آخر 10 مشاركات
جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          زهر جبينها المكلل- قلوب أحلام غربية (118) [حصريا] للكاتبة Hya Ssin *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          المز الغامض بسلامته - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة Nor BLack *كاملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          مابين الحب والعقاب (6)للرائعة: مورا أسامة *إعادة تنزيل من المقدمة إلى ف5* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          واثق الخطى ملكاً فى قلبي *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : حياتى هى خواتى - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          أسيـ الغرام ـاد -ج2 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائــد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          قطار الحنين لن يأتي *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : رُقيّة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-11-17, 06:38 PM   #1

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي من يعيد قوس قزح (2) .. سلسلة وهل للرماد حياة؟ *مميزة ومكتملة*






من يعيد قوس قزح




السلام عليكم ...
يسعدني الإعلان عن ابنتي الثانية عشرة...
"من يعيد قوس قزح"...الجزء الثاني من سلسلة "وهل للرماد حياة"..بعد "ماسة و شيطان"...
(رابط تحميل ماسة وشيطان https://www.mediafire.com/file/fy4fp...9%8A%D8%A9.pdf )


ان شاء الله نبدأ تنزيلها هنا عقب انتهاء روايتي تعاويذ عمران ...
وهذا جزء من المقدمة....
وتتوالى المشاهد ان شاء الله حتى نبدأ في تنزيلها بانتظام....
بسم الله .....

======================


شكرا للمبدعة كاردينيا على التصميم





روابط الفصول

مشاهد من الرواية .. في المشاركة التالية

تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن والتاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون ج1
الفصل الخامس والعشرون ج2
الفصل السادس والعشرون ج1
الفصل السادس والعشرون ج2
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الثاني والأربعون ج1
الفصل الثاني والأربعون ج2
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون ج1
الفصل الخامس والأربعون ج2
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون والتاسع والأربعون
الفصل الخمسون الأخير ج1
الفصل الخمسون الأخير ج2
الخاتمة ج1
الخاتمة ج2
الخاتمة ج3




التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 17-06-22 الساعة 08:37 AM
نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 07:04 PM   #2

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله نبدأ ............................
مشاهد من الرواية



عيناها تلتمعان ببريق إعجاب احتل خلاياها كلها وهي ترمقه في جلسته المهيمنة كملك متوج...
شعره المصفف بعناية كما يجب أن يكون...
جبينه الوضاء الذي تجعد مع انعقاد حاجبين ظلّلا عينين صقريتين تتوهجان كشهابين من نار...
أنفه الذي يحكي بشموخه ألف قصة من غرور...
شفتيه اللتين ناقضتا كل هذا بابتسامة جليدية قبل أن تمتد أنامله ليشعل لفافة تبغ أخذ منها نفساً عميقاً قبل أن ينفثه ببطء ...
خطواتها تنجذب نحوه دونما وعي حتى تقف أمامه قبل أن تنحني على ركبتيها وهي تعقد ساعديها على ساقيه لتتمتع عيناها بصورة أقرب وهي ترفع وجهها إليه لتهمس بصوت مغوٍ:
_لن تقنعني ببرودك هذا...تحت الرماد نار أكاد أحسها تلفحني بلهيبها.
فاتسعت ابتسامته القاسية موازية لصرخة دهشتها وهي تراه يغرس "سيجارته" المشتعلة في معصمه لتتجمد ملامحه بألم بدا وكأنه اعتاده ...قبل أن يتصبب جبينه بعرق خفيف وهو يتناول مطفأة سجائره من جواره ينفخ بقايا رمادها في وجهها متجاهلاً سعالها ...
وهي تتبع بنظراتها تلك الندوب على ذراعه والتي تعرف - الآن- سببها!!
ليقول أخيراً خلف عينين تموجان ألماً وقسوة وهو يتذكر آخر عبارة ل"طيفه" الغادر :
_حمقاء! وهل للرماد حياة؟!
========
***أزرق.....
==========
_هل عدتما؟!
هتف بها فهد بلهفة وهو معلق على سلم خشبي في غرفة الصغيرة التي اندفعت نحوه لتهتف بشقاوتها المعهودة وبحروفها المتلعثمة:
_أو...ستان...إيد...فجأة!
ضحك فهد وهو يشير لجنة بأصابعه هاتفاً بمرح:
_الترجمة من فضلك !!
فاستسلمت جنة لضحكاتها للحظات قبل أن تقول مفسرة:
_ فستان العيد ...مفاجأة!!
قهقه ضاحكاً وهو يعود لما يفعله مع قوله:
_تأخرتما كثيراً!
فزفرت جنة لتقول بإرهاق:
_صغيرتك متعبة مثلك...لا يعجبها شيء...أكاد أجزم أننا ذهبنا لجميع المحلات في المنطقة...كلما اخترت لها ثوباً تهز رأسها نفياً باعتراض حتى أعجبها هذا!
قالتها وهي ترفع الثوب الذي اختارته الصغيرة أمام عينيه ...
ثوب فيروزي يميل للزرقة بعدة طبقات من قماش الشيفون المنفوش ...
ضيق الصدر مع حمالتين رفيعتين...وقد زين خصره بحزام عريض من نفس اللون مع نقط صغيرة باللون الفضي...رمقه هو بنظرة إعجاب متفحصة قبل أن يقول بمرح:
_لقد أفسدتِ ذوق الفتاة...صارت مهووسة بالأزرق مثلك!
فابتسمت جنة وهي تجلس بإرهاق على طرف فراش الصغيرة التي صفقت بكفيها وهي ترى ما يفعله أبوها...
كان قد علق لها البالونات في سقف غرفتها بشكل رائع مزج اللونين الفضي والأزرق...
والآن كان يثبت لها الكثير من النجوم في سقف الغرفة ...
قبل أن يقول لها بحنان:
_حبيبة أبيها تطفئ النور لترى المفاجأة!!!
جرت ملك بمرح لتطفئ الأنوار ثم شهقت بسعادة وهي ترى النجوم التي تضيء في الظلام وقد ملأت سقف الغرفة وصنعت مع البالونات عالماً مثالياً لطفلة في عمرها ...
بينما هتف فهد بمرح:
_كي لا تخافي من النوم في الظلام بعد الآن...ونتجنب الشجار مع "الأستاذة" التي ترى من المفيد للطفل ألا ينام والأنوار مفتوحة!
ضحكت جنة بمرح وهي تراقب جو الغرفة الساحر حولها بفرح...
لكن الصغيرة عادت تفتح النور وهي تشير بأصابعها نحو فهد بكلمات متلعثمة فهمها هو هذه المرة...
فنزل من على السلم الخشبي ثم توجه نحوها ليخرج من درج قريب زجاجة طلاء أظافر نبيذية اللون...
رفعها في وجه الصغيرة ليقول بمرح:
_هيا لنلون أظافر أميرتنا!
ملأت ضحكات ملك المكان وهي تجلس على طرف الفراش فاردة له ظاهر كفيها بترقب طفولي...
فجلس على ركبتيه أمامها وهو يفتح الزجاجة ليبدأ في طلاء أظافرها بحرص مع قوله:
_أريدكِ أن تكوني أجمل فتاة عندما نذهب لصلاة العيد .
فضحكت جنة وهي تراقبهما بحنان قائلة :
_لا تحمل همّ صلاة العيد...بل زيارة أختك وطفليها...ضياء الرفاعي يعيّر ابنتك بأنها أقل جمالاً من شقيقته فضية العينين!!
أطلق فهد صيحة استنكار وهو يراقب ملامح الصغيرة التي بدت وكأنها تفهم هذا وإن عجزت عن التعبير...
ليقول بحمية أب غيور:
_من هذا الذي يقلل من شأن ملك الصاوي؟! أنا سأؤدب ابن الرفاعي بشعره المشعث هذا عندما أراه !!!
ضحكت ملك بسعادة وهي تكرر بكلماتها المتلعثمة ما يوازي (ضياء شعره مشعث) وكأنما أسعدتها الجملة !!!!
بينما انتهى فهد مما يفعله ثم تناول أناملها الصغيرة لينفخ أمامها بقوة مجففاً الطلاء قبل أن يقبل وجنتي ملك هامساً بنبرة حازمة:
_والآن تنامين مبكراً حتى ندرك صلاة العيد!
أومأت الصغيرة برأسها وهي تتوجه نحو جنة التي حملتها لتبدل لها ملابسها وتعدها للنوم...
فيما تثاءب فهد ليقول بنبرة متعبة:
_وأنا أيضاً سأذهب للنوم...تصبحين على خير!
قالها وهو يحمل السلم الخشبي ليغادر الغرفة...
ولم تكد الصغيرة تستسلم للنوم حتى لحقت به جنة إلى غرفتهما...
حيث فوجئت به قد أخذ وضع النوم وبدأ في ضبط منبه هاتفه ثم وضعه جواره ليستلقي على جانبه...
مطت شفتيها باستياء ثم خلعت حجابها لتمشط شعرها الذي تركته حراً على ظهرها...
ثم تخيرت أحد قمصانها الحريرية بلون سماوي جذاب زاد من فتنتها الطبيعية خاصةً مع عطرها المفضل بمزيج من رائحة الصندل والفانيللا...
قبل أن تستلقي جواره لتوكزه بسبابتها في كتفه هامسة بدلال :
_فهد ؟! هل ستنام حقاً؟!
رمقها بعين نصف مغمضة وهو يهمهم بإجابة مفادها الإيجاب..
لكنه وكزته بعنف أكثر وهي تقول باعتراض:
_لا تمزح...لا أحد ينام ليلة العيد!!
لكنه تثاءب من جديد ثم جذب الوسادة ليضعها على رأسه قائلاً:
_نحن نفعل...من تقاليد عائلتنا أن ينام الرجل ليلة العيد!!
_فهد!!
هتفت بها بنبرة زاجرة وهي ترفع الوسادة عنه لتردف بصرامة مصطنعة:
_لن تنام وهذا آخر كلام!
زفر بضيق مصطنع وهو يقوم من مكانه ليسألها السؤال المفخخ:
_وكيف سنقضي ليلتنا؟!
ردت له بضاعة "خبثه" بمثلها عندما قامت لتقف وهي تعقد ساعديها أمام صدرها قائلةً بمكر:
_نشاهد مسلسلي الأجنبي المفضل...جرائم معقدة وكيف تصل الشرطة للحل!
ظهرت الخيبة على وجهه لكنه واراها بسرعة وهو يهب واقفاً ليقول باستحسان مبالغ فيه:
_فتحتِ شهيتي للسهر حقاً...إلا مسلسلات الجرائم هذه ...أعشقها!!!!
قالها وهو يلاعب حاجبيه مشاكساً بينما يقترب منها وعيناه تلتمعان بشقاوتهما المعهودة...
فلكزته في كتفه وهي تقول بعتاب ممتزج بالمرح:
_تريد شيئاً؟!
دارت عيناه عليها بتفحص حار للحظات ...ثم اقترب منها ببطء وعيناه تعانقان شفتيها بحب...
قبل أن يميل عليها ليهمس في أذنها فجأة:
_قهوة!
_ماذا؟!
هتفت بها باستنكار فجلجلت ضحكته في أذنيها للحظات قبل أن يخبطها بسبابته على أنفها قائلاً بمرح:
_سأنتظركِ حتى تعدينها أمام التلفاز بالخارج...كي نشاهد مسلسلك المفضل!!
قالها وهو يغمزها بخفة ثم غادر الغرفة تاركاً إياها خلفه وقد غلبتها ابتسامتها...
لتعود إليه بعد قليل وقد وجدته قد فتح التلفاز حقاً على مسلسلها المفضل...
وضعت صينية القهوة جانباً وهي تهم بالجلوس جواره لكنه سحبها ليجلسها على ساقيه ثم همس وهو يزيح خصلات شعرها عن وجهها:
_لا تريدين طلاء أظافر مثل لوكا؟!
فأسبلت جفنيها وهي تزم شفتيها بدلال لتهمس:
_ظننتك نسيت!
_أبداً يا أستاذة!
همس بها بعاطفة أذابتها وهو يقربها منه أكثر ليمدد ساقيها أمامه...
ثم تناول زجاجة الطلاء من جواره ليقول بمرح:
_سنبدأ بقدميكِ لأجل خاطر دلالهما المميز هذه الليلة!
قالها وهو يشير لتلك الاكسسوارات من "العُقل" المعدنية التي تلونت بالذهبي والفضي والنحاسي والتي زينت بها أصابع قدميها في غفلة منه ...
أو هكذا كانت تظن!!!!
فتنهدت بحرارة وهي تسند رأسها على كتفه فيما تهمس له وهو يباشر ما يعمله بسعادة:
_كم أحبك!
عاد ببصره إليها للحظات لتلتقي عيونهما في نظرة طويلة...
ثم رفع قدمها ليقبل ظاهرها بعمق قبل أن تستمر قبلاته في خطها الطويل حتى وصلت لجبينها ...
قبل أن يهمس أمام عينيها:
_لم أقل لكِ يوماً "أحبك" ولن أفعل أبداً!
فابتسمت وهي تلامس شفتيه بشفتيها لتهمس بدلال :
_لازلت تراني امرأة لا يليق بها كلام مكرر؟!
_بل لا يليق بها كل الكلام...مهما عظم!
همس بها بيقين ثم ترك ما بيده ليضمها إليه بقوة وأنامله تتوه بين خصلات شعرها الثرية مع استطراده وهو يذوب أكثر في وهج البندق خاصتها:
_عمري قبلك كان قبضة تعتصر رقبتي...ظاهره حياة وباطنه موت...حتى أهداني القدر معكِ بعثاً وحياة...فليقولوا ما يشاءون عن الحب...لكنني وحدي أدرك أنه من لم يعشقكِ أنتِ فلم يحب!!
تعلقت بذراعيها في عنقه وشفتاها تدللان ملامحه بما يليق...
حتى توقفتا أمام ندبة ذقنه فرفعت إليه عينيها وهي تتذكر تلك الليلة التي جمعتهما لأول مرة...لتهمس بشرود:
_من كان يقول أن تكون أشد لحظاتي يأساً هي التي ستفتح لي باب حب عظيم كهذا!
بادلها نظراتها العاشقة بمثلها وهو يضمها إليه أكثر قبل أن تشعر بقبضتيه تخبطانها ببعض القوة مع همسه العاتب في أذنها وهو الآخر يسترجع أقسى ذكرياته معها أيام أوهمته بموتها :
_قلت لكِ سأظل أضربك طوال عمري كلما تذكرت ما فعلتِه بي...صدقيني ندبتك هذه على وجهي لا تساوي شيئاً أمام ندبة قلبي من حينها...لازلت أستيقظ بعض الليالي خائفاً من أن تكوني وملك مجرد حلم !!
التمعت عيناها بشعور ذنب قديم وهي تخفي وجهها في عنقه وقد آثرت الصمت عن أي تبرير ...
عندما ضمها إليه أكثر وأكثر حتى كاد يعتصرها بين ضلوعه...
قبل أن تشتعل عاطفتهما أكثر ليستجيبا لها بجنون...
جنون انقطع مع رنين هاتفه الذي أصر على تجاهله لولا إصرار الطرف الآخر بدوره...
فزفر بقوة وهو يبعدها مع هتافه :
_هي ليلة منحوسة وأنا كنت أنوي النوم...أنتِ التي أيقظتني!
فضحكت بشماتة وهي تخرج له لسانها بينما تناول هو هاتفه ليطالع اسم المتصل قبل أن يفتحه بسرعة مع هتافه بمزيج من قلق ولهفة:
_حسام!
==========
*** أصفر

الله أكبر...الله أكبر ...الله أكبر...
لا إله إلا الله...
الله أكبر ...الله أكبر...ولله الحمد...
انطلقت تكبيرات العيد من المذياع في صالة منزلهما ترددها الصغيرة ربى بصوتها الطفولي وهي تهز رأسها معها بتناغم عذب...
فابتسم راغب وهو يضمها إليه بقوة ثم تملك خصرها بكفيه ليقول بحنان رغم خشونة صوته المميزة:
_كل عام وأنتِ بخير.
فقبلته الصغيرة على وجنته لتسأله بمرح :
_هل سنذهب للملاهي في العيد؟!
داعب أنفها الصغير بأنفه بخفة ثم رفعها فجأة للأعلى محرراً جسدها من ذراعيه قبل أن يعاود التقاطها هاتفاً بحماس:
_فلنبدأ بهذه!
ضحكت الصغيرة بانطلاق وهو يعاود فعلته مرة بعد مرة لتملأ ضحكاتها الشبيهة بالصرخات المكان ...
حتى ضمها لصدره أخيراً وهو يلهث لتهتف هي باعتراض:
_هل تعبت؟! وأنا الذي ظننتك بطلاً ك"سوبر مان"!
فضحك وهو يقرص وجنتها ليقول وهو يغلظ صوته أكثر مشيراً لشخصية كارتونية شهيرة:
_سأتحول الآن ل"سلوفان" المرعب لو لم تتوقفي عن طلباتك المزعجة.
لكنها عادت تضحك وهي تحيط وجنتيه بكفيها لتقول بشقاوتها الطفولية:
_ساعتها سأتحول ل"بو" ...يا "قطتي"!!
فضحك من قلبه ضحكة عالية وهو يتعجب من ذكائها الفطري الذي يفوق سنها الصغير بمراحل ...
ليقبل وجنتها بعمق ثم تنهد ليهمس بشرود:
_كم تشبهين والدتك في هذا...هي أيضاً تجيد ترويض غضبي متى شاءت.
فرفعت ربى رأسها نحوه وهي تقول بحماس:
_أيقظ أمي كي لا نتأخر عن صلاة العيد...وأنا سأنيم عرائسي كي لا تفتقدني عندما نغادر.
عاد يضحك باستمتاع وهو يتبين خيالها الخصب الذي جعلها تهرول نحو دماها القماشية لترصها جوار بعضها وتغطيها برفق قبل أن تجلس وسطهن تربت عليهن بحنان ...
ظل يراقبها مستمتعاً للحظات ثم عاد ببصره نحو غرفته مع رؤى يراقب بابها المغلق بأسف...
هو يعلم أنها ليست نائمة...لكنها ببساطة غاضبة!!
لقد خرجا معاً بالأمس للتسوق وتركها بضع دقائق في محل خاص بالمشتريات النسائية ...
لكنه عاد ليجدها واقفة تنتظره وخلفها رجلٌ يتفحصها ببصره بوقاحة بنظرات لا يفهمها إلا رجل مثله ...
فلم يملك نفسه وهو يندفع نحوه ليكيل له لكمة قوية تطورت لشجار كبير لم يفضه إلا رجال الأمن في ذاك السوق التجاري الشهير!
ومن وقتها وهي معتصمة بصمتها وكذلك هو أخذته العزة بالإثم فجازاها بصمتها صمتاً...
لكنه لن يحتمل هذا كثيراً!!
لهذا توجه نحو الباب المغلق ليفتحه قبل أن تحمله قدماه لفراشهما الذي استلقت هي عليه وقد أعطت ظهرها له...
فجلس على طرف الفراش صامتاً للحظات ثم تنحنح بخشونة...
قبل أن يميل عليها ليحتضنها بساعده هامساً في أذنها:
_هل ستبقين غاضبة هكذا في أول يوم للعيد؟!
لم ترد عليه للحظات قبل أن يصله همسها الخفيض:
_سأقوم كي نذهب للصلاة!
قالتها وهي تحاول دفع ساعده عنها لتنهض لكنه تشبث بها أكثر وهو يزيح خصلات شعرها الثائرة عن وجنتها ليلثمها بعمق قبل أن يعاود همسه المشاكس:
_وهل ستقبل صلاتك وزوجك غاضب عليكِ؟!
فالتفتت نحوه بعينيها بحدة لتهمس باستنكار عاتب:
_أنت الغاضب؟!
فتغزلت أنامله ببشرتها وصولاً إلى شق ذقنها الأثير الذي استقرت عليه شفتاه للحظات قبل أن يهمس أمام عينيها بحزم رفيق:
_دعينا نلحق بالصلاة أولاً وبعدها نتفاهم.
أومأت برأسها في طاعة ثم ترددت قليلاً قبل أن تقبل جبينه قبلة خاطفة مع همسها المقتضب:
_كل عام وأنت بخير!
فكتم ابتسامته وهو يراها تزم شفتيها بعدها كابنتها عندما تغضب قبل أن تقوم لتغادر الفراش نحو غرفة الصغيرة ...
راقبها ببصره بحنان للحظات قبل أن يلحق بها لتتسع عيناه وهو يراها تلبس الصغيرة ما تنتوي أن تخرجها به ...
وعلى جثته أن تفعل!!!!
فابنته كانت واقفةً أمامه ترتدي سروالاً ضيقاً شديد القصر من خامة الجينز بالكاد يغطي مؤخرتها ...
تعلوه "بلوزة" وردية عارية الظهر تعلقت بعنقها بحمالة رفيعة !!
فانعقد حاجباه بضيق وهو يهتف باعتراض :
_ما هذا؟!
أشاحت رؤى بوجهها في استسلام وقد بدت وكأنها كانت تتوقع استياءه ...فيما رفعت الصغيرة لواء الثورة وهي تهتف بسعادة:
_"هوت شورت"!!
أطلق راغب صيحة استنكار عالية جعلت رؤى تكتم ضحكتها بشفتيها عندما هتف مكرراً خلفها:
_"هوت شورت"؟!! يا فرحة أمك بكِ؟!
لكن الصغيرة زادت الطين بلة عندما أحاطت خصرها بكفيها وهي تتراقص في وقفتها لتقول بحماس طفولي:
_سأشبه "هانا مونتانا"...الفتيات سيحسدنني عليه!!
فهتف راغب بضيق مخاطباً رؤى وهو يقترب منهما:
_لقد أكل التلفاز عقل ابنتك...لهذا كنتِ تخفين ثياب العيد عني؟!
أطرقت رؤى برأسها دون رد عندما جثا هو على ركبتيه أمام الصغيرة ليهمس لها مقنعاً:
_ثيابكِ هذه رائعة ...تجعلكِ في غاية الجمال...لهذا لن ترتديها إلا داخل بيتنا فقط.
عقدت ربى حاجبيها بغضب وهي تنظر لأمها طالبة الدعم ...
لكن راغب أحاط وجنتيها براحتيه ليردف بنبرة حنون:
_حبيبتي الصغيرة تطيع أباها ...صحيح؟!
ظلت الصغيرة على انعقاد حاجبيها دون رد فضحك وهو يقوم ليستخرج لها من خزانتها ثوباً طويلاً شديد الأناقة يصلح للارتداء في المناسبات ...
أبيض اللون بزهور وردية صغيرة على صدره الذي تم تطريزه باللؤلؤ الأبيض ...
وما إن رأته الصغيرة حتى التمعت عيناها بحماسة فيما هتف هو برضا:
_هذا سيجعلكِ تبدين كدميتك الجديدة...عروساً أنيقة!!
نجحت حيلته في إقناع الصغيرةالتي كادت تخلع ثيابها بنفسها لولا أن تذكرت شيئاً جعلها تهتف باعتراض طفولي:
_اخرج أولاً فلن أغير ثيابي أمامك!
فابتسم أخيراً وهو يرمقها بنظرة راضية فيما قالت رؤى وهي تنظر لصغيرتها بنبرة مؤنبة:
_لا تحزني يا صغيرتي...لنا الله من غيرة ذاك الرجل...لو كان الأمر بيده لما أخرجنا من بيته!
ضحك ضحكة قصيرة وهو يعطيهما ظهره ليغادر قائلاً لابنته -على طريقة الكلام لكِ يا جارة-:
_يا صغيرتي...رجلٌ لا يغار ليس برجلٍ أصلاً...لا أتمنى سوى أن يطيل الله في عمري لأراكِ في عصمة من يغار عليكِ مثلي!
فراقبت رؤى ظهره المنصرف للحظات بنظرات عاشقة...
ثم احتضنت صغيرتها لتهمس في أذنها بهيام:
_لا تصدقي غضبي منه...أنا الأخرى لا أتمنى لكِ أفضل منه...
ثم عادت لتهمس أمام عيني الصغيرة بابتسامة مشرقة:
_أبوكِ أعظم رجل في العالم ...
ثم تلفتت حولها لتعود إليها بهمسها وهي تشير بسبابتها على شفتيها:
_لكن لا تخبريه أنني قلت هذا ...هذا سر بيننا!
فأومأت الصغيرة برأسها لتهمس هي في أذن رؤى هذه المرة:
_هو أيضاً أخبرني أنكِ أفضل امرأة في الدنيا ...وطلب مني أيضاً ألا أخبرك لأنه سر!
فشهقت رؤى بدهشة قبل أن تبتسم وهي تقرص أذن ربى لتهمس لها بعتاب:
_عيب...لا يصح أن نفضح الأسرار!
قالتها ثم بدأت في خلع ملابس الصغيرة لتلبسها الثوب الذي انتقاه الوالد الغيور...
قبل أن تدفعها لتخرج معها إليه قائلةً باقتضاب وكأنها تتشبث بأسوار خصامها له:
_اعتنِ بها حتى أنتهي من ارتداء ثيابي!
فرمقها بنظرة عاتبة لكنها لم تلتفت نحوه وهي تتوجه نحو الحمام القريب الذي غادرته بعد دقائق لتبدل ثيابها في غرفتهما...
وقفت أمام خزانة ملابسها تتخير ما سترتديه عندما سمعت صوت باب الغرفة يفتح فتحفرت وهي تراه يقترب منها قائلاً وكأنه يجرجرها للشجار:
_لم أعد أثق في نزاهة اختياراتك...أريني أولاً ما سترتديه!
اختلست نظرة جانبية نحوه ثم مدت أناملها تلتقط عباءة رقيقة بلون أبيض مدخن زينت أطرافها بالقليل من الرسوم لزهور دوار الشمس المميزة بلونها الأصفر والذي كان لون وشاح العباءة !
فهز رأسه برفض وهو يقول بنبرة متحدية:
_الأصفر لون ملفت وسط الزحام...ستجذبين الأنظار....تخيري غيره!
كانت تعلم أنه يستفزها لكنها لم تستجب لدعوته...
فتمادت في تجاهلها له وهي تستخرج عباءة أخرى بلون بني قاتم لكن تطريزها ووشاحها كانا بلون الفستق...
فرفع حاجبه ليقول متمادياً في عناده هو الآخر:
_الأصفر ملفت والأخضر ليس كذلك مثلاً؟!!!
كان قد نجح في استفزازها تماماً هذه المرة فزفرت بقوة ثم تناولت عباءة سوداء بوشاح أسود هاتفةً بضيق:
_هل يرضيك هذا؟!
فتفحص ملامحها الضائقة بابتسامة حانية غفلت عنها عيناها المتجاهلتان له بتعمد ...
ليهمس أخيراً وكأنه يمحو بغزله سابق مشاكسته:
_يبدو أن العيب ليس في اللون ...بل فيكِ أنتِ!
ورغم أن عبارته دغدغت قلبها بعاطفتها نحوه لكنها احتمت خلف أسوار دلالها وهي تطرق برأسها دون رد ...
فضحك وهو يرفع ذقنها نحوه ليقول بنبرة عابثة:
_تعلمين إن بعضهم قال يوماً عن مارلين مونرو أنها لا تساوي شيئاً دون ثيابها التي هي سر جمالها؟!!!..فما كان منها إلا أن ارتدت "جوال بطاطس"وجعلتهم يلتقطون لها صورة نالت الإعجاب بجنون...فقط كي تثبت أن الملابس لا تشكل فارقاً!
فانفلتت منها ابتسامة رغماًعنها وهي تسبل جفينيها لتهمس بدلال عاتب:
_لم أكن أعرف قبلاً أنك معجبٌ ب"مارلين مونرو"!
هنا حطت شفتاه على جبينها بقبلة عميقة قبل أن يهمس بمكر جوار أذنها:
_من قال إني معجب بها؟! أنا كل إعجابي لواحدة تشبهها في نفس الموقف.
رفعت عينيها إليه بسهام دلالها العاتب فابتسم وهو يهمس بحب:
_مشكلة!!!...أنتِ مشكلة.!!!!..شمس تلفت الأنظار أينما كانت وكيفما كانت!
فأخفت ابتسامتها الراضية في كتفه وهي تحاول تصنع الغضب بهمسها العاتب:
_أنت هكذا تصالحني؟!
لكنه ابتعد بجسده ليتمكن من النظر لعينيها ملتقطاً نظراتها بحنان ناقض عبارته المشاكسة:
_لا يا "ليمونية"...المصالحة عندما نعود !
شهقت بعنف وعبارته تنتهي بدغدغة مفاجئة لجانب خصرها جعلتها تقفز مكانها قبل أن تنفلت منها ضحكة عالية...
عندما جلجلت ضحكته هو الآخر حتى تمالكها أخيراً ...ثم أشار بسبابته على شفتيه هامساً:
_ششششش....ستفضحيننا...هل هذا مظهر امرأة صالحة تتهيأ للصلاة ؟!
ثم تنحنح ليقول بخشونة مصطنعة:
_ارتدي ملابسك وكفاكِ ميوعة...سأنتظرك بالخارج مع ربى!
قالها ثم غمزها بخفة فابتسمت وهي تعطيه ظهرها في محاولة أخيرة للتمسك بخصامها الواهي له...
قبل أن تتنهد بحرارة وهي تبدأ في تبديل ثيابها ...
وبعدها بقليل كانت تسير معه وربى نحو الساحة الفسيحة في حيهما حيث تقام صلاة العيد...
ولم يكد هو يشعر بشدة الزحام حتى فوجئت به يدفعها لتسير أمامه وقد صنع من ذراعيه حولها ما يشبه سوراً يمنع عنها احتكاكها بالمارة!!
ورغم بساطة -حركته- لكنها مست قلبها بشكل عجيب...
ومن مثلها يمكنها تمييز الأمان متى وجدته؟!!!!
أجل...رغم كل ما كان بينهما ...تبقى حركة بسيطة كهذه ذات معنى عظيم لامرأة في نفس الموقف!
لهذا تزينت شفتاها بابتسامة سعادة حقيقية وهي تتشبث بالصغيرة في كفها بقوة حتى وصلا إلى مكان مصلى النساء فالتفتت نحوه بنظرة امتنان عاشقة لتقول برقة:
_لا تقلق علينا...سننتظرك هنا بعد الصلاة !
أومأ برأسه ثم تركهما مودعاً بنظرة قلق لم يخفها قبل أن يبتلعه الزحام وتهاني أهل الحي التي ابتلعت تركيزه كاملاً بعدها ...
حتى انتهت الصلاة التي تلتها الخطبة ...
فعاد إليهما مسرعاً لتبتدره ربى بهتافها:
_أريد بالونة!
ضحك بمرح وهو يحملها بذراع واحد ليحيط رؤى بذراعه الآخر قائلاً بحنان:
_بالونة واحدة؟!! عشر بالونات كاملة!!!
صفقت الصغيرة بكفها بمرح عندما اقترب هو من بائع البالونات ليطلب منه عشر بالونات ربطها معاً برباط واحد ليعطيها لها وسط ضحكاتها المرحة...
فابتسمت رؤى وهي تراقبهما بحنان عندما فوجئت به يطلب من البائع بالوناً آخر كبيراً أصفر اللون بشكل "سبونج بوب" الشهير ...
ناوله لها ليهمس في أذنها:
_وهذا لعاشقة "الأصفر"!
خفق قلبها بقوة وهي تتناوله منه بسعادة غريبة...
يقولون إن الأنثى مهما كبرت تبقى بداخلها مجرد طفلة تبتهج بأبسط الأشياء ...
وهذا بالضبط كان شعورها وهي تحمل بالونها جوار صغيرتها وتسير جواره ...
كلتاهما في هذه اللحظة حملتا نفس الابتسامة...
نفس الفرحة...
نفس الشعور بالأمان ...
ونفس الإحساس لنفس الرجل...
إحساسٌ بأنه السند الذي تلتجيء كلتاهما إليه!!
إحساسٌ بالأبوة!!
ولما عادا إلى مدخل البيت وأغلق الباب خلفه سألته باهتمام:
_لماذا لم تذهب أمي لصلاة العيد ؟! هل هي مريضة؟!
فتنهد ليقول بأسف:
_صحتها لم تعد تحتمل المشي .
تنهدت بدورها بأسف عندما فتح باب البيت من جديد ليدخل منها أخو راغب وهيام مع أبنائهما الذين جذبوا ربى من يدها ليصعدوا نحو الجدة بجلبة شديدة...
فيما قال راغب لأخيه وهو يصافحه:
_لماذا سبقتمونا ؟!كان من الأفضل لو ذهبنا سوياً للصلاة!
فاختلس أخوه نظرة واضحةالمعنى لهيام التي قالت بنبرة عدائية :
_بل من الأفضل أن يذهب كل منا في طريقه وحده!
أطرقت رؤى برأسها دون رد وهي تفهم سبب تصرف هيام بهذه الطريقة...
منذ طلاق عزة من راغب وابتعادها عن البيت لتسكن وحدها وهي تعاملها بعداء أشد...
لكنها تعذرها على أي حال!!
لهذا حافظت على صمتها مكتفيةً بإيماءة رأس عندما توجه أخوه نحوها بتهنئة فاترة بالعيد قبل أن يصعد ليلحق بزوجته التي تركتهم وصعدت دون مزيد من كلام!!!
راغب هو الآخر اكتفى بصمته وهو يحتضن كفها ليصعدا لكنه عندما لمحها تهم بالدخول لشقة والدته كي تهنئها بالعيد غمزها بخفة ليهمس في أذنها:
_لا تدخلي إليها الآن مادامت هيام معها...سنذهب إليها معاً فيما بعد!
صادف قوله هوىً في نفسها وقد آثرت الابتعاد عن هيام بسموم لسانها التي اعتادتها ...
حتى صعدا معاً لشقتهما فألقت بالونها جانباً ثم توجهت لغرفتهما حيث لحقها لتبتدره هي بقولها الآسف:
_هيام لن تنسى لي فعلتي أبداً!
لكنه ابتسم بمرارة وهو يهمس لها بأسف مشابه:
_هي ليست فعلتك أنت بل فعلتي أنا!
ثم استغفر الله بخفوت ليقول بعدها بشرود:
_يعلم الله أنني لم أكن أنتوي ظلمها يوماً...لكن القدر حكم بحكمه بيننا جميعاً!
فربتت على كتفه وهي تقول بتعقل:
_سبحان من يدبر الأمر بحكمته ...ويكتب لكل منا دوره في حياة الآخر ...كل خطوة محسوبة بمقدارها...لولا زواجك من عزة...لما وصلنا إلى ما نحن عليه...ولما وصلت هي إلى مكانتها الآن.
هز رأسه موافقاً ثم تنهد بحرارة قبل أن يتفحصها ببصره ليهمس أخيراً بنبرة دافئة:
_دعكِ من هذا الآن...فلدينا مهمة عاجلة!
عقدت حاجبيها بتساؤل عندما اقترب منها أكثر ليطوق خصرها بكفيه مع همسه الذائب بعاطفته:
_لدينا فاتنة "ليمونية" غاضبة تحتاج لمن يصالحها!!!
ابتسمت وهي تتعلق بذراعيها في عنقه لتحتضن عينيه بنظراتها العاشقة رغم همسها العاتب له:
_لقد أحرجتني كثيراً بالأمس...هذا المكان كان المفضل لي في الشراء وبعد ما حدث فلن أتمكن من دخوله ثانية ...
ثم ازدردت ريقها ببطء وهي تغمض عينيها وقد بدت أشباح "ذنبها القديم" وكأنها تجوس على ملامحها من جديد لتردف:
_في كل مرة تتصرف فيها بهذه الطريقة تجعلني أشعر وكأننا عدنا لنقطة البداية...وكأن...
قاطع عبارتها بسرعة بشفتيه اللتين عانقتا شفتيها بحرارة للحظات...
قبل أن يهمس لها بحزم وكأنه يغرس كلماته غرساً في كيانها:
_عن أي نقطة بداية تتحدثين؟! أنا لا أعرف لنا إلا بداية واحدة ...عندما افتديتِ شرفي بروحك وبعدها سرى دمي في عروقك لنمتزج سوياً للأبد .
دمعت عيناها وهي تتذكر ما يحكي عنه ...
بينما أحكم هو وثاقه على خصرها ليقربها منه أكثر حتى لاصقها وهو يهمس بنفس الحزم:
_لا تؤرقي نفسكِ بما نسيناه من زمن...غيرتي لا علاقة لها بأي شيء سوى بكونكِ أنتِ أنتِ!
تزينت شفتاها بابتسامة واهنة تألقت رويداً رويداً مع همسه هو بعدها بنبرة أرق:
_ولو كنت تلقفتكِ طفلة عقب ولادتك لأربيكِ بنفسي هنا في هذا البيت ...بل في هذه الغرفة ...فلم تغادريها أبداً...لم تكن غيرتي هذه لتقلّ ولو مثقال ذرة!!!
تنهدت بحرارة وهي تخفي وجهها في صدره ليصلها همسه بعدها:
_مصيبتي الحقيقية أنني أتخيل الجميع يرونك كما أراكِ...فلا أظنهم إلا يهيمون بك مثلي!!!
رفعت إليه عينين دامعتين تأثراً قبّلهما هو بقوة عاطفته قبل أن يعاود همسه الصادق لها:
_لهذا لا تلوميني على غيرتي...لومي نفسك لأنها بهذا القدر من السحر الذي لا أكاد أملك عقلي معه!
رمقته بنظرة طويلة صامتة وهي لا تجد ما ترد به...
كل حروفها الآن فقيرة...بل معدمة...أمام هذا الطوفان من عاطفته؟!
هل هناك امرأة عاقلة يمكنها الغضب من رجل مثله -مهما فعل- بعد هذا الكلام؟!!!
بالتأكيد لا...ولو وجدت فإنها ليست -هي- بالتأكيد!!!
هي التي كانت تضحك الآن ضحكة مشرقة وهي تهمس بمرح عاشقة :
_حسناً...قد عفونا عنك!
لكنه هز رأسه ليقول باعتراض وهو الآخر يضحك:
_أبداً...حتى أصالحك بطريقتي!!!
قالها ثم انهالت شفتاه على وجهها بمطر عشق نقي روى وديانها حتى أينعت حقولاً من عشق لم تعرفه إلا له...
قبل أن تبادله عاطفته بسيل مشابه لا يقل عنه غزارة وعنفاً...
لدقائق مرت بهما صاخبة بصمت مشتعل...
قطعه هو أخيراً بهمسه :
_كل عام وأنت عيدي!
فابتسمت وهي تخفي وجهها في صدره من جديد هامسة:
_وأنت عيدي!
لكنه رفع ذقنها نحوه ليهمس بمكر:
_فلنخلع هذه العباءة إذن!
اتسعت عيناها للحظة ثم وكزته في كتفه بمشاكسة خجول ...
بينما ضحك هو ليرفع سبابته في وجهها هاتفاً بنفس المكر:
_لا تسيئي فهمي...أنا فقط أريد منحك"عيديتك"!!!!
أمالت رأسها بتساؤل فجذبها من كفها نحو فراشهما ثم جثا على ركبتيه ليستخرج من تحته كيساً ضخماً ناوله لها قائلاً بارتياح:
_حمداً لله ....تمت المهمة!!
ضحكت بلهفة وهي تتناوله منه لتفض محتوياته بينما أردف هو بنفس النبرة المرحة:
_كل ما كنت أخشاه أن تجده الجنية الصغيرة ابنتك قبل أن أفاجئكِ به!!
أطلقت صيحة فرحة وهي تستخرج أول محتويات الكيس،والذي كان ثوباً أصفر شديد القصر كناري اللون بحمالتين رفيعتين بذاك التصميم الذي يضيق عند الصدر والخصر ويتسع بعدهما بالكثير من الكسر التي منحته مظهراً طفولياً لكنه يناسب جسدها النحيل...
احتضنته بين ذراعيها بقوة لتهتف بانفعال:
_آه يا راغب...منذ طفولتي وأنا أحلم بثوب مثله...كنت أسميه "ثوب باربي" !!!
فضحك لعبارتها ثم أشار برأسه نحو الكيس ليقول بمرح:
_بقية العيدية!!!
التمعت عيناها بفضول وهي تضع الثوب جانباً برفق قبل أن تستخرج ما بقي في الكيس والذي كان "وسادة" صغيرة!!!!
_وسادة؟!!!!
همست بها بشك وهي تقلبها بين كفيها فابتسم وهو يقول لها :
_اجذبي ذاك السحاب في خلفيتها وانظري ما الذي تحويه وسادتك!!
أطلقت صيحة فرحة وهي تتذكر أنها رأت ما يشبهها منذ أيام على الانترنت...
لتكتمل سعادتها وهي تجذب سحابها لتستخرج منه العديد من قطع الشيكولاتة والتي غلفت كل منها بورقة نقدية جديدة!!!
كانت ضحكاتها تتابع كلما امتدت أناملها لتسحب قطعة جديدة من الشيكولاتة لتضعها على الفراش قبل أن تعود لتفعل المثل...
حتى استخرجتها جميعاً فجلست على الفراش وسطها تتأملها بسعادة طفولية ...
بينما جلس هو جوارها متفحصاً فرحتها برضا ...
قبل أن يلمح دموعها التي سالت على وجنتيها أخيراً ...
فضمها إليه برفق هامساً بجزع:
_حبيبتي...هل تبكين حقاً؟!
عجزت عن منع دموعها للحظات وجسدها يرتجف بين ذراعيه ...
فضمها إليه أكثر وهو يتفهم مشاعرها قبل أن يقول ممازحاً:
_ياربي!! نكد...نكد...حتى في يوم العيد!!
ضحكت وسط دموعها فبدت كحمقاء ...
لكنه كان يشعر بما يعتريها فتنهد بعمق وهو يهدهدها بين ذراعيه للحظات كما يفعل مع ابنته ...
بينما رفعت هي إليه عينيها أخيراً لتهمس بانفعال:
_هل تعرف الآن بماذا أشعر؟! هل تعرف متى كانت آخر مرة عاملني فيها أحدهم بهذه الطريقة؟! منذ وفاة والديّ وأنا فقدت هذا الشعور...كم من عيد مر عليّ دون "عيدية"...دون ثوب جديد...دون حتى أي فرحة...والآن...الآن...
تهدج صوتها بدموعها التي غلبتها من جديد فاعتصرها بين ذراعيه ليهمس لها بحنان:
_شششش...انتهينا...كل هذا قد انتهى...ليتني فعلتها قبل هذا العام...للأسف لم يلهمني عقلي بهذه الفكرة قبل عهد قريب...
ثم احتضن وجنتيها ليمسح دموعها بأنامله هامساً بنبرة الوعد:
_عهدٌ عليّ في كل عام أن يكون لكِ مثل هذا !
ضمته إليها بكل قوتها ثم قبلت وجنته بقوة قبل أن تقول بتردد:
_هل لي في طلب آخر؟!
فرفع حاجبه ليقول باعتراض مصطنع:
_طلباتك كثرت!
ضحكت وهي تمسح ما بقي من دموعها لتهمس له أخيراً برجاء:
_دعني أناديك "بابا" مثل ربى...اشتقت لقولها ولن أتمكن من هذا إلا معك!
ارتفع حاجباه بتأثر للحظة وهو يدرك قيمة هذا لديها هي بالذات...
ثم أطرق برأسه دون رد...
فعادت تهتف بإلحاح:
_أرجوك يا راغب....الكثيرات من صديقاتي يفعلنها...أرجوك ...أرجوك!
فرفع وجهه نحوها أخيراً ليهمس باحتواء رجولي:
_مع أنكِ لا تحتاجين لقولها لكن لا بأس...إن كان هذا سيرضيكِ فافعلي!
ابتسمت بامتنان وهي تفتح زر عباءتها الأول لتتلمس قلادته كعادتها كلما تشعر بالانفعال ثم همست بشرود:
_لو كنت أعلم أنك ستنتظرني في نهاية الطريق لما بكيت من أشواك أول خطواته.
فابتسم بدوره وهو يمد أنامله ليتلمس القلادة هو الآخر قبل أن يسألها بتردد:
_ألا تضيقين بهذه القلادة لثقلها وقدم طرازها ؟! فكرت لو تريدين أن نستبدلها بأخرى تكون...
_نستبدلها؟!
همست بها باستنكار قبل أن تتعلق بعنقه لتردف أمام عينيه بنظراتها الحارة:
_أنت لا تعلم قيمتها عندي...منذ ارتديتها أول مرة لتربط اسمي باسمك وأنا تمنيت ألا أخلعها أبداً!!!!
قالتها ثم ألقت رأسها على صدره بهيام وقد سكن جسدها لدقائق شعر هو بها ثقيلة...
فتنحنح ثم قال بمرح :
_رؤى...هل نمتِ؟!
رفعت عينيها إليه بنظرة عابثة فتطلع لساعته ثم قال وهو يحل أزرار قميصه:
_كان بودي والله لو نجلس ونستعيد معاً المزيد من الذكريات ...لكن هذه فرصة مثالية والجنية الصغيرة بالأسفل مع الأطفال...
قالها ثم مد أنامله ليزيح قطع الشيكولاتة وما جاورها من أشياء من على الفراش ليخليه تماماً...
فضحكت بخجل وهي تشيح بوجهها ...عندما جذبها نحوه ليهمس بحرارة :
_أنا الآخر أريد عيديتي!!
==========
_ملعقة أخرى يا أمي...!
همس بها ضياء الصغير بنبرة آمرة وهما يقفان معاً في مطبخ شقة رحمة التي جاءوا إليها ليحتفلوا معها بالعيد...
كان الصغير يشير إلى علبة السكر الذي يعشق تناوله هكذا بالملعقة...
لكن ماسة تلفتت حولها لتهمس له مؤنبة:
_والدك حذرنا من زيادة تناولك للسكر.
فأحاطها ضياء ساقيها بذراعيه الصغيرين ليوسعهما تقبيلاً قبل أن تتحول نبرته الآمرة إلى أخرى راجية :
_واحدة فقط يا ماستي!
ابتسمت بحنان وهي تجده يناديها كأبيه...
هذا الصغير مشكلة!!
يجيد استغلال ثغراتها كما ينبغي...
لقد ورث قوة شكيمة "أبيه" ودهاء "خاله"...ويعرف مع سنه الصغير هذا كيف يوازن بينهما...كما الآن!!!
لهذا لم تستطع مقاومة منحه ملعقةً أخرى فامتدت أناملها للعلبة تستخرج منها ملعقة مليئة بالسكر لكنها ما كادت توجهها لفمه حتى انتفضت مكانها مع صيحة عاصي الغاضبة:
_ماسة!!
شهقت بعنف والملعقة ترتجف بيدها ليسقط ما بها على عنقها وملابسها ...
فيما التفت الصغير نحوه ثم تقدم إليه ليقول برجولة مبكرة على سنه الصغير:
_لا تحاسبها هي...أنا المسئول!
فتوهجت شموسه الزيتونية بعاطفة إعجاب لم تخطئها عينا ماسة الخبيرتين لكن قوله كان صارماً :
_اذهب والعب مع شقيقتك ...كفاك ما تناولته من حلوى اليوم!
أومأ الصغير له برأسه في طاعة قبل أن يختلس نظرة أسف نحو ماسة ليغادر بعدها المطبخ الذي أغلق عاصي بابه خلفه برفق...
قبل أن يقترب منها بنظرات عاتبة فرفعت كفيها باستسلام قائلة :
_ضعفت أمامه ككل مرة ...
ثم تعلقت بذراعيها في عنقه وهي تغازل غاباته الزيتونية بهمسها:
_ما كان له أن يرث عينيك...أمامهما تذوب مقاومتي.
التوت شفتاه بابتسامة حانية وهو يحتضن خصرها بكفيه ليهمس :
_هو يشكو من تسوس أسنانه في هذا السن الصغير...لا ينبغي أن نجاريه في ما يطلبه .
أومأت برأسها موافقةً وهي تعذره في شدة خوفه على صغيريه...
رغم أنهما تجاوزا معاً صعوبات ماضيهما المعقدة ...لكنه هو بالذات لا يزال يحمل رواسب من ذنب تعكر عليه صفو فرحته...
ربما يحاول مداراة هذا عنها لكنها تشعر به جلياً في شدة حرصه على ابنيهما وكأنما عُلّقت روحه بهما....
بينما اتسعت ابتسامته وهو يلحظ حبيبات السكر التي علقت ببشرتها ...
فاقترب بوجهه منها لتعانق شفتاه جانب عنقها وجيدها بمذاق "السكر" للحظات ...
قبل أن يعيد مغازلته للجانب الآخر "النظيف"...
ثم توهجت شموسه الزيتونية لتسطع على بحار فضتها مع همسه بصوته المميز الذي امتزجت قوته بحنانه:
_ظننته سيصنع فارقاً!!! لم يُضف السكر الجديد لمذاقك.
فضحكت ضحكة رائقة وهي ترفع عينيها إليه بهمسها :
_عندما يقولها صاحب غابات الزيتون فهذا وحده مبرر لغروري!
ثم أخفت وجهها في صدره لتردف:
_من يراك وصرختك تكاد توقف قلبي من قليل لا يصدق دفء عناقك هذا!
هنا ضمها إليه أكثر دون رد وأنامله تعرف طريقها لمنابت شعرها تحت حجابها المتهاوي الذي كان قد أزاحه برفق...
في حركة أثيرة بدت وكأنها شفرتهما الخاصة ...
لترفع هي إليه سهامها الفضية هامسة بنبرة عاشقة:
_سيد الأضداد أنت بلا منازع!
ابتسم ابتسامته الرصينة وهو يتناول محرمة ورقية بللها بالماء ثم مسح عنقها وجيدها لينظفهما جيداً أمام نظراتها الحانية...
قبل أن يبتعد عنها ليقول بحزمه الرفيق:
_هيا لنخرج...لا يليق أن نتركهم وحدهم بالخارج ونغلق الباب علينا هنا .
قالها ثم أعطاها ظهره لينصرف لكنها جذبت مرفقه لتهمس له بامتنان :
_شكراً لأنك جعلتنا نقضي اليوم مع أمي...فهد هو الآخر سيمر علينا هنا .
عقد حاجبيه بدهشة ناسبت سؤاله:
_هنا؟!
أومأت برأسها إيجاباً ثم همست بحنان:
_هو لم ينسَ لرحمة صنيعها معي طوال هذه السنوات..لهذا يحاول دوماً شكرها بكل الطرق...
هز رأسه بتفهم عندما ضحكت هي لتردف بمرح:
_لا أطيق صبراً على اجتماع ملك مع ضياء ونور ...وميادة ..سيكونون نموذجاً مصغراً لحديقة حيوانات هنا.
ابتسم بسعادة لسعادتها ثم ربت على وجنتها ليقول برفق:
_رحمة تستحق فرحة كهذه بعد كل ما عانته في حياتها ...البيت الصغير امتلأ عليها بأحبابها .
رمقته بنظرة حانية وهي تعود بذهنها للوراء ...
هذا هو البيت الذي شهد طفولتها ومراهقتها التي تخضبت بحب "هش" داسته أقدام الحياة وظلم البشر فظنتها هي النهاية...
والآن تعود إليه رافعةً رأسها مع زوج يحسدها الجميع عليه وطفلين هما قطعة من القمر...
نفس عيون أهل الحي التي كانت ترمقها بنظرات زاهدة ما بين شفقة واحتقار ...هي التي كانت تنظر إليها بإجلال وهي تغادر سيارتها مع عاصي ومع الصغيرين منذ قليل...
فسبحان من يرزق من لا حيلة له حتى يتعجب أصحاب الحيل!!!
أجل ...فرحتها اليوم لا توصف وهي تعيش أجواء العيد من جديد مع رحمة ...
حتى خوفها الطفيف الذي كان يؤرقها من غيرة عاصي أو ميادة بسبب وجودها هنا مع عزيز عاونها عليها القدر فصار رماداً تذروه الرياح ...
وكأنما أرادت لها السماء أخيراً أن تنهل من بئر حب لا تشوبه شائبة!!!
انقطعت أفكارها عندما سمعت صوت رنين الجرس بالخارج معلناً عن وصول فهد وجنة...
فتحرك عاصي ليغادر المطبخ لكنها عادت تجذبه من جديد لتهمس له بعتاب:
_لقد قاربنا وقت الظهيرة....وأنت لم تقل لي بعد كل عام وأنتِ بخير!
فارتفع حاجباه للحظة ثم ابتسم ليهمس لها بمكر:
_أحقاً لم أفعل؟!مممممم...خطأ عظيم!
مطت شفتيها باستياء مصطنع فاتسعت ابتسامته وهو يحتل نظراتها بغزوه الزيتوني من جديد ليهمس لها ببطء :
_كل ...عام...وأنتِ...ماسة...
ثم صمت لحظة ليردف:
_ماستي!
فغلبتها ابتسامتها وهي تشيح بوجهها عنه لكنه احتضن وجنتها ليدير وجهها نحوه هامساً بنفس النبرة الماكرة:
_قلتها لكِ على الأرض!
عقدت حاجبيها بدهشة متسائلة عما يعنيه ...
عندما اتسعت ابتسامته الماكرة وهو يستخرج تذكرتي سفر من جيبه بينما تلتمع عيناها أكثر بإدراك مع استطراده:
_أربع ساعات وأقولها لكِ في الجو...ومثلهن بعدها لأقولها لكِ في البحر.
ثم اقترب منها خطوة ليردف :
_لن تغرب شمس العيد إلا وقد قلتها لك في الأرض والجو والبحر.
شهقت بفرحة عارمة وهي تهتف بانبهار:
_سنسافر؟! لماذا لم تخبرني كي أعد الأطفال!
لكنه هز رأسه ليقول لها بنبرته المتسلطة بمذاق حنانه:
_وحدنا!
اتسعت عيناها وهي تنظر إليه غير مصدقة ...
عاصي لم يترك صغيريه منذ ولدا ...وكأنما أبت عيناه اللتان استردتا بصرهما بقدومهما إلا أن تبقيا متعلقتين بهما ...
لكنه أجهض دهشتها بتفسيره:
_اتفقت مع رحمة أن يبقى الصغيران معها...هي تريد أن تشبع من صحبتهما....كما أنكِ تحتاجين لهذه الإجازة القصيرة...لا تظنينني غافلاً عن مجهودك الشاق معهما طوال اليوم.
أطلقت صيحة فرحة وهي تعاود تعلقها بعنقه لتشبع وجهه تقبيلاً لكنه ابتسم وهو يقرص وجنتها مداعباً مع قوله :
_هيا لنستقبل شقيقك...أمامك ساعة واحدة تقضينها معه قبل ذهابنا إلى المطار.
فأومأت برأسها لتغادر معه المطبخ نحو غرفة الجلوس القديمة في بيت رحمة حيث كان الجميع يتحدثون بصخب...
بينما صوت لعب الأطفال معاً يحدث جلبةً هائلة...لكنها ممتعة...
خاصةً لقلب "تلك المرأة" التي دمعت عيناها وهي جالسةٌ على أريكتها الأثيرة تراقبهم بفرح...
أجل...رحمة التي كانت ولاتزال "كل الرحمة"...!
ما أجمل حصاد عمر عندما تتقن زرع بذورك في أوله...
وهي فعلتها ...فنعم الحصاد!
قلبها الذي ضج يوماً بآلامه يرقص الآن بين ضلوعها منتشياً وهي تراهم كلهم هنا حولها...
هي التي ظنت نفسها ستعيش وتموت وحيدة بعد هروب زوجها بابنها الوحيد ...الآن تجد لها عائلة تزداد فرداً يوماً بعد يوم...
فما أجود الكريم في عطائه!!!

هنا توقفت عيناها أمام عيني عزيز الذي شعر بما تعانيه أمه فقام ليجلس جوارها ثم قبل كفها بحنان ليهمس في أذنها :
_لا دموع اليوم يا رحمة.!
فابتسمت وهي تقبل جبينه قبل أن يقطع جلبة الأطفال هذه صوت فهد المرح عندما رأى ماسة:
_حبيبة أخيكِ...أين كنتِ هاربةً من طفليكِ؟!
فانسلت ماسة من كنف عاصي نحوه لتضمه بقوة ثم قالت بمرح:
_بضع دقائق فقط ...كنت ألتقط فيها أنفاسي.
فضحك فهد ضحكة عالية ثم مال على أذنها ليهمس بخبث:
_أعرف أنا التقاط الأنفاس الذي يكون في المطبخ المغلق مع السيد عاصي...فعّالٌ حقاً!!!
فعضت على شفتها بخجل وهي تلكزه في كتفه لترد له همسه بمثله:
_قليل الأدب!
هنا اقترب منهما عاصي ليصافح فهد ...
ثم سأله بلهجته الرصينة والتي حملت الكثير من الود:
_ماذا قلت لها لتخجلها هكذا؟!
فعاد فهد يضحك للحظات وهو يراقب وجه ماسة الذي كان محمراً بشدة ...
ثم قال بمواربة:
_كنت أوصيها بالمطبخ...خاصةً يوم العيد!
كتمت ماسة ضحكتها بكفها لينقل عاصي بصره بينهما بشك...
لكن فهد تجاوز عن هذا عندما تحرك ليجذب ضياء الصغير فيرفعه من ملابسه ليكون في مستواهم ...ثم قال له بحزم مصنع:
_أنت يا عقلة الإصبع ...يا ذا الشعر المشعث....تعيّر ابنتي لأن شقيقتك فضية العينين؟!
ضحك الجميع بمرح بينما يحرك ضياء الصغير ساقيه في الهواء محاولاً التملص من قبضتي خاله الذي أردف بنفس الحزم مازحاً:
_سأعلقك على مسمار على هذا الحائط حتى تعترف بخطئك.
لكن ضياء الصغير ورغم فشل محاولاته في تخليص نفسه هتف بنفس نبرة أبيه المتسلطة:
_ضياء الرفاعي يقول ما يريد لمن يريد !
عادت ضحكات الجميع تدوي في المكان من جديد إعجاباً بالصغير الذي أردف مكابراً:
_ابنتك جميلة لكن شقيقتي أجمل...إنها حتى لا تجيد الكلام مثلنا.
هتفت ماسة بكلمات مؤنبة له وهي تلاحظ ضيق ملك بما يقول ...
لكن فهد أصدر همهمة تهديد طويلة ثم قال له وهو يقرب عينيه من عيني الصغير الزيتونيتين:
_هل تذكر البندقية التي وعدتك بها؟!
التمعت عينا الصغير بنَهم طفولي عندما أشار فهد بعينيه لتلك اللفائف المغلفة بورق لامع والتي أحضرها معه ...قبل أن يقول له بنفس الحزم:
_انسَها إذن!
هنا صمت الصغير للحظات وكأنه يفكر ثم تعلق بعنق فهد فجأة ليقبل وجنته هاتفاً :
_خالي الحبيب...وهل هناك أجمل من "لوكا" ؟!
انفجرت ماسة بالضحك وهي تنقل بصرها بين فهد الذي بدا الانتصار على وجهه وعاصي الذي التمعت عيناه بحنان ...
لتقول مخاطبة فهد :
_إنه نصاب مثلك...كنت أفكر منذ قليل أنه ربما ورث قوة أبيه لكنك أستاذه في الشقاوة والاحتيال!
هنا تدخلت ميادة في الحديث لتقول لضياء بنبرة مرحة:
_وماذا عن ميادة يا ضياء؟!
فالتفت ضياء نحو الصغيرة وكأنه يقارن ...ثم قال لأمها:
_هو أحضر بندقية ...ماذا ستحضرين أنتِ؟!
عاد الجميع يضحكون بمرح على ذكاء الصغير السابق لسنه ...
بينما ضمه فهد برفق ليسير به نحو اللفائف التي فض إحداها ليستخرج له منها بندقية فخمة الشكل ناولها له وهو يعلمه طريقة إمساكها قائلاً:
_تضع يدك هنا ...نعم ...هكذا...وإصبعك...
_لا!
والهتاف هذه المرة شق المكان بدويّه ليسود الصمت بعدها ....!!!!
أجل...كان عاصي الذي توترت ملامحه وهو يقبض كفيه جواره وقد بدت على وجهه أمارات صراع قديم...
صراع لم تشعر به سوى ماسة التي تحركت لتقترب منه أكثر حتى كادت تلاصقه قبل أن تنقذ الموقف بقولها الذي تكلفت مرحه:
_عاصي لا يحب الألعاب العنيفة للصغيرين ...خصوصاً في هذا السن.
فالتمعت عينا فهد بإدراك وهو يلتقط الموقف بذكاء ...
ثم تنحنح ليخاطب الصغير محاولاً امتصاص تذمره بقوله :
_معها حق...دعك من هذه اللعبة المملة...وانظر ماذا جلبت لك أيضاً!!
هنا اشتعل وجه الصغير بحماس ليلقي بندقيته جانباً وهو يفض مع فهد محتويات بقية اللفائف التي حوت المزيد من الألعاب التي شغلته بحق...
قبل أن ينضم إليهما بقية فريق الأطفال ليقلبوا اللعب بفضول وسط ضحكاتهم الحماسية...
تنهدت ماسة بارتياح وهي تلتفت نحو جانب وجه عاصي الذي غاب في شروده وهي تكاد تقسم على ما جرته إليه أفكاره الآن...
عندما تقاتل أربعين عاماً من عمرك فأنت لا تواجه خصماً سهلاً...
وهو الآن لا يجاهد ماضيه فحسب...بل خوفه من غده كذلك ...
كل لحظة يقضيها مع طفليه تذكره بما مضى وتخوفه مما هو قادم...
ولولا شعوره بعفو السماء عندما ردت له بصره مع طفليه...لاستسلم لخوفه هذا للأبد!!
لهذا انسحب من رفقتهم نحو الشرفة الخارجية لتلحق به ماسته التي احترمت صمته لدقائق شاركته فيها بقلبها دون حديثها وهما يستندان على سور الشرفة متجاورين...
قبل أن تلتفت نحوه لتقول بابتسامة مشرقة:
_تعرف ما أجمل ما في هذا البيت؟!
التفت نحوها ليعانق حنان عينيها بنظراته منتظراً تتمة عبارتها ...
فاتسعت ابتسامتها وهي تجيب سؤالها بنفسها :
_أنه الآن شاهد على أن رحمة السماء سبقت عدلها.....رحمة...عزيز...ميادة... فهد...جنة...أنت...وحتى أنا....كلنا غلبتنا شياطيننا يوماً وإن اختلفت الدرجات ...لكننا يوم عدنا لطريق الحق وجدنا الفرحة تفتح ذراعيها لنا .
هز رأسها يفكر في كلامها الذي كان يربت على جروح روحه القديمة كعهدها...
بينما أردفت هي بيقين :
_ابن عاصي الرفاعي سيتعلم حمل البندقية كما سيتعلم الرسم بالفرشاة...لكنك أنت ...أنت ستجعله يفهم متى يستخدم كلاً منهما...أنت الوحيد القادر على غرس هذا فيه ليدرك متى يحتاج لقوته...ومتى يحتاج لإحساسه...
ثم صمتت لحظة لتردف بنبرة أكثر حرارة ملؤها الإيمان:
_لا تخف على ابننا...أنت ستكون سنده كما هو سندك...ستكون ملء قلبه كما هو ملء قلبك...سيرث حنانك كما ورث قوتك...وسيعرف كيف يوازن بينهما!
هنا انشقت شفتاه عن ابتسامة واهنة وهو يلتفت نحوها بجسده كله ليهمس أمام ماسيّتيها:
_كعهدك صغيرتي...تدركين تماماً ما أحتاج سماعه ...ومتى أحتاج سماعه !
فابتسمت بدورها وهي تهمس له بحب احتل كيانها كله:
_لقد أحسن الأستاذ تعليم تلميذته...فما بالك لو كانت عاشقته؟!
هنا تحولت ابتسامته الواهنة لأخرى مشرقة ثم تطلع لساعته ليقول بهدوء:
_هيا ندرك ما بقي من وقتنا قبل موعد الطائرة.

وفي صبيحة اليوم التالي كانت تقف معه على متن أحد "القوارب الزجاجية" كما يسمونها ...
"Glass boats"
تلك المميزة بتصميمها الذي يجعل طابقها السفلي شديد الشفافية بما يسمح بمراقبة قاع البحر...
بينما يمكنك الطابق العلوي بمتابعة سطح البحر المعتاد...
حيث بدأت رحلتهما من شاطئ تلك المدينة الساحلية على البحر الأحمر لتأخذهم في عرض البحر قليلاً قبل أن يتعمق أكثر ليمكنهم من رؤية أعماقه...
كانت واقفةً جواره تستند بكفيها إلى سياج القارب وتتأمل ألوان البحر حولها بانبهار ناسب همسها:
_سبحان الله...يختلف تماماً عن شكل البحر أمام بيتنا ...وكأن لكل منهما سحره وهويته !
فابتسم وهو يقول لها بنبرته الرصينة:
_هذا هو سر البحر يا عاشقة البحر...أنه مرآة ما بداخلك...هو الغريب القريب ...والضاحك الباكي.
ضحكت باستمتاع وهي تدور بعينيها فيما حولها لتعود إليه ببصرها مع تساؤلها:
_أناملك تشتاق الرسم أمام منظر كهذا؟!
لكنه هز رأسه نفياً وهو يضم كتفيها إليه بذراعه قائلاً:
_تعمدت ألا يشغلني عنك شيء في هذه الرحلة...
ثم تنهد بحرارة ليقول بشرود:
_منذ التقينا ولم تتح لنا فرصة عزلة كهذه...دوماً كان هناك ما يقف بيننا ..لهذا أردت أن أعوضك بشيء بسيط كهذا.
ابتسمت وهي تقول بحرج:
_هل تصدقني لو قلت لك إنني كنت على وشك أن أطلبها منك لولا خوفي من ترك الطفلين وحدهما....كنت أحتاجها حقاً...
ولم تكد تتم عبارتها حتى رن هاتفها في حقيبتها القريبة ...
فتناولته لتقول بلهفة:
_إنها أمي!
كسا وجهه قلق مفاجيء وهو يراقب انفعالات وجهها وهي تستمع لرحمة حتى لانت أخيراً مع ضحكاتها المرتفعة فابتسم وهو يسمعها تقول لها بلهجة اعتذار:
_حسناً...لا بأس...سنعيد طلاءه عندما نعود!
قالتها ثم ودعتها بكلمات تقليدية قبل أن تغلق الاتصال لتنفجر في الضحك مع قولها له مفسرة:
_فهد أحضر لهما فرشاة وألوان...نور حبيبة أمها زينت لأمي زجاج النافذة بألوان رقيقة...لكن ...ضياء...شبيه أبيه ...ماذا فعل؟!
ضحك ضحكة متحمسة وهو يرقبها بلهفة لم يفضحها لسانه...
عندما استطردت هي وسط ضحكاتها:
_استيقظوا من النوم ليجدوا الجدران كلها ملطخة بالألوان...وعندما عاتبته رحمة...قال إنه فنان حر لا يحب تقييد إبداعه...ألا يذكرك هذا بأحد؟!
ابتسم بحنان مطرقاً برأسه وهو يجد الصغير يستخدم نفس عباراته مقلداً إياه...
رباه!!!
ما أجمل هذا الشعور!!!
قطعة منك تحمل بعض ملامحك...تكبر أمامك يوماً بيوم...تحاكيك في أقوالك وأفعالك...وتنتظر بفارغ الصبر أن يأتي اليوم الذي تكون لها فيه شخصيتها المستقلة...لتتحول من مجرد تابع مقلد إلى صديق وندّ...
يسمونها "أبوة"...ويسميها هو "حياة"!!!!
حياة لا يدرك قيمتها إلا من حُرم منها طويلاً مثله!!
لهذا اعتصرت قبضة باردة قلبه بمذاق اشتياقه إليهما ...
عندما صادف سؤالها شعوره :
_افتقدتهما؟!
_جداً!!
همس بها بحرارة متلهفة بعيدة عن طبعه الرصين فابتسمت وهي تقرأ خبيئته بغابات زيتونه لتقول بنبرة مرح ماكرة:
_مممم...عاصي الرفاعي صار لديه نقطة ضعف...بل اثنتان!
فجذبها من ساعدها نحوه لتلتمع عيناه بعاطفة مشتعلة ناقضت همسه المقتضب:
_ثلاث!
ارتجف جسدها تأثراً كعادتها كلما تلمست وهج عاطفته في عينين كهاتين...ومن قلب كهذا...عينين لم تريا سواها في عالم الحب...وقلب لم يعشق إلا هي من بين نساء العالمين!!!
لهذا بادلته ماسيّتاها نظرة بنظرة...وأناملها لمسة بلمسة...وشفتاها ابتساماً بابتسام...
لكن رنين هاتفه هو الأخر قطع عليهما سحر اللحظة ...
فتناوله لينظر لاسم المتصل الذي اكتفى برنة قصيرة ...ثم غمغم بأسف:
_إنها طيف!
أومأت برأسها في تفهم وهي تدرك طبيعتهما معاً...
عاصي لم يكف عن الاتصال بها منذ الأمس ليعايدها ...لكنها لم تكن ترد على اتصاله...طبيعتها العنيدة المتمردة غلبتها كعادتها ...
والآن يبدو أن بعضاً من مشاعرها يحاول الطفو للسطح بهذه "الرنة القصيرة" التي تفضح ترددها ...
طيف الصالح معضلة كأخيها!!!
وإن كانت قشرة عاصي الصلبة قد تصدعت يوم عشقها هي...
فهل تأذن الأيام لطيف العنيدة بتصدع "لذيذ" كهذا؟!
انقطعت أفكار ماسة عندما وجدته يعيد الاتصال بها ...لينتظر طويلاً قبل أن يأتيه ردها البارد:
_ماذا كنت تريد؟!
كان صوت طيف المتغطرس يصل ماسة بوضوح وهي تقف جواره ...تماماً كما كان يصلها شعورها الذي تحاول مداراته خلف نبرتها الثلجية هذه...
كانت تثق أن طيف تنتظر هذا الاتصال لكنها تكابر كعهدها بزعمها أنها لا تحتاج لعاطفة أحد...
لهذا لم تتعجب صبر عاصي وهو يقول لها بصوته الرزين الذي تغلف بدفء حنون :
_كل عام وأنت بخير!
ظل الصمت جوابها للحظات قبل أن يصله صوتها المختنق بغصته مع تجاهلها لرد معايدته لتقول بنفس البرود:
_كيف حال الصغيرين؟!
_بخير...ألا تودين رؤيتهما؟!
قالها عاصي بحذر وهو يعرف يقيناً أنها سترفض عرضه عليها بالحضور ككل مرة لهذا لم يتعجب ردها المتعجرف:
_أرسل لي صورهما عبر البريد الاليكتروني...سلامي لماسة!
قالتها ثم أغلقت الاتصال بسرعة قد يراها البعض سخافة لكنه يدرك جيداً ما خلفها ...
إنه هروب!!!
هروب من ماضٍ قد يجر قدميها معه للقاع وهي التي ذاقت الويل كي تطفو على السطح...
لهذا زفر بقوة ثم ألقى هاتفه جانباً ليقول بضيق:
_لا فائدة!
فابتسمت ماسة وهي تعانق كفه بكفيها لتقول بحنان:
_من قال هذا؟! أنا أعرف طيف جيداً بحكم سابق علاقتنا...صدقني لو لم تكن تشتاق حديثك لما نلت هذا الاتصال...
ثم ضحكت وهي تتذكر نوادرها معهما في "أبو ظبي" لتردف بمرح:
_طيف الصالح لا تبالي بذوقيات تعامل ولا تعرف شيئاً عن المجاملات...وردّها على اتصالك ذو قيمة كبيرة من امرأة مثلها...لو لم تكن راغبة في الحديث معك لما فعلتها!
رفع رأسه للسماء للحظات ثم قال بشرود:
_فقط لو يمكنني تعويضها عما كان!
فرفعت كفه نحو صدرها لتقول بثقة:
_أنت تفعل...هي الآن تثق أن لها أخاً يمكنها اللجوء إليه متى شاءت...دعها تبتعد كما يحلو لها...لكنها عندما تحتاجك ستأتيك بعمق يقينها أنك لن تخذلها.
لكنه عاد إليها بغابات زيتونه التي تمايلت أغصانها بين أسف وندم ليهمس :
_لا أريدها أن تأتي لأنها تحتاج...بل لأنها ترغب!
_ستفعل يوماً ما ...صدقني!
همست بها بنبرة مطمئنة نثرت عبير سكينة في روحه القلقة حتى هدأتها...
قبل أن يشعرا معاً بتوقف القارب في المنطقة المتفق عليها لكي يتمكنا من رؤية ما في الأعماق...
فتلفتت حولها بترقب عندما جذبها من معصمها نحو الغرفة السفلية للقارب...والتي حوت نوافذ زجاجية عديدة تسمح برؤية الشعاب المرجانية وحركة الأسماك في القاع ...
كان قد استأجر القارب بأكمله لهما وحدهما بالطبع ليضمن خصوصية أكبر خاصةً عندما أغلق الباب خلفه ...
إضاءة المكان كانت شديدة الخفوت إلا من ضوء الشمس المنعكس على الزجاج من قاع البحر لكي تمكن الجالس من مشاهدة ما بداخل الأعماق بوضوح...
ولما جلس جوارها على أحد الكراسي المخصصة لمشاهدة العالم الرائع خلف زجاج القارب وجدها تهمس بانبهار:
_ياللروعة! هل رأيت الشعاب المرجانية بألوانها هذه؟! وهذه الأسماك...أوه...!!
انقطعت أنفاسها المبهورة وهي تراقب الأسماك الملونة التي سارت كل منها في جماعاتها ...
والشعاب المرجانية التي تباينت أشكالها وكثافتها...
بينما بدا قاع البحر وكأنه رملٌ أبيض...
لتتلاحق أنفاسها باستمتاع فتشعر وكأنها حقاً قد صارت جزءاً من هذا العالم...
بينما كان هو يراقب انفعالاتها برضا قبل أن يجذبها نحوه ليحتويها بين ذراعيه هامساً بصوته الآسر:
_كنت أعلم أنكِ ستنبهرين هكذا...
ثم رفع ذقنهانحوه ليردف بنبرة أكثر دفئاً:
_هل تذكرين أول أغنية خصصتني بكلماتها؟!
خفق قلبها بجنون والذكرى تلفها بدوامة شهية من حنين عذب...
لتهمس بانفعال حار:
_كنت بين ذراعيك...على سطح القصر...ساعة الشروق...يومها غنيتها لك...لم أشأ الاعتراف وقتها أنني أعنيك أنت بكلماتها.
فمال على شفتيها بقبلة ناعمة قبل أن يهمس :
_طالماكنت قادراً على انتزاع اعترافاتك حتى دون كلمات.
ابتسمت وهي تتذكر الغنوة لتهمس بشرود :
_"أنا بعشق البحر"!
أومأ برأسه إيجاباً لينتزعها من شرودها بغزوه المحتل لشفتيها ...
غزو يليق برجل مثله في مزيج حنانه وقوته...دفئه وجبروته...احتوائه وهيمنته...
ذاك المزيج الذي تكاد تقسم ألا رجل في هذا العالم قادرٌ على التوشح به إلا هو...
حتى ولو لم ينطق بكلمة واحدة!!!!
لهذا لم يكن عجيباً أن ذابت خلاياها بين ذراعيه تجزيه عن اشتعاله اشتعالاً...
عن انصهاره انصهاراً...
عن مطر عاطفته طوفاناً!!!!
حتى ابتعد عنها أخيراً ليحتضن وجنتيها براحتيه مع همسه:
_لهذا تعمدت أن أحضرك هنا...كي تسبري أغواره بعينيكِ...كما فعلتِ بي !!
فتمالكت أنفاسها اللاهثة لتهمس بصوت متهدج:
_أنا أعشق البحر...وأعشقك أنت أكثر!
توهجت شموسه الزيتونية بعاطفتها وهو يعيد غرس رأسها على صدره مع همسه الأجش:
_افتقدت غناءكِ على صدري.
أخذت نفساً عميقاً ثم طوقت خاصرته بذراعيها لتسند رأسها على صدره..
ثم هامت ببصرها تراقب أعماق البحر أمامها بانبهار حالم....
كم كانت صادقة يوم شبهته بالبحر...
سطحه الظاهر مهما هاج بأمواجه أو أبهج بألوانه ...كل هذا لا يساوي شيئاً أمام جمال باطنه هذا الذي تراه...
تماماً...كعاصي الرفاعي...
ذاك الذي تداري واجهته الصلبة فضاءً شاسعاً من حنان وحب!!!
لهذا تنحنحت بخفوت ثم رفعت أحد كفيها لتبسطه على صدره في حركة تدرك كم يعشقها ...وكأنها تستقريء بها دقات قلبه لتفضح مكنونه...
قبل أن تلامس شفتاها صدره في موضع قلبه تماماً لتهمس له بخفوت:
_شكراً لقلبٍ لم يخذلني كما فعل بي الآخرون يوماً !
أغمض عينيه وهو يحتويها بضمة رفيقة عندما بدأت هي تدندن بلحنها الأثير ...
قبل أن تهمس بتلك الكلمات التي طوقت بعذوبتها قلبيهما معاً...
أنا بعشق البحر...
زيك يا حبيبي حنون...
وساعات زيك مجنون...
ومهاجر...ومسافر...
وعشان زيك زعلان...
وساعات زيك فرحان...
وساعات مليان بالصبر...
أنا بعشق البحر....

============

قراءة ممتعة





نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 07:08 PM   #3

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

الف مبروك حبيبتي روايتك الجديدة بيننا
كل التألق اتمناه لك ونورتينا واسعدتينا بتواجدك


كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 08:36 PM   #4

ماريا حرب

? العضوٌ??? » 409341
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 372
?  نُقآطِيْ » ماريا حرب is on a distinguished road
افتراضي

الف مبروك الروايه شكلها تحفه بجد متشوقة لقراءتها

ماريا حرب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 08:45 PM   #5

sara_soso702
 
الصورة الرمزية sara_soso702

? العضوٌ??? » 325067
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 375
?  نُقآطِيْ » sara_soso702 is on a distinguished road
افتراضي

جميله او المشاهد يا نيمو منتظرينك

sara_soso702 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 08:50 PM   #6

fatiha b

? العضوٌ??? » 412270
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » fatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاردينيا73 مشاهدة المشاركة
الف مبروك حبيبتي روايتك الجديدة بيننا
كل التألق اتمناه لك ونورتينا واسعدتينا بتواجدك
ماسة وعاصي دول وحشوني اوي الجزء الثاني حيكون على ولدهم أو عليهم المهم اي حاجة من الرواية دي حتبقا اكييد حلوة


fatiha b غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 08:52 PM   #7

fatiha b

? العضوٌ??? » 412270
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » fatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond reputefatiha b has a reputation beyond repute
افتراضي

مااسة عاصي واه يانا من عاصي و عيون عاصي وعصبية عاصي. ...مستنيين على نااااار

fatiha b غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 08:52 PM   #8

سحر صالح

? العضوٌ??? » 392493
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 615
?  نُقآطِيْ » سحر صالح is on a distinguished road
افتراضي

طبعا ذي كل رواياتك رائعه موفقه دايما نيمو

سحر صالح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 08:54 PM   #9

Khawla s
 
الصورة الرمزية Khawla s

? العضوٌ??? » 401066
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,978
?  نُقآطِيْ » Khawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond repute
افتراضي

الف ترليون مبروك نيمو موفقة ان شاء الله بنتظارك حبيبتي 😍😍❤❤

Khawla s غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-17, 08:54 PM   #10

tamtam a

? العضوٌ??? » 377228
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » tamtam a is on a distinguished road
افتراضي

تحفة يا نيمو عيشتيني جو كنت مفتقداه بين احب الناس

tamtam a غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:08 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.