آخر 10 مشاركات
311- لهيب الليل - روايات دار الحسام (الكاتـب : Just Faith - )           »          310-عقد زواج-روايات عبير دار الحسام (الكاتـب : Just Faith - )           »          309-عودة العاشقين -روايات دار الحسام (الكاتـب : Just Faith - )           »          شفاة حائرة -حصرياً عبير دار الحسام** (الكاتـب : Just Faith - )           »          7 - غراميات طبيب - د.الأمين (عدد حصري)** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          رغم(38)- نوفيلا-ج1 من س ولكل ذي قلب شأن-بقلم : اروى بدر [حصريا]مميزة*مكتملة&الروابط* (الكاتـب : اروى بدر - )           »          رجل صعب - روايات عبيـــر دار الحســــام (حصرياً فقط بروايتي ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          أردت الرحيلا (48) -ج1 من سلسلة المحكمة- نوفيلا للرائعة:اروى بدر *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : اروى بدر - )           »          لمن يهتف القلب -قلوب زائرة- للكاتبة : داليا الكومى(كاملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-20, 10:23 PM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 زمن الخراب / للكاتب محمود شاهين، مكتملة





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعضاء روايتي الغالين نقدم لكم رواية
زمن الخراب
للكاتب محمود شاهين



قراءة ممتعة للجميع....




التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 07-05-22 الساعة 06:05 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-22, 01:00 AM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

رابط لتحميل الرواية

هنـــــــــــــــــــــــ ــــــا


زمن الخراب
"رواية فكريّة تاريخية اجتماعية "

محمود شاهين
2020 / 1 / 2





التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 11-05-22 الساعة 02:34 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-22, 01:01 AM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

(1)

ما قبل كابوس الانتحار!


وهو يتأمل المسدس الذي ابتاعه لينتحر به، إذا ما ضاقت الدنيا أكثر في وجهه، مثلت في مخيلة الأديب محمود أبو الجدايل ، صورته وهو ينحشرفي قبو مطاردمشق مع مئات الفارين من جحيم الحرب المستعرة في سوريا منذ أكثر من عام .
لم يتصور يوما أنه سيجد نفسه في هذا الوضع المزري مع مئات النساء والرجال والأطفال، وسط لهيب حر خانق ، وازدحام شديد.
حين استيقظ من النوم متأخرا ذلك اليوم ، الثامن عشر من تموز، 2012 تناهى إلى مسمعه قصف مدفعي عنيف ناحية الميدان والتضامن. ألقى نظرة عبر باب الصالون . شاهد نسقا منتظما من دخان القذائف يزداد طولا كلما سقطت قذيفة جديدة . لم يسمع أو يرى مثل هذا القصف طوال ستة عشر شهراً على بدء الاحداث في سوريا .
سارع إلى عمل الشاي الذي اعتاد أن يبدأ نهاره به ، وفيما هو يحتسيه جاءه هاتف من ابنه في عمان يطلب إليه مغادرة دمشق فورا. ولم تمر سوى دقائق حتى جاءه هاتف من ابنته في الكويت تحثه على المغادرة وجواً لأن طريق البر ليست آمنة . وأخبرته أنها ستحجز له على الأردنية .
" لم يفكر حتى حينه في ترك بيته مهما حدث . كان يفضل الموت فيه على مغادرته . ففيه يكمن نسيج روحه ودفق مشاعره وأحلامه وعقله ، ذاكرته وذكرياته ، مؤلفاته ومخطوطاته ، لوحاته ومنحوتاته ، ،تحفه ومقتنياته . مكتبته الهائلة الزاخرة بأهم الكتب التي يحتاج إليها ، وخاصة تلك المتعلقة بالفلسفة وبأبحاثه في المعتقدات الدينية والأساطير لدى الشعوب . كان يفضل الموت مع عالمه هذا على أن يغادره عارياً من كل شيء ، إلا من دماغ يحتاج إلى دهر لاستعادة بعض ما يختزنه من معرفة وذكريات إلى النور . وماذا عن دمشق ، دمشق المدينة التي فضل العيش فيها على أجمل مدن العالم، هل سيترك دمشق ؟ محال ! بل مستحيل ! "
" لكن مكالمة ابنه جعلته يدرك أكثر من أي وقت آخر أن ينجو بنفسه ، فما الذي سيجنيه من الموت مع أعماله ؟ ليكسب نفسه على الأقل ، وإن كانت بلا ذاكرة ، وبلا روح ، وبلا حبيبة ، دمشق ! وبلا أم ، دمشق ! وبلا حضن ، دمشق ! مجرد هيكل جسدي آيل إلى السقوط .."
ولم يجد نفسه إلا وهو يهتف بلوعة من أعماق دخيلته ودمعتان تتدحرجان على وجنتيه "آه يا دمشق ! آه يا حزني الكبير"
كانت دمشق بالنسبة إليه أمه بالرضاعة ، كما كان يقول في بعض حواراته الصحفية ، أما القدس فلم تكن إلا أمه بالولادة ، لكنها لم ترضعه قطرة من حليبها ، ولم يعرف طعمه ، رغم محبته لها.
دمشق هي من ألقمته ثديها منذ أن لجأ إليها ، ومنحته كل حنان الأمومة ، وأغدقت عليه معرفتها الشاملة ، حتى كونت شخصيته.


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-22, 01:34 AM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

( 2)

الهروب !


اعتاد العيش وحيدا منذ أكثرمن عقدين من الزمن . ألف الوحده إلى حد لا يوصف . وشك في أنه سيكون قادرا على العيش مع ابنه وزوجته . زفر نفساً عميقاً وهو يحتسي آخر جرعة من الشاي ، ونهض .غسل وجهه وارتدى ملابسه . لا بد من تحويل بعض النقود إلى عمان . له نقود على ابنه منذ أكثر من عقد من الزمن ، لكنه قد لا يعطيه إياها . سبق له أن احتاج إلى نقود وطلب منه . ادعى أنه لا يملك نقودا .. ومنذ ذلك اليوم قررأن يبقي نقوده تحت تصرفه . شرع في سحب بعض نقوده من البنك على دفعات ، حين أدرك أن البنك لن يعطيه كامل نقوده دفعة واحدة ، وهي لم تكن تتجاوزالخمسين ألف دولار جمعها من ريع لوحاته ، التي كان يعرضها في محلين في دمشق القديمة ، أغلقهما منذ بدء الأزمة . كما أنه أقام بعض المعارض في باريس وبرلين وبلدان أخرى .. كانت نقوده موضوعة بالدولار واليورو .. سحب معظمها ولم يبق إلا على خمسة آلاف يورو وبعض الدولارات.
حين ذهب أول مرة لسحب جزء من النقود استدعته مديرة البنك لتقول له " المواطن الشريف لا يسحب نقوده في هذه الظروف التي تمر بها البلد "
اضطر أن يخبرها أن دخله توقف وأنه لن يسحب إلا ما يكفيه لمصروفه !
كان يحتفظ بالنقود داخل كتب ويركنها إلى المكتبة . شرع في تناول بعض الكتب وأخذ المغلفات منها . ثمة نقود لم يضعها في البنك ، من الريال السعودي والدرهم الإماراتي والجنيه الإسترليني وغيرها من النقود . معظم زبائنه كانوا يدفعون له بعملاتهم . ووجود نبذة عنه في أشهر الكتب السياحية العالمية عن سورية ولبنان، وتحديد موقعه على خارطة دمشق القديمة ، جعل معرضية محطة لبعض الزائرين لا بد منها . وكان يقوم بتصوير بعض قصصه ورواياته المترجمة إلى لغات مختلفة ويبيعها لمن يريد من السياح . ونظرا لأن النبذة عنه في كتاب ( لونلي بلانت ) السياحي العالمي ، كانت بعنوان " الفيلسوف ، الشاعر ، الرسام " إضافة إلى عشرات الحوارات والكتابات بلغات مختلفة التي كان يعلقها على جدران المحل ، فإن معظم الزائرين كانوا يرغبون في التعرف على فلسفته ، وهذا ما دفع راهباً دنمركياً يعمل مسؤولا لكنيسة في الكويت أن يحاوره على مدار يومين ليتعرف على فكرمختلف لم يعرفه أو يسمع به من قبل . وليتمنى لو أنه في مقدوره أن يبوح بهذا الفكر لرواد الكنيسة .
وهو يقترب من اوتوستراد الزاهرة الجديدة المؤدي إلى الصناعة وهدير المدافع يتناهى إلى مسامعه من ناحية الميدان والزاهرة والتضامن ، سمع صراخا قادما من ناحية الجسر المحلق .
أسرع الخُطا ليطل على الشارع . هاله ما رأى ، كان بحراً بشرياً يفر مذعوراً من مناطق القتال عبر الاوتوستراد . أطفال . فتيات. شباب . رجال. نساء. شيوخ . يجرون أو يسيرون بسرعة هاربين من جحيم الحرب .رجال ونساء يحملون أطفالا صغارا ويعدون . بعضهم يقودون أطفالا ويحملون أطفالا آخرين . بعضهم يصرخون ، وبعضهم يتأوهون أو يتحسرون وبعضهم يفرون بصمت . وجوههم تعكس رعبا فظيعا ، ألما ، حزنا ، غضبا ، جنونا . وثمة حافلات تطلق أبواقها بين الجموع لعل فسحة تفتح لها لتمر .
أطبق بيديه على أنفه وفمه ومقدمة الهلع تقترب منه وبعض الفارين من الشباب والكهول يتجاوزونه .
أين سيجد حافلة تقله إلى السوق في هذا الجحيم ؟ وهؤلاء الناس إلى أين سيهربون ؟ هل لهم أقارب في وسط المدينة ؟ أم سيلجأون إلى المدارس والحدائق والطرقات ؟
تأوه من أعماقه وأطلق العنان لساقيه ، حين أدرك أنه سيذهب إلى السوق سيرا على الأقدام ، فيما كانت دخيلته تصطرع بالغضب والجنون والألم والرعب .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-22, 04:26 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

(3)

الحشر!

لم تكن تلك المرة الأولى التي يشعر فيها الأديب محمود أبو الجدايل بالرعب . ونظراَ لأن بيته في المنطقة المحاذية للمحلق الجنوبي في الزاهرة الجديدة ، فقد عايش كل الإنفجارات التي حدثت على المحلق .
يوم الإنفجارين الأخيرين كان قد نام متأخراَ بعد أن أخذ حبة منوم تساعده على النوم ، وحين هز الإنفجار الأول البناء وجد نفسه يقفز عن السرير ويهرع إلى النافذة ، وما أن فتحها حتى دوى الإنفجار الثاني ليتعفر وجهه بالتراب والهواء الساخن ! سارع إلى الإبتعاد عن النافذة والهروع إلى الحمام ، لم يكن هناك جروح في وجهه مجرد تراب خفيف . غسل وجهه . دخل المطبخ ليجد أن بابه قد فتح من جراء الإنفجار ، فيما تناثرت شظايا صغيرة من قطع خشبية على الأرضية . لم تكن الشظايا من باب بيته ، لكن كيف دخلت حين ارتطمت بالباب ليفتح ؟ لا شك أن قوة ضغط الانفجارسبقت الشظايا ، ففتحت الباب لها ! جيد أنك لم تكن في المطبخ يا محمود . كان باب المطبخ هو الوحيد من نوافذ وأبواب البيت المواجه لمكان الإنفجار .



خرج إلى الشرفة رأى بشرا يهرعون ناحية مكان الإنفجار . وثمة هرج بين الناس . أحدهم يقول زجاج نوافذ البنايات المواجهة للإنفجار تحطم .هناك بعض الجرحى من الأطفال والنساء اللواتي كن في المطابخ !
**********
بعد قرابة أربعين دقيقة من الخطو السريع بلغ الصراف الذي يقصده في الحريقة، ليحول له نقودا إلى عمان . راح يخرج عملات مختلفة من مغلفات أخرجها من حقيبة كتفه ، فيما الصراف يقوم بتحويلها إلى دولار.
- تسعة عشر ألفا وخمسمائة دولار. قال الصراف .
- كنت أظن أنني حملت أكثر . قال محمود ، وتابع :
"خذ حقوقك من الخمسمائة وحول لي على اسمي تسعة عشر ألفا ".
أخذ الصراف أجرة ليرة واحدة مقابل كل دولار. أي تسعة عشر ألفا .
خرج من عند الصراف ليعود إلى البيت . ولم يعرف كيف وجد نفسه يسير في اتجاه المسجد الأموي ، مع أنه كان يجب أن يسير في الإتجاه المعاكس ، حتى أنه لم يدر وهو يجتاز الحريقة ويدخل البزورية مارا بقصر العظم ، أنه يودع الأماكن التي عاش فيها وألفها ، وربما يودعها لآخر مرة . كان عقله منشغلا بإمكانية السفر . وحين أصبح في مواجهة الباب الجنوبي للأموي لم ينحرف يمينا في شارع القباقبية كما يجب أن يفعل ، بل ذهب يسارا ليلج إلى ساحة الأموي ومدخل الحميدية الشرقي . اجتازأسرابا من الحمام كانت تحط في الساحة باحثة عما تأكله . توقف إلى جانب الأعمدة الأثرية على مدخل الحميدية واستدار ليواجه جدارالمسجد الغربي . سار في اتجاه قبر صلاح الدين ، وحين بلغ الباب المؤدي إلى الضريح أدرك أنه يسير في الإتجاه الخطأ ويضيع الوقت .
عاد أدراجه ليجتاز القبابية فالنوفرة . أبطأ قليلا وهو ينزل الدرجات الصاعدة إلى باب المسجد الشرقي والنازلة إلى النوفرة . طوال ستة أعوام كان يعرض لوحاته على جدران هذا المقهى الذي يستحيل أن يأتي سائح إلى دمشق دون أن يمر فيه . من هنا عرف في معظم أنحاء العالم . وباع آلاف اللوحات .
لم يكن هناك إلا القليل من الرواد يجلسون في الخارج يدخنون الأراجيل . حيا بحركة من يده وهو يجتاز الشارع في اتجاه القيمرية . وبدلا من عبورالقيمرية في اتجاه باب توما كما كان يفعل كثيرا ، صعد إلىى اليمين حيث حي مكتب عنبر . تمهل قليلا وهو يمر من أمام محله المغلق . كم من الذكريات له خلف هذا الباب. تنفس بعمق وتأوه ..تذكر آخر من التقاهم في هذا المعرض من الأصدقاء :الراحل عمر أميرلاي ، المخرج السينمائي ، سمير ذكرى المخرج أيضا ، ميشيل كيلو السياسي صديق العمر ، أول من اطلع على أول مخطوط روائي له ،كتبه عام 1975 ولم ينشر حتى حينه. منى أتاسي صاحبة جالري أتاسي ، نبيل المالح المخرج السينمائي أيضا ، الفنانة منى واصف ، الفنان عبد الحكيم قطيفان ، الفنان الموسيقارصفوان بهلوان ، الفنان التشكيلي يوسف عبد لكي ، الفنان التشكيلي موفق قات ، الأديب وكاتب السيناريو حسن سامي يوسف ، الأديب خليل صويلح ،الفنان أيمن زيدان ، الفنان جهاد سعد ، الفنان ماهر صليبي ، الفنانة ندى حمصي ،الفنانة سحر فوزي ، الفنان أيمن رضا الذي كان بيته يجاور محله ، حيث أهدى معظمهم نسخا من آخر روايتين له : الملك لقمان ، وغوايات شيطانية . كما أهدى بعضهم لوحات ..



وهو يجتاز سوق مدحت باشا مر من أمام محله الثاني ليجد أنه تحول إلى صالون حلاقة لأبو فادي الذي كان يشغل محلا يواجه محله الآخر. سلم على أبو فادي وتابع طريقه . لم يدخل إلى حي الأمين من شارعه الرئيسي . تابع طريقه في اتجاه الكنيسة المريمية ثم انعطف يمينا ليلج إلى حارة اليهود .
حاول أن يأخذ تاكسي من حي الأمين دون جدوى . لم يقبل أي سائق التوجه جنوبا حيث يحتدم القتال الضاري. حث خطاه ليعود سيرا .. اجتاز شارع ابن عساكر إلى الصناعة . مرمن بستان الدور على عجل . أخذ صوت القصف يتناهى إليه . كان قد ازداد فظاعة . الهاتف يرن . هلو بابا حجزت لك على الأردنية في الثامنة صباح الغد ، افتح الإيميل لتأخذ رقم التذكرة ورقم الرحلة " " تشكري بابا "


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-22, 04:27 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

(4)

الفراق !

وصل إلى حارته في حي الزاهرة الجديدة التي تبعد عن المتحلق الجنوبي قرابة ثلاثمائة متر . كان ثمة مدافع تقصف من حديقة في المتحلق مواجهة لبيته في اتجاه الجنوب .أمام البناء الذي يقطن فيه شاهد جاره أبو محمد . أخبره أن يحضر حاله ليقله إلى المطار . وافق أبو محمد دون أي نقاش .
دخل بيته . سارع إلى الكومبيوتر .شكر الله حين وجد أن النت غير معطل . طبع رقم الرحلة ورقم التذكرة على ورقة . نهض يجمع أشياءه . كان قد حضر من قبل ثلاث حقائب للوحات كبيرة ومتوسطة وصغيرة غير مبروزة . لم تكن الملابس تعنيه كثيرا . وضع القليل منها في حقيبة . كان قد أنزل من قبل اللوحات المهمة عن الجدران ووضعها تحت الأسرة لعلها تسلم من الدمارإذا ما سقطت قذيفة على البيت ، لوحات زيتية كبيرة مشغولة بالرسم والحفر والزخرفة . علق بدلا منها لوحات أقل أهمية .
دخل إلى المكتبة وراح يبحث عن الكتب التي تحوي نقودا . أخبره ابنه أن لا يحمل معه نقودا كثيرة فقد يأخذونها منه في المطار . اكتفى بخمسة آلاف دولار . وضعها في مغلف ، وضعه في جيب داخلي لسترته . وكان لديه قرابة عشرين ألف سوري . هناك كتب ما تزال تحوي نقودا . عدها . ثمانية آلاف دولار. سيبقيها في البيت . سجل عناوين الكتب التي وضعها فيها ، والرف الذي وضعها فيه في المكتبة . دس الورقة في جيبه . القصف يزداد حدة . الأبنية تكاد تهتز . لم يسمع أخبارا طوال اليوم ولم يعرف ماذا يجري غير القتال الشرس الذي ينبئ به القصف .



سمع صراخا وضجيجا وهتافات . ألقى نظرة من باب الصالون . شاهد إطارات مشتعلة تقطع الشارع الداخل إلى الحي من الجنوب ، ومجموعة من الشباب ينطلقون مسرعين بسيارة سوزوكي مكشوفة وهم يهتفون ويجوبون الحي . لم يعرف بماذا يهتفون .لكنه أدرك أنهم من المعارضة .
لم يكن قد أكل شيئا حتى حينه . ولا نفس له في تناول الطعام . لكنه شعر بحاجته إلى جرعة ماء.
عرف الجيران أنه سيغادر فقرعوا الباب يسألون . أطفال ونساء وفتيات لم يكن يراهن إلا محجبات وباللباس الشرعي ، وهاهن الآن سافرات وبملابس النوم أو ملابس البيت . وجوه كئيبة . عيون تغرورق بالدموع . اندفعت أم محمد إلى داخل البيت حاملة كأس لبن ، ليندفع معها قرابة عشرة أطفال من أحفادها . اعتذر من أم محمد لأنه لا يستطيع أن يشرب شيئا وطلب إليها أن تخرج الأطفال ليتمكن من ترتيب أغراضه التي سيأخذها . طبق الباب قليلا دون أن يغلقه .أخذ يقرب الحقائب من الباب . هذه حقيبة ثقيلة جدا . فتحها . تناول رزمة من اللوحات الصغيرة موضوعة في كيس وقذف بها إلى داخل البيت . لم يعرف أنه قذف أجمل رزمة من اللوحات الصغيرة . قياس 25*17 سم.
تفقد أشياءه . جواز السفر الأردني .معجون الأسنان والفرشاة . الكاميرا . صابون . ألة الحلاقة . مقص الشعر . لم يأخذ زجاجة العطور . وثمة زجاجة هدية من ابنته لم يفتحها بعد . لم يأخذها أيضا . توقف قليلا ليتفقد كل شيء . كل شيء جاهز . ثلاث حقائب لوحات . حقيبة صغيرة ملابس ومناشف، حقيبة كتف . لم يخطر بباله أن يحمل أيا من مؤلفاته ومخطوطاته.
فتح الباب . كان الجيران يتجمهرون خلف الباب . اقترب من أم محمد . أعطاها رزمة نقود قدّر أنها اثنا عشر ألفا، لتدفع فواتير الكهرباء والهاتف والماء في غيابه . أخرج الحقائب أمام البيت . أقفل الباب . أعطى المفتاح لأم محمد ، واضعا البيت في أمانتها . مشيرا إليها أن تأخذ كل ما في البيت من خضار وفواكه ولحوم وحبوب ومعلبات.
عدّت أم محمد النقود على عجل :
- هذه النقود أكثر من 12 ألف . هتفت أم محمد .
- معلش ! قال .
كان أبو محمد قد شرع في انزال الحقائب من الطابق الثالث .
ألقى نظرة خاطفة على جمهور الجيران وهو يحمل آخر حقيبة لوحات ويهم بالنزول . حياهم بحركة من يده دون أن يتفوه بكلمة متحاشيا النظر إلى وجوه الفتيات اللواتي شرعن في النحيب خوفا مما تحمله الأيام القادمة .

********




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-22, 06:29 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

(5)

الرحيل !

غادرا الحي من حارات جانبية خلفية لأن الإطارات المشتعلة كانت تغلق مداخله الرئيسية ومظاهرة صاخبة يمتطي كتفي أحد شبابها أبو عبده بواب البناية - المعروف له كمتعصب اسلامي ، مع أنّه ينتمي إلى حزب البعث أيضا- تجوب أحياءه داعية إلى سقوط النظام !
وصلا المطار بسلام قبل الغروب . ودع أبو محمد وأوصاه بالبيت . كان آلاف البشر يتكدسون في ردهات المطار. جلس في مطعم وطلب طعاما وشرابا ، فهو لم يأكل شيئا طوال النهار . لم يكن هناك بيرة . أحضر له النادل كأسا صغيرا من الجن بالكاد يكفي لبل شفتيه ! كان ما يزال مضطربا من جراء السرعة التي أنهى بها اجراءات السفر، وحين همّ لأخذ كأس الجن اصدمت به أصابعه فانقلب ليسفح ما فيه .
في حوالي التاسعة ليلا اهتز زجاج الجدار الأمامي للمطار جراء ثلاثة انفجارات حدثت فجأة أمامه .هرب الناس إلى عمق الردهات ، فيما راح رجال أمن يفتحون أبواب المصاعد ويصرخون بالناس أن ينزلوا إلى الأقبية السفلية . ساق عربة حقائبه ونزل بصعوبة مع النازلين على الأدراج . حُشر المئات في قبو . انزوى في قرنة وقرفص إلى جانب حقائبه وهو يتأوه من أعماقه ويردد " لا حول الله " وشاب تبين له أنه عنصرأمن يلقي نحوه نظرات مرتابة بين فترة وأخرى ..
بعد قرابة ساعتين تعالت أصوات تطلب الخروج من الأقبية . هتف الشاب للناس بالخروج . وما أن صعدوا حتى طُلب إليهم الخروج من المطار والدخول ثانية لتفتيش الحقائب من جديد . خرجوا واصطفوا في رتل طويل .. تأمل المكان من حوله ، لم يكن هناك أية آثار لقصف أو انفجارات . كل شيء كان كما هو .. سأل أحد عناصر الأمن الواقفين : ماذا كان القصف ؟ قال : قصف هاون من بعيد ! هاون ولا يترك أي أثر ؟ تساءل في نفسه ! أدرك أن الأمر ليس أكثر من تمرين تدريبي يختبر فيه رجال الأمن قدرتهم على التصرف في حال حدوث هجوم على المطار ، والإنفجارات لم تكن إلا مفرقعات قوية الصوت .
بعد منتصف الليل بقليل ألقى نظرة على لوحة الرحلات في المطار ليكتشف أن الأردنية ألغت رحلتها إلى عمان ، ولن تحضر . مادت الدنيا في عينيه وأحسس أن قلبه هبط إلى ركبتيه لينشق إلى نصفين ، نصف يستقر في الركبة اليمنى ونصف في اليسرى !! ألقى نفسه على البلاط وراح يردد في دخيلته :
" آه يا تعبي ! آه يا أمي التي لم أرها منذ تهويد القدس ! آه يا أمي التي رحلت دون أن أراها ، دون أن تراني ! ماذا سأفعل بحق السماء ؟ "
راح يبحث عن طائرة مصرية أوسورية متجهة إلى مصرأوعمان دون جدوى . الطائرات محجوزة ولا يوجد محلات . هذا ما يقوله موظفو المكاتب في المطار .
مر أول يوم . نام لليوم الثاني في المطار . ولا يمكن لأحد أن يحسده على الحال التي هو فيها . طعام رديء ناشف . كل شيء نار بأسعاره . لا نوم على الإطلاق . شكرجسمه الذي تكيف مع الوضع تماما ، ولم يطلب إليه الذهاب إلى التواليت إلا ما ندر وللتبول فقط .
جاء إلى المطار مساء الأربعاء وبقي حتى مساء الجمعة . ظهيرة الجمعة اصطحب لوحة بحجم 35 ب 50 سم وصعد إلى مكتب المصرية . قال لمديرالمكتب وهو يعرض اللوحة أمامه " هذه اللوحة هدية لك إذا ما دبرت لي مكانا على الطائرة إلى القاهرة " بدا واضحا أن اللوحة أعجبته . قال : ألن تهديني إياها الآن ؟ قال : لا . حين تكون التذكرة بين يدي .
وعد المدير بأن يجد له مكانا على طائرة الخامسة مساء .
صعد إلى المكتب حين جاءت الطائرة . لم يجد المدير وجد نائبه . وعده بلوحة هو الآخر .
طلب إليه أن يصطف مع الداخلين ، وإذا ما سئل عن التذكرة يقول أنها عنده . وأعطاه اسمه .
تم الأمر بنجاح . حصل على التذكرة بثمن باهظ دفعه بالدولار . وأبقى اللوحتين مع المدير لأن نائبه لم يكن موجودا عند وزن الحقائب . نادى المدير وهمس له بضع كلمات " إياك أن تبيع اللوحة ببضعة جنيهات أو دولارات ، لا تبعها حتى لو دفع لك مليون " ولا يعرف إذا استند إلى ثقة عمياء بمستقبل فنه أو ماذا حين قال له ذلك ، والمديربدوره لم يدرك أن تكون اللوحة ثمينة إلى هذا الحد وهو يفرط بها مقابل تذكرة طائرة مدفوعة الثمن ! فبدا مندهشا للحظات !
شرطي الجوازات اعترض على سفره دون تأشيرة خروج من إدارة الجوازات، وراح يمطمط ويماطل . تساءل في نفسه " لا أعرف لماذا تأشيرة خروج وأنا أحمل جوازا أردنيا ، هل أحتاج إلى إذن مسبق لأسافر ؟ "طالت المطمطة إلى أن أنهاها بخمسة دولارات ألقاها أمام الشرطي.
تنفس الصعداء وهو يصعد إلى الطائرة مع حقيبتي لوحاته دون أية مشكلة ، إلا مع شرطي آخر ادعى أن اللوحات أثرية ، تخلص منه دون خمسة دولارات . أشارت إليه المضيفة بوضع الحقيبتين خلف أخر المقاعد في الطائرة.

******



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-22, 11:03 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

(6)

القاهرة


السائق الذي أقله من مطار القاهرة أخذه إلى فندق في مصر الجديدة مع أنه قال له أن يأخذه إلى فندق في وسط القاهرة .
لم يعرف أنه سيآتي إلى القاهرة وإلا لأحضر معه هواتف وعناوين أصدقاء . فقد فكر في أن يبقى في القاهرة لبعض الوقت إذا ما تمكن من إقامة معرض . وله في القاهرة قرابة مائتي لوحة ما بين مباع ومهدى لأدباء وفنانين وأصدقاء . وله فيها ذكريات حين التحق فيها بدورات في الصحافة والإعلام عامي 72 و75 من القرن الماضي .. أيام الراحل كامل زهيري.. صبيحة السبت أخذ تكسي إلى شارع الصحافة . دخل إلى إدارة صحيفة الأخبار . سأل موظفا كان يجلس في الاستقبال عن جمال الغيطاني . قال إن اليوم عطلة .. سأله عن هاتفه قال أنه لا يعرفه . سأله عما إذا كان يعرف هاتف أحمد فؤاد نجم . ولا يمكن لأحد أن يتصور مدى دهشته حين تساءل الموظف" هوه مين نجم دا" ؟! صُدم . كان سيسأله عن هاتف صنع الله ابراهيم أو محمد كامل القليوبي ، فأحجم ..
خرج يجوب شارع الصحافة سائلا في المكاتب والإدارات عن رقم هاتف لأديب أو فنان دون جدوى . لم يعرف كيف قادته خطاه إلى فندق شبرد . وجدها فرصة ليتغدى ويحتسي زجاجتي بيرة على الأقل ، ليطرح عن كاهله ثقل الأيام السابقة كلها . دخل إلى مطعم ضمن صالون الفندق وجلس إلى جوار نافذة مطلة على النيل . جاء النادل . طلب بيرة باردة . ذهب النادل ليعود شاب آخر يسأله عما إذا كان أجنبيا . فوجئ بالسؤال . قال أنه أردني . طلب الشاب أن يرى جواز سفره . تساءل بدهشة" هوه فيه أيه " وكان يظن أنه رجل اشتُبه به . قال النادل: " الخمر ممنوع على المصريين في رمضان يا فندم " ولم يعرف ، أو أنه نسي أنه في رمضان إلا حينها . قال وهو يخرج جواز سفره ويمده نحوه " هوه مرسي أمر بدا " ؟! لم يجب النادل ، وما أن رأى الجواز من الخارج حتى أعاده إليه دون أن يفتحه .
ابتسم وهو يجد نفسه يتحدث المصرية مع النادل . حين يأتي العربي إلى مصر يجد نفسه يتحدث المصرية ، وخاصة أبناء بلاد الشام ، أما حين يذهب المصري إلى أرض العرب لا يستطيع تقليد لهجاتهم فيظل يتحدث المصرية . تذكر ما عاناه حين عمل في فلم مصري رديء عن الإنتفاضة الفلسطينية ، رممه وحول لهجته إلى فلسطينية ، درب الممثلين عليها . وحين وقفت أمينة رزق أمام الكاميرا راحت تتحدث صعيدية قح ! أيقن أنه من المحال ان يتقن الممثلون الفلسطينية ، فتخلى عن التدريب وترك العمل . وفي فيلم آخر عن ناجي العلي رفض المشاركة فيه رغم المبلغ الجزيل الذي وعد به . كانت اللهجة مضحكة !
للبيرة نكهة مختلفة . قد تكون ألذ نكهة بيرة شربها في حياته . ليس لأنها مختلفة أو أطيب من غيرها ، بل لأن من يشربها هو أشبه بإنسان نجح في الهروب من الموت ، أو في الخروج من قبر . ولو كان يعرف أنه سيودع شرب البيرة بالزجاجتين اللتين شربهما لاستلذ بهما أكثر ، لغلاء البيرة والخمور بشكل عام في عمان .
طلب أرخص طبق شاهده في قائمة الطعام وهو سباجيتي !
أمضى صبيحة اليوم التالي وهو يجري اتصالات مع الصحف لعله يعثرعلى هاتف صديق دون جدوى . ولم يجد نفسه إلا هو يحزم حقائبه ويذهب إلى المطار .
وجد مكانا على المصرية إلى عمان مساء . حدثت مشكلة قبل الصعود إلى الطائرة فهناك من يريد تفتيش حقيبتي اللوحات وهناك من يرفض نقلهما على الطائرة ويريد وضعهما مع الحقائب . كان قد رزم الحقيبتين ببلاستك بعد تفتيشهما عند دخوله إلى المطار . وفتحهما ليس سهلا .
أرى الشرطة هوية اتحاد الكتاب العرب ليثبت لهم أن لا علاقة له بالمهربات والمخدرات . لم يقبلوا عذره . وحين انفعل وأشار إليهم أن يفتحوهما ، مهددا بأنه سيفضحهم ، تخلوا عن الأمر !!!
رافقه أحد الموظفين إلى باب الطائرة لإصراره على وضع اللوحات مع الحقائب . تبادل مع الموظف الهرج على مقربة من الباب ، هو يرفض والموظف يصر، إلى أن تنبهت المضيفة المسؤولة عن الطائرة للأمر . تساءلت فأجاب . أشارت بيدها وهي تهتف : هاتهم ؟ ولم تعر أي اهتمام لذاك الموظف ، الذي انصرف منكسا رأسه مدليّاً أذنيه . يبدو أنه كان يطمح في دولار ما ، فتحامق ولم يعطه .
كان مقعده إلى جانب طالبة أمريكية فاتنة تدرس العربية في عمان . لم يعرف كيف مرت الرحلة إلى عمان وهو يتحدث إليها عن فلسفته في فهم الخلق والخالق ، بحيث أبدت إعجابها بها .
كانت الفتاة قد تنبهت إلى مشادته مع الموظف أمام باب الطائرة ورأت كيف أدخلته المضيفة بيسر وأشارت إلي أين يضع الحقيبتين ، فسألها عما إذا كان من اللائق أن يكرم المضيفة بقليل من النقود لقاء لطفها معه. أشارت بالإيجاب . وهو يهم بالنزول وضع في يده اليمنى بضعة دولارات، وحين مدت المضيفة يدها لمصافحته، مد يده ليضع النقود في راحة يدها أولا ومن ثم يطبق على يدها مصافحا. فوجئت المضيفة وهي تعيد النقود إليه مرددة مستحيل مستحيل !
شكرها من قلبه ، وتابع نزوله .
كان متخوفا من استدعائه في مطارعمان والطلب إليه مراجعة المخابرات . لم يحدث أي شيء
على الإطلاق . قرابة دقيقة لا أكثر ختم الموظف جوازه وأعاده إليه دون أن يتفوه بكلمة .
لم يصدق نفسه . يبدو أن كل شيء قد تغير هنا . ورغم أنه طوال عمره يحس ويعيش الحياة كفلسطيني ، إلا أنه ولأول مرة راح يشعر بأردنيته . في مقابلات صحفية معه كما سبق ، كان يذكر دمشق أكثر مما يذكر عمان " إذا كانت القدس أمي بالولادة فدمشق أمي بالرضاعة ، فقد عشت فيها أكثر من أربعين عاما كونت فيها ثقافتي وشخصيتي وكتبت مؤلفاتي ورسمت قرابة عشرة آلاف لوحة ، ولم أعش في القدس إلا قرابة عشرين عاما في بداية عمري، أما عمان فلم أعش فيها إلا أقل من ثلاثة أعوام "
استقبله ابنه " رجب " في المطار وأقله بسيارته إلى البيت .

*********


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-05-22, 02:41 AM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

(7)

عمّان .


ها هي عمان بجبالها السبعة تفرد أحضانها له . وها هويشحذ خطاه في شوارعها جارا خلفه أثقال سبعة وستين عاما من التشرد والقلق والمعاناة وتعب السنين وهاجس الثقافة ، بحثاً عمّا يغني روحه ويرمم جراحها . في هذه المكتبة يجد روايتين ليحيى يخلف : جنة ونار ، وماء السماء . يحيى صديق عمر ولا بد أن يقرأ إلى أين وصل .. وهذه رواية لرشاد ابو شاور في مكتبة أخرى " سأرى بعينيك يا حبيبي " رشاد صديق عمرأيضا وأول من استقبله في عمان ودعاه على الغداء . وهذه مكتبة يجد فيها كتابا واحدا أحب أن يشتريه مع أنه قرأه " النبي ابراهيم والتاريخ المجهول " سيد محمود القمني . "أعذرني يا سيد تركت كل كتبك القيمة هناك في دمشق ." أوه ! وفي هذه المكتبة يجد كتب من أحبهم كثيرا في حياته . نصر حامد ابو زيد . آه يا عزيزي ، يا جرحا غائراً في قلبي وفي أحشاء هذه الامة الحمقاء التي لم تقدرك حق قدرك . سيبقى مكانك في القلب يا عزيزي ، ويبقى فكرك في العقل . نادم يا عزيزي لأنني لم أهدك لوحة حين التقيتكما أنت وفيصل دراج في المقهى الذي كنت أعرض فيه لوحاتي في دمشق القديمة . لم أعرف أنك سترحل بهذه السرعة يا نصر وإلا لأهديتك قلبي . تحدثت مساء أمس مع فيصل الذي يشاركني قلقي ، بعد أن جار الزمان علي يا نصر وأصبحت مشردا .. أنا متعب يا عزيزي نصر ، متعب .. كتبك كلها ظلت هناك في دمشق .. وسأكتفي الآن بشراء " هكذا تكلم ابن عربي " و" الإتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة " هل تعرف يا عزيزي أنني لم أفهم ابن عربي جيدا إلا بعد أن قرأت كتبك . لكن ما يزعجني يا عزيزي هو أنني أجد معظم ما فكرت وأفكر فيه ، قد سبقني ابن عربي إليه قبل قرابة 800 عام .صحيح أنني أتيت ببعض ما هو جديد وبما يختلف معه ، لكنه يظل في نظري شخصية فذة لم ينجب العقل الإسلامي قبلها ولا بعدها من هو بمستواها في فهم ليس الإسلام وحده بل الفكر الإنساني كله حتى حينه . "
"لقد جرد ابن عربي مفهوم الحقيقة الإلهية إلى أبعد حدود المطلق ، بحيث جعلها القدرة أو الطاقة السارية في الكون والكائنات والمتجلية فيهما، ولا يمكن لشيء مهما كان ، حتى لو كان رمشة جفن ، أن يتم دونها . بهذا الفهم وضع البشرية كلها ضمن حدود الإيمان ، أياً كان الخالق الذي تتوجه إليه وشكل تقربها إليه ، وأياً كان الفكر الذي تؤمن به حتى لو كان إلحادا !! أي عقل هذا يا نصر ؟"
" لا تعلم يا نصر أنني لم أضم في حياتي إلا كتابا واحدا إلى صدري حين فرغت منه . إنه " "المسيح يصلب من جديد " لنيكوس كازنتزاكي . وكتبك يا عزيزي نصر هي نفائس ثمينة ليست جديرة بالضم إلى الصدور فحسب ، بل بالحفظ في القلوب ."
"هذه مكتبة أخرى يا نصر ثمة كتب يمكن أن يكون فيها بعض ما هو مفيد ، لكن ما أحمله من نقود أوشك على النفاد "
تنبه إلى نفسه تهذي مع نصرحامد أبو زيد . قرر أن يتوقف عن الهذيان ويعود إلى البيت، ويتصل بمن عرف هواتفهم من الكتاب ليمدوه بآخر نتاجاتهم .
. ابراهيم نصر الله . لم يمده بعملين له فحسب ، بل دعاه على العشاء مع بعض الأصدقاء..ودعاه في مرة أخرى على العشاء مع محمود شقير وآخرين . الكتابان : " قناديل ملك الجليل " و" زمن الخيول البيضاء " كان لقاءً جميلا وعشاء لذيذا .. وكان ابراهيم نصر الله أهم مفاجأة له بين كل ما قرأ. راح ابراهيم يوغل في الزمن ليعود إلى شخصية تاريخية عاشت بين أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر ( ظاهر العمر الزيداني ) الذي ثارعلى السلطة العثمانية ، لينشئ أول كيان سياسي عربي شمل " عكا ويافا وحيفا والجليل وبلاد اربد وعجلون وأجزاء من سورية وحوران وصيدا وسواها، في حين أن صور كانت في يد حلفائه المتاولة ، وبيروت في يد حلفائه الشهابيين "
رجل رحلت أمه عند ولادته فأرضعته فرس ( حليمة) فكانت أمه بالرضاعة ، وربته زوجة أبيه (نجمة) فكانت أمه بالتربية . تعلم الفروسية منذ صغرة وشارك في أول حرب وهو لم يتجاوز سن الطفولة .
رجل لم ينته من معركة إلا ليشرع في أخرى ، ولم يطو أوجاع حرب إلا لتنزل عليه حرب أخرى فظائعها ، ليمضي عمره محاربا حتى سن الخامسة والثمانين .
ليقتل في النهاية على يد أحد قادته الذي خانه ( أحمد الدنكزلي ).
لقد قدم ابراهيم نصرالله عملا أدبيا تاريخيا لم يكتب مثله أو بمستواه وعلى الإطلاق في الأدب الفلسطيني كله ، إن لم يكن في الأدب العربي . ورسم لنا بنجاح باهر شخصية البطل الفلسطيني كما لم يرسمها كاتب من قبل .
البطل الفارس ، الذي يحارب بشجاعة ويحقق انتصارات ، لكنه يهزم ويستشهد في النهاية ، وكأن القدر قد رسم له مسبقا هذه النهاية التراجيدية . وهذه هي حال البطل الفلسطيني بدءا بجليات التوراتي وانتهاء بياسر عرفات .
والأمر نفسه ينطبق إلى حد كبير على " زمن الخيول البيضاء" فهي ملحمة روائية تبحر في النضال الفلسطيني ضد الانكليز والصهاينة و ضياع فلسطين لم يكتب مثيلا لها في الأدب العربي.
كتب محمود أبو الجدايل مقالين مطولين عن الروايتين وعن أعمال أخرى لابراهيم .
المفاجأة الثانية له كان محمود شقير الذي أهداه روايته أيضا " فرس العائلة " عمل متعه وأفرحه وأضحكه ، خاصة وأنه ومحمود ينتميان إلى العشيرة التي استوحى منها محمود روايته ( عرب السواحرة ).
كتب عن الرواية الكثير وكتب هو عنها أيضا . رواية مكتوبة بخفة دم ، وصفاء روح ، ومحبة " في أكثر من ثلاثمائة صفحة. يحدثنا محمود شقير عن رحلة عشيرة ( العبد اللات ) من البرية إلى مشارف مدينة القدس ، يحدثنا عن التحول من البداوة والدخول في المدنية ، عن هجر مضارب بيوت الشعر إلى البيت الحجري الحديث، عن ترك الرعي والزراعة ولو جزئيا للعمل في مرافق المدينة المختلفة . عن هجرالدراسة عند الشيوخ ببيضة ورغيف إلى المدرسة الحديثة ، عن ترك الثوب البدوي إلى الفستان ، عن اشعال النار بالحطب إلى موقد الكاز ( البابور ) عن التحول من الحكم التركي إلى الحكم الإنكليزي . عن رجال أرغموا على خوض الحرب إلى جانب الأتراك ليعودوا جثثا أو يختفون ، وعن رجال حاربوا مع الإنكليز ليعودوا محملين قتلى على ظهور البغال "
" يحدثنا محمود عن رجال مزواجين يعشقون النساء والأبناء ، ويحبون الحكايات الشعبية والخرافات والبطولات والفروسية . يحدثنا عن نساء يعشقن وينجبن ويحببن دون حدود ، ويحلمن بالجن والشياطين ، أو يهرب بعضهن مع عشاقهن . عن الشحادين والباعة المتجولين عن الجبليين وقرودهم التي ترقص للنساء ، عن الغجر وهجراتهم وفنونهم ،عن ثورات مجهضة وبطولات فردية .عن عادات وتقاليد وطقوس ومشاعر وأحاسيس وصلوات وأغان ترسم نسيج أرواح هؤلاء الناس ، وتسبر خفايا نفوسهم "
"يحدثنا محمود بمحبة لا تخلومن طرافة عن طقوس الخصب عند هؤلاء الناس ، ليوحد بين خصب الأرض وخصب الأنثى . المواقعة الجنسية مع المرأة قد تتم في حقل الحراثة ،على ظهر البغل أو استلقاء على الأرض، ليبدو فعل الحرث مشتركا بين الأرض والمرأة . فكلاهما حرث ينتج عنه خصب ، لنجد أنفسنا وكأننا أمام طقس تموزي من طقوس ما قبل التاريخ "
المفاجأة الثالثة كانت مع جمال ناجي الذي أهداه آخر رواياته أيضا ( غريب النهر )
"يعود جمال إلى الشتات الفلسطيني ليرسم لنا واقع أسرة فلسطينية من بلدة العباسية قرب يافا وتشرد أبنائها من يافا إلى اسطنبول مرورا بالأردن وسوريا ولبنان .. ينقلنا جمال في فضاء جغرافي شاسع ليقص علينا بمهنية رفيعة سيرة عائلة ( أبو حلة ) الفلسطينية ، لزمن يمتد لقرابة قرن ، نبحر فيه مع آلام هذه الأسرة وآمالها ، مع أفراحها وأتراحها ، في تشردها وكدحها ، في حكاياتها وتحولاتها ، من اسرة مشردة ، إلى مالكة بيارة في أغوار الأردن "
"يوظف جمال خبرة في فن الروي دامت لقرابة أربعة عقود ، يحرك فيها أكثر من خمسين شخصية على أكثر من مائتي صفحة ، بنفس ملحمي يقارب فضاء الميثولوجيا دون أن يوغل فيه ، ليظل واقع حال الشخصيات هو الماثل في صفحات الرواية "
المفاجأة الرابعة له كانت مع رواية رشاد أبو شاور " سأرى بعينيك يا حبيبي " التي تناولت التطرف الديني في مواجهة التحرر والإعتدال .لينهزم التطرف وتستمر الحياة في تقدمها وتطورها رغم كل المعيقات .
ثمة صديق شاعر وناقد فأجأه بنبله وطيبته وعده بمجموعة كتب ، هو عبد الله رضوان ، الذي يدير منتدى الرواد الكبار ، أقام حفل غداء على شرفه في المنتدى دعا إليه بعض كبار الأدباء والفنانين في عمان وأقام له معرضا ، جهد عبدالله لأن يبيع ، فباع بألفي دينار، مما أشعره ببعض الطمأنينة رغم كل ما يعيشه من تشرد وقلق شديد على دمشق وسورية وبيته ومقتنياته وأعماله . الأمر الذي صدمه وأبكاه كان رحيل عبد الله المفاجئ.. لم يحزن على راحل من أصدقائه بقدر ما حزن على عبد الله رضوان ، ولم يبك ميتا بعد أمّه إلا عبد الله رضوان " ألف سلام لروحك يا صديقي"
رغم جمال ما قرأه من روايات فلسطينية حتى حينه ، أشعره بتطور الرواية الفلسطينية ، غير أنه ظل يطمح في رؤية الرواية الفلسطينية القادرة على الخروج من عبء التاريخ ، والواقع الإجتماعي السياسي ، لتدخل أعماق النفس الإنسانية ، وتنتج المعادل للمأساة ، وما أثمرته من فكر وفلسفة ، وليس ما سارت عليه ، ولا شك أنه لمس البوادر الأولى في ما قرأ لولوج هذا الإتجاه .
*******
من الأدب العربي والعالمي ابتاع فيما بعد روايات كثيرة قرأها كلها وكتب عن بعضها . قرأ لواسيني الأعرج روايتين . واسيني صديق من أيام دراسته العليا في دمشق هو والزاوي أمين وغيرهما من الأدباء الجزائريين. لديه شاعرية مدهشة وإن كان يسهب في السرد .. كتب عن روايتين له " مملكة الفراشة " و" أصابع لوليتا "
ثمة رواية سحرته بجمالها وهي " ساق البامبو" للكويتي سعود السنعوسي. كتب عنها مع مجموعة من الروايات ..
"عزازيل" يوسف زيدان .. من الروايات التي أحبها وكتب عنها أيضا . وقارن بينها وبين رواية الكاتب الايطالي امبرتو إيكو ( اسم الوردة ) حيث اتبع يوسف منهج امبرتو في كتابة روايته.

******


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-05-22, 02:51 AM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


(8)

أكعاب أحذية!


لم يكن محمود أبو الجدايل يوما عدوانياً ، كان مسا لماً ومتواضعاً ومحباً للناس إلى أبعد الحدود ، لكن حين كانت كرامته تمس بما يتجاوز قدرته على التسامح، وبما يجرح كبرياءه، نتيجة لحسه المفرط وشعوره المرهف ، كان يبدي انفعالا يوحي بقدرما من العدوانية السلبية، فيضطر إلى الدفاع عن كرامته بما يعيد لها هيبتها واحترامها ، فذات يوم حين تعرض لإهانة من قبل أحدهم في مقهى النوفرة الذي كان يعرض فيه لوحاته ، وجد نفسه يرفع رجله أمام الناس ويشير بسبابته إلى كعب حذائه مخاطباً من أهانه بانفعال شديد: أترى كعب حذائي هذا، لو أنك عشت مائة عام لن تستطيع بلوغ مستواه . فما كان من الآخر إلا الهرب إلى داخل المقهى والإختفاء . وكان يصنف بعض المترددين على المقهى وغير المترددين من الزعران والبلطجية وعديمي الأخلاق تحت هذا التصنيف " أكعاب أحذية " وأفضلهم كان يحصل على لقب حذاء كترقية له عن الكعب !
وذات مرة استفزه أحدهم على شبكة النت بأن فتح شريطاّ مضاداّ على الشبكة يسخر من فكره الفلسفي الذي كان ينشره في مقالات وفي جمل وفقرات مختصرة. كان ذاك يرد في شريطه على كل جملة بلغة بذيئة وغير أخلاقية وتتنافى مع أبسط حدود المنطق والعقلانية . كان يتجاهله ولم يرد عليه، إلى أن شعر أنه تجاوز الحدود كلها ، فرد عليه قائلا:
" ثمة حمقى يحاولون الإلتصاق بكعبي حذائي بأن يفتحوا أشرطة على شبكة النت مستغلين قامتي السامقة ليستدرجوني وأصدقاء إلى حوار مغلق معهم ، حول حقهم في أن يكونوا غبارا يحط على كعبي حذائي ليبنوا لهم مجدا افتراضيا من خلالهما !! هنيئا لهم بكعبي حذائي ، فقد أتحتهما لهم إلى الأبد ، وإن كنت مضطرا في بعض الأحيان إلى أن أنفض كعبي حذائي من غبارهم بدواعي النظافة "
ومرة أخرى استفزه أحدهم على النت بأن شتمه كثيرا ، رغم أنه عامله بمنتهى التهذيب والأدب ونصحه بأن ينقد دون شتائم .. غيرأنه لم يتراجع عن الشتائم . حذره ثانية بأنه إن استمر في شتائمه سيدفعه إلى مالم ينسه في حياته . لم ينتصح. قال فيه :
خرج الصرصار من المخرأة
مزهوا بعقل في مبعرة
ضراط وبول وبراز لواط
تجلى في أست مشعّرة
وضيع خليع رقيع حقير زنيم
يرى في فظيع الحماقة مفخرة
ثرثر، هرطق ، سفسط ، جدّف ، نبح
ككلب على جيفة في وادي زنبرة
أفرغ فيض الهراء من جعبة
لم تحو يوما إلا الزعبرة
تفطس الجرذان على المزابل
وتقضي الصراصير في المخرأة
لم يتصور يوما أنه سيصنّف بشكل أو آخر أقرب الناس إليه غير بعيد عن هذا النوع من البشر .
منذ اللحظات الأولى له في بيت ابنه ( رجب ) - الذي ساهم معه بقرابة ربع ثمنه - فوجئ بمنعه من التدخين . طبق الأمر وراح يدخن في الشرفة أو إلى جانب النافذة في أفضل الأحوال ! واحتمل كل ملاحظات ابنه حول مضار التدخين وإرشاداته بأن في البيت طفلة صغيرة سيضرها التدخين، وشكواه من أنه ما زال يعاني من جراء استنشاقه للدخان الذي كان ينفثه أصدقاء أبيه في البيت الذي كانوا يقيمون فيه وهو صغير.احتمل كل هذه المسائل رغم أنه يدرك تماما مضارالتدخين، لكنه يدرك بالمقابل أنه الان في السابعة والستين من عمره ويدخن منذ كان عمره اثنتي عشرة سنة وحتى الآن لم يصب بأي مرض داخلي.
بعد ثلاثة أيام على وجوده في بيت ابنه ، بدأت تحرشات ابنه به تزداد " أنت اليوم قليت شيئا على الغداء ولم تنظف الغاز جيدا " قال رجب ." أجل قليت بطاطا وسمكا لكني نظفت الغاز كما لم أنظفه في بيتي " "لا يا أبي هنا ليس بيتك ، والتنظيف هنا مختلف تماما ، تعال لأريك " كان ثمة بضع نقط على أطراف الغازلا يتجاوز حجم الواحدة رأس الشعرة بالكاد ترى بالعين المجردة " في المرة القادمة تغطي الوعاء الذي ستقلي به جيداً ، وتنظف الغاز بشكل جيد "
هز محمود أبو الجدايل رأسه بحركات خفيفة أعلى وأسفل معبراً عن موافقته .
حين هاتفه ابنه من عمان وهو في دمشق طالبا إليه أن يغادر دمشق فورا ، قال له أنه لن يتكلف شيئا ، سيأكل مما يأكلون ، وغرفة نومه جاهزه ، وكومبيوتر متوفر، ونت سريع ، وكل ما يلزمه موجود . اطمأن حينها إلى كلمات ابنه كأب ، فعاطفة الأبوة تجعل الآباء ينسون كما هي الحال مع عاطفة الأمومة . فقد سبق لابنه أن طلب إليه عدم التدخل في شؤونه ، وحين سأله عن الشؤون التي تدخل فيها ، قال له أنه أخبرابن أخيه أنه ابتاع بيتا في عمان . وابن الأخ هذا هو ابن خالة لرجب وليس ابن عم فقط ، وجاء ذكر بيت رجب في سياق الحديث عن رجب ، دون أن يعرف محمود أن شراء البيت مسألة سريّة ، ودون أن يقصد إخبار ابن الأخ بشراء البيت ، فقد كان يظن أنه يعرف بالأمر. لم يتساءل محمود عن السّر في أمر الشراء ، لكنه أدرك أنّ في الأمر مسألة ما ، خاصة وأنه ابتاع البيت خلال زمن غير مديد نسبيا لموظف خدمات عامة في سفارة حينذاك ، وفره له أحد أصدقاء محمود. قال له على أثرمشادة بعد أن طلب منه أن يسده بعض ما عليه لحاجته إلى نقود ، فادعى أنه لا يملك: آمل أن لا تتبول على قبري حين أموت !
ابنته (رجاء) لم تكن كذلك فما أن شكا إليها حاله حتى سارعت إلى ارسال قرابة ستة آلاف دولار له ، لكنه أعادها إليها حين لم يتمكن من جمع نقود تكفي لشراء محل يعرض فيه لوحاته . وهو يرى أن ابنته كانت تكفر عن ذنب ارتكبته تجاهه حين كانت تحادث خطيبها في الكويت على الهاتف ما لا يقل عن ست ساعات يوميا ، كما أنها كانت تنتقم منه بعد أن طلق أمها .
قال حينذاك عن ابنته في رواية كان يكتبها وضمن قصيدة يتطهر فيها من عذابات الحياة ليهرب إلى عالم آخر :
" لا أريد العودة إلى ظبية رعيتها ثلاثة وعشرين عاما بأهداب الجفون وحين احتجت إلى حنانها مزقت قلبي بطعن المرهفات "
حين جاءته أول فاتورة هاتف بعد زواجها كانت بحوالي 300 دولار .. اضطر إلى بيع لوحة بربع ثمنها لتاجر يهودي ليدفع الفاتورة . كانت فواتير الهاتف تتأخر لأكثر من عام حتى يتم تحصيلها ، وكانت إدارة الهاتف لا تضع حدا أعلى للمكالمات لتقطع الخط إذا لم يتم التسديد ، فتترك الخط مفتوحا وكأن الناس يملكون بنوكا .. أوجس محمود من مكالمات ابنته ذلك الحين وقدم طلبا بإلغاء الخط الدولي ، واطمأن على ذلك .
جاءته الفاتورة الثانية وكانت باهظة جدا فلم يدفعها وُقطع الهاتف . وجاءته الثالثة والرابعة وكانتا أرقاما خيالية كمكالمات هاتفية .. وبقي دون هاتف وهو في أمس الحاجة إليه ، لبداية تحوله بالرسم من الهواية إلى التسويق والبيع . أحست ابنته بذنبها وحاولت أن تصلح الأمر مع أبيها وتتتذكره بين حين وآخر وترسل له الهدايا ، وخاصة حين وجدت أنه لا يوجد انسان في الدنيا لها غيره ، وحين اكتشفت أن الحبيب الذي اختارته زوجا هو أسوأ انسان يمكن أن تتزوجه ، فطلقته . لم تقتنع بنصيحة أبيها حينذاك وأصرت على الزواج منه ، كما أصرت على خطبة آخر قبله لم يكن أقل سوءا من الثاني ..
بعد قرابة خمسة عشر عاما بلغ محمود بحكم قضائي بحق صاحب خط الهاتف الأصلي الذي كان صديقا له وعضوا في مجلس الشعب ، ساعده في الحصول على خط الهاتف ، وكان قد رحل عن الدنيا وظل الهاتف باسمه . كان في مقدور محمود أن يتجاهل الحكم حسب رأي المحامي ، غير أن ضميره لم يطاوعه ، رغم ادراكه الكامل بخطأ إدارة الهاتف في ترك الخط مفتوحا وعدم فصلها الخط الدولي بناء على طلبه كوكيل له . طالب بتقسيط المبلغ وأوعز إلى ابنته أن تدفع الأقساط . . وظل يدفع إلى أن غادر سوريا على أثر الحرب .
صباح اليوم التالي لوجوده في بيت ابنه نزل إلى سوبر ماركت قريب وابتاع كل شيء : لحوم منوعة . فواكه، خضار . حبوب . سكر. شاي. بن . وراح يطبخ لنفسه ويعمل كل شيء بنفسه ويجلي جليه . لم تتدخل زوجة ابنه في شؤونه على الإطلاق ، وبدا له أنها سيدة طيبة ، كانت تسأله بين يوم وآخر إن كان يحتاج شيئا . ولم يجر غير هذا بينها وبينه .
لاحظ أن ابنه يراقب حركاته ويتفقد كل أرجاء البيت حين يعود من عمله ، كان أحد أصدقائه قد وفره له . يتفقد المطبخ. الحمام . التواليت .الماكرويف . التلفاز . الكنبات . وبالتأكيد غرف النوم التي لا يدخلها. أسوأ التفقدات كانت على النت فقد تبين لابنه أنه يدخل على مواقع مشبوهة حسب رأيه ، فحرمه من الكومبيوتر وطلب إليه أن يذهب إلى مقهى نت .
لم يبال كثيرا بقطع النت ، فقد وجدها فرصة لأن يتمشى قليلا ويغير جو ، ويكتشف أحياء عمان . المشكلة التالية كانت مع الجلي فقد ادعى ابنه أنه لا يجلي الملاعق والشوك والصحون بشكل جيد، احتمل الأمر . بعد يوم ادعى ابنه انه لم ينظف المكروويف ، إلى أن جاءت الشعرة ما قبل الأخيرة التي "قصمت ظهر البعير" ، فقد ادعى ابنه أن ثمة شعرة من شعرات ذقن أبيه على حوض المغسلة !!
وحين أبلغ أباه بالأمر، انفعل ، لكنه كتم غيظة وراح يعبر عن انفعاله بسخرية مرة. لم يكن محمود أبو الجدايل يرغب الذقون الطويلة ، فأطول شعرة في ذقنه لا يتجاوز طولها سنتمترا واحدا ، ولنفترض أن شعرة طارت ووقعت على حافة حوض المغسلة وهو يقصقص ذقنه ، فهل تحتاج إلى تنبيه من ابنه لكي لا يكررها ثانية ؟ ابنه الذي كان يمسح برازه في بعض الأحيان ويركبه على كتفيه ويدور به الشوارع والحارات والحدائق لينزهه ، ويركبه على ظهره ليعمل له حمارا يمتطيه ليضفي البهجة على نفسه. كان يحبه من أعماق قلبه ويرعاه بجفون عينيه ، ولا يترك عيد ميلاد له أو لأخته يمر دون أن يملأ البيت بالفرح وهدايا الأصدقاء . ابنه هذا يحاسبه الآن على شعرة من ذقنه وقعت على برطاشة المغسلة . هتف له وهو يتذكر قصة يابانية يقود الإبن فيها الأب إلى شرفة المنزل، وعند دخول الشرفة يهتف الأب لابنه قائلا : توقف فقد ألقيت جدك من هنا :
" شعرة ؟ شعرة يا رجل وتحتملني حتى الآن ، كم أنت انساني ونبيل يا بني ، لو كان أحد غيرك لألقى بي من شرفة بيته ، لمسح بي البلاط ، لألقى بي في حاوية قمامة ، لأوقفني رأسا على عقب وأبقاني على الحائط لثلاثة أيام . لحرمني من الطعام والشراب لشهر ، وفي أحسن الأحوال لطردني من البيت لثلاثة أشهر "
أدرك ابنه أنه سيجن عليه إن بقي واقفا أمامه فغاب عن وجهه .
دخل محمود ابو الجدايل إلى غرفته حزينا كئيبا غاضبا مدمرا أمام فظاعة ابنه . تمنى لو أن في مقدوره مغادرة البيت فورا ولو إلى الجحيم . وندم كثيرا على الإذعان لابنه وابنته بمغادرة دمشق . كان لم يمض على وجوده في بيت ابنه أكثر من ثلاثة أسابيع ، وقد طرح فكرة أن يستأجر بيتا لأنه يعشق الوحدة ، ويريد أن يكتب ويرسم ويقرأ دون أن يزعجه أحد ودون أن يزعج هو أحدا . فما كان من ابنه - الذي ابتاع بيتا ثانيا بعد أن أخذ قرضا من شركة تتبع للسفارة ستين ألف دينار مدعياً أنه لا يملك بيتا - إلا أن استغل الفرصة واقترح عليه أن يستأجر بيته الحالي بخمسة آلاف دينار في العام بدلا من أن يستأجر عند آخرين وتذهب نقوده إليهم !!
أدرك محمود ابو الجدايل أن ابنه يخطط لابتلاع خمسة آلاف دينار أخرى منه ، فلم تكفه الخمسة الأولى التي دفعها له من ثمن البيت . ولم تكفه الخمسمائة دينار التي دفعها له هدية لزواجه . لم يكفه كل هذا ويريد أن يستولي على ما لدى أبيه من نقود تقيه في تشرده . وما كل تحرشاته إلا لدفعه إلى القبول .
. " آه آه .. آه يا حزني . آه يا دمشق ، خيبتي في ابني كبيرة ، تكاد تكون بحجم مأساتي فيك يا دمشق .آه من ظلم ذوي القربى يا دمشق ، حقا إنه أثقل من وقع الحسام على النفس ، مؤلم أكثر من طعن الخناجر .. آه يا قدري الذي طالما انتصرت عليه ، هل ستنتصر علي هذه المرة ؟! "
لم يمر أكثر من ثلاثة أيام حين جاءت "الشعرة التي قصمت ظهر البعير" . فقد كان ابنه متعجلا لقبض الخمسة آلاف دينار ليفرش البيت الجديد ويترك هذا البيت ليؤجره لأبيه .
جاء إلى البيت ضيوف، وحين عرفوا أن محمود رسام أحبوا أن يطلعوا على بعض لوحاته .
جاء بلوحة كبيرة أوقفها على حافة كنبة وظل ممسكا بها إلى أن تفرجوا عليها لدقائق . أعادها إلى مكانها في حقيبة اللوحات .
حوالي منتصف الليل انصرف الضيوف . فوجىء بابنه يدخل عليه غرفته ليقول له " لقد نزعت الكنبة " فوجىء محمود فتساءل " أي كنبة وكيف ؟" الكنبة التي وضعت عليها اللوحة " !
" كيف " " لقد شققتها " " أف اللوحة شقتها ؟ هل هي سكين " ؟!
راح يظن أن ابنه شق الكنبة ليبتليه . نهض وهرع إلى الصالون حيث الكنبة . لم يكن فيها شيء . نظر جيدا حيث أوقف اللوحة لم ير شيئا . عاد إلى الغرفة وأحضر نظاراته . تأمل مكان اللوحة جيدا ، لم يكن هناك ما يشير إلى شق ! سأل ابنه ، فأشار إلى خدش أقل من سمك شعرة وبطول لا يتجاوز نصف سم. أدرك أن الخدش قديم خاصة وأنه يدرك نوايا ابنه جيدا .شعر بالدماء تغلي في عروقه . في رأسه ، في قلبه ، في كبده ، في رئتيه في كل جزء من جسده ، وكتم في دخيلته صرخة بحجم زلزال ، ولم يتنبه لنفسه إلا وهو يرتجف من قمة رأسه إلى أخمصي قدميه . سارع إلى غرفته وهو يرتجف . وشرع في وضع أغراضه في حقيبته . دخل ابنه عليه وسأله عما يفعله . وقف ليجيبه متمالكا أعصابه قدرالإمكان " لن أهين طهارتي بأن تبقى في بيت نجسته قذارتك ، ولا رغبة لها في تطهيره من آثامك ، أغرب عن وجهي ولا ترني وجهك ما دمت حيا !
سارع إلى نقل أغراضه أمام الباب . اختفى ابنه داخل البيت وأرسل زوجته لتقنعه بالبقاء . هتف لها ." أشكرك عمو ، أنت سيدة طيبة ولا تستحقين أن يكون هذا القذر زوجك ، ألم يسبق له أن جعل أخته وأولادها يغادرون منزله في هذا الوقت متذرعاً بإمكانية أن يخرب أولادها أثاث البيت ، نسي كم خرب في بيتي من أسرة وأبواب وشبابيك وهواتف وأجهزة تلفاز وأشياء لا تحصى دون أن يحاسبه أحد "
وحين أدركت الكنّة أنه لن يتراجع عن قراره سارعت إلى مساعدته في إنزال الحقائب من الطابق الرابع إلى الأول ، حيث لم يكن هناك مصعد . كانت الكنة بملابس النوم . أشارت عليه أن ينتظرها إلى أن تلبس وتعود لتأخذه في السيارة إلى حيث يريد . رفض لأن السيارة لابنه وليست لها .
بقي واقفا لبضع دقائق . لم تمر ولا سيارة . كانت الساعة تقترب من الثانية صباحا . راح يحمل حقيبتين إلى مسافة عشرين أو ثلاثين مترا ثم يضعهما ويعود إلى الحقيبتين الباقيتين .متخوفا من أن يتنبه له لص ما ويهرب بالحقيبتين اللتين يتركهما خلفه ، فكان يلتفت كل بضعة أمتار ، تماما كما حدث معه في مطار القاهرة حين لم يجد عربة مطار لكثرة القادمين من دمشق .
ظل يتنقل بحقائبه لأكثر من ساعة . حين جاء تكسي وتوقف له .
- إلى أين ؟ هتف السائق .
- إلى فندق في اللويبدة يكون قريبا من دوار باريس .
- خمسة دنانير لأن الوقت متأخر وأنا آخذ ضعف العداد في هذا الوقت .
- ماشي الحال .
حاول السائق كعادة أمثاله أن يعرف أسرار هذا الرجل في هذا الوقت المتأخر من الليل ، غير أنه قطع عليه الطريق حين قال " أنا متعب جدا ولا أريد أن أتكلم أرجوك لا تسألني شيئا "
لحسن الحظ وجد غرفة في الفندق . وما أن أدخل حقائبه إلى الغرفة بمساعدة عامل في الفندق . حتى ألقى نفسه بطنا على السرير ، وهو يدرك إلى حد لم يبلغه من قبل إلى أي مدى يعني فقدانه
وتركه لبيته ودمشق . تمنى من الله شيئا واحدا فقط أن يتيح له أن يبكي ، ولم يكد ينهي تخاطره مع الله إلا والدموع تنزل من عينيه مدرارا .. وراح يبكي ويبكي ويبكي .. يبكي حاله ، ويبكي دمشق ، ويبكي بيته ، ويبكي الحياة برمتها .




نهى حمزه likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:01 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.