض على صوت مبحوح خافت به رنة خفية لم يسمعها قط بصوت امرأة قبل الآن من حياته .....
-لن أهدد حصون قبورك المظلمة ..لأنني لن أحدد عيناي بالكحل كما تكره ..لكن رجاءا لا تؤذني ....
كلماته المتقاطعة بشهيق و بكاء عالي قطب لها عمر ....متناثرة بين عينيها و شفتيها .... جعله الأمر يدرك أنها لا تعي ما تقوله و أنها في زمن ما من عقلها اللاواعي ... ... مغيبة تماما عن الوقع ..باهتزاز حدقتي عينيها و تشنج ملامحها بألم....
تنفس بعمق يشد عليها من ذراعيه ...و يحاول تلميم كلمات مهدئة لها ..لكنها غافلته برعب أشرأب به لما انقضت عليه تلف ذارعاها حول خصره و تتشبث بأحضانه باكية بقوة ...
لا يذكر كثيرا حينها ما جرى سوى أنه قد توقف تنفسه و قلبه لوهلة ... و عاد ليضرب كما توقف خطفا له بدقات متسارعة.. ..فأحس به يتضخم من سيل المشاعر التي تملكته ...و يعي أنها في منتصف صدره متعلقة به ...على أنظار ليديا المصعوقة دهشة فيهما ....
لم يتجاوز الوقت بقليل حينما رفع يديه بنية إبعادها ...في بادرة تهذيب منه أمام أنظار سكرتيرته الأكبر سنا ....لكن شهد أحست بذبذبات رغبته كما لو أنها حديث مموه فأخرست ضجيج أفكاره بعضة متوحشة ....أخفض لها رأسه نحوها ....
قد تألم بقوة عندما غرست أسنانها أعلى تجويف كتفه بقوة ...معرضا لموقف ما تخيل له درامية كالتي يعيشها ..عارفا بأنها لا تعي ما تفعله به ... فأمسك برأسها يسمده و هو يهمس لها بكلمات حانية ...يهدأ بها أعصابها النافرة ..
متغاضيا عما تعبث به و تمرغ وجهها بين طيات سترته الأنيقة يمينا ويسارا بطريقة أنثوية ناعمة .....و أناملها الجميلة تقبض على مقدمة سترته و هي تدمدم بكلمات خافتة ..
و أخيرا حينما أحس بها على حين غرة تهدأ كليا و تفلت كتفه من عضتها القوية .... بسكون تام من غير أنفاسها العنيفة و المتضاربة بين شهيق و زفير أقبض الألم على صدرها المتثاقل تحت عضلاته صدره ...أمسكت يده مؤخرة رقبتها بحزم لطيف .....و هو مستغرب لسهولة انقيادها به .
فرفع رأسها يكتشف غيابها عن الوعي ..و بجسدها النحيل يرتخي بين ذراعه و ركبتيها تنحني نحو الأسفل ..لم يفكر كثيرا قبل أن يحملها بين ذراعيه مرة واحدة بسهولة تامة ...مستغربا نحولها الشديد..و استدار نحو ليديا التي سقط فاهها من منظرهما معا ....يكبح بها أي رغبة في المساعدة ...قائلا باقتضاب عله يتخلص منها و فضولها..في وقت لن يملك فيه إجابة ....
-أنت غطي غيابي لدقائق لدينا ساعة قبل بدء الافتتاح ... سأستقل مصعد جانبي يوصلني نحو مكتبي مباشرة ...لا تخبري احد أنني وصلت
استدار مبتعدا عنها بخطوات سريعة و رشيقة ..تارك ورائه كائن فضائي دهش ...فور أن استعاد قدرته على الكلام حتى صاح بقوة
-بحق الله فليخبرني أحدكم ما يحدث هنا ..سيد عمر و شهد ...
.................................................. .................................................. .................................................. ....
وضع عمر شهد برفق فوق أريكته السوداء الواسعة على ظهرها ...و هو لا يزال تحت تأثير مراقبة تقاسيم وجهها النائمة بسلام بحبور ... فجلس بجوارها يمسح على وجنتها المبللة عطر رجالي خاص به ....
شاردا في أفكاره و همسه الداخلي (.. من أين نزلت عليه سليلة الغالي هذه الشهد صباح اليوم .. أبدا لم يتوقع أن تكون على قدر من الجمال و الهشاشة كما يراها ...في نعومة أنسته أن يبتعد بنفسه....)
أبدا لم يتوقع لقاء بهذا الشكل معها.....تخيله البارحة حينما كان نائما على نفس الأريكة ..لقاء عاديا بين أروقة شركته أو مكاتبه .. و أبدا لم يسأل عن الطريقة التي سيعرف بها شكل وجهها ..هو كان متقين من معرفته لها دون أن يبحث عنها ...منذ وقعت عيناه على خط يدها و أفكارها المبعثرة هنا و هناك من ورقة إجابتها ......
و بينما غفل عنها نحو كم سترته الذي أخذ يلمع بشيء ذهبي ....فتحت عيناها ببطئ شديد نحوه و هي ترفع رأسها عاليا بينما هو شارد عنها .. لم يتوقع ردة فعلها ولم يتمكن من رؤيتها ترتفع نحوه .. فاعلا المثل يحني رأسه اتجاهها ليصدم وجهه بجبهتها بقوة....
فتراجع واقفا ... يمسك بأنفه و جلست هي ساخطة تبرطم من بين أنفاسها .....نظر لها بقوة و هو يشتم سرا ما إن رآها تتآمر عليه تشير بيدها نحو الباب الكبير لمكتبه... لتخفي وجهها بين يديها .
-أخرج ...أريد الراحة من فضلك سيد عمر ....
قد وجد نفسه يبتسم بسخرية و يخرج من مكتبه مسرعا ...ممسكا بالسوار في قبضته .....


ورد الخال likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-11-17, 10:29 PM   #7

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
قديم 03-11-17, 11:26 PM   #8

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
Elk

C'est un S.O.S., je suis touchée, je suis à terre !
هذه أس.أو .أس (رمز الإستغاثة) أنا متؤثرة , أنا عالأرض !



Entends-tu ma détresse, y a-t-il quelqu'un ?
هل تسمع إستغاثتي ؟ , هل هناك أحد ؟



Je sens que je me perds...
أنا أشعر أني خسرت نفسي ....







J'ai tout quitté, mais ne m'en veux pas
لقد تركت كل شيئ , لكن لا ألوم نفسي



Fallait que je m'en aille, je n'étais plus moi
كان علي الذهاب أنا لم أكن أنا



Je suis tombée tellement bas
أنا سقطت للأسفل



Que plus personne ne me voit
لن يراني أحد بعد الآن



J'ai sombré dans l'anonymat
لقد غرقت بالمجهول



Combattu le vide et le froid, le froid
قتلني الفراغ , والبرد , البرد



J'aimerais revenir, j'n'y arrive pas
أردت العودة لكن لم أنجح



J'aimerais revenir
أريد العودة



Je suis rien, je suis personne
أنا لا شيئ أنا لا أحد



J'ai toute ma peine comme royaume
كل الحزن لدي , كالمللكة



Une seule arme m'emprisonne
فقط سلاح حبسني



Voir la lumière entre les barreaux
أرى الضوء من بين القضبان



Et regarder comme le ciel est beau
وأرى جمال السماء



Entends-tu ma voix qui résonne (qui résonne) ?
هل تسمع صدى صوتي ( الصدى )







C'est un S.O.S., je suis touchée, je suis à terre !
هذه أس.أو .أس (رمز الإستغاثة) أنا متؤثرة , أنا عالأرض !



Entends-tu ma détresse, y a-t-il quelqu'un ?
هل تسمع إستغاثتي ؟ , هل هناك أحد ؟



Je sens que je me perds...
أنا أشعر أني خسرت نفسي ....







Le silence tue la souffrance en moi
الصمت قتل المعاناة في



L'entends-tu ? Est-ce que tu le vois ?
هل رأيتها ؟ هل سمعتني ؟



Il te promet, fait de toi
هو وعدك أن يجعل منك



Un objet sans éclat
كائن بلا لمعان



Alors, j'ai crié, j'ai pensé à toi,
ثم صرخت، لقد فكرت بك



J'ai noyé le ciel dans les vagues, les vagues
أغرقت السماء بالموجات , الموجات



Tous mes regrets, toute mon histoire
كل ندمي, كل قصتي



Je la reflète
أنا عكستها



Je suis rien, je suis personne
أنا لا شيئ أنا لا أحد



J'ai toute ma peine comme royaume
كل الحزن لدي , كالمللكة



Une seule arme m'emprisonne
فقط سلاح حبسني



Voir la lumière entre les barreaux
أرى الضوء من بين القضبان



Et regarder comme le ciel est beau
وأرى جمال السماء



Entends-tu ma voix qui résonne (qui résonne)
هل تسمع صدى صوت ( الصدى )







C'est un S.O.S., je suis touchée, je suis à terre !
هذه أس.أو .أس (رمز الإستغاثة) أنا متؤثرة , أنا عالأرض !



Entends-tu ma détresse, y a-t-il quelqu'un ?
هل تسمع إستغاثتي ؟ , هل هناك أحد ؟



Je sens que je me perds...
أنا أشعر أني خسرت نفسي ....







C'est un S.O.S., je suis touchée, je suis à terre !
هذه أس.أو .أس (رمز الإستغاثة) أنا متؤثرة , أنا عالأرض !



Entends-tu ma détresse, y a-t-il quelqu'un ?
هل تسمع إستغاثتي ؟ , هل هناك أحد ؟



Je sens que je me perds...
أنا أشعر أني خسرت نفسي ....

ورد الخال likes this.

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
قديم 04-11-17, 12:01 AM   #9

ماري الشام

نجم روايتي ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي ومُحيي عبق روايتي الأصيل وأميرة رسالة من القلب

alkap ~
 
الصورة الرمزية ماري الشام

? العضوٌ??? » 323753
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,243
?  مُ?إني » الجزائر
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond reputeماري الشام has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة modyblue مشاهدة المشاركة
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
الغالية مودي ..الراقية و الرائعة ...المعطاءة الحبيبة ....الروح العابرة كبلسم لجراح السنين ...
ملهمتي و بداية إنطلاقتي ...
أعتبرك والدة شهد ..لقد أعدت تجديد الرواية من أجلك ...أردتها أن تبقى ..لأنك من كنت وارء كل كلمة خطتها أناملي ...
الذي تعجبه هذه الرواية ...عليه ان يؤمن أن لولا مودي ...ما كتبت بها حرفا...
نجاحي منها ...ثباتي من قوتها ..هدوئي فقط لأجلها ...
و من أجلها ..أيضا أدخلت شخصية جديدة ..تكون هي نفسها ....شخصيية العمة صافية ...
مروا على هذه العضوة القديرة ...و تذكروا أنها ملهمتي ....


ماري الشام غير متواجد حالياً  
التوقيع
".. أطَيَافُ الرَحِيْل تَعَلقتْ بِغصْنِيْ الأَخضرْ و أغُنيةُ المطرِ رسَمَتْ حُروفاً بلاً لحنْ علىَ جِذعيْ المَكسورْ..
تَسألونِنيْ من أكونَ وسَطَ هذا البذخُ مِنَ الحضورْ؟
ليتكمُ تَعلَمونَ ؟
https://f.top4top.net/p_921olenh1.jpg
أناَ شجرةٌ بلاَ جذورْ..,"
رد مع اقتباس
قديم 04-11-17, 01:52 AM   #10

bobosty2005

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية bobosty2005

? العضوٌ??? » 345060
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,798
?  نُقآطِيْ » bobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond repute
افتراضي

انا قلقت قلت الفصول من اول وجديد تانى بس لقيتك مجمعه كذا فصل شكل الروايه دى محيره بالنسبه لكى مش عارفه ليه وحيرتينا معك اعتقد تؤثر على المتابعه عدم الاستقرار على وضع معين كان ايه المشكله بالاول لان ما زال المحتوى واحد أنا كنت أظن أن هناك تغير بالاحداث ولكن نفس الاطار طبعا انا بينت قبل ذلك انى كنت أتمنى أن شهد لا يكون مروان مارس عليها هذا الكم من العنف وانتى وضحتى أنه لن يكون هناك اختلاف فى هذه الناحيه ولو على الاعتراض على بعض المشاهد كان ممكن تحذفيها ولكن انتى الكاتبه ورؤيتك تحترم وايضا بتكون نظرتك للأمور غيرى كمتابعه اقتباس الغلاف رائع ومن اجمل المشاهد وكان هناك اعتراض على جزء به من البعض وهو من احد الفصول اللى قرأتها قبل البدايه من جديد وعجبنى كثيرا اختيار موفق كغلاف بالنسبه لى منتظره الأحداث الجديده اسلوبك مميز بالتوفيق بالقادم

bobosty2005 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:20 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.