آخر 10 مشاركات
سكنتُ خمائل قلبك (3).. سلسلة قلوب مغتربة *مكتملة* (الكاتـب : Shammosah - )           »          فوق رُبى الحب *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : AyahAhmed - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          لتتوقف الثلوج.....فانظري لعيناي و قولي أحبك "مكتملة" (الكاتـب : smile rania - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          زهر جبينها المكلل- قلوب أحلام غربية (118) [حصريا] للكاتبة Hya Ssin *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          المز الغامض بسلامته - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة Nor BLack *كاملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          مابين الحب والعقاب (6)للرائعة: مورا أسامة *إعادة تنزيل من المقدمة إلى ف5* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          واثق الخطى ملكاً فى قلبي *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : حياتى هى خواتى - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قلوب خيالية( روايات ونوفيلات متعددة الفصول)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-11-20, 03:45 PM   #1

sun 256
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 404805
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 340
?  نُقآطِيْ » sun 256 is on a distinguished road
افتراضي سمر ليالٍ صيفية - قلوب أحلام خيالية - للكاتبة::sun_256*كاملة*





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



النهارده قررت أشارككم تجربتي الأولى في عالم الفانتازيا
وظهور حورية بحر من حيث لم يتوقع الأبطال
إن شاء الله تعجبكم المغامرة وتحبوا حوريتي
إهداء

إلى يوم أحلم أن أكون فيه من خالدي الذكر
إلى مجد أتمنى أن أنال منه ولو بعض النصيب
كتبت وأتمنى أن ينال كتابي إعجاب ذاك المجد وذاك اليوم
فيسعيا إلي كما أسعى إليهما










كتابة وتأليف::SUN_256
تدقيق ومراجعة لغوية::SUN_256
تصميم الغلاف::NOOR1984
تصميم الفواصل::NOOR1984




ابتداءاً من المشاركة التالية



قريباً إن شاء الله



استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
دمتم في حفظ الرحمن






التعديل الأخير تم بواسطة noor1984 ; 24-11-20 الساعة 02:30 PM
sun 256 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 12:56 PM   #2

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي


إهداء
إلى يوم أحلم أن أكون فيه من خالدي الذكر..
إلى مجد أتمنى أن أنال منه ولو بعض النصيب..
كتبت وأتمنى أن ينال كتابي إعجاب ذاك المجد وذاك اليوم
فيسعيا إلي كما أسعى إليهما..


إهداء وشكر خاص إلى
صديقتي "فاطمة" الأعز إلى قلبي ..
كنت قبس النور لهذه الفكرة فدعيني أصحبك في عالم الخيال الذي تحبين..


noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 12:57 PM   #3

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي



المقدمة

الموج الأزرق في عينيك يناديني نحو الأعمق

وأنا ما عندي تجربة في الحب ولا عندي زورق

"نزار قباني"




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 01:02 PM   #4

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الأول

"تحكي الأسطورة أن فصيلة نادرة من الحوريات التي طورت نفسها عبر الأجيال وتكيفت مع الظروف البيئية تجوب بحار العالم أجمع ..وأنها تصعد للسطح في الصيف فقط لتنظر للبشر بعين التدقيق منتظرة وقوع المعجزة بأن تقع في غرام بشري تختاره عن سائر البشر لترافقه طوال حياته وتشاطره الحياة على اليابسة"

ابتسمت ساندرا بانعدام حيلة فجميعهم يعلم تتمة تلك القصة التي تصر والدتها على تكرارها مرارًا حتى رسخت في أذهانهم ..
وسمحت لنفسها بالغرق في نوم عميق بعد أن ربتت على ذراع زوجها بتعاطف فقد أجبرته القيادة على الانتباه طوال الطريق وبالتالي الاستماع للقصة..

بينما علق أدُولف بضيق:"ولكن يا جدتي لقد سئمت هذه الأسطورة.. أرجوك إنها مجرد ترهات يتداولها الناس للتسلية.. على الأقل أخبرينا أسطورة أخرى "

فبدأ الجدال المعتاد بين الجدة وحفيدها فلطالما كرهت أن يقطع أحدهم لحظات انسجامها مع الأسطورة ..

ضربت على ذراعه بخفة قبل أن تقول:"اصمت وكفاك تعنتًا يا فتى.. يجب أن تعرف الأسطورة لتأخذ حيطتك وتبتعد عن الحورية في حال صادفتك أثناء سباحتك.. ألا تعلم أنها تمحو ذكريات من يلامسها ؟.. ما العمل إن قابلتك وقادك فضولك إليها ؟ لن نجدك إلا غريقًا"

لا .. سماع الأسطورة أفضل من افتراضات جدته الفَذَّة..
هكذا حدث أدُولف نفسه واعتذر بإخلاص لجدته:"آسف جدتي .. تابعي رجاءً أنت محقة يجب أن أكون على دراية بكل ألاعيب الحورية المحتالة"

واضطر آزاد أيضًا للاعتذار حتى لا تغضب الجدة وتفسد الرحلة بانعزالها عنهم:"اعذريه يا هيلين.. تعلمين طيش الشباب.. اغفري له فهو من أعطانا الفرصة لقضاء الإجازة كلها في الساحل"

فقد كان والد صديق أدُولف المقرب قد بنى مؤخرًا فندقًا يطل على أفضل سواحل المقاطعة وأعطى لأدُولف وأسرته هذه الفرصة بقضاء الإجازة كاملة في الفندق..

نقلت هيلانة نظرها بين الأب وابنه بتفكير ثم انفرج عبوس وجهها أخيرًا لتقول:"حسنًا.. سأسامحه هذه المرة وأكمل القصة لأجل حفيدتي الرائعة التي تنتظر التتمة بشوق"

حك أدُولف مؤخرة عنقه بسخط وأدار وجهه للنافذة بعيدًا عن ملاطفة جدته لشقيقته..
بينما أمسكت الأخيرة دفتر الرسم وراحت تجسد ببراعة تفاصيل ما ترويه الجدة التي لا تمل من تدليل حفيدتها المغرمة بالأساطير مثلها..

"ليتني سبقتهم للفندق!"

التفتت إليه الجدة التي لم تميز ما قاله وسألته:"هل قلت شيئًا يا بني؟"

تكتف أدوُلف ودلت ملامحه على مدى غيظه بينما يهتف باستمتاع مصطنع:"أقول تابعي القصة يا جدتي كلي شوق لمعرفة نهايتها.. لا أعرف كيف فضلت أمي النوم على قصتك؟!"

فتابعت الجدة تروي بإخلاص وتسرد بالتفصيل:"وبالفعل وقع المحظور فاختارت الحورية صيادًا بسيط الحال يبيع ما يصطاد ليحصل على قوت يومه..كانت تخرج من البحر وتجد لنفسها رداءً يشابه ملابس العامة في القرية لترتديه وتنتظر الصياد في قاربه وحين يخرج إليها تستميله تارة بغنائها وتارة بحيلها واستعطافها ليقبل المسكين أن تشاركه رحلة صيده.. حتى ألفها وأحبها وصار للصيد متعة أخرى"

تعلقت زوي بذراع جدتها وقالت بحماس كأنها تسمع القصة للمرة الأولى:"تابعي يا جدتي.. تابعي..وصلنا للتشويق.. هذه المرة بالتأكيد سأجعل اللوحة معبرة أكثر"

مال أدُولف على النافذة بضجر لا نظير له فقد سمحت جدته باصطحاب الهواتف النقالة معهم شرط عدم استخدامها إلا في الطوارئ.. وللحق أنه لم يصادف حالة طوارئ كوضعه الذي يرثى له!!

"حتى كان هذا اليوم الذي أصيب الصياد بالحمى ورغم جهاد نفسه لم يقو على مغادرة فراشه والخروج للصيد ليلقى محبوبته.. لزم بيته أيامًا حتى عادت إليه عافيته فخرج وكله شوق للقاء الذي كان مدمرًا .. فقد حملته الحورية وألقته في البحر دون ذرة شفقة وقالت وأعينها تقدح شررًا .."

ونطقت الجدة مع زوي في آن واحد بجملة الحورية الأثيرة:" لتعمى عيناك عن اليابسة فلا تراها إلى الأبدية..ولترتبط حياتك بي حتى إن أصبحت جثة آدمية"

وضحكتا معًا قبل أن تقول زوي بحيرة:" لكن يا جدتي أتعلمين؟ لقد قرأت تتمة مختلفة للأسطورة.. أن الحورية كانت تصعد للسطح ليلًا فترى تجهيز الصياد لشباكه قبل أن يدلف لكوخه وينام.. فأحبت فيه مثابرته وعمله الدؤوب وأنها أغوته ذات ليلة فصار لا يقوى على العمل وينتظر الليلة والأخرى بفارغ الصبر حتى هلك من الجوع والعطش دون أن يدري... وأشعر أنها نهاية منطقية يا جدتي ألا تعتقدين؟ ألا تسلب الحورية العقول لتشلها عن التفكير"

وبين سجال الجدة وحفيدتها أعلن آزاد بسعادة:"وصلنا الفندق!"

فخرج أدُولف راكضًا من السيارة حين بدأ والده يبطئ من حركتها وقال بمنطقية بُغية الهرب:"أنا ذاهب لاستلام الغرف يا أبي ..وسأرسل أحد العاملين لحمل أغراضنا"

ضحك آزاد من تصرف ابنه والحق أنه أراد أن يفعل المثل لكن الشهامة تُحتم عليه الانتظار.. مال على زوجته النائمة يوقظها بروية .. ثم لحق الأربعة بأدُولف وكلهم استعداد لإجازة منقطعة النظير!!
*********
بعد دقائق
استقر المُقام باﻷسرة في أربع غرف متجاورة بتوصية من يوجين الذي قال موظف الاستقبال أنه سيلتقيهم على العشاء لانشغاله بالإشراف على الحفلة المسائية..
أخذت زوي حمامًا سريعًا ورتبت أدوات الرسم على منضدة دائرية قبل أن تذهب في نوم سريع ممنية نفسها بليلة حافلة..

وكذلك فعل أدُولف فبعد أن أرسل رسالة لصديقه يُعلمه بوصولهم ويطلب منه إرسال برنامج الحفلة التي يعدها الفندق الليلة راح في نوم عميق ظانًا أنه صار بمأمن عن أساطير جدته..

بينما لم تسترح هيلانة لوجودها وحيدة بين أربعة جدران حتى إن كانت جدران زاهية تطل على ساحل خلاب فطرقت باب غرفة ابنتها وقررت مجالستها ..
خرج آزاد من الحمام مستعدًا لاحتضان الفراش الوثير حين فاجئه وجود والدته في القانون فرحب بها بتكلف وجلس على مضض مجاورًا لها على الفراش الذي حولته زوجته لمنضدة وضعت عليها أطباق الفاكهة وأكواب العصير كأنها جلسة للسمر..

وقالت بمشاكسة بينما تعطي العصير لوالدتها:"أتعلمين يا أمي اكتشفت مؤخرًا أن زوجي جبان يخشى المخاطر"

كاد آزاد يمسكها من قبة قميصها ليلقيها خارج الغرفة فهاهي حظت بقسط وافر من النوم وحان وقت شقاوتها كرضيع يقض مضجع والديه بصخبه...

بينما ضحكت هيلانة ونظرت لآزاد قائلة بانحياز:"بل لم أر من هو أكثر شجاعة من زوجك..لا تصفي الرجل بما ليس فيه"

قهقه آزاد على تعليقها ومال مُقبلًا وجنتها ..بينما زمجرت ساندرا باعتراض: "أمي!! إنك تأخذين صفه بوضوح"

رفعت هيلانة كتفيها بغير اكتراث وقالت:"أنا اقول الحق ليس أكثر"

حينها نفض آزاد عنه النوم وقد راقه مسار الحديث فقال:"حسنًا أنا من سيقنعها بما تقولين إذا ذكرت موقفًا تصرفت فيه بجبن كما تفترضين"

صمتت ساندرا لثوان تفكر ثم قالت:"نعم تذكرت.. حين ذهبنا لتسلق الجبال .. وتوقفت في المنتصف حتى اضطررنا أن نسندك ونعود للسفح مرة أخرى"

أجابها آزاد باعتراض:"هكذا يا محتالة ...أهذا ما حدث حقًا؟ كنت قد وصلت للقمة وأصابني الصداع من تغير الضغط لذا اقترح المرشد السياحي أن أكتفي وأعود للسفح.. وأذكر جيدًا أنك رفضت التسلق من البداية"

"لا قطعًا لم أرفض لهذا السبب..فقط لم أكن أملك الرداء المناسب"

ضحك آزاد من حجتها الضعيفة فهو يذكر كم كانت خائفة ولكنها تكابر وترفض الاعتراف..

ولم يرق لساندرا استمرارهما في السخرية منها فقالت:"حسنًا أثبت أنني جبانة فأسحب ما قلته وأُقر بشجاعتك إن شئت"

فكر آزاد وهو يردد كلمتها :"إن شئت؟ انظري إليها يا هيلين تقول أنها ستنصفني تفضلًا منها وليس لأنني شجاع حقًا.. حسنًا ..امممم.. تذكرت..
أتذكرين حين التقينا أول مرة؟"

زمجرت ساندرا رافضة ونهضت بانفعال تشير له ألا يفعل:"لا.. أرجوك أنت شجاع.. سحبت كلمتي ..لا تذكر هذا الموقف أرجوك"

"ولكنك طلبت إثباتًا..انظري هيلين تريد أن تعرف ما حدث "

أومأت والدتها فتابع آزاد يسرد ما حدث:"كنت قد تشاجرت للتو مع صديقي فتركته بغضب عائدًا للمنزل.. حينها رأيت ساندرا تقف في منتصف الطريق تراقب جروًا صغيرًا بقلق ..وتحاول ألا تلفت انتباهه .. لكنه رآها فاتجه نحوها وصار يتحرك معها يمينًا ويسارًا وهي لا تستطيع الإفلات منه ..فنسيت غضبي وذهبت مبتسمًا أنقذها من الجرو المتوحش!"

وانخرط مع والدتها في الضحك فعلقت ساندرا بكبرياء:" لم أكن خائفة منه ولكنني لم أكن لأسمح لجرو قذر يعيش في الشارع أن يقترب مني"

أجابها آزاد بهيام:"لا يهمني مدى شجاعتك ولكنني أحببت هذا الجرو فقد جعلني أتعرف على جارتي الحلوة وأقع في حبها هي وعينيها الزرقاوين"

وأرسل لها قبلة في الهواء فخجلت ساندرا لوجود والدتها التي نهضت بضجر قائلة:"سأذهب لغرفتي...مغفلان!"

وصفعت الباب خلفها فضحك آزاد بينما عاتبته ساندرا بدلال:"اعترف أنك فعلتها عمدًا ..للانفراد بي ربما"

وضع آزاد الأطباق على مائدة قريبة قائلًا وهو يندس بين الأغطية:"بل لأنام يا ظالمة"

لكزته ساندرا ودمدمت بغيظ وإحراج :"سألحق بأمي وأترك لك الغرفة بما حوت"

وغادرت الفراش فوصلها نداء زوجها عند باب الغرفة ..التفتت إليه بلهفة لكنه قال قاصدًا إغاظتها أكثر:"هلا أسدلتِ الستائر قبل ذهابك .."

"أحمق"

صاحت بها قبل أن تحقق له أمنيته الصامتة بمغادرة الغرفة..
**************
الرياح شديدة تدفع سفينته دون هوادة وهو بحارٌ مبتدئ لم يتقن فن الملاحة قبل الإبحار..أضاع بوصلته وتكفلت عواصف البرق بقتل أغلب مرافقيه..

ثم فجأة شعر بالوهن في أطرافه..انخفض مستوى الأدرينالين في جسده رغم الخطر المحدق به مع صوت غنائها..

فتأوه باستمتاع:"هل هذا غناء الحورية؟ وتغني تهويدة أمي!! آه..كم هذا رائع!"

تمتم وهو يحدق بمقلتين تبرقان كحجر كريم بلون أزرق ينافس زرقة المحيط.. ورغم الخبث الكامن في مقلتيها لم تتراجع نظرة الهيام التي احتلت عينيه وتمنى أن تأخذه إليها..تمتلكه..تستعبده..فلتف عل به ما تشاء شرط أن يبقى أسير تلك المقلتين وهذا الوجه الفاتن طوال حياته..
ومع نهاية الأغنية كان يتيه في عالم آخر لترتفع ضحكاتها الممزوجة بالمكر والشر حين قلبت الرياح سفينته وغاص جسده في البحر لتبتلعه الأمواج العاتية..

انتفض أدُولف لاهثًا كأنه ركض مئات الكيلومترات دون توقف.. كان الحلم حقيقيًا بشكل لا يصدق..استمتع بغنائها وأحبه ويشعر الآن بانقطاع أنفاسه كأنه تعرض للغرق فعليًا..
ربت على قلبه الذي تسارعت وتيرة ضرباته مفكرًا أنه لو رأى مثل عينيها في الحقيقة لاستبد به الفزع..لم يكن ليهيم بها ويسلمها نفسه بأي حال من الأحوال..

أدُولف الذي رآه في الحلم لا يمت لشخصيته بصلة! محال أن يسلبه أحد عقله مهما كانت المغريات!!

تمتم لنفسه مطمئنًا:"لا عليك يا أدُولف..طريق طويل بالسيارة حافل بأساطير جدتك..مؤكد ستنال منك الهلوسات"

ثم نهض ليستعد للعشاء ولقاء صديقه... ولتجد الحورية فريسة أخرى غيره !!
********
اجتمعت الأسرة على مائدة العشاء مستمتعين أيما استمتاع بأجواء الفندق الصاخبة في موسم الصيف..
قالت زوي وهي تتطلع حولها لديكورات الفندق واللوحات التي تملأ المكان :"من الرائع أن يحظى المرء بأصدقاء أثرياء.. أليس كذلك يا أدُولف؟ انظر لتلك اللوحات المبهرة أتوق لعرض لوحاتي في مكان كهذا حيث يراها الجميع"

تلقت ضربة خفيفة على رأسها مع صوت يوجين الحانق:" بل الرائع أن تستمتعي بمزايا الإقامة في فندقنا دون أن تصيبي أصحابه بعينك الحاسدة"

ضحك الجلوس وقد اعتادوا هذا الشجار اللطيف حيثما اجتمعت زوي بيوجين إلا هيلانة التي استاءت من فعلة هذا الأحمق بحفيدتها فصاحت به:" تعال إلى هنا يا فتى"

تحرك يوجين ليقف مجاورًا للجدة وانحنى طابعًا قبلة على ظاهر يدها قائلًا: "سامحيني على إغفالي الترحيب بأجمل نزيلات الفندق.. أنرتِ المكان وشرفتِ أصحابه بوجودك"

ضحكت هيلانة قائلة:"أووف منك... هذا اللسان الحلو أنجاك من عصاي .. ولكن هيا اعتذر لحفيدتي ولا تغضبها مرة أخرى"

"زوي تعلم قدرها عندي يا جدتي وتدرك أنني كنت أمازحها كالعادة .. لكن أخبريني كيف وجدت غرفتكِ ؟ وكيف هي الخدمة؟ هل أساء أحدهم التعامل؟"

قاطعه صوت والده الدافئ مرحبًا:"أرى أنك جئت لتفقد الضيوف يا يوجين.. هيا لندع لهم فرصة لتناول العشاء بحرية "

ثم وجه حديثه للأسرة :"فور انتهاء العشاء تبدأ حفلتنا. . سأنتظر قدومكم وأتمنى لكم إجازة سعيدة "

تلقى كلمات الشكر من الأسرة وصيحات التهليل من زوي التي سارعت بإنهاء طعامها بعد انصرافهما ونهضت قائلة:"سأذهب للاستعداد للحفل"
***********
بعد نصف ساعة .. التحقت الأسرة بالحفل الصاخب المُقام على الساحل حيث دوت الألعاب النارية جالبة البهجة لنفوس الكبار قبل الصغار.. وتوالت الفقرات الاستعراضية وبين رقص وغناء مر الوقت حتى حان موعد كلمة السيد إلياس مدير الفندق..

وفيها رحب بالحضور وافتتح مهرجان الصيف لهذا العام متمنيًا للحضور إجازة سعيدة ممتعة .. كما وقف يوجين مجاورًا لأبيه بابتسامة عريضة يحي الحضور وحين أشار إليه والده في كلمته بالغ أدُولف في التصفير والتهليل حتى انتهت الكلمة واتجه يوجين ضاحكًا لصديقه ..

"ها.. ما رأيك؟ " بادره أدُولف بمرح

فأجاب يوجين:"ممتاز .. ممتاز عليك أن تؤدي هذا الدور في الحفلات الشعبية صدقني ستجني الكثير"

ضحك الصديقان ثم سأل أدُولف لمعرفته بصديقه:" أين صديقتك هذا الصيف؟ لا تخبرني أنك لم تختر واحدة بعد .. الفندق مكتظ بالفاتنات كما ترى"

عدل يوجين ياقة قميصه بغرور وأجابه:"لهذا السبب بالضبط لم أختر بعد.. ولا أظنني سأكتفي بواحدة.. لكن أين شقيقتك ؟ هل تتكبر علينا تلك الحسود؟"

ضرب أدُولف مؤخرة عنقه قائلًا:"لا تصفها بهذا يا أحمق.. أظنها ستتأخر بعد .. تعلم استعدادات الفتيات ما إن سمعت بالحفل حتى صعدت لغرفتها وحجزت نفسها داخلها ولا أعلم متى ستخرج إلينا!!"

هز يوجين كتفيه بلا معنى قائلًا بمزاح:"فليُعنها الرب"

ثم تابع وهو يجر صديقه:" تعال لنقض سهرتنا في جزء آخر من الساحل بعيدًا عن هذا الضجيج ..لحظة! أبي يشير إلي.. سأنفذ المطلوب وأعود إليك اسبقني إلى هذه الجهة "
**********
خرجت زوي من الغرفة بوجه أحمر وأعين تتهرب من النظر لمن حولها .. فبعدما جهزت الفستان وكل مسلتزماته واستغرقت وقتًا في وضع زينة وجهها ورفع شعرها بما يلائم الفستان..
لم يعد من الممكن تغييره حتى بعد أن وجدته مبهرج بمبالغة.. فهو أحمر داكن بأحجار ذهبية لامعة عند الصدر وحول الرسغين مع أكمام من الدانتيل كشفت عن بشرة ذراعيها وحواف موشاة بلون ذهبي لم تتجاوز ركبتيها..

لكنها بعد فترة قررت أن تستمتع بالفستان حتى إن كان مبالغًا فقد ارتدته على أي حال.. فرفعت وجهها بثقة وسارت بحذائها الذهبي ذي الكعب العالي الذي يطرق الأرضية مخبرًا الجميع بوجود أنثى مغناج فاتنة تسلب الأنفاس والعقول..

"انتبهي!!"
هتاف تحذيري سمعته في خضم انشغالها بمعاركها الداخلية حين كادت تقع بحذائها الذي سهل المهمة..

لكن يدين حنطيتين رفعتاها من خصرها قبل أن تلامس الأرض فرفعت عيناها لترى لمعان الحجر الأسود في عيني يوجين بالإعجاب قبل أن يسألها إن كانت بخير..

"حسنًا أنا بخير..أستطيع الوقوف وحدي"

أفلتها يوجين وتأملها مستحسنًا ما يراه..ثم أمسك بكفها يجبرها على الدوران قائلًا:"لم أعرفك بادئ الأمر.. استديري هكذا يا زوي.. هل زادك الصيف فتنة أم يُهيئ إلي؟ عيناك تبرقان كبريق تلك الأحجار اللامعة.. تطورنا حقًا"

ابتسمت زوي دون رد وحركت كتفيها بغرور قبل أن تسبقه..

فلحقها قائلًا:"سأتفقد شيئًا بسرعة في مكتب أبي وأعود إليكِ"

أومات زوي بصمت ووقفت عند باب المكتب بانتظاره ثم قالت حين شعرت به يقف خلفها:"يوجين هل ترى هذه اللوحة؟ أتعرف ما تعنيه؟"

كانت اللوحة مقابلة تمامًا لباب المكتب تأخذ مساحة الجدار كاملة وقد رسم بها فتاة حزينة تخفي جسدها بثوب غير ساتر كشف عن مقدمة صدرها وفخذيها بينما يجاورها رجل مصدوم عاري الصدر مستلق على العشب كأنهما ناما في العراء حتى أشرقت الشمس فتجلى قبيح فعلهما للعيون الغاضبة من حولهما التي ناظرتهما شذرًا.. وفي ركن قصي من اللوحة ظهر ديك تبدو معالم الانهزام عليه..

"دعك منها يا عزيزتي.. مجرد لوحة ضمن ديكور الفندق الذي أصر عليه أبي.. إنها تذكرني بمشاريع الجامعة التي كنا ننفذها سويًا ليس إلا"

ابتسمت زوي بمرارة وأردفت:"فقط؟ أهذا ما اكتسبته من دراسة الفن؟ أين روح الفنان وإحساسه المرهف؟"

ارتفع حاجبا يوجين باستغراب من لهجتها الحزينة وقال لمجاراتها:"حسنًا يا زوي لا تغضبي ..أخبريني أنت ما مغزى هذه اللوحة؟"

"فينوس ربة الجمال في عصرها تكبرت على كل من يتقدم لها حتى أغضبت الآلهة واشتكوا لوالدها تفضيلها فولكان الحداد على سائر الرجال فأجبرها والدها على الزواج ممن يرضاه.. فلم تحتمل ولجأت للخيانة ..
خانت زوجها مع حبيبها وكشفتهما الأعين حين أشرقت الشمس وسلطت الضوء على خطيئتهما.. وهذا الديك هو الحارس الذي غفل عن إيقاظهما قبل الشروق فعاقبه فولكان بأن حوله ديكًا يصيح وقت الفجر طوال حياته بينما الخلائق كلهم نيام"

حك يوجين مؤخرة عنقه عاجزًا عن إيجاد رد.. ثم قال:"حسنًا يالها من أزمة!.. حتى الآلهة كانت تُجبر على الزواج!!..و ما هذه الآلهة التي تخون؟
بربك يا زوي هيا إلى الاحتفال ودعك من تلك الترهات.. أعدك سأعلق لوحاتك في الفندق ليراها مرهفو الحس ويأتون لمناقشتك لكن اعفيني من معرفة مغزاها رجاءً"

"ستغضب منك جدتي كثيرًا إن سمعتك تسفه من الأساطير دون أن تاخذ منها العبرة"

فسبقها قائلًا:"الحقي بي بعدما تمحي هذه الخرافات من رأسك"

لكنها هتفت به :"يوجين أنا لا اعلم"

التفت إليها باستفهام فتابعت:"لا أعلم قدري عندك.. من أنا في حياتك؟"

ارتبكت نظراته وخاف من مغبة هذا السؤال المحير فتلعثم قائلًا:"حسنًا.. أنت شقيقة صديقي التي تصغرني بعام..زميلة الدراسة التي جمعتني بها أفضل ذكريات الجامعة.. ماذا أيضا؟ بحق الله يا زوي إنه الاحتفال!! ماذا أصابك؟"
راقبت زوي انصرافه بعينين لامعتين بدموعهما..وما لبثت أن نفضت عنها الضعف مفكرة أن الإجازة لا تزال طويلة لتحقق بغيتها..
*************
تأخر يوجين فسمح أدُولف لنفسه بالسير على الشاطى مبتعدًا عن الجهة التي أشار إليها صديقه.. ثم ضربته موجة من الحماس ليقرر السباحة في هذا الوقت من الليل متمتمًا:"جدتي تحذرني من الحوريات.. وأمي تحذرني من السباحة ليلًا.. أما أنا فلن اقاوم سحرك وسأسمح لنفسي باحتضان أمواجك بشغف ومؤكد لن تتحقق هلوساتي..!"

وقفز في البحر متعمقًا في السباحة ناسيًا وعده لنفسه بالتزام العقل والمنطق..حتى وجد نفسه فجأة يقاوم تيارات قوية صارت تحمل جسده وتضعه حيث تشاء مع قوة جذب عنيفة تسحبه للعمق حتى صار لا يقوى على التقاط أنفاسه..
ثم لاحت له زعنفة بلون لم يتبينه اصطدمت به مع صوت مغوِ:"أخيرًا وجدتك "
قبل أن يغيب عن الوعي تمامًا مسلمًا نفسه للمجهول ..


noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 01:04 PM   #5

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي




الفصل الثاني

استيقظ أدُولف حين لسعته حرارة الشمس فوجد نفسه يفترش الشاطئ ..
انتفض فزعًا مما جعله يتأوه متألمًا إذ شعر كأن جسده قد دهس تحت أقدام الخيول..أو أن أحدهم انفرد به فأوسعه ضربًا..

"لحظة!! ما كان ذلك؟ إحداهن تحدثت إلي في البحر .. رأيتها تملك ذيل سمكة"

لوهلة تداخل الحلم بالواقع وتاه أدُولف بينهما لكنه سرعان ما ضرب خديه عله يستفيق ثم أجبر قدميه على السير للفندق هامسًا لنفسه:
"أساطير جدتك جعلتك تهلوس يا أدُولف..لنرى ماذا سنفعل اليوم ولننس تلك السخافة"

وصل غرفته فرفع الهاتف يتصل بصديقه ولا زال قلبه ينبض بالقلق متسائلًا كيف حدث ونام على الشاطئ.. إنه واثق أنه كاد يغرق بالأمس!!

"يوجين هل جهزت القارب ؟ متى نبدأ الجولة؟"
***********
بحقيبة ظهر وفستان أبيض من الشيفون ركضت زوي لاحقة بشقيقها:
"أدُولف انتظرني"

التفت لها أدُولف متسائلًا:"تأخرتِ كالعادة... هل استغرقتِ كل هذا الوقت لارتداء هذا الفستان؟"

ثم قرص خديها بمداعبة قائلًا:"ما كل هذا الأبيض؟ تبدين كالملاك"

ابتسمت زوي وأجابته:"كنت أضع مرطب يقيني حرارة الشمس فلن تحتملها بشرتي الحساسة.. كما أن حديثك المعسول لن ينسيني ما فعلت.. أين كنت بالأمس؟.. فوت على نفسك رؤيتي بفستاني الجديد.."

وأخرجت هاتفها تريه صورها حين وصل يوجين هاتفًا:"صباح الخير يا رفاق"

ودون استئذان فتح حقيبة زوي المعلقة على ظهرها قائلًا:"تعال لنضع واقي الشمس يا أدُولف.. "

رفع أدُولف حاجبيه باستغراب وهو يراه يدهن المرطب بعفوية وينظر لمحتويات الحقيبة قائلًا:
"أحسنت يا زوي سنحتاج الوجبات الخفيفة والقبعات في رحلتنا..ماذا تعرضين على شاشة هاتفك؟"

حشر رأسه بينهما مع سؤاله الأخير وأردف:"كنت رائعة بالأمس"

"زوي! ماذا يفعل هذا الأحمق؟ هل تتعاملان بهذه الأريحية دائمًا؟"

ارتبكت زوي حين رمقهما أدُولف مستهجنًا وأجابته:
"إنه لا يعترف بالحدود.. طلبت منه ألا يفتح حقيبتي مرارًا لكنه يراني ضعيفة فيفعل ما يريد"

صاح يوجين بها وهو ينظر لملامح صديقه بقلق:"ماذا تقولين؟ لقد أطلقت الوحش"

لكنها لم تجبه واكتفت بتعليق حقيبتها في ذراعه وركضت تسبقهما حيث القارب..
بينما أدرك يوجين ما دار في خلد صديقه فأضاف بتوضيح:
"إننا أصدقاء وفقط"

تلقى لكمة في ذراعه من أدُولف الذي تنهد مرتاحًا إذ ظن لوهلة أن تقاربهما يشير إلى علاقة أبعد ما تكون عن الصداقة..فهو يعرف كم العلاقات التي يقيمها صديقه دوريًا كأنه يعد نفسه لتحقيق رقم قياسي في هذا الشأن..

بينما تنحنح يوجين وعاد لمزاجه المرح قائلًا:" وأين كنت مساءً؟ لم أتأخر إلى هذا الحد لتعود لغرفتك؟ كانت السهرة في بدايتها بعد"

رمش أدُولف بعينيه واحتار كيف يفسر لصديقه ما حدث.. لكن صراخ زوي جعلهما يلحقان بها وينتبهان لما تشير إليه..

فعلى سطح القارب تعامدت أشعة الشمس على فاتنة وقفت تشدو بصوتها الشجي.. والطيور تقف عند مقدمة القارب مزقزقة كأنها تشاركها الغناء..

صاحت زوي مجفلة إياها:
"قولي أنك حورية البحر التي قررت إغواءنا بغنائها "

فابتسمت الأخرى دون أن تنفي ما قالته زوي ووجد أدُولف نفسه يتذكر تفاصيل هلوساته والصوت الأنثوي الذي سمعه بالأمس حين أجابت الفتاة بمكر:"ربما.."

فازداد حماس زوي وقالت تصف الفتاة كأن مسًا من الجنون أصابها فتحاول تطويع الأسطورة لتلائم ما تراه:
"أنت حورية بحر أليس كذلك؟.. صوت غنائك رائع..ترتدين قلادة الزمرد..خصلات متوهجة وعينان زرقاوان"

ضحك أدُولف ويوجين من إلحاح زوي وهوسها بحوريات البحر..
وسفه الأخير من قولها مشيرًا لشقيقها:"وشقيقك أيضًا ورث عيني والدتك الزرقاوين .. هل هذا يعني أنهما من شعب الحور الذي تزعمين وجوده؟"

لم تهتم زوي برأيهم في معتقداتها بل قالت:"حين ترافقنا الحورية الآن على متن القارب ونتعرض لمغامرة كما أبتغي ستصدقني.. هذا ما قيل دائمًا الحورية تغوي البحارة وتقودهم للهلاك...كم أنا متحمسة!"

ضحك الشابان بصخب مستنكرين أفكار زوي وعلقت الفتاة:"وهل تريدين تحقق الأسطورة لتلك الدرجة؟..حد أن تتعرضي للهلاك؟"

أجابتها زوي بيقين :"أنا مدربة على السباحة ومؤكد سأقاوم ..لكني متحمسة للمغامرة .."

وقطعت حديثها صارخة بجنون وهي تشير للقارب :"هل أنت أحمق ؟ كيف تضع هذا الرمز على القارب.. إنك تكمل أركان الاسطورة أخشى أن نتعرض لما تعرضت له سفن نقل الموز"

أجابها يوجين بسخط:"كفى هراءً .. أخبرتك مرارًا أنني أحب هذا الرمز وينعشني لونه الأصفر ..كما أنه لا يشبه الموز بأي طريقة ..وتوقفي عن اعتناق تلك التفاهات فهي لن تفيدك"

لكزه أدُولف يلومه على صراخه بها بتلك الطريقة..لكنه لم يهتم للحزن البادي على وجه زوي وقال:
"لنأخذ جولة سريعة مع الآنسة قبل أن نكمل نزهتنا"

ابتسمت الفتاة ولاح لأدُولف المكر في ابتسامتها .. وبشكل غير معقول كان يشعر أن زوي محقة هذه المرة ..ورغم عدم انسياقه وراء شعوره في العادة إلا أنه تمنى في هذه اللحظة ألا يذهبوا في تلك الجولة..

لكن زوي حطمت أمنيته حين جاورت الفتاة في القارب وسألتها عن اسمها في بداية لحديث مطول كما يبدو..

واستطاعت أذنه التقاط إجابتها:"اسمي نايدا"

إنه الاسم الذي أطلقه اليونانيون على حوريات البحر قديمًا!! ياللصدفة المرعبة يا أدُولف!!
**************
وجد آزاد نفسه مجبر على مجالسة زوجته ووالدتها عوضًا عن مرافقة أبنائه في نزهتهم على القارب حين تعللت الاثنتان بحرارة الشمس اللاهبة في الظهيرة ..

"كيف سنقضي الوقت ؟ أم أنكما قررتما مراقبة الشباب بحسرة؟"

"من هذه الفتاة على القارب؟..زوي تتضاحك معها.. تبدو فتاة استثنائية بشعرها النحاسي"
سألت هيلانة التي تراقب الشباب بمنظارها منذ جلوسهم في شرفة غرفتها فأثارت فضول ابنتها التي طلبت أن تلقي نظرة هي الأخرى بينما علق آزاد بملل:"ربما صديقة جديدة ليوجين العابث.."

ضحكت هيلانة فجأة فأثارت فضول الزوجين اللذين نظرا لها بفضول لتطلعهما عن سبب ضحكها فقالت:"لحسن حظك لم تطلب إلقاء نظرة على الفتاة وإلا لغضبت ساندرا وأجبرتنا على قطع الإجازة"

ابتسم آزاد وأجابها:"بربك يا هيلانة أي ذكرى تلك؟!!"

لكن هيلانة تابعت سرد الموقف القديم الذي لم تستطع نسيانه رغم مرور كل تلك الأعوام:"أتذكر حين زارتنا زميلتك في العمل .. لا يغيب عن ذهني مشهد ساندرا وهي تصرخ بك.. أخبرتها عنوان منزل أمي يا آزاد!! ماذا تعرف أيضًا عن حياتك الخاصة؟ وربما تلتقيك في شقتنا حين آتي لزيارة أمي بمفردي"

قرص آزاد ذراع زوجته بخفة قائلًا:"والدتك ستجعل النيران تشتعل بيننا من جديد"

لم تجبه ساندرا فقد كانت المخطئة تلك المرة حيث لحقت تلك المرأة زوجها من العمل إلى شقة والدتها لتقنعه بحبها له..

لكنها لم تملك نفسها من القول بسخط:"لم أكن أعلم أنك تحارب إغواء تلك الحرباء بينما أرفض تركك العمل وأشجعك على بذل جهدك لتحصد الترقية"

فضمها آزاد إليه قائلًا بمشاكسة:"أظهرت بعض الغباء وأنت تتشاجرين معي بتعنت رافضة تصديق براءتي لكن لا بأس .. فقد اعتذرت بعدها"

قبلت ساندرا موضع قلبه وتنهدت قائلة بدلال:"وستظل تقبل اعتذاري فأنا أملك جيشًا قويًا يدافع عني"

ضربت هيلانة بعصاها على ظهر مقعديهما فابتعدا عن بعضهما ونهضا خائفين من صياحها بهما:
"هيا غادرا غرفتي.. اذهبا للسباحة أو الحقا الأولاد واركبا قاربًا عسى أن يبتلعكما البحر.. مغفلان لا تخجلان"

ابتعدت ساندرا عن والدتها قدر الإمكان قبل أن تقول باعتراض:"لكنك يا أمي من ذكرت القصة فكدنا نتشاجر من جديد لكن البحر..."

تابعت وهي تنظر لعيني زوجها بهيام:"البحر يا أمي يمنحنا قوة التسامح ونسيان الماضي"

رفعت هيلانة عصاها مهددة فهرع الزوجان ضاحكين إلى خارج الغرفة قبل أن تنال منهما بعصاها...
*************
تحرك القارب مقاومًا الأمواج فاستكانت وسمحت له بالمرور فوقها على مضض كأنها ترفض أن يكون هناك من يعلوها..

وبدلًا من مراقبة البحر وجدت نايدا نفسها تحت المجهر فبالإضافة لنظرات أدُولف المتشككة راقبتها زوي بشغف مبررة:
"إنني أستمتع بتسجيل خصال حوريات البحر"

ابتسمت نايدا وقالت بخبث:"حسنًا طالما أنك مصرة..سأتقمص شخصية حورية البحر..في موقف كهذا كنت سأغني لأقودكم للهلاك أليس كذلك؟..هيا شاركوني الغناء "

كاد أدُولف يقترح أغنية إلا أن زوي سبقته قائلة:"أتذكر أغنية أمي المفضلة؟"
فاتسعت حدقتا أدُولف متذكرًا كابوسه بالأمس..وبدأت زوي الغناء بحماس:
Come down to the Black Sea
Swimming with me, ah-ooh, ooh
Go down with me, fall with me
Let's make worth it, ah-ooh, ooh
وشاركها يوجين الغناء يتمايلان بخفة على أنغام موج البحر..

إلا أن أدُولف صاح بهما أن يتوقفا وقد تهيأ له أن نايدا هي من شاركته كابوسه وهلوساته..
فضحكا منه وتهامسا بخفية عنه بما ينشغل هو بتفحص نايدا متوجسًا..

ثم بدآ رقصًا صاخبًا على أنغام أخرى أطلقها يوجين من هاتفه إزكاءً لحماس الجولة..
ولم يفلح صراخه بعدها في إيقافهما إذ عاقتهما الموسيقى عن سماعه..

كان القارب قد بلغ عرض البحر حتى صار مستبعدا أن تلمح أثرًا للشاطئ بينما هما في لهوهما..وعلى حين غرة تغير منسوب البحر وهاجت أمواجه فهلل الشابان بمرح وقد أخذ القارب يتمايل بهم نزولًا وصعودًا كثعبان زاحف..

وعلق أدُولف بينما يغلق الموسيقى بنفسه:"أوقفا هذه الأغنية فقد أغضبت البحر"

فأجابه يوجين:"بل قل إن وجود الحورية هو السبب!"

وتابع الضحك مستمتعًا بالأمواج التي تزداد صعوبة مقاومتها كلما تقدم القارب..

لكن القلق استبد بنايدا التي طلبت من يوجين العودة للشاطئ فرفض بتعنت وأيده البقية في رأيه ..

فاستحال قلقها هلعًا حين لمحت من بعد قوارب خفر السواحل تدخل البحر تنبه الجميع للخروج وتشير لهم أن يعودوا أدراجهم لكن إشارتهم كانت دون جدوى أمام استمتاع المجموعة المجنونة التي رافقتها ..

وصار القارب يسير بتخبط مخترقًا موجة تلو الأخرى إذ ترتفع كجبل شاهق وتنزل مغرقة راكبيه حتى اضطرت نايدا للاختباء في الكابينة بعيدًا عن سطح القارب الذي تبلل بالكامل ..

وصل الاضطراب مداه حين كاد القارب ينقلب رأسًا على عقب مُسلمًا راكبيه للأمواج لكنها ما لبثت أن عفت عنه وأعادته لوضعه..فارتفع صراخ نايدا من مخبأها الذي رآه الثلاثة غير منطقي...

"ماذا تنتظرون حقًا؟ يكاد القارب ينقلب بنا ..يا إلهي! ألا تعنيكم أبدًا إشارة خفر السواحل .."

فأجابتها زوي ولازالت تضحك بجنون واستمتاع مع اضطراب الموج:"نحن في فصل الصيف ..الصيف! تلك الأمواج مهما علت تكون عابرة ولا تستمر الكثير.. استرخي واستقبلي الموج بسعادة..اممم..ما رأيك أن تطربينا بصوتك؟.. سيكون له مفعول السحر في إثارة البحر أكثر"

لكن نايدا أصرت على موقفها وواصلت الصراخ بهم مستغربة اطمئنانهم إلى هذا الحد!..

فقال يوجين الذي سئم صراخها:"ماذا بك يا حورية؟وجودك هو ما يقودنا للهلاك كما ترين..لذا لا تلومي إلا نفسك عندما نغرق"

وضحك الثلاثة على جملته ثم اقترب منها بعبث تاركًا دفة القيادة ورفعها من ذراعها لتعود للسطح من جديد قائلًا:
"كما أخبرتنا زوي..تقول الأسطورة أن وجود امرأة عارية على سطح القارب يجعل البحر يهدأ ...لم لا تخلعين ملابسك حتى يستكين البحر؟.. لن أكذب سنستمتع نحن أيضًا"

ضحك أدُولف للوهلة الأولى من مزاح صديقه بينما تجمدت ضحكة زوي وتحفزت للدفاع عن نايدا إن تطور الموقف..
تراجعت الأخيرة بقلق حين واصل اقترابه منها ونثر شعرها قائلًا:
"أم تفضلين أن تزيدي اضطرابه برؤية خصلاتك المشتعلة "

وعند هذا الحد لم يحتمل أدُولف ودفع برفيقه بعيدًا عن نايدا على حين غرة فطرحه أرضًا ..

نهض يوجين بكبرياء جريح وصاح به:"قل أنك لم تقصدها وسأسامحك..هيا اعتذر"

لكن أدُولف شمر عن ساعديه وأجابه بقوة:"بل قصدتها وأنت تعلم أنني لا أندم على شئ فعلته"

وانخرط الاثنان في صراعهما غير عابئين بالقارب الذي استقبلته الأمواج بالترحاب الشديد..
***************
حين أوشك الزوجان على دخول البحر وجدا خفر السواحل يأمرون الجميع بالابتعاد عن الشاطئ..

وسمعا إحداهن تخبر رفيقتها بحنق :"هناك تغير في منسوب المياه وتم إخراجنا قسرًا "

راقب الوالدان خروج المصطافين بعجب وقبل أن يتمكنا من طرح الأسئلة أخذ أحد أفراد خفر السواحل ينظم حركة البقية خروجًا من البحر كما أمر آخر الجلوس بمغادرة مقاعدهم فهياج الأمواج فاق التوقعات..

وفورًا كان البحر يجيب تساؤلات الجميع حين وجدوا أنفسهم يتراجعون لاإراديًا حيث تقدم بجنون كأنه يلاحقهم حتى غطى جزء كبير من الشاطئ وانحسر مكررًا التقدم..
فوقفوا على بعد يراقبون بدهشة ما يحدث.. واقترب الخفر بقواربهم يساعدون من علق في الماء.. حتى أن السيد إلياس خرج من شرفة جناحه في الفندق ورفع مكبر الصوت ليعتذر من الجميع ويطلب منهم بلطف مغادرة الشاطئ والعودة لغرفهم حتى تهدأ الأمواج..

استغل آزاد وجوده فرفع هاتفه يطلب رقمه الذي حصل عليه بالأمس وسأله إن كان يرى يوجين أو أحد ولديه.. فأجابه الآخر بقلق أنه سيطلب من الأمن إرسال مروحية لتفقدهم وإنقاذهم إن كانوا عالقين في الأمواج..

وفور إنهاء المكالمة تلقى آزاد اتصالًا من والدته في القانون التي صرخت بصوت صمَ أذنيه وأشاع الهلع في نفسه:"إنني أراهم.. قاربهم يتخبط دون قدرة على المقاومة.. لقد انقلب بهم!"
************
فجأة وجد الأربعة أنفسهم يسبحون ضد التيار وقد انقلب بهم القارب وجرفته الأمواج بعيدًا عنهم ورغم وضعهما المقلق بقي أدُولف ويوجين يناظران بعضهما بغضب ..وعادا للشجار دون تفكير..

"انظري إلى مهارتك..أنت أفضلنا في السباحة ورغم هذا كنت أكثرنا قلقًا منذ دقائق"
صمتت زوي وانتابها القلق حين لمحت شيئًا يشبه ذيل سمكة يلحق برفيقتها.. وقالت بمحاولة ساذجة للتفسير:
"يبدو أن سمكة ضخمة تتبعك بإخلاص!"

فقهقهت نايدا وأجابتها بمكر:"أنت مسلية حقًا!! لكنك غير محقة للأسف.. أنا هي السمكة الضخمة التي ترافقك.. إلى اللقاء يا عاشقة الأساطير"

لمح أدُولف الذيل البرتقالي على مقربة من شقيقته.. فغفل عن شجاره مع رفيقه بفم فاغر .. وكانت فرصة يوجين التي أحسن استغلالها فلكمه ودفعه للأسفل حتى غطى الماء كامل جسده فلمح تلك الماكرة تبتسم له وتضم شفتيها كأنها تقبله قبل أن تسبح مبتعدة...
عاد أدُولف للسطح شاهقًا ومستعيدًا أنفاسه مفكرًا أنه لا مناص !

لقد صدقت أسطورة جدته ..الحورية حقيقة وعليه التعامل مع الأمر ..ألم تقل بالأمس أنها وجدته؟ .. إذن فهو من يستطيع دحر شرها حتى لو هلك فيبدو أنها متعلقة به وكما تقول جدته أنها تحب استحكام حياة من تحب..

رويدًا رويدًا هدأت الأمواج وعاد للبحر سكونه فاقترب أدُولف من شقيقته التي استندت ليوجين متسعة العينين غير قادرة على الإتيان برد فعل.. وسرعان ما ألقت بنفسها في أحضان شقيقها الذي عاد بها للشاطئ ويوجين المتعجب يلحقهما قائلًا:
"ماذا حدث؟ ألم ترق لها المغامرة؟"
************
قضت زوي فترة العصر صامتة منعزلة في غرفتها ولم تنس نظرات جدتها المدققة وسؤالها عما حل بمرافقتهم الغريبة..
هل كانت حقًا حورية أو ربما أصابها دوار البحر بالهلوسة ؟! وإن لم تكن حورية فأين ذهبت ؟
كيف لم تخرج معهم من البحر إلا إن كانت حوريةً..البحرُ موطنها؟!!
ودون تفكير أمسكت قلمها ورسمت نظرات الخبث تحتل عيني نايدا وذيلها البراق يضرب الماء ..
*************
في تلك الليلة كان الوالدان يشعران بأن ولديهما ليسا على ما يرام.. ردود مقتضبة ونظرات شاردة بينما كان يوجين هو الوحيد الذي احتفظ بطبيعته حين جلس هو و والده مع الأسرة على مائدة العشاء..

وقال مشاكسًا زوي:"انظري كيف احترقت بشرة وجهي يا زوي . يبدو أنك تتصرفين ببخل حين يتعلق الأمر بمستحضرات العناية بالبشرة"

رفعت زوي ناظريها عن طبقها الذي لم تمسه إلا لمامًا وأجابته بمرح مصطنع:
"حاولت أن أوضح لك بالأمس أنني لست بثراء والدك فوصفتني بالحاسدة؟ ماذا أفعل؟ لن أعترض على حكمة الرب في تقسيم الأرزاق"

"سخيف جدًا!!.. من هذه اللحظة سأستغل أي مناسبة لأهديك مستحضرات أصلية طالما أنك بخيلة"

"رائع!! ولكن بأي صفة؟ بأي صفة سأقبل هداياك؟"
ومن لحظتها صمت يوجين هو الآخر وراح ينظر لزوي بين الحين والآخر كأنه يتعرف عليها من جديد..
***************
انتظر أدُولف بصبر انشغال الجميع عنه ليعود لهذه الجهة من جديد حيث كاد يغرق وقابل حورية البحر إن لم يخنه عقله ويقنعه بهذه الهلوسة..

"حسنًا أنا قادم إليك "
هتف بها قافزًا في البحر حريصًا على ألا يفقد وعيه كالأمس ليتحقق من تخيلاته برغم أن الأمر يبدو حقيقيًا بعد رد فعل شقيقته..

ضرب الماء بسخط حين مرت ربع ساعة دون تغيير.. إنه واثق أنه نزل البحر في هذه الساعة تحديدًا بالأمس..
"أين أنت؟ ..نايدا! أليس هذا اسمك؟"

حينها تلقى ضربة في ظهره من مصدر مجهول ..قبل أن يلمح طيفها يدور حوله ثم صعدت للسطح ونثرت الماء جهته بذيلها قائلة:
"أترى ما اضطررت لفعله ؟ خرجت للسطح نهارًا فاضطرب البحر لوجودي وكدت تهلك مع رفاقك"

"أنا..أنت..هل أنت حقيقة؟"

ومد يده بغية استكشافها فغاصت بسرعة ثم خرجت لتكون هذه المرة خلفه قائلة:"أحمق.. ألم يخبرك أحدهم مغبة ملامسة الحوريات؟ هيا اخرج من الماء ولنتحدث على اليابسة"

خرج أدُولف كالمغيب مستجيبًا لأمرها وأدار رأسه ليراها تقترب من الشاطئ بالفعل..إذا الأمر حقيقي!!

"أدر وجهك إن أردت"
لكن أدُولف بقى على تحديقه دون رد فعل فخرجت من الماء عارية بالكامل..مما جعله يدير رأسه متنحنحًا بخجل..

(إنها تبدو كالبشر وقد تحول ذيلها لقدمين بشريتين)
حدث أدُولف نفسه بذهول قبل أن يلتفت إليها من جديد فرآها قد التفت بمنشفته التي غطتها حتى منتصف فخذيها وكشفت عن ذراعيها اللذين رفعتهما الآن لتنفض شعرها النحاسي قائلة:"في المرة القادمة حين تأتي للقائي .. تذكر إحضار ثوب يليق بجمالي"

تقدمت منه وأمسكت وجهه بين كفيها وأردفت:"هيا لا تبقى متسمرًا هكذا.. أنا الحورية التي اختارتك لتكون رفيقها طوال حياتك"

حدقت بملامحه المذعورة وسألته بخبث:"ماذا؟ هل تخشى أن تمحى ذاكرتك لأني لامستك؟"




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 01:06 PM   #6

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي




الفصل الثالث
الأسطورة تتحقق..الحورية شاخصة أمامه ليكون هو من تختاره من بين الجميع والأدهى أنها تلامسه ..هل ستُمحى ذاكرته الآن؟

ضحكت نايدا وأنزلت كفيها عن وجهه قائلة:"تُمحى الذكريات إن لامستني بإرادتك في البحر بينما أنا حورية.. أماعلى اليابسة بإمكاني التحكم بقدراتي الخاصة.. ربما أفقد السيطرة إن شعرت أنك تنوي إيذائي بملامستي سيكون مسح الذكريات حينها رد فعل لاإرادي"

وتابعت بضجر:"أووف..هذا ممل .. هل ستبقى متسمرًا هكذا طوال الليل؟ .. تعال جاورني"

أشارت له حيث جلست على الشاطئ فالتفت إليها أدُولف وحذا حذوها ولا يزال مذهولًا ..إنه يجالس الآن حورية بحر فاتنة!!
حينها قالت بصوت طفولي فاجأه:"اسمع هل أنت خائف مني حقًا؟ أستطيع تفهم الأمر فتاريخ أجدادي ليس مشرفًا ولكن صدقني أنا لا أستطيع إيذاءك"

تابعت حين لمحت التأثر في عينيه:" حين تتعلق حوريات فصيلتي بأحدهم فهذا بمثابة تعهد منها بألا تمسه بضر طوال حياته... حتى إن رفض مشاركتها حياته فإنها تنطوي على نفسها حزينة لأيام قبل أن تموت"

"سمعت من قصص جدتي أن الحوريات لا يعرفن لغة البشر..بينما أنت تتحدثين بطلاقة!!"

ضحكت نايدا وأجابته:"لديك معلومات لا بأس بها عن شعبنا.. أنا أسكن هذا البحر منذ عدة أعوام فقد لازمني شعور أن البشري الذي أبحث عنه سيزورني قريبًا.. طوال تلك السنوات تعرفت على كل شبر في الشاطئ وصادقت سيدة عجوز تجلس في شرفة منزلها على الضفة الأخرى كل صباح تستمع للموسيقى بينما تراقب البحر..
وحين وجدتني بلا اسم ولا أفقه الكثير عن حياتكم صارت تعاملني كطفلة فاقدة لذاكرتها فأطلقت علي اسم نايدا لا أعرف سبب هذه التسمية حقيقة لكنني قبلته كما هو..
ثم علمتني لغتكم وبعض عاداتكم..حتى أنني شهدت بناء هذا الفندق خطوة بخطوة..كنت أظن الأمر في البداية معجزة.. أن تستحيل كومة الرمال والأحجار لهذا البناء الرائع..حتى أخبرتني العجوز أنكم البشر تفعلون هذا عادةً.. "

هبت نسمة عابرة نثرت شعرها الطويل ليلامس وجهه قبل أن يسمع سؤالها:"إذا هل تقبل بوجودي في حياتك؟"

حك أدُولف أنفه بارتباك قائلًا:"حسنًا هذا مفاجئ..صدقيني لم أتلق عرضًا مماثلًا من فتاة قبلك"

ثم لامس شعرها قائلًا بعبث:"لكن لابد أن أقبل.. وهل يقوى شاب مثلي على رفض هذا الجمال؟"

تألقت زرقة عينيها وقد حسبته يتكلم بجدية فقالت بحماس:"لقد كنت أبحث عنك منذ سنوات أخيرًا وجدتك وقبلت بي.. هيا أخبرني عن حياتك "

راقه حماسها وتألقها لمجرد قوله العابث أنه يقبل بوجودها فسألها بفضول: "أخبريني أولًا ما قصة بحثك عني تلك؟"

"سأخبرك.. لكل حورية منا رفيقان تختار بينهما إما أن تختار حوري مثلها وتعيش طوال حياتها في البحر دون أن يراها بشري..
أو تختار البشري فتقضي عمرها كله باحثة عنه وقد لا تفلح في العثور عليه وتموت كمدًا..
أما أنا فقد حالفني الحظ جبت البحار حتى وجدتك.. انظر إلى شعري النحاسي كيف زاد إحمراره إنه يتفاعل مع وجودك "

"حكايتك تفوق أساطير جدتي ألقًا..لكن لا شئ يجبرني على مسايرتك.. ألا تظنين؟ وما ضرَني إن عشت أو مت؟!! أنا أفضل الحياة المستقرة مع بشرية مثلي.. كما كان لك حق الاختيار فلابد أن يكون لي المثل"

"أنت..هل تسخر مني؟"
سألته بغضب وقد تفاعل شعرها مع غضبها فزاد توهجه ولامست بيديها صخور الشاطئ فتفتَت ..
مما جعل أدُولف يفغر فاه ويقول:"واضح!! واضح أنك لا تستطيعين إيذائي"

لكنها لم تهاجمه كما توقع بل ضمت نفسها وراحت تبكي وانسابت أدمعها كلؤلؤ منثور على رمال الشاطئ..فحك أدُولف مؤخرة عنقه بغباء.. كيف يتصرف الآن مع الحورية المعجبة؟!

"حين تتصرف إحداهن بطريقتك فنحن نتعجب من إقدامها على الطرف الآخر بلا كرامة"

توقفت عن البكاء والتفتت إليه محاولة فهم معنى جملته قبل أن تسأل:"ماذا تعني الكرامة؟"
حينها نسى أدُولف كل تحذيرات جدته وضحك ملئ فمه قائلًا:"كبداية لنلتق كل ليلة ونرى هل تستطيعين إقناعي بإمضاء حياتي معك ؟"

تألقت السعادة على وجه نايدا وذرفت عينيها دمعتين استحالتا للؤلؤتين ظهر لونهما الوردي في ضوء القمر قبل أن تلقي نفسها بأحضانه قائلة:" سأقنعك حتمًا"
ألحت عليه رجولته المهتاجة لوجودها عارية بين ذراعيه أن يقبل كل ما تعرضه عليه .. لكن عقله المتيقظ كان له بالمرصاد ورفض محاولة تخديره في سبيل متعة مؤقتة..
**********
تربعت زوي على الشاطئ بفستانها الذي ماثل لون الرمال وراحت تنظر للأفق وترقب حركة البحر بشرود سامحة لأمواجه بأن تتسلل تحتها قبل أن تنحسر ثم تعود بقوة أكبر لتضرب ساقيها كأنها تطلب منها المداعبة أن تنهض وتملأ الدنيا لهوًا وصخبًا
"أووبس..زوي! لم تجلسين هكذا؟ خلتك جزءًا من الشاطئ بفستانك الباهت هذا..هل انعدمت الألوان لتختاري هذا من بينها؟!"

هتف يوجين بعدما اصطدم بها عن غير قصد..فنظرت له زوي بغير رد ثم عادت تتطلع أمامها من جديد..

لتلين ملامحه ويجلس على الرمال خلفها قائلًا:"الآن أغمضي عينيك.. استجمعي أفكارك ريثما أُدلل هذا الحرير البني"

فنفذت زوي طلبه وارتجفت بإحساس مدغدغ بينما يمرر يوجين أصابعه في خصلات شعرها ليجمعه في جديلة مُرتبة ثم قال:"هيا التفتي إلي وأخبريني ما يزعجك"
مد يده ليلتقط دفتر الرسم خاصتها وناظرها باستفهام:"لماذا تعطيني إياه؟"

أشارت إلى الدفتر حيث رسمت الحورية وقالت:"ربما لم تلحظا أثناء شجاركما أين اختفت نايدا... لكنني أعلم وصدقني هذا العلم يقض مضجعي .. لم أدرك سابقًا أن تحقق الأسطورة سيزعجني إلى هذا الحد"

"أي أسطورة وأي هراء؟ إن كنت ستتحدثين هذه اللغة يا زوي فأنا آسف لسؤالي.. "

وضرب بكفه على الدفتر قائلًا:"أرى أنك حولت نايدا لحورية كما صورتها لك مخيلتك.. لكنها مجرد لوحة ستختفي حين أمزقها وأرميها في البحر الآن"

نهضت زوي لتقابله حين ألقى بالدفتر ووقف مقطبًا مديرًا رأسه عنها :
"يوجين أقسم لك أنها الحقيقة ..تلك النايدا كانت خائفة من الأمواج لأنها إن تبللت بها فستتحول لأصلها..لحورية!... صدقني وهذا ما حدث حين انقلب بنا القارب.. وإلا كيف تُفسر اختفاءها فيما بعد؟"

رمش يوجين بعينيه بارتباك كأنه اكتشف فجأة وجود ما يدعو للريبة وأجابها بتردد:"لقد ظننت أن أحدهم أنقذها وهي تعاملت بحقارة وابتعدت عنا كأننا جلبنا لها الشؤم "

"ربما شعرت لوهلة أنني كنت أهلوس .. لكن أين اختفت؟ فقط إن عثرنا على إجابة منطقية لهذا السؤال ..يا إلهي! سأجن من لحظتها"

"وهل أخبرت أدُولف بما رأيت أم أنني الوحيد الذي قررت إصابته بالجنون معك؟"
أمسكت زوي بجديلتها تعبث بها وأجابته بارتباك:"قطعًا لا.. لم تره وهو يسخر من قصص جدتي!! كلما أتخيل رد فعله أرتعب .. ببساطة سيرميني بنظرة مستخفة ويتصل بمشفى الأمراض العقلية لأصبح إحدى نزلائها"

ابتسم يوجين وشدَها من جديلتها بخفة قائلًا بعبث:"يبدو أنك تعتبرينني صديقك المقرب جدًا لتبوحي لي بمخاوفك قبل شقيقك"

اختلفت وتيرة نبضات قلبها وهي تراه قريبًا منها إلى هذا الحد وأرادت أن تخبره بحقيقة مشاعرها لكنه عاجلها بقوله الذي جعلها ترغب في قتله:
"ما بك صامتة يا حمقاء ؟ إنني أمزح معك.. مؤكد لن أكون بقدر سخافتك وأسألك الآن ما قدري عندك.."

وتقدمها متابعًا:"أسئلة سخيفة لا تخرج إلا من فم فتاة!! هيا..هيا.. تعالي لنرى أين شقيقك وأنا من سيسأله بنفسي إن كان رأى هذا الذيل البرتقالي الذي أذهب ما بقى من عقلك"

انحنت زوي وقبضت على حفنة من الرمال واستقامت عاقدة العزم على أن ترميه بها لكنها سرعان ما أغمضت عينيها وجزت على أسنانها في محاولة لكظم غيظها ثم تركت الرمال تتسرب من يدها قائلة:"سأذهب لتبديل ثوبي المبتل أولًا.. احتفظ بدفتري ريثما أعود"
*************
بعد العشاء اختفى أدُولف عن عيني زوي ويوجين اللذين بحثا عنه طويلًا قبل أن يستسلما ويذهبا للشاطئ لمشاهدة عرض الألعاب النارية الضخم المُعد لافتتاح الملاهي التابعة للفندق..
بينما كان أدُولف قد تسلل لغرفة شقيقته ليختار فستانًا مناسبًا لرفيقته الاستثنائية: "هل الأصفر؟ لا .. يبدو باهتًا أمام توهج شعرها..الأسود سيشعرني أنها شبح من خيالي..هذا الزهري يبدو مناسبا ليحتضن جسدها كما يفعل الأزرق الضخم الذي يكتنز أغرب المخلوقات والأسرار.."

ثم نظر للفوضى التي سببها ببحثه ولم يدر كيف التصرف..
"زوي ليست مهووسة نظام إلى هذا الحد.. لاشك أنها لن تنتبه "

وأعاد الملابس للخزانة بعشوائية مغادرًا الغرفة ليلقى رفيقته..

"نايدا!"
هتف أدُولف باسمها أثناء سباحته ليستدعيها وشعر لوهلة بالغباء !
المفترض أنها من تسعى خلفه ..لماذا يبدو الآن كمهووس يلاحقها بلا كلل؟ وكانت أفكاره الزاجرة كفيلة بجعله يعود للشاطئ وما كاد يخطو جهة منشفته وملابسه حتى استشعرت قدميه الحافيتين وجود شئ غريب مدسوس وسط الرمال..فانحنى يلتقطه ليكتشف أنها ورقة ترسم له اتجاهًا ما..
سار متتبعًا المسار فوجد مثيلاتها وكأنه مُغيب بلا عقل لم ينتبه كم ابتعد عن الفندق في سبيل ملاحقة الإشارات حتى وصل لجسر يربط بين الضفتين فتخطاه كما تشير الورقة بيده.. ثم وجد نفسه وجهًا لوجه مع نايدا التي جلست كأميرة من عصر الإغريق بفستان فضي وشعرها المسترسل جاوز أسفل ظهرها أمام عجوز تحتل شرفة أرضية.. وتقص بصوتها الذي ذكره بجدته:
"تروي الحكايا عن حورية جميلة قادها فضولها لعالم البشر ..
اقتيدت كالأسيرة إلى موطن الغجر..
طمعوا في جمالها وبهائها فأوردوها موارد الخطر..
لولا أميرًا خرج من العدم .."

وصلت القصة لسمعه وغزلت طريقًا من المشاعر إلى قلبه فثارت دقاته وقد راقه ما يسمعه والذي يتماشى مع هيئة نايدا التي خلبت لبه... لكن العجوز انتبهت للغريب الذي قاطع جلستهم فتوقفت عن المتابعة..
"إنه أدُولف يا أفروديت.. صديقي الجديد"

أفروديت!! طبعًا وماذا سيكون؟ هذه الأسماء تصيب أصحابها بالجنون لا شك..

تواردت أفكار أدُولف الرافضة تصديق حديث العجوز التي صارت تحدق به الآن حتى انتابه القلق.. ثم قالت :"هل أنت أحمق؟ألا تستأذن قبل الدخول؟"

الدخول! حك أدُولف مؤخرة عنقه مفكرًا هل الضفة الأخرى بكاملها ملك للعجوز أم ماذا؟..
كان على وشك الاعتذار حين أخبرته نايدا:"لا تهتم إنها تارة تعرفك وأخرى تتخيل آخرين فتحادثهم"

آه.. الآن اتضح الأمر.. ومن قد يصادق حورية بحر ويكون طبيعيًا؟

"صديقك..حقًا يا نايدا؟ هذا رائع.. هيا هيا.. اركبا التليفريك واذهبا للاحتفال على الضفة الأخرى.. لا تعودي اليوم مرة أخرى استمتعي بوقتك"
استفاقت العجوز من تخيلاتها لتخاطب نايدا بتلك الحماسة..

ثم ما لبثت أن التفتت إليه :"أمسك بيدها واذهبا معًا يا فتى.. ألا تملك أي ذوق؟"

انصاع أدُولف لأمرها حتى يبتعد عن ناظريها بأسرع ما يستطيع... وأخيرًا التقط أنفاسه في التليفريك ليهتف بنايدا:"كيف صادفت سيدة كهذه؟ إنها مصدر تهديد صدقيني"

لكن نايدا كانت بواد آخر مستمتعة بملمس كفه الذي يحتضن يدها فشدت عليه حتى كادت تكسر عظامه وأسندت رأسها إلى كتفه باستمتاع...
لينبهها بهدوء:" لازلت أحتاج يدي..لذا رجاءً خففي قبضتك المُحكمة.. لن أهرب "

وكأنه يجرؤ.. حوريات فصيلتها لا يؤذين من يحببن!!هه إنه يتخيل من الآن نهاية حياته المأساوية..
(ذق عواقب تسفيه حكايات جدتك يا أدُولف)
حدث بها نفسه قبل أن ينزلا من التليفريك عند مدخل مدينة الملاهي تمامًا..

فاتسعت عيني نايدا قائلة بانبهار:"ما هذا ؟ أنتم البشر حقًا تصنعون العجائب.. إنني أحب عالمكم كثيرًا يا أدُولف"

جزَ أدُولف على أسنانه خجلًا من النظرات التي تطلعت إليهما بفضول وهمس:"هلا تخفضين صوتك قليلًا؟ ومن الأفضل أن تعتبري نفسك منا الآن دون حديث عن العوالم الأخرى وإلا سيكون مصيرك سيئًا"

لكنها لكزته غاضبة:"أدُولف لا تتحدث بسرعة.. ماذا يعني المصير؟ إن لم تتصرف معي بلطف سأشكوك لأفروديت"

فقادها لركن هادئ بعض الشئ وقال:"اسمعي لنتفق.. تعرفين ما يعنيه الاتفاق أليس كذلك؟"

أومأت برأسها متحمسة فتابع:"لا تضربيني لأن قبضتك تشبه المعدن في قوتها.. حسنًا لن تفهمي ما يعنيه المعدن..لا تضربيني فقط.. فهمت؟.. الآن سنلعب لعبة الأسرار .. وأنت لديك الكثير منها"

"حقًا! هل لدي؟ هل ستحبني لأن لدي منها الكثير"

ضرب أدُولف جبهته بيأس:"حسنًا.. سأكون صبورًا.. السر هو شئ لا تريدين لأحد معرفته..."

اتسعت عيني نايدا في محاولة لاستيعاب مقصده وعلقت:"أنت.. هل تعني أنت؟.. أنا لا أريد لأحد معرفتك.. أريد أن أكون الوحيدة في حياتك التى لا ترى غيرها ليلًا نهارًا.. أنت ستكون سري"

لا وألف لا.. لقد وقعت في الفخ يا أدُولف!.. جدته محقه بشأن حوريات البحر .. يحببن السيطرة بحق!..إن رفض الآن أن يكون سرها ستطبق بكفيها على عنقه لتقتله وربما أغرقته في البحر كما حدث للصياد..

"سأكون سرك في الليل فقط اتفقنا"
اقترح أدُولف وهو يؤكد لنفسه أنها ستكون الليلة الأخيرة التي يغادر فيها الفندق.. سيحتجز نفسه في غرفته ليلًا حتى تنتهي الإجازة وليعنه الرب على تحمل حسرة إضاعة الإجازة ...
لكن نايدا أجابته بتملك:"سأقبل بهذا كبداية.."
ابتسم أدُولف بسماجة وفي خلده دارت فكرة واحدة: ربما يجد في أساطير جدته طريقة لقتل الحوريات..
*********
"آه..آه.. سأقتلك يا يوجين.. لقد أوهمتني أنها أكثر الألعاب أمانًا.. رأسي يدور"
كان قد أصر عليها أن يركبا لعبة معينة بدعوى أنها آمنة على عكس البقية.. حيث منحوتة لامرأة ضخمة تتحلق حولها مقاعد في شكل دائرة وهي تدور بهم كرجل التنورة الذي يدور حول نفسه مديرًا تنورته في عدة اتجاهات حتى يلقي بها..
وهكذا انتهى الأمر بزوي ملقاة على الأرض لا تشعر بساقيها ولا تتبين ما حولها..

وكان رد يوجين الوحيد هو الضحك بينما يسندها حتى جلست على مقعد قريب
فسألها:"أين حب الإثارة داخلك يا زوي؟ ألا توجد أسطورة تخص الملاهي تريدين تطيبقها على أرض الواقع؟"

"كدت أموت وهذه الخبيثة تديرنا وأنت تضحك؟!!"

مد يده لها بعبوة عصيرقائلًا لمراضاتها:"حسنًا..آسف لا تغضبي.. لقد ظننت أنك ستحبين الأمر.. لاحظي أنها المرة الأولى التي نخرج فيها معًا للملاهي.. لذا لم أتعرف على هذا الجزء من شخصيتك بعد"

تجرعت زوي العصير واكتفت بأن أهدته نظرة مستهجنة لما فعل... فلم يملك يوجين نفسه وتابع الضحك قائلًا:" مسموح لك أن تطلبي مني ما يعوضك خلال خمس ثوان"
"هيا..واحد.. اثنان..ثلاثة...."
"مائة وخمسون دولارًا"
فغر يوجين فاه هاتفا:"ماذا؟"
فحركت زوي كتفيها بلامبالاة قائلة:"هذا هو التعويض الذي أريده.. يلزمني غرض ضروي وأمي تراه غير مهم وترفض إعطائي المال "

"زوي..كوني عاقلة.. والدتك محقة بلا شك"

لكنها أصرت على موقفها وبسطت كفها أمامه ليضع لها المبلغ الذي طلبته..ثم تابعت والشر كامن خلف ضحكاتها تبتغي زيادة حسرته :"كم أحب الرجل الذي يلتزم بكلمته!"

"يا إلهي! كنت قد نسيت جشعك اللامتناهي وحقدك علي"

ثم انتبه لأدُولف الذي يسير بصحبة إحداهن على مقربة منهما ليقول:"انظري إلى شقيقك العابث!"

رفع صوته مناديًا حتى لوح لهما أدُولف واقترب مع الفتاة التي تبين أنها نايدا.. والتي رحبت بهما بحماس:"كيف حالكما؟"
تبادل يوجين و زوي نظرات ذات معنى ولم يتمكنا من الإجابة حين صاحت نايدا:"أدُولف انظر إلى تلك التي تدور..أريد أن أركبها"
نظر الثلاثة حيث تشير إلى أكثر الألعاب خطورة على ما يبدو ..فقد كانت .. يا إلهي!
كيف يوصف شئ كهذا بأنه وسيلة للترفيه؟!!..
ساق حديدية ضخمة معلقة بأساس راسخ يدعمها وتنتهي بحلقة تضم راكبيها بحاجز لكل منهم يقيه السقوط..حيث تتحرك الساق براكبي الحلقة كحركة بندول الساعة يمينًا ويسارًا..فيفرح الراكبون لوهلة بتلك الأرجحة اللطيفة قبل أن تزداد سرعتها وتكمل دورتها ثم تقرر الوقوف في منتصفها من جديد ولكن بعد أن تكون قد قلبت الحلقة براكبيها لتصبح أقدامهم مواجهة للسماء..
مع صراخهم الذي يرج المكان كأنهم يتعرضون للتعذيب في أسوأ سجون العالم وأكثرها قسوة.. وإنهم لمغفلون كيف رأوا منظرًا كهذا يحدث لسابقيهم وأرادوا التجربة؟!

أعرضت زوي عن المنظر المرعب بالنسبة لها وقالت بانفعال متمسكة بالمقعد: "سأشرب العصير ريثما تخوضون تجربتكم .. لقد اعتزلتني روح المغامرة وسأنشرها في الصحف..زوي جبانة وينتهي الأمر.. لن أفقد حياتي في تجربة كهذه"

ضحك يوجين وكأنهم سيجبرونها على ركوبها لتأخذ هذا الوضع المتخشب وتتشبث بالمقعد.. ثم وجه حديثه لأدُولف الساهم:"سأبقى بصحبة هذه الجبانة.. رافقتكم السلامة يا أبطال"

وهكذا وجد أدُولف نفسه مسحوبًا من قبل نايدا التي لم تدع له فرصة إبداء الرأي أو استشارة عقله... وأحكمت قبضتها على كفه تصف حماسها للتجربة حتى نزل الراكبون الذين أسندهم رفاقهم وبعضهم نزل فاقدًا للوعي.. ونايدا تزداد حماسًا كأنها لا تدرك ما ستلاقيه..

"إلى أين؟ عشرون دولارًا للفرد"
أوقفهما المسئول عن أداة التعذيب هذه حين سحبته نايدا للركوب دون استئذان.. فدفع أدُولف المبلغ مجبرًا ولحقها..
أغمض عينيه مخافة أن ينظر للأرض من هذا الارتفاع وأعد نفسه للاستغراق في التفكير حتى لا يشعر بما يحدث..
لكن صراخ نايدا التي جاورته كان له بالمرصاد.. فأعادته لأرض الواقع وأحس بالرعب حين انقلبت بهم اللعبة ليصبح رأسه مواجهًا الأرض التي تبعد عنه مئات الأمتار في هذه اللحظة...

"كأنني أواجه إعصارًا ضخمًا يجعلني فاقدة لإرادتي وتحكمي في ذاتي.. إنه شعور رائع أليس كذلك يا أدُولف ؟"

طبعًا..رائع!! سيفقد وعيه من السعادة الآن...
الشكر للرب عادت الساق تؤرجحهم من جديد وهو أهون من تعليقهم رأسًا على عقب كالمسجونين الذين يتلقون التعذيب.. فزدات بهجة نايدا وهي تقبض بكفيها على مسند المقعد الذي يقيها من السقوط فكسرته.. وكأنها نست أنها على اليابسة قفزت من اللعبة بوجه باسم يتألق بشرًا ... هه وأني للأرض أن تستقبلها كما يفعل البحر!!
فغر أدُولف فاه واتسعت عيناه كأحد المجاذيب ومد يديه ليمسك بها إلا أن الجاذبية كانت أسرع منه...وسط ذهول الراكبين الذين توقفوا عن الصراخ ليطالعوا جسدها المسجى أرضًا برعب خالص..




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 01:08 PM   #7

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي




الفصل الرابع

قفزت نايدا من اللعبة حين كانت قريبة من الأرض لحسن الحظ ولذا لم تلق حتفها..وسرعان ما أوقف المسئول الدوران قلقًا من حدوث أمر مروع كهذا ..

"بحق الله إنه يوم الافتتاح بعد والألعاب كلها مُؤمَنة!!فكيف كُسر الحاجز؟"

لم يهتم أدُولف بإجابة المذعورين من حوله وهرع إلى يوجين الذي رأى هذه الكارثة مع زوي وعجَل باستدعاء الإسعاف..
*******
في المشفى
سأل أدُولف الطبيب بقلق عن حال نايدا بعد ساعات من احتجازها في غرفة الطوارئ..
فقال:"بعض الرضوض في جسدها مع كسر في كلتا ساقيها.. بعد دقائق تصلني نتيجة الأشعة المقطعية لنطمئن على دماغها لكن أظن أن الأمور جيدة بالنسبة لما أخبرتموني به"

حينها تنفس أدُولف الصعداء ..نعم كان يريد قتلها منذ دقائق..لكن الآن تبدو فكرته دموية وبلا فائدة..فليكتف بالابتعاد عنها ورفض طلبها وينتهي الأمر..
ثم وجه الطبيب حديثه ليوجين لعلمه أنه ابن صاحب الفندق:"لقد سمعت أنكم أفضل من يستقبل المصطافين لقضاء الإجازة وكنت أنوي إحضار العائلة.. لكن يبدو.."
قطع جملته واكتفى بتعبير وجهه الموحي وانصرف..

ليضرب يوجين الحائط بقبضته غاضبًا :" بالطبع! حدث كهذا في يوم الافتتاح سيسئ إلينا.. يا إلهي!!لقد أشرفت بنفسي على عمل المهندس وتأكدت أن التصميم آمن تمامًا.."

أشفق أدُولف على صديقه المُحبط الذي تابع:"مؤكد وصلت الأخبار إلى أبي ولن تنتهي تلك الليلة على خير"

و رغم أنه أراد أن يكشف له سبب الكسرإلا أن الصمت تسيد الموقف.. نعم كان التصميم آمنًا لكنهم لم يتوقعوا أن تركبها حورية بحر مجنونة .. وهذا كان يتطلب احتياطات من نوع آخر!

بينما وقفت زوي مقابلة لهما وظلت عيناها عليه..لقد ضعت يا أدُولف!! لن يستغرق الأمر الكثير قبل أن تستنتج زوي كل شئ..وجدته التي تشك أنه يخفي سرًا منذ يوم القارب..
فقط لو أنه لم يسبح تلك الليلة..!

ثم تلقى اتصال والده يستفسر عما حدث.. فأجابه :"الشكر للرب إنها على قيد الحياة.. لا تقلق يا أبي.. "

"لا أصدق يا أدُولف!! من تلك ؟ في أي أمر أقحمت نفسك؟ جدتك قلقة وبالكاد أقنعناها ألا تلحق بكم للمشفى..المسكينة ظنتك مصابًا"

اكتفى أدُولف بإجابة مقتضبة على وعد أن يشرح كل شئ حين يعود للفندق..
*********
عاد الثلاثة قرابة الفجر بعد أن اطمأنوا أن لا خطر يهدد حياة نايدا.. فذهب يوجين للقاء والده وتحمل تبعات خطئه بينما وجد الشقيقان جدتهما على فراشها وقد جمعت والديهما حولها..
نظرت لهما بتدقيق ثم قالت:"أنا أموت هنا قلقًا وأنتما مع تلك الغريبة!!"

جزَ أدُولف على أسنانه ونظر لشقيقته لائمًا فقد كانت هي من اتصلت بجدتهما لتخبرها كل شئ .. توقع السبب فقد أرادت بلا شك أن تشاركها تحليل الموقف لتكشفا ما خلفه..

أضافت الجدة حين تمسكا بصمتهما:"لقد ظننت أن الحاجز كان يضمكم جميعًا وحين كُسر وقع الجميع.."

فتقدم أدُولف يقبل يدها مسترضيًا:"آسفون لإقلاقك يا هيلين.. أرجوك لا تسخطي علينا"

لكنها نفضت يدها بعيدًا عن قبضته وعيناها مثبتة على عينيه الشبيهتين بعيني ابنتها قائلة:
"ليس قبل أن تخبرني من هي الغريبة؟ومتى تعرفت إليها؟ولماذا كانت ترافقك اليوم؟ ولماذا رافقتكم يوم القارب؟"

دار أدُولف بعينيه بين الجلوس يستنجد بهم لكن زوي جاورت جدتها وقالت بمرح:"نعم أجب أسئلة جدتي.. وأخبرني كذلك أين اختفيت بعد العشاء؟"

نهضت ساندرا لتضع أطباقًا من الحلوى والمكسرات والفاكهة في متناول الجميع قائلة:"بما أننا لن نحظى بنوم في ليلتنا الطويلة فلنجعلها مسلية إذا.. هيا يا أدُولف ستحل محل جدتك وتقص علينا ما حدث معك"

وهل ما حدث معه بشئ يُقال؟!

أغمض أدُولف عينيه وقبل بمصيره كما يفعل عادة:"حسنًا..هذه إحدى ساكنات الضفة الأخرى..قابلتها منذ اليوم الأول في المهرجان"

لكزته زوي في ذراعه وعلقت :"يا خبيث!هذا يفسر اختفاءك تلك الليلة أيضًا"
زجرها بنظراته قبل أن يتابع:"إنها أجنبية لا تفطن شيئًا عن تعاملاتنا لذا طلبت مني أن أرافقها في جولتها"

كان شاكرًا لوالدته التي لم تحتمل الاستماع إلى قصته و تكلمت في هذه اللحظة لتقطع فرصة زوي في الحديث.. شقيقته الحمقاء لا تقنعها إلا الحقيقة وستودي به ليلاقي سخط جدته..

"سأحضر شيئًا نشربه بينما تتابع قصتك"

انصرفت ساندرا بعد جملتها فهي تمقت سماع القصص أيًا كانت وتراها مملة.. بينما طوى أدُولف ورقة مالية فئة الخمسين دولارًا ووضعها أمام زوي دون ملاحظة جدته..
فرفعت زوي حاجبيها بكبرياء وكتفت ذراعيها بمعنى الرفض.. ليطوي اثنتين أُخرتين بنفس الطريقة وأضافهما للأولى فجمعتهم زوي بسرعة وأسكنتهم جيب بنطالها وقد قبلت مساعدته في التهرب من أسئلة الجدة لكن هيهات أن يهرب منها..

"أبي..ألم تعدني أن تعلمني ركوب الأمواج؟يوجين يرفض تعليمي ويسخر من حبي للبحر"

كاد أدُولف يصفق إعجابًا بمهارة شقيقته..لقد نجحت في اختيارها..فأكثر ما تمقته جدته تمقت شغف والدهما بالبحر الذي يكاد يُذهب عقله..

بينما ابتسم آزاد وقال كأنه شاعر ينظر للطبيعة بعين عاطفته:"إنه مغفل..تلك الأمواج الزرقاء تحكم قلوبنا .. حتى أنها جعلتني أقع صريع هوى والدتك حبًا في عينيها الزرقاوين"

وتفاجئ بساندرا تحاوط كتفيه من الخلف وهي تسأل بمشاكسة:"فقط؟ عينيها فقط يا آزاد؟"

فقال وقد أرجع رأسه للخلف وثبتها على عينيها الزرقاوين المتوهجتين: "وقلبها المعطاء"

"فقط؟"

"وروحها الحلوة ... وجمالها الآخاذ .. "

ليحيا والديه! فجدته تكره إظهارهما مشاعرهما للعلن ..وهاهي انزعجت لتهتف بهم:"إلى الخارج! أوجعتم رأسي..أي ليلة تلك يا ربي؟"

وهكذا غادر الزوجان العاشقان لغرفتهما..ولحق بهما الشابان دون أن تُمكنهما الجدة من جمع الأطباق أو أكواب العصير..
ثم استغل أدُولف حالة زوي الهائمة بعشق والديهما ليهرب قائلًا:"ليلة سعيدة يا عزيزتي"

وسارع بإغلاق باب غرفته فاستفاقت زوي من شرودها ساخطة:"أفلت مني! كنت سأستجوبه بعد وأخيفه بلوحة حورية البحر.."

وتابعت بتوعد وهي تتجه لغرفتها:"سأعرف ما تخفيه يا أدُولف قريبًا ولن أرأف بك..وحينها سأخبر جدتي ولترني كيف ستنال سماحها؟!!"
*******
ما إن استيقظت زوي حتى طلبت الإفطار في غرفتها التي لازمتها ذاك النهار لتفكر..وكعادتها في التفكير استلقت على بطنها وأمسكت قلمها لتجسد ما رأته في الملاهي ..

قسمت لوحتها ثلاثة أجزاء لترسم ما حدث كأن عدسة كاميرا قد التقطت تطورات المشهد بالتتابع..
اللعبة تدور ونايدا تقفز منها كسَباحة تقفز في البحر..
ثم الحلقة التي رفعتها الساق لبعد شاهق من الأرض رغم هذا كبرت صورة أدُولف لتجعله جاحظ العينين يمد يده لإغاثتها ولكن بعد فوات الأوان..والقريبون منه كذلك تخشبت وجوههم لمرأى الحاجز المكسور..
وأخيرًا العامل يسرع بإيقاف اللعبة ناظرًا بفزع لنايدا المسجاة أرضًا..
طرق على باب غرفتها أخرجها من استغراقها في لوحتها لتجده يوجين يجر أمامه عربة الإفطار...
فرمشت بعينيها تحاول استيعاب ما تراه ثم قالت بمرح:"هل غيرت مهنتك؟.. أوووه..لا..لا تقل أن هذا عقاب والدك لك على ما حدث بالأمس"

"زوي أيتها الحمقاء..ماذا تقولين؟"
نهرها بسخط وكاد يضربها على رأسها كما يفعل عادة إلا أنها ابتعدت عن مرمى يديه ولكن ليس بالقدر الكافي فسرعان ما أمسك بشعرها الذي رفعته في هيئة ذيل حصان ليمنعها الهرب..

"زوي..أين أنت منذ الصباح؟"

قالتها جدتها وهي تدلف للغرفة لتجد هذا المنظر الغريب ...فابتسمت مخالفة توقع زوي وزجرت يوجين بصرامة زائفة:
"دع شعر خطيبتك يا فتى..ستُضعفه بهذه الطريقة ثم تعود لتشتكي كرجل لا يهمه إلا متعته"

أبعد يوجين يده لاإراديًا ..ووقف الاثنان متجاورين كجنديين يستقبلان قائدهما والجدة تدور حولهما كأنها تبحث عن منفذ لاختراق عقلهما ومعرفة ما يفكران به..
"إلى متى ستظلان غبيين وتخفيان مشاعركما؟"

شهقت زوي بصدمة وأجابتها:"ولكن يا جدتي..ألا يزعجك إظهار المشاعر للعلن؟حتى أن والديَ.."

قاطعتها الجدة ضاربة بعصاها الأرض:"والتظاهر بغير الحقيقة يثير غضبي يا حفيدتي.. ورائحة حبكما باتت تزكم أنفي ..فإلى متى الصمت؟"

فكرت زوي كيف تجد مخرجًا لهذه الورطة خاصة أن يوجين مسترخ ولا تعرف السبب...
فحركت يدها واستندت بها على كتفه قائلة بمرح لتخفي ارتباكها وتلهي جدتها : "لكننا لم نكتف بعد يا جدتي من الجنون..تعلمين فترة التعارف تكون مثيرة ملؤها المغامرات.. وما إن تعلنين الخطبة الرسمية حتى تطلبين تعجيل الزفاف.."

ونظرت ليوجين مبتسمة ثم تابعت:"لندع يوجين يعلنها في الوقت المناسب يا جدتي"

وكان ردها أكثر من كاف لتستريح الجدة وتجيبها مازحة:"جنون الخطبة ها!! فقط لا أريد أن أحمل الجيل الثاني من أحفادي قبل الزفاف"

ضحك يوجين بصخب ليشارك في المسرحية التي نالت إعجابه .. فأحاط خصر زوي الخجلة مما وصل لجدتها المبتهجة..وقال مجاريًا مزاحها الجرئ:
"سأكون حريصًا حتى تخبرني زوي أنها مستعدة للزفاف"

شاركته الجدة الضحك قائلة وهي ترفع هاتفها بغرض تصويرهما:"هيا ابتسما.. نعم هكذا..سأحتفظ بهذه الصورة كدليل على خطبتكما وأنتظر منكما تحديد موعد الزفاف قريبًا.."

وأضافت حين رأت أمارات الذهول على وجه حفيدتها:"أدُولف علمني كيف أستخدم الهاتف الذكي يا عزيزتي..بالطبع لن ألازم فراشي في آخر سنواتي وأترككم تستمتعون بالتكنولوجيا وحدكم..هيا..هيا..دعك مني والتفتي لخطيبك"

وغادرت الغرفة بخطوات أكثر خفة كأنها حققت أهم أهداف حياتها..ليعلق يوجين بمرح ويده تتجول على ظهرها بعبث:"هكذا أريدك دائمًا.. دعك من صيحات الموضة ولتكن صورة زفافنا أيضًا بقميص النوم اختصارًا للوقت والمجهود"

فانتفضت زوي من جواره كالملسوعة :"اخرج! هل تظنني لقمة سائغة أيها الذئب؟! اخرج"

ودفعته بغضب جهة الباب فدافع يوجين عن نفسه:"أقسم لك كنت سأطلب أن ترافقيني مع المهندس لتفحص الحاجز المكسور..جدتك هي من نبهتنا لوجودنا في غرفة النوم"

ثار غضبها أكثر مع جملته الأخيرة وأجبرته على الخروج مغلقة الباب.. وراحت تلهث كأنها في سباق مع مشاعرها التي نشطت بحديث الجدة وتدافعت للخروج..
راقبت صورتها في المرآة بقميص نومها الوردي الذي وصل بالكاد لركبتيها وحمالتيه الرفيعتين اللتين تستقران بصعوبة على كتفيها ..وللحق أنه أكثر ملابس نومها احتشامًا..

هذا النذل يوجين لا يشعر باحتراقها..تكاد تموت من انجذابها إليه ورغبتها باجتماعهما بينما يعبث هو مع صديقاته رافعًا شعار الحرية.. ثم يعود إليها ليزيد حسرتها..ها أنا أمامك ولكنني لست ملكك..قد أجالسك اليوم لكن غدًا يوم آخر!! هل هي محطة يستريح فيها من عبثه؟

وعند فكرتها الأخيرة رفعت هاتفها بتهور واتصلت به .. فأجابها مباشرة:"هل هدأت يا سيدة الأساطير؟ لا نريد تكرار مأساة إيكو.. إن كنت غاضبة نؤجل الفحص ليوم آخر..لا نريد المزيد من الخسائر"

"لا..لاداعي للتأجيل..سأتناول فطوري وأستعد..هل تنتظرني نصف ساعة؟"

لم يعترض يوجين لئلا يثير غضبها.. ولم يرى ابتسامتها الظافرة على الجهة الأخرى وقد أوحت لها معرفته بإيكو كيف تنقل إليه مشاعرها..
********
ركض أدُولف على الشاطئ بملابس السباحة وابتسامته تزداد اتساعًا.. ليست الحرية هي التسكع مع الفاتنات كما يقول يوجين..بل هذه هي الحرية.. لا أحد يتشبث به أو يطالبه بمشاركته حياته إلى الأبد..

رفع يديه مع ارتفاع صوت ضحكاته ثم قفز في البحر..فليسبح ويلهو كما يحلو له لن يضطر لحبس نفسه في غرفته أو تقييد راحته..

"شكرًا للرب.. آه..شكرًا للرب"
تمتم مبتهجًا وهو يتابع السباحة ثم استرخى على سطح الماء سامحًا للشمس أن تمر بأشعتها اللاهبة على وجهه وصدره.. إنه يوم الاحتفال بالحرية في عُرفه ولذا لابد أن تحظى كل الموجودات بحظها منها..
*******
بعد أسبوع ..
أحس أدُولف بشئ ناعم وطري ينضغط على ذراعه فتنهد باستمتاع مفكرًا أنها المرة الأولى التي يزوره فيها حلم محسوس ورائع كهذا..لكن الثقل الذي أُسند إليه وشعوره بأنامل عابثة تلامس بشرة وجهه جعله يفتح عينيه ليستطلع ما يحدث فقابلته مقلتين زرقاوين تلمعان رغم ظلمة الغرفة أعادتا له ذكرى كابوسه ..

فانتفض فزعًا وضغط على زر الإضاءة بجوار سريره بينما يسمع صوت تأوه وارتطام بالأرض..

واستحضر ذهنه فكرة واحدة إن كانت الحورية قد اختارته ليكون رفيقها فلاشك أنها هذه المرة جنية قررت إخضاعه لسيطرتها.. يال حظك العثر يا أدُولف!! ضاعت هيبتك إلى هذه الدرجة! الإناث صرن يفرضن سطوتهن على حياتك..

التفتت متوجسًا ليجدها نايدا بفستانها الفضي الذي تركها به قبل أسبوع..
فارتفع حاجباه بتساؤل صامت سرعان ما أجابته نايدا وهي تنهض لتجاوره على السرير:"قال الطبيب أنني صرت بخير ويمكنني العودة للمنزل"

ثم مدت يدها تلامس وجهه بشغف قائلة:"اشتقت إليك"

لقد صدقت جدته هذه المرة أيضًا..للحوريات قدرة فائقة على الشفاء والتئام الكسور..وهو كالمغفل طار فرحًا بتخلصه منها ولم يتخذ احتياطاته للحظة كهذه..

أمسك يدها بحزم وأبعدها عن وجهه قائلًا:"إنك تخلفين اتفاقنا الآن يا عزيزتي.. عليك إقناعي بحبك وليس إجباري "

ارتسم الأسى على ملامحها وقلبت شفتيها كأنها ستبدأ البكاء لكنها تمالكت نفسها ورفعت إليه عينيها المغرقتين بالدموع المحتجزة اللتين تعلوان ثغرها الباسم قائلة برجاء:
"لن أخل باتفاقنا..لكن اسمح لي أن أبيت هذه الليلة هنا في غرفتك... سأستلقي على تلك الأريكة ولن تشعر بوجودي"

وأسرعت باتخاذ وضعية مريحة على أريكته مشيرة للمسافة بينهما كأنها تغريه بالقبول..
ليغمض عينيه دون أن يجد سببًا يتعلل به لرفض طلبها فاكتفى بأن أدار وجهه حانقًا وأطفأ الضوء..
لو أنها تملك القدرة على قراءة دواخله لعرفت قدر تأثره بها ورغبته بالانسياق خلف رغباتها..لكنه يقاوم ويُحكم عقله للرمق الأخير خشية العواقب التي لقنته إياها الجدة مرارًا..لذا كان سخطه الأكبر على نفسه التائقة إليها قبل أن يكون عليها..
*********
صباح اليوم التالي..
استيقظ أدُولف ليجد أصواتًا مكتومة تصل لمسمعه حيث نام مديرًا ظهره لنايدا فالتفت يستطلع ما تفعله ليجدها في صراع مع فستانها تجاهد لتصل لسحابه الخلفي..
ورغم أنها ضاقت به ذرعًا إلا أن محاولاتها استمرت متمتمة:"لا يجوز أن أفسده ككل مرة ..ستغضب أفروديت مني ولن أستطيع مراضاتها"

تنحنح يلفت انتباهها لاستيقاظه ثم قال:"ألم تعلمك أفروديت أنه لا يجوز تبديل ملابسك أمام الغرباء؟!"

رمشت بعينيها المغويتين وأجابته متقدمة جهته بخطوات شعر بصداها في قلبه المتلهف الذي يتوق لاختراق صدره والركض إليها:"لكنك لست غريبًا يا أدُولف...إنها أيام معدودة وتكون رفيقي الدائم"

أجابها قلبه : ( بل اليوم..لا أريد الانتظار بعد )
أما هو فقد سارع لحمام الغرفة ليخرج من نطاق سحرها بأمر من عقله.. لكنها لم تعتقه فلحقت به وطلبت بوداعة أسرته:"هلا ساعدتني في أمر هذا السحاب
العالق ؟"

استدارت مزيحة شعرها البهي وتركت له كل الوقت حتى استعاد بعضًا من شجاعته وفك السحاب كاشفًا عن بشرتها البيضاء.. ضعت وهلكت يا أدُولف!!

ودون كلمة دلف للحمام مغلقًا الباب خلفه ليستعيد أنفاسه التي حبسها حتى أتم مهمته الخطرة.. إنه يشعر برائحتها تملأ الغرفة وكأنها أودعتها جزءًا من روحها الفريدة..

بينما كتمت نايدا ضحكتها بصعوبة وارتدت الفستان الذي أحضره لها ذات ليلة ونسى استرجاعه..فوجدته مدفونًا في رمال الشاطئ لحسن الحظ كأنه بانتظار عودتها.. فليستعد أدُولف لأنه لا مفر له من شباكها!!
********
وصل يوجين للممر الذي يضم غرفة زوي وأدُولف فوجد زوي تخرج من غرفتها في هذه اللحظة كأنها استشعرت وجوده بفستان برتقالي يصل لكاحليها و تتدلى أكمامه محيطة بعضديها كاشفة عن كتفين من المرمر وعظمتي الترقوة البارزتين بشكل جذاب..كما جمعت شعرها كذيل حصان بدبوس برتقالي يشبه صدفة بحرية ..
تحركت جهته مبتسمة لكن عينيه تعلقتا بالشق الخادع الذي كشف عن بشرة ساقها البرونزية حتى ركبتها..
فشعر بالغيظ وهو حاله مع أغلب ملابسها التي تظهر الاحتشام الخادع..لذا لم يتمالك نفسه وعلق بضيق:
"من أي مكان ابتعت هذا الفستان؟لقد غفلوا إتمام حياكته يا عزيزتي.."

ضحكت زوي دون اكتراث وأجابته:"أعرف ما يختبأ خلف جملتك الحانقة..أنت معجب بذوقي! "

دارت حول نفسها وأضافت:"اشتريته منذ يومين من المول التابع للفندق مع دبوس الشعر..أرجوك لا تكتم داخلك وأخبرني رأيك صراحة.."

واستطردت بخبث:" سأساعدك في إطلاق سراح مشاعرك.. اشتريت دبوس الشعر هذا بالتعويض الذي نلته منك"

اتسعت حدقتي يوجين وهو يستمع لما تقوله.. هل صحيح ما وصل لإدراكه؟! دبوس الشعر عديم الجدوى هذا بمائة وخمسين دولارًا..

تراجعت زوي وقد شعرت أنه سيدق عنقها في هذه اللحظة! وقالت في محاولة لتهدئته:"إنه من النحاس الخالص المطعم بالأحجار الكريمة. .."

ثم انتبه الاثنان لأدُولف الذي فتح باب غرفته بتردد وارتسم الضيق جليًا على ملامحه حين وجدهما بانتظاره..

ليتضح لهما السبب حين خرجت نايدا المبتهجة حد المبالغة من خلفه ورحبت بهما..
صفر يوجين وهتف بصديقه:"أووووه..صديقي الذئب..هكذا تخون العشرة وتستمتع وحدك .. يا رجل أليست وجبة كبيرة بعض الشئ ؟! كان عليك أن تقاسمني إياها"

انتفخت أوداج أدُولف واحمر وجهه غضبًا من تعليقه وما زاد سخطه إجابة نايدا الساذجة:"أي وجبة!! لكنني شاركته غرفته طوال الليل ولم أره يأكل"

بينما تلقى يوجين لكمة من زوي التي زجرته قائلة:"دعك من السخف.. انظر إنها تقف على قدميها بأريحية وتتحرك بشكل طبيعي بعد قفزتها الانتحارية "

فأجابها:"وترتدي فستانك"

نظرت زوي وإذ به فستانها الزهري الذي تحبه..وقد ناسب نايدا تمامًا بأكمامه القصيرة التي تغطي بالكاد الكتفين وحافته التي تنتهي بتدرج فتكشف عن إحدى ركبتيها بينما تغطي الأخرى وتجاوزها ببضعة سنتيمترات..

ضاقت عيني زوي ونظرت لشقيقها تطالبه التفسير.. بينما هتف أدُولف بصديقه: "هلا كلفت أحدًا بإصلاح باب غرفتي؟"
مشيرا للباب غير محكم الغلق وناظرًا لنايدا بحنق في إشارة واضحة أنها الفاعلة...
وبصمت تام سحبت زوي شقيقها وجرته من ذراعه كمتهم سيعرض على المحكمة لتلقي العقوبة التي تناسب أفعاله..
كادت نايدا تلحق بهما إلا أن يوجين حال دون ذلك قائلًا:"صدقيني لن تحبي تجربة غضب زوي"

********
مطت هيلانة شفتيها وأردفت حانقة :
"ذهب لاستعجالهم ..ليته لم يذهب!!"

ربتت ساندرا برفق على ذراعها قائلة:"لا بأس يا حبيبتي.. إنها العاشرة صباحًا بعد ..تناولي العصير ريثما يجهز الإفطار ودعك منهم"

ولم يفلح قول ساندرا في إرضائها..فرسم آزاد البسمة على وجهه وداعبها قائلا: "إننا مضطرون لانتظارهم حتى يكتمل الفريق وتكون اللعبة مسلية..لكن ما رأيك حين يأتون نهزمهم شر هزيمة ونفرض عقوبة قاسية عليهم ؟"

ابتسمت في إشارة لقبولها اقتراحه وأجابته:"سأنسى أنهم أحفادي وأنتقم منهم"

وضربا كفيهما ببعض بحماس مما دفع ساندرا لتعلق بمنطقية:"أشعر أن اللعبة المختارة في النهاية ستكون شد الحبل!! لقد طلبت اجتماعًا صباحيًا يا أمي كأنها الحرب"

لم تجبها والدتها إنما خاطبت آزاد المبتسم:"هل طلبت منك إيقاظ زوجتك.. لا أدر لمَ لمْ ترث خفة دمي وحبي للمرح والانطلاق؟!.. نعم أردت أن أقضي يومي برفقة أحفادي ومشاركتهم ألعاب قد تكون سخيفة.. وإن لم يرق لك الأمر بإمكانك استكمال نومك أو المساعدة في تقديم الإفطار"

استشعر آزاد حدة صوت هيلانة وتوتر الأجواء فأراد تغيير الموقف بمرحه الدائم وأردف:"أفضل الأخيرة...يليق بك أن تعتني بمن حولك يا حبيبتي..وربما يكون التدليك أحد الخدمات التي تقدمينها لنزيل معجب مثلي"

ابتسمت ساندرا وجارته فيما يفعل فنهضت لتقف خلفه واستندت إلى كتفيه برقة قائلة:"لا أعرف توجيهات رئيس الطباخين ولكنني أحفظ توجيهات قلبي الذي تقيم به..لك كل المزايا والعطايا يا ساكن قلبي الأوحد"

زمجرت هيلانة تنبههما لوجودها ثم ما لبث الثلاثة أن انتبهوا ليوجين الذي تقدم منهم مع نايدا !!
*********
في الآن ذاته أنهى أدُولف سرد قصته قائلا:"وتلك هي الحقيقة كاملة .. "

ثم ركع أمامها بمرح متابعًا:
"وإنني ألتمس من سيادتكم العفو والسماح .. والتماس الأعذار لشخصي الضعيف ولا بأس إن دفعت عني أذى الجدة الشرسة"

ضحكت زوي واحمرت وجنتيها إذ تخيلت أن يفعل يوجين المثل...حتى أوشكت أن تطلق صيحاتها المتحمسة الفرحة بمجرد التخيل فكتمتها بالكاد وجذبت شقيقها من يده ليقف من جديد حتى تستعيد صفاء ذهنها...

ثم قالت:"هل تدرك عاقبة التورط في علاقة مع نايدا؟ إنني مولعة بالأساطير وأشعر بالحماسة حين يقع ما يشابهها..فما بالك بأن تتحقق الأسطورة بحق!! لكن بعد كل شئ جدتي تحذرنا لأنها ترتجي صالحنا"

اعترض أدُولف:"ربما توجد فرصة للنجاة"

"هل أحببتها؟"

تظاهر أدُولف بالانشغال في تفحص إحدى كتبها ليتهرب من إجابة سؤالها الملغم.. ثم أردف :"منذ متى تحتفظين بكتب كهذه؟ جريمة قتل يا زوي؟!!"

"إنه صديقك المزعج..أعطاني إياه بالأمس..يقول أن علي أن أجد ما يشغلني وأتوقف عن إعمال عقلي فيما لا يفيد..يصفني بفراغ العقل هذا الأبله!!"

وكأن أدُولف قد انعزل عنها بعالم آخر فلم يصل لسمعه ما تقول وكل إدراكه وكيانه التفت لما يقرأ إذ يصف المشهد الذي تعلقت به عيناه صدفة شعوره الحارق تجاه نايدا..
(وفي الليلة التي نسى كلاهما عددها من تاريخ لقاءاتهما المتتابعة وجد "جيف" روحه تهفو إليها ..يشتهي قربها.. نسى اللعبة وحياتهما التي على المحك وعانقها باثًا إياها لواعج نفسه ....)

تطلعت زوي لما يشغله عنها وعادت للإحمرار قبل أن تسحب منه الكتاب حانقة وتهذر بارتباك:"ما الذي يعينه إهداء أنثى لطيفة مثلي كتابًا يحمل عنوان (في الوقت المحدد) وغلافًا مغرقًا بالدماء كهذا؟"

فغمزها أدُولف عابثًا وقد أدرك خجلها الذي تدرايه بصراخها:"زوي اعترفي!! قرأت الكتاب وحفظت هذا المشهد خصيصًا أليس كذلك؟"

تعرقت زوي وقد أصاب عين الحقيقة بقوله فدفعته أمامها قائلة:"تأخرنا هيا..لابد أن جدتي تنتظرنا"

طاوعها لخطوتين قبل أن يلتفت إليها سائلًا:"ترى من كان بطل أحلام يقظتك يا شقيقتي العزيزة؟!!!"
**************
"الشكر للرب على نجاتك يا ابنتي..هل كانت المرة الأولى التي تذهبين فيها للملاهي؟ إلى الآن لم يتضح سبب انكسار الحاجز ولكنني سمعت البعض يؤكد أنك قفزت بإرادتك "

هكذا بدأت جدته التحقيق..فشكرأدُولف الرب أنه وصل قبلًا ليتسنى له التدخل عند اللزوم..
"شكرًا لك يا سيدتي.. نعم كانت المرة الأولى ولكن ما حدث هو أنني انجذبت للأرض لاإراديًا حين كسر الحاجز..وهذا منطقي لأن...أدُولف!"

كاد أدُولف يشد شعر رأسه من سذاجتها..تستغيث به علنًا أمام الجميع!!

نظر للمحدقين به ومد يده يلتقط الخبز المحمص المغموس بالزبدة من يدها قائلًا بسخافة في محاولة لتبرير فعلتها:"ألا تسألين أولًا؟ أعرف لا تحبين الزبدة "

وقرب طبقًا آخر إليها:"تناولي هذا ..أعرفك تحبين المأكولات البحرية"

لم تجادله كعادتها لحسن الحظ.. فالتقط أدُولف أنفاسه الضائعة لكن ما لبث الأدرينالين أن وصل حده الأقصى في جسده حين سألت جدته من جديد:
"ألم يكن يلزمك البقاء في المشفى لوقت أطول؟ كيف تسيرين هكذا دون عكازين؟ أي طبيب هذا الذي سمح لك بمغادرة المشفى؟"

واعترفت نايدا بعفوية:"لم أفهم أنا أيضًا ما حدث..حين وضع الطبيب الجبيرة حول ساقي ومنعني من مغادرة فراشي في المشفى قال أنني قد أحتاج شهورًا لأستطيع السير من جديد..وبالأمس فحصني طبيب آخر واستغرب أنني لاأزال محتفظة بجبيرتي وسمح لي بالخروج"

نهضت ساندرا تصب العصير للجميع بينما تقول:"دعي الفتاة لشأنها يا أمي.. وهيا أخبرينا اللعبة التي سنستمتع بها طوال النهار على حد قولك"

فأعرض الجميع عن نايدا مؤيدين ساندرا مما أشعر هيلانة بالزهو وجعلها تنصاع لرغبتهم قائلة:"لاشئ.. رأيت منذ يومين مقالًا عن لعبة مناسبة للشاطئ وأردت تجربتها معكم..لكن أولًا سنعد هذه البالونات ونملأها بالماء"

اتسعت حدقتي أدُولف حين فهم مقصدها وقال مداعبًا:"ياللعقاب القاسي يا هيلين!! هل ستطلبين تفجير البالونات على ظهر الخاسر؟"

أومأت هيلانة وأوضحت:"نعم هكذا تمامًا..سنلعب (الصراحة أم الجرأة) ومن يمتنع عن إجابة السؤال أو تنفيذ ما نطلبه منه سيتعرض للعقاب "

علق آزاد بخوف مصطنع:"هذه اللعبة تتناقض مع هيبتي يا هيلين..كما لا يجوز أن أتلقى العقاب أمام أولادي"

لتجيبه هيلانة بمشاكسة:"ولهذا جعلتك ضمن فريقي يا آزاد.. سنتعلل بكبر سننا ونجبرهم على تلقي العقاب بدلًا منا"

ثم مطت شفتيها بامتعاض وأضافت:"خاصة أنني ساخطة عليهم .. وأنت كذلك يا نايدا إن أردت مشاركتنا اللعبة ستكونين من الفريق المعاقب"

فأجابتها نايدا بوداعة:"سأكون حريصة على إجابة السؤال إذا لئلا أتلقى العقاب"
بعد دقائق..
رفع النادل الإفطار وعاد أدُولف ويوجين بصندوق البالونات المملوءة بالماء..
ثم تحلق الجميع حول منضدة صغيرة وضعت عليها زجاجة الماء البلاستكية التي أدارتها هيلانة قائلة:"أنا من سيبدأ..إنه أنت يا يوجين..الصراحة أم الجرأة"

حك يوجين مقدمة شعره مجيبًا بمزاجه العابث:"الجرأة"

ابتسمت هيلانة وسألته بمكر:"أترى تلك الشقراء هناك؟ "

فأومأ يوجين بتأكيد:"أراها!! بل إني لا أبصر غيرها الآن"

"هيا إذا اذهب لتقبيلها"
ضحك يوجين ملئ شدقيه بينما نهضت زوي وصاحت معترضة:"كيف تطلبين شيئًا كهذا يا جدتي؟ إنه..هل يجوز التطفل على الناس بهذه الطريقة؟"

بررت بجملتها الأخيرة اعتراضها الأهوج الذي جعلها محط نظراتهم المستغربة وبالأخص يوجين الذي يناظرها الآن بتسل ويكاد يخرج لها لسانه مغيظًا..

وأخيرًا رحمها من غيرتها المشتعلة رافضًا اقتراح الجدة:"آسف.. ولكنني أفضل العبث بعيدًا عن الأنظار"

فاشتعل غضب زوي لتمسك إحدى البالونات وتفجرها على ظهره قائلة:"جدتي لم تحدد عدد البالونات!!"

وكررت فعلتها بقوة أشد..ليهتف بها يوجين :"برفق يا زوي.. إنها مجرد بالونات لا داعي لاستخدام القوة"

وقد ضحكت الجدة حتى شبعت ضحكًا متسلية بسجالهما الذي تنوي إثارته كل حين حتى يستسلما لطلبها..

وبعد خفوت ضحكات الجميع و خفوت جذوة غضب زوي قالت الجدة وهي تدير الزجاجة من جديد:
"وبما أن يوجين خسر الجولة سأكرر اللعب "

أشارت الزجاجة لآزاد فسألته:"الجرأة أم الصراحة؟"

"الصراحة بالطبع...فالجرأة غير محمودة العواقب "

ضحك الجميع من تعليقه بينما تابعت الجدة بخبث:"حسنًا متى كان أطول خصام حدث بينك وبين ساندرا ؟ وما سببه؟"

"ساندرا إنها مكيدة من والدتك للإيقاع بنا فاحترسي وابقي هادئة.. أريد قضاء اليوم معك بعد"
نبه آزاد زوجته بمرح قبل أن يصمت لثوان مفكرًا ..
ثم قال:"كان أدُولف وزوي في رحلة تابعة للجامعة وقد أعددنا الخطط لقضاء عطلة رائعة في الأربع ليال التي يقضيانها خارج المنزل"

لم تتمكن هيلانة من كتم ضحكاتها المستمتعة فعاتبها آزاد:"كم تحبين المكر يا هيلين!! تضغطين على مواطن ضعفنا بلؤم"

بينما علقت زوي بصدمة:"خصام بينك وبين أمي! لا أصدق يا أبي! وماذا حدث بعدها؟ أخبرنا"

وأجابها أدُولف:"وماذا ظننت؟ الحياة لا تسير على وتيرة واحدة يا زوي.. كما أنني واثق أن هذا الخصام زاد من عمق حبهما ولم يضعفه مطلقًا"

ربت آزاد على كتف ابنه مستحسنًا قوله ثم تابع:"أصرت والدتكما على شراء وجبة الغداء من أحد المطاعم..فطاوعتها.. وزادت في إصرارها أن تذهب لإحضار الطلب بنفسها لئلا تتعب عامل التوصيل.."

أدارت ساندرا وجهها مبتسمة حين تابع زوجها:"لم يكن الطريق للمطعم يستغرق أكثر من ربع ساعة ولما تأخرت والدتكما ساعة كاملة كما أن عامل التوصيل أوصل الطلب خلالها..استبد بي القلق فخرجت من المنزل بحثًا عنها وحينها رأيتها تكاد تدهس عجوزًا بغير انتباه... والحمدلله مرت الحادثة بسلام وتفادت الاصطدام وحين واجهتها بخطئها ثارت علي.."

قاطعته ساندرا مدافعة عن نفسها:"قضيت هذه الساعة في صالون التجميل لأجلك.. بينما أنت قابلتني بهذا الجحود لأجل حادث عارض مر بسلام "

حك آزاد مؤخرة رأسه وقال مؤثرًا السلامة:"لا يزال الأمر عالقًا بيننا كما ترون.. وعلى كل فقد تدمرت خططنا وقتها وقضت ساندرا فترة غيابكما عند والدتها تنعي حظها في زوج ظالم مثلي.. وفي النهاية ذهبت لمصالحتها صاغرًا"

ربتت هيلانة على ذراع آزاد الذي رسم على ملامحه الأسى كأنه يشتكي ظلم ابنتها ومدت له الزجاجة قائلة:"فزت بجدارة يابني.. يكفي أنك تحتمل قسوة ابنتي وتجبرها.."

تعلقت عيني آزاد بنظرات زوجته المحذرة فقال بتوتر مفتعل:"ساندرا بلسم حياتي يا هيلين..لا تقولي غير هذا"

فأثار ضحك الجميع وعلق يوجين:"هل تقول أن الخصام زاد عمق حبهما أم عمق خوف عمي آزاد؟!"

لكزته ساندرا المجاورة له بمرفقها وحدقت به بنظراتها المحذرة فسارع لسحب قوله:"هل هناك من لا يحب هذه النسمة اللطيفة؟!"

تنحنح آزاد ليلتفت إليه الجميع قائلا:"والآن دوري لطرح الأسئلة..ولن أرحم أحدًا يا سادة"
أشارت الزجاجة لساندرا فتابع:"أووبس..زوجتي العزيزة هل تختارين الجرأة أم الصراحة؟"

أسندت ساندرا ظهرها لمقعدها وأجابته:"الصراحة كما تعلم فهي عنوان حياتنا"

برقت عيني آزاد وسألها بقصد:"كم مرة أخذت من مصروف البيت لشراء أغراض غير ضرورية؟"

ارتبكت ساندرا وناظرته بلوم على سؤاله هذا أمام الجميع بينما نهضت زوي ووقفت متخصرة هاتفة بوالدتها:"ورغم هذا ترفضين إعطائي المال يا أمي وأنت تفعلين المثل"

اغتاظ يوجين فنهض يدير زوي قائلا:"أريهم آخر ما اشتريت يا عزيزتي..هذه التي تجمع بها شعرها بمائة وخمسين دولارًا..كأنها اشترتها من المزاد العالمي لتكون بهذا السعر"

"اشتريتها رغم أنني منعتك يا زوي!"

"صدقيني يا أمي..يوجين هو من دفع ثمنها..لذا ترينه غاضبًا هكذا"

تنهدت ساندرا بارتياح وأجابتها:"لا بأس..ولكن احترسي فقد يقتلك قبل أن يفيق من أعراض الصدمة.."

وخاطبت زوجها:"أترى ما أجنبك إياه يا حبيبي؟ لا داعي لتعرف أشياء قد تضرك معرفتها"

وعلى مضض عاد يوجين لمقعده وهو يتوعد زوي بالويل والثبور خاصة وهو يتحسس ظهر قميصه المبلل إثر جنونها..
بينما سحبت ساندرا الزجاجة من يد زوجها بطفولية قائلة:"لم أجب سؤالك ورغم هذا أنا الفائزة"

فتركها لها آزاد دون اعتراض قائلًا:"سأنال منك فيما بعد يا عزيزتي.. لنرى كيف ستهربين من بالون سخطي الذي تزيدينه يومًا بعد آخر؟

ضحكت ساندرا من تهديده فهي تعرف تمامًا كيفية تفجير هذا البالون ليتلاشى كأن لم يكن.. وأدارت الزجاجة فوقفت بين أدُولف وزوي لذا سألتهما معًا:"ما شعوركما تجاه يوجين؟أرى أن رفقته باتت مملة وعلينا التخطيط للتخلص منه"

وافقها الاثنان ضاحكين بينما أشار لهما يوجين بيده كأنه يستعد لإطلاق الرصاص عليهما..
وعلقت هيلانة:"أي سؤال هذا يا حبيبتي؟ دعك من مشاعر زوي فهي واضحة للعيان.."

رمشت زوي بارتباك وتطلعت في وجوه الجميع الذين لم يتأثروا بهذا التصريح كأنها الحقيقة الوحيدة في الكون...ثم خطفت نظرة ليوجين فوجدته يتطلع إليها بدوره متفحصًا .. بالطبع فهو المغفل الوحيد الذي لم يدرك بعد حقيقة شعورها تجاهه!
وتابعت الجدة كقناص يجيد إصابة ضحاياه في مقتل:"أما عزيزي أدُولف يلزمه سؤال آخر:ما شعورك تجاه نايدا؟"

وأخيرًا انتبه أحدهم إليها..فكرت نايدا بسخط حين سمعت سؤال الجدة فهي منذ بداية اللعبة تنتظر دورها بشغف وقد فرضت عليها الأجواء العائلية الصمت رغمًا عنها..

نظر أدُولف لنايدا بارتباك قبل أن يجيب جدته معترضًا:"لا..لا أقبل يا جدتي..لقد أجبت سؤال أمي ..إنك لا تتقيدين بشروط اللعبة هكذا"

وأردفت نايدا بحماس:"اسأليني أنا ..أنا"

ضحكت الجدة هنيهة كأنها تعطيها فرصة للتملص من قبضتها..لكنها نايدا الساذجة سلمت رقبتها دون دراية للجدة التي سألتها:"الجرأة أم الصراحة؟"
رمشت نايدا وقد توقعت أن تسألها عن مشاعرها تجاه أدُولف وهذا ما أرادت التصريح به للعلن..لذا صمتت لثوان تستوعب سؤالها وأجابتها:"الجرأة بلا شك"
فسألتها الجدة بهدوء :"أتعرفين السباحة؟"
قطبت نايدا بصدمة وشعرت بالإهانة من سؤال كهذا..فصاحت تجيبها:"إن البحر موطني!"

نظرت زوي لشقيقها الذي تنهد براحة حين ظن الجميع أنها مجرد إجابة مجازية لا تحمل معناها الحقيقي بأي شكل من الأشكال.. وسرعان ما انتفض حين طلبت الجدة:"إذا اقفزي في البحر ولنرى هل تحتملين كتم أنفاسك لدقيقة كاملة تحت الماء؟"




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 01:09 PM   #8

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي





الفصل الخامس

ضحك أدُولف بسماجة وبادر جدته قبل أن تقبل نايدا تحديًا كهذا وتفضح أمرها للجميع:
"بربك يا هيلين!! هل هذا أمر معقول؟!..."

وأردفت زوي تعزز موقف شقيقها الضعيف أمام جبروت جدتها :
"ألا ترين أنها استعارت فستاني يا جدتي؟ إذا تبللت ملابسها الآن ستضيع جلستنا اللطيفة هذه في عبور الضفة الأخرى إلى منزلها"

بينما ضيقت نايدا عينيها وناظرت الاثنين بحيرة محاولة فك طلاسم ما يقولون لتفهم سبب ممناعتهما مشاركتها في اللعبة..

وأومأ أدُولف بقوة يساند رأي شقيقته مازحًا:"تعرفين كم تحب زوي فستانيها ! أؤكد لك انها تخاف الآن على فستانها أكثر من خشيتها على نايدا"

"صباح الخير"
حياهم والد يوجين قاطعًا الطريق على هيلانة التي لازالت تناظر حفيديها باستغراب فالتفت الجميع إليه يرحبون بوجوده..
وتابع السيد إلياس:" سننطلق في جولات على ظهر اليخت لمدة أسبوع وأردت أن تكونوا من أفراد الفوج الأول..هذا إن لم تكن لديكم خططًا أخرى لقضاء اليوم؟ "

رحبت الجدة باقتراحه قائلة:"فكرة رائعة..هذا أفضل ما قد يجعلنا نجتمع طوال النهار دون ملل"

وافقها السيد إلياس مضيفًا:"بالتأكيد يا سيدتي..الآن سأترككم لترتيب أغراضكم ونجتمع بعد نصف ساعة عند مرسى اليخت"

أشار ليوجين ليلحقه ... فنهض يوجين مستئذنًا الجميع ومر بزوي مفجرًا إحدى البالونات على ظهرها بصيبانية..والتفت لها يغيظها بإخراج لسانه قبل أن يسرع للحاق بوالده..

أطلقت زوي سُبة خافتة وهي تتحسس ظهرها المبلل قبل ان تلتفت لوالدها الذي نهض مع والدتها لتجهيز الأغراض ولحقت بهما الجدة متباطئة..
وشعرت بشقيقها يلتقط أنفاسه براحة قبل أن يطبق على كفها كأنه يخبرها عن كم التوتر الذي شعر به قبل لحظات..
وما لبث أن غادر بدوره ليتركهما تناظران بعضهما بروية وفضول..
*********
سار أدُولف خلف والديه وجدته عائدًا للفندق وفجأة وقفت جدته والتفتت إليه... فتوقف أدُولف لوهلة بدوره قبل أن يتابع سيره حتى وقف مقابلها تمامًا مرتبكًا من نظرات عينيها التي تسأله الإفضاء بحقيقة ما يحدث..

"أريدك في حديث خاص ريثما تساعدني في تجهيز أغراضي للرحلة.."

أومأ أدُولف مبتسمًا:"وأنا تحت تصرفك يا عزيزتي"

بعد دقائق...
ضحك أدُولف وجدته تقذف جهته أنواعا مختلفة من الشوكولا والحلوى والهمبرجر...
"تبدين كطفل ينفق مصروفه على ما لا يرضي والديه..لم تحتفظين بكل هذا المخزون؟"

زجرته هيلانة بعينيها قبل أن تقرر الاعتراف فجاورته في جلسته حيث تربع على فراشها لوضع أغراضها الثمينة في حقيبتها:"والدتك رغم انشغالها بوالدك وانصرافهما عنك أنت وشقيقتك إلا أنها لا تدخر جهدًا للتضييق علي وتمنعني من تناول ما أريد بناء على توصيات الطبيب الخرف الذي يتابع صحتي"

ظهر العطف في عيني أدُولف مصحوبًا بالتسلية رغمًا عنه فهذه المرة الأولى التي يرى جدته في موقف ضعف ..فعوضًا عن فرض سيطرتها هناك من يحكمها ويقيد رغباتها..

فرفع يدها يقبلها راجيًا بصدق:"ليُقدر لك عمرًا مديدًا تعيشينه بالصحة والعافية يا جدتي.."

لمجرد تخيل أن يصيبها مكروه دمعت عينيه فتابع يخرج نفسه من هالة التأثر بعاطفته نحوها:"تحتاجين لوقت طويل بعد لتنفذي مخططاتك بشأننا"

ضحكت هيلانة وضمت رأسه ليتوسد صدرها قائلة:"أتذكر الكتاب الذي أحتفظ به في مكتبة والدك ..الذي يضم كل الأساطير عن حوريات البحر"

ابتسم أدُولف وأجابها متنعمًا بدفء حضنها:"وهل يمكنني نسيانه أبدًا يا جدتي؟ لقد حرصت على غرس قصصه في عقولنا.."

قاطعته هيلانة بجدية رافضة تناوله الأمر بشكل هزلي:"بالطبع كان لزامًا أن أفعل ألم ينقل إليكما والدكما هوسه بالبحر ؟..والآن أنصت إلي لأنني لم أخبرك بأهم ما جاء فيه"

ورفعت رأسه عن صدرها لتتطلع في عينيه ..ترقب بدقة رد فعله مع قصتها :
"في أحد الأزمان ظهر شاب مقدام عزم على مقاومة المحتوم وإنجاح علاقته بحورية البحر..وكان له ما أراد في البداية:
تزوج الحورية وأنجب منها صبية
واعتزلا الوجوه الإنسية
في أحد الشطآن المخفية
ومضى بهما العمر حتى كبرت الصبية
لتحذو حذو أمها الحورية
وصار الشاب يراقب لمعان ذيلهما بكرة وعشية"

تصاعد توتر أدُولف مع تحديق جدته خاصة حين تابعت ترفع صوتها منذرة بالخطر:"حتى كشفتهما العيون
في ليلة دون نجوم
واحتجزت الحورية مع ابنتها
بعدما شهدا مقتل رجلهما"

تنهد أدُولف ليحرر وجهه من قبضتها ثم باشر بجمع أغراضها قائلًا:"هل تظنين يا جدتي أن الحورية قادرة على سلبي تفكيري العقلاني المتزن؟"

"بل أنا واثفة يا أدُولف..تلك المخلوقات تجلب الدمار يا بني.. إما تهلك على يديها أو على يدي الطامعين بجمالها"

وأخيرًا مازحها أدُولف ليصرفها عن متابعة حوار كهذا قد يكشف أمره:"أعدك يا جدتي إن قابلت الحورية وعشت معها مغامرة عاطفية لن أتزوجها حتى لا تكشفنا العيون وأُقتل فيما بعد"

ضربته هيلانة بعصاها ساخطة:"هذا ما فهمته من القصة فقط يا مختل!! اخرج من غرفتي ولا تظهر أمامي لبقية النهار.."

ولحقته بعصاها حتى باب الغرفة فخرج أدُولف متأوهًا رغم ضحكاته التي لم يستطع السيطرة عليها وصاح عندما صار بعيدًا عن مرمى ضرباتها:
"إن أردتنا أن نتزوج فسأكون حريصًا أن أجعلها توقع عقدًا بشروطك يا عزيزتي"

لم تجبه الجدة سوى بصفع باب غرفتها في وجهه فضحك بينما يأخذ طريقه لغرفته.. لكن في اللحظة الأخيرة غير وجهته إلى غرفة شقيقته ومضى بتصفح ما أحضرته معها من كتب لسبب لا يعلمه..
فلم يكن يوما عاطفيًا أو من هواة القصص كزوي.. لكن وجود نايدا في حياته حوله بالكامل إلى رجل يرفض حكم عقله ويريد بشدة وصالها!!
وليتها حرب عادلة!!
***********
"حسنًا..عرفت حديثًا أنك حورية بحر حقيقية ... "
قطعت زوي هالة الصمت التي أحاطت بهما..ثم ضحكت بارتباك وهي ترى تطلع نايدا إليها بفضول:"نحن البشر نراكم أسطورة تتحاكى بها الكتب..لذا من الصعب تصديق حقيقة وجودكم"

ثم اكتست عينيها بالمكر الذي لا تفتقر إليه رفيقتها وتابعت:"والآن أخبريني بالتفصيل ما هي مخططاتك للإيقاع بشقيقي؟"

حركت نايدا مقعدها لتصبح على مقربة منها وسألتها:"يعجبني ذكاءك... لكن هل تظنين أن شقيقك العابس الذي ينظر إليَ كحمل ثقيل يمكن أن يلتفت إليَ؟"

أدُولف لم يلتفت إليها!!!! مطت زوي شفتيها بسخرية وقالت:
"إذن فأنت لا تثقين بنفسك كفاية..أنصتي إلي...هل تحفظين السر؟"

التمعت عيني نايدا وتذكرت أدُولف فورًا فأومأت بحماس...كلما زاد عدد الأسرار التي تخبئها كلما نالت رضاه ..

بينما رشفت زوي العصير بهدوء ظاهري وأعدت نفسها لتفضي لرفيقتها بخبيئة نفسها وأكثر أسرارها إحراجًا..

ضحكت بخفة قبل أن تعترف بسرها:"أتعلمين يا حورية؟ كنت أحضر دروسًا للرقص أيام الجامعة..."

تنهدت فظنت نايدا أنها ربما كانت معجبة بمعلمها ... لكنها تابعت بحسرة: "كانت عيني المدرب تلمعان ببريق السعادة والرضا خاصة في بداية الدرس حينها يكون قد أتى توًا من شقته بالطابق العلوي... ولا أعرف لما لازمني هذا التخيل ؟ كنت أظن دائما أنه يأتي للدرس بعد علاقة زوجية مشتعلة أرضت غروره ومنحته تلك السعادة التي تنطق بها عيناه"

احمرت وجنتي نايدا حين استحضرت رغبتها الجامحة في قضاء لحظات كهذه مع أدولف وعلقت بشغف:"لم أكن أعرف أن هذه المشاعر تنتاب البشر أيضًا؟ "

"وهذا ما أردت تأكيده لك بقصتي... لقد قضيت سنوات مراهقتي في جحيم التكيف مع تلك الرغبات ومحاولة كبحها...خاصة وأنا أرى والدي شغوفين ببعضهما منسجمين بعالم الحب فأردت المثل دومًا..أن أحظى برفيق يلازمني طوال حياتي لا يرى حوله غيري"

راق لنايدا هذا الحديث الذي يصف بالضبط شعورها تجاه أدُولف...
ثم تابعت زوي :"حتى تعرفت إلى يوجين في أولى سنوات الجامعة... أوكل إليه أدُولف مهمة الاعتناء بي وكأنني طفلة التحقت بالروضة!! لكن شعوري الحانق تبدل تمامًا بعدها وصرت أتخيل أمورًا مخجلة"

سألت نايدا بفضول:"ألا زلت مغرمة به؟"
أومأت زوي وبدأت عيناها تدمعان بتأثر وأجابتها:"وبجنون .. أنا أحب يوجين بجنون.."

ولم تعطها فرصة للرد إذ تابعت:"اعذريني أكون عاطفية أكثر من اللازم هذه الأيام من كل شهر.."

ثم سارعت للفندق لتبدأ نوبة بكائها بهدوء بمعزل عن الأعين تاركة نايدا تحدق بأثرها وفي رأسها تتبلور خطة لاكتشاف حقيقة شعور أدولف نحوها..
**********
على سطح اليخت
انفردت ساندرا وآزاد ببعضهما كعادتهما.. متلازمان لا يفترقان ..منشغلان ببعضهما عما حولهما..
صرفت هيلانة نظراتها عنهما وراحت تتطلع لحفيديها محبطة ..فأدُولف يستند بمرفقيه إلى حافة اليخت متطلعًا للبحر بنظرة غريبة كأنه يبحث عن شئ بعينه في زرقته الصافية..
أما زوي فقد جلست في ركن منزوي على اليخت وأسندت خدها إلى كفها بكآبة كمطلقة بائسة تفكر كيف تعول صغارها!!..
زفرت بضجر وقد صارت رحلة اليخت دون جدوى .. لقد تحمست لهذه الرحلة وتخيلت متعة لا تُضاهى لكن حفيديها حطما أملها..
وحينها وقعت عيناها المبتئستان على مجموعة من السياح الذين رافقوهم في رحلتهم ولأنهم على مقربة منها فقد وصلتها أصواتهم الغاضبة وكأنهم على وشك الدخول في عراك بالأيدي...رائع !! هذا ما ينقص رحلتهم لتكون منقطعة النظير بحق!!
فكرت بسخط قبل أن تتخذ خطوة جريئة وتتجه إليهم ..فلا بأس ببعض التسلية..
التسلية بفض شجار في رحلة بحرية على ظهر يخت مبهر كهذا!! يالسخرية القدر!
"مرحبًا"
انتبهت إليها المجموعة ولتتحقق أنهم يفهمونها تابعت بمرح:"أقترح الرقص للتخفيف من توتر الأجواء وإراحة الأعصاب"

ضحكوا من طريقتها الطفولية في اقتراح الأمر كأنها تخشى الرفض فتقرب يديها إلى بعضهما في وضعية الرجاء..ونسوا شجارهم مؤقتًا مرحبين بعرضها المسلي.. قبل أن يتقدم أحدهم منها قائلًا:"أظن أن عليك إكمال اقتراحك واختيار الرقصة"

كان عجوزًا بملامح لم ينجح الزمن في النيل منها وجسد رياضي جعله صلبًا أمام سنواته التي تقارب الثمانين كما تظن..

وقد راقها أن يكون هذا رفيقها في الرقص ولابأس بإكمال الرحلة بصحبته.. لذا غمزته بعبث لا يليق بعمرهما واتجهت لفرد من طاقم اليخت تطلب منه تشغيل موسيقى للرقص...

في الآن ذاته انتبهت زوي ليوجين الذي يتقدم جهتها فأدارت رأسها للجهة الأخرى معرضة عنه ولم يفطن الشاب لسبب غضبها لكنه حاول التخمين فسألها:
"غاضبة لأني فجرت البالون على ظهرك؟..أرى أن الفستان قد جف ولم يعد لغضبك معنى"

عدت زوي داخلها إلى عشرة دون أن تلتفت إليه لأنها لو فعلت فإنها تنوي خنقه لتجد سببًا منطقيًا للحزن الذي يعتصر قلبها..
الحب شئ غير محسوس ..شعور تعجز عن نقله لحبيبها لذا فالأجدر أن تحزن لسبب ملموس أكثر كموت حبيبها الذي تعتزم أن يكون على يديها..

وإمعانًا في زيادة غضبها ألقى سؤاله الساذج:
"ما الذي قصدته جدتك بمشاعرك نحوي؟ سبق وضحكنا على موقف شبيه في غرفتك لكن يبدو أنها جادة في كلامها..عن أي مشاعر تتحدث؟"

الموسيقى التي صدحت فجأة أنقذته من موت محتم ولفتت انتباه جميع راكبي اليخت إلى مجموعة السياح الذين تتوسطهم الجدة وقد بدأوا
(swing dance)الرقص المتأرجح
فتغافلت زوي عن غضبها من يوجين وعاد بها الحنين إلى دروس الرقص التي حضرتها معه أيام الجامعة..

وكانت الذكرى كفيلة بإثارة حماستها بشدة لتعلق:"انظر إلى جدتي تحاول مجاراة الرجل متناسية عمرها.."

"معك حق الرجل يبدو شابًا رغم أنهما من نفس العمر تقريبًا"

وتحول اليخت إلى ساحة للرقص إذ ضربت الحماسة الغالبية فانضموا إليهم.. ساندرا وآزاد يحاولان مجاراة الخطوات الراقصة ورغم فشلهما إلا أنهما لا يتوقفان عن الضحك متشبثين بأحضان بعضهما..
بينما تشبث بعضهم بموقفهم المتفرج كما فعل أدُولف وهذا لا ينفي حماستهم إذ علا التصفيق وانطلقت صفارات التشجيع من حين لآخر..

وما إن انتهت الموسيقى حتى طلب مرافق هيلانة تغييرها ليصدح صوت مايكل بوبليه..
When marimba rhythms start to play
Dance with me, make me sway
Like a lazy ocean hugs the shore
Hold me close, sway me more
فأخلى الراقصون الساحة لهيلانة ومرافقها الذي بدا متحمسًا أكثر منها ليشاركها رقصة أخرى أكثر حميمية..

فصاحت زوي غير قادرة على تمالك نفسها:
"تانجو..يوجين سيراقصها التانجو!! هذا رائع..أوه لا ..ماذا يحدث؟"

قطبت وهي ترى جدتها تتملص من يدي مرافقها ويرتسم الاعتذار على ملامحها قبل أن تعود إلى مكانها بين الجمهور..

ولم تتغير ملامح يوجين الذي توقع تصرف الجدة لكن لم يلبث أن جحظت عينيه وهو يرقب زوي تتقدم من الرجل تنوي مشاركته الرقص ..هل تنوي حقًا الالتصاق بهذا الرجل طوال مدة الأغنية فقط لأنها رقصتها المفضلة؟!!

لذا تقدم منهما كزوج غيور لا ينوي ترك امرأته تراقص غيره.. وكان أكثر من سعيد بملامح العجوز التي اسودت من الغضب قبل أن يعود لرفاقه ساخطًا..
نعم عليه أن يعرف موقعه جيدًا..

"ماذا يحدث؟"
سألته زوي جاهلة سبب تصرفاته المتناقضة إلا أنه أحاط خصرها بذراعه وتمسك بكفها بيده الأخرى مشيرًا لطاقم اليخت ببدء الأغنية من جديد...
فصرخت زوي مبتهجة:
"يوجين! افتقدت الرقص معك كثيرًا..أوووه..كم أحبــــ...!!"

وقطعت جملتها في اللحظة الأخيرة منتبهة لاعترافها الذي أتى عفويًا ..

أما يوجين فلم يفطن لمشاعرها التي كانت على وشك الإفصاح عنها بل أتى على تدمير سعادتها دون قصد بقوله:"بالطبع لم أكن لأسمح لك بالرقص مع هذا الغريب.. يكفي فستانك غير مكتمل الحياكة الذي يكشف ساقك .."

أجابته بعينين لامعين بدموعهما :"أنت أحمق..سأقطع علاقتي بك فور انتهاء الرقصة"

Like a flower bending in the breeze
Bend with me, sway with ease
When we dance you have a way with me
Stay with me, sway with me
مع حوارهما المناقض لحراراة الموقف كانت حركاتهما المنسجمة المغازلة..كأنهما في موعد فوق السحاب...
Other dancers may be on the floor
Dear, but my eyes will see only you
Only you have that magic technique
When we sway I go weak
وفي هذه اللحظة بوضع زوي إذ يوجين يميل بجسدها وساقها ممتدة أمامها ولقاء الأعين..
كأن صاعقة ضربت قلبيهما!!
زوي تدرك تمامًا هذا التأثير ولا تتهرب منه بينما يستشعره يوجين للمرة الأولى..

لم تعد تلك زوي صديقته التي يترك نفسه على سجيتها معها.. كلا بين ذراعيه امرأة غاية في الفتنة والجمال وقطعًا ليست الصداقة ما يجعل قلبه يخفق بجنون هكذا..

اعتدلا يتابعان الرقص لتهتف زوي به نافضة هالة السحر التي تشملهما:"من أنت لتعلق على ملابسي أو سلوكي؟...لدي كامل الحرية بالتصرف كما يحلو لي..وإن كان سلوكي غير لائق فلشقيقي ووالدي حق انتقادي..هما فقط..هل فهمت؟"

ولكزته في صدره مما نبه الجمهور لوجود خطأ ما فضربتها قطعًا ليست ضمن الرقصة ...
I can hear the sounds of violins
Long before it begins
Make me thrill as only you know how
Sway me smooth, sway me now, give me more
تتقلص المسافة بينهما حتى يكاد أنفيهما يلتصقان ببعضهما ورغم هذا تذمرت زوي وجاء تذمرها خافتًا رغمًا عنها :
"أنت هو الغريب بالنسبة إلي كالرجل الذي ترفض أن يراقصني"

"برأي شقيقك ووالدك أن الحب هو تركك تتصرفين بحرية.."

قاطعته زوي بسخط:"هل تسمع نفسك؟يوجين مقدس الحرية يرفضها الآن!! ومن أنت لتحلل تصرفاتهما؟ من أنت لتخبرني ما الذي يعنيه الحب؟!!"

لم يجبها يوجين بل وضع كفه على فخذها يمنع ارتفاع ساقها كما تقتضي الرقصة مزمجرًا:"هذا يكفي لن تكشفي ساقك للعلن..أفضل إنهاء الرقصة على هذا"

حينها لم يبق للأغنية معنى وزوي تنفض ذراعيه عنها قائلة:
"بل أنا من اكتفى منك"

وتركته يحاول تخطي شعوره بالإحراج من النظرات الفضولية التي تبتغي كشف سبب شجارهما..
لكن ولحسن حظه لم يدم الأمر طويلًا..إذ سرعان ما تغيرت الموسيقى وبدأ الرقص الحقيقي..
إنه الجنون بعينه!!
لم يبق خصر ثابت على اليخت ..الجميع فقد السيطرة على نفسه وبدأوا الرقص الشرقي واندفعت زوي بكل ثقة تلتحق بهم..

لكنه جرها من ذراعها بعيدًا عن الراقصين..حتى اقتربا من حافة اليخت ولا تزال زوي تدفعه بغية التحرر منه حتى فقد يوجين توازنه وسقط في البحر...

تطلعت زوي لمكان سقوطه بقلق..حتى ظهر على السطح فتنهدت براحة..

ولأنها صاحبة التصرفات الاستثنائية الغير متوقعة فعوضًا عن الابتعاد عن الحافة قفزت بكل إرادتها لاحقة به..

ومع الموسيقى الصاخبة لم يلتفت إليهما أحد غير أدُولف الذي كان يراقب شجارهما منذ دقائق بتسلية..
ثم رفع صوته يصرخ بهما :"أقسم أنكما ستقتلان بعضكما يومًا"

ضحك يوجين من تعليق صديقه والتفت لزوي التي تصرفت كعادتها بتهور وقفزت خلفه..كانت تمط شفتيها كأنها طفلة رفض والداها تحقيق إحدى رغباتها ...

فقرص خدها مداعبًا:"من هي حبيبة دادي؟"

ضربت كفه وابتسمت بخفة..قبل أن يبدآ السباحة ضاحكين بجنون وقد شرع اليخت في العودة للشاطئ..

فعلقت زوي بمرح:"هل تظن أن بوسعنا اللحاق بهم؟"

"يستطيع أدُولف إنقاذنا إن لم نفلح"

**********
ذلك المساء
سار أدُولف بروية على الشاطئ مبتعدًا عن الأعين حتى جاوز المنطقة التي اعتاد لقاء نايدا بها دون هدف أو غاية... فقط يفكر فيما آلت إليه الأمور .. واستحضر ذهنه صورة جدته الساخطة حين وجدت الرجل الذي شاركته الرقص يلحق بها إلى كل مكان ككلب وفي لصاحبه..

وقد أنبتها والدته طويلًا ووقفت جدته كتلميذة مذنبة أمام ابنتها في مشهد أثار فيه موجة لانهائية من الضحك..خاصة مع قول والده:
"ولم الغضب يا ساندرا؟ بإمكانها التعرف إلى الرجل وإقامة علاقة معه إن شعرت بروحها تهفو إليه"

هكذا هو الأمر إذا..نجح والده بفتح عينيه على حقيقة شعوره تجاه نايدا.. إنها روحه تهفو إليها..تتعطش للقائها وتتشرب جنونها سأمًا من عقله الذي كبح حاجته إليها طويلًا ويبدو أنه حان وقت الانفجار..

وقبل أن يتخلى عنه قلبه للبحث عنها بنفسه.. تفاجئ أدُولف بذراعين ناعمتين تحيطان رقبته من الخلف حتى صارت صاحبتهما معلقة على ظهره وكأنها تعرف هدفها بالتحديد فتسعى إليه حثيثا...

تشبثت به نايدا حتى صارت مواجهة له فانقضت عليه تقبيلًا وكان لها ما أرادت حين أسقط أدُولف كل دفاعاته واستجاب لها مبادلًا إياها الجنون بأكبر منه حتى صارا مستلقيين على رمال الشاطئ يتقلبان فيها وكلاهما في شغل برفيقه عمن حوله ...

ثم ضربتهما موجة باردة فرقت بينهما...
فثاب أدُولف لرشده ضاحكًا بارتباك وهو يحك مؤخرة عنقه:"بحق الله كيف يمكن للمرء أن يتمالك نفسه في حضورك؟"

وكان قوله بمثابة إطلاق مزامير الاحتفال بالنسبة لنايدا..
إذ وقفت على ركبتيها كحال أدُولف في هذه اللحظة وتعلقت به وهي تضربه لائمة:"كم أحبك حين تعلن عن حقيقة شعورك هكذا!! لقد خلت أنني فقدت تأثيري الصاعق السالب للعقول"

ابتسم أدُولف دون اهتمام بالألم الذي سببته ضربتها وأخذ يمرر كفيه على وجهها قائلا:"انتهى الأمر يا عزيزتي.. اتخذت قراري بعد صراع طويل .. ليكن الجنون والشغف وكل ما تريدينه..فالمنطق لا يتفق مع الصيف كما يبدو!"

فاتسعت بسمة نايدا حتى تحولت لضحكة رجت الفضاء من حولهما وأحكمت عناقه بكلها قائلة:"إنك أفضل ما رسمه لي القدر في حياتي"

بادلها أدُولف العناق واستكان كل منهما لرفيقه غافلين عن الضوء الخاطف الذي مر في السماء كشهاب صاعق ينذر بالخطر...

أما يوجين فقد كان مطلًا من شرفة غرفته في هذه الساعة ولاح له الشهاب الذي مر بلمح البصر ليضئ السماء حيث مروره قبل أن تعود لعتمتها ..
كما حدث حين اقترب من زوي حد امتزاج الأنفاس ومض شئ داخله لم يعهده من قبل.. شئ جعل قلبه يخفق بجنون قبل أن يخمد بانتهاء الرقصة...

أكان الانجذاب ؟ أكان الحب؟!
ما هو الحب؟
كما أخبرته زوي هو إنسان لا يستطيع توصيف الحب ولن يميزه إن مر به يومًا لذا لن يستطيع وضع شعوره المستحدث تجاهها في خانة معينة لكن ما يوقنه ولا يجد الشك إليه سبيلًا أنه يريد إمضاء حياته برفقتها بأي صفة تختارها..يكفي ألا يكون غريبًا بالنسبة إليها..
***************
في اليوم التالي ..
انطلق أدُولف فور استيقاظه يقصد الضفة الأخرى حيث يلتقي حوريته التي يخطط لقضاء كل لحظة من إجازته الباقية معها...لكن يوجين اعترض طريقه في صالة الفندق ..
"أدُولف! إلى أين؟"

ضغط أدُولف شفتيه حانقًا واضطر للتوجه إليه حيث يقف مع زوي وساندرا...
"صباح الخير"

"دع عنك هذه المجاملات ..اليوم هو أفضل أيام السنة للصيد ..لذا نذهب للصيد في الصباح ونعد حفلة للشواء في المساء"

ضرب أدُولف جبهته برفق وقد نسى تمامًا مراجعة جدول أنشطة الفندق..كيف السبيل للتهرب الآن من حماسة يوجين؟!

ثم اقترح بسعادة وقد وجد السبيل المناسب للتملص من يوجين:
"زوي تستطيع مرافقتك أليس كذلك؟"
تطلع يوجين لزوي المبتسمة وتمنى أن تقبل الانضمام إليه ..يريد أن يختبر لذة قربها التي أحسها بالأمس من جديد..

لكن خاب أمله حين قالت زوي وهي تشد على يد والدتها:
"نسيتما أن اليوم أيضًا عرض خاص على جميع المولات التابعة للفندق وأنا لا أنوي تضييع هذه الفرصة بأي ثمن..لذا نحن ذاهبتان للتسوق..إلى اللقاء"

وسارعت بالابتعاد عنهما مع والدتها ملوحة لهما ببهجة خالصة..
فتمتم يوجين حانقًا:"كان من الضروري إغلاق هذه المولات جميعها"

والتفت لصديقه فأخبره دون أن يدع له مجالًا للتفاوض:"ستذهب معي لإنهاء هذه المهمة وإلا..."

كانت لهجته كافية ليستسلم أدُولف دون مقاومة وقد خبر سابقًا أفعال صديقه الوحشية حين ينتابه هذا المزاج الحاقد الذي لا يدري له سببًا..

************
بعد دقائق ..
على أحد قوارب الصيد التي انطلقت في مجموعة لإحضار الكمية اللازمة للحفل المسائي..
"يا إلهي..تبدو سمكة كبيرة"

صاح أدُولف وهو يسحب بصعوبة الصنارة.. حاول طلب المساعدة من يوجين لكن فجأة وجد نفسه في البحر بكامل ملابسه وقد سحبته قوة أكبر من قدرته على المقاومة..

وظهرت له نايدا التي حركت ذيلها بغنج كأنها تخبره أنها على مقربة منه قبل أن تتابع سباحتها مبتعدة عن القارب..فصعد للسطح متقبلًا سخرية يوجين بابتسامة واسعة..
"لم أعرف أنك ضعيف إلى هذا الحد!! هل اصطادتك السمكة بدل أن تصطادها أنت؟!"

ولم يجبه بل عاد ليرمي صنارته بطعم جديد وهو يقر بصحة قوله لقد اصطادته الحورية وأوقعته بشباكها ...والحق أنه لا يريد النجاة منها تحت أي ظرف..

ثم استفاق على نداء صديقه الساخط..ليشير له الأخير بعينيه إلى حصيلة صيدهما
إذ أنهى يوجين مهمته واصطاد الكمية المطلوبة أما أدُولف فلا يزال يحدق بالبحر بابتسامة واسعة عابثًا بصنارته كأنه يداعب الأسماك بها عوضًا عن اصطيادها...

فاستعاد سيطرته على نفسه حتى لا يكون محط سخرية يوجين طويلًا وأقر:"لم أرغب بالصيد منذ البداية ..كان عليك اصطحاب زوي بدلًا مني"

وتابع وهو يجمع عدة صيده:"لا شك أن المجموعة التي رافقتنا قامت باللازم .. لنكتف بهذا القدر ونعد لليابسة"

***********
إنه الحب طرق أبواب الصيف فشرعَها له بكل سرور ..
وأمام سطوته خضعت القلوب ومالت لأنصافها فاكتملت وابتهجت وصارت الليلة كأنها عيد القلوب..عيد الحب والشغف..

إذ تم تقسيم عاملي الفندق ليشرف واحد منهم على إتمام الشي لمجموعة من رواد الفندق وبإمكان من يرغب في المساعدة من المجموعة الانضمام إليه..
وهكذا امتلأ الساحل برائحة الشواء التي قرقرت لها البطون وسال اللعاب بشهية تنتظر إشباعها...

"انتبه يا يوجين!"
لكز أدُولف صديقه الذي كاد يحرق السمك بدل شيه...

"البشر لا يأكلون الفحم!..كان على والدك أن يضع عاملًا هنا يُتم الأمر عوضًا عنك"

"آه..آسف" عاد يوجين ينتبه لعمله معتذرًا وصرف نظره عن زوي المتأنقة في ثوب بلون السيمون الداكن يلتصق بجسدها التصاقًا محددًا بدقة مفاتنها المغرية..

لكنه ما لبث أن تابع يصطنع الضيق:"لا أسمح لك أن تصرخ بي..هاك تركت لك الأمر.. أرنا مهارتك .."

وخلع مئزره متجهًا لاستقبال زوي غير عابئ بنداء صديقه وقوله الدهش:"لا أسمح لك أن تصرخ بي!!! هل اقتبس هذه الجملة من زوي؟!"

أما زوي فقد بوغتت بمن يقترب منها قائلًا:"قبلة الأصدقاء"

وقبل وجنتيها بالتتابع حتى ارتدت للخلف بصدمة:"يوجين! متى تصرفنا بهذه الطريقة؟ لم أعهدك تهدي قبلاتك لمن لا تجمعك بها علاقة..."

قاطعها دون التفات لاعتراضها وحثها على التقدم معه وذراعه تلتف حول خصرها الذي يرسمه ثوبها :"يكاد السمك ينضج ..فيما هذا التأخير يا صديقتي؟"

"يوجين!"
صاحت به فالتفت إليها...وليته ما فعل! إذ تلاشت المسافة بينهما حتى لفحته أنفاسها الدافئة وهي تحاول دفع ذراعه عنها دون أن تفلح ...
فتابعت بحنق:"ما هذه التصرفات...ال..أنت لست يوجين حتمًا! دعني"

"حقًا ! ألست يوجين؟!"
تمتم ونظراته تتعلق بشفتيها حتى ذابت زوي وكادت تطالبه بفعل ما ينتويه إلا أن نايدا ظهرت من العدم قائلة:"كيف حالكما؟"

فأجفل الاثنان وابتعدا عن بعضهما..لتمر بينهما بهدوء مع سيدة عجوز يرياها للمرة الأولى ..وتابعا طريقهما دون التفات للزوج المشدوه ..

(هل كاد يوجين يقبلها حقًا؟ )
فكرت زوي بحيرة وهي تتطلع إليه كأنها تتأكد أن ما حدث لم يكن أحد أحلام يقظتها..
فابتسم يوجين وغمزها بعبث قائلًا:"هيا للطعام يا صديقتي"

وصلا حيث أدُولف الذي بدأ بتوزيع السمك المشوي في الأطباق..مع الليمون وشرائح من البصل والبنجر المغموسين في الخل ..

ليتجمد فجأة دون سبب ثم يلتفت حيث نايدا التي كانت تقف خلفه تمامًا..فاتسعت ابتسامته الواثقة وانحنى يقبلها:"رائحتك غلبت رائحة الشواء ونبهتني لوجودك"

"لو أن جدتي هنا..."
صاحت زوي بمرح وهي تفرق بينهما قبل أن تلكز شقيقها بشقاوة:"تعال إلي بالأخبار! ماذا فعلت بالأمس أيها القديس؟"

تطلع أدُولف لنايدا التي سحبتها أفروديت وانفردت بها في حديث جانبي بينما يجيب شقيقته بجدية:"قررت خوض المغامرة وليكن الموت نهايتها لا أبالي...يكفي أن تخرج حياتي عن نمطها الجامد "

"صدقًا أحببت سماع هذا منك يا أدُولف...سيكون الأمر رائعًا أؤكد لك "

قاطع حديثهما اقتراب ساندرا وآزاد معًا كما العادة..
"استمتعا بليلتكما يا أولاد.. "

وسارا في طريقهما مع طبقي شواء بعيدًا عن المجموعة يبتغيان الانفراد ببعضهما..

ليدفع أدُولف شقيقته بمرح:"هيا اذهبي لتنفيذ وصية والدك واتركيني أختطف حوريتي"

"ليلة موفقة يا قديس"
والتفتت ليوجين الذي لمعت عيناه كأنه ابتهج لانصراف الجميع.. فأخرجت علَاقة مفاتيح اشترتها له اليوم خصيصًا قائلة:"هذه لك.."

تفحصها يوجين بعين الحنق قبل أن يقول:"ما هذا ؟ ولد ناقم يتناول المثلجات"

"إنه أنت..دائمًا متذمر محب للمتعة بكل صورها..تريد أن تعيش في بيت يضم جميع فتيات حواء لتقتنص فرصتك معهن جميعًا كما تشاء..ورغم هذا أوجدت لك الحل للتخلص من أزمتك..تناول المثلجات فتخفت الرغبة وتعود إنسانًا طبيعيًا وليس حيوانًا تحكمه غرائزه"

"زوي!!"
وركضت زوي بأقصى سرعتها بعد أن أطلقت كل شياطينه دفعة واحدة..

على الجانب الآخر...

ضم أدُولف حوريته إليه رافضًا تحريرها لتعود للبحر:"ابقي معي الليلة.. هذه المرة سأسمح لك بمشاركتي الفراش...لحسن الحظ وجدت جدتي من تنشغل به عنا"

أحاطت عنقه بذراعيها غير قادرة على الإفلات من سطوته على قلبها وأجابته بدلال:"لكن أفروديت نبهتني وبحزم.. لا يجوز قبل الزواج "

احتل السخط ملامحه قائلًا:"كنت أكثر تحررًا من قبل!.. كيف تتحدثين مع أفروديت في أمر كهذا دون الرجوع إلي؟ ثم من أخبرك ما يعنيه الزواج ؟ ألم أكن مرجعك اللغوي؟"

"انفردت بي بعد أن رأتنا نتبادل القبلات في العلن وأعطتني درسًا طويلًا عن وضع الحدود..ورغم أنني لم أفهم ما تعنيه الحدود..لكن الأهم هو الزواج..ألا تريدنا أن نتزوج فنبقى معًا إلى الأبد؟!"

ورغم تمنعها قربت نفسها إليه أكثر مع سؤالها حتى كادا يصبحان جسدًا واحدًا فظن أدُولف أنها استسلمت وتنهد باستمتاع ممنيًا نفسه بوصالها إلا أن نايدا غافلته وابتعدت عنه قائلة بنبرة قلقة:"أدُولف أرجوك إنني جادة هذه المرة.. يجب أن أقضي ليلتي بعيدًا عن السطح "

لم يفهم أدُولف مقصدها..ما الذي قد يجبرها على هذا؟ ألم تكن هي من نبذت الحياة البحرية ؟!!

لذا لم يأخذ قولها على محمل الجد ودفعها للبحر ثم قفز خلفها قائلًا:"تريدين قضاء الليلة في البحر لا بأس .. فليكن"

حدقت نايدا بالبدر المعتم المائل للحمرة وأحست بظلمته تسري إليها فتكتنف روحها دون أن تقدر على المقاومة... لا تريد أن يحدث هذا أمام أدُولف!! حتمًا سيكرهها..
ولم يفطن أدُولف لما يعتريها وبدأ ينثر الماء جهتها قائلًا:"هيا لنتسابق.. سأنسف غرورك حين تدركين قدراتي التي تفوق قدراتك الخارقة"

لكنها لم تتجاوب مع مزاحه والضيق يعتلي ملامحها وهي ترى القمر يزداد إحمرارًا مع الوقت ..

لذا حاولت مغافلة أدُولف واللجوء لمخدعها في قاع البحر إلا أنه حاصرها :" لن أسمح لك بالهرب..توقعين بي ثم تبتغين الفكاك!! وإن أصررت سأقبلك ولنرى رد فعلك حين تلفظك ذاكرتي و تصبحين طي النسيان"

"أدُولف..إنني أرجوك..عد للشاطئ..انتظرني عند أفروديت..الأفضل أن نلتقي بالغد..لن..."

قطعت جملتها وهي تشعر بنفسها ترتج وجسدها يبدأ الاشتعال كأنه يعلو مرجلًا جاوز ماؤه درجة الغليان... كما تطاير شعرها ناثرًا هالة حمراء حولها .. مع تضخم القمر الذي استحال أحمرًا بالكامل...

مما نبه أدُولف لتغيرها المفاجئ وسباحتها السريعة للابتعاد عنه..لكن كأن القمر حارس صنديد يرفض السماح لها بالهرب دون متابعة مهمتها..
إذ انجذبت نايدا دون إرادتها حيث أدُولف الذي باغتته حرارة مفاجئة قبل أن يتلقى ضربتها ويصير أسير قبضتيها التي اعتصرته حتى سمع طقطقة عظامه مترافقًا مع صوتها الذي يفيض شرًا:
"ليكن البحر داميًا كلون قمر السماء
فانثر دمك ليكن الفداء
واقبل قدرك وإن قضى بالفناء"




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 01:16 PM   #9

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي




الفصل السادس
"إنه خطأ القمر..لقد اقترب من كوكبنا أكثر مما يجب، وتسبّب بجنون الناس"
دارت هذه الجملة في خلد أدُولف وهو يتعرض لهجوم نايدا متذكرًا مسرحية شكسبير الشهيرة...جزَ على أسنانه متأوهًا وهو يتطلع للقمر العملاق على غير
Super moonالعادة بما يعرف
كما ترافق هذا مع ظاهرة الخسوف الكلي التي جعلته أحمرًا داميًا كلون الدماء..
دماؤه التي تبتغي نايدا إزهاقها في هذه اللحظة...
كات زرقة عينيها قد انطفأت لتصبح داكنة كليل لن يرى الفجر وبشرتها أخذت لونًا ورديًا كأنه انعكاس لشعرها المتوهج..
"نايدا! هل تدركين في هذه اللحظة هويتي؟"
سأل متلعثمًا وأسنانه تصطك من برودة المياه.. إذ قادته نايدا للمنطقة المحظورة من الشاطئ حيث التيارات المائية الشديدة التي تكاد تجرفه معها لولا تشبث نايدا به...

كأن جملته لمست قلبها لتعود عيناها لزرقتهما المتألقة إلا أن وجهها القلق المُحب لم يلبث غير ثانية أو أقل لتعود أكثر شراسة وتحكم السيطرة على جسده بالكامل بطريقة لا يعرفها غير أنه يشعر بقسوة ذراعيها على جزئه العلوي وقيود غير مرئية تجعله متيبسًا في مكانه..
"ها هي نهايتي التي حذرتني منها جدتي طويلًا!"
لم تتح له الفرصة لينالها بل سرعان ما باغته القدر بنهاية قصتهما..النهاية المحتمة التي تدوالتها الألسن ولاتزال.. وكم كان غبيًا ليظن أنه سيكون الاستثناء!..
***********

وفي الآن ذاته كان رواد الفندق يراقبون الخسوف كما فعل يوجين وزوي اللذين توقفا عن الركض مأخوذين بهذه الظاهرة النادرة التي يشاهداها معًا للمرة الأولى..
فوجدت زوي نفسها مدفوعة إلى يوجين رغمًا عنها وهو يحيط خصرها بذراعه قائلًا:"هل نبقى هكذا حتى يعود القمر للونه الطبيعي؟"

احمر وجهها وسعلت بإحراج قبل أن تجيبه :"يبدو أن الأمر سيطول .. من الجيد أنني ظفرت بنصيبي من الشواء قبل أن أهرب منك"

"لنتشاركه إذا"

"ليكن"

ضحكا معًا دون سبب قبل أن يبدآ الأكل وكلاهما يطعم رفيقه بيده .. دون تبرير.. دون بحث عن مسمى لما يفعلانه ...ظلا على وضعهما يرقبان دموية القمر التي كأنها اندفعت إلى جسديهما فضخت الدماء في عروقهما وكل منهما يتساءل رغمًا عنه عما ستكون عليه نهاية الليلة..

*************
أما هيلانة فقد نهضت فجأة بقلب مقبوض ينذرها بكارثة على وشك الوقوع..
"هيلانة!"

نداء مارك أجفلها لتلتفت إليه وتصيح به بكل ضيقها الذي يزداد لحظة بعد أخرى أثناء مرافقته إياها:
"كفى! لست شابة صغيرة تبحث عن الحب بعد! لا أريد التصابي في عمري هذا..إياك أن تلحقني من جديد ودعني ألتفت لأمور أحفادي"

تركته مبهوتًا وهرولت تمسح المحيط بعينيها بحثًا عن حفيديها.. حتى اصطدمت بها سيدة عجوز تأخذ الطريق المعاكس لها..

كلتاهما تشعان قلقًا ..تنظران لبعضهما دون أن تبصر إحداهما الأخرى..
وكانت أفروديت الأسرع لأنها تتوقع تحديدًا كنه الكارثة التي تتربص بهم..نفضت عنها ألم الاصطدام وأسرعت للشاطئ حيث الألم الأكبر الذي سينالهم إن تركت الفرصة للأسطورة أن تتحقق...

إذ يتلبس الجنون حوريات البحر اللاتي يخرجن للسطح في ليلة الخسوف الكلي حيث القمر الدامي الذي يحثهن على ارتداء ثوب الشر والعداء..

فيفتكن بأي كائن يرينه وبخاصة البشر... حتى تبصر أعينهن لون الدماء فيشعرن بالرضا والاكتفاء.. ويتخلصن من سلطة القمر عليهن ليعدن للأعماق بهدوء..

أما عن الكارثة التي يخلفنها وراءهن (والتي تتمثل عادة في جثة بشري قد فارق الحياة ) فقد تبتلعها أمواج البحر الهادرة.. أو ترمي بها إلى الشاطئ ليشهد الجميع عاقبة السباحة ليلًا كما يفسرونها عادة دون أن يفطن أحد للحقيقة المرة التي تعجز عن منعها كل عام..

وأخيرًا وصلت حيث نايدا التي تتشبث بضحيتها بقوة وعزم .. وجحظت عيناها حين تبينت هويته! أليس هذا أدُولف ؟!

حبيبها الذي افتخرت بعثورها عليه بعد عناء!
لذا تعهدت لنفسها كما فعلت طوال حياتها..عليها حماية شعبها وأولهن نايدا التي ستعاني ويلات الحزن والندم وربما تُقدم على إزهاق روحها بنفسها إن خضعت لهاجس الشر الذي يستبد بها الآن..

قفزت في البحر ليظهر ذيلها الذهبي البراق ونفضت شعرها الفضي مقتربة منها هامسة في أذنها:
"أناديك من ظلمة الأعماق..
ألا فانفضي سلطة الإزهاق..
أنصتي لخفق الدقات..
قبل أن يفوت الميقات"

تملك كلمات العرافة هذه القدرة على التغلغل لروح الحورية واستدعائها.. لذا شهقت نايدا كأنها تخرج من غيبوبة إجبارية والتفتت إليها مرتجفة من هول ما تشعر به ..
لكنها سلطة القمر الدامي بعد كل شئ تستطيع تسيد سلطة العرافة ودحرها كأن لم تكن..
************
قضى يوجين الوقت في نظرات مختلسة وملامسات مقصودة حتى فاضت مشاعره وصارت أقوى من قدرته على كبتها لينحني جهة زوي قائلًا بصوت مغري:
"هل جربت سابقًا السمك المُسكر؟"

مع أنفاسه الساخنة التي تحرق بشرتها أحست زوي بالتهديد فتراجعت برأسها معترضة:"يبدو لي نوعًا من الممنوعات"

دغدغتها ذبذبات ضحكته قبل أن يقربها إليه مرة أخرى وقد صارت نواياه واضحة في عينيه:"الآن تتذوقينه بنفسك يا سيدة الأساطير"

"زوي!"
انتفضا مبتعدين عن بعضهما مع صراخ الجدة التي لم تلتفت لوضعهما المريب بل بادرتها سائلة:"هل رأيت شقيقك؟ أين هو؟ أشعر بالسوء ...أين والديكما؟ لا أفهم حجم إهمالهما!!"

"على رسلك يا جدتي! ماذا حدث؟"

"فقط أجيبيني دون مماطلة "

حركت زوي كتفيها بعدم فهم وأجابتها:"لا أدري..ذهب مع نايدا لاشك أنهما يستمتعان بوقتهما في أي جزء من الشاطئ"

لتهتف جدتها بانفعال:"أجل نايدا تلك..هيا! رافقيني للبحث عنهما لعلنا نصل قبل فوات الأوان"

تابع يوجين حوارهما بحيرة وقرر مرافقتهما ..سارا بهدوء خلف هيلانة التي لم تتوقف عن الصراخ بهما أن يسرعا فيتناظران باستغراب وينفذا أمرها بصمت وللحق أن ما يشغلهما هو السمك المُسكر فقط!
**************
هبت ريح عاصفة حين بدأت نايدا تطلق الصافرات تحث أمواج البحر الهادرة على الاستزادة ..
فراقبت أفروديت جسد أدُولف المستسلم بين يديها فريسة للأمواج المتضاربة واستقرأت الخطوة القادمة ..
يدا نايدا على وشك إفلاته تاركة تحديد مصيره للبحر..
فتابعت تحذرها مغبة ما تفعله:
"تغيبين في الغي تزيدين..
استفيقي قبل أن يجرفك يم الحزن فتندمين..
افتحي عينيك واستبصري فعل يديك.."

وحين وجدت أنه لا جدوى إذ أن نايدا خاضعة تمامًا..وعيها يعود على هيئة ومضات متقطعة قبل أن يتلاشى ..ولا حل لاستعادتها غير إراقة الدماء..

اتخذت قرارها وسمحت للشر الكامن داخلها أن يظهر للعلن إلا أن الفرق بينها وبين غيرها من شعب جنسها أنها تكون واعية تمامًا لخطواتها وتستخدم قوتها بحكمة كما تفعل الآن إذ استطالت أظافرها حتى صارت مخالب حادة مهيئة للتمزيق وبكل قوتها غرستها عميقًا في ذراع نايدا حتى كادت تفصل لحمه عن عظامه.. لتستفيق نايدا صارخة وبظاهر يدها صفعتها بقوة شعورها بالألم..

ورغم إحمرار وجه أفروديت إثر صفعتها إلا أنها تنهدت براحة وعادت لطبيعتها فتلاشت مخالبها قبل أن يعود وجهها كأن شيئًا لم يمسه...
"آه..أفروديت!"

صاحت نايدا لاهثة بعد أن تبينت هوية مرافقتها..

ثم تطلعت لذراعها الذي جمدت دماؤه وارتسمت عليه ندبة مستعرضة إذ أن قدرتها على التعافي ضئيلة مقارنة بقدرة العرافة..

والتفتت للثقل الذي يستند على ذراعها الآخر فجحظت عيناها بهلع وصرخت : "ماذا حدث؟ أدُولف! أفروديت هل..؟ هل تأذى بسببي؟"

ضمته أكثر لصدرها تنوح بأسى ناثرة لآلئها حولها والتي توهجت عاكسة شعورها
العميق بالحزن ورغبتها القوية أن يعود حبيبها للحياة يشاكسها ويتودد إليها..

"هيا ..بسرعة هيا"
حثتها أفروديت إلا أنها كانت في عالم آخر لا ترى غير أدُولف الفاقد للحياة..
"أمامك فرصة لإنقاذه هيا ...أسرعي للشاطئ"

وسبقتها عائدة لتبثها القوة على محاكاتها.. إلا أن نايدا فغرت فاها وتسمرت حيث هي فاقتبست تبرير زوي الساذج وقد راودها ذات شعورها المذهول وهي ترى ذيل أفروديت الذي يبرق رغم العتمة حولهما:"يبدو أن سمكة كبيرة تسبح خلفك"

ابتسمت أفروديت رغم جدية الموقف وأجابتها:"لنرى أمر ذيلي فيما بعد..هيا!.. واصلي السباحة حتى الشاطئ بأسرع ما تستطيعين لأن حبيبك لن يصمد الكثير.. وها أنا ذا أخبرك قد يكون فارق الحياة حقًا"

***********
واصلت الجدة المسير مجبرة الشابين على اللحاق بها حتى لاح لهم مشهدًا أغرب ما يكون...
إذ القمر العملاق بلونه الدامي يرسل حزمة من الأشعة المركزة على بقعة معينة من البحر كأن حدثًا هامًا يقع في تلك البقعة ويميزها عن غيرها ... هاجت الأمواج فظهرت لهم بعض الأجسام تتحرك مع حركة الأمواج الانسيابية..

قبل أن تخفت حمرة القمر شيئًا فشيئًا وتسيطر العتمة على الأجواء...

تمسكت الجدة بصمتها تفكر بحيرة فيما يحدث أمامها وأضاء يوجين الكاشف الخاص بهاتفه المحمول..
أما زوي فقد أعلنت أفكارها سائلة:"ما كان ذلك؟ كأن عرضًا فنيًا أقيم في هذه البقعة وشهده القمر فقط"

ليجيبها يوجين مازحًا:"نعم تولى القمر هندسة الضوء في هذه القاعة!!"

"كفى هذرًا! القمر يكون معتمًا بالكامل في هذه الليلة ولا يمكن أن يرسل أي أضواء....."

وقطعت حديثها تحدق بتركيز في الشاطئ...
تقدمت أكثر لترى نايدا تحمل أدُولف بين ذراعيها.. حورية!!

وكأن نايدا أحست بهوانها في هذه اللحظة أمام عيني الجدة المتألمتين فترجتها بضعف رغم أنها تملك من القوة ما يجعلها تفعل ما تريد حتى إن عاكس إرادة الجدة
"أرجوك اسمحي لي...لأهبه قبلة الحياة ..حتى إن لفظتني ذاكرته أو كان هذا لقائي الأخير به أريد أن أودعه بما يليق بحبي..أنا.."

لكن هيلانة كانت أكثر من صارمة حين صرخت بها:"اتركيه هنا على رمال الشاطئ.. لن أسمح لك أن تذكري غير هذا عن لقائكما الأخير لتدركي أنه سيكون هنا دائمًا بين أحضاننا نحن..نحن بني جنسه..نحن قومه..سيظل بشريًا لا يحظى بالأمان إلا في رفقتنا... "

لؤلؤة أخيرة ذرفتها نايدا ولم تهتم أين استقرت وهي تنفذ أمر الجدة منسحبة بندم.. وسبحت بقوة مبتعدة خائفة من معرفة مصيره..فاستقبلتها أفروديت التي لم تظهر للجدة أو مرافقيها واختفت الحوريتان في أعماق الأزرق المكتظ بالأسرار..

أما الجدة فقد جثت بجوار جسد حفيدها الساكن ورفعته برفق ليستقر رأسه بين أحضانها ..

"هذا ما توقعته.. هذا الأحمق الحبيب كان يخدعنا!"

صاحت متشبثة بجسد حفيدها تضمه لأحضانها ودموعها متواصلة تنعي فقد أعز ما تملك..
"ليتك لم تقترح أبدًا السفر علينا..وليتنا لم نوافقك في مسعاك.."

تواصلت دموعها بشهقات متواصلة تخرج من قلبها الكسير :"ألا ليتني كنت أكثر حذرًا وراقبت جولاتك الليلية! آه..آه.."

ووقفت زوي تبكي بصمت لا تجرؤ على الاقتراب من شقيقها.. لن تحتمل أن يموت! لن تحتمل!!
ليتها تغمض عينيها فتراه أمامها شاخصًا قويًا كما اعتادته وحيدًا كئيبًا أو منعزلًا رافضًا المرح ..بأي هيئة أو طبع ستتقلبه..

وكالعادة الرجال لا يبكون إن نزلت بهم النوازل بل يسعون لإيجاد الحلول..
وهذا ما حدث إذ صاح بهما يوجين بجدية وهو يتلقف صديقه من أحضان الجدة:"اسمحا لسيارة الإسعاف بنقله للمشفى.. هيا لا وقت..جدتي أخلي سبيله رجاءً"

همهمات غير مفهمومة مع صرخة منفعلة لأحد المسعفين بأن النبض خافت جعلت الجدة تخر صريعة بين يدي حفيدتها المكلومة..
**************
استفاقت هيلانة على سرير المشفى لتجحظ عيناها مسترجعة الواقع ولم تلبث أن جلست دون تباطؤ غير عابئة بالدوار اللحظي الذي ألم بها وصاحت بآزاد الذي وجدته يجلس جوار فراشها:
"لن ننتظر ثانية بعد..هيا أرسل من يحزم الأمتعة..لن نبيت ليلة إضافية هنا"

"أدُولف استفاق..إنه بخير!...يقول الأطباء... "

"لا أهتم بالتفاصيل إن أردنا أن يكون على قيد الحياة فعلينا بنقله بأسرع ما يكون من هنا... هذه الحورية لم تنتبه لما فعلت..لقد لامسته بكل صورة ممكنة في البحر ولاشك أن ذاكرته جعلتها طي النسيان منذ وقت طويل"

أومأ آزاد بتفهم موافقًا الجدة رأيها..وسارع بمغادرة الغرفة ليُعلم زوجته وابنته بقرار الجدة...
************
لم يتسن ليوجين توديع أسرة صديقه التي غادرت على عجل ..
فدخل غرفته مستاءً من هذا الأمر لتعلق عيناه بمغلف ضخم على سريره.. فضَه بسرعة فظهرت له لوحة بأبعاد مناسبة لتعلق على الجدار مذيلة برسم صغير لقوس الحب بيد كيوبيد وهو الرمز الذي تستخدمه زوي كتوقيع لها..

كما وجد رسالتها مرفقة مع المغلف واستغرب مدى اختصارها فقد كتبت له:"هذه اللوحة التي أريدك أن تعلقها في باحة الفندق..اعذرني لأن رسالتي إليك لن تكون بالكلمات..للوحتى مغزى وفي حال فهمته تستطيع استنتاج تتمة رسالتي وإن لم تشأ فلا تهتم واكتف بتعليقها علَ رهافة حس أحدهم تنجذب إليها"

عاد يناظر اللوحة باستغراب فقد رسمت شابة تختبئ خلف الأشجار.. خداها مبللان بالدموع وقد وضعت يدها على حلقها وتعلقت أنظارها بفتى وسيم غاية في الفتنة يرقب صورته على سطح بركة صافية..

"هل تعني أنها كانت تراقبني حين ذهبت للصيد مع شقيقها؟ لا بالتأكيد لا ..يا إلهي!"

زفر بحنق متذمرًا:"لماذا أتعامل مع حمقاء كهذه؟ ربما لو كتبت ما تريد قوله في رسالتها عوضًا عن ربطه بلوحتها السخيفة!!"

ورغمًا عنه انشق عبوس شفتيه عن ابتسامة واسعة قبل أن يشرع في تنفيذ أمنيها فطلب من العاملين فورًا تعليق اللوحة في صالة الفندق الفسيحة فيراها أي زائر ينزل بالفندق ويدرك أن ضيفة مجنونة عزيزة مرت به يومًا ما..

هل يستطيع المرء أبدًا إغفال بصمتك يا صديقتي؟
تساءل بحنين وهو يتطلع للوحتها التي أبرزت الجدار خلف موظف الاستقبال
"أتألم فقط لأنني لم أجد الفرصة لوضع توصيف لعلاقتنا الجديدة"
************
منذ استفاق في المشفى وهو يشعر أنه منهك من قمة رأسه إلى أخمص قدميه..

يرقب نظرات الشفقة في عيون أفراد أسرته والحنان الذي أغدقته عليه جدته بإفراط ويتعجب وكله يهفو لطرح سؤال وحيد ومُلح : ماذا حدث؟!!

وها هو اليوم الثاني منذ عودتهم للمنزل ولم يتذكر بعد سبب شعوره المبهم الذي يثير رجفته بين ثانية وأخرى...

"زوي! أين قميصي الأسود؟"

التفتت زوي مبهوتة تتطلع لشقيقها عاري الجذع الذي يقف عند باب غرفتها ..

وأجهشت بالبكاء وهي تقفز من مكانها تتعلق برقبته:"آه...ها أنت تعود لطبيعتك.. لا تفعلها مرة أخرى! سامحني! لا أنكر أن جانبًا من الخطأ يقع على عاتقي..."

وقطعًا لم يجد أدُولف سببًا منطقيًا لتصرفاتها فدفعها برفق وأعاد سؤاله غير عابئ بتحليل تصرفاتها.. إذ لا جديد فقد اعتاد جنون شقيقته :
"هل رأيت قميصي الأسود؟"

أمسكت وجهه بين يديها وقبلت وجنتيه بقوة دون أن تكترث لاعتراضه قبل أن تجيبه بحب:"سأجده لك في الحال..أليس القميص الذي دفعك لمغادرة فراشك؟! سأحبه بشدة!"

قطب أدُولف وسألها مستنكرًا :"ماذا ستحبين؟ لا بأس ..ابحثي عنه ولنرى"

ثم لحقها إلى الحمام حيث سلة الغسيل المتسخ:"ألم تغسليه بعد؟ أوووف..أريد الخروج!"

أجابته زوي تدفن وجهها في كومة الغسيل تتابع بحثها:"ها أنت ترى.. عدنا بكومة لانهائية من الغسيل المتسخ لأن جدتك رفضت أن نبيت ليلتنا الأخيرة في الفندق... كنت أبدل ملابسي خمس مرات أو أكثر في اليوم الواحد.."

رفعت رأسها إليه تضحك وتتابع حديثها قبل أن تعود للبحث أما هو فقد تجمد تمامًا وما تقوله يتعدى حدود جنونها...إنها تتكلم عن الفندق.. الملابس.. السفر.. مؤكد ليست رحلة خيالية في رأس شقيقته!!! إنها حقيقة .. هناك جزء لا بأس به من ذكرياته مفقود ..

يشعر بالتيه ..بالغربة..كأنه وليد الأمس!!!

"هاهو!"
انتبه لصياح شقيقته فالتقط منها القميص بذهن شارد وارتداه على عجالة برائحة العرق الملتصقة به وكرمشاته إثر التكدس مع غيره من الملابس ...
ثم غادر المنزل دون تباطؤ...
وسار في شوارع المقاطعة يتنفس الهواء عله يحمل له الذكريات..
يستنشق بعمق سامحًا لنسيم الصيف أن يتغلغل لروحه التي تلح عليه ليتصرف بطريقة لا يدركها..
يشعر أنه تلميذ يقف عاجزًا أمام اختبار مستعص.. تلميذ درس بجد فيتذكر لمحات من الإجابة دون أن تسعفه ذاكرته فيسترجع أكثر من ذلك...

رفع يده وأسندها لصدره فشعر بجسم صغير يستقر أسفلها.. كما أنه يضخ شرارات عجيبة لقلبه الذي بدأ ينبض بعنف كأنه ينبهه أنه على الطريق الصحيح...

فاستجمع شجاعته ليدخل يده في جيب قميصه... واستخرج لؤلؤة لامعة أدارها بين إصبعيه قبل أن يفغر فاه مع شعوره أنه يسافر عبر الزمن..و بيده بلورة تكشف له ما وراء البحار..

"هل تخشى أن ألامسك؟"

"اشتقت إليك"

"أرجوك عد للشاطئ"

استرجع إقامته في الفندق..لقاءه بها.. عينيها الآسرتين.. صوتها الشجي..
وأخيرًا والأهم حبه وولعه بها..

"اقتليني وأنا راض!"
تمتم بعشق لم يتزحزح قيد أنملة أو يبارح قلبه...
قبل أن يسارع في العودة للمنزل وقد تأكد له كيف تصرفت جدته في موقف كهذا!

استخدم مفتاحه وصفق الباب خلفه.. وكانت المفاجأة حين رأى اجتماع أفراد أسرته في صالة المنزل بانتظاره ...لم يحتج لتأكيد مع نظراتهم التي تشع بالقلق..
هرولت جدته تستقبله بلهفة:"أين كنت؟ قلقت عليك يا حبيبي"

إلا أنه لم يبادلها شعورها الدافئ و وجهه يكشف لها غضبه العارم..
"جدتي! أخبريني.. ماذا حدث بعد أن فقدت الوعي ؟ أي تصرف اتخذته بعد أن انكشفت لك الحقائق؟"

قطبت هيلانة تجاهد لاستيعاب مقصده وكيف أمدَته ذاكرته بتفاصيل كهذه!!

ليرفع يده باللؤلؤة التي أدارها بين إصبعيه متابعًا:"هذه كنت بوابتي لنايدا"

لزمت جدته الصمت حتى ظن أنها لن تبادر بأي رد فعل لكنه أجفل بضربتها المباغتة على يده في محاولة لإفقاده أثر حبيبته... إلا أن محاولتها باءت بالفشل وهو يقبض على الذكرى الوحيدة الباقية له بقوة وعزم...

فصرخت بغضب:"خلت أنك ستعود أدُولف العاقل من جديد...حفيدي المتزن.. لم أكن أعلم أنها تركت لك شيئًا من أثرها وإلا لأعدمته قبل أن تجده"

"بحق الله يا جدتي !! أي خطأ في حبي؟ لم لا أتمسك بفرصتي للسعادة؟"

ضحكت بخفة وأجابته بابتسامة سخرية:"فرصة السعادة ها؟!!! السعادة بالموت غرقًا بين أحضان المحيط!! إنك واهم لن تحظ يومًا برضاي ولن أسمح لشئ كهذا أن يتم"

وأضافت مقتربة منه تربت على كتفه بحنو في محاولة لسحب موقفها العدائي: "هذه التي تتوق للعودة إليها أقرت بخطئها وأيقنت أن صالحك في بقائك مع بني جنسك...هي من اعتزلتك "

ولدهشتها امتلأت عينا حفيدها بالدموع التي تدحرجت منهما رويدًا رويدًا..
حفيدها الذي لم يعترف يومًا بسلطة المشاعر وترك دائمًا القيادة لعقله يبكي لأجل حبه!!!
كان الأمر فوق قدرة استيعابها..نعم تؤمن بقدرة الحوريات وفتنتهن الطاغية لكنه أدُولف!!!

"ألا يمكنني ولو مرة المخاطرة لنيل سعادتي؟"

شددت هيلانة من احتضان وجهه بين كفيها ودمعت عيناها بالمقابل حين استطرد:
"هذه الأساطير التي تحفظينها وترددينها على مسامعنا ليلًا ونهارًا ألا يوجد بين صفحاتها طريقة لتحويل نايدا بشرية بقدمين لها القدرة على معاشرتنا للأبد دون أن تضطر للعودة للبحر؟"

"تطلب المستحيل يا بني! هناك قوانين كونية لا تتغير ولو اجتمع العالم كله لتغييرها"

استفزته عبارتها المستكينة التي وشت له بقدر استسلامها وجبنها عن المحاولة حتى وإن كانت سعادته متعلقة بهذا الأمر..
لينفض يديها عن وجهه ويصيح بها:"إذا دعيني لشأني ..لا حاجة لي بودك الزائف الذي يُعجزك عن مساعدتي"

وأسرع لغرفته بخطوات غاضبة صافقًا بابها خلفه في مشهد جمد أفراد أسرته الذين وقفوا كأن الطير على رؤوسهم مبهوتين من تصرفات أدُولف الجديد!!
**************
"هيا توقفي عن البكاء!"

"ولماذا أتوقف وقد حُرمت سعادتي؟ لقد خلقت قدري التعيس بتصرفاتي!"

ربتت أفروديت على ذراع نايدا الذي عاد لطبيعته وقالت بمواساة:
"كان الأمر خارجًا عن إرادتك ولم يكن بوسعك المقاومة .. لذا هوني عليك"

لكنها زادت في البكاء حتى امتلأ الفراش بلآلئها التي جعلت أفروديت تصيح بها:
"انظري إلي! هل كنت تبكين حين سلمت حبيبك لعائلته؟"

رفعت نايدا وجهها إليها وناظرتها بعينيها الحمراوين المليئتين بدموعهما الحبيسة بغير فهم ثم أومأت برأسها...
لتتابع أفروديت:"هذا الأمر غاية في الأهمية..لا شك أن ذاكرة حبيبك جعلتك أمرًا منسيًا وسيحتاج لشئ من أثرك حتى يتذكرك"

اتسعت عينا نايدا البائستين وسألتها بلهفة:"ماذا تقولين؟ كيف غفلت أمرًا كهذا؟ سلمتهم أدُولف ورحلت عنه بجبن وسلاسة..أعطيتهم الفرصة لإبعاده عني..هذا إن كان على قيد الحياة ولم يمت بسببي!!"

ضجرت أفروديت من استسلامها وتعاستها التي لا تبذل جهدًا لتغييرها فنهضت وأمرتها بصرامة:"استعيدي رشدك أيتها الحورية! إن كافئك القدر بإيجاد حبيب بشري كما تتمنين هل يكون هذا قبولك للعطية؟!!...إنه وقت العمل الجاد.. التفتي إلي وتيقظي لكل حرف أنطقه"

استقامت نايدا مستسلمة لأمرها ومسحت دموعها بضعف مثير للشفقة التي لم تشعرها العرافه بعد أن تلبست ثوب الصرامة وبدأت التوضيح:
"إن لم يقع بيده شيئًا من أثرك خلال أسبوع فسوف ينساك للأبد..ولذلك قررت الآتي سنلتقي بصديقه الذي يقيم في فندق الضفة المقابلة ونستعين به على هذا الأمر وهو سيكون حلقة الوصل بيننا"

"وماذا إن آذيته مرة أخرى؟ اجتماعنا من جديد لا يعني سعادتنا الأبدية! أنا مصدر خطر بالنسبة لأدُولف "

"نعم ..معك حق وهذا أيضًا بإمكاني مساعدتك فيه"

سارعت نايدا تتمسك بيديها تتوسلها سرعة الإفصاح:"أخبريني أرجوك!! كيف؟ كيف السبيل؟"

"الحل هو زواجكما..إن قبل حبيبك الزواج خلال شهر من تحقق أسطورة القمر الدامي فسوف تحصلين على خلاصك من سلطة القمر ويصبح لحبيبك كامل الحرية في مشاركتك السباحة والاستمتاع برفقتك في البحر دون خوف من فقدان ذاكرته"

بسمة خافتة ارتسمت على شفتي نايدا والأمل يطرق أبوابها إلا أن تحذير أفروديت جعله يتلاشى من جديد:"ولا تنسي أبدًا أنك لا تستطيعين البقاء خارج البحر لأكثر من شهر.. وهذه أيضًا تتخلصين منها بزواجك من البشري الذي وقع عليه الاختيار وامتلكت قلبه"

"إذا فقد صار القرار يتعلق بأدُولف إن قبل بزواجنا رغم ما فعلته به تحل جميع مشاكلنا ونصل لبر الأمان"

صمتت لثوان قبل أن تسأل بفضول:"لكنك لم تخبريني كيف ..."

فانفجرت أفروديت في الضحك وشرحت بهدوء:"أنا عرافه يا حوريتي الصغيرة.. عشت قرونًا متعاقبة أخدم شعبنا مستسلمة لقوانين مستعمراتنا حتى أصبحت حرة أقرر كيف أعيش حياتي..فاخترت الحياة على اليابسة أرقب البشر وأتشرب عاداتهم بشغف حتى التقيتك.."

"لقد ظننت أنني نجحت في مصادقة بشرية بهذه السرعة"

"ليس الأمر بهذه السهولة.. البشر لا يتقبلون الصداقات الجديدة ببساطة..أنا من أستطيع التمييز بسهولة بين شعبنا المتحول والبشر لذا كان سهلًا التعرف عليك وقررت أن أكون العرافه أيضًا على اليابسة فأساعدك على التكيف مع حياة البر.."

تقدمت من نايدا تمسك بكتفيها قبل أن تتابع باستحسان:"إنك من الحوريات القلائل الذين ينجحون في إيجاد سعاتهم لذا لا تدخري جهدًا لنيلها والتشبث بفرصتك .. قد تجد غيرك حبيبها البشري إلا أنها لا تهتدي للعرافه التي بإمكانها عقد قرانهما وإزالة الحواجز بينهما"


أفلتتها فتطلعت نايدا لهيئتها المزرية في مرآة الغرفة قبل أن تقول:"أنا ممتنة لوجودك ولن أخيب ظنك..لكن قبلًا أحتاج لقضاء نهار كامل في البحر حتى أستعيد عافيتي "

ابتسمت أفروديت وأجابتها بلطف متخلية عن لهجتها الآمرة:"نعم عليك فعلها .. استعيدي قوتك حتى تتمكني من الصمود والظفر بحبيبك...سيكون لقاءنا هذا المساء في الفندق ل.."

قاطعتها نايدا بحماسة:"لا تقلقي أعرف يوجين وبإمكاني إقناعه بالمساعدة.."

"أحسنت هكذا أريدك "
*************
"أبي يختار يومًا كل شهر ليكون إجازة العاملين فيغادرون الفندق باكرًا ويذرونه كالبيت الخرب مظلم وبلا صوت"

ضحك أدُولف رغمًا عنه وهو يستمع لشكوى صديقه قبل أن يسأله:"وأين نزلاء الفندق؟"

"لا أرى أحدًا منهم كأنهم اتفقوا على تأكيد وحدتي..أرجوك يا أدُولف عُد للفندق مرة أخرى وإن وحيدًا ..لا أحب هذا السكون"

"آه..ألا تدرك أن هذه هي مشكلتي يا يوجين؟ إن عدت إليك سأكون قد حكمت بوحدتي الأبدية..لا تظنني أبالغ .. أنا مرتبط بجدتي بشدة ولا أريد كسب سخطها.. أحب نايدا..أموت من شوقي إليها ولكن الانصياع لأمر جدتي ونسيان سعادتي تمامًا لاينفك يراود مخيلتي..أريد الاعتذار منها وقبول حياتي أيًا كانت طالما هذا يرضيها"

ضحك يوجين وأجابه:"ها أنت تعود صديقي الذي أعرفه وقد ظننتك تغيرت بسبب الحورية... "

"تظن نفسك في موقف أقوى مني فتسخر من معاناتي أيها الخسيس"

"لا..لا أظنني أفضل منك..أتعرف أين أنا؟ أجلس على الدرج الداخلي للفندق مقابلًا لمكتب موظف الاستقبال كأحد الشحاذين"

ضحكة خافتة أصدرها صديقه ثم سأل:"ولم ؟ هل يعرف الأغنياء أمثالك الشقاء كعامة الشعب من طبقتنا الكادحة؟!!"

"لهذا السبب بالتحديد أشعر بالوحدة والشقاء.. أفتقد شقيقتك الحسود التي اكتشفت أنني لم أقطع اتصالي بها منذ عرفتها يومًا واحدًا وهاهي غادرتني معكم وترفض إجابة اتصالاتي أو الإشفاق علي... صدقني لا أعرف ما يعنيه هذا الشعور ولكنني لا أستطيع الحياة من دونها..حياتي...."

قاطعه أدُولف منفعلًا:"ماذا؟ هل ظننت أنني سأكون جليستك عندما تهجرك شقيقتي أيها الوغد؟!! ضع بنفسك اسمًا لشعورك وتصرف بطريقة صحيحة وإلا فاقطع علاقتك بي .. خسيس ..خائن!!"

لم يعرف يوجين سبب هذه الشتائم التي انهالت عليه وغمغم ببؤس بعد أن أنهى صديقه الاتصال:"ما الخطأ الذي ارتكبته؟ اشتقت إلى صديقتي فأجلس أمام لغز لوحتها بائسًا! هل يجعلني جهلي بالمشاعر خائنًا؟!!"

أخفى وجهه بين راحتيه بيأس ثم رفع وجهه شطر لوحتها ليجد أربعة عيون تطالعه في ظلمة صالة الاستقبال فانتفض من مكانه صارخًا وأخرج هاتفه يضيئ الكاشف على عجالة..
لتهدأ نفسه حين تبين وجه نايدا المألوف.. لكنه صرخ بها بذعر بعد أن استعاد حقيقتها الأسطورية:"ماذا تريدين مني؟"

وتنبه لمرافقتها العجوز حين نطقت:"خذنا لغرفتك ولنحظى بحديث هادئ.."

وتابعت تغريه بالقبول حين استقرأت الرفض من لغة جسده:"أستطيع تفسير سر اللوحة التي تطالعها منذ وقت وفي المقابل عليك أن تقبل بمساعدتنا"
*************
في اليوم التالي..
وقف أدُولف في شرفة غرفته يراقب الأفق بقلب مثقل بأحزانه... هاهي الشمس تسعى حثيثًا للمغيب كأنها تطالبه بالاستسلام لمصيره.. فلن يرى حبه النور يومًا!!
مال على سور الشرفة مستندًا بمرفقيه وغطى وجهه بكفيه ..أي ألم هذا؟! الأيام تمر وهو لازال عالقًا دون قدرة على اتخاذ القرار..
رضا جدته أم سعادته؟!!
العقل أم المخاطرة؟!!
حياته الهادئة أم الحياة العاصفة؟!!

ثم أحس بربتة والدته الحانية على كتفه وصوتها الذي يشيع في نفسه السكينة: "هون عليك يا أدُولف "

اعتدل ملتفتًا إليها لتلقاه بكلها ضامة إياه إلى صدرها ..تبثه من نبع أمانها...
ثم رفعت وجهه إليها وأحاطته بكفيها .. فشعر أنه عاد طفل السابعة الذي لطالما لقنته والدته دروس الحياة...
حيث قالت:"هل تظن أن الأمر معقد إلى هذا الحد؟ أنا لا أهتم مثقال ذرة بالأسطورة حين تصارع الحب... لاشك أن كفته ستكون الراجحة ..كلي يقين بهذا"

سالت دمعة شاردة من عينه سرعان ما مسحتها والدته وتابعت:"لقد كنت من القلة الذين حظوا بنعمة الحب يا بني.. غرفت من معين والدك الذي لا ينضب وشعرت بلذة الحياة إلى جواره...وهذا ما أرجوه لك يا عزيزي"

أنزلت كفيها عن وجهه لتشد بهما على عضديه وقالت مثيرة كل عصب داخله يشتاق وصال حبيبته:"ألا تجد حبك قويًا كفاية ليحطم الأسطورة ويحقق ما بان للعيان مستحيلًا؟! يمكنك نيل سعادتك ورضا جدتك معًا..جد طريقة لإقناعها بالأمر! لم يكن الطريق للسعادة يومًا سهلًا ولكنه ليس مستحيلًا أيضًا...
أنت وُلدت هكذا يا عزيزي وُلدت هادئًا..لم تطلق صرخة الحياة ككل مولود..بكينا كثيرًا أنا ووالدك حين ظنناك فارقت الحياة لكنك لم تخيب يومًا ظننا حاربت وتمكنت من التقاط أنفاسك الأولى في الحياة بعد جهد من الأطباء.. لهذا كنت أدُولف محاربنا الشجاع الذي رغم هدوئه يظفر بكل حروبه"

كأن غمامة كانت تحجب عنه الرؤية تلاشت عن عينيه إذ ضم والدته بقوة ممتنًا:"أحبك يا أمي..أحبك..سأكون حريصًا على نيل سعادتي مثلك.. إن كنت سأحارب الأسطورة أو البحر..المنطق أو المستحيل..فلأفعل..نايدا تستحق سأحارب للاجتماع بها ونيل مباركة جدتي"

بادلته والدته الاحتضان وقد زال ثقل حزنه عن كاهلها ونجحت في إسعاده.. وهو منى كل أم ينبض قلبها بعشق أبنائها أن ترى انعكاس الرضا والسعادة في أعينهم فتشعر بالمثل..
ثم طرق مسامعهما جرس الباب و صوت آزاد يرحب بأحدهم فخرجا يستطلعان هوية القادم وإذ به يوجين يحمل هدية مغلفة مع باقة ورد..

ناظره الثلاثة باستغراب تضاعف بقوله:"أدُولف إليك الحل لمشكلتك مع نايدا.. ولكن بشرط أن تساعدني لنيل مرادي "

بعد دقائق وهما يجتمعان في غرفة أدُولف..
ليشرح يوجين كل ما يتعلق بالأسطورة وأن الحل هو الزواج..
فعلق أدُولف بسخرية:
"لو أن أحدًا ذكر كلمة الأسطورة فقط أمامنا منذ شهر!!"

تضاحك الصديقان وهما يستغربان تحول أفكارهما بالكامل في فترة وجيزة..
ثم قال أدُولف:"ليت قرار الزواج بهذه السهولة يا يوجين..رغم استعدادي للمحاربة حتى أفوز بحبي إلا أن شبح الخوف يقف حائلًا أمامي .. حتى بعد كل ما شرحته! استرجعت كل شئ بدقة وشعور الندم الذي ساورني بعد تحول نايدا المفزع رغم أنني رافقتها بإرادتي الحرة... "

"حسنًا لا يوجد ما أقوله ولكن هناك من ينتظرك عند سيارتي "

انتفض أدُولف يتساءل بلهفة وشعوره يؤكد له هويتها وسارع ليستطلع الأمر إلا أن يوجين استوقفه :"وأنا يا بني؟ ماذا بشأني؟ ألن تخبر شقيقتك عن رغبتي في لقائها"

دفعه أدُولف عن طريقه:"اذهب واطرق بابها.."

وسرعان ما كان يفتح باب الشقة ويتركه مُشَرعًا دون اكتراث..

تنحنح يوجين أمام النظرات المتسائلة من الثلاثة المجتمعين في صالة المنزل وتصنع الأدب قائلًا:"سأرى زوي قبل ذهابي"

ولحقه صوت هيلانة الساخر:"ولا تنسى الهدية أيها المسكين!!"

"آه شكرًا لتذكيري"
ابتسم بسماجة شاكرًا ملتقطًا هديته قبل أن يقصد غرفة زوي البعيدة عن الصالة نسبيًا ..
واسترجع تفسير أفروديت عن مغزى اللوحة:
"هذه إيكو ساكنة الجبال والوديان التي عاقبتها أحد الآلهة بفقدان القدرة على النطق والتعبير عما تريد فصارت مجرد صدى لما يقوله الناس في الوديان والأماكن الخالية.. وحين رأت نركسوس وفُتنت به لم تستطيع الإفضاء له بما في قلبها وراقبته بصمت حزين وهو ينظر لانعكاس صورته في البحيرة ويتسمر أمامها"

وتذكر اعتراضه الحانق وقتها:"أذكر هذه الأسطورة جيدًا..هل ترمي إلى أنني شخص نرجسي سيموت يومًا بسبب إعجابه بنفسه؟"

فصرخت به (ليستشعر أنها زوي من تصرخ بعد أن ضاقت به ذرعًا):"ألا تملك ولو القليل من الذكاء لتفهم؟ الفتاة صاحبة اللوحة التي أخبرتني عنها مغرمة بك وتعجز عن إيصال شعورها إليك بينما أنت ملتفت لنفسك فقط معنيًا بإشباع رغباتك كأنك لا تبصرها حولك"

"حقًا! هل كنت وغدًا إلى هذا الحد معها؟!! أنا أيضًا أشتاق إليها ولا أعرف ما يعنيه الحب لأبادلها إياه"

صمتت أفروديت تمامًا وأوكلت الأمر لنايدا التي ضحكت قائلة:"هذا هو الحب يا يوجين...أن تفتقدها ما إن تفترق عنها..ألا يمر يومك دون أن تفكر فيها.. استمع لقلبك واذهب لمراضاة حبيبتك..هذه زوي أليس كذلك؟"

"نعم إنها هي..من عذبتها معي كما يبدو"

"بإمكانك الإصلاح فلم يفت الأوان بعد.. "

طرق الباب بخفة متعمدة حتى لا تنتبه زوي لوجوده فترفض استقباله ودخل بسرعة مغلقًا الباب خلفه وقد أعطاه تفسير أفروديت جرأة ما سيعرضه على حبيبته الآن..

لتصعقه هيئتها الرائعة إذ ارتدت قميصًا قصيرًا يكشف عن بطنها المسطحة مع شورت قصير جدًا وصل بالكاد إلى منتصف فخذيها... ترقص على أنغام أغنية تايتنك..
Once more, you open the door
And you're here, In my heart
And my heart will go on and on

Love can touch us, one time
And last for a life time
And never let go till we're gone
كانت قد أغمضت عيناها وتشبثت بدب من الفراء الناعم يصل لطولها تراقصه على أساس أنه يصلح شريكًا للرقص!!
تتركه لوهلة وتدور حولها نفسها ثم تعود للتشبث به فاستغل يوجين إحدى لحظات دورانها ليبعد الدب بركلة من قدمه ويقف أمامها..
Love was where I loved you
One true time I hold to
In my life ,we'll always go on
تحسست زوي الجسد الصلب أمامها الذي لا يمت بصلة لدب طفولتها الرخو وتشبثت به بقوة غير قادرة على مقاومة الرقص معه مهما بلغ سخطها عليه!!
You're here , there is nothing I fear
And I know that, My heart will go on
Will stay for ever this way
You're safe in my heart
And My heart will go on and on
وفتحت عيناها بنهاية الأغنية تتحقق صدق توقعها..
"وها أنا ذا أتيت أبادلك الاعتراف..لا أشعر بالأمان والسكينة إلا في حضورك"

تملصت زوي برفق من ضغط ذراعيه دون أن تنطق بحرف وتحركت مبتعدة عنه فالتقط يوجين هديته من الأرض وقدمها إليها..

فلم تبادر لقبولها في البداية لكن ما هي إلا ثوان حتى غلبها فضولها فالتقطت منه المغلف تفضه ببعض السرعة ثم سألته بامتعاض:
"هل اشتريت لي مستحضرات العناية بالبشرة الأصلية كهدية لأرضى عنك؟!"
وألقت بهديته على سريرها بغير اكتراث..

فابتلع يوجين لعابه وتراجع جهة الخزانة إتقاءً لشعلة الغضب المتقدة في عينيها ..
حيث تقدمت منه ممسكة بتلابيبه كأنها على وشك خنقه وقالت:"أتيت تهينني! هديتك لا تحمل في طياتها إلا الإهانة ومع ذلك تنتظر أن أستقبلها بالبشر وربما أعطيتك قبلة محبة كدليل على قبولي إياها.."

أجابها يغظيها بالمقابل:"وأنت أهنتني حين استبدلتني بدبك هذا...بربك أي شريك رقص هذا؟"

فدمعت عيناها رغمًا عنها صارخة به تهزه بقوة:"وهل وجدت غيره ورفضت؟"

ليمسك يوجين بقبضتيها الصغيرتين ويقبلهما.. فارتجفت زوي رغمًا عنها.. لكنها حافظت على تعبيرها الغاضب وهو يبعد يديها قائلًا:"اسمحي لي أن أعرض الجزء الآخر من هديتي قبل أن تصدري الحكم"

وأخرج دفتر رسم ظنت زوي أنها لن تراه في جعبته من جديد..وقال وهو يتصفحه بحثًا عن بغيته :"لأجلك فقط قررت العودة لشغفي السابق وقاسمنا المشترك"

تطلعت زوي للوحته التي يعرضها عليها إذ رسم رُبانزل بشعرها الطويل المتوهج لكنها تحمل ملامحها وخلفها يوجين بذات ملابسه وهيئته لكنه بملامح يوجين الخاص بها هي التي ظهرت هائمة برفيقته المميزة وهو يمد يديه ليلامس شعرها كأنه يستقي منه وهج الحياة..

تكلم يوجين عندما طال صمتها:"أردت أن أرى تعبيرك عندما ترين لوحتي ولذا لم أرسلها مع أدُولف كما قررت في البداية.. الآن بإمكانك أن تفهمي سبب هديتي الأخرى يا زوي..إنني أريد الحفاظ على زهرتي الذهبية نادرة الوجودة يانعة مشرقة تمدني بالسعادة طوال حياتي"

ثم ركع مخرجًا ورقة مذهبة معلنًا:"سنفتتح معرضًا يضم لوحاتنا كجزء من نشاط فندق أبي..ألا ترين أنه مهر مناسب لتقبلي الزواج بي؟"

جثت زوي متعلقة بأحضانه تبكي متأثرة من السعادة التي أهداها لها في هذه اللحظات القصيرة فمحت كل ما سبقها كأن لم يكن..

ليرفع وجهها إليه يتطلع فيه دون أن يتخلى عن وجودها أسيرة حضنه ... هل ستتاح له الفرصة أخيرًا لينال قبلته الأولى من حبيبته ؟!
تشابكت العيون في حديث مطول وتقلصت المسافات...

"نحن لانزال هنا يا عصافير الحب"
انتفض الاثنان حين فتحت الجدة الباب على حين غرة وضربت الأرض بعصاها بحزم مع قولها الزاجر..

ثم أمرت حفيدتها الخجلة التي تشع عيناها ببريق السعادة :"تعالي إلى هنا يا فتاة"

جاورتها زوي بصمت وقد ثبتت عيناها على أرضية الغرفة.. فهتفت الجدة بيوجين كذلك:"هيا عد لوالدك يا فتى.. لا أريد أن أراك جوار حفيدتي قبل تحديد موعد الزواج "

نفذَ يوجين أمرها على مضض وهو يغمز لحبيبته الخجلة فرافقته ضربات الجدة على ظهره وساقيه حتى عتبة المنزل..
بينما ضحكت زوي من صياحه الذي لم تعره الجدة اهتمامًا..

"أرجوك يا هيلين..احفظي لي بعض الهيبة أمام زوجتي المستقبلية"

ضحكت هيلانة رغم الحزن الكامن في عينيها وتركت زوي تقص على والديها كيف عرض يوجين عليها الزواج.. وذهبت للشرفة من جديد تتطلع لأدُولف في أحضان الحورية يضمها بشغف!

وهناك حيث التقى الحبيبان أخيرًا..
"آسفة..آسفة ... خفت كثيرًا أن تنساني لخطأ غير مقصود"

فضمها أدُولف إليه غير قادر على إبعادها عنه يشعر أنه لن يروي أبدًا ظمأه إليها:"أنا أيضًا أخطأت بالتغافل عن تحذيرك.. الأهم أنك تركت دمعتك اللؤلؤية عالقة في جيب قميصي لتعيد إلي ذكراك"

"هذا من حسن حظي أيها البشري الحبيب"

ثم رفعت رأسها إليه وسالت دموعها تخبره بأسى:"بعد أن شرحت لي كل المعوقات التي قد تؤخرك عني أجد أنه من العدل مصارحتك بالحقيقة كاملة.. نحن الحوريات لا يمكننا التعامل مع الحزن ونعاقب أنفسنا على هذا الشعور"

ناظرها بقلق مستفهم لتتابع:"لا يمكنني البقاء على اليابسة بشكل متواصل مدة شهر كامل أحتاج العودة للبحر بين حين وآخر...وفي الآن ذاته العودة للبحر تعني الانتعاش والسعادة التي لن أسمح لنفسي بالشعور بها حتى اجتماعي بك"

"لا تقوليها.."
"بل أقولها وبقوة يا أدُولف إن تجاوزت الشهر دون أن تتمكن من العودة للفندق فإنك لن تجدني...الموت رحمة بي إن لم أحظى بك حبيبًا"




noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 01:21 PM   #10

noor1984

مشرفة منتدى قلوب احلام وأقسام الروايات الرومانسية المترجمةوقصر الكتابة الخياليّةوكاتبة،مصممة متألقة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية noor1984

? العضوٌ??? » 309884
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 23,038
?  نُقآطِيْ » noor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond reputenoor1984 has a reputation beyond repute
افتراضي




الخاتمة
جلست نايدا على الشاطئ بذات الثوب الزهري الذي أحضره لها أدُولف من قبل.. مرت عشرة أيام وعشرة أخرى.. توقفت عن العد وسلمت بمصيرها ستبقى هنا على هذا الشاطئ حتى يضعف قلبها ويتوقف عن النبض نهائيًا..
لن تحظى بالحب الذي تمنته ولذا لا يمكنها أن تعود للماء فتستعيد نشاطها وبهجتها وتحيا كأن شيئًا لم يكن.. لقد كان أمرًا عظيمًا بحق!..
كيف يكون البشر قساة إلى هذا الحد فيرفضون حبًا كالذي نشأ بينهما؟!
وإمعانًا في الإخلاص لحبيبها البشري.. طلبت من أفروديت أن تُسمعها تلك الأغنية التي شاركتهم غناءها على القارب...
"عد يا أدُولف فقد حفظت الأغنية وسأغنيها لك"
همست بها وقد بدأت دموعها تسيل ناثرة اللؤلؤ حولها دون اهتمام أنها تجلس في وضح النهار ظاهرة للجميع..
Come down to the Black Sea
Swimming with me, ah-ooh, ooh
Go down with me, fall with me
Let's make worth it, ah-ooh, ooh
توقفت عن متابعة هذا المقطع لتغني آخر بصوت متهدج من فرط بكائها..
You rise I fall, I stand you crawl
You twist I turn, who’s the first to burn?
You sit and stay, I don't obey
Where do we land in the black sea?
Uuuuh in the black sea
Where do we land in the black sea?

You're giving up, I'm tired
The tug of war that we're playing
I'm not giving up, I’m trying.. to tell you, to tell you...

Uuuuh inject your advice to me
Uuuuh incinerate our shackles
وهو المقطع المفضل لديها إذ يعبر عن حالهما معًا فقد تركها تحترق وحدها بنار حبه وهاهي لازالت تبحث عنه لتخبره كم تحتاجه وكم تتوق لتحطيم قيوده التي تعوقه عنها!!
تركها وحيدة مع أغنية وذكرى عينيه الزرقاوين اللتين سبق وقبلتهما...
انتهت الأغنية ولم تنفذ لآلئها بعد... صار صوت شقهاتها أعلى وهي تكرر الجملة الأخيرة وصدى حنينها إلى أدُولف انتقل لقلبها الذي يأن بضعف..

"بحق الله ! ستقتلين نفسك من البكاء .. حتى حوريات البحر يملكن هذا القدر من الدموع والكآبة!!"

التفتت نايدا لتجد أدُولف واقفًا خلفها يشاكسها كعادته ... يرتدي قميصًا بنفس اللون الذي ترتديه.. وكأن زرقة عينيه صارت أكثر تألقًا ولمعانًا أم أنه الشوق ما يزينها في ناظريها؟!

فاندفعت إليه ترتمي بأحضانه المرحبة ومررت يدها في شعره بجنون:"كدت أموت شوقًا.. "

رفع أدُولف وجهها عن صدره يتطلع فيه بشوق دون أن يهتم بإجابتها فظنت أنه سيقبلها وتمنت ذلك من كل قلبها.. لكنه قال باستخفاف:"إن قبلتك الآن وأنت بهذا الضعف ستختنقين وتموتين بين يدي..هيا!"

لم تفهم نايدا فحوى جملته وما يرمي إليه بدفعها بعيدًا عنه .. إلا حين اقتربا من البحر ليدفعها أدُولف داخله بسهولة..
"استعيدي حوريتي ذات الشعر النحاسي المتوهج والجنون المطلق أولًا"

شهقت نايدا في البداية بصدمة ثم سرعان ما اتسعت ابتسامتها التي استحالت إلى قهقة بصوت مرتفع والماء يغمرها... حركت ذيلها باستمتاع ونثرت الماء جهة أدُولف الذي وقف على مقربة من الشاطئ..

ثم اقتربت منه حيث جثى على ركبتيه ليصبح مشرفًا على عينيها الصافيتين اللتين تلمعان شغفًا وعشقًا له وحده..
قبل أن تهمس بها بكل ما تكنه له من مشاعر أثقلت قلبها:"أحبك.. سأظل أحبك للأبد"

بادلها أدُولف النظرات العاشقة قبل أن تستحيل إلى أخرى خبيثة عابثة:"ماذا تنتظرين؟.. استعدت نشاطك فاخرجي إلي"

لكنها سبحت للخلف رافضة:"لا.. لن أخرج "

فأقر بخبث أشد:" لقد سبق ورأيت كل شئ يا عزيزتي..هيا..هيا.. هل اكتفيت مني بهذه السرعة؟"

"أنت تذكر! هل دققت النظر إلى كل شئ حقًا؟"
سألته بصدمة ليجيبها بإيماءة من رأسه مع بسمة واسعة يستعيد بالتفصيل كل جزء من جسدها نُقش داخل عقله من تلك اللمحة العابرة في لقائهما الأول ليلًا..
فتابعت بذهول:"لكنني سمعت عن شهامة رجال هذه المنطقة"

"آه عن الشهامة! خدعوك إذا.. ولأكون أكثر صراحة.. الرجل يستحيل أن يكون شهمًا في موقف كهذا"

"أيها الدنئ لن أخرج إليك..اذهب عني"

قهقه أدُولف يراقب خلودها لقاع البحر قبل أن يتحرك عائدًا للفندق ليتابع استعدادات زفافهما القريب الذي لم تعطه الفرصة ليخبرها عنه..
*************
خلال أيام تم تعليق الزينة في كل شبر من فندق السيد إلياس احتفالًا بزفاف وحيده وصديقه المقرب..
وهكذا وجد أدُولف نفسه بين أحضان جدته في غرفة الفندق تبكي فراقه:"لا تبتأسي يا حبيبتي سأزورك دائمًا..لكنها أفضل الحلول التي وجدتها لحياة آمنة مع نايدا بمبعد عن العيون الحاقدة التي حذرتني منها طويلًا"

"أنا سعيدة لسعادتك..سامحني إن قسوت عليك في أي لحظة لكنني لم أبتغ يومًا غير صالحك"

شدد أدُولف من احتضانها وهو يسترجع لحظات حزنه وانعزاله بعد قرار نايدا الانتحاري ثم محاولته للاعتذار من جدته ونيل رضاها.. حتى ظفر بها أخيرًا بعد أن جمعها بأفروديت والتي شرحت لها كل شئ وكيف بوسعها توفير الأمان ليتزوج نايدا ويعيشا بهناء إلى الأبد..
لكن قراره الأخير بتغيير محل إقامته لتحظى حبيبته بحريتها إن أرادت يومًا الرجوع إلى البحر كان عصيًا على جدته وتأخرت بقبوله بعد وضع الشروط والمحاذير...
وعلى كل فهو يعد ما حدث بمثابة معجزة خاصة حين أهداه يوجين جزيرة منعزلة يملكها في كندا لتكون له..

واستعاد مزاحهما بشأنها..
"هل يجوز إهداء شئ ضخم كهذا يا بني؟"

فضرب يوجين مؤخرة عنقه قائلًا:"هذه إحدى مزايا مرافقة الأثرياء أيها المعدم الشقي!"

وحين اعترضت زوي شاعرة بالظلم لفقدها شيئًا ثمينًا كهذا كان يمتلكه خطيبها.. شاكسها يوجين:"سنقضي معهما شهر العسل هناك يا عزيزتي.. أما باقي عمرنا سيكون في المعرض حيث الفن والجنون وفقط!"

عاد للواقع مقبلًا كتف جدته بمودة قائلًا في عادة جديدة كسبها منذ صرخ بوجهها مدعيًا زيف مشاعرها تجاهه:"أقسمي أنك سامحتني يا هيلين"

"أوووف..سئمت منك ..سأذهب لرؤية حفيدتي قبل أن يلتهمها صديقك العابث"
ليلتفت أدُولف مقهقهًا يضع اللمسات الأخيرة أمام مرآته..
************
ضمها يوجين أقرب ما تكون إليه حيث أنفاسه تداعب وجهها..وذراعه يحتضن بشرة ظهرها العارية التي راح يضربها بخفة هامسًا:
"خيرًا؟..ما الذي أراه آنسة زوي؟"

تطلعت زوي لعينيه من هذا القرب وأجابته:"فستان زفافي! "

"حقًا!"

هذه الحرارة التي تسري بينهما وتجعل كلاهما يتحرق لوصال الآخر..دفعت زوي لتعترض بضعف:"لا يصح أن تقترب مني بهذا الشكل ..لست زوجي بعد"

فتجاهل يوجين اعتراضها قائلًا:"أراك تنفذين اتفاقنا وتريدين أن تزفي بقميص نومك هذا"

إذ ارتدت فستانًا من الدانتيل بحمالة واحدة ينسدل على صدرها كاشفًا عن جزء منه ويضيق بشدة نزولًا نحو فخذيها اللذين غطاهما بطبقة خادعة من الدانتيل الشفاف قبل أن ينتهي بطبقات متعددة من الشيفون ..

ليبدو الوضع معقولًا إلى الآن ..أما ظهرها فحدث ولا حرج إذ كشفه الفستان بالكامل مبرزًا استدارة مؤخرتها ...

"هل تظنين أنني سأسمح لك باستعراض جسدك أمام نزلاء الفندق؟"

"وما العمل إذا؟"

"سأخبرك حالًا"
أجابها يوجين بلهفة قبل أن يبادر بخلع سترته وفك أزرار قميصه.. فتراجعت زوي متوجسة ...

وتحقق توقعها حين دفعها يوجين للفراش خلفها متوعدًا:"ها قد وقعت في قبضتي أيتها الفاتنة"

"يوجين!! لا يجوز ابتعد عني ! علينا الإسراع لأن المدعوين..!!"

قاطعها بشغف:"باركت الجدة علاقتنا وانتهى الأمر لن أنتظر إعلان الزواج.."

ولم يسمح لها بالمزيد من الاعتراض قبل أن يدخلا معًا هذا العالم السحري حيث تتواصل الأرواح وتتلاقى القلوب فيضع الشريك بصمته على شريكه بلطف وحميمية تأخذ بمجامع المرء فتذره كمُدمن لا يقوى على فراق حبيبه..

بعد دقائق..
طرقت هيلانة باب غرفة حفيدتها وحاولت فتحه لتجده محكم الغلق من الداخل..
نادتها باستغراب:"زوي! ألم تنهي ارتداء فستانك بعد؟"

لتناظر زوي العاشقة حبيبها بهيام غير قادرة على النطق وأشارت له بعينيها أن يتولى الأمر..
فهمس في أذنها:"هل أنقل إليها صورة كاملة عما كنا نفعله؟"

اندست في صدره العاري تضحك بخفوت ووجهها الأحمر الدافئ يداعب بشرته فطوقها يوجين بذراعيه صائحًا:"سنكون في الأسفل خلال نصف ساعة يا جدتي"

وصلهما صوت ضربات عصا الجدة على الباب بغضب قبل أن تقول:"أسرعا يا عديما الحياء.. العرافه على وشك الوصول!"

غرقا في نوبة من الضحك المتواصل بعد انصرافها قبل أن يقترح يوجين:"لم لا نكرر التجربة ونترك الحفل لأدُولف ؟!"

"بل علينا الإسراع هل نسيت أن العرافه ستعلن زواجنا بعد؟"

"ولم ؟ لقد تزوجنا رسميًا وانتهى الأمر"

أحاطت زوي عنقه بذراعيها وأخبرته بلطف:"أريد هذا بشدة يا حبيبي..ألا تعلم أن زواجنا على يدي العرافه يعني أن ترتبط أقدارنا إلى الأبد؟"

مط يوجين شفتيه كأنه على وشك الاعتراض فأردفت زوي:"تزوجت مهووسة الأساطير ولا يحق لك التذمر"

"حسنًا ..أعطيني رشوة مغادرة الفراش..ومن الأفضل أن تعتاديها وتبتكري فيها لأنها ضرورية لإقناعي"

لكن زوي غافلته وتملصت منه مسرعة للحمام :"رشوتك هي تغيير فستاني الذي أفسدته أيها العابث! لا تحلم بأكثر من ذلك"

فلحقها يوجين محاولًا فتح باب الحمام المغلق :"سأنال منك يا زوي!"

"حظًا موفقًا فيما بعد"
وصله ردها الضاحك فابتسم رغمًا عنه وبهجة وصالها لا تزال تسيطر عليه فيشعر برغبته في الضحك إلى الصباح ...لقد نال مراده وضمن السعادة الأبدية برفقة حبيبته المجنونة..
**************
في محفل من المدعوين ونزلاء الفندق وقفت العرافه بردائها المميز تردد عبارات الولاء والإخلاص أمام كل زوجين فتسمع أصوات التصفيق والتهليل تغطي ترديد الأزواج عباراتها.. حتى أعلنت ضاحكة انتهاء المراسم..

فسارع يوجين بسحب زوجته إلى ساحة الرقص بينما وقف أدُولف مقابلًا لنايدا يتطلعان إلى بعضهما بانبهار..

لا يصدقان أن العوائق بينهما قد انهارت بهذه السرعة..

لقد تم الأمر..اجتمعا برضا ومباركة العرافه والجدة..

"ما إن تنتهي هذه الليلة حتى نأخذ طريقنا لجزيرتنا المنعزلة.. ستحققين حلمك أخيرًا بالحصول عليَ خالصًا لك وحدك وبرضاي التام"

دمعت عيناها لا تكاد تصدق الأمر!

ودون أن تنطق بحرف جذبته إليها تقبله بقوة غير عابئة بالمكان أو الزمان..
ليشهد فندق السيد إلياس تحطم الأسطورة بعزم حبيبين أبيا إلا السعادة!

عن ليلة عشق صيفية
عن حلم نام بأيدينا
طفلاً بثياب وردية
وامرأة سكنت أعماقي
في قصة حبٍ أبديّـة
"فاروق جويدة"


تمت بحمد الله





noor1984 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:34 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.