آخر 10 مشاركات
في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          بأمر الحب * مميزة & مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          هيا نجدد إيماننا 2024 (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          443 - سر الأميرة - كارا كولتر ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          كاثرين(137)للكاتبة:Lynne Graham (الجزء1من سلسلة الأخوات مارشال)كاملة+روابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          6 - موعد مع الغرام - روزمارى كارتر - ع.ج ( إعادة تنزيل )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-20, 02:05 AM   #1

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile25 شعله بين الضلوع ،للكاتبة/ أسيل الباش "مصريه" فصحى (مكتملة)






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعضاء روايتي الغالين نقدم لكم رواية

((شعله بين الضلوع ))

للكاتبة/ أسيل الباش



قراءة ممتعة لكم ......




التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 20-11-20 الساعة 03:02 PM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 02:07 AM   #2

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رابط لتحميل الرواية


هنـــــــــــــــــــــــ ـــا




المقدمة
الحفل يعج بالحضور.. وصوت الاغاني عال صاخب.. تقف بفستان اسود وحذاء ذو كعب عال.. بينما شعرها القصير نسبيًا مرفوع بطريقة عشوائية وبعض الخصلات الشاردة انسدلت لتهب وجهها ذو الملامح الجميلة الهادئة سحرًا خاصًا..
رباه ما اجمل هذا الأجواء.. أجواء الاعراس وارتداء الفساتين الجديدة والقصيرة.. لطالما عشقت الاناقة وكل ما يخص جمال الانثى.. كانت واثقة بجمالها ولكن واثقة أيضًا أن يومها سيمر دون شيء يُذكر.. كالعادة لا جديد!

اتسعت عيناها بانبهار وهي تتطلع حولها بفضول..
القاعة كانت كبيرة معدة بطريقة منظمة جميلة جدًا.. ومعظم الحاضرين كانت تعرفهم الا القليل منهم بسبب كونهم اصحاب العريس حازم الذي يكون ابن عمتها..
انتبهت إلى وجود بنات عمها فتابعت النظر حولها تتفقد الوجوه لتعرف اصحابهم..

صوت الاغاني كان عاليًا صاخبًا كما تعشق تمامًا وكل شخص في الحفل مشغول بأمر ما بينما هي كانت تقف مكانها تتعرف على الحضور بعينيها..
امتدت يدها بشكل تلقائي لتزيل احدى خصلات شعرها الشاردة على وجهها وينقبض فؤادها بذات اللحظة بألم غير طبيعي.. كان هو! وسط الجميع كان هو موجودًا! ما الذي يفعله في حفل خطوبة ابن عمتها بحق الله! ليس من العدل أن تراه بعد عامين لم تعرف أو تسمع اي خبر عنه خلالهما!

ازدردت غصّتها الكاتمة أنفاسها وهي ترى فتاة ما تجلس بجانبه.. هو لا يملك أي شقيقات.. لا يملك سوى شقيق واحد! هل هي خطيبته؟! لا بد انها خطيبته! فكرت بمرارة ولكن لا لا! لا يجب أن تضعف بعد كل هذه الفترة الطويلة التي كانت تعد بها نفسها للقائه يومًا ما.. هي قوية! هي بكل تأكيد بإمكانها أن تتماسك وتطمس وجعها تحت قلبها دون أن تسمح له حتى بالظهور على ملامح وجهها.. ولكن والله هذا ليس عدلًا.. كيف تراه بعد عامين وليس لوحده بل مع خطيبته! كيف ستتحمل بحق الله؟! كيف؟

رأته كيف انتبه لتحديقها المذبهل به.. رأت كيف تلألأت عينيه السوداوين بمشاعر عاطفية هي أكثر واحدة تعرفها منه.. عطره البعيد جدًا كانت تشعر به داخل مسامات روحها وأنفاسها.. كانت مخدرة.. لا تدري أهو من الالم ام من تأثيره عليها حتى بعد كل هذا الغياب الطويل!

اقتربت منها فجأة ابنة عمها وزوجة شقيقها عبير والتي هي الوحيدة فقط من تعلم عن علاقتها السابقة بكريم.. بادلتها الاء سلامها لتهمس لها عبير بصوت منخفض:
- هل رأيت من هنا؟
- أجل رأيت وعلى ما يبدو أنها زوجته!

همهمت عبير بتأييد لتقول الاء بلا مبالاة ظاهرية:
- ايًا كان... لا يهم!

انتبهت لشقيقها إيلام الذي كان يقف خلفها يذهب ليلقي التحية على الحاضرين وفور أن رأته يتوجه إلى طاولة كريم تركت زوجته عبير وسارت نحوه بخطوات سريعة ثم اوقفته وهي تمسك يده لينظر لها ايلام بإستغراب ويتساءل:
- ما الامر؟

- ما خطبك؟ فقط اريد أن أرافقك وانت تقوم بتحية الحاضرين.
اجابته الاء ليهز رأسه على مضض ثم يتابع سيره نحو طاولة كريم.. فيقف الآخر ليرد التحية بينما هي شعرت أن قلبها سيقف لا محالة.. لا يجب أن تكون هكذا! عليها أن تكون ثقيلة!
توسلت نفسها أن لا تنسى ما فعله وان لا تدع كل تعبها يذهب هباء.. لا يجب ان تبدو أمامه انها مهتمة له بعد كل هذه المعاناة حتى تصل إلى ما هي عليه اليوم..

رأته يصافح إيلام ثم يتطلع إليها بمشاعر مختلطة.. ما بين خوف ولهفة.. شوق وتوتر.. كانت جميلة.. جميلة جدًا وهو اشتاق لها.. اشتاق لها بجنون.. أكثر مما يتصور..
قال كريم بينما يمد يده لها ليصافحها:
- مبروك.. عقبالك.

ابتسمت آلاء باغراء متعمد وردت بينما تمد يدها هي الأخرى لتصافحه لأقل من ثانية فقط قبل ان تسحب يدها:
- شكرًا.

أشار كريم إلى الفتاة التي تقف جواره وعرّفهما قائلا:
- ثناء خطيبتي!

على الرغم من كونها كانت تدري مسبقًا انها خطيبته وتصنعت عدم المبالاة وتحدّت نفسها وذهبت بنفسها لتواجهه الا أنها شعرت بجمر حار يكوي قلبها.. لماذا؟ لماذا فقط هي تتألم هكذا؟ الوجع كان رهيبّا بشكل لا يطاق بينما تقول بنبرة مجروحة:
- مبروك!

أشاحت بنظرها عنه لتنظر إلى خطيبته وتبارك لها هي الأخرى.. كانت فتاة متوسطة الجمال والطول بعينين جوزيتين.. ترتدي فستان وردي اللون وحجاب بنفس اللون.. تمامًا كما أرادت امه.. بالتأكيد يجب أن يأخذ من مستواه!

انسحبت بعد ان قالت انها يجب ان تتابع السلام على الحضور.. وبعد ان باركت للعروسين وقفت بعيدًا قليلًا تتأمل الحفل الذي امامها.. كل شخص مشغول ببهجته الخاصة او افكاره بينما هي الله وحده يدري بحالها.. كانت ترجو الله فقط ان لا تخونها عينيها وتنظر الى المكان الذي يجلس به كريم..
دنى منها ابن عمها محمد والقى السلام عليها فغمغمت:
- اهلًا محمد.. عاش من رآك!

ضحك وهو يلقي عليها نظرة تقييم شاملة من أشهق رأسها حتى أخمص قدميها لتومض عينيه بإعجاب شديد بجمالها..
كانت آلاء قلّ ما تراه حينما تزورهم او العكس.. دائمًا ما يكون في عمله او مسافر او برفقة اصدقائه..
- عقبال يومك.

بشكل عفوي نظرت الى كريم الذي يجلس بعيدًا عنهما بجوار خطيبته فتابع محمد مسار نظراتها بحدقتيه الى ان عادت نظرها اليه وقالت بمرح قبل ان تغمز له:
- اذا كان لديك صديق وسيم بالتأكيد سأوافق.

- ان شاء الله قريبًا.
علّق محمد مبتسمًا ثم عاد يتطلع امامه لتقول بسرعة:
- مستحيل! اين انا واين الزواج؟ انا الزواج لا يليق بي.. كنت فقط ابادلك المزاح لا غير.. بصعوبة اجيد تدبير اموري فكيف لي ان اقوم بهذا الجنون واتزوج!

هز رأسه ضاحكًا دون ان يعلق.. لدقائق بقي بجانبها.. فقط الى ان حضر المأذون.. ثم تركها وحدها لتشاهده يتوجه للحديث مع العريس بما لا يهمها وهي ذهبت لتجلس مع عائلتها.. جلّ ما تريده ان ينتهي هذا اليوم وتغادر هذا المكان الخانق.. في اعماقها حقد وقهر تجاه اللعين كريم.. تود ان تحطمه.. ان تهشم له وجهه ووجه تلك الفتاة التي بجانبه..

بعد ان جلسا العريس والعروس بجانب بعضهما وبدأ المأذون بقول آيات قرآنية واحاديث تخص الزواج وقف محمد امام الجميع وأوقفه قائلًا:
- لحظة شيخنا قبل ان تتابع!

كل الانظار تسلّطت عليه بإستنكار وتعجب.. فتطلع محمد الى آلاء ثم الى والدها وهتف:
- بما ان جميع اصحابنا واهلنا واقاربنا مجتمعين اليوم ولا يوجد اجمل من هذا التجمع ولا من هذه المناسبة وسعادة عمي بإبن شقيقته انا اطلب يد ابنتك الاء منك على سنة الله ورسوله لتكون زوجتي.. واتمنى ان توافق وها انا امام الجميع اطلب ابنتك منك وادري انني محال ان اجد اجمل وافضل من آلاء! واذا كنت موافقًا يا عمي لندع الشيخ يعقد لنا ايضًا بما ان الجميع موجود وبدلًا ان يعقد كتاب واحد يعقد اثنين.

هذا ماذا يقول؟ ما الذي تفوه به بحق الله؟ وكأن تم القاء دلو كبير من الثلج على وجهها! هذا بالتأكيد ليس بواعٍ لما نطق به! هي تتزوج محمد ابن عمها!! لا مستحيل! مستحيل! واين تتزوج؟ امام كريم!!

تطلعت الى والدها باستنجاد لتجد والدها يحدق بها بتوتر.. ثم رأته كيف نظر لمحمد وقال:
- انت ابني يا محمد وانا محال ان ارفض لك طلب ولكن هذا زواج.. فبالنهاية الجواب سيكون عند الاء وستأخذه منها وليس مني.

رشقت والدها بنظرات مصدومة.. كل من في الحفل ينظر لها.. جميع العيون تحدق بها بترقب منتظرة منها الجواب.. هذا زواج وليس خطوبة او مجرد كلمة تقولها وبعد ان تغادر القاعة تغير رأيها وتزجرهم على هذه المهزلة التي احدثها محمد وتقول انها لا تريده.. لا هذا المجنون يريد ان يتزوجها الآن! ولكن كيف بحق الله يريد ان يتزوجها وهي تعرف من شقيقاته انه يحب فتاة ما كان من المفترض ان يتزوجها.. ما ذنبها هي؟ لماذا اقحمها بهذا الجنون؟! لماذا يريد الزواج بها؟ لماذا؟!

ستجن لا محالة.. هذا كثير يا الله! والله كثيرة عليها هذه الصدمات.. تطلعت الى والدها والدمعة تقف على باب عينها تود التحرر من عقالها.. ترجوه ان يساعدها.. ان ينقذها من هذه المصيبة.. ان يحميها ويعترض.. ولكن والدها مزّق نياط لبّها وهو يهمس لها:
- هذا ابن اخي يا ابنتي.. واخي والد محمد الغالي ايضًا.. يعني لا استطيع ان اقول له لا! ماذا تريدين مني ان اقول لأخي؟!

يا الله! والدها يفاقم الضغط عليها.. لا يسهل لها جوابها.. نظرت الى امها عسى ان تلمح بعض الدعم بعينيها ولكنها لم تنال غير الصمت.. الصمت فقط! اخوتها جميعهم مبتسمين! لا يوجد غير الله ليساعدها! لا احد يدري حجم المعاناة التي تقاسيها..

سمعت عمها والد محمد يقول بحنو بعد ان وقف:
- انت ابنتي يا الاء مثلما هو ابني.. صدقيني انت ستأخذينا نحن وليس محمد.. وثقي بربنا وبي انني لن ادعه يومًا يحزنك بكلمة واحدة.. وكما قلت انت ابنتي وايضًا ستأخذيننا نحن يعني محال ان ادعه يؤذيك ولو بحرف وانت تعلمين جيدًا ان كلمتي لا تصبح اثنتين.. واي شيء سيء يفعله لك ستجدينني بنفسي اقف رادعًا بوجهه!

نظرت آلاء مرة اخرى لوالدها فغمغم برجاء:
- هذا اخي يا ابنتي!

- ابي...
غمغمت بألم تتوسله ان يرأف بها.. ارادت ان تقول لا لست موافقة.. تمنت ان تعترض ولكن والدها قاطعها بسرعة وكأنه ادرك ما تود قوله:
- هل تريدين مني ان ارفض لشقيقي اول طلب يطلبه مني؟

"آه يا أبي.. ليسامحك الله فقط على هذا الموقف الذي وضعتني به! كيف تحاصرونني هكذا؟"
همست بأنين في اغوارها وهي تتطلع الى الجالسين وحينها بدأ الهتاف.. كلهم ينتظرون موافقتها.. كلمة اجل! ما هو الحل؟ اين المهرب؟ كيف ستفر هاربة من هذا المأزق؟

للمرة الأخيرة نظرت الى والدها واستنبطت الخوف في عينيه من رفضها.. خوف لأول مرة تراه في عينيه.. خوف وفي نفس الوقت مترقب متلهف ليسمع موافقتها.. اغمضت لعينيها تنعي نفسها للحظة ثم همست وكأن تودع حياتها بنفسها.. وكأنها ذاهبة للاعدام! الحروف انبثقت من فمها كخناجر تطعن حلقها وفمها:
- اجل موافقة!

تعالى صوت التصفيق والزغاريد وهي لا تتمنى غير الاختفاء بل الانقراض! كيف وافقت؟!! كيف؟
في هذه اللحظة نسيت كريم تمامًا.. فقط نظرت الى محمد ونسيت كل شيء يخص كريم! بالتأكيد ستحدث مصيبة اذا تم عقد قرآنها على محمد..
زلف محمد منهم وقبّل رأس والدها:
- شكرًا عمي!

وضع والدها يده على ظهر محمد وقال:
- هذه امانة عندك يا بني.. اعطيتك اغلى ما املك والغالي فقط للغالي.

- ان شاء الله سأحافظ عليها!
طمئنه محمد قبل ان يفعل المثل مع والدتها.. وبعد دقائق احاط والدها بيدها بيده وسار بها وجوارهما محمد نحو الشيخ.. تمنت ان لا ينتهي الطريق.. تمنت ان لا تصل الى المنصة حيث يجلس المأذون.. تمنت وتمنت ولكنها وصلت في نهاية المطاف وقعدت بجانب والدها..

من جهة والدها اليمنى كان يجلس المأذون اما من الجهة اليسرى فإبن عمتها حازم وخطيبته بالاضافة الى والديهما.. اما أمامها هي كان يجلس محمد..
لم تسمع اي كلمة قالها الشيخ.. عقلها وقلبها غادرا جسدها.. تود فقط ان تلقي نفسها بزاوية ما وتجهش ببكاء عنيف.. لم يكن حلمها ان يتم زواجها بهذه الطريقة.. تود الصراخ والعويل.. كيف ستتقبل ان زواجها وخطوبتها حدثا بهذه الطريقة وتحت تأثير هذا الضغط! لماذا يا الله هي من بين الجميع!

كانت ترغب ان يكون يوم خطوبتها مميز.. ان تأخذ المهلة الكافية كأي عروس قبل ان تعطي رأيها ولكنه حاصرها.. اوقعها بفخ مستحيل ان تنجو منه.. هي لا تريده.. لا ترغب به.. لا تتمناه زوجًا لها.. لم يكن هذا الحبيب والزوج الذي تتمناه..

احتدت اوجاعها والصداع كاد ان يفتك برأسها والدموع اخذت تقاومها بعنف لتبكي ولكنها لا تريد ان تبكي.. ليس امامهم!
تطلعت الى محمد لتجده بالمقابل يتفرس النظر بها بإنتصار وابتسامة خبيثة تزخرف ثغره.. لم تفهم.. لم تفهم اي شيء.. انزلت رأسها وهي تحس ان تم غدرها.. تم اجبارها.. ولكنها بغير قادرة على الاعتراض بحرف.. كأنها مقيدة.. الجميع ينظر لها وكريم...! رباه كريم! لقد نسته في غمرة صدمتها..

لا بد ان كريم يراقبهما.. لا بد انه يرى زواجها بغيره.. تكذب لو قالت انها لا تشمت به.. ولكن في نفس الوقت تتمنى ان يتم زواجها هذا به وليس بمحمد الذي اجبرها بطريقة غير مباشرة ووضعها تحت الأمر الواقع دون ان يسمح لها التفكير بالإعتراض..
وسط زوبعة افكارها المتلاطمة داخل رأسها سمعت صوت الشيخ يقول:
- ابنتي آلاء هذه هي المرة الثالثة التي اسألك واكرر كلامي.. واذا بقيت صامتة سأعتبر انك رافضة هذا الزواج!

كيف لم تسمعه؟ بل متى عقد قرآن حازم وخطيبته حتى يعقد لها ولمحمد! تمالكت نفسها بصعوبة وحاولت ان تركز قدر الامكان.. فبعد دقائق سألها مرة اخرى:
- هل تقبلين بمحمد الأيهب زوجًا لك على سنة الله ورسوله بحاضر قدره أربعون الف يورو وبغائب قدره خمسون الف يورو على الصداق المسمى وعلى سنة الله ورسوله؟.. اذا قبلتِ قولي نعم قبلت وانت وكيلي.

في هذه اللحظة كلمة الم لم توفي حق ما تمر به.. كانت تحتضر.. تلفظ اخر انفاسها.. تتمزق والآه تخنق روحها وتحرق قلبها.. كانت تقاوم بشدة الانتحاب امامهم.. بصوت مخنوق متحشرج تمتمت:
- نعم قبلت وانت وكيلي.

صارت زوجته خلال اقل من ساعة.. زوجته هو وليس زوجة الرجل الذي تعشقه.. انتهى كل امل قد يربطها الآن به.. انتهى كل شيء!
المباركات والتهنيئات كانت تأتيها من كل صوب ولكنها لم تكن تسمع.. لم تكن تنظر الا الى محمد الذي حطّم كيانها في اقل من ساعة! عائلتها وعائلته الفرحة لم تكن تسعهما.. يمطرونها بالقبلات والكلمات الجميلة ولكنها تتألم.. تتألم بحق!

بإبتسامة فرحة دنى محمد منها وقبّل رأسها ثم ضمها الى صدره قبل ان يبتعد عنها قليلًا ويقول بجدية مثيرة للاستهجان:
- انتبهى الى قميصي ان يتسخ من احمر الشفاه التي تضعينه.
وتابع وهو يرفع وجهها بطرف اصابعه:
- الف مبروك!

من صدمتها بالكلام الذي نطق به بقيت تحدق بوجهه بذهول.. هل هذا منطقي حتى يقول لها ان تنتبه الى قميصه الأبيض كي لا يتسخ بموقف كهذا! لا بد انه معتوه حتى يقول لها هذا الكلام في حين هو من عانقها وليس هي! لا يعقل! غير منطقي اطلاقًا هذا الرجل!

ابتعدت عنه قليلًا بينما لا زالوا الحاضرين يباركون لهما وللعروسين.. بعد ان انتهوا تقصت بحدقتيها عنه.. عن كريم ولكن كالعادة هرب! غادر واختفى..
بسرعة اتجهت الاء الى الحمام الخاص بالسيدات واغلقت الباب خلفها وهي تبكي وبنفس الوقت تريد ان تضحك لأنها انتقمت لنفسها المكلومة من كريم.. رغم المها ووجعها الا انها تدري في قرارة اعماقها ان زواجها من محمد كان الضربة القاضية له.. وخاصةً ان تتم خطوبتها بالاضافة الى زواجها امام عينيه هو..

الم يتهمها بكونها كاذبة وبكونها مخطوبة وكونها تستغفله؟ والله الآن اثبت براءتها وكم انه شخص غبي.. ولكنه خسرها فعلًا.. لم يعد ينفع ندمه ولا غيره..
القت نظرة اخيرة على نفسها في المرآة ثم جففت دموعها وهي تعد نفسها انها ستجد حل ما لهذه المصيبة التي وقعت بفخها بكل سهولة..
عدّلت زينة وجهها التي تشوهت بسبب دموعها ثم عادت الى مكانها على طاولة اهلها..

لم تلحق ان تطلق انفاسها الا ووجدت محمد فوق رأسها يمد لها يده بينما يقول بهدوء:
- هل نرقص؟

القت نظرة بسيطة على يده وهي تفكر بحسرة هل بقي على هذا الأمر فقط؟!
وثبت من مكانها وهي تضع يدها بيده وسارت برفقته نحو ساحة الرقص..
ارتعشت فور ان شعرت بيديه تحيط ظهرها وتقربها اليه فتلقائيًا ارتدت خطوة الى الخلف.. هي ليست معتادة ان يلمسها اي رجل غير والدها واخوتها ومحمد كان اقل شخص تختلط به من اولاد عمها سليم كلهم.. علاقتها به شبه معدومة.. هو غريب.. من كل النواحي تراه غريبًا..

حدجها بنظرات متعجبة، متسائلًا باستغراب:
- ماذا هناك؟!

- لا.. لا شيء!
همست بتوتر ليجذبها الى حضنه مرة اخرى ويديه تطوقان ظهرها بإصرار غريب..
لماذا لا يفهم انها غير معتادة بعد على قربه منها؟.. هي غير مرتاحة.. غير معتادة ولكنه يبدو كثور لا يفهم!
وضعت يدها خلف ظهره ليجذب محمد يدها الثانية ويغلغلها داخل يده قبل ان يهمس لها بالقرب من اذنها:
- هكذا اجمل، اليس كذلك؟

رفعت رأسها لتتطلع اليه فإبتسم وهمس بمرح:
- قبل قليل كنتِ تقولين انك تريدين عريس وسيم والله سرعان ما استجاب لك وحقق امنيتك واحضر لك عريس وسيم وتزوجك ايضًا.

ابتسمت دون ان تعلق وهي ترى فرق الطول الشاسع بينهما.. محمد طويل القامة.. طويل جدًا خاصة بالنسبة لقامتها القصيرة.. من ناحية جمال فهو فعلًا وسيم.. اجمل من كريم وأطول منه ايضًا..
سمعته يقول بعض الكلمات باللغة الألمانية الا انها لم تفقه منها حرفًا فتساءلت بإستفسار لانها لا تجيد غير اللغة الهولندية والفرنسية في هذه الدولة ليضحك هاتفًا:
- لم تفهمي ماذا قلت، اليس كذلك؟
- لا، ماذا قلت؟

- لا شيء.. فقط تبدين جميلة جدًا.. واخيرًا اصبحتِ زوجتي!
اجابها بينما لا زال يراقصها لتطالعه بعدم فهم وتعجب.. اخيرًا ماذا قال؟ لا.. لا تود ان تفهم.. يكفيها صدمات الى هذا اليوم بداية برؤيتها لحبيبها السابق كريم ومعرفتها بخطوبته الى زواجها السريع بابن عمها محمد.. اجترعت بما يكفي من كأس الصدمات..

بعد دقائق اخبرته انها تريد ان تجلس فتمتم موافقًا دون ان يحرر ظهرها من يده.. اوصلها الى مكانها وهي لا تزال قريبة منه ثم غادر ليقف بجانب الرجال.. وحينها تم تبادل الخواتم بين العروسين وبعد ذلك تم تقطيع الكعكة الخاصة بإبن عمتها وعروسه.. الاجواء كانت فعلًا جميلة.. الجميع كان مبتهجًا.. الا هي كانت استثناء!

رأته يقبل عليها مرة اخرى فطمست تنهيدة حارة في صدرها.. لا يبدو انه سيدعها وشأنها اليوم! امسك يدها وهمس لها:
- تعالي معي.
نفذت وسارت بجانبه ليقف بجانب مجموعة من اصدقائه وبعض الاقارب..
- ابقي واقفة بجانبي.

كانت تسمعهم يتحدثون وهي كأنها بكماء.. غير قادرة على قول كلمة واحدة.. تريد ان ينتهي هذا الحفل وتهرب من هذا المكان.. حينما انتبهت ان اهلها يجهزون انفسهم للمغادرة كما يفعل الجميع انسحبت من المجموعة بينما لا يزال هو يشاركم اطراف الحديث..
لا تدري كيف انتبه خلال اقل من دقيقة انها ليست بجانبه ليتطلع حوله فيجدها برفقة اهلها تود ان تلقي السلام على عمتها وابنها وخطيبته وتغادر..

- هل ستغادرون؟
تساءل محمد بعد ان وقف بجانبهم فأجاب والدها رحيم بنعم لتردف عمتها بلطف:
- مبارك لك ايضًا يا عمتي.. بدلًا من عرس واحد سيقام اثنين.

رد عليها محمد بإحترام قبل ان يخرج برفقتهم الى خارج القاعة ويوقفها مكانها:
- انتظري دقيقة.

- سننتظرك.
سمعت ما قالوه اهلها قبل ان يغادروا للركوب في السيارات.. تطلعت اليه لمعرفة ما يريده فيفاجئها حالما انزل رأسه ولثم خدها:
- مبارك لنا حبيبتي.. وان شاء الله اليوم مساءًا سنتحدث.. حسنًا؟

قبّلها مرة اخرى فهزت رأسها موافقة وغادرت وهي تشعر انها جسد بلا روح.. مجرد آلة بالكاد تسير على الأرض.. كل ماضيها بكريم انتهى وبدأ حاضرها ومستقبلها مع محمد.. مع ابن عمها التي لا تحبه ولا تعرف عنه تقريبًا اي شيء.. والله وحده يعلم مصيرها المجهول..

----------------------
يتبع..

رأيكم بالمقدمة؟
وتوقعاتكم للأحداث؟

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش




التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 19-11-20 الساعة 11:09 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 02:08 AM   #3

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الأول
يا حسرةَ قلب على نفسه من الشتات..
وروح متمردة تقاوم العذاب حتى الممات..
حبيب في الماضي يتخلى ثم يتوسل البقاء..
وقريب أم غريب يقترب قسرًا بكل خيلاء..
والضياع يستوطن العقل وهنيئًا بالأوجاع..
يا ويل النفس من الام وفواجع الأقدار..
بكل دقيقة من حال الى حال ويتفاقم الشقاء..
وحنين ولهفة الى الماضي كداء السراب..
وبقاء اجباري ولا مجال للإعتراض والخيار..

--------------‐---------
دوامة الضياع كلما تجذبها اكثر الى اعماقها.. لا تزال تحاول ان تفهم بأي متاهة تم القائها.. كل ما حدث يمتص من قدرتها على التفكير بعقلانية ويبث الخمول في روحها.. هي ضائعة.. خائفة.. تائهة..
تود ان تشارك احد همومها.. ان تتكئ على ظهره فيرسو بها على بر لإيجاد حل لمصائبها وهمومها..

حاولت ان تخرج مما هي به بالحديث الى صديقاتها..
حاولت ايجاد نفسها التائهة المصدومة ولكن عبثًا.. لا قلبها الخافق بجنون وهي ترى اتصالات كريم المتكررة منذ انتهاء الحفل ساعدها ولا حتى اتصالات محمد..
نظرت امامها وهي تفكر بحديثها مع صديقاتها.. لا تدري هل يجب ان تنفذ ما قالته صديقتها ليسا أم تتجاهل الأمر كليًا.. تنهدت بعد ان ارسل لها رسالة يطالب بها ان ترد على اتصالاته ففعلت..

كانت هذه المرة الأولى التي تتحدث بها مع محمد لمحاولة التعرف عليه.. كان يحاول ان يتعرف عليها اكثر باسئلته وهي كذلك الأمر.. وللحظات مجددًا هاجمت كلمات ليسا عقلها.. يجب ان تخبره.. اذا لم يعرف منها الآن سيعرف من غيرها لاحقًا.. خاصةً ان كريم صديق شباب العائلة.. لذلك غمغمت بعد تردد:
- محمد قبل ان نتابع حديثنا اريد ان اخبرك عن موضوع مهم.. انا في الواقع كنت على علاقة بكريم!.. ذلك الشاب الذي كان اليوم في الحفل.. انا اريد ان نبدأ علاقتنا بطريقة صحيحة دون كذب ودون اسرار.. وبما انني لا اريد ان اخفي عنك اي شيء فقط اخبرتك.

توقعت ان ينفعل.. ان يغضب.. توقعت اي رد منه الا هذا الرد الذي اجج نيران الغضب في ثنايا قلبها:
- جيد انك فتحت ذلك الموضوع.. لم اتوقع انك ستتحدثين عن علاقتك السابقة به.. وبما انك لا تريدين ان نخفي اي شيء عن بعضنا البعض فيجب ان تعلمي انني ادري يا الاء.. انا اعرف منذ فترة طويلة عن علاقتك بكريم وانا الذي ابعدته عنك!

لم تستوعب.. لم تفهم.. ماذا يقول؟ هو من فرّق بينها وبين كريم.. استعرت ثناياها كالبركان وهي تسمعه يخبرها كيف عرف عن علاقتها بكريم.. فهتفت بقهر وعنفوان:
- لا يحق لك.. لا يحق لك ان تتدخل وتتصرف بهذه الطريقة.. انا لا افهم بصفتك من تتدخل!

- انا ابن عمك.. من حقي ان اتدخل.. بالتأكيد لا تتوقعين مني ان اراك على علاقة بشاب غريب واصمت او ابارك لك! وليست اي علاقة.. علاقة عاطفية! حب! بالاضافة الى كونه لو كان يحبك صدقًا لم يكن سيتخلى عنك فقط من كلمتين.. هو بسرعة تركك وذهب ليتابع حياته وخطب.. ويبدو لي ان ما فعله كله لا يهمك.. الا زلت تريدينه؟

- كريم انتهى من حياتي.. هو خارج حياتي الآن.. ولكن مع كل ذلك لا يحق لك ان تفعل هذه التصرفات وتقوم بالتفرقة بيننا.. علاقتي به تعود فقط الي انا.. هي خاصة بي انا وليست بك!
هتفت آلاء بحدة ليرد بهدوء ينافي تمامًا استنفار اعصابه غيرةً وغضبًا:
- انا رددت اليك كرامتك.. العرض الذي فعلته اليوم كان لأجلك.. انا جعلته يرى كم هو شخص غبي لأنه خسرك!

ضغطت على الهاتف بيدها بقوة وهي تهمس بمرارة قبل ان تغلق الخط دون ان تسمع رده وتضع الهاتف بوضعية طيران:
- وانا لعبة بينك وبينه، اليس كذلك؟ تصرفاتك هذه انانية فقط.

******************
بعد يومين لا تدري كيف مرّا.. ما بين غضبها من محمد وما بين استنكارها من اتصالات كريم التي لا زالت لم تنتهي بعد.. كل ذلك يوترها ناهيك عن سفر والدتها الذي يُفترض ان يكون غدًا لتزور عائلتها في العراق.. وضغطها عليها لتذهب الى عزومة بيت عمها والد محمد على الغداء..

هي صدقًا لا ترغب برؤية محمد ولا الحديث معه.. منذ اخر مرة اتصل بها لم تعد ترد على اتصالاته وهو في الواقع لم يحاول كثيرًا.. فضل ان يدعها تستوعب لوحدها كل ما حدث بداية من زواجهما الى معرفتها بكونه هو السبب في ابتعاد كريم عنها..

وفي حين تقف في متجر الملابس التي تعمل به فكرت ان تتخذ من تأخرها في عملها وعدم سماح المسؤول لها بالخروج مبكرًا حجةً كي لا تذهب الى العزومة وتضطر الى رؤيته.. ولكن ها هي مرة اخرى تتصل والدتها لتخبرها بضرورة حضورها لان هذه العزومة تتم بسبب خطوبتها بمحمد بالاضافة الى سفرها الى العراق..

على ما يبدو ان لا مفر لها من هذه العزومة فعلًا فحتى طلبها من والدتها بانتظارها باءت بالفشل قائلة ان تتبعهم الى منزل عمها..
قضمت آلاء شفتها السفلى بحنق.. كيف ستتصرف حينما تراه وهي لا تطيق مجرد النظر في وجهه؟ هل تتجاهله؟ اجل ستفعل وستتصرف وكأنه ليس موجودًا..

بعد ان انتهت ساعات دوامها خرجت من المتجر وعلى ظهرها حقيبة مدرستها.. عملها كان رغبة منها للاعتماد على النفس وليس له اي علاقة بالوضع الاقتصادي فوضع عائلتها ممتاز بفضل الله..
بينما تسير الى محطة الباصات اوقفها صوت بوق سيارة ما لترفع نظرها عن هاتفها وتنصدم برؤية محمد الجالس بسيارته..

ما الذي يفعله هنا؟ فكرت بتساؤل وهي تسير نحو سيارته فيرفع جسده قليلًا عن مقعده ويفتح لها باب السيارة دون ان يخرج قائلًا:
- اصعدي.

تطلع اليها من الأعلى الى الأسفل ورويدًا رويدًا استهلت حدقتاه بالإحمرار واعصابه بالانكماش.. كانت آلاء ترتدي قميص طويل يصل الى ما فوق ركبتيها بقليل وحذاء رياضي ابيض اللون.. وشعرها القصير مرفوع الى الأعلى بعشوائية بينما تضع زينة وجه خفيفة جدًا كما معتادة ان تفعل بشكل يومي..

لم تعلق على الطريقة التي ينظر بها اليها.. فهي لم تكن مجرد نظرة.. كان يتفرس النظر بها.. ولكنها لا زالت لا تعرف طباعه.. وبكل صراحة لا يهمها ان تعرف في الوقت الحالي.. جل ما تود معرفته الآن هو سبب قدومه الى مكان عملها.. وما الذي يريده..

صاح محمد بصوت عنيف وهو يرشقها بجمر نظراته السوداء:
- ما هذا الذي ترتدينه؟ كيف تخرجين من المنزل فقط بهذا القميص؟! فقط قميص ترتدين! هل انت مقتنعة بالذي ترتدينه!

لم تعقب على صراخه ولم تعلق ايضًا لأنها لم تشعر بذرة خوف منه.. جل ما تحاول استيعابه هو معرفة ما الذي دهاه.. اجل هي ترتدي قميص ولكنه طويل وليس قصيرًا لينفعل هكذا!

اخذ نفس عميق علّه يهدأ قليلًا فهي لا تعرفه به بما فيه الكفاية ثم استأنف:
- اسمعيني يا الاء.. انت الآن زوجتي.. يعني انك اصبحتِ على ذمة رجل.. هذه الملابس ممنوعة.. هي محرمة عليك منذ الآن.. انا محال ان اسمح لك بإرتداء هذه الملابس ابدًا.. هل فهمت ام لا؟

انزلت قميصها قليلًا الى الاسفل بينما تعتدل بجلستها.. ثم تطلعت للطريق امامها بلا مبالاة قبل ان تعيد نظرها اليه وتقول ببرود:
- لا لم افهم.. اولًا بإمكانك ان تقول لي هذه الكلام حينما اصبح في منزلك.. حينها ستتمكن من التحكم بي وتقرر لي ماذا ارتدي وماذا لا.. ثانيًا ما خطبها ملابسي؟ هل تراني دون ملابس؟ انا ارتدي ملابس كما ترى والقميص طوله مقبول وجدًا ايضًا.. اين الخطأ به؟

جاهد على تهدئة عصبيته كي لا يتهور بتصرفاته فهمس وهو يشد على حروفه بعصبية:
- الآء.. هل رأيت نفسك قبل ان تخرجي من المنزل؟

ادارت وجهها بملل وركزت نظراتها على الطريق الذي امامها:
- أجل رأيتها.. وابي ايضًا رأني بها ولم يعلق.. ثم انت هنا منذ فترة طويلة جدًا.. ليس من اليوم او البارحة.. انت هنا منذ ان كنت في العاشرة من عمرك اي انك تربيت هنا.. في بلجيكا.. يجب ان تكون ملابسي عادية بالنسبة لك لا ان تحاسبني عليها.

- اسمعيني.. صحيح كلامك بكوني تربيت هنا ولكن لكل شيء حدود.. محال ان ادع امرأتي تجعل كل الناس تنظر الى جسدها وساقيها.. هل تفهمين؟
هتف بإحتدام وهو يحدجها بنظرات حارقة قبل ان يصرخ بجنون:
- قميص! قميص يا الله ترتدي!

اغمضت عينيها لتأخذ نفس طويل ثم غمغمت:
- اجل فهمت انني ارتدي قميص.. لماذا انت عصبي وتصرخ؟

- تسألني لماذا انا عصبي؟ انت لا زلت لا تعرفيني.. عندي انا هذه الملابس ممنوعة.. أتفهمين؟
زمجر وهو يكاد ان يصل فعلًا الى حافة الجنون بينما يكاد يحطم المقود من قوة ضغطه عليه فلا تعر غضبه اي اهتمام وهي تطالع غضبه بإستخفاف منتظرة القادم من تصرفاته.. لذا ردت بعناد:
- لا لم افهم.. لأنني معتادة على ارتداء ملابس كهذه منذ ان كنت في العراق.. اي ليس من اليوم او البارحة هذه ملابسي.. واتيت الى هنا وبقيت على نفس الحال.. اذا عجبك او لم يعجبك فهذا يعود اليك وهذه مشكلتك.. عندما اكون في منزك بإمكانك ان تتحكم بي كما تريد.. ثم انا ارى ان ليس كل شيء الملابس.

- لا يهمني كل هذا الكلام.. لا كيف كنت في العراق ولا هنا.. الآن سأخذك الى المنزل لتغيري ملابسك ثم سنذهب الى منزل اهلي.. لقد اتيت لأخذك من عملك الى منزل اهلي ولم اكن اعلم انني سأجد كارثة في انتظاري.. مستحيل ان ادعك تدخلين منزل اهلي بهذه الملابس! هذا ما ينقصني فقط ان أدعك تذهبين بهذا القميص!
تمتم بغضب مكتوم لتفضل الالتزام بالصمت وعدم الرد عليه.. وفور وصولهما الى منزلها بسرعة ترجلت من السيارة ليفعل المثل هو الاخر فهتفت به:
- ماذا تفعل؟ الى اين ستذهب انت الآخر؟

تجاهلها تمامًا وهو يأمرها بفتح باب المنزل لتتأفف الاء بامتعاض وتنفذ قبل ان تسير امامه غير مكترثة به.. ولكن حينما شعرت به يتبعها الى غرفتها هتفت بحدة:
- الى اين تظن نفسك ذاهب؟ انا سأغير ملابسي واعود.. لماذا تلحق بي؟

اعصابها حرفيًا استهلت بالإنفلات من عقالها وهي ترى تجاهله التام لاعتراضها ومتابعته السير الى غرفتها.. لحقت به بخطوات عصبية لتتسع عيناها بصدمة وهي تراه يعبث بدولاب ملابسها ويرمي ما لا يعجبه منها..

- ما هذا؟ لماذا ترمي ملابسي؟
صاحت آلاء باستنكار غاضب ليتابع ما يفعله وكأنه لم يسمعها الى ان وجد ما يصلح ارتدائه فيرمي عليها ما اخرجه ثم يقول بنبرة متسلطة:
- لديك عشر دقائق حتى ترتدين البنطال والقميص.. وخزانتك هذه يحتاج لها تغيير شامل بسبب الملابس التي بها.. ممنوع ان ترتدين اي شيء من هذه الملابس لان كلها لا يتم ارتدائها لوحدها ابدًا.

- هيّا لا تتأخري.
اضاف محمد قبل ان يخرج من الغرفة بينما لا تزال آلاء متسمرة مكانها.. سارت بخطوات بطيئة نحو باب غرفتها لتغلقه وهي صدقًا تكاد ان تفقد عقلها ولكنها تخشى ان ترد عليه مثلما يجب في حين هما لوحدهما في المنزل.. لا احد برفقتها..

القت نظرة اعتراض على ما اخرجه لها.. بنطال جينز وقميص وردي.. تنهدت بوهن قبل ان تبدل ثيابها وتخرج.. هي متعبة حرفيًا.. يومها كان حافلًا.. في الصباح مدرستها ومن ثم عملها ومن ثم تحكم محمد الغير منطقي بملابسها خاصةً انها لا زالت لا تعرف طبعه ولا تعرف عنه اي شيء مثلما يجب بالاضافة الى خجلها منه والتقائها به لأول مرة بعد عقد القرآن.. فوضى عارمة تبعثر رشدها وقوتها.. كل ما تريده ان تنتهي هذه الساعات لتتخلص من وجوده حولها..

- هل انت راضي الآن؟
تساءلت آلاء بسخرية ليبقى جالسًا مكانه في الصالة بينما يتفحصها بنظراته بعدم رضى..
- ليس جيدًا ولكن ارحم من القميص التي كنت ترتدينه.
ثم وثب عن مكانه ليقف قبالتها ويردف:
- الذي يهمني الآن القميص.. اين هو؟!

- لماذا؟ ماذا ستفعل به؟
غمغمت بتوجس ليهتف بإصرار:
- أحضريه الآن.

جلبت الاء القميص والحيرة تتراقص في عينيها ليتناوله محمد من يدها ببعض الخشونة ويقول بإبتسامة ملتوية:
- هذا القميص تم تصديره حبيبتي.. صار من الممنوعات.. انسيه منذ الآن.

فغرت فاهها كالحمقاء وهي تطالعه بنظرات مذبهلة.. غير مستوعبة ما يتفوه به من جنون..
دنى محمد منها مستمتعًا بالمظهر التي هي عليه وهمس بينما حدقتاه تسافران تارةً الى عينيها فتغرق بهما وتارةً اخرى الى شفتيها فتشتعل اوردته رغبة بمعرفة مذاقهما الذي لا شك انه كالشهد..
- الن نذهب؟ هل يعجبك ان نبقى هنا خاصةً اننا لوحدنا وايضًا انت اصبحتِ زوجتي اي لا احد بإمكانه التفوه بحرف واحد.. وفي الواقع المنظر الذي امامي مغري جدًا وانا بالكاد اسيطر على نفسي.

تبعثرت حمرة الخجل على وجهها كالنبيذ الأحمر فصارت حرارة وجهها لا تُطاق ولا تُحتمل.. وقاحة نظراته كانت غريبة عليها كليًّا فلم يكن امامها الا الابتعاد بسرعة والخروج من المنزل كله وهي تلعنه وتشتمه بكلمات لم يسمعها غيرها.. وقح.. قليل الأدب..
لحق محمد بها ضاحكًا وناولها مفتاح المنزل ثم قال بمرح:
- سيتم سرقة المنزل اذا بقي هكذا الحال.

صعدت الى السيارة دون ان تعلّق فخجلها من نظراته لا زال مسيطرًا عليها.. فتبعها محمد ثم انطلق بسيارته لتطمس آلاء تنهيدة حارة في جوف صدرها وهي تسمعه يردف:
- الاء هذه هي المرة الأخيرة التي ترتدين بها ملابس كهذه.. انا لا احب ان ترتدي زوجتي هذه الملابس.. حتى لو كنت اعيش هنا لا احب ان يراها احد بهذا المظهر غيري انا.

تمتمت بموافقتها بسهولة لا تمت لها بصلة.. ربما بسبب نظراته الوقحة التي لا زالت لم ترحمها الى الآن.. فإستأنف محمد:
- اذًا لقد انتهينا من هذا الموضوع.. لنأتي الى الموضوع الأخر.. لماذا لا تردين على مكالماتي.. انا لا احب ان اكرر الكلمة اكثر من مرة ولكن صدقًا اود ان اعلم لماذا لا تجيبين؟

- أعتقد انك تعلم السبب.. انا لم ارغب في الحديث اليك.. لأنني اذا تحدثت ربما سأقول ما لن يعجبك وسيسوء الوضع بسبب ذلك الموضوع.. لذلك كان من الافضل ان لا أرد على اتصالاتك.
اجابت بحدقتين مرسختين على الطريق لا غير ليهمهم محمد متفهمًا قبل ان يتساءل بعد صمت قليل من الطرفين:
- كيف تسير أمورك في المدرسة؟

- جيدة حمدًا لله.
- رائع.. والعمل؟
- ايضًا جيد.
ردت بإختصار ثم استطردت بتردد:
- محمد.. هل يمكنك ان تعيد القميص لي؟

- لماذا؟ لكي ترتدينه مرة اخرى؟ اذا كنت سترتدينه مع بنطال سأعيده لك لا يوجد مشكلة ولكن اذا دون بنطال فإنسي ذلك.
قال حانقًا مغتاظًا لتتمتم بنفاذ صبر:
- بالتأكيد دون بنطال لأن هذه القميص لا يتم ارتداء اي شيء معه.. الآن فقط اعطني اياه ولن ارتديه مجددًا من الأساس.

- انسي الأمر.. انسي هذا القميص تمامًا فقد تم تصديره.
رد مستفزًا اياها بكلماته وبحاجبه الأيسر المرفوع لتبتلع كلماتها الحانقة وتتمتم مستغفرة الله عدة مرات قبل ان تصمت بسبب إقترابهما من منزل والديه..

********************
على الرغم من كونها حانقة من تصرفات محمد وطريقة تعامله معها الا انها لم تملك سوى ان تخجل بعد ترحيب والديه بها بكلمات غير معتادة عليها البتة..
- اهلًا بزوجة الغالي!

كم هو غريب عليها ان يرتبط اسمها فجأة بشخص ما.. استقبلت سلامهما بخجل قبل ان يرحبن بها شقيقاته وشقيقه غيّاث الذي قال بعبث وهو يقبلها على خديها:
- والله احسنت يا محمد.. اجدتَ وضعها تحت الأمر الواقع.. واخيرًا قدروا عليك يا بطة.

- اصمت.. شقيقك غدر بي!
هتفت آلاء بغيظ ليرد غيّاث متشدقًا:
- اجل، صحيح صحيح كلامك! الم تكوني ستموتين فقط كي ينظر اليك؟!

- من؟ انا!!!! انت اكثر واحد تعلم ان ليست لي اي علاقة به.. خاصة هذا المحمد.
تمتمت بغيظ ليقول بشبه ابتسامة:
- وهذا المحمد صار الآن زوجك.
- اعتقد ان عليك ان تصمت.. هذا أفضل.

- مع الأسف لقد سرقوا عروستي مني.. كنت انتظر ان تتخرجي لأتزوجك.
همس غيّاث بحزن مصطنع لتتشدق آلاء:
- للأسف عزيزي غدرت بك.. دعنا نخدع شقيقك وادعه يتركني لأتزوجك لأنه ليس نوعي المفضل بينما انت...
القت نظرة تقييم على وجهه ثم اردفت:
- قرد محروق!.. هل هذا وجه ينظر الشخص اليه؟!

ضحك غيّاث بصوت عالٍ جذب الأنظار اليهما ثم اقترب منها قليلًا وقال:
- اجمل من وجهك على الأقل.. لو فعلتِ المستحيل لن تصلي الى جمال هذا الوجه الذي املكه.. ادري بك تغارين مني.

- صحيح.. انا اغار من قرد!
تمتمت باستهزاء ليهتف غياث بغيظ بعد ان القى نظرة على شقيقه الذي يراقبهما:
- دعيني وشأني واذهبي لتجلسي قبل ان يأتي محمد ويقتلنا.. اراه ينظر الينا بتركيز على الرغم من عدم سماعه اي كلمة.. ولكن الشرارات النارية التي تخرج من رأسه كما لو انه ثور تخبرني انه سيقوم بدفننا معًا.. لذلك هيّا انصرفي من امامي.

- جبان.. عار على الرجال.. عيب عليك يا رجلًا!
هتفت آلاء ضاحكة ليقول:
- من هؤلاء؟ هذه المرة الأولى التي اسمع بها هذه الكلمة.. هيّا غادري من امامي فأنا للعلم فقط اريد حياتي.

تركته آلاء ضاحكة وتوجهت للجلوس برفقة العائلة.. لم تكترث بنظرات محمد ومن الأساس لم تنظر اليه.. فلا يحق له ان يغضب لأنها تعتبر غيّاث شقيقها وصديقها المقرب واكثر ايضًا.. علاقتها به وطيدة للغاية ولن تسمح لمحمد ابدًا ان يعترض.. واذا غضب؟ لا يهم!

لا تدري كيف مر الوقت على طاولة الطعام.. نظرات محمد لم ترحمها.. يراقب كل حركاتها.. طريقة أكلها.. حركاتها.. نظراتها التي لم ينالها هو الوحيد.. ثم الألم الرهيب الذي اجتاح أوصالها ومزّق نياط قلبها بحديثها مع شقيقته عبير.. ثم كلامهما عن تحديد حفل الخطوبة والزواج بينما هي تحتضر في كوكب أوجاعها.. واخيرًا توديع محمد لها وامره لها ان تتصل به فور ان تعود دون ان يكلف حتى نفسه عناء الاعتذار..

استلقت على سريرها وعقلها يلتطم بعدة امواج مهلكة.. ولكن جلّ ما يسيطر عليها الحديث الذي دار بينها وبين عبير في المطبخ بعد الطعام.. حينما بدأ الحوار بسؤال عبير الذي صدمها:
- آلاء هل كنتِ تحبين كريم؟

- لماذا تسألين سؤال كهذا والآن؟
تساءلت آلاء بهدوء لتقول عبير:
- لندع شقيقي جانبًا وكونك اصبحتِ على ذمته.. ولكنك تعلمين لو انني احب شخصًا محال ان اقبل بأي رجل غيره يتزوجني حتى ولو كان هذا الشخص شقيقي.. وبالإضافة الى كون ذلك الشخص الذي احبه يحضر الحفل وامام عينيه اذهب الى شخص اخر واتزوجه.. انا لو كنت احب رجلًا افعل المستحيل حتى اكون له واقف متحدية العالم كله لكي فقط اخذ الشخص الذي انا احبه.

جرحتها كلماتها وان كانت صادقة.. ولكن ما مرت به ليس سهلًا وهي تدري القصة كلها من البداية حتى النهاية.. لا تفهم كيف تلومها في حين انها كانت شاهدة عذاب فراقها عن كريم ثم اخيرًا نحرها بطريقة قاسية حينما تزوجها محمد بطريقة اقل ما يقال عنها اجبار!.. مصيدة واوقعها داخلها وهي كالجارية تُساق الى مالكها دون ان تملك حق الإعتراض بسبب الضغط العائلي الذي تم ممارسته عليها..

بالإضافة الى ذلك.. هي مستحيل ان تعود الى كريم مرة اخرى او ان تقحمه في حياتها مجددًا.. والذي حدث امامه كان اقل ما يستحقه.. هو يستحق ذلك وهي ليست نادمة وإن كان على حساب مبادئها وأنين قلبها.. يجب ان يعلم انها قوية وانها بقادرة على الاستمرار دونه وكأنه لم يكن قط في حياتها.. فالحياة لا تعتمد على شخص واحد فقط..

قالت آلاء بثبات:
- انت محقة.. تمامًا مثلما قلتِ لو انني احب شخصًا.. ولكن كريم صفحة وتمّ طيّها منذ زمنٍ وانا نسيته وهو صار الآن فقط ماضي بالنسبة الي.. كما وانك تعرفين جيدًا بماذا مررت وكم تعبت خلال هذان العامين حتى اتجاوزه وأصل الى هذه المرحلة التي انا عليها الآن.. وانا اعتقد انه يستحق الذي حدث امام عينيه.. على العكس تمامًا.. ما حدث كان جيدًا للغاية حتى يعلم كم انه شخص غبي.. انت فقط انظري كيف من موقف واحد اثبت لي انه ليس رجلًا وكم هو شخص اقل ما يقال عنه سيء وكم انه بسرعة من كلمة واحدة يُضحك عليه! فلماذا احارب لأجله؟ على شخص لا يستحق.. من المشكلة الأولى باعني وهرب.. بسرعة تركني.. لماذا ارفض شقيقك؟ اخبريني! انا يجب ان ابدأ من جديد سواءًا كان مع شقيقك او غيره.. انا لست حزينة ابدًا على ما حدث بل انا شامتة به واكاد اطير من الفرح.

لم يردع رد عبير عليها الا دخول شقيقتها اسراء فتضطر آلاء حينها للخروج لتعيش تعاستها التي لا يعلم بها احد وتتجاهل كل كلامهما عن الخطوبة والزواج لأنها في الاصل منشغلة في مداواة البراكين التي فاقمت من اهتياجها عبير بكلماتها.. وتفكيرها الذي اتجه بكل كيانه الى كريم الذي لم يدعها وشأنها حتى الآن.. لذا هذه المسرحية لا تهمها الآن البتة..

تنهدت آلاء بوهن وهي تشكر الله ان هذه العزيمة انتهت فالصداع الى الآن يلازم رأسها والتعب ينتشل منها كل قواها.. انتبهت فجأة الى هاتفها الذي يرن فوجدت محمد الذي يتصل.. انتظرت ان ينتهي الرنين ثم اغلقت هاتفها وهي تبتسم بمرارة.. على ماذا ترد بحق الله؟ على ماذا؟

********************
استيقظت كارهة لسفر والدتها الى العراق.. خاصةً في اوضاع كهذه.. ولكن ما باليد حيلة والدتها تود زيارة عائلتها وهي لا تستطيع ان ترافقها حتى ولو ارادت..
كتمت تنهيدة تود التحرر وهي تخرج من غرفتها بعد ان جهزت نفسها لمرافقة والدتها الى المطار.. ثم تساءلت بصوت عال:
- امي من الذي سيأخذنا الى المطار؟ ايلام أم محمود؟

سرعان ما شحب وجهها حينما دلفت الى الصالة وتفاجأت به.. لم تتوقع حضوره في هذا الصباح الباكر.. هل كان يحلم بها؟
رمقها بنظرة غير راضية البتة فرغم قوله لها ان ترد على اتصالاته الا انها لا زالت تتجاهله المرة تلو الأخرى.. وهذا الامر يستفزه.. يغيظه بشدة.. واليوم سيحاصرها.. لا بد انه سيجد حلًا لهذه العنيدة..

- كيف حالك محمد؟
تساءلت آلاء ليرد عليها بإقتضاب وبنبرة باردة فتستطرد بعدم اكتراث وهي توجه كلامها لوالدتها:
- ها أمي.. من سيأتي ليأخذنا ايلام أم محمود؟

- لا عزيزتي.. محمد هو الذي سيقلنا الى المطار.
تطلعت اليه بصدمة بعد جواب والدتها لتغيظها تعابيره المستفزة بإستخفافها..
حاولت تجاهل توترها قدر الإمكان ولم تعقب فبأي حق سترفض الذهاب برفقته.. هو زوجها مهما قاومت..

بعد دقائق معدودة كان محمد يضع حقائب السفر في صندوق السيارة بعد ان اخرجهم من المنزل فتتساءل والدتها جميلة:
- هل اجلس في الخلف؟

- لا أمي اجلسي بجانب محمد وانا سأجلس في الخلف.
اجابت الاء وهي تجلس في الخلف ليبتسم محمد بتهكم ويتمتم بينما يعدل مرآة السيارة الأمامية ليثبتها عليها:
- سلمت يديكِ.. هذا هو المطلوب!

استفزتها نظراته التي على ما يبدو انها لا تود ان تعتقها فلتغيظه فتحت هاتفها وبدأت بمراسلة صديقاتها وهي تضحك بصوت عال متجاهلة نظرات الفضول التي يرمقها بها..
وبالفعل نجحت آلاء بإغاظته فكاد ان يموت ليعرف مع من تتحدث وتضحك هكذا.. تتجاهله وكأنه ليس موجودًا من الأساس!.. وهو يعرف جيدًا كيف يروض تجاهلها هذا.. لذلك تساءل وهو ينظر اليها عبر المرآة الأمامية بإبتسامة سخيفة:
- خالتي.. ما هو عقاب المرأة التي تخرج دون علم زوجها؟

تطلعت اليه بسرعة.. ما الذي يريد ان يصل اليه.. لماذا عاد لكلمة زوجها!
- عقابها ان الملائكة تلعنها.. لا يجوز ان تخرج المتزوجة دون علم زوجها.. الا اذ سمح لها وقال لها أخرجي براحتك.
ردت جميلة ليهمهم محمد:
- ممم جيد.. لأنني اعرف بعض الناس منذ يوم عقد قرآنهم الى هذا اليوم لم تجلس وتتحدث الى زوجها مثل بقية البشر.

- بالتأكيد لأنها زالت لا تعرف عن هذه الأمور.. فهي لا تزال جديدة عليها.. لذلك يجب على زوجها الجلوس معها ليشرح لها هذه الأمور كي تفهمها.
غمغمت جميلة ضاحكة ليهتف محمد حانقًا:
- ذلك لو انها ترد على اتصالاته اولًا حتى يتحدث اليها ويدعها تفهم ان حياتها تغيرت.. صارت مختلفة.. كل شيء أصبح بإذن.

رباه كم هو حقير! فكرت آلاء بغيظ شديد وهي تحدجه بنظرات حارقة فيقابل ضيقها منه بإبتسامة خبيثة جعلتها تعاود التركيز بهاتفها..
إبتسمت جميلة وهي تنظر الى مشاعرهما الواضحة على وجه كلاهما ونظرات محمد التي لا تتزحزح عن ابنتها ثم قالت:
- لماذا لا تدعوني اجلس في الخلف لتجلس آلاء بجانبك حتى لا تتسبب لنا بحادث وانت تضع عينيك فقط على المرآة!

ضحك محمد بإستمتاع:
- لا خالتي.. بالعكس تمامًا.. مكانك جيد جدًا.. هكذا انا مسيطر على الوضع.. اذا جلست ابنتك بجانبي لن استطيع التركيز.. اما الآن انا في قمة تركيزي.

*******************

غزا التوتر كيانها بعد مغادرة والدتها السيارة.. الآن ستضطر الى الإنفراد به وهي لا ترغب البتة بذلك.. جلّ ما تريده منه هو ان يعيدها الى منزلها لتهرب من نظراته وكلماته.. لا شيء آخر.. ولكنه وكأنه قد أدرك رغبتها بالفرار فقال بهدوء:
- سنذهب الآن لشراء ملابس لك بما ان ملابسك كلها غير صالحة لترتديها ابدًا.

تطلعت اليه بحاجبين معقودين وقالت بضيق:
- ملابسي عادية جدًا.. لا افهم لماذا تبالغ بهذا الموضوع؟.. على اي حال ان شاء الله سأشتري ملابس صالحة للإرتداء كما تقول لاحقًا.

- لا.. انا الآن سأشتري لك وعلى ذوقي أيضًا.
هتف محمد بعناد لتتمتم بنفاذ صبر:
- محمد لقد فهمت.. انا سأشتري لاحقًا.. الآن أنا لا املك مالًا حتى استطيع ان اشتري اي شيء.

حدجها بنظرات حادة وهتف بخشونة:
- عيب عليك هذا الكلام.. انا زوجك الآن ومسؤول عن احتياجاتك.. هل تفهمين ذلك ام لا؟ يعني منذ الآن مصروفك الشخصي سيكون فقط مني.. ممنوع ان تأخذي اي شيء من اهلك.

- لا لم أفهم.. انا لست معتادة على تناول مصروفي اليومي من احد.. لا افهم من الذي اخبرك انني اخذ مصروفي من اهلي!.. بالعكس تمامًا.. لا اخذ من اي احد مصروفي.. حتى اهلي! انا لدي راتبي الشخصي الذي من خلاله اصرف على نفسي.
هتفت بجدية ليقول بحزم:
- حتى وان كان لديك راتبك الخاص سأبقى أعيد وأكرر.. ممنوع ان تأخدي من احد مصروف وانا الوحيد المسؤول عنك.

رمقته بنظرة مغتاظة فسألها:
- لماذا تنظرين الي بهذه الطريقة؟

- لا شيء!
همست كاتمة حنقها من ثقته بنفسه وتسلطه..
فأخذ محمد نفسًا عميقًا ثم قال بجدية:
- ادري انك تشعرين بالضيق مني بسبب ذلك الموضوع...

قاطعته الاء سريعًا وهي تتطلع اليه بعينين واسعتين:
- محمد أنا أرجوك لا تتحدث عن ذلك الموضوع.

- حسنًا.. أفهم يعني انها صفحة وتم حرقها وانتهت؟
تساءل محمد فصمتت.. بهذه السهولة يتحدث عن اربعة سنوات حب ويقول انها صفحة وانتهت.. عن حبيبها الذي تركها بتهمة باطلة وكان السبب هو! هو الذي أتى واخذها بلمح البصر دون اي عناء يُذكر ويقول انتهى؟!
يا حسرتها على قلبها المسكين.. المنكسر المًا ولوعةً.. أغمضت عينيها وهي تتعوذ من الشيطان الرجيم.. فمهما كان الذي يحدث لا يصح ان تفكر بكريم.. هذا حرام بعد ان اصبحت زوجة محمد..
ابتلعت غصتها وهي تفتح عينيها ثم غمغمت بمرارة:
- حسنًا انتهى!

بينما يركن محمد السيارة في مركز المدينة بعد ان وصلا قال وهو يغمز لها بعبث:
- لننزل الآن.. واعتبري خروجك معي الان اعتذار بسيط مني لك.. موافقة؟
ابتسمت آلاء بأسى:
- حسنًا.

بعد عدة ساعات..
أوقف محمد السيارة قبالة منزلها لتهم بالترجل منها وهي تحمل أكياس الملابس التي اشتراها لها.. فأوقفها هاتفًا بجدية تامة:
- سوف اتصل بك.. اتمنى ان تردي والا صدقيني سترين مني ما لن يعجبك ابدًا.

- ان شاء الله.
هتفت ضاحكة ثم أغلقت باب السيارة وسارت مبتعدة الى داخل المنزل بينما عيناه تراقبها بشوق وعشق.. وبعد ان تأكد انها دخلت منزلها انطلق بسيارته مغادرًا، منتظرًا على أحر من الجمر ان تتسم ملامحها حينما تستقبله، تقابله او تودعه بالعشق..

وبالفعل اتصل ولم يتأخر محمد في اتصاله وهي أجابت مثلما طلب منها.. في البداية كان حديثهما سلسًا ومريحًا فكانت تفهم منه ما الذي يرغب به منها ان تفعله.. وطلباته كانت معقولة ربما؟ فأي زوج اخر يريد ان يعرف هذه المعلومات عن زوجته لذا لم تعترض ظاهريًا.. كمثل ان يعرف كل تحركاتها.. اين تذهب؟ اين تسير؟ ماذا تأكل؟ ماذا ترتدي؟ ماذا تفعل؟ يجب ان تخبره قبل ان تفعل!

وافقته واسترسلت بالكلام معه الى ان عاود السؤال الذي يطرح نفسه دون ملل مداهمة عقلها ولكن هذه المرة هي سألته وبصوت عال وواضح:
- محمد لماذا طلبت مني الزواج بهذه الطريقة؟ لماذا لم تأتي الى المنزل وتفعل؟

كان متوقعًا ان تسأله هذا السؤال في يومٍ ما وجوابه كان جاهزًا:
- هذه هي الطريقة الوحيدة التي بإمكانني ان احصل بها على موافقتك.. لو انني اتيت انا وأهلي وطلبت يدك للزواج في المنزل كنتِ سترفضين بحجة الدراسة وكونك لا تريدين الزواج حاليًا.. ولكن عندما فاجئتك وحاصرتك بزاوية لا تستطيعين بها فعل اي شيء لم يكن امامك اي خيار غير قول كلمة اجل.. حبيبتي انتِ تزوجتِ رجل قانون يعني انا اعرف تمامًا متى احصل على الشيء الذي اريده وفي الوقت المناسب تمامًا.

هو محق فيما قاله.. هي كانت سترفضه لو لم يتم حصارها بهذه الطريقة وستبرر رفضها بالحجج التي قالها.. ولكن في الواقع كان سيكون سبب رفضها الحقيقي هو حبها لكريم الذي لا زال الى الآن لم يبرح قلبها.. هي كانت سترفض محمد كما رفضت وكانت سترفض غيره.. ولكن هل كل ذلك يبرر فعلته بتحطيمه لقلبها؟!!

حينما وجد الصمت هو ردها الوحيد استطرد:
- آلاء.. أنا اريدك ان تتحجبي! اولًا بالحجاب ستبدين اجمل.. ثانيًا الحجاب فرض وانت تصلين.. حرام ان لا تُقبل صلاتك وتذهب سدى فقط لأجل الحجاب.

- انا لا أوافقك الرأي ابدًا.. انا ضدك تمامًا بما قلته.. لأن الحجاب شيء والدين شيء آخر.. واذا اردت ان تتكلم عن الحلال والحرام فحياتنا كلها تقريبًا حرام.. لذلك الآن دع هذا الموضوع جانبًا وسنتحدث عنه فيما بعد.. وأنا سأتحجب بكل تأكيد ولكن ليس الآن.. فقط حينما أكون انا مقتنعة به.
ردت آلاء بنبرة هادئة ولكن قوية أخرجتها من قوقعة تفكيرها برده على سؤالها.. انتظرت رده للحظات طويلة ولكنها لم تسمع حتى صوت انفاسه عبر الهاتف فأردفت:
- محمد.. انت معي؟ الا زلت على الخط؟

- آجل، انا معك.. على اي حال سنتناقش لاحقًا عن هذا الموضوع.. الآن بإمكانك الذهاب الى النوم فالوقت قد تأخر وانت مؤكدًا تعبتِ اليوم.
هتف معتقدًا انها سترفض بحجة انها تود الحديث معه قليلًا بعد.. ولكنه لا يدري ان خاصةً هو لا تحب معه الحديث.. ربما لو كان شخصًا آخر كانت ستقول انها ليست متعبة ولكن هذا محمد الذي في طرفة عين اصبحت امرأته.. بالمكر والخداع.. هذا محمد الذي كان سبب انفصالها عن الشخص التي كانت تحبه ولا زالت.. هو يريد التحكم بها.. منذ الآن يفرض اوامره عليها وهي لا زالت لم تدخل منزله بعد.. كيف لاحقًا حينما تشاركه حياتها كلها.. في ادق تفاصيلها؟
فغمغمت قبل ان تغلق الخط:
- حسنًا اذًا تصبح على خير.

*****************
المسؤولية بغياب والدتها صارت اكبر.. واجباتها ازدادت.. حاجيات والدها واخوتها الصغار كلها على عاتقها بالإضافة الى مدرستها وعملها..
انهت الاء دوامها في المدرسة وفي العمل وعادت الى منزلها لتعد الغداء وتتوجه لغرفتها لتدرس فالإمتحانات على الأبواب وللمرة العاشرة ربما تجد هاتفها يرن.. وكالعادة المُتصل محمد وهي لا ترد.. لا ترغب بالرد على اتصالاته..
دخل والدها فجأة غرفتها وقال بنبرته الحانية:
- محمد هنا يا ابنتي.. تعالي وسلّمي عليه.

محمد هنا بعد ان اتصل عشرات المرات وهي لم ترد؟! بالتأكيد اتى لأنها لم ترد على اتصالاته.. تنكر ولو قالت انها لا تشعر بالخوف يغزو قلبها والارتباك يتشعشع في سائر انحاء جسدها..
دلفت غرفة الصالة وهمست بصوت منخفض تخفي به توترها:
- السلام عليكم.

تلقائيًا اتجهت حدقتاه اليها واضطرمت بنار الغضب ليطلق سبابًا حانقًا بنبرة منخفضة بسبب ما ترتديه.. كان ثوبها قصيرًا دون اكمام.. عصبيته كانت واضحة على ملامحه وهو يتطلع اليها بتركيز.. حاولت تجاهل عصبيته فلا يحق له ان يغضب.. هي في منزلها كما وان الطقس حار وهم في فصل الصيف..
رد محمد السلام بنبرة غير مفهومة ثم قال:
- كيف حالك؟
- الحمد لله بخير.

لثوان معدودة بقي ينظر اليها ثم تطلع الى عمه وتساءل:
- عمي.. هل يوجد لديكم مشكلة بشبكات الإتصال في منزلكم؟

- لا.. لماذا؟
اجاب والدها بإستغراب لتتطلع آلاء الى محمد بعينين واسعتين خشيةً ان يقول لوالدها عن عدم ردها على اتصالاته..
ابتسم محمد لها بخبث وقال:
- ظننت ان لديكم مشكلة ولذلك لا تردون على اتصالاتي.

- هل بهذه السرعة لحقتكما ان تتعاركا؟ لا زال امامكا الكثير من الوقت.
هتف والدها ضاحكًا ليقول محمد:
- والله ياعمي يا ليتني اعرف ما هو السبب.. يبدو الأمر لي دون سبب حتى.. على ما يبدو انني سأتعب كثيرًا مع ابنتك.. ليكون الله بعوني فقط.

- يجب ان تتحمل ما دمت دخلت بقناعة.. تحمل ورويدًا رويدًا سيحدث كل الذي تريده.
علّق والدها بمرح ليبتسم محمد بمكر وقح:
- والله يا عمي مباركة حتى لا زلت لم ابارك.. انتم لا تعطونا المجال لنبقى لوحدنا وهي لا تسمح لي ان اعبر واثبت نفسي.

لم تفهم آلاء معنى كلامه ولكنها شعرت انه وقح وقليل ادب خاصةً حينما اجابه والدها ضاحكًا:
- تأدب محمد ليس امامي او في منزلي.. اذا اردت ان تثبت فإفعل عندما تصبح في بيتك.. اثبت حينها كما تشاء.. الآن ممنوع.

- عمي لا يصح ذلك.. هي زوجتي والله وليست غريبة.
اعترض محمد بحنق ليزجره والدها بصوت مرتفع:
- محمد!!

اطلق محمد ضحكة صاخبة ثم هتف باستسلام:
- حسنًا حسنًا.. من الأساس انا قد اتيت لأسلم عليكم واغادر.
ثم اقترب من عمه وقبّل رأسه واضاف:
- تصبح على خير عمي.
ونظر الى آلاء وغمغم:
- هل بإمكانك ان توصليني الى الباب؟

اومأت موافقة ونفذت طلبه وهي تكاد ان تموت من خجلها.. فهذا الوقح قليل الأدب كان يتحدث بوقاحة عنها مع والدها وهي كالغبية تائهة بالمعنى الحقيقي الغير مباشر لكلماته..
همس محمد بصوت منخفض وهما في طريقهما الى باب المنزل:
- لماذا لا تردين على اتصالاتي؟ الم ننتهي من هذا الموضوع مسبقًا؟

- لم أتمكن من الرد.. كنت مشغولة.
غمغمت آلاء بإرتباك سببه خجلها فهتف بتهديد:
- اذًا كلما اتصل ولا تردين ستجدينني بجانب باب منزلكم.. هل فهمت أم لا؟

فتحت له باب المنزل وردت:
- حاضر.

تلكأ محمد قليلًا بجانب الباب وهمس مبتسمًا:
- هل تدرين انني لا زلت لم ابارك لك الى الآن؟

- ماذا؟
تمتمت الآء بإستغراب فتطلع محمد يمينًا ويسارًا لتتساءل بحيرة:
- لماذا هكذا تن...؟

قبل ان تكمل كلمة "تنظر" كان يجذبها الى حضنه ويقبلها.. كان يسرق منها قبلتها الأولى.. رباه كم هو غريب عليها هذا الإحساس الذي داهمها؟ تشعر به يستكشف.. متعطش.. ظمآن والآن وجد ينبوع مياه أمامه وقرر الإرتواء.. يداه تثبتها في حضنه تكبح محاولتها بالهروب منه.. وهي ضائعة.. تائهة.. كل هذه الأحاسيس جديدة عليها.. بالاضافة الى خجلها والنار التي هبت حرارتها في وجهها لتشعله..

إبتعد محمد عنها قليلًا بعد لحظات طويلة دون ان يحرر جسدها التي تشعر به كالهلام ثم همس بصوت أجش:
- مبروك! هذا الذي أقصده.

ودون ان تستوعب اي شيء كان يقبلها مرة اخرى.. قبلة طويلة وكأنها ليس لها نهاية.. والدنيا اخذت تدور بها دون توقف.. والدوار انتابها وهي لا تدري كيف عليها التصرف!
أحست فجأة بيديه تتحرك على ظهرها فشعرت كما لو انها تتجمد واطرافها كلها تكاد ان تُشل.. ارتدت خطوة الى الوراء لكي يبتعد عنها وبالفعل عتق ثغرها دون ان يعتق جسدها من حصاره..
غمغم محمد وهو يكاد ان يفقد عقله بسبب هذه القصيرة التي تفعل الويل به:
- يجب ان اتحدث الى عمي كي نسرع بالزواج.. انا لا استطيع البقاء هكذا وانت لا تعرفين ماذا تفعلين بي.. للمرة الأولى في حياتي يحدث ذلك معي!

لم ترد.. لا تريد ان تفهم ما الذي يحدث معه.. كل ما تريده هو ان يبتعد عنها ويغادر..
حاولت ان تحرر جسدها من يديه وهي تغمغم بصوت مخنوق لا تدري هل من الخجل أم من ألم قلبها:
- يكفي.. غادر.. اذهب من هنا.

- فقط قبلة اخرى وأخيرة.
قال بإبتسامة وقحة لتبتعد عنه بسرعة وتهتف
- تصبح على خير.

ضحك محمد بعبث:
- حسنًا يا عسلي.. غدًا سوف أتي لتحديد موعد الزواج وارتداء المحابس.. الى اللقاء حبيبتي.

----------------------------
يتبع..
نلتقي السبت القادم بإذن الله..

رأيكم بالفصل؟
توقعاتكم؟

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:12 AM   #4

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثاني

تشبثت بعشقي لك رغم البعد..
وغير الغدر والألم لم انال..
ظننتك يد ناعمة تربت على خدي..
ومن هذه اليد ، وعلى
نفس الخد اخذت الدموع تنهال..
كنت حلما جميلًا يراودني ولكنه زال..
ولم يعد هناك ما يقال..
غادر فقد صار مألوفًا البعد..
انت كنتَ ولم يعد لك اي مكان..

-------------------------
لا تزال تشعر بالخجل يحتل روحها منذ احداث البارحة.. الشعور الغريب والتي لأول مرة تجربه.. غزله وكلامه الوقح الذي لم يفاقم الا من خجلها وتوترها.. واعترافه لها بمشاعره المجنونة تجاهها..
لم تنام الا بعد الفجر وهما يتحدثان عبر الهاتف يتعرفان على بعضهما البعض.. تقبلته بعض الشيء ليلة البارحة.. اهتمامه وغزله واعترافاته لها ساهمت بتقبلها له كزوج.. ولكن كحبيب...؟!

لا زالت لا تدري كيف عليها التعامل مع جراءته.. مع غزله الذي يربكها بقدر ما يزيد من غرورها كأي انثى.. من ثقتها بنفسها.. كيف لا وهو يعبر لها دون استحياء عن رغبته بإمتلاك وتذوق نوع الفاكهة او العسل الموجود في شفتيها منذ ان اعلنهما المأذون زوج وزوجة؟.. كيف لا وهو يخبرها انه كان بكل بساطة ذو علاقات كثيرة مع الفتيات الا انها الفتاة الوحيدة التي أثرت به الى هذا الحد.. اضرمت البراكين بجسده.. ربما ببراءتها كما قال.. او ربما هي ساحرة بتأثيرها..

ليلة البارحة كانت جميلة سلسة.. وتمنت لو ان صدقًا هكذا الحياة بينهما تكون دون مشاكل فكل ما تتقصى عنه هو الهدوء والراحة..
ابتسمت وهي تتطلع الى هاتفها بينما تتذكر قوله لها "أشعر بكونك خبيثة وعنيدة" فتستنكر وترفض ببراءة مزيفة "انا؟! عكس ذلك تمامًا.. انا انسانة طيبة جدًا" ليرد ضاحكًا بعبث "انت طيبة جدًا.. لا يمكن الانكار.. طيبة من ناحية اناناس على فراولة واتمنى ان اعود لأجرب هذا الطعم الطيب الشهي مجددًا"

لا زال لم يتصل بها.. هل ربما يريدها ان تتصل هي به بعد كل ما دار بينهما ليلة البارحة؟ قضمت شفتها السفلى بتفكير.. أتتصل هي به؟.. تنهدت ثم اتصلت ولكن لا رد.. مرة اخرى واخرى وكذلك لم يرد..
طيلة اليوم اخذت تفكر بإختفاءه.. غريب! هناك شيء غريب.. لماذا لا يتصل بها؟ ما خطبه؟
انتظرت ان تنهي دوامها في المدرسة وفي العمل لتعود الى المنزل وتتصل بشقيقته الصغرى لتعرف اين هو ولماذا لم يتصل بها..

في المساء..
اتصلت به للمرة الأخيرة وكانت نفس النتيجة لا يرد على اتصالاتها لتقرر الاتصال بشقيقته ميار وسؤالها عنه..
- هل محمد في المنزل؟

- لا.. لقد عاد من العمل وارتاح قليلا ثم خرج ليسهر.
اجابتها ميار لتهتف آلاء بعصبية:
- خرج ليسهر اي ليشرب الخمر.. ويسهر برفقة النساء بينما انا؟ اين انا من كل هذا؟ كيف يخرج ليسهر ويفعل هذه الأمور بينما هو لم يخطب الا حديثًا؟! لا يحق له ان يتحكم بي اين اذهب وماذا افعل بينما هو يتصرف هكذا كما يحلو له ويفعل كل ما يرغب به!

- لا ادري ماذا اقول لك.. ولكنه حينما خرج سألته اذ كان سيتأخر واجابني انه سيخرج ليسهر وان علي وضع مفتاح المنزل اينما اضعه دائما عندما يخرج ليسهر.
قالت ميار لتهمهم آلاء بنبرة تشي مدة غيظها قبل ان تنهي المكالمة:
- لا يهم.. سألقنه درسًا لن ينساه وليجرب الاتصال بي وسيرى من الذي سيرد على اتصالاته.

تبًّا له.. حقير محال ان يتغير.. البارحة يخبرها انه ترك كل ذلك الطريق لأجلها وها هو اليوم يعود اليه.. منذ نهاية الاسبوع الأول لهما معًا.. أجل ترك ذلك الطريق! ابتسمت بسخرية وهي تتوعده بالكثير.. ربما يعتقدها سهلة ولكنه لا يدري انها محال ان تصمت.. لن تسمح له بالتحكم بها بينما هو يلهو كما يشاء خارجًا دون ادنى اعتبار لكونها الآن خطيبته!..

*****************
خائفة.. متوترة.. ومصدومة من تصرفاته وأسلوبه الجديد عليها.. توقعت ان تستيقظ صباحًا وتجد عشرات المكالمات منه ولكنه لم يتصل بها ولو لمرة واحدة.. يتجاهلها بطريقة غريبة قاسية وهو الذي ينتظر منها كلمة واحدة جميلة..
متوجسة.. هناك شيء قد حدث لا بد؟

كانت تود تجاهله رغم غيظها من تصرفاته ولكن بعد اصرار صديقاتها قررت الإتصال بشقيقته مرة اخرى لتعرف اي ساعة قد عاد ليلة البارحة فتتفاجأ حينما تجيبها:
- عاد في الخامسة فجرًا.

- ماذا؟ عاد الفجر!
هدرت آلاء بعصبية.. لقد عاد الفجر ويتجاهلها.. تتصل به ولا يرد على اتصالاتها.. اي مصيبة قد ارتكب ليتهرب هكذا؟
- اصعدي الى غرفته وأوقظيه.. اريد الحديث معه.

قضبت ميار جبينها بتعجب:
- ما خطبكما؟ هل تعاركتما ام ماذا؟

- لماذا تسألين؟
سألتها آلاء لترد بحيرة:
- لا اعلم هو البارحة حينما عاد كان عصبيًا ويبدو غريبًا بعض الشيء والآن انت بعصبيتك هذه.

- لا اعلم ما خطبه.. اصعدي اليه الآن فقط واوقظيه.
قالت لتردف ميار:
- لقد وصلت غرفته ولكنني خائفة ان يصرخ او يغضب.

- ليس لك اي علاقة انت.. فقط ضعي الهاتف بجانب اذنه وأخرجي.
طمئنتها آلاء وخلال لحظات معدودة كان يوافيها صوته الخشن بطريقة مستفزة:
- ماذا آلاء؟

عقدت حاجبيها مستنكرة تصرفاته وزمجرت:
- ماذا آلاء؟! كم مرة اتصلت بك منذ البارحة الى اليوم وانت لا ترد على اتصالاتي وتتجاهلني!

- حسنًا حسنًا.. بعد قليل سأتي اليكم اساسًا.
هتف وقبل ان يسمع جوابها كان ينهي المكالمة ويغلق الخط..
تطلعت الى الهاتف بعينيها الذهبيتين الواسعتين متعجبة من اسلوبه المثير للإستفزاز.. هذا ليس محمد الذي ينتظر منها كلمة جميلة ويعاملها بأسلوب جميل!.. على اي حال حينما يأتي ستعرف ما خطبه.. وفي النهاية هي التي ستعاتبه لأنه خرج ليسهر..

بعد ما يقارب الثلاث ساعات كانت تقف امامه في صالة منزلها.. ملامحه كلها كانت غير مقروءة وهذا ما بث الرعب في روحها ولكنها حاولت ان تقصيه بعيداً بينما تسأله وهي تتطلع اليه بإمتعاض:
- لماذا لا ترد على اتصالاتي منذ البارحة؟

- لم اسمع صوت الهاتف.. تركيزي لم يكن به.
اجابها ببرود ثم جلس على طرف الطاولة ليقابلها اكثر وأخرج سيجارة من جيبه وأشعلها بينما يطالعها بنظرات باردة اقرب الى الإستخفاف!
استفزها صدقًا فهدرت بحدة:
- لم تركز به؟!!! لماذا اين كنت البارحة؟

- كنت أسهر.. يوم الجمعة ونهاية الأسبوع.. هل هناك شيء ما؟
قال بينما يأخذ نفسًا عميقًا من سيجارته فتضطر الى الابتعاد عنه قليلًا لتفتح النافذة ثم تعود لتقف أمامه وتتمتم بضيق واستنكار:
- ما هذا السؤال "هل هناك شيء ما؟!" اذ كان السهر حتى الصباح برفقة الفتيات يعجبك الى هذا الحد لماذا خطبت وتريد الزواج ايضًا؟ كنت ابقى في النوادي طيلة الليالي ودعنا نرتاح.. على ماذا تريد ان تتزوج وهكذا تتعب نفسك؟

رشقها بصوان قاسي من حدقتيه وهتف:
- لا يحق لك التدخل بإلى اين اذهب او ماذا افعل.. هل تفهمين؟

ثم مد يده الى ساقها ليضعها على فخذها وتساءل بنبرة مخيفة بينما ينهض عن مكانه بعينين مظلمتين:
- هل لديك وحمة هنا؟

حاولت آلاء ان ترتد تلقائيًا الى الوراء والرعب ينتشر في قلبها الا ان يده الممسكة بفخذها ثبتتها مكانها لتزدرد ريقها وتغمغم بتوتر:
- اجل، لماذا؟

بنفس النبرة الباردة المخيفة استأنف:
- حسنًا لنسأل سؤال آخر.. كيف كانت علاقتك بكريم؟

رمشت وهي تتطلع اليه بخوف وتوتر اكبر من لمسته الخشنة على فخذها واسئلته المخيفة:
- لماذا تتحدث عنه؟ علاقتي به كانت عادية.. نحب بعضنا البعض فقط.

حكّ طرف ذقنه بإبهامه وهمهم متشدقًا قبل ان يهتف بنبرة خطيرة:
- ولكن يبدو لي ان العلاقة بينكما لم تكن عادية بل كانت قوية جدًا حتى يسألني ان كنتُ متأكدًا من كونها عذراء! فهي كانت على علاقة بي لأربع سنوات ولا يوجد شيء بها او يخصها لم اعرفه واحفظه.. واذا لم تصدقني اذهب لترى الوحمة الموجودة على فخذها.. واذا رغبتَ سأخبرك عدد الشامات الموجودة على جسدها.. انا أحفظها تمامًا كما احفظ أسمي!

إنتفض جسدها وهو يصيح بها بينما يدنو اكثر منها ليحاصرها بجسده:
- تكلمي.. كيف يعرف كل هذه التفاصيل عنك يا محترمة؟

تقلص وجهها بألم رهيب.. ليس بسبب محمد الذي يقف امامها ويشك بها.. لا لم يكن ذلك سبب الألم المرير الذي سافر الى قلبها ليغلفه ويكتمه.. بل بسبب كريم.. التي احبته وبالمقابل قابل حبها بطعنها بشرفها وسمعتها.. كيف احبته وهو الى هذا الحد حقير؟
رفعت حدقتيها بجمود اليه.. الى محمد الذي يكاد يحرقها بنظراته.. يحاول ان يقرأ ما تفكر به.. يحاول تفسير الألم الذي نطق به العسل في مقلتيها.. ينتظرها ان تنكر.. ان تصرخ.. ان تدافع عن نفسها او على الأقل ان تعترف له.. وحينها...؟ وحينها لن يرحمهما!

ضحكت.. ضحكت حرفيًا ولكن بتهكم مرير:
- أحسنَ والله.. عرف كيف يرد الضربة اليك.. مثلما ارسلت انت ابن عمه اليه واخبرته ابتعد عنها.. ها هو يفعل المثل.. ولكن الفرق انه قد أتى بنفسه ليرد لك الضربة.
استشرست ملامحها وتابعت:
- انا لن ابكي امامك او اتوسل لك او اقسم لك واخبرك خذني الى الطبيب حتى تتأكد انني لا زلت عذراء! لن أفعل ذلك ابدًا لأنني آلاء.. أتعرف من هي آلاء؟ يعني لا انت ولا هو ولا الف شخص مثلكم بإمكانهم ان يشكون بي وبأخلاقي وتربيتي.

قسوة ملامحه جعلتها تسترسل:
- وفقط للتوضيح لا اكثر.. يعني ليس حبًا بك ولكن فقط لآجلي سأبرر.. انا اذهب الى البحر وارتدي ملابس قصيرة والوحمة ليست بمكان حساس جدًا ولا يتم رؤيته بالملابس القصيرة.. مجرد ان ارتدي تنورة قصيرة يمكن لأي احد رؤيتها.
ثم اردفت ولكن بتشفي ورغبة شرسة في جعله يتألم كما فعل بها:
- وكما قال كريم علاقتنا لأربع سنوات دامت اي طبيعي جدًا ان اكون ذهبت برفقته الى البحر والحفلات والى اماكن كثيرة جدًا جدًا.. أما النسبة للشامات فيبدو انه كان يركز بأدق تفاصيلي حتى حفظ البعض منهم فقال بإمكانني ان اخدعه بعدد معين وأخبره عن اماكن الشامات التي رأيتها فقط وبالتأكيد سيصدق بسرعة كما حدث تقريبًا.

غلف البرود المستفز صوتها وهي تضيف:
- ولتتخيل انت فقط.. هو حب اربع سنوات ومجرد ان شك بي انني مخطوبة قمت بالإنفصال عنه وتركته وحتى تبرير لم ابرر له مع ان كان بإمكاني ان ابرر له فهو كان بالنسبة لي شيئًا كبيرًا جدًا.. فأخبرني ماذا تتوقع الآن ان افعل معك بينما انت فقط ابن عمي؟ ولا زال لم يمر على خطوبتنا اسبوع بالأضافة الى انني لا أملك اي مشاعر تجاهك غير انك ابن عمي.. حتى ليس مثل بقية اولاد عمي لأنني أعرفهم جيدًا اما انت مجرد بالأسم ابن عمي اي انك بمثابة غريب.. والآن تأتي لتتهمني بشرفي وأخلاقي وبدلًا من ان تأتي الي حتى نتحدث وتفهم مني تخرج لتسهر وتتجاهلني!

هتف محمد بعصبية:
- انتبهي الى كلامك.. لا تتحدثي بغباء.. لو كنت رجلًا آخر كان سيدفنك مكانك حينما يسمع الكلام الذي سمعته ولكن انا فكرت ان علي سماعك اولًا وبعدها أقرر ماذا افعل.. كل اللوم يقع عليك.. بسبب ملابسك القصيرة وسوء اختياراتك وصلنا الى هذه المرحلة ودخل الشك عقلي.

- لا محمد.. دعك من ملابسي ومن شكك بي.. عليك ان تعلم انني لست لعبة بينك وبينه.. من بينكما يفوز يأخذني كجائزة.. الكون لا يدور حولكما فقط.. انا لا انتهي منه لتخرج لي انت.. وحينما انتهي منك يخرج لي هو الآخر مرة اخرى.. حياتي ليست دائرة وانتما الوحيدان اللذان بها وتتحكمان بها كما ترغبان.. لا! هل تفهم ام لا؟
هدرت بقهر لتلين حدة ملامحه قليلًا.. ربما تأثر بكلامها لا تدري ولكن لا زال الإستخفاف لم يبرح ملامحه نهائيًا ومع ذلك ينصت لها.. ينصت وبتركيز شديد..
تنهدت بوهن ثم قالت بجدية عازمة على تنفيذ قرارها:
- على اي حال انا مستحيل ان استمر معك بهذه العلاقة.

بحركة غير مرئية كان يوثب عن مكانه بعد ان كان قد جلس مرة اخرى قبل دقائق ليطل عليها بجسده الضخم بينما تعصفان حدقتاه فيتضح لون الخريف بهما اكثر..
لم تتراجع وبقيت صامدة امامه ليسألها:
- يعني؟ ماذا تقصدين؟

- يعني عليك ان تفسخ الخطوبة.. انتهى موضوعنا.. انا محال ان ارتبط بشخص يشك بي!
اجابت بجمود ليهدر بغضب:
- افسخ ماذا؟ هل ترينها لعبة او انني أقوم بأخذ رأيك بشيء ما؟ ذلك الحقير انا سأربيه.. وانا واثق بك وبأخلاقك ولكن حينما قال لي ذلك الكلام لم اعرف كيف أفكر.. بالإضافة الى انني حينما اتيت لأسألك قلتِ "اجل لدي وحمة" ماذا تتوقعين مني ان افعل؟

- اذا دع تصديقك له يفيدك.
غمغمت ببرود ثم تركته مكانه يشتم ودخلت غرفتها واغلقت الباب ترثي حظها التعيس ببكائها اذ كان بكريم او بمحمد.. كلاهما اسوء من بعضهما البعض..

********************
لم تفكر كثيراً وهي تقف قبالة عيادة كريم.. رغبتها بوضع حد لكريم سيطرت على حواسها كلها.. كانت عمياء حينما احبته.. حينما رثت فراقه لعامين كاملين.. كانت غبية بحزنها وتعبها وألمها.. حتى صحتها تدهورت ببعده وفي المقابل ماذا؟ يشوه سمعتها.. يطعن شرفها! ولكن هذا يكفي.. لقد اكتفت منه ومن محمد.. لن تبقى طيلة عمرها تبكي على شيء لا يستحق! هي من منحته بنفسها تلك القيمة العالية وهي بنفسها من ستهبط به الى قعر الارض.. هي من ستنهي كل شيء والآن..

لم تطرق الباب حتى وهي تدخل العيادة ليرفع نظره اليها ويقول ضاحكًا بتعجب:
- آلاء! اهلًا اهلًا.. أنرتِ المكان اليوم.. منذ فترة طويلة لم تأتي ربما منذ عامين ونصف!

رشقته بكره.. بحقد.. نظرات الحب كلها اختفت وحلّ مكانها فقط الكره والنفور.. قهرها سيطر عليها لتراه بنظرة اخرى.. وكأنه لم يكن حبيبها يومًا..
هتفت بعصبية محافظة على مسافة بعد بينها وبين مكتبه:
- اسمع.. انا لم أتي الى عيادتك لأجلس واتحدث واضحك.. انا أتيت لأنني اريدك ان تفهم ان الذي كان بيننا انتهى! لن اسمح لك بتدميري بعد كل سنوات اختفائك.. اي شيء من الممكن ان اتقبله ما عدا الطعن بالشرف.. وعليك ان تفهم انني حتى لو تركت محمد مستحيل ان اعود اليك.

قهقه كريم بإستمتاع لئيم:
- على رسلك حبيبتي.. لماذا هذه العصبية؟ الموضوع لا يستحق كل هذه العصبية.
ثم نهض عن مقعد ودنى بخطواته منها لترفع كفها وتهتف بتوتر غير واضح:
- انتبه الى نفسك.. اياك والإقتراب مني خطوة واحدة أخرى.

وبالفعل لم يقترب اكثر فأردفت بشراسة:
- ماذا اخبرت محمد؟ هل تدري انني العن الساعة التي تعرفت بها عليك ام لا؟ ظننتك رجلًا ولكنك في الواقع انسان دون شرف! ها انا اخبرك اياك والإقتراب من حياتي او الطعن بشرفي والا قسمًا بالله سأذهب الى أهلك واخبرهم انني اصبحت امرأة متزوجة وابنكم لا زال يلاحقني ويركض خلفي او انني سأخبر اهلي وانت تعلم جيدًا ماذا سيحدث لو انني اخبرتهم صدقًا وخاصةً بموضوع كالشرف! ابتعد عني يا كريم! ابتعد والا قسمًا بالله سأنفذ ما قلت او انني سأتصل بأمك واخبرها انظري الى ابنك الذي تفتخرين به ماذا يفعل ببنات الناس.

اضمحلت ابتسامته تمامًا وهو يسمعها تسترسل بذات النبرة:
- ثم ما الآمر الآن؟ الم تخطب؟ ماذا حدث؟ اصبحت الآن اجمل بعينيك وتريدني ان اعود اليك؟ كيف ستعيدني اليك بينما انت خاطب وقمت ببيعي بكل سهولة! الى اين تريد ان تصل؟ اخبرني.. دعني افهم اين كنت خلال هذه السنوات؟ قررتَ ان تعود بعد ان ارتبطت! وفقًا لما اعتقده انك لن ترضى على نفسك الإرتباط بإنسانة مخطوبة.. وكيف الآن وانا على ذمة رجل آخر أم يا ترى قمتَ بتغيير مبادئك؟

تألم بصدق.. هي محقة بكل كلمة قالتها ولكنه يحبها.. يعشقها.. ولولا الحقير ابن عمها لكانت الآن امرأته هو وليست امرأة محمد.. يجب ان تكره محمد لا ان تكرهه هو في حين ان كلاهما مظلومان.. بسببه افترقا.. كانت ستكون له لو ان محمد لم يعمل على التفرقة بينهما.. هو لا يستطيع ان يخسرها.. كيف يستوعب ويتقبل انها الآن صارت لغيره.. صارت لعدوه.. للشخص الذي فرّق بينهما.. كيف؟

قال كريم بنبرة تشي عن الألم الذي يعتصر روحه.. عن القهر الذي يسري في كيانه:
- هل تعلمين ان الشخص التي تدافعين عنه الآن هو سبب حالنا هذا؟ هو سبب شقائنا.. هو الذي دمر علاقتنا.. وانت تعلمين انني من زمن طويل لا ارتاح له وولكنك بكل سهولة تذهبين اليه وتقبلينه كزوج لك وايضًا امامي! اذا كان يعجبك الإستمرار بعلاقتك به لن اقول اي شيء الا ليوفقك الله.. انا لا احب ان اتسبب لك بالأذى.. ها هي نهايتنا.. واذا احببتِ ان اتصل بمحمد واخبره ماذا كنت بالنسبة لي وماذا كانت حدود علاقتنا سأفعل.

- لا شكرًا.. ليس لك اي علاقة.. لا تتدخل بيني وبينه.. ابتعد عن حياتي مثلما كنت بعيدًا عنها سابقًا.
هتفت بخشونة ثم تركته ينظر الى أثرها وغادرت كارهة كل رجال العالم..

*****************

بعد ثلاثة ايام..
جلست آلاء بحماس برفقة صديقتها في مقهى تعرف من محمد انه قريب على عمله وبنفس الوقت ليس بعيدًا عن مدرستها..
انتبهت اليه يدخل الى المقهى بعد دقائق معدودة برفقة زميله في العمل لتكتم ابتسامتها وهي تتوعده بالكثير.. ربما ضغطه سيرتفع اليوم ويصل عنان السماء.. وهذا ما تريده وترغب به..

تفاجأ محمد بوجودها في هذا المقهى الا انه منحها تحية بسيطة بهزة خفيفة من رأسه وابتسامة رسمها على شفتيه.. فردت آلاء التحية بالمثل وهي تشعر بعينيه تغزوها..
تصنعت اللامبالاة بسبب نظراته التي لم تحيد عنها على الرغم من كونه يجلس برفقة زميله واخذت تضحك وتتحدث بإستمتاع مع صديقتها..

"لا بأس من بعض الإثارة"
همست آلاء لنفسها بشقاوة وهي تقوم بإرسال رسالة عبر هاتفها لشقيقها إيلام حتى تضمن خروجها سالمة مما سيحدث.. فاللعبة ستصبح ثقيلة بطريقة مرعبة ولكن ممتعة..
بكل ثقة نهضت عن مكانها لتثور اعصابه بشكل فوري وهو يرى ملابسها.. فستان اسود قصير يصل الى منتصف فخذيها و حذاء ذو كعب عال!

- سأذهب الى الحمام.
غمغمت لصديقتها ثم سارت متوجهة الى الحمام لتسمع صوت انكسار شيء ما.. تجاهلت وكأن لم تسمع صوت تحطيمه للكأس الذي كان بيده ودخلت الى الحمام مبتسمة بإستمتاع.. عدلت ملابسها وهي تفكر انه فور ان نهضت قام بكسر الكأس الزجاجي حينما تعود ماذا سيفعل؟

استدارت لتخرج من الحمام لتتفاجأ به كعاصفة نارية يقف امامها.. عيناه كانتا كالجمر تود نحرها في التو وهو يتطلع الى ما ترتديه بينما يزمجر بعصبية:
- ما هذا الذي ترتدينه؟

- لا اعتقد ان من حقك التدخل بماذا أرتدي لأنني سبق واخبرتك ان كل ما بيننا قد انتهى وانا اريدك ان تطلقني.. بعد الآن ليس لك سلطانًا علي.
ردت ببرود ليحرك يده على وجهه بعصبية ويزفر بنفاذ صبر:
- استغفرك يا ربي! انا تركتك هذان اليومين فقط لتهدئي وتفكري جيدًا بالكلام الذي قلتيه حتى أتي وأعتذر منك بعد ذلك وليس ان اجدك هكذا! واساسًا ما الذي احضرك الى هذا المقهى؟

- قريب على مدرستي.. احيانًا أتي برفقة صديقاتي لندرس به.. اين المشكلة؟
اجابت بكذب فهي تعمدت المجيء الى هذا المقهى لأنها تدري انه خلال استراحته في العمل يجلس به لمدة نصف ساعة.. وهي طبعًا كانت تشعر بالملل بسبب تجاهله لها وكأنه لم يفعل اي شيء فقررت ان تنتقم منه ولكن بأسلوبها المميز.. ثم عليه ان يشكر صديقاتها اللواتي غيرن القليل من تخطيطها فبدلًا من احضارها لزميلها برفقتها الى المقهى احضرت صديقتها..

- هيّا أمامي آلاء.. دعيني أقوم بإيصالك الى المنزل قبل ان اقوم بفعل شيء سنندم عليه انا وانت فيما بعد. هتف محمد بتهديد لتهز رأسها بعناد:
- أعتذر ولكنني لا استطيع.. يجب ان اعود الى المدرسة فبعد قليل لدي امتحان وانا اتيت لأجلس في هذا المقهى حتى ادرس قليلًا ومن ثم أعود الى المدرسة.

- وهل هذه ملابس مدرسة؟ انا ماذا اخبرتك عن هذه الملابس ام انك لا تعرفين ان تسمعي الكلام؟ اذا حجتك ان ليس لديك ملابس محتشمة فأعتقد انني اشتريت لك.
قال بغيظ من عنادها لتتمتم بضيق:
- هذا يكفي محمد.. انا لن أغيّر أي شيء.

- اعلم انك غاضبة مني ولكن هذا الشيء لا يعني ان اسمح لك ان ترتدي هكذا.. هل فهمتِ؟ والآن هيّا امامي.
هدر بها وهو يكاد صدقًا ان يتهور ويؤذيها.. ثم استولت قبضته على يدها بخشونة وجذبها رغمًا عنها الى الطاولة التي كانت تجلس عليها واخذ اغراضها دون ان ينبس ببنت شفة لصديقتها المصدومة ثم عاد الى طاولته والتقط اغراضه وقال لصديقه:
- أعرفك على خطيبتي ومستقبلًا زوجتي.

- أهلًا!
غمغمت آلاء بإبتسامة مرحة ليرد الآخر التحية وهو مصدوم من عصبية محمد الذي قال:
- سأقوم بتوصيلها ثم سأعود لأراك في العمل.

ودون اي كلمة أخرى كان يجذبها خارج المقهى ويقول:
- هيّا امشي.. دعيني أوصلك.

سحبت يدها من قبضته بصعوبة وهتفت:
- لا لن اذهب معك.. ايلام في الطريق.. سأذهب معه.

- ايلام؟ أهذه لعبة جديدة ام ماذا حتى تبقين بهذا الفستان!
هتف بسخرية لترد ببراءة:
- لا والله ليست لعبة!

قبض على يدها مجددًا قسرًا وتوجه بها الى موقف السيارات ثم فتح لها باب السيارة وقال بهدوء:
- اصعدي.

- لن اصعد.
هتفت بتحدي ليلقي عليها نظرة مرعبة تخبرها بفقدان صبره وسيطرته على اعصابه لتتبرطم آلاء حانقة وما ان ارادت ان تهم بالصعود الى السيارة رأت سيارة إيلام لتنفرج اساريرها وتقول بفرح:
- ها هو إيلام لقد جاء.. ولكن على اي حال شكرًا على التوصيلة.. وصحيح نسيت ان اسألك.. هل تريد ان تأتي انت لتخبر ابي او افعل انا وأخبره ان محمد سيطلقني؟

ودون ان تسمع جوابه سارت مبتعدة الى سيارة إيلام مبتسمة بخبث ومرح لأنها رفعت له ضغطه وربما ستجلب له النوبة القلبية ذات يوم.. فها هو الآن يشتم ويلعن وليس بإمكانه فعل اي شيء لها..
لم تبرح الإبتسامة ثغرها على الرغم من اقترابه من سيارة إيلام ليهتف بعصبية اقرب الى الجنون:
- كيف تسمح لشقيقتك ان ترتدي هذه الملابس؟ كيف تدعها تخرج من المنزل بهذا المظهر؟

- اين المشكلة؟ انا لدي ثقة بها بالإضافة الى كون والدها وشقيقها موافقين.. هي ترتدي هذه الملابس امامنا وليس من ورائنا.. والأهم من ذلك كله لا يحق لك ان تتدخل بملابسها الآن.. عندما تصبح في منزلك افعل ما شئت اما الآن مع السلامة!
رد ايلام بغيظ مستنكرًا اسلوب محمد قبل ان ينطلق بسيارته لتعود ملامحه الى طبيعتها ويسأل شقيقته:
- ما الذي حدث؟

- لا شيء!
اجابت ليستفسر:
- ليس موافقًا على ما ترتديه؟

- لا.. يقول ما هذه الملابس؟ اين انت ذاهبة بهم؟
تمتمت آلاء بضيق ليقول ايلام بجدية:
- وانتِ لماذا لا تسمعين كلامه.. اذا لم يوافق على هذه الملابس لا ترتديها مجددًا.

- منذ قليل أخبرته ان لا يحق له التدخل بي ما دمتُ لم اصبح في منزله.. لماذا تغيرت وانقلبت عليّ الآن؟
غمغمت بحنق ليرد ايلام بحزم:
- لأن هذا الصواب.. اذا اخبرك ممنوع يعني ممنوع.. ولكنني فقط لم احب ان اضعك بموقف محرج امامه كما وان اسلوبه كان مستفزًا.. فقط لا غير!
صمتت ولم تعقب فأردف:
- الى اين تريدين الذهاب؟

- المنزل.
- والمدرسة؟
تساءل لتجيب:
- غدًا سأذهب.. لا يوجد شيء مهم الآن.

********************
تنهدت الاء وهي تفتح باب المنزل لمحمد.. كالعادة ساعة فقط وكان يأتي اليها.. وقفت امامه بثبات ليهتف:
- ماذا كنت اقول لك منذ اسبوع؟

- لا اعلم.. تحدثنا كثيرًا.
اجابت بلا مبالاة ليهدر بحدة:
- آلاء كفي عن هذا التصرفات الغبية.. انا ماذا اخبرتك عن الملابس؟

- آه.. الملابس؟! اعتقد هذا الكلام كان قبل ان أقرر ان نفسخ الخطوبة وننفصل وليس الآن.. حاليًا انت ليس لديك اي حق في منعي عن شيء.
همست آلاء بتهكم ليفقد السيطرة على اعصابه ويصرخ بأسمها بنفاذ صبر بينما يدنو منها أكثر بعد ان أغلق الباب بحركة عنيفة:
- آلااااء!!! اجل لقد اخطأت وها انا اعتذر منك وانا لا أعتذر ابدًا حتى لو كنت مخطئًا ولكن معك ها أنا اعتذر على الرغم من ان المشكلة التي بيننا كلها بسبب ملابسك.. لو انك لا ترتدين هكذا ما كان احد سيعلم ماذا يوجد في جسدك حتى يأتي ويقول هذا الكلام.

- أجل إقلب الورقة لصالحك.. لا تقول انك مخطئ وتتابع كلامك حتى النهاية.. لا سيد محمد.. انت تتهمني بشرفي.. هل تعلم ما هو الشرف أم لا تعلم ؟
منع رد محمد قدوم والدها الذي قال:
- محمد! تعال بني تفضل.. لماذا تقف في الممر؟

دلفوا جميعهم الى الصالة بينما آلاء صامتة فقط تنصت الى كلامهما.. تطلع اليها محمد قليلًا ثم وجه سؤاله لوالدها:
- عمي حينما تُحزِن خالتي كيف تقوم بإرضائها؟

اعتدلت سريعًا بجلستها وهي تسمع جواب والدها:
- حسب الدرجة.. اذ كانت غاضبة وحزينة مني كثيرًا.. قليلًا... احيانًا بكلمة واحيانًا بهدية.

- واذا قالت لك انها تريد الطلاق ولا تريدك؟!
سأله محمد وعيناه تسافران الى آلاء دون ارادة منه.. فضحك والدها واجاب:
- حينها سأخذها الى الغرفة وأوصد الباب وادعها تفهم بطريقتي.. كيف فكرت بهذا الشيء مجرد تفكير!

ضحك محمد ثم قال:
- حسنًا عمي.. الا ينفع ان اخذ امرأتي انا ايضًا؟.. اليست هي زوجتي وقد عقدنا قرآننا؟ هي غاضبة بسببي وليست راضية وانت تعلم ان جو العائلة والمنزل لا يساعد البتة حتى أصالحها كما ارغب.

- تأدب محمد وأصمت.. احترم قليلًا.. لن اعطيها لك الا بعد سنة.
قال والدها لتتسع حدقتا محمد بذهول:
- سنة عمي! سنة! لماذا هل نتعرف على بعضنا البعض او انكم لا تعرفوني او ماذا؟

- هذا الذي لدي حبيبي.. يجب ان تنهي سنتها الدراسية الأخيرة وبعد ذلك خذها متى ما تشاء اما الآن لا.. ممنوع!
قال رحيم بجدية ليتبرطم محمد حانقًا:
- سنربح اذا ذلك ما سيحدث فعلًا!
ثم استطرد:
- عمي مجددًا خالتي كيف تقوم بإرضائها؟

وثب رحيم عن مقعده ضاحكًا وقال:
- على ما يبدو انكما تعاركتما مع انني لا ادري متى وجدتما الوقت لذلك! ولكن على اي حال انا سأخرج حتى تتحدثان بخصوصية اكثر.

بعد ان خرج والدها اقترب محمد وجلس بجانبها وقال بنبرة هادئة:
- الى متى سنبقى على هذا الحال؟ لقد اعتذرت اليك واخبرتك انني لست بسهولة اقول كلمة آسف.. هذا يكفي حبيبتي سامحيني لننهي هذه المشكلة.

- محمد الموضوع ليس سهلًا وانت خطئك كبير وانا صراحةً لا استطيع ان ادعه يمر مرّ الكرام.
غمغمت آلاء بجدية ليتساءل بخشونة:
- ماذا تعنين؟

- يعني انني لا اريدك.. افهم هذا الشيء.
قالت بسهولة ثم تركته وغادرت وهي مصرة على الانفصال عنه.. محال ان تستمر معه بعد الآن..

وبالفعل اتصلت بوالدتها باكية تخبرها انها لا تستطيع الاستمرار مع محمد بسبب صعوبة عقله وتحكماته الكثيرة وعصبيته المفرطة.. كما واخبرتها عن المواقف التي حصلت وانها ليست مرتاحة معه.. وتوسلتها ان تتحدث مع والدها وتقوم بإقناعه ليخبر محمد ان يطلقها.. ولم تهدأ وتطمئن الا حينما وعدتها والدتها انها ستفعل كل ما قالته..

********************
في اليوم التالي..
وقفت آلاء مع صديقتها في المدرسة وهي مرتاحة نسبيًا فمحمد لم يتصل بها ويراسلها منذ البارحة وكذلك وعد امها لها بتحقيق ما ترغب به.. اي الطلاق!
انتبهت الى زميلها الألماني يقترب منها فإبتسمت وهي تسمعه يقول بإعجاب واضح:
- آلاء! تبدين مختلفة ورائعة جدًا اليوم!

- شكرًا!
علقت بإبتسامة ناعمة ليغمغم:
- لا داعي للشكر.. انا اقول الحقيقة.. انت حقًا تبدين رائعة وجميلة جداً ومختلفة ايضًا.

قبل ان تجيبه شعرت بذراع شخص ما تحيط بخصرها وتضمها الى صدره بخشونة بينما تسمع الصوت التي ترغب بإخراجه من حياتها يهتف بنبرة مخيفة:
- وهل تعلم ماذا يفعل الرجل العربي اذا سمعك تغازل زوجته هكذا؟

------------------------
يتبع..
موعدنا السبت القادم..

رأيكم بالفصل..
توقعات..
احب ان ارى تعليقات طويلة..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:12 AM   #5

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثالث
عشقتكِ فرضًا لا اختيار..
وخضعت لسلطانكِ بكل انبهار..
وبسهولة من نظرةٍ، عليكِ اغار..
لا تبتعدي فأنا غريب الأطوار..
لا أحرر ولا اعترف بالأعذار..
انتِ كتابي وقلمي بكِ يُحار..
بعنادكِ شغفي اليك يُثار..
وبمكركِ انتهي وتختفي الأفكار..
القي سحركِ فأنتِ كالبحار..
دوامة لا نهاية لها ولا قرار..

---------------------------
لم تتوقع ان يأتي الى مدرستها وان يجدها خاصةً بموقف كهذا.. إبتلعت ريقها ثم قالت بتوتر وهي تُعرّفهما على بعضهما البعض:
- اليكس زميلي في المدرسة.. ومحمد ابن عمي.

تعمدت ان تقول ابن عمها فقط لأنها ستنفصل عنه دون شك..
ضغط محمد على خصرها بغيظ وقرّبها اكثر الى حضنه بينما يضيف:
- وزوجها ايضًا.

مدّ أليكس يده بإحراج ليصافحه وقال:
- أعتذر منك ولكنني كنت اقول رأيي بها فقط ولا اعلم اذ كنت تتقبل ذلك ام لا.. ولكنك محظوظ جدًا بها دون ادنى شك.

ارتفع حاجب محمد بسخرية غاضبة من كلمات هذا الأرعن التي تشي عن اعجابه بزوجته.. فينسحب أليكس دون كلمة أخرى والحسرة تلازم قلبه.. كان معجبًا بها.. بكل ما بها ولكنها متزوجة.. منذ متى لا يدري صدقًا..

أغضمت الاء عينيها للحظات قصيرة وهي تلعن حظها التعيس الذي يجعل محمد يأتي بأوقات اقل ما يقل عنها حرجة..
كتمت تأوهها وهو يضغط على خصرها بينما يهمس بهسيس:
- فقط ابن عمك انا.. اليس كذلك؟

ابعدت يده عن خصرها بقوة وهتفت بتحدي:
- اجل.. الم نتفق ان ننفصل؟ كيف تخبره انني زوجتك؟

جزّ على اسنانه بعصبية مفرطة وهو صدقًا يكاد ان يخنقها بيديه الإثنتين ليرتاح من استفزازها له وعنادها:
- آلاء!! انا بالكاد اتمالك نفسي حتى لا اتهور عليك.. احاول ان اقنع نفسي انك غاضبة وحقك ذلك ولكن ان لصبري حدود وانت عبرتِ هذه الحدود.. من الأفضل لك ان لا تختبري صبري كثيرًا.. والآن دعيني اعرف كيف تسمحين لشخص مثل هذا الأحمق ان يقف معك ويقول هذا الكلام؟ كيف؟ اجيبي.

- ذلك ليس من شأني.. هو أتى وتكلم ولا يحق لي ان امنعه.. ثم هذه وجهة نظره وهذا رأيه بي.. فأين المشكلة، لا افهم؟!
قالت بهدوء جعله يهدر بجنون:
- الم تري كيف كان ينظر اليك؟ انت متزوجة هل تفهمين؟ متزوجة.. هل تفهمين ذلك ام لا؟

- لا، لم أفهم.. وسبق وقد اخبرتك ان لا يوجد اي علاقة بيننا بعد الآن.. وحتى انني اخبرت والدتي بما حدث وانني لا اريدك.. وهي ستتحدث مع أبي حتى ننهي كل شيء.. لذلك لا ترهق نفسك عبثًا بعد الآن.
هتفت بحدة لتستولي قبضته على معصمها ويقرّبها اليه بخشونة ويهتف بغضب أشوس:
- هيّا امشي امامي الى المنزل دون حرف واحد.. وبعد ذلك سنتحدث عن هذا الموضوع اللعين.. لقد نفذ صبري بسببك.

- كفى.. لا يحق لك ان تتدخل بي بهذه الطريقة.
هتفت بحدة وهي تنتزع يدها من قبضته بخشونة ليضع سبابته على شفتيه ويقول بتهديد جاد وخضار عينيه يصبح كشرارات الغابة داكنًا مرعبًا:
- اخرسي.. كلمة واحدة لا اريد ان اسمع منك.. اذا بقيت دقيقة واحدة اخرى في هذا المكان سأدفنك به.. فهيّا الى المنزل.
ودون ان يمنحها ثانية واحدة لإستيعاب تهديده كان يدفعها امامه بخشونة قبل ان يفتح لها باب السيارة فتضطر ان تصعد بسبب تهديده وهي تتبرطم بحنق وتشتمه بأفظع الألفاظ بصوت لم يصل الى اذنيه..

هدر محمد وهو يطلق سبابًا من شدة حنقه:
- ما هذه الأخلاق؟ انت متزوجة فكيف تسمحين لشخص مثل هذا ان يقف ويتكلم هكذا بل والأدهى مسرورة جدًا بكلامه وغزله لك!

صمتت ولم تعقب على كلامه ليصمت هو الآخر وغضبه قد وصل الى قمته وفور ان توقفت سيارته بجانب منزلها ترجلت من السيارة مسرعة وتوجهت بشكل فوري الى غرفتها ليغادر وهو يتوعدها بإعادة تربيتها..

***************

اتكل محمد على والدته التي اخبرته انها ستقوم بدعوة آلاء وعائلتها لتناول الغداء.. وهو يدري جيدًا ان امه حذقة تجيد التصرف.. فرغم محاولة الآء رفض الدعوة الا انها اقنعتها.. تريد التهرب منه؟.. أتعتقد انه سيتركها يومًا ويحقق لها ما تريده بالإنفصال؟.. لا زالت لا تدري بعد ربما انها تنتمي له دون حتى ان تدرك.. هي ولدت لتكون زوجته.. امرأته..

ومضت عيناه الخضراوان بخبثٍ وهو يتطلع الى ساعة يده.. الآن لا بد انها ستكون في المنزل وقد حضرت لتلبي دعوة والدته.. ربما الآن مرتاحة بغيابه وهذا ما لن يسمح به..
دلف الى منزله بعد والده لتتدلهم حدقتاه وهو يرى ماذا ترتدي.. ألن تتوب بحق الله؟ الى متى ستبقى هذه القصيرة العنيدة تستفزه؟

شتم بغضب كلما يستعر في ثناياه من تصرفاتها الملتوية لتتجاهله تمامًا وهي تلقي السلام على عمها وتتحدث اليه..
بخطوات سريعة صعد الى غرفة شقيقته ثم عاد بعد اقل من دقيقة بسترة خفيفة ووضعها على كتفيها ليغطي عري كتفيها وقال بهدوء ظاهري:
- ارتدي هذه السترة.. الجو ليس ثابتًا.. تارةًحار وتارةً اخرى بارد.

- لكنني لا اشعر بالبرد.
همست آلاء بتعجب ليحدجها بنظرة مرعبة وبتهديد صريح ان تتجرأ وتنزع السترة عن كتفيها.. فتزم شفتيها بضيق وتصمت وهي تراه يعود ليجلس امامها ويتطلع اليها بنظرات غير راضية البتة.. يحتاج ان يغيرها من جذورها بسبب هذه الملابس اللعينة التي ترتديها ولكن صبرًا جميلًا..

ابتسمت بخبث فجأة وهي تلقي نظرة سريعة على محمد قبل ان توجه بصرها الى والده وتقول:
- عمي.. الم تقل لي ان اشكو لك اذا ضايقني محمد وانت ستعاقبه؟

- اجل، لماذا؟ بماذا احزنك؟ اخبريني والآن سأخذ لك حقك منه.
اجاب والده ضاحكًا لتتطلع الى محمد وترى التساؤل بعينيه عما تنتويه فتجاهلته وغمغمت ببراءة وحزن مصطنع:
- والله يا عمي يحزنني كثيرًا كثيرًا.

إتسعت عيناه بصدمة وهي تتبرم وتسترسل:
- يحزنني جدًا يا عمي.. كل يوم مشكلة مختلفة حتى ولو لم يكن هناك اي سبب.. يستخرج شيئًا من اسفل الأرض لكي يتشاجر معي.. وهو عصبي جدًا ولا اعرف كيف اتحدث اليه.

إبتسم عمها بمرح ثم تساءل:
- الان انت حزينة وغاضبة بسببه، اليس كذلك؟

هزت رأسها بموافقة كطفلة بريئة ليردف:
- ما هو اخر شيء فعله احزنك الى هذا الحد وجعلك تشكين لي غير عصبيته ومشاكله؟

- هل يسعدك يا عمي ان يخرج ويسهر حتى بعد الفجر واتصل به ويتجاهلني في حين لا زال لم يمر اسبوع على الخطوبة؟
غمغمت وهو يكاد لا يصدق انها تشكو لوالده بكل هذه البراءة!..
اجابها والده قبل ان يؤنبه:
- لا اطلاقًا لا يسعدني ذلك.. محمد كيف تخرج لتسهر بدلا من الخروج برفقة خطيبتك؟

- ابي!!
اعترض محمد بضيق ليقاطعه والده بحدة:
- لا تتحدث وانهض وقبّل لها رأسها واعتذر.

احتقن وجهه وهو يسمع اخوته الصغار يضحكون فنهض راضخًا لأمر والده وقبّل جبينها وهمس بصوت لم يسمعه غيرها:
- حسابك لاحقًا.
ثم استطرد بصوت عال:
- أسف.. وها انا اعتذر منك امام الجميع.. ان شاء الله راضية الآن؟

هزت رأسها بخجل اصطناعي:
- اجل راضية.

عاد الى مكانه لعدة دقائق قبل ان ينهض قائلا:
- اريد ان اخذ آلاء إلى مكان ما.. هناك شيء اريدها ان تراه.

- لا.. لن تأخذها الى مكان وعد الى مكانك.. جلوس لوحدكما ممنوع!
هتف والده ليصمت وهو يتمتم بكلمات غاضبة حانقة الا انه صمت.. لا بد من ايجاد طريقة ليحاصرها بها.. وبسرعة وجد وعرف كيف سيحاصرها حينما فاجئها بمرافقته لشقيقه غياث التي طلبت منه ان يعيدها واخوتها الى منزلها..

لم تتوقع مرافقة محمد لهم.. كانت تود التهرب فقط منه.. خاصةً من نظراته التي لم تعتقها بدايةً من وجودها في منزله ثم في طريق العودة الى المنزل..
لذا فور توقف السيارة بجانب منزلها كانت اول من تترجل وهي تلقي تحية الوداع ثم تدخل سريعًا الى المنزل لتهرب من محمد..

استغربت عدم دخول اي احد من اخوتها لتخرج من الغرفة وتسير نحو باب المنزل الخارجي حتى تتفقدهم وتعرف سبب اختفائهم فتطمس شهقتها بسرعة وهي ترى محمد قبالة وجهها:
- الى اين يا جميلة؟

شحب وجهها وهي ترد بتوتر:
- اشقائي.. اريد ان ارى اين هم ولماذا تأخروا.

- لم يتأخروا.. انا قلت لغيّاث ان يقوم بأخذهم لشراء بعض الاشياء وبعد ذلك يعيدهم.
قال قبل ان يغلق باب المنزل ويدنو منها ضاحكًا بمكر لتهتف بحذر:
- الى اين تدخل؟ الن تغادر؟

- لا لن اغادر قبل ان تسامحيني.
اجابها لتردف بسرعة:
- لقد سامحتك.. ولكن غادر فقط.

- لا يا روحي.. لن اغادر.. والآن دعيني اعرف كيف تتجرأين وتشكيني لأبي؟
تساءل محمد لتزدرد ريقها وتجيب:
- مثلما اشتكيت لأبي وقبلها لأمي عني.. وانا فقط اشتكيت لعمي وليس مثلك.

- فقط لعمك؟! امام العائلة كلها وجعلتيني اتصرف كطفل صغير بل واعتذر ايضًا لك امام اخوتي الصغار!
تمتم بإستنكار وهو يتطلع اليها لتهز كتفيها دون مبالاة:
- اجل.. تستحق ذلك.. لأنني لا اطيقك بالإضافة الى كوني غاضبة منك.

علق محمد ضاحكًا دون فائدة:
- هذا اللسان الطويل.. اليس له نهاية!

ارتفع حاجبها الأيمن وتمتمت:
- ما خطبه.. لا يعجبك؟

- لا.. اكاد اموت لتجربة طعمه!
قال غامزًا لها بعينه بوقاحة ليمتعض وجهها وتتمتم:
- وقح.. قليل ادب!

- لماذا ترتدين هذه الملابس؟ هل لديك مشكلة بالسمع؟ انا اقول شيئًا وانت تفعلين شيئًا آخر.
قال بنفاذ صبر وهو ينظر الى ما ترتديه لتغمغم:
- لم يكن هناك احد غريب.. فقط انتم الوحيدين الذين كنتم.

- انا لا احب حتى ان يروك اخوتي هكذا.. ادري انني احزنتك، وانا استحق كل الذي تفعلينه بي ولكن كفى ارجوك ارحميني.. منذ اكثر من خمسة ايام وانت فقط تتشاجرين معي.. لا غير.. كما وانتي اعتذرت لك.. الا يكفي ذلك؟
قال بجدية لتهمس بألم:
- انت لم تعتذر.. لقد جرحتني فعلًا وانت تشك بي.. كيف تشك بي يا محمد؟

- لم افعل حبيبتي.. لم اشك.. لو انني حقًا اشك بك لكنت قتلتك بنفس الساعة.. ولكنني فقط فعلت ذلك لأنني احبك ولا احب ان يتحدث احد عنك بسوء.. وربما انت لا تعلمين ايضًا انني ذهبت اليه وضربته واخذت حقك منه.. انا اسف حبيبتي.. اسف.. انت تخيلي فقط ان يعتذر محمد.. تخيلي مقدار اهميتك ومكانتك في قلبي حتى اعتذر.

صمتت ولم تعلق ليزلف منها الى ذلك الحد الخطير فتتسع عيناها وترفع حاجبيها بتحذير صريح بعدم الاقتراب منها..
ابتسم وهمس بلا خافتة وهو يغلغلها داخل حضنه.. يطوّقها بذراعيه.. فإعترضت بأسمه وقبل ان تنهي حروف اسمه كان يقبلها.. بشغف.. بتوق.. بعشق.. يقبّلها بخشونة بعثرت قواها وتفكيرها.. لم تفهم ما الذي يفعله بها.. لم تفهم كمية الخجل التي تسربت الى وجنتيها والى قلبها.. لم تفهم اي شيء حتى وهو يبتعد عنها ليهمس بصوت أجش:
- آسف مرة أخرى يا قلبي.

ثم عاد ليقبلها مرة اخرى.. بشغف اكبر.. برغبة مجنونة بعدم تحريرها ابدًا.. يا الله كم يعشقها ويعشق كل تفاصيلها..
حاولت التحرر منه ونجحت وهي تبتعد قليلًا مغمغمة بضعف:
- كفى لقد سامحتك.

- يعني انتهينا من هذا الموضوع.. لان اذا لم يتم الانتهاء منه سأعود لمتابعة عملي.
قال بمرح لتهتف بسرعة:
- لا لقد انتهى والله.

- حسنًا اذًا لنأتي الى الموضوع الآخر.. لا يوجد غير طريقة واحدة حتى تكفين عن ارتداء هذه الملابس.
- ما هي؟
تساءلت بحيرة ليهمس بتفكير:
- آه ما هي؟
وقبل ان تستوعب ما قال كان يعود ليقبلها ولكن هذه المرة بجنون اكبر كان يقصده وهو يترك خلفه آثار ملكيته وخاصةً على عنقها حتى تكف عن ارتداء ملابس تكشف اكثر مما تستر..

كفى.. همست اعماقها وهي تشعر انها ضعيفة.. ضعيفة اكثر مما يجب وهي تختبر ما يفعله بها للمرة الأولى في حياتها.. يداه كانت تحيط بخصرها بخشونة تثبتها في حضنه.. ترسخ قدميها بالأرض التي تقف عليها..
لم تتجرأ ان ترفع عينيها اليه وهو يبتعد عنها ليرفعها ويضعها على طرف الطاولة ثم يقول:
- انظري الي.

لم تفعل.. كانت اضعف مما تعتقد.. بسبب خجلها والمشاعر الغريبة التي داهمتها ربما.. جلّ ما تتمناه هو الإختفاء بعيدًا عن عينيه.. بعيدًا عن قوته الرجولية بكل ما يبذر منه من افعال توهنها..
ابتسم برضى وهو يتطلع الى الآثار التي قصد فعلها بعنقها:
- ممم لا بأس.. عدة ايام وستذهب هذه الآثار.. ولكن ليس قبل اقل من اسبوع.

تساءلت بإستغراب:
- لماذا؟ ماذا فعلت بعنقي؟

انحنى برأسه اليها ليقبلها مرة اخرى وهمس:
- لا تحزني مني.. لأنني احبك فعلت ذلك.. لا تنصدمي حينما ترينها في المرآة.

رفعت رأسها تنظر اليه بتشوش فزفر بحنق:
- ذلك لا يصح يا ربي.. كيف سأصبر كل هذا الوقت؟!

تخضبت وجنتاها وهي تخفض رأسها بسرعة ليقول بحنو:
- لولو حبيبتي لا تخجلي مني.. انت امرأتي وحلالي.. هذا الشيء طبيعي بيننا.. وهذه مجرد قبلة لا شيء آخر.. أما بالنسبة للآثار فإنت تستحقين.. كلما ترتدين ملابس كهذه ستجدين مثلها على جسدك.. وذلك أحب على قلبي من العسل.

شكرت الله ان جرس المنزل اخذ يرن فجأة كي لا ترد عليه..
فرا هاربة الى غرفتها وخفقات قلبها تكاد ان تتوقف من شدة صخبها.. ثم أوصدت باب المنزل وهي تسمع صوت اخوتها الصغار واختفاء صوت محمد فتدرك انه غادر..
سارت نحو المرآة الموجودة بغرفتها ووقفت قبالتها لتشهق وهي ترى الجنون الذي احدثه على عنقها.. شتمت بحنق وهي لا تدري ماذا تفعل حتى تخفي افعال هذا الرجل المجنون التي تزوجت به..

******************
وقف يتأملها للحظات وهي جالسة على احد مقاعد محطة الباصات تنتظر الباص ان يأتي لتعود الى منزلها.. لا زالت تعمل حتى بعد خطوبتها من ابن عمها.. لو كان مكانه ما كان سيدعها تكمل عملها..
ومض الإصرار بعينيه، عازمًا ان يتحدث اليها فسار نحوها وتساءل:
- هل بإمكانني الحديث اليك؟

لم تتوقع ان يأتي الى عملها فهتفت بخشونة:
- ماذا تريد؟

- لدي شيء لك يجب ان اخبرك به وبعد ذلك انت حرة.
اجاب لتقول:
- ماذا هناك؟ تحدث.

- هل تعلمين من الذي دمر علاقتنا.. من الذي اوصل الكلام لي وقال "هي مخطوبة ويجب ان تتركها".. هل تعلمين ان محمد الذي فعل ذلك؟ هذا يعني انه كان معجبًا بك ويريدك له وفعل كل ذلك حتى يفرق بينا ويفصلنا عن بعضنا البعض ليأتي هو ويتقدم اليك ويتزوجك؟
قال كريم بقهر لتقلب آلاء عينيها بضجر:
- إذًا؟

- إذًا ماذا؟ بالتأكيد لم يخبرك عن حقارته.. بالتأكيد لم يفعل ويقول انني فعلت هذا هالشيء.
تطلعت آلاء اليه ببرود وقالت:
- انا اعلم بكل هذا الكلام الذي قلته.

- ماذا؟ انت تعلمين!
هتف بعدم تصديق لترد بحقد سيطر على قلبها:
- آجل، اعلم.. منذ اليوم الأول للخطوبة اعترف لي واخبرني انه هو من ابعدني عنك.. وانا صدقًا اشكر الله ثم اشكره هو لأنه ابعدني عنك فأنت لا تستحقني.

- انتبهي الى الكلام الذي تتفوهين به.
هتف كريم بتحذير لتغمغم بإستخفاف:
- انا منتبهة وكثيرًا.

لقد تغيرت.. صدقًا تغيرت.. نظر اليها وهو لا يصدق انها تعلم بهذا الكلام ولا زالت مستمرة بعلاقتها بمحمد.. لماذا لم تتركه؟ لماذا؟
- كيف ترضين لنفسك ان تستمري بعلاقتك بشخص كهذا؟

وثبت عن مكانها ووقفت قبالته ثم قالت بتشفي:
- يعجبني الإستمرار مع شخص كهذا.. هل تعلم لماذا؟ لأنه رجل! حينما يريد شيئًا يفعل المستحيل ليحصل عليه.. لم يصدق بسرعة الكلام الذي يصله مثلما فعلت انت.. مجرد ان اخبروك انني مخطوبة أدرت عني وجهك وغادرت.
ثم استرسلت بقهر:
- كيف تصدق من الأساس انني من الممكن ان افعل شيئًا كهذا وابقى على علاقة بك؟ اخبرني كيف؟ الهذه الدرجة تراني انسانة ليست لديها اي قيمة لنفسها؟ كيف تفكر قط انني قد ادخل بعلاقة بك وانا مرتبطة برجل اخر؟ كنت معك طيلة الوقت.. نتحدث على الهاتف منذ الصباح حتى يحل الليل وانام.. وتأتي الي ونخرج معًا.. وفي النهاية ماذا؟!
ابتسمت بإستهزاء مرير وتابعت:
- في النهاية تصدق هذا الكلام بسرعة.. بل والأدهى من ذلك تختفي وتعود بعد شهر لتسأل اذا كان الكلام صحيحًا ام لا! غادر يا كريم.

- وانت ايضًا لم تبرري لي.. اخترتِ السكوت وقلتِ ان الكلام الذي سمعته صحيح وبعد ذلك لم تتحدثي.
اعترض وهو يهز رأسه بقهر لتردف بوجع:
- أجل، سكتُّ.. لأن الألم الذي تسببتَ لي به كان كبيرًا جدًا.. لم أتوقع ان تصدق بكل هذه السهولة.

- آلاء انت لا زلت تحبيني وانا احبك ايضًا وذلك الشخص هو من فرّق بيننا.. دعينا نتخلص من هؤلاء المتطفلين ونعود لبعضنا البعض.. انت تفسخين خطوبتك وانا افسخ خطوبتي وبعد ذلك نعود لبعضنا البعض.
قال كريم بإصرار لتضحك بتهكم:
- هل فقدت عقلك؟ انا اذا كنت اشكر محمد على شيء فهو انه حررني منك.. افضل شيء فعله انه اراحني منك.. اخبرني انت ماذا تراني حتى انفصل عنه لأعود اليك؟ الى هذه الدرجة تراني رخيصة؟ وللتصحيح فقط هو ليس خطيبي.. هو زوجي.. يعني ليس مجرد خاتمًا انزعه واخبره ان ما بيننا قد انتهى.

تنهدت وجروحها كلها تنفتح لتحرقها:
- كفى كريم.. انسى كل شيء بيننا وتابع حياتك بعيدًا عني وانا كذلك مستمرة بحياتي.. تصرف كأنك لم تراني وتابع حياتك.. انا لا ينقصني المزيد من المشاكل.. وخطيبتك تبدو فتاة لطيفة.. استمر بعلاقتك بها.. هي لا تستحق ان تخونها او تقوم بفعل اي قذارة خلفها.. وها قد اتى الباص.. اتمنى ان لا اراك مجددًا تحضر لي اي معلومة لأنني اعلم بكل شيء.. وداعًا.

غادرت وهو يتطلع اليها بينما يكاد ان يفقد السيطرة على نفسه.. ترفض ان تعود اليه بسبب الحقير محمد.. تريد الإستمرار بعلاقتها به وهو سبب فراقهما!.. شتم بعصبية شديدة وهو لا يدري ماذا عليه ان يفعل ليردها اليه.. هي تحبه.. محال ان تنساه بهذه السهولة وتفضل البقاء مع محمد بدلًا منه.. هي مجروحة فقط.. آجل فقط مجروحة وستعود اليه يومًا ما..

*****************
لم تتوقع ان يتجرأ ويقول "عودي الي".. خاصةً بعد خطوبتها من محمد امامه.. وبعد كل ما فعله بداية من خطوبته ثم الى محاولته التفرقة بينها وبين محمد وهو يتهمها بكونها غير عذراء..
تعترف انها لا زالت تحبه ولكنها مستحيل ان تعود اليه.. هي مجروحة منه.. مقهورة.. ما بينهما انتهى ومحال ان يعود.. لم تود ان تجرحه ولكنها مقهورة وقلبها يؤلمها.. عدم ثقته بها دمرت كل شيء بينهما.. لم يعد يجدي نفعًا الندم فمحمد لن يتركها وهو ايضًا خاطب.. ما ذنب خطيبته؟ والأهم من ذلك كيف تعود اليه؟ كيف؟ بأي حق؟

لم تعرف ماذا يجب ان تفعل.. خائفة منه ومن محمد.. خائفة وتائهة ولا تدري ماذا عليها ان تفعل.. لم يكن امامها غير صديقتيها ليسا وسما.. هما من بإمكانهما مساعدتها.. اخبرتهما بما حدث بينها وبين كريم فأقنعتاها بالحديث الى محمد خشيةً ان يكون قد رأها احد تقف معه ويخبر محمد فيحدث مشاكل..

لم تقتنع كثيرًا بكلامهما.. كيف تخبر محمد عن امور تتعلق بكريم وهو يفقد عقله من مجرد اسمه؟ لم تدري كيف تخبره من الأساس.. ولكن صديقتيها قالتا دعيه يُدرسك لإمتحانك وبعد ذلك اخبريه..
تذكرت ماذا فعل صباح اليوم حينما أتى ليوصلها من المنزل الى المدرسة.. كانت قد اخفات أثار جنونه بأدوات التجميل وارتدت ما ترغب به كما تشاء فيتطلع الى ما ترتديه ويتفاجأ بإختفاء أثار ملكيته ليكاد ان يجن بإختفائها فيصر على معرفة كيف اخفتها..
محمد وكريم فعلًا دوامة لا قرار لها..

تنهدت ومحمد يتصل بها.. لا تدري هل تسمع بنصيحة ليسا وسما ام لا.. تحدثت اليه قليلًا وهي تشعر انها ضائعة ليسألها:
- ما خطبك؟ لا تبدين على ما يرام.

صمتت تفكر مرة اخرى.. أتخبره السبب الحقيقة ام تتجاهل الأمر كله وتنتظر لوقت آخر..
استغرب صمتها فقال:
- آلاء.. هل تسمعيني؟

- أجل، ولكن لدي امتحان غدًا والمادة صعبة ومملة بعض الشيء ولست ادري كيف ادرسها.. هل بإمكانك ان تساعدني؟
غمغمت ليقول:
- بالتأكيد.. سأنهي عملي وأتي اليك بشكل فوري بأذن الله.. ولكن هل انت متأكدة ان هذا هو الأمر فقط؟

- أجل.
- حسنٌ اذًا.. سأنهي عملي وأتي اليكم.
بعد عدة ساعات أتى وجلسا بصالة المنزل لتحضر كتبها وتقول:
- هذه هي المادة.

- لنرى هذه المصيبة التي لا تعلمين كيف تدرسينها وجعلتك بهذا المزاج السيء.
قال محمد ثم فتح الكتاب وبدأ بتحديد الأمور المهمة لها ليستغرب حينما جذبت آلاء الكتاب فجأة ووضعته جانبًا وهي تغمغم بتوتر:
- محمد.. أريد ان أخبرك شيئًا.

عقد حاجبيه وتساءل بتعجب:
- ما الأمر؟ ألا تريدين مني ان أدرسك؟

- ألم نتفق ان لا نخفي اي شيء عن بعضنا البعض.. وانا في الواقع حدث معي شيئًا اليوم.
همست بتوجس فهتف وهو يتطلع اليها بتركيز:
- ما الذي حدث معك؟

- كريم!.. لقد أتى الى عملي اليوم ليوصل لي شيئًا مهمًا كما يقول.
اجابت لتتغير ملامحه بسرعة الا انه قال بهدوء:
- وما هو هذا الشيء المهم؟

- كيف اقبل الزواج بك.. وانك انت من دمر علاقتنا!
اجابت بشكل مختصر دون ان تخبره حرفيًا بالذي حدث.. لا ردودها ولا عرضه بالإنفصال عن محمد والعودة اليه..
انتظرت رده لعدة لحظات ثم سمعته يهتف بعصبية:
- انت كيف تقفين معه من الأساس وتتحدثين اليه؟

هدرت آلاء بحدة:
- انتبه للكلام الذي تقوله.. لست انا من ذهبت اليه.. هو الذي أتى ولم اكاد ان اخرج من عملي حتى اعود الى المنزل الا وانا اجده قبالتي يقول هذا الكلام.. انا لم افعل اي شيء خطأ.. ولو انني كنت مخطئة لم أكن سأتي واخبرك.. فلا تعاملني كأنني مخطئة.. هل تفهم؟ ولو انني لا اريد ان اخبرك لكنت اخفيت عنك هذا الموضوع من الأساس ولكن ها انا اخبرك.

أخذ نفسًا عميقًا متمنيًا فقط ان يجد رأس كريم امامه ليقتله.. ذلك النذل.. لا يزال يتجرأ ويحاول العبث..
أخرج هاتفه من جيبه ليتصل بإبن عمه لكريم ويقول:
- أريد ان أرى كريم غدًا ولكن إياك ان تدعه يعلم انني أتٍ.
ثم أنهى المكالمة تحت نظرها وتساءل:
- اين عمي؟

- جالس في الصالة الثانية يشاهد الأخبار.. لماذا.. ماذا تريد ان تفعل؟
غمعمت بتوجس ليتجاهل الرد عليها ويذهب الى الصالة الثانية فيجد عمه جالسًا ليقول:
- عمي هل بإمكانني ان اطلب منك شيئًا؟

- تفضل بني.
اجاب والدها لينقبض قلبها خشيةً ان يخبره محمد عن كريم..
هتف محمد بإصرار:
- عمي.. حينما أجد شقة وأجهزها سنتزوج.. انا محال ان انتظر سنة كاملة.. انتم لستم بحاجة لتجربة أخلاقي او السؤال عني.. واذا كانت تريد ان تتابع دراستها بإمكانها ان تفعل وهي متزوجة.. انا لن امنعها.

تنهد والدها وهو يستنبط الإصرار والشغف بعينيه للزواج بإبنته فقال:
- والله يا بني منذ اليوم الذي عقدتما قرآنكما به اصبحت آلاء ضيفة في منزلنا وايامها معدودة هنا.. ما تريده تم يا محمد.

- حسنًا اذًا.. عن اذنكما سأغادر.
وقفت مصدومة بطلبه ومن رد والدها عليه.. ثم مغادرته هكذا دون ان يدرسها حتى.. ماذا سيفعل غدًا مع كريم؟ قضمت شفتها السفلى بتوتر وهي تعود الى غرفتها لتجلس وتدرس لوحدها.. دون محمد وجنونه..

******************
طيلة الليلة الماضية وهو يكاد ان يرتكب مصيبة ما.. لا زال ذلك اللعين يدور حول امرأته.. لا زال لديه امل ان تعود اليه وكأنه سيحقق له ما يريد ويترك آلاء له.. ولو قتله لن تصبح له.. لن تصبح لكريم ابدًا.. هي فقط له هو.. لمحمد الأيهب.. ومحال ان يفرط بها لأحد آخر او يمنحه المجال لسرقتها منه..

انتظر ان يأتي الى عاصم على أحر من الجمر.. يقسم انه لن يرحمه.. لن يدعه احد ينجو من قبضته..
عاصم حاول ان يفهم منه لماذا يريد رؤية ابن عمه كريم الا انه لم يمنحه اي جواب.. وفور ان وصل الى المكان الذي من المفترض ان يلتقي به بكريم ترجل برفقة شقيقه غياث من السيارة ودخل دون ان يلقي حتى تحبة السلام..

ابتسم كريم بسخرية ونهض عن مكانه قائلًا:
- أهلًا وسهلًا.. على ما يبدو انك طلبت من عاصم ان نلتقي؟ ماذا هناك؟

دنى محمد منه ووقف قبالته وقبل ان ينبس بحرق كان يلكمه بكل غل على وجهه فيرتد كريم الى الخلف متأوهًا..
زمجر محمد بتهديد:
- ابتعد عنها.. هل تفهم؟ ابتعد عنها.

حاول كريم ان يرد اللكمة اليه الا ان محمد كان اطول منه وأقوى منه.. وعصبيته وجنونه مستحيل ان يصل كريم لهما..
تدخل عاصم بسرعة قائلًا:
- محمد لا تنسى انه ابن عمي وانني لن اسمح لك بفعل ذلك.. فقط اخبرني ما الذي فعله حتى تضربه؟

هتف كريم بحقد وهو يضع يده على انفه الذي نزف:
- انت لا تستحقها.. انت الذي فرقتنا عن بعضنا البعض.. هي تحبني.. تحبني انا فقط رغم كل هذه السنوات التي مرت.. فلا تتوقع ان تحبك يومًا.

همّ محمد بالهجوم عليه مرة اخرى فيمنعه سريعًا غيّاث محاولًا السيطرة عليه من التهور الا انه يضطر ان يتركه وهو يسمع ذلك المجنون يقول بجنون:
- ستعود الي.. لا تتوقع انها ستبقى معك في حين قلبها ملكي وحدي.. ستنفصل عنك وسأتزوجها انا.. ستكون لي انا.

دفع غيّاث بعنف وهجم على كريم بغضب اسود جاهرًا كليث خائفًا ان يخطفوا امرأته منه:
- لن أسمح لك.. هل تسمع؟ أقتلك.. قسمًا بالله اقتلك اذا فكرت بالمجيء الى عملها مرة اخرى او حاولت العبث معها! لن أرحمك! وتذكر انني لا اهدد بل انفذ فقط.

بصعوبة شديدة ابعداه غياث وعاصم عن كريم ليهتف عاصم بسرعة:
- غيّاث خذه وغادر وانا سأتصرف مع كريم ولن ادعه يقترب مجددًا من زوجته.

اخرج غيّاث محمد بصعوبة وهو يسمعه يشتم بعصبية مفرطة.. ذلك اللعين حرق دمه.. يعتقد انه سيسمح له بأخذها منه.. سيضمن ان تكون في منزله بعد أقل من شهر.. وسيرى من سيبعدها عنه..

*****************
بعد ثلاثة ايام..
اخذت تتجول في الشقة التي وقعا عقد ايجارها قبل عدة دقائق.. جميلة وعصرية ولكن تحتاج الى اثاث بكل تأكيد..
تساءل محمد وهو يدنو منها:
- ما هو رأيك؟ هل اعجبتك؟

- أجل.. تبدو جميلة.
اجابت آلاء ليقول:
- وحتى يصبح بها ذكرى جميلة لا تُنسى...
أخرج علبة صغيرة من جيبه ثم فتحها لتتطلع الاء بإنبهار الى خاتم الخطوبة.. كان الخاتم جميلًا جدًا.. مرصعًا بثلاثة شذرات زرقاء كلون السماء..
- عندما رأيت هذا الخاتم تخيلتك ترتدينه.. وكأنني رأيته على يدك انت حبيبتي...
أدخل الخاتم في بنصرها اليمين ثم قبّل يدها وهمس بحب:
- مبروك حياتي.

ابتسمت آلاء بنعومة:
- شكرًا.. ليبارك الله بك.
ثم استأنفت:
- ولكنني خائفة ان يحزنوا اهلنا لأننا لم نفعل حفل خطوبة.

زفر بخشونة ثم هتف:
- سأفعل لك كل ما ترغبين به.. ولكن هذا الخاتم فقط حاليًا حتى لا يتجرأ احد بالنظر اليك.. فحينما يرى هذا الخاتم بيدك سيعلم انك مرتبطة وملك لرجل واحد فيبتعد عنك.
ثم انحنى قليلًا اليها ليرتشف دوائه من ثغرها.. صبره الوحيد..
- هذه بمناسبة الشقة والعقد.
همس ثم قبّلها مرة اخرى واضاف:
- وهذه بمناسبة خاتم الخطوبة.. واي شخص يحاول ان يلومك اخبريه "هذا ليس ذنبي.. ليست لي اي علاقة.. اذهبوا وتحدثوا الى محمد".. حسنًا؟

ضحكت آلاء بخجل ليبتسم بحنو:
- أجل اضحكي.. وانسي بقية الأمور.
توسمت حدقتاه الخضراوان النظر بوجهها المليح ثم تمتم بنفاذ صبر:
- لا.. يجب ان اتحدث الى عمي وأشد همتي اكثر حتى يتم الزفاف بشكل أسرع.. الوضع هكذا لا يجدي نفعًا اطلاقًا.. هيّا اذهبي من امامي قبل ان ارتكب مصيبة حالًا في الشقة.. نحن وحدنا والشيطان موجود وانا شيطاني قوي جدًا ولا أرهقه.. من النظرة الأولى انصاع اليه.

ابتعدت عنه سريعًا وهرولت مغادرة الشقة والبناية كلها ثم صعدت الى سيارته ليتبعها ضاحكًا:
- اعتدتِ على الركض كما يبدو.. انا يجب ان اجتهد اكثر هذه الفترة وانهي تأثيث الشقة.

- محمد لا يوجد داع للإستعجال.
غمغمت آلاء بتوجس من القادم ليتطلع اليها ويقول قبل ان ينطلق بالسيارة الى منزلها ليعيدها:
- لا تخافي حبيبي.. ودعي انت هذه الأمور جانبًا.. انا لست على عجلة من أمري.

*****************
تنهدت والصداع يكاد ان يفتك برأسها بسبب كمية العتاب والإتصالات التي حصلت عليها بعد معرفة الجميع بما فعله محمد..
الجميع يعاتبها لأنها تخلت وتنازلت عن اجمل لحظة بعمرها ورضت بخطوبة فقط حدثت بينها وبين محمد.. دون احتفال ودون اي شيء آخر..

- انا وهو موافقان.. لا نريد احتفالات ولا شيء آخر.
قالت لوالدتها وخالتها التي تتحدث اليهما على الهاتف لتهتف امها بضيق وغضب:
- لا يحق لي ان افرح بك مثل سائر البنات.. انت اول واحدة من بناتي تتزوج.. انت فرحتي الأولى.

لم تمنحها امها خيار الرد فأغلقت الخط دون ان تسمع ردها لينال محمد دوره بالعتاب والتوبيخ..
والدتها لم تتحدث الى والدها وتخبره انها تريد الإنفصال عن محمد.. وحينما سألتها لماذا لم تفعل قالت
"انا ايضًا كنت مثلك خلال فترة خطوبتي بوالدك.. كل يوم اقول لا اريده واريد الطلاق منه.. لذلك لم أخذ كلامك على محمل جد"

الأيام كانت تمر بسرعة رهيبة.. كل شيء يقترب وهي تحس انها شبه غائبة عن الواقع.. ما بين الوعي واللا وعي.. لا تدري كيف كل شيء يحدث بهذه السرعة.. حصار محمد يلتف حول عنقها ليمنع عقلها عن التفكير لتشعر انها تلفظ اخر انفاسها.. فمحمد بدأ بتأثيث الشقة وتم تعيين تاريخ ارتداء ذهب الخطوبة فور ان تعود والدتها من العراق..

بعد اسبوع..
الجميع مضغوط بسبب التحضيرات لحفل زفاف حسام ابن عمتهما.. ومحمد حتى لم يتمكن من رؤية آلاء بسبب انشغاله بعمله وتأثيث الشقة ثم التحضيرات لزفاف ابن عمته.. الضغط كان كبيرًا عليه وبعدها عنه يقتله.. الحديث اليها في المساء لا يكفيه.. لا يشبعه منها ابدًا..

حاول ان يعرف اكثر من مرة ماذا سترتدي في حفل زفاف حسام وحذرها انه لن يدخلها القاعة اذا كانت ترتدي ملابس فاضحة وشبه عارية.. فتطمئنه انها سترتدي فستانًا محتشمًا اشترته لها والدتها من العراق.. لا يعلم انها تقوم بخياطة فستانًا من العيار الثقيل.. وهذا ما يرعبها.. الا انها مصرة على ارتدائه فهذا اول احتفال لهما معًا ويجب ان تكون فائقة الجمال..

في صالون التجميل..
ألقت الاء نظرة اعجاب على نفسها وهي تتوسم النظر عبر المرآة الطويلة بفستانها الاحمر ذو الفتحة الطويلة التي تمتد من منتصف الفخذ حتى اسفل قدمها.. بدت في غاية الجمال بشعرها الذي تم رفعه للاعلى بطريقة محترفة وبزينتها الغير مبالغ بها.. على الرغم من قامتها القصيرة الا ان الفستان الذي يحدد تفاصيل جسدها وهبها جاذبية غير عادية اطلاقًا..

استدارت فجأة لتطالع محمد الذي ولج برفقة العريس حتى يأخذها.. كانت تدري بوصوله فقبل عدة دقائق اتصل بها ليسألها اذ كانت جاهزة حتى يدخل هو والعريس..
كانت واثقة بجمالها وبكونها ستعجبه ولكن نظراته وهدوئه بعد أن اقترب العريس من عروسه ليلقي السلام عليها وعلى والدتها كانا ابعد توقعاتها..

للحظات قصيرة فقط بقي محمد ينظر اليها بعينين غير مقروئتين من الاسفل الى الاعلى.. وأخذ يكرر هذه العملية أكثر من مرة حتى بدأت تعابير وجهه تتغير رويدًا رويدًا الى تعابير مبهمة مخيفة بغموضها..
سمعت صوت ابن عمتها حسام يتساءل:
- هل نغادر الان يا محمد؟

تجاهله محمد نهائيًا وبدى وكأنه من الاساس لم يسمع اي كلمة تفوه بها حسام..
أحست بترقب وتوتر رهيب بسبب نظراته وبصعوبة كتمت تأوهها حينما جذبها من ذراعها بخشونة وقسوة وهتف:
- هل ستخرجين هكذا؟

-----------------------
يتبع يوم الأربعاء..

بداية من الفصل القادم سنقول مرحبا للمصائب الحقيقية..

رأيكم بالفصل؟

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:13 AM   #6

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الرابع
احبني بقلبك الحنون لا الحقود..
واعشقني وتخلى عن البرود والجمود..
فغيرتك تذعرني حينما تسود..
احبني وكأنني نادرة الوجود..
فغزلك غريب يعبر الحدود..
وشعلة قلبك هي من تقود..
احبني ودللني رغم خطئي المقصود..
ذنبي لا يغتفر ولكنك الأمل المنشود..
عاقبني بحبٍ فلا يدوم الصمود..
احبني واكتب على قلبي الخلود..

----------------‐-------
أحست بترقب وتوتر رهيب بسبب نظراته اليها وبصعوبة كتمت تأوهها حينما جذبها من ذراعها بخشونة وقسوة وهتف:
- هل ستخرجين هكذا؟

- ماذا تقصد بسؤالك؟
تساءلت الاء باستفهام ليقول محمد بعصبية شديدة:
- لن تخرجي! هل ألقيت نظرة على نفسك في المرآة ام لا؟ محال أن ادعك تخرجين.. مستحيل وانت بهذا المظهر!

تدخل حسام بسرعة، محاولًا أن يهدئه بعد أن سمع صوته الذي ارتفع:
- محمد ارجوك.. زفافي اليوم!

لم تتزحزح عيناه أبدًا عنها وهو يهتف بإصرار وغضب:
- مستحيل!

حينما رأت والدة العروس الرعب الذي كان ينجلي بكل وضوح على وجه الاء الذي يحدجها محمد بنظرات كاوية لا تنطق الا بكمٍ هائل من الغضب الاسود تدخلت هي الأخرى وغمغمت بلطف:
- ارجوك بني لأجلي فقط.. دعها تخرج ولا تدمر لها بهجتها وسعادتها بهذا الزواج.. ومن ماذا انت خائف وقلق اذا كنت انت والجميع موجودين في القاعة بجانبها؟

- محمد اقسم لك أنني أحضرت فستانًا اخر ولكن السحاب الخاص به تدمر وانا أرتديه فلم يكن أمامي اي حل عدا هذا الفستان.
غمغمت الاء بنبرة بريئة رغم الدماء التي تحس انها غادرت جسدها.. والذعر الذي كان ينبعث بقلبها دون أي رأفة..
شعر محمد بالاحراج بسبب رجاء أم زوجة حسام ومن ثم نظرات حسام له التي تتوسله أن يهدأ.. فلم يكن أمامه اي حل عدا أن يدفعها أمامه ويهتف بصرامة:
- هيّا الى السيارة الآن!

فور دخولهما السيارة أطلقت الاء آهة الم بسبب عنف قرصته لخصرها بينما يهدر بقهر:
- تعتقدين انني طرطور، اليس كذلك؟ لا بأس.. ارتدي كل ما يعجبك ولكن عليك أن تتحملي بعد ذلك عواقب أفعالك الوخيمة وكل ما سأفعله بك!
ثم قرصها مرة أخرى لتعترض بوجع:
- انت تؤلمني! لا يصح ما تفعله.

قال محمد بنبرة تتوعد بالكثير:
- انتِ لا زلتِ لم تري اي شيء بعد! لا زال اليوم في بدايته.. اذا كنتِ تعتقدين انك حينما تضعيني أمام الامر الواقع او حينما أشعر بالاحراج سأدع افعالك تمر مرور الكرام فأنت مخطئة تمامًا.

للحظات لم تتفوه بحرف واحد وهي تشاهده كيف يدخن بشراهة بينما يقود السيارة.. ولكن خوفها من عصبيته جعلها رغمًا عنها تبرر:
- محمد قسمًا بالله انني لا اقصد ان أغضبك او ان قصدي سيء.. ولكن الفستان الذي اردت أن ارتديه تدمر.. فماذا بوسعي أن افعل؟

للمرة الثالثة يقرصها بقوة بينما يزمجر بجنون:
- تدمر، اليس كذلك؟ هل ترينني طفلًا امامك؟ أجل! تدمر!
ثم هز رأسه واسترسل ليفاقم من هدير فؤادها ورغبتها العارمة بالبكاء والهروب منه بعيدًا بعيدًا:
- ولكن كيف لنا أن لا نتعرى؟ اليس ذلك عيبًا؟! اخبريني كيف سأدخل بك الى القاعة الان؟! ولكن محمد ابتلاه الله بإبتلاء.. بمصيبة!

تهللت اساريرها عند وصولهما الى بيت العروس.. وكادت أن تترجل من السيارة لتفر هاربة من هذا الشيطان الماثل على المقعد المجاور لها.. ولكن ردعها صوته الحاد فور أن امتدت يدها لتفتح الباب:
- الى اين؟

- اريد ان انزل!
ردت آلاء بتوتر ليتشدق:
- تودين ان تنزلي حتى كل أمة محمد (عليه الصلاة والسلام) تنظر اليك ونصبح فُرجة للجميع؟!
استأنف بنبرة آمرة:
- اجلسي مكانك! ممنوع النزول!

نفذت ما قاله وهي ترجو الله أن ينتهي هذا اليوم على خير.. انتبهت اليه يتصل بشقيقته الكبرى أميرة ليعرف إذ كانوا قد خرجوا ام ليس بعد.. ثم طلبه منها بعصبية شديدة أن تحضر بحوذتها وشاحًا.. وبكل عفوية تسأله اي لون ليصيح بها شاتمًا بألفاظ بذيئة ثم يغلق الخط..

عاد ليتفرس النظر بها بينما هي تحس ان السيارة ضاقت بها وكتمت أنفاسها.. كان واضحًا لها بنظراته العميقة التي لا قرار لها أنه يخطط بعقاب لها وكأنه لم يكتفي بكل هذا الرعب الذي يكاد ان يهلك روحها!
الصمت كان سائدًا في السيارة بينما لا يزال ينظر إليها بهذه الطريقة المخيفة التي تثير توجسها..
غمغمت الاء بإرتباك:
- محمد!

بسرعة وفاها تحذيره:
- من الأفضل لك أن لا اسمع صوتك حتى وصولنا القاعة اذا كنتِ تريدين سلامتك.. وبعد أن نصل ستجلسين برفقة امك وأمي وشقيقاتي بصمتٍ تام.. وإياك والتحرك من مكانك ريثما ينتهي هذا اليوم اللعين على خير! آلاء ممنوع أن تتحركي وها انا قد حذرتك!

لم تعقب فصاح بها بصوت عالٍ زلزل فؤادها:
- مفهوم؟!

- أجل! كفى، مفهوم!
أجابت بخنوع قبل أن يخرجوا جميعهم ويتوجهوا الى القاعة..
حينما دخلا الى القاعة كان الجميع تقريبًا متواجدًا هناك.. واول من علّق هن شقيقاته بصوت منخفض بينما يلقون تحية السلام عليها:
- ما هذا يا الاء؟ لم نتفق على ذلك أبدًا.. كيف وافق محمد ان تأتي بكل هذا الجمال؟

تمتمت الاء بتهكم:
- اصمتوا! طيلة الطريق قرص وتوبيخ! دلع من النوع الثقيل!

سمعت صفيرًا يأتي من خلفها:
- لا يا الاء! ما هذا الجمال؟ اليوم فعلًا تبدين مختلفة.. ساحرة تفقد الصواب!

ضحكت بمرح وهي تنظر الى غياث شقيق محمد:
- حمدًا لله اخيرًا سمعنا كلمة جميلة اليوم!

- أعلم فأنا اكثر شخص يعلم بتخلف شقيقي! انت تبدين في قمة الجمال ولكنه لا يعرف كيف يعبر عن اعجابه بجمالك هذه الليلة.
قال غياث بمرح وهو يرمق شقيقه الأكبر بنظرات عابثة فهتف محمد بعصبية:
- غياث من الافضل لك ان تصمت قبل ان أنفث عن كل جنوني بك.
واضاف وهو يتطلع الى الاء بنظرات متوعدة:
- وانتِ بما انك فرحتِ وضحكتِ غادري واجلسي مكانك.

- اين تريدها ان تذهب يا رجل؟ لو كانت خطيبتي ما كنت سأدعها وشأنها لدقيقة واحدة.. كنت سأخذها اما لساحة الرقص لأرقص معها او إلى زاوية جانبية لأختلي بها واتحدث بكلام خاص بالكبار!
هتف غياث ضاحكًا لتتوحش ملامح محمد بغضب شديد بينما يهدر به:
- غياث هل ستغادر ام تريدني ان اقوم بقتلك ودفنك في هذا المكان؟! انت اكثر شخص يعلم مدى ما يمكن ان يصل اليه جنوني!

رفع غياث يديه باستسلام مضحك:
- أنا انسحب.. ليس لي اي شأن بكما.. انا رجل ليس له علاقة بأمور الحب والزواج.. تركت هذه الأمور لكما.. استمتعا كما ترغبان.

ابتعدت عنه وعادت الى مكانها تنفذ ما قاله بالحرف الواحد لتسمع اخته تغمغم بعدم رضى:
- ما هذه الخيانة؟ لم نتفق ان ترتدي هذا الفستان.

- للأسف الشديد، استشهد فستانها في اللحظة الأخيرة!
علّق محمد بسخرية لتبتسم والدته وتغمغم:
- والله تبدين انت العروس لا هي!

- الحمد لله يا خالتي انني اسمع الإطراءات منكم لأن ابنك طيلة الطريق وهو يغدقني بنوع اخر من الغزل.
غمغمت آلاء ضاحكة ليتجاهلها محمد بعد ان حدجها بنظرة حادة ثم سأل شقيقته أميرة:
- اين الوشاح؟
ناولته أميرة الوشاح فأخذه منها ثم دنى من آلاء ووضعه على كتفيها وهمس بتهديد:
- اجلسي برفقتهن.. لا اعتقد انني سأضطر ان أعيد كلامي.

اومأت وهي تنفذ ما قاله بينما انسحب هو ليجلس برفقة بقية الشباب.. كل شيء كان يسير على ما يرام الى ان رأت كريم يقترب من طاولتها ليسلم على عمتها وخالتها وأمها.. ألقى نظرة سريعة عليها ثم قال بإبتسامة لخالتها:
- عقبال لأولادك ان شاء الله.

توتر رهيب تسرّب الى قلبها وحرارة لاذعة شعرت بها تحرق ظهرها.. اختنقت بخوفها من وجوده وخوفها الأكبر من محمد..
بيد مرتعشة اخذت تشرب من كأس الماء الذي امامها.. خائفة ان يتسبب لها بمصيبة ما.. تكاد تجن من وجوده في الحفل وهي بهذا الفستان اللعين.. حاولت ان تتجاهله وهي تتحدث الى زوجة شقيقها عبير..

لم تصدق انه اخيرًا غادر فهمست لزوجة إيلام:
- لقد تعبت من الجلوس.. لننهض قليلًا.

- اجلسي قبل ان يقتلك محمد الآن وامامنا.. فيبدو انه غاضب وغير طبيعي البتة لذا من الأفضل ان تبقي جالسة.
قالت عبير لتهتف آلاء برجاء:
- اذًا انهضي برفقتي لنذهب الى الحمام ونعدل زينة وجهنا.

نهضت عبير بعد ان تأكدت من عدم وجود احد فتبعتها الآء سريعًا.. عدة دقائق وخرجتا من الحمام فحمدت الله ان محمد لم يراهما..
سارت الاء خلف عبير بسبب خطواتها السريعة وكأنها تركض بينما هي بسبب حذائها ذو الكعب المرتفع تسير ببطء..

- مرحبا.. كيف حالك؟
إزدردت ريقها بذعر حقيقي حينما خرج لها كريم من حيث لا تدري.. تطلعت حولها تتأكد ان محمد لا يراهما معًا.. فعصبيته اليوم بسبب فستانها تكاد تقتلها.. فكيف اذ رأها تقف برفقة كريم؟.. لن يرحمها اطلاقًا..

- ألن تردي السلام حتى؟
قال كريم بشبه ابتسامة ساخرة فهتفت بحدة:
- ماذا تريد؟

تطلع اليها من الأسفل الى الأعلى وقال:
- هل هذا هو الرجل الذي تريدينه ورفضتِ ان تعودي الي بسببه؟ كيف تأتين الى الحفلة بهذا الفستان؟ ليس رجلًا، اليس كذلك؟ كيف سمح لك ان تأتي الى الحفل بهذا الفستان؟ هل هذا الذي اردتيه حتى ترتدين كل ما ترغبين به ولا يعترض.. بالتأكيد فهو تربية بلجيكا يعني لا يخاف على عرضه ويستعرض به كما يشاء.
ثم صمت للحظات وتابع بتهكم:
- أم انك تفعلين معه كما كنتِ تفعلين معي؟ تعاندين فقط!

- انتبه الى كلامك.. هو رجل رغمًا عن انفك.. ولكن لماذا لا تفكر انه يثق بي اكثر منك؟
هدرت آلاء بغيظ ليردف بنبرة جارحة:
- لا على الأغلب انك انت من تتحكمين به وفقًا لمزاجك فهذا هو المطلوب.. ألستِ تريدين رجلًا انت تسيطرين عليه؟ انتِ تعشقين هذا الشي وانا مستحيل ان اسمح لك بذلك فوجدتِ ان محمد سهل.. تربية اوروبا!.. فلا بد أن هذه النماذج أعجبتكِ.

رغبت ان ترفع يدها لتصفعه على وجهه اللعين بسبب كلامه القذر الا انها سرعان ما تمالكت نفسها وهتفت بنبرة باردة:
- لماذا لا تقول انه واثق من نفسه وليس قليل الرجولة.. ومتأكد جيدًا انه ما دام موجود فلا أحد يتجرأ ان ينظر الي او يقترب مني؟

رأت بتشفي كيف اسود وجهه من الغضب الا انه تغاضى عن كلامها وقال:
- على اي حال.. انا أتيت لأودعك لأنني سأسافر الى المانيا وأتابع عملي هناك وانت هكذا سترتاحين مني.. وليوفقك الله بطريقك.

كاد قلبها ان يتوقف عن العمل فور ان شعرت بجسد محمد خلفها يضمها الى صدره ويخفض رأسه بخفة ليقبل خدها..
- ماذا تفعلين هنا حبيبتي؟
لم تقدر ان ترد ومحمد يسلط انظاره على كريم ويسأله بخشونة:
- ماذا لديك حتى تقف مع امرأتي؟

- لا شيء مجرد سلام.. وتحدثت اليها عن موضوع ما.
اجاب كريم ثم بمكر تطلع الى آلاء وأضاف:
- عليك ان تفكري مليًا بما اخبرتك.

- اذًا اين خطيبتك حتى اقف انا ايضًا برفقتها ونتناقش ببعض المواضيع؟
تساءل محمد بنبرة غير مفهومة ليرد كريم قاصدًا ان يبث الشك في عقله:
- لقد انفصلنا.. لا يوجد نصيب بيننا.. والآن استأذن منكما ومبروك مرة اخرى.
ثم عاود النظر الى آلاء واستأنف قبل ان يتركهما ويغادر:
- لا تنسي التفكير بما اخبرتك.. سأنتظر منك جوابًا في أقرب وقت.

ابتعد محمد عنها وتساءل بينما حدقتاه تتفرس النظر بها:
- ما الذي يريده؟

- لا اعلم.. لا يريد شيئًا.
اجابت بتوتر فإستطرد بذات النبرة الغير مفهومة:
- لماذا نهضت من مكانك؟ ماذا اخبرتك انا؟

- اردت الذهاب الى الحمام.. وذهبت برفقة عبير وهو رأني ثم القى التحية فقط.
همست بخوف ليقول:
- عودي الى مكانك آلاء.. اجلسي دون اي حرف.

انصاعت لأمره وهي لا تشعر بقدميها من شدة خوفها.. وقف يتطلع اليها بعينين داكنتين غير مفهومتين وحينما تأكد انها جلست مكانها عاد الى مكانه برفقة الشباب..
بعد عدة دقائق اقترب منها ايلام وغياث..
- هل تودين ان ترقصي؟

- آجل.. ولكن محمد؟
اجابت آلاء بتردد لتقرر والدته سميرة بالنداء عليه وسؤاله..
- هل لديك مشكلة اذا الفتيات رقصن؟

- لا.. ما شأني بهن؟
اجاب محمد بإستغراب ليهتف غياث بسرعة لآلاء:
- اذًا هيّا انهضي.

قبل ان تتحرك من مكانها كان محمد يصرخ بها:
- الى اين ستنهضين انت؟ اجلسي مكانك.

ترقرقت الدموع في مقلتيها من الإحراج فتساءلت سميرة بجدية:
- ما الأمر يا محمد؟ دعها تنهض وترقص.

- انظروا الى ملابسها.. كيف ترقص وهي تغطي الذي فوق فيظهر ما في الاسفل وتغطي الأسفل فيخرج الذي فوق.
هدر بعصبية ليضحكوا جميعهم على غيرته ثم تقول له عمته والتي تكون والدة العريس:
- انت برفقتها بني.. وهذا زفاف.. انظر الى ملابس بقية الفتيات.. ليست الوحيدة التي ترتدي هكذا.

جذبها من يدها بخشونة وهمس:
- امشي امامي.

عدة دقائق فقط من الرقص الجماعي قبل ان يقول:
- هذا يكفي.. اذهبي واجلسي.

تبرطمت وهي تعود لتجلس فأي رقص هذا وهو كل ثانية يقول بتجهم..
"ضعي الوشاح جيدًا"
"انزلي الفستان"
"لا تتحركي كثيرًا"
"اخفضي صوت ضحكتك"

******************
بعد اقل من ربع ساعة توجه محمد الى عمه رحيم ليتحدث معه تحت نظرات آلاء المترقبة..
تنفس محمد الصعداء حين وافق عمه على طلبه ثم سار اليها وقال بهدوء:
- انهضي.. سنغادر.

- الى اين؟ حفل الزفاف لا زال لم ينتهي بعد.. الى اين سنذهب؟
غمغمت آلاء بتوجس فهتف:
- لقد استأذنت من عمي.. هناك مفاجأة حضرتها لك اريدك ان تريها.. فهيّا انهضي.

تطلعت الى والدها تتأكد من صحة كلامه فمنحها والدها ايماءة بسيطة وقال بلطف:
- انهضي حبيبتي.. محمد حضّر لك شيئًا جميلًا يرغب ان يفاجئك به.
ثم نظر الى محمد وتابع:
- ولكن لا تتأخرا يا محمد.

تمتم بموافقته ثم خرج برفقتها من القاعة لتسأله آلاء بفضول:
- الى اين سنذهب؟

- لا اريد ان اسمع صوتك.
هتف وهو يحدجها بنظرات قاسية فحاولت التغلب على خوفها وهي تصعد الى السيارة..
ساد الصمت خلال طريقهما بينما هي تحاول فقط ان تعرف الى اين سيأخذها.. ذلك ليس طريق منزلها.. وليس طريق مركز المدينة.. وليس حتى الطريق الذي يؤدي الى العاصمة بروكسل..
تفشى الذعر في قلبها اكثر من هذا الطريق المجهول فتساءلت:
- محمد إلى اين نحن ذاهبان؟

- حينما نصل ستعرفين.
اجابها ببرود لتتسع عينيها بتوتر فور ان اقترب بسيارته من الشقة التي استأجرها لهما فهدرت بنبرة خائفة لم تسيطر عليها:
- لماذا اتينا الى هذا المكان؟ ماذا هناك حتى نأتي الى الشقة الآن؟ نحن لم نغادر الحفل ونترك الضيوف حتى نأتي ونجلس بالشقة.. هذا ليس منطقيًا!

رمقها بنظرة جانبية غير راضية فهتفت بصوت عال:
- انا اتحدث اليك.

- لقد وصلنا.. انزلي.
قال بهدوء بعد ان ركن السيارة فإعترضت بعناد:
- لن انزل.

انتفض جسدها بخوف حينما صرخ بعصبية شديدة:
- هل ستنزلين ام انزلك انا بطريقتي؟

فور ان رأته يفتح الباب ويخرج ترجلت من السيارة خشيةً ان يخرجها هو بعصبيته هذه..
إزدرمت ريقها حينما اغلق الباب بعد دخولهما الى الشقة.. ثم تطلعت اليه بتوتر وهي تشاهده ينزع سترته السوداء ليلقيها على الأريكة قبل ان يجلس على طرف الأريكة..

لا تدري ماذا تفعل.. تقف امامه تنتظر بترقب ماذا سيقول او ماذا سيفعل..
تصاعد صخب خفقاتها بسبب نظراته السوداء التي تنظر اليه من أسفل قدميها حتى أشهق رأسها.. ثم اخيرًا اغمضت عينيها للحظات بسيطة حينما سمعت ضحكته الساخرة التي تشي عن مدى قهره..
- انظري الي.. انا كنت اعلم ان هناك خلفك مصيبة ما.. كنت اعلم انك لن تدعي هذه المناسبة تمر مرور الكرام وتنتهي على خير.. ولكن لم اكن اعرف ما هي هذه المصيبة.. على ما يبدو انك اذكى مني فلم تدعيني اعلم حتى موعد حفل الزفاف.. حينها فقط عرفت.. واذ كنتِ ستقولين ان سحاب فستانك قد تدمر ولا اعلم ماذا بعد من اعذارك التافهة فيسرني ان تعلمي انني حتى لو رأيت ذلك يحدث امام عيني لن اصدق.. لماذا؟ لأنني اعرفك جيدًا واحفظك ظهرًا عن غيبٍ.

وثب عن مكانه ثم تطلع اليها بعينين عميقتين اكثر:
- الفستان جميل بل جميل جدًا ايضًا.. وانت تبدين فائقة الجمال.. اليس هذه الكلام الذي تتمنين ان تسمعينه مني؟
لم تنبس ببنت شفة فزلف منها اكثر..
- انا اراك غير مستوعبة معنى انك اصبحت امرأتي.. لم تفهمي وتقتنعي بعد بمعنى انك متزوجة وعلى ذمة رجل.. لم تفهمي بعد انك يجب ان تسمعي الكلمة التي يقولها! اليس كذلك؟
همس محمد بنبرة باردة ويده تعمل على ازالة الماشات التي ترفع شعرها بها حتى تحرر كله من عقاله لينسدل قصيرًا بالكاد يتخطى كتفيها..
- هكذا يبدو اجمل!
علق ثم استأنف:
- لنعود الى موضوعنا الآن.. ماذا تظنين انت؟ تقولين لا يهم ماذا سيحدث.. لن يحدث اي شيء اذا قال هو شيئًا وانا فعلت العكس؟

ازدردت آلاء ريقها وهي تطالع المكان الذي احضرها اليه بخوف.. يجب ان تهرب.. اذا فعل لها شيئًا الان بينما هما في هذه الشقة لوحدهما والباب موصد عليهما كيف ستهرب؟ بل الى اين تهرب منه؟ هل بإمكانها ان تقلع حذائها ذو الكعب العالي الآن بينما يتحدث حتى تركض بكل سهولة؟ ولكن كيف ستتحرك بحق الله وهذا الذئب يحاصرها من كل مكان كفريسة لن تفلت منه مهما حاولت.. كيف ستهرب يا الله؟

وقفت صامدة محاولة ان تواري قدر الامكان ذعرها تحت جمود ملامحها رغم كل تخبطات افكارها ويقينها بكونه لن يرحمها.. محال ان يدعها وشأنها بعد كل ما حدث منذ صباح هذا اليوم.. بداية من ارتدائها هذا الفستان الاحمر اللعين الذي يفضح اكثر مما يستر ثم حديث كريم بكل حقارة معها ليدس الشكوك في عقل زوجها محمد..

سمعت صوته يتابع بنبرة وكأنها لا تمت له بصلة.. بعيدة.. باردة.. مرعبة:
- ها الاء؟ ماذا تقولين سيغضب قليلًا ويصرخ او انه سوف يقرصني كحد اقصى ولكن اكثر من ذلك لن يفعل اي شيء.. لن يستطيع ان يفعل اي شيء غير هذه الأشياء وبعد ذلك سيعود كما كان.. واذا قرصني سأتحمل الألم لمدة يومين ثم سيزول الأثر وسينتهي الموضوع كله.. او ربما تقولين يجب ان اجعله من الآن ان يعتاد تصرفاتي هذه حتى اجعله يسير وفقًا لما اريده قبل ان يفعل هو؟

- لا! لقد فهمتني بطريقة غير صحيحة.. انا محال ان افكر بهذه الطريقة.. محال ان اقلل من شأنك!
غمغمت باعتراض تدافع عن نفسها ويده التي لا تزال تعبث بشعرها واقترابه منها الى هذا الحد يثيران ارتباكها بجنون..
رشقها بنظرة بدأت تتغير رويدًا رويدًا.. تشتعل تضطرم بنار الغضب:
- ماذا كان الموضوع؟

- اي موضوع؟
تساءلت برعب وهي تكاد تشعر انه سيغمى عليها.. واتاها الجواب سريعًا بلسعة مؤلمة على خصرها من قبل أصابعه الغليظة فصاحت متأوهة:
- آه محمد! والله تؤلم.. عن اي موضوع تتحدث؟

- آلاااااااااء!
صاح بأسمها بعنف وهو يقرصها مرة اخرى على نفس المكان فهتفت سريعًا:
- اقسم لك بالله ان ليس هناك اي موضوع.. هو فقط اتى ليلقي تحية السلام وقال انه سيسافر.. فقط لا غير!

واتت اللسعة الثالثة مؤلمة اكثر بينما يقول بجمود:
- كلما تكذبين سيزداد المك اكثر!

صاحت وهي تشعر بإحتراق في خصرها:
- والله انا لم اكذب.. لا يوجد اي موضوع غير الذي قلته لك.

- وماذا ايضًا؟
- لا شيء.. فقط كما اخبرتك!
اجابت بيأس لتأتي اللسعة الرابعة كمياه حارة وقد تم سكبها على خصرها فتترقرق الدموع في مقلتيها وتهدر بنبرة مرتجفة متألمة منهكة وهي تشعر بأصابعه لا تزال تضغط على خصرها بقسوة:
- قسمًا بالله فقط كما اخبرتك.. انا لا اعلم لماذا قال ذلك الكلام امامك.. لا يوجد اي موضوع غير انه قال انني سأسافر واتيت لالقي التحية.. حتى ان موضوع خطيبته عرفت عنه فقط حينما سألت انت عليها.

حرر خصرها اخيرًا من لسعاته المتواصلة الحارقة ثم تساءل بتهكم:
- اذًا لماذا اتى ليؤكد ان هناك موضوع بينكما وكما تقولين انت لا يوجد؟

- لا اعلم.. مجرد حقارة منه حتى نتشاجر!
همست آلاء بصدق ليهتف:
- لماذا لا تعترفين وتقولين انه القى كلماته تلك حتى انت ايضًا تتركيني وتنفصلين عني بما انه انفصل عن خطيبته وبهكذا تسافران مع بعضكما البعض بكل حرية.. اليس هذا الموضوع الذي يجب ان تفكري به ام انني لست محقًا؟

- مستحيل! هو لم يقل هذه الكلمات وانا من المستحيل ان اقوم بهذه التصرفات!
هتفت آلاء تدافع عن نفسها ليتشدق محمد ساخرًا:
- وكأنني سأجلس وانتظر او ادعك تفكرين مجرد تفكير بفعل هذه التصرفات!

طريقته الباردة الساخرة كانت تثير توجسها وذعرها.. يا الله هي تكاد تنهار من شدة خوفها منه.. لم تراه قبلًا بهذا الغضب والبرود..
اقترب محمد منها اكثر.. اكثر مما يجب وهتف بنبرة تعبر عن شراسة تملكه وجنون غيرته:
- انت لي.. هل تفهمين؟ انت زوجتي.. امرأتي.. والآن يجب ان ادعك تصدقين وتقتنعين بالكلام الذي قلته.

وقبل ان تستوعب خطورة كلماته كانت تسمع صوت تمزق الفستان.. من الاسفل حيث فتحة الفستان الواسعة الى الاعلى.. شهقت بذعر وهو يعانق جسدها الصغير مقارنةً به بشراسة بينما يقبلها بعنف دون ان يعتق انوثتها ونعومتها ورقتها..
ابتعد عنها للحظات وهدر:
- انت امرأتي انا.. زوجتي.. هل تفهمين ام لا؟

عادت قبلاته تكتسحها بقسوة.. بوحشية.. ببربرية.. كشيطان لا يعرف معنى الرحمة.. كانت غيرته تعميه.. جمالها الساحر بفستانها الأحمر الذي يكشف اكثر مما يستر يشعل نيرانه ثم كانت الضربة القاتلة لكل ذرة تعقل في رأسه رؤيته لها تقف مع الشخص التي كانت على علاقة به..
لم يشعر بضرباتها له ولا بتخبطاتها وتشنجات واختناق جسدها المرعوب وهو يلقي بها على الأريكة..
تريده ان يبتعد قليلًا فقط لتلتقط انفاسها.. حتى ولو لثانية واحدة ولكنه كان يكتم انفاسها.. يمتص من روحها قبل ان يمتص من رحيق جسدها..

ارادت ان تهرب منه فور ان ابتعد عنها لينزع عنه قميصه.. ارادت ان تبتعد وتختبئ منه ولكنه سرعان ما كان يعيدها الى حضنه قائلًا:
صدقيني هذا الافضل لي ولك حتى تقتنعين بكوني زوجك!

تصببت دموعها وهي تحاول مقاومته.. ضربه.. اي شيء المهم فقط ان يبتعد عنها:
- اقتنعت والله.. ابتعد عني فقط ارجوك!

بدا لها انه لم يسمعها وهو يثبت يديها فوق رأسها بقوة كادت تكسرهما.. كان مقيدُا كل جسدها.. يمنع عنها اي حركة بينما لا يزال ينهل منها بشغف وشوق السنين.. بجنون وغضب لا يستعر في روحه المتحضرة الا معها.. هي الوحيدة التي تجعله يعود ذلك الشرقي الملتزم.. فقط هي.. يريدها ان تعرف وتستوعب فقط انها زوجته.. ملكه.. حقه.. ولوحده..

استسلمت تمامًا منهكة ليست بقادرة على تحريك جسدها قيد انملة.. استنزف منها كل قواها.. امتص منها كل مقاومتها الواهية.. محال ان يدعها وشأنها.. محال ان يرأف بها..
الوهن تسرب الى عظامها كلها والدموع لا تزال تنهمر من مآقيها.. انتهى كل شيء.. هذه هي نهايتها.. بهذه الطريقة التي ليست الا اغتصاب من قبل ابن عمها الذي يجب ان يرعاها ويخاف الله بها.. هي فقط خطيبته لا زالت لم تصبح عروسه بعد.. لا زال زفافهما لم يقام بعد..
همست الاء بإرهاق.. بألم وعذاب:
- هل هذا هو الحب الذي تتحدث عنه؟

تسمر وكأنها صفعته بقسوة.. رويدًا رويدًا خفف ضغط قبضتيه على يديها حتى حرّرها منه تمامًا ووضع رأسه تحت الوسادة وهو يكاد لا يصدق ماذا كان سيفعل بها بسبب عنادها وتحديها لأوامره..
لم تنتظر ان ينهض او يتحدث.. كان اقصى احلامها ان يحررها.. تقهقرت سريعًا مبتعدة عنه الى اقصى الأريكة، تضم ساقيها الى صدرها وتخفي جسدها العاري بالوسادة بينما دموعها لا تزال تحكي خوفها على نفسها..

لم تبالي بالنظر اليه حينما نهض ليرتدي ملابسه ولكن حقدها احتد حتى تمنت ان تراه صريعًا على الأرض امامها حينما قال بصوت أجش:
- اذا اردتُ ان اتابع الذي بدأت به سأفعل فهذا حقي.. انت زوجتي.. ولكنني اخاف عليك فأنت عرضي وشرفي.. على الرغم من كون ذلك ليس خطئًا الا انني لا ازال اخاف عليك.

لم تمنحه اي جواب وهو بدوره لم ينتظر اي شيء منها.. فقط غادر الشقة لدقائق معدودة وعاد بعد ذلك ووضع حقيبتها التي احضرها من سيارته على الأرض وهمس قبل ان يخرج مرة اخرى من الشقة:
- هذه حقيبتك.

بصعوبة شديدة سارت تجاه الحمام وارتدت ملابسها التي ذهبت بهم الى صالون التجميل.. القت نظرة أخيرة الى وجهها الشاحب الباكي في المرآة وهي تلعن دخوله الى حياتها ثم خرجت من الحمام لتجده جالسًا في الصالة ينتظرها بينما يدخن سيجارته..
دون اي حرف فتحت الباب وخرجت ليتبعها هو الآخر سريعًا بعد ان اوصد الباب ثم بتردد قال:
- آلاء..

- هل ستقلني الى المنزل ام اخذ تاكسي وأغادر بنفسي؟
هتفت بعصبية ليصمت، منتظرًا ان تهدأ قليلًا حتى يتحدث اليها..
توقفت اخيرًا السيارة بجانب منزلها فغمغم:
- آلاء انا فعلت ذلك...
لم تسمح له ان يتابع كلامه وهي تخرج من السيارة صافعة الباب خلفها بعنف شديد..

***********************
لم تستطيع ان تنام طيلة الليل.. خائفة كما لم تخاف يومًا.. خائفة منه.. ثقتها به اضمحلت.. كيف تثق به بعد كل ما فعل؟ يجب ان تنفصل عنه.. يجب ان تفعل بأسرع وقت.. اذ كان يعاقبها هكذا وهي لا زالت لم تصبح في منزله فكيف وماذا سيفعل حينما تتزوجه وترتكب خطئًا ما.. كيف سيعاقبها؟ كيف سيؤذيها؟

أرهقتها دوامة التفكير المؤلمة.. ارهقتها دموعها واماكن قرصاته.. وكأنه كأن يكوي جلدها بسيجارة مشتعلة.. هكذا كان الألم الذي لا يرحم يفعل بجسدها..
لم ترد على اتصالاته المتكررة.. ماذا يريد منها بعد؟ الم يكتفي بالذي فعله؟ تكرهه.. تكرهه بجنون.. تكره تحكمه.. تملكه.. غيرته.. لمساته.. تكره كل ما يخصه..

اجل هي اخطأت بإرتداء ذلك الفستان ولكن لا يحق له ان يعاقبها هكذا.. لا يحق له ابدًا..
تأوهت وهي تنقلب على سريرها.. ضمت ساقيها الى صدرها واتخذت وضعية الجنين والساعات الماضية تتكرر في عقلها كمشهد سينمائي مؤلم ومرعب.. بالكاد تمكنت ان تغفو عينيها وهي لا تعلم من افضل كابوسها في الواقع ام في المنام..

حاله لم يكن أفضل من حالها.. خائف من رد فعلها على الذي حدث.. يخاف عليها من نفسه.. هو مجنون بها.. يريدها ان تنصاع لأوامره.. يريدها له وحده.. غيرته اكبر من قدرته بالسيطرة على نفسه.. يخاف ان تتسرب من بين يديه.. يخشى مغادرتها لحياته.. ووجود كريم حبها الأول لا يساعده بالتحكم بنفسه..

كانت جميلة.. كحلم بعيد كان يراوده منذ سنوات والآن تحقق وصار بين يديه.. جميلة جدًا بنظره.. بقامتها القصيرة.. ببشرتها البيضاء.. وعينيها العسلتين.. حتى رغم عشقه للشعر الطويل عشق شعرها القصير..
اما للسانها الطويل فرواية اخرى.. تجذبه وتغضبه.. تثير جنونه وتفقده عقله.. يحب تمردها وشخصيتها ولكن لتبتعد فقط عن اثارة غيرته.. فلا يستطيع ان يرحمها ولا حتى ان يرحم نفسه.. نقطة جنونه هي..

في صباح اليوم التالي..
غسلت وجهها بوهن شديد بعد أرق الليلة الماضية وبكائها المرير الذي استمر لساعات طويلة.. كل انش في جسدها يؤلمها..
خرجت من الحمام ووجدت والدتها امامها تقول:
- صباح الخير.. متى عدتِ البارحة؟

- عدت الساعة الواحدة ليلًا.. لماذا؟
غمغمت بنبرة مرهقة فعقدت والدتها حاجبيها بقلق وتساءلت:
- ما خطبك؟ انظري الي.

- لا شيء.. لماذا تسألين؟
همست آلاء فقالت جميلة:
- لا اعلم.. شكلك لا يبدو على ما يرام وعيناك تبدوان منتفختان اثر بكاء.

- ربما لأنني كنت متعبة ونمت كثيرًا.. سأضع القليل من مكعبات الثلج بالحليب عليهما وسيخف الانتفاخ.
غمغمت آلاء قبل ان تدخل الى غرفتها وتغلق الباب ثم تتوسد سريرها حتى تنام مرة اخرى..
لحقت بها جميلة بينما قلقها على ابنتها الكبرى يتفاقم وتساءلت:
- آلاء.. الى اين ذهبت البارحة برفقة محمد؟

- ذهبنا لنسهر في مطعم لوحدنا.
- مطعم فقط؟
علّقت جميلة بريبة فهتفت آلاء بضيق:
- اجل امي، فقط مطعم.. الى اين سيأخذني ابن شقيقتك غير المطعم.. هل بإمكانك ان تدعيني لوحدي وتخرجي لأنني متعبة جدًا واشعر ان عظامي محطمة ولا اريد اي شيء غير النوم؟

تطلعت جميلة الى ملامح وجه صغيرتها بتركيز ثم غمغمت:
- حسنًا، عودي الى النوم.. ولكن اردت ان اخبرك فقط ان محمد اتصل وقال انه سيأتي بعد قليل برفقة والده ووالدته.

- لماذا؟ ماذا يريدون حتى يأتوا؟
تساءلت آلاء بتوجس فأجابت والدتها بحيرة:
- لا اعلم.. ولكنه اتصل وتساءل اذا نحن متواجدين في المنزل ام لا وقال انه سيأتي بعد الغداء.. هذا كل ما قال.

- اذًا ها انا اخبرك منذ الآن انني لن أخرج من الغرفة واجلس معهم.. اخبريهم انني خارج المنزل.
قالت آلاء بجدية فهتفت جميلة بحزم:
- ما الذي حدث آلاء؟ لماذا لا تخبريني؟ ألست انا والدتك؟

- لا يوجد اي شيء أمي.. ولكنني فقط تشاجرت معه ولا ارغب برؤية وجهه.. واذا كنت ستقولين انك البارحة كنت برفقته تسهرين فسأخبرك اننا حينما عدنا تشاجرنا والسبب هو ملابسي.. حسنًا؟ والآن ارجوك امي دعيني وشأني.. لا اريد ان اسمع اي نصائح.. فقط دعيني انام.
قالت آلاء فصمتت جميلة للحظات تنظر الى ابنتها بحيرة ثم اخيرًا تمتمت قبل ان تغادر الغرفة:
- حسنًا اذًا بالتأكيد سأعرف فيما بعد لأن شكلك الآن ليس طبيعيًا ابدًا.

شكرت الله ان والدتها خرجت لتعتزل الجميع وتنفرد بنفسها.. لم تبرح الفراش حتى رغم سماعها صوت محمد ووالديه يعلنون عن وصولهم..
اغمضت عينيها بنفاذ صبر حينما طرق شقيقها أمين باب غرفتها ودخل قائلًا:
- محمد وعمي وخالتي هنا.. انهضي لتسلمي عليهم.

- اخبرهم انني نائمة.. خارج المنزل.. او ميتة.. ما يهم انني لن انهض.
هتفت آلاء بسخط ليقول:
- كما تشائين.. ولكنهم اتوا حتى يعطونك مال الزفاف.

تطلعت اليه بسرعة وتمتمت بصدمة:
- ماذا؟

- اجل.. مال الزفاف.. على ما يبدو ان زفافكما سيتم قريبًا لأنني سمعت انهم اتوا ليسمعوا طلبات العروس واحتياجاتها لكي يعطونك المال وتجهزين نفسك.
قال لتتطلع اليه بملامح شبه ميتة.. وكأن احدهم قام بغرس خنجر مسموم في قلبها.. ماذا يقول بحق الله؟ هي تريد ان تنفصل عن محمد.. تريد ان تفسخ الخطوبة.. تريد ان تتطلق وهو اتى ليحدد ميعاد الزفاف! كل ذلك حتى يكبلها به.. كي يحاصرها في زاوية لا تستطيع ان تفعل بها اي شيء.. لقد سبقها وكأنه أدرك انها تنوي الإنفصال.. سبقها ولف قيده حول عنقها بإحكام حتى تكون له فقط ولا مجال للإعتراض..

-------------------------
يتبع يوم الإثنين..
مع حبي
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:15 AM   #7

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الخامس
بين سرايا التيه تقصيت،
عن امان الوذ به بالفرار..
وبين زوايا العشق قبعت،
اناجي بدموع تتصبب مدرار..
بين الواح الرسومات خططت باصرار،
وزخرفت بألوان دامية آهات شبعت من الازدهرار..
ولكن اماني لم اجده الا بعرش به تربعت،
على فؤاد اعزف عليه بناية هيام تود الاستقرار..

-------------------
جرعة الألم كانت متمثلة بضياعها وخوفها.. للحظات طويلة رفض عقلها استيعاب الحقيقة المريرة.. اخبرت شقيقها انها ستلحق به بعد بضع دقائق.. كانت بحاجة الى الحديث مع احدهم.. فهي ليست قادرة على التفكير الآن اطلاقًا..
يا الله ماذا تفعل؟ ما هو الصواب؟
التقطت هاتفها بيدين مرتجفتين وراسلت صديقتها سما وهي شبه منهارة..
"سما.. ماذا افعل؟ انا لا اريده.. مستحيل ان اتزوجه.. انا واثقة انه سيؤذيني بعد الزواج.. لا اريده يا ربي.. انا لا استطيع الاطمئنان على نفسي معه.. يا ربي كيف اتزوجه؟ ماذا افعل؟ ماذا وانا لا اطيق النظر الى وجهه؟!"

"اهدأي قليلًا.. وانت مخطئة يا الاء بسبب ذلك الفستان اللعين.. لقد حذرتك من ارتداءه ولكنك تحبين العناد.. ربما كانت ردة فعله قوية ولكنه في النهاية تركك.. كل ما حدث كان لحظة تهور وانتهت.. الآن اخبريني ماذا تشعرين تجاهه؟"

"اكرهه.. واتمنى لو انني اراه امامي واقوم بحرقه حيًا"
"اذًا انهضي الآن وبدلي ثيابك ثم اخرجي برفقته دون ان تنبسي ببنت شفة"
"هل جننتِ؟ كيف اخرج برفقته وانا لا اطيقه.. وغير ذلك منذ قليل طلبوا مني الخروج اليهم ولم افعل؟ هل انت مدركة لما تقولينه يا سما بحق الله؟"
"اجل مدركة.. افعلي فقط عكس الشيء الذي ترغبين به.. جربي وبالتأكيد سترتاحين.. منذ الصباح وأنتِ لم تغادري غرفتك وكأنك تقومين بسجن نفسك.. وذلك لن يقدم ولن يؤخر.. وبما انه لن يقبل ان تخرجي في هذا الوقت المتأخر لوحدك فأخرجي برفقته وسترتاحين.. نفذي كلامي حتى لو لست مقتنعة فقط هذه المرة واعدكِ انك لن تخسري شيئًا"
"حسنًا.. سوف اجرب"

لم تقتنع بكلام صديقتها سما الا انها ودت ان تجرب وفي كل الأحوال هي لن تخسر شيئًا..
تنهدت بوهن قبل ان تدلف الى الصالة حيث يجلس الجميع بملامح جامدة لتستقبلها خالتها بإبتسامة:
- اهلًا وسهلًا بعروستنا.. كيف حالك اليوم؟

- حمدًا لله بخير.. كيف حالكما انتما؟
غمغمت موجهة حديثها لعمها وخالتها فأجابها عمها:
- نحن بخير عزيزتي.. اخبرونا انك نائمة وحاولوا ايقاظك ولم يقدروا.

قصدت ان تتجاهل النظر الى محمد وهي تقول:
- اجل لأنني متعبة بعض الشيء اليوم.

- عسى ان لا تري شرًا ابدًا.. اقتربي واجلسي بجانبي.. لقد اتينا لتحديد موعد زفافكما انت ومحمد.
قال سليم بلطف لترد بنبرة هادئة:
- لا بأس اتفقوا مع ابي وامي.
ثم اردفت وهي تثبت نظرها على محمد الذي يتطلع اليها بإنتصار:
- هل بإمكاننا ان نخرج قليلًا؟

- الآن؟
انصدم.. لم يتوقع ان تطلب منه كمثل هذا الطلب بعد ما حدث البارحة.. ناهيك عن تجاهلها لهُ وعدم النظر اليه منذ ان دخلت وكأنه ذرة غبار وتخشى ان تلوثها..
كتمت انفعالها في صدرها وردت:
- اجل الآن ولكن بالتأكيد بعد اذن عمي وخالتي.

أتتها الموافقة سريعًا فسبقته الى الأسفل ووقفت تنتظره بجانب سيارته.. وبعد اقل من دقيقة كان يتبعها ويفتح باب السيارة لها بينما يتساءل:
- الى اين تريدين الذهاب؟

- لا يهمني.. فقط اي مكان.
تمتمت ليومئ بموافقته قبل ان يصعد هو الأخر الى السيارة وينطلق بها الى مقهى هادئ..
جلست دون ان تتحدث.. ليست لديها اي رغبة بالحديث معه .. تشعر وكأنها ملتفة بالأغلال فبالكاد تتنفس من شدة ضيقها.. نظرات الإنتصار التي رأتها في عينيه اوجعتها.. وكأنه يخبرها بكل صلافة انها محال ان تتغلب عليه.. محال ان يدعها تسبقه بخطوة لتتحرر منه.. محال ان يفعل..

اجل.. يعلم بكل ما يجول في خاطرها.. وهي محقة.. الليلة السابقة لم يطئ النوم بوابة عينيه.. كان يفكر كيف يتغلب على المصيبة التي ارتكبها.. متوجسًا من ردة فعلها.. ربما كرهته.. حقدت عليه.. تنوي الإنفصال عنه.. وهذا محال ان ينفذه او يسمح به.. لا ينكر ويقول انه لم يندم.. لقد ندم وكثيرًا وخاف من عواقب فعلته وكثيرًا.. ولكن اي وعي بحق الله قد يبقى في عقله بعد كلام كريم.. وكأنه يوغل الشك في عقله بكونها ستتركه وتفر هاربة معه.. كيف لن يشعر بالخطر وهذا هو الشخص الذي احبته و رثت فراقه لسنوات.. من اين سيوافيه المنطق؟ كل شيء اختلط ببعضه وصارت رغبة واحدة تسيطر عليه حتى لا تفكر بالهروب معه.. اراد جعلها زوجته فعليًا.. ارادها ان تنتمي اليه جسديًا حتى لا تتجرأ وتطلب الإنفصال وتعود الى ذلك اللعين.. مخاوفه وغيرته سيطرا عليها فإختفى العقل وصار الغضب من يقوده.. لا شيء آخر..

تأملت حدقتاه صمتها وشرودها بضياع.. لا يعلم كيف سيتحدث اليها او كيف سيعتذر منها.. ولكن عليه ان يحاول وسيفعل.. فقال بحزم:
- آلاء.. اعلم انني في الامس ارتكبت العديد من الحماقات ولكنك لا تعلمين ما الذي يحدث بي حينما ارى ذلك اللعين.. وانت ايضًا...

قاطعته غير راغبة بسماع اي شيء منه:
- انا لم اخرج برفقتك حتى نتحدث عن البارحة.. خرجت فقط لانني أشعر بالإختناق من المنزل وارغب بالخروج.. فيا ليت لو انك تصمت.

تطلع اليها وامتثل لطلبها قبل ان ينهض ليطلب له قهوة ولها عصير ثم يعود ليجلس امامها بينما لا تزال هي متجاهلة النظر والحديث اليه..
زفر بضيق قبل ان يحاول مرة اخرى:
- آلاء...

ووفاه ردها الحاد سريعًا:
- استغفر الله العظيم يا الهي.. الا تعلم كيف تصمت؟ كيف أدعك تفهم؟ بكل صراحة انا في الأصل لا اطيق النظر الى وجهك ولا اطيق الحديث اليك ولا حتى مجرد سماع صوتك.. ولكن صديقتي اخبرتني ان افعل عكس الشيء الذي ارغب بفعله ولذلك فقط خرجت برفقتك وليس لأنني اكاد ان اموت من شدة شغفي وشوقي اليك!
ارتفع حاجبه الأيسر بسخرية:
- اذًا يجب ان اشكرها بما انها جعلتني اراك اليوم واجلس برفقتك.

اكتفت بمنحه نظرة تفصح عن غضبها ليقول بهدوء:
- لقد تحدد تاريخ حفل الزفاف.. في اليوم الأول من تشرين الثاني.

رغمًا عن ارادتها كانت دمعتها تسيل على خدّها والانكسار يزداد عنفًا في قلبها..
همست بنبرة شاحبة:
- هل بإمكانك ان تعيدني الى المنزل؟

- ذلك لا يعقل! ألا زلت تحبينه بعد كل الذي فعله معك؟
قال محمد بعدم تصديق لترشقه بجمر غضبها وتهتف:
- صحيح انني كنت احبه ولكن في ذلك اليوم الذي سمع به كلامًا عني من شخص آخر وصدقه انتهى كل شيء بيننا.. وحتى انني حينها لم احاول ان اشرح او ابرر له.. في ذلك اليوم علاقتي بكريم انتهت.. وهو انتهى تمامًا بالنسبة لي وخرج من حياتي مع ان لم يكن هناك شخص اخر غيره بها.. لم احاول ان اشرح له او أبرر لهُ في ذلك اليوم.. فكيف الآن وانا مرتبطة بك اتجرأ فقط ان احبه او افكر به؟ هذه ليست اخلاقي ومحال ان تسمح لي تربيتي بذلك.. ان اكون مرتبطة بشخص وأفكر بشخص آخر.. هذه تسمى خيانة ولست انا من افعل ذلك.. بالاضافة الى ذلك حتى لو انني احبه وقلبي يريده لن اقبل واعود اليه لأنني لست من النوع الذي يتبع قلبه.. وان كان حتى يهرق دماءًا لا اهتم.. ادوس على قلبي واسير دون ان ابالي.

- جميل كلامك وقد اعجبني.. ولكن تصرفاتك وعنادك وطريقتك بالتعامل معي يقولون شيئًا آخر.. كل ذلك يقول انك لا زلت تفكرين به ولا زلت تريدينه.. وانتي لست الا مجرد شخص فضولي في حياتك..
قال بجدية وهو يسترسل:
- كيف تريدين مني ان اصدق الكلام الذي قلتيه وانا ارى امامي امرأتي تفكر بشخص آخر؟ كل مرة في كل كلمة اقولها لا ارى في عينيك نفسي.. لا ارى محمدًا بل شخص آخر.. فأخبريني كيف سأصدق؟

لم تعرف بماذا تجيبه.. ربما هو محق ولكن هل يلومها؟ اطلقت نفسًا حارًا مرتجفًا من ثنايا روحها قبل ان تغمغم بآسى:
- محمد انت لا تعرف كيف تتعامل معي.. انا انسانة جدًا سهلة وبسيطة.. كسائر بقية الفتيات ارضى بأبسط الأشياء.. ومن مجرد كلمتين جميلتين انفذ الكلام الذي تريده.. ولكنك لا تفعل ذلك.. لا تعرف كيف تعاملني.

تطلعت الى عينيه الزيتونيتين وتابعت بعجز:
- من ناحية.. كل شيء يحدث بشكل سريع وانا اشعر انني ضائعة.. لا افهم شيئًا من علاقتنا بالإضافة الى ضغط عائلتي علي ومن جهة اخرى انت بدلًا ان تتفهمني وتتريث لأستوعب هذا التغيير والأحداث تأتي وتقوم بوضع شروط وقوانين غير قابلة للنقاش ويجب ان تُنفذ.. انت تخنقني بهذه الطريقة.. تخيفني منك.. انا هذه هي حياتي وهذا هو اسلوب حياتي وملابسي.. ربما لأنك لست قريبًا مني مثل بقية اولاد عمومتي لا تعلم ان هذه ملابسي منذ ان كنت طفلة.. والآن انا في السادسة والعشرين من عمري ولا زلت كما انا.

واضافت بهدوء:
- انا لا زلت لا اعرفك.. لا زلت لا افهمك.. كل الذي اعرفه انك فقط ابن عمي.. لا اعرف عنك شيئًا عدا ان حياتك تدور بين عملك واصدقائك وعلاقاتك السابقة.. انت لا تطمئن خوفي منك وتصرفاتي هذه كلها بسبب خوفي منك.. بسبب خوفي من مستقبلي معك.. لا اعلم ماذا سيواجهني في الغد معك وكيف حياتي ستكون.. انت تخيفني يا محمد بدلًا ان تطمئني.. والأهم من ذلك انك لا تثق بي.. مجرد ان ترى كريم في نفس المكان الذي اكون به تقول اننا نريد ان نعود لبعضنا البعض.. لماذا لا تفهم انه انتهى من حياتي منذ سنتين ونصف.. ارجوك افهم ذلك!

- اتمنى ان تفهمي انت هذا الشيء حتى افهمه انا الآخر.
قال بجدية لتهتف بضيق:
- هل بإمكانك ان تعيدني الى المنزل؟ لقد تأخر الوقت وانا اريد ان اعود الى المنزل.

تمتم بموافقته ثم اعادها الى المنزل بينما جزء بسيط من الراحة تغلغل الى اعماقها مخبرًا اياها انها فعلت الصواب واعترفت بشيء بسيط من المخاوف التي تستوطن قلبها.. ولكنها لا زالت خائفة وجدًا من القادم.. وخاصةً بما ان كابوس محمد هو كريم فلن ترتاح ابدًا كما يبدو..

*****************
فور ان دلفت الى المنزل تساءلت والدتها بقلق:
- ما الأمر؟ دعيني افهم يا آلاء.

- لا شيء أمي.. مجرد مشكلة وانتهت.. لا داعي للقلق.
اجابت آلاء بهدوء فهتفت جميلة بعدم تصديق وشك:
- آلاء!

- كفى أمي.. لقد انتهت.. كان خلافًا بسيطًا وانتهى.
قالت بحزن وهي متأكدة انها تكذب على نفسها قبل ان تكذب على والدتها بهذا الكلام.. اذ كانت هي نفسها غير مقتنعة بما قالته.. فكيف تقنع امها او غيرها؟
رأت عدم الإقتناع يرتسم على ملامح والدتها فأردفت بلطف:
- أمي صدقيني لو انني كنت بحاجة الى مساعدة سأخبرك ولكن الموضوع لا يستحق ذلك وقد تم الانتهاء منه لذلك اطمئني.

- اتمنى ذلك.
تمتمت جميلة قبل ان تستأنف وهي تربت على مقعد بجانبها:
- تعالي واجلسي.. لا يوجد امامنا غير وقت قصير جدًا حتى نعد انفسنا للزفاف.. مجرد عشرة ايام.. لا ادري ما خطب عائلة عمك هكذا على عجلة من امرهم.

- لا اعلم.. لماذا لم تتكلمي مع شقيقتك لتأجيل الزفاف قليلًا؟
غمغمت آلاء وهي تجلس بجوارها فقالت جميلة:
- فعلت ذلك وقالت "لماذا التأخير؟ ليتزوجا قبل رأس السنة الجديدة.. وهو تقريبًا انتهى من تأثيث الشقة.. لم يبقى غير اشياء بسيطة جدًا.. فدعينا نفرح بهما.. وفي الواقع محمد مستعجل ويقول ان هذه الفترة كافية فحسام قد خطب في نفس اليوم ايضًا وتزوج قبله.. لماذا الانتظار ما دام كل شيء جاهز؟"

- حسنًا.. وما المطلوب مني؟
- غدًا سيأتون منزل عمك وعمتك لأنه سيكون غداء العروسين.. ولذلك يجب ان تستيقظي مبكرًا حتى نتمكن من انهاء عملنا وبعد ذلك سنتفق بشكل افضل على تفاصيل الزفاف.. حسنًا؟

همهمت آلاء ثم نهضت والقت تحية المساء وتوجهت الى غرفتها ولا زالت لا تعلم ماذا يضم لها المستقبل..

******************
في اليوم التالي..
منذ الصباح وهي تعمل في المطبخ لتساعد والدتها بينما الأفكار تداهم عقلها.. كلام صديقتيها ليسا وسما يحيط بعقلها.. بكونها عليها ان تنسى الماضي وان تفتح صفحة جديدة مع محمد.. وان الجنون الذي فعله حدث رغمًا عنه بسبب كريم..
هل يجب ان تسمع كلامهما وصدقًا تعطي فرصة أخرى لعلاقتهما؟ هل يستحق محمد ان تفعل ذلك لأجله ام لا؟ في النهاية هي التي ستعيش معه في نفس البيت وليس شخص آخر.. هي التي ستتعذب وليس احدًا آخر..
في الواقع تخاف ان تخبر والدتها بالذي حدث بينها وبين محمد.. صعب عليها ان تفعل ذلك.. لا تستطيع وتخاف.. ولا يوجد امامها غير ليسا وسما.. حاليًا هما العقل الواعي بالنسبة اليها..

كانت ترتدي قميصًا يغطي عنقها بالكامل وبنطالًا من الجينز الأسود لتخفي التشوهات التي بجسدها.. ومن الأساس منذ ذلك اليوم وهي ترتدي ملابس محتشمة كهذه خشيةً ان يرى احد ما جسدها والذي فعله به محمد..
جلست بينهم بإحساس يفيض بعدم الراحة.. فقط تسمع احاديثهم دون ان تشاركهم بحرفٍ واحد.. تترقب نظرات محمد الباردة التي تأبى الإنقشاع بعيدًا عنها.. أغمضت عينيها للحظات وهي تفكر ان تسمع بنصيحة سما وليسا.. اقتنعت بعض الشيء بكلامهما.. فنهضت بخطوات هادئة الى غرفتها وبعثت اليه برسالة نصية..
"تعال الى غرفتي.. اريد ان اراك قليلًا"

"ما الأمر؟"
"تعال لتعلم بنفسك"
ردت بينما تقف بإنتظاره بجانب باب غرفتها بما ان لا احد منتبه لهما..
خلال ثوان معدودة كان يقف امامها ويقول:
- ماذا هناك؟

- تفضل بالدخول.
قالت وهي تفسح له المجال ليدخل فدلف الى الغرفة والحيرة تتراقص في حدقتيه لتضيف بنبرة رقيقة:
- اجلس على السرير.

نفذ طلبها دون اعتراض ليعقد حاجبيه وهو يراها تفتح دولابها كله امامه قبل ان تقول:
- انهض وأخبرني بالملابس التي مسموح ان ارتديها والملابس التي ممنوع ان ارتديها حتى لا نتشاجر بسببهم مجددًا ونحاول ان نفهم بعضنا البعض.

صدمته.. تطلع اليها بعدم تصديق وهتف:
- هل انت جدية ام ماذا؟

- أجل جدية.. لأنني تعبت من المشاكل. ومع انك انت المخطئ واللوم كله يقع على عاتقك الا انني قررت ان اكون أحسن منك ونبدأ مرة اخرى مجددا لكي نحاول ان نقلل من هذه المشاكل بما اننا على وشك الزواج.. تكفينا الضغوطات التي ستواجهنا.
هتفت بجدية ليضحك ملئ شدقيه قبل ان يقف امامها ويغمغم:
- بكل صراحةٍ انت مجنونة وتصرفاتك ابدًا غير متوقعة.. اعتقدت انك احضرتيني الى غرفتك لكي تنهي هذه العلاقة او ان لديك مصيبة ما.. ولكن صدمتيني بهذا القرار.. حقًا غير متوقعة.

- يجب ان اكون كذلك بما انني آلاء.. لا بد ان اكون غير متوقعة.
ردت بإبتسامة ليضع يده على ظهرها ويقرّبها منه بينما يهمس:
- هل تعرفين يا لولو عواقب قراراتك ام لا؟

اعترضت آلاء بتوتر:
- لا.. غرفتي ممنوع ان يكون بها قلة ادب لأن هذه ارض طاهرة وشريفة.

ارتسمت على شفتيه ابتسامة جميلة قبل ان ينحني بشفتيه ليلتقط شفتيها بقبلة ناعمة هادئة..
- احبك وأعشقك ولكن لا تعيدي تلك التصرفات.. انا حقًا أسف وأعدك ان ما حدث لن يتكرر مرة أخرى ابدًا.
همس قبل ان يقبلها مرة أخرى فتبتعد عنه بهدوء مغمغمة بأسمه بخجل:
- محمد..

- عيونه لمحمد.. ماذا تريدين؟
تساءل وهو يسند جبينه على جبينها بعشق لتهمس بإرتباك:
- لا شيء ولكن دعنا نخرج.. لا يصح ان نبقى لوحدنا بينما الجميع في الخارج.

- وماذا اذًا؟ انا لا يهمني احدًا غيرك.. لا يحق لأحد التدخل بين رجل وزوجته.
قال محمد وانفاسه لا زالت تعصف في وجهها فغمغمت برجاء:
- محمد لأجلي انا ارجوك!

قبّلها مرة اخرى ثم ابتعد قائلًا:
- فقط لأجلك.. وهيّا الآن أخرجي أمامي.

خرجت سريعًا وهربت منه لتختبئ في المطبخ حتى تخفي خجلها.. محال ان تستطيع الخروج بينما الإحمرار يغزو وجهها من شدة خجلها.. الجميع سيعلم ما كان يفعل بها ذلك الوقح قليل الأدب..
حاولت ان تهدئ نفسها قليلا حتى تقدر ان تتحمل نظرات محمد لها فور ان تعود.. وبعد ان هدأت قليلًا تنفست الصعداء ثم دخلت اليهم ليبتسم محمد بمكر ويقول:
- اذًا.. متى سيكون الزفاف؟

- يجب ان نرى قاعة اولًا.
قال غياث ليهتف والده:
- اي قاعة اولًا؟ علينا ان نتصل بعائلتنا في العراق اولًا وبعد ذلك سنقرر حجم القاعة التي سيتم بها الزفاف.

********************
أُتفق ان يكون زفافهما في العراق بما ان أجدادهما يريدون ذلك.. فإستهلت بالإستعداد وشراء كل احتياجاتها كعروس.. ضغط كبير كان عليها بما ان المدة التي لديها قليلة جدًا.. ايام معدودات وستسافر الى العراق وسيتم زفافها من محمد..

جلست برفقة صديقتها بأحد المطاعم البسيطة بسبب تعبهما من التسوق.. وطلبت شيئًا خفيفًا لها قبل ان تستدير فجأة على صوت تعرفه جيدًا.. محمد! وبرفقة امرأة ما! بل ويضحك بصوت مرتفع وكأنه خال من كل انواع الهموم!
انصدمت وبشدة.. فحتى معها هي لا يجلس هكذا ويضحك الى هذا الحد.. رفعت رأسها وقالت لصديقتها بينما جنون الغضب يشتعل في دمائها كمراجل من النار:
- خذي طلبي وانتظريني قليلًا في الخارج.. سأتبعك بعد قليل.

- الاء ماذا ستفعلين؟
تساءلت ايمان بتوجس لترد دون ان تنظر اليها:
- لا تقلقي فقط سألقي تحية السلام وأعود.
ودون ان تسمع اي كلمة اخرى سارت بخطوات ساخطة نحو طاولته وصدمته وهي تقبله على خده قائلة بإبتسامة مصطنعة:
-مرحبا حبيبي.. كيف حالك؟

بلمح البصر كان يعتدل في جلسته ليقف امامها بينما يقول:
- أهلا حبيبتي.. ماذا تفعلين هنا؟

- أتسوق.
تمتمت بهدوء ليقول وهو يعرّفها على المرأة التي تجلس أمامه:
- أُعرفك حبيبتي على ايميلي.. وايميلي هذه آلاء خطيبتي.

- أهلًا.. اذًا هذه المدام.
قالت ايميلي بإبتسامة لتهتف آلاء بإبتسامة ساخرة باردة:
- لا.. لا زلت أنسة.

غمغمت ايميلي بإحراج:
- آه أعتذر.. اذًا حينما تتزوجا عليكما ان تزورا البرازيل.
ثم تابعت وهي تنظر الى محمد:
- محمد يجب ان تأتي الى البرازيل وتحضرها معك بعد الزواج.

وفاها الرد سريعًا من آلاء قبل ان يفعل محمد:
- أسفة عزيزتي لا نستطيع ان نأتي.. لأنني بصراحةً أحب زوجي ولا استطيع الإفراط به.. انا اريده واذا أتى الى البرازيل سيتم اختطافه بسرعة.. بالتأكيد تفهمين قصدي.
ثم غمزت لها بخبث وأردفت:
- يعني لو انني لا اريده كنت سأقول حاضر.. أما الآن انا استأذن منكما فصديقتي تنتظرني في الخارج ولدي العديد من الأمور لفعلها.. أراك في المساء حبيبي.
ابتسمت بإستحقار وهي تطبع قبل اخيرة على خده ثم نظرت اليها وقالت قبل ان تغادر:
- تشرفت بمعرفتك.. وداعًا.

"ذوقك كالقمامة يا حبيبي"
أرسلت له هذه الرسالة بعد ان خرجت ولم تنتظر ان يرد عليها لأنه لم ولن يفعل..
كل ما ترغب به هو ان تعود لتحطم الطاولة على رأسه ورأس تلك الافعى السمراء التي تجلس امامه على الطاولة.. النار تشتعل بجسدها.. تحرقها وتكويها.. ليس غيرةً.. لا!! ولكن لأن زفافهما بعد ايام معدودة وهكذا يخرج مع النساء دون ادنى احترام لها..

******************
تعمدت ان تتأخر خارج المنزل فهي تعلم انه ينتظرها في منزلها.. اتصل بها عشرات المرات يشتم ويصرخ بسبب تأخرها حتى هذه الساعة.. كان مبتغاها وهدفها هو اثارة غضبه حتى تنتقم منه قليلًا..
تطلعت الى شاشة هاتفها التي تضيء مرة اخرى بأسمه فردت ببرود ليهدر بها بعصبية:
- ابعثي لي حالًا الموقع وانا سأتي لأخذك.. هل يوجد فتاة محترمة تبقى الى هذا الوقت خارج المنزل؟

اغلقت الخط سريعًا بعد ان بدأ يشتم مجددًا ثم ارسلت له الموقع ليحتاج ربع ساعة فقط حتى يقف امامها بسيارته.. صعدت الى السيارة بجانبه وصديقتها صعدت بالخلف ثم القت تحية السلام وابتلعت ريقها بتوتر اخفته بضحكاتها وهي ترى العصبية تكاد تنهمر على شكل كتل نارية من عينيه..

- لنوصل صديقتي ايمان اولًا الى منزلها.
قالت واعطته عنوان المنزل بهدوء لا يتماشى مع القلق الذي احتد وطأته في قلبها..
فاومأ دون اي كلمة قبل ان يقول بعد دقائق قليلة:
- هل أحضرتِ كل شيء؟

- لا، لم أجد كل الأشياء التي أريدها.
ردت ليمنحها نظرة جانبية قبل ان يعود للتركيز بالطريق الذي امامه..
هتفت إيمان بمرح:
- محمد انتبه جيدًا على آلاء.. لديها الكثير من المعجبين هذه الفترة خاصةً ولا اعلم ااسبب.. لذلك اسرع بالزواج قبل ان تطير من يدك.

- ربما أدركوا انهم سيفتقدوني فشعروا بقيمتي الآن.. لو انهم اتوا قبل فترة.
قالت آلاء ضاحكة بحسرة ليعقد حاجبيه..
- لم افهم.

- هناك رجل الماني يدرس معنا في المدرسة إعترف لها بحبه اليوم وقال انه معجب بها.
غمغمت إيمان بمكر ليلقي محمد نظرة غير مفهومة على آلاء دون ان يعلق على كلام ايمان..
تطلعت ايمان إلى آلاء بتساؤل لتحدجها بنظرة فهمتها فصمتت الى ان وصلت منزلها.. ترجلت من السيارة ثم القت تحية المساء وغادرت تاركة آلاء في وجه عاصفة ستهب في أي لحظة..
تساءل محمد بهدوء:
- ما هو الموضوع؟

- أي موضوع؟
اجابت آلاء بتساؤل فقال بتهكم:
- موضوع ذلك المعجب.. يعني اي موضوع سيكون؟

همهمت آلاء بإستفزاز:
- مممم لا شيء.. مثلما قالت إيمان.. شاب معجب بي واخبرته انني متزوجة وانتهى الموضوع.

- جيد جدًا.. اخبريني الإن فقط لماذا اصبح لسانك طويًلا؟
هتف وهو يحكُّ طرف فمه لتقول بنبرة درامية:
- من؟ انا لساني طويل؟ لماذا؟ ما الذي فعلته؟ سألتني واجبتك فقط فأين الطول بذلك؟

- اليوم في الصباح.. ما هذه الأفعال التي قمتِ بها؟ هل هذه تصرفات فتاة محترمة؟ هل يوجد فتاة تربيتها جيدة تقول هذا الكلام الذي قلتيه للفتاة؟
هدر بعصبية لتقول بهدوء:
- انا لم أقل اي شيء خاطئ.. واذا كان هناك احد مخطئًا فهو انت ولست انا.. وجيد انك فتحت هذا الموضوع.

- بالتأكيد سأفتحه.. هل هناك فتاة تتكلم هذا الكلام؟ هل تريني طفلًا صغيرًا حتى تخطفني امرأة ام ماذا؟ لماذا ليس لديك ذرة احترام واحدة ليس لها بل لي انا.
زمجر بغضب لتسأله آلاء بحدة:
- هل تعرفها ام لا؟ احدى صديقاتك هذه ام لا؟

- هي زميلة لي في العمل.. واذ كنت اعرفها او لا اعرفها ما فعلتيه صباحًا خطأ.
هتف لتومئ الآء بإستهزاء وهي تهز رأسها:
- اجل زميلة لك فقط وتتعامل معها براحة الى هذا الحد.
إخشوشن صوتها وهي تتساءل:
- محمد هل هذه صديقتك ام لا؟ انا لست غبية حتى تضحك علي وتقول مجرد زميلة.

- اجل.. لقد كانت لدي علاقة بها سابقًا.. ولكننا انفصلنا منذ اكثر من سنة.
اعترف لتهتف:
- والآن اشتاقت اليك وجاءت لتطمئن على حبيب القلب.. أليس كذلك؟

تمتم بنفاذ صبر:
- هي تواجه مشكلة ما وانا اساعدها فقط.. كل الذي بيننا الآن هو عمل لا غير.. لا يوجد اي شيء من الأفكار التي تدور في رأسك.

- اجل صحيح.. لقد صدقتك.. انتم تعشقون هذه النماذج التي تبقى مثل... أو اتعلم؟ من الافضل ان اصمت.
قالت بعصبية جعلته يصيح بغضب:
- مثل ماذا؟ تابعي كلامك.. انت لماذا لا تحترمين كبيرًا ولا صغيرًا ولا تعلمين في الأصل ما هو الأحترام؟ لماذا اجيبي؟

انفلتت سيطرتها على لسانها فقالت:
- انا احترم فقط من يحترمني واتحدث بأدب فقط مع الناس المحترمة اما بقية الناس فأتواقح معهم لأنهم من الأساس عديمي التربية.. هل يوجد رجل محترم يجلس مع امرأة يضحك ويتكلم هكذا في حين ان بعد عدة ايام زواجه؟

استرسلت بنفس الجنون والتهور:
- لماذا لم تأخذها الى الشقة؟ هناك افضل حتى تتمكن من حل مشكلتها للسيدة الجميلة كما تشاء وبراحة اكبر.. لو انك حقًا تحترمني ما كنت ستجلس وتضحك لها هكذا في المطعم.. الآن ستقول انني لا املأ عينك او اي احد آخر يرى ذلك المنظر سيأخذ هذه الفكرة بسرعة.. وهذه هي اساسًا النظرة التي تفكرها عنكم الأجنبيات.. لا تمتلئ عيونكم غير بهن.. لماذا؟ لأنهن ساقطات وليس لديهن اخلاق وهذا الشيء الذي تريدونه انتم.

قبل ان يهتف بحرف واحد كانت تمتد يده ليصفع رأسها بقوة فيرتطم بتابلو السيارة بعنف..
- أخرجي.. وسأكسر لك قدميك اذا خرجتِ من المنزل.. وغدًا حتى مدرسة لا يوجد.. لن تذهبي.. هل فهمت؟ انا الذي سأعيد تربيتك من البداية وسأفهم من هو عديم التربية.. راجعي نفسك جيدًا وفكري بالكلام الذي قلتيه اذا كان ممكنًا ان يُقال لأي شخص.

هتفت بتحدي رغم ألمها قبل ان تهرول مغادرة السيارة:
- اولًا انا لم أقول شيئًا خاطئا.. ثانيًا سأذهب غدًا الى المدرسة وافعل كل ما ارغب بفعله.. وإفعل ما تشاء لا يهمني ذلك.. لست انا المخطئة بل انت المخطئ ولست انا من لا يحترم بل انت هو الذي لا يحترم أحدًا.. ولا تعتقد ان هذه غيرة مني عليك.. لا! ولكن هذا الذي فعلته يسمى قلة احترام.. ولو انك فعلًا تحترمني ما كنت ستقابل هذه المرأة لأنها ستتحدث علي.

-------------------
يتبع يوم السبت..

اعتذر جدًا على التأخير..

رأيكم بالفصل
وقراءة ممتعة..

مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:16 AM   #8

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل السادس

ارفع عليكِ راية عشقي..
فحبي سيهزم جأش كبريائكِ..
وسيجعلكِ قانتة لتجاسري..
فليس لك سلطة القرار حبيبتي..
عشقي حكم عليكِ ان تكوني
كل ما يرفضه منطق الميثاقِ..
واجبرك على الإذعان امام جبروتي..
لذا لا تحاولي الإبتعاد يا اميرتي..
فليس هناك مفر من سلطان حبي..

---------------------------
رأسها يؤلمها من قوة الضربة.. والنار تحرق روحها.. هي فعلًا لا يهمها ما رأته ولا حتى تغار عليه ولكن كرامتها تزأر.. الحقير يدافع عن تلك المجنونة ويرفع يده عليها بسببها.. فقط تتمنى ان تكسر له يده التي امتدت عليها.. ان تهشمها له ولتلك اللعينة..
ستذهب الى المدرسة رغمًا عنه وليفعل ما يشاء فلا يحق له ان يحرمها من المدرسة.. اساسًا هو المخطئ وليست هي..
في الواقع هذه المدرسة للطلاب الذين هم فوق الثامنة عشر سنة وخاصة بالطلاب الذين لم يتابعوا تعليمهم في مدرستهم او ان شهاداتهم التي حصلوا عليها من بلادهم غير معترف بها.. وتعتبر سنتين لغة وسنتين تخصص وتمهيدي للجامعة وللقسم الذي يودون ان يدرسوه في الجامعة..
قبل ان تنهض عن سريرها لتجهز نفسها دخلت والدتها غرفتها قائلة:
- صباح الخير.. ماذا فعلتِ؟

- لماذا؟
تساءلت بإستغراب لتهتف جميلة:
- لقد اتصل محمد قبل قليل قائلًا انك ممنوعة من الخروج ابدًا الا برفقتي وسيأتي بعد قليل ايضًا فما الذي حدث؟

اخذت آلاء نفسًا طويلًا قبل ان تقرر ان تقص على والدتها ما حدث دون ان تخبرها انه ضربها.. فضحكت والدتها بإعجاب:
- لقد اعجبني تصرفكِ معها دون ان تلقي اهتمامًا لها ولكن لم يعجبني فقط كلامك مع محمد.. لا يصح ان تتكلمي مع الرجل بهذا الأسلوب.. ممنوع يا ابنتي.. يجب ان تعرفي كيف تتحدثين اليه ومتى ايضًا حتى تقلبين الطاولة لصالحك ولكن الآن انت اصبحتِ المخطئة.. على اي حال هو قادم بعد قليل سأتفاهم معه انا ولكن اريدك ان تصمتي حتى اقدر اخذ لك حقك منه حسنًا؟

- ان شاء الله!
اومأت لتقول جميلة بلطف:
- اذًا هيا انهضي وافطري ريثما يأتي.

بعد اقل من ساعة كانت تجلس امامه وهي تتطلع اليه بإستفزاز بينما والدتها جلست بجواره..
تطلعت جميلة الى محمد..
- ما الأمر؟ لماذا تشاجرتما؟

اجابها محمد بضيق:
- هل توافقينها يا خالتي بالذي فعلته؟ هل يصح الذي فعلته؟ لم تدع لي اي كرامة.. هل يوجد امرأة تقول لزوجها "ذوقك كالقمامة.. وانا اريد زوجي واخاف ان يتم سرقته مني!".. هل تراني طفلًا حتى تأتي امرأة لتضحك على وتأخذني! وليس ذلك فقط بل وتقول ايضًا "هذه الأشكال تناسبك.. انت تركض خلف النساء اللواتي من هذا المستوى والطيور على اشكالها تقع.. وانت هكذا مستواك تركض وراء النساء مثل الكلب".. هي لم تتابع هذا الكلام وصمتت.. ولكن هذا كان قصدها..
نظر الى آلاء واستأنف:
- الم يكن هذا قصدك؟

- افهمها كما ترغب!
قالت آلاء ببرود ليهتف محمد بعصبية مكتومة:
- انظري اليها.. لا زالت مستمرة بوقاحتها وبطول لسانها.. يعني ماذا تريدين مني؟ ان اخذها بالأحضان بعد كل ما فعلته؟

- لا.. لا تأخذني بالأحضان ولكن اريدك فقط ان لا تقول انني لست مؤدبة ولساني طويل.. واساسًا لماذا اتيت؟ عد اليها اذا كانت الى هذا الحد تهمك.

- ستعتذرين منها!
هتف بإصرار لتهدر بشراسة:
- لن افعل ولو متَ.. هل تفهم حتى لو تموت لن اعتذر لها.. انا لم اقول اي شيء خاطئ.. هي بالفعل ساقطة!

بغضب شديد كاد ان ينهض ليضربها فتصرخ جميلة بهما بنفاذ صبر:
- كفى! اليس لديكما اي احترام لي؟ انتِ انتبهي للسانك.. وانتَ هل تريد ان تضربها امامي؟

- اعتذر منك خالتي.. ولكنك رأيتي طريقة كلامها المثيرة للإستفزاز.
قال محمد لترد آلاء عليه باحتدام:
- انت هو الوحيد المثير للإستفزاز.. تدافع عنها امامي وتريدني ان اصمت!

قبل ان يتحدث قاطعته جميلة بصوتها العالي:
- كفى!!!!!!! اذا تركتكما هكذا حتى الغد لن تنتهيا.. اكاد لا اصدق اعماركما بإفعلاكما هذه.. وكأنك لست في الثاني والثلاثين وهي في السادسة والعشرين.. كأنكما اطفال لا غير!
استرسلت بجدية تامة:
- محمد نحن حينما وافقنا ان نعطيك ابنتنا وافقنا فقط لاننا واثقين انك ستصونها وستحفظ كرامتها ولن تجرحها في يوم من الأيام.. قلنا الذي يقف امام العالم حتى يطلب يدها للزواج فهو بالتأكيد يستحقها.. ولكن ان تأتي الآن وتريد ان ترفع يدك عليها وامامي وفي منزل والدها فهذه كبيرة جدًا.. هل تفهم ذلك؟
اذا كان لسانها طويلًا ولا تحترمك فتعلمها الأدب.. تدعها تفهم خطئها.. فربما تكون قالت هذه الكلام بسبب غيرتها وكرامتها.. بالاضافة الى ذلك حينما تذهب وتتحدث مع امرأة كنت سابقًا على علاقة بها في حين زواجكما بعد عدة أيام فهذا صعب للغاية.. سنفهم يعني ان ابنتنا لا تشبع عينك ولا تعجبك.. وانت لا زلت لم تتزوجها وهكذا تفعل فكيف حينما تصبح زوجتك؟ انتما الاثنان اصبحتما شخصًا واحدًا.. لذلك احترامها من احترامك.

اضافت بينما تتطلع الى طفلتها:
- وانت أيضًا كذلك الأمر.. هذه ليس تربيتي لك.. لم اعلمك ان تتواقحي على من هو اكبر منك.. هذا خطيبك وغدًا سيصبح زوجك فرغمًا عن انفك ستحترمينه.. الخطأ يقع على كلاكما .. توقعتكما كبيران ولكنكما للاسف صغيران.. لا هو يعرف كيف يحتوي الموقف ويهدئ من حدة الوضع ولا انت ايضًا.. واحد كبريت والأخر بنزين وبسرعة تحترقان.. ذلك لا يصح ابدًا!

- أسف خالتي.. ولكن ابنتك مثيرة للإستفزاز.
قال محمد بهدوء لتهتف آلاء بحدة:
- وانت ماذا اذًا؟

- كفى آلاء واعتذري منه الآن.
قالت جميلة بحزم لتطلع اليه دون اي رد فيضحك محمد بسخرية:
- الم اخبرك؟ على اي حال المهم انها ممنوع ان تخرج من المنزل الى ان تعترف بخطئها.

- لن تخرج الا معي.. غادر الى عملك الآن انت فقط.
هتفت جميلة فنظر الى آلاء بنظرات متوعدة وقال:
- حسنًا.. تابعي بشراء اغراضك الخاصة بالزفاف مع خالتي.. من الجيد ان اقترب موعد الزفاف حتى ارى ما هي نهاية هذا اللسان الطويل.

- محمد!
تمتمت جميلة بتحذير ليلقي تحية السلام ويغادر..
تطلعت جميلة الى آلاء وقالت بعتب:
- هل هذا هو الذي اوصيتكِ به؟

- الم تسمعيه يقول لي ان اعتذر منها.. هذا ما يهمه.. ان اجرح مشاعر تلك المرأة!
هتفت بغيظ لتهز جميلة رأسها بإرهاق:
- لا يوجد اي فائدة.. سأبقى أعلم بك.. الآن فقط انهضي وجهزي نفسك حتى نخرج لنشتري بقية اغراض العرس.. لا يوجد امامك غير بضع أيام للسفر فأنهضي الآن.

*****************
في المساء..
توغلت كلمات سما وليسا الى عقلها بعد ان قررت ان لا تتحدث اليه.. ولكن اليوم هو الجمعة، نهاية الأسبوع اي انه سيخرج ليسهر وهي ستجلس كالغبية غاضبة منه بينما هو سينسى كل شيء ويستمتع بليلته.. وهذا ما لن تسمح به.. سفرها بعد عده أيام وحتى رغم ما حدث امام والدتها لن يحدث الانفصال.. لذا كان همها الوحيد هو ان لا يسهر اليوم فبعثت له برسالة..
"أريد ان اراك الآن"

"هل هناك مصيبة جديدة ام كلام نسيتِ ان تخبريني به وتذكرتِ الآن؟"
"لا.. صدقًا يجب ان اراك"
"سأتي بعد ساعة"

حينما وصل اخبرها انه في الأسفل ينتظرها داخل السيارة..
فنزلت بعد لحظات اليه ليسألها:
- ما الأمر؟

تنهدت قبل ان تدخل في صلب الموضوع بشكل مباشر:
- محمد انت مخطئ وانا كذلك.. لم يكن يجب ان اقول هذا الكلام لك ولا اتواقح عليك امام أمي .. ولكن تلك المرأة محال ان اعتذر منها وانا مصرة انني لست مخطئة بتصرفي معها.. واعتقد ان عليك ان تفهمني.. انا رأيتك تجلس مع امرأة غريبة تضحك بكل راحة.. فماذا تتوقع مني بحق الله؟ وليس ذلك فقط بل تخبرني انك كنت على علاقة بها في الماضي وتريدني ان لا اتفوه بكلام مجنون!
تطلعت اليه منتظرة رده بعد صمت.. وحينما لم يفعل قالت بغيظ:
- قل شيئًا.. لماذا لا تتحدث؟

تطلع اليها بملامح لينة لا تخلو من الصدمة التي لم تتمكن من استنباطها..
- مصدوم! لم اتوقع ان تعتذري مني.. ظننت انك طلبتِ مني المجيء حتى نتشاجر او حتى تقولين انك تريدين الانفصال او اي شيء مجنون ولكن ليس ذلك.. ابدًا لم اتوقع! كالمعتاد تصدميني بردود فعلك.
استأنف بجدية:
- انت تعلمين جيدًا كم احبك وانني محال ان اخونك مع اي امرأة كانت.. لست أنا من اركض وراء البرازيليات او غيرهن من النساء.. جلوسي برفقتها لم يكن به شيئًا قد يضرك او يمس بكرامتك والله.. انا محال ان افعل اي شيء خطأ بينما انت على ذمتي وانا مرتبط بك.. مستحيل والله! ومن الأساس لو كان بيننا شيئًا ما بالتأكيد لن اجلس برفقتها في مطعم وامام العالم كله وفي مكان ايضًا قد تريني به! رجاءًا افهمي ذلك.. وانا اعتذر منك لأنني ضربتك ولكنك قلت كلام لم يجب ان يُقال ولم استطيع ان اسيطر على نفسي.

- اعلم ذلك.. انا اسفة.
همست بهدوء ليقول:
- وانا ايضًا اسف لأنني تصرفت بعصبية معك امام خالتي واردت ايضًا ان اضربك.

- حسنًا.
- حسنًا ماذا؟
تساءل بعدم فهم لتغمغم:
- لقد تأخر الوقت.. تصبح على خير.
ثم قبلته على خده وابتعدت سريعًا وقبل ان تهم بفتح باب السيارة حتى تترجل كان يوصد الباب بسرعة لتقول بتوتر:
- محمد افتح باب السيارة.. اريد ان اخرج.

ارتسمت على شفتيه ابتسامة جميلة:
- لماذا تخافين الى هذا الحد حينما نبقى في مكان ما لوحدنا؟ ابقي قوية مثلما اعرفك.. لا يهمها اي شيء.

- من انا؟ لماذا اخاف؟
قالت بشجاعة ليرد بمرح:
- لا اعلم.. اخبري نفسك.

- لا.. لست خائفة.. دعنا نجلس في السيارة بقدر ما تشاء فلا يوجد ورائي اي شيء لأفعله.
قالت بتحدي تواري به توترها وخوفها ليبتسم بإستمتاع:
- اذًا تعالي يا جميلة.. ما هذا الذي فعلتيه قبل عدة دقائق.

- لم افعل اي شيء.. فقط قبلة اعتذار!
غمغمت ببراءة ليرتفع حاجبه الأيسر قائلًا بغيظ:
- وهل هذه تسمى قبلة اعتذار حبيبتي؟

- ذلك لأنه يتعلق بقدراتي.
تمتمت ضاحكة ليقول محمد بخبث:
- اقتربي وانا سأعلمك قبلة الإعتذار كيف تكون.

دنى منها بنفسه ثم قبّلها ليعلمها درسًا طويلًا في الإعتذار وفنونه..
أخيرًا عتق شفتيها من قبلته وهو يهمس بصوت ثقيل:
- هل عرفت الآن؟

بوجنتين متخضبتين اومأت:
- اجل.. افتح الباب الآن حتى اخرج.

هز رأسه برفض:
- لا.. ليس الآن.

- ماذا هناك ايضًا؟
غمغمت بحنق ليقول بجدية ماكرة:
- انا احب ان يكون اعتذاري نابعًا من القلب.. القبلة الاولى كانت اعتذارًا لضربي لك بالسيارة.. وبقي اعتذاري لكلامي امام والدتك.. وهنا ستكون القبلة الثانية.
وقبل ان تتجرأ على الحديث كان يقبلها مرة اخرى.. برقة شديدة.. بنعومة جعلت وجنتيها تتضرج اكثر بلون احمر قانٍ..
- هل الآن عرفت جيدًا كيف تكون قبل الإعتذار؟ ليس على الخد بل يجب ان تكون بمكانها الصحيح تمامًا.

- محمد كفى.. ارجوك افتح الباب!
همست بنبرة محتقنة خجلًا وارتباكًا ليرأف بها ويقول بعبث:
- حاضر حبيبتي.. ولكن سأفتحه فقط خشية ان اتهور وأخطفك ونغادر لأي مكان بينما الظلام يسود.. انظري الى السماء كم تساعد بسرعة على ذلك.

- قليل ادب.. وقح.
هتفت وهي تترجل من السيارة ليرد بوقاحة:
- اعشق قلة الأدب.. هل تريدين ان تجربي؟
القت عليه نظرة حارقة ثم توجهت سريعًا الى منزلها ليضحك بإستمتاع ومرح بينما تتغلغل الراحة الى قلبه..

*****************
ابتسم حينما رأى اسمها يضيء شاشة هاتفه.. ثم سريعًا ما اجابها ليسمعها تقول:
- اريد ان اخرج معك اليوم.

- اليوم صعب.. لا استطيع ان اخرج لأن تم دعوتي من قبل اصدقائي.. ولكن بإمكاننا ان نخرج معًا غدًا.
اجابها لتقول بإصرار:
- محمد فقط لساعتين وليس اكثر.. سنخرج العصر ولن نتأخر.

تمتم بموافقته على مضض لتبدأ بتجهيز نفسها ريثما يصل.. ارتدت فستان احمر قصير يصل الى ما قبل الركبة بقليل وانتعلت حذاء ذو كعب عال.. بينما انسدل شعرها بنعومة لينتشر حول وجهها كغمامة عسلية.. واكتفت بوضع زينة خفيفة على وجهها بالإضافة الى احمر شفاه قان..
بخطوات واثقة نزلت اليه حينما اتصل بها معلنًا عن وجوده في الأسفل.. ثم فتحت باب السيارة لتتسع حدقتاه وهو يتطلع اليها من الأعلى الى الأسفل ثم رويدًا رويدًا ادلهمت حدقتاه لتصبح عاصفة.. كشرارات صفراء تحتل خضار حدقتيه..

- الا يبدو الفستان قصيرًا؟
هتف محمد بعدم رضى لترد بغيظ:
- شكرًا لك عيناك الجميلتان.. اعلم ان الفستان جميل وانني ايضًا جميلة.
ثم اعتدلت بجلستها ووضعت حزام الأمان ليقول:
- هو جميل وانت ايضًا جميلة ولكنه لو كان اطول اكثر.

- هيّا محمد.. هذا كله من وقتنا.. الست تود الذهاب الى اصدقائك؟
تمتمت بحنق من قلة ذوقه.. ليعينها الله فقط عليه..
فحدجها بنظرة غير راضية البتة ثم تساءل:
- الى اين سنذهب بملابسك هذه؟

املت عليه العنوان وقالت:
- سنذهب الى هذا المطعم.
- لماذا سنذهب الى مطعم؟
تساءل لتردف بضيق:
- سأدعوك على الغداء فقط.. لا شيء آخر.

ترجلت من السيارة فور وصولهما ليسير بجانبها ويدخلا الى المطعم.. كانت قد حجزت طاولة مسبقًا في المطعم فبسرعة دخلا وجلسا..
تطلعت اليه ثم قالت وهي عازمة على اغلاق هاتفه الذي لم يصمت طيلة الطريق:
- محمد هل من الممكن ان تعطيني هاتفك قليلًا؟

- لماذا؟
علّق بتعجب وهو يمد لها هاتفه.. فتناولته واغلقته ثم وضعته امامها على الطاولة وابتسمت:
- اسمع حياتي.. هاتان الساعتين لي.. يعني الهاتف ممنوع.. كلها مجرد ساعتين وستذهب لاصدقائك فلذلك ممنوع استخدام الهاتف.. وكي لا تقول انني دكتاتورية سأضع انا الأخرى هاتفي على وضعية صامت.. وانت فقط هاتفك سيُغلق لماذا؟ لان مكالماتي اقل من مكالماتك.

- واضحة جدًا ديمقراطيتك.. بإمكانك ان تضعي الهاتف صامت فلدي عمل.
قال لتهز رأسها برفض تام:
- انسى ذلك نهائيًا.. اعتبر نفسك نائمًا خلال هذا الوقت.
- لنرى آخرة هذا اليوم.

تحدثا قليلًا عن السفر وترتيبات الزفاف بعد ان طلب كل منهما وجبة طعام له.. ثم نهضت الى الحمام حتى تعدل احمر الشفاه خاصتها وفور ان عادت سمعته يقول بنفاذ صبر:
- هل بإمكانك ان تعطيني الهاتف قليلًا.. لدي الف موعد ولدي اعمال مهمة يجب ان انهيها عبر الهاتف.

- ممنوع محمد.. ممنوع الى ان ينتهي الوقت.
هتفت بإصرار ليرمقها بغيظ شديد فتجاهلته آلاء وهي ترفع رأسها لتنظر الى النادلة فهزت لها رأسها ليقول بإستغراب:
- ما الأمر؟

- لا شيء.. فقط النادلة ابتسمت لي وانا رددت لها الابتسامة.
اجابت لينظر اليها في نفس الدقيقة التي اتت بها النادلة وهي تحمل كعكة بينما يصدح المطعم بأغنية "happy birthday to you"..
كادت ان تقهقه عاليًا صدقًا وهي ترى تعابير الخجل كلها تحتل وجهه.. انتهزت الفرصة وابتسمت وهي ميقنة ان هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي ستراه يخجل بها..

وثبت عن مقعدها ثم امسكت بيده وقبلت خده ليضمها الى صدره دون ان يتركها تبتعد عنه..
- كل عام وانت بألف خير.
همست ثم اخرجت علبة من حقيبتها تحتوي ساعة فضية اللون واهدتها له وغمغمت:
- كل سنة وانت سالم حياتي.. تمنى امنية لتطفئ الشمعة.

تمنى الأمنية وهو ينظر اليها.. فلا شيء غيرها يتمنى.. ثم اطفأ الشمعة ليتعالى صوت تصفيق الناس الموجودة في هذا المطعم وصوت التهنيئات بينما حدقتاه لا تبرح مقلتيها دون ان يتكلم..
- لماذا تنظر الي هكذا؟
تساءلت بنعومة ليقول:
- كيف عرفتِ ان اليوم عيد ميلادي؟ لقد اعتقدت انكِ غير مهتمة ولا تعلمين من الاساس.

- عيب هذا الكلام.. هل يوجد فتاة لا تعرف موعد عيد ميلاد حبيبها؟
اجابته ليقول عاقدًا حاجبيه:
- ماذا!
- ماذا ماذا؟
تمتمت ليتساءل:
- ماذا قلتِ؟
- لا اعلم.. ماذا قلت؟
- ما هي آخر كلمة قلتيها.. الجملة كلها لا تهمني ولكن الكلمة الأخيرة ماذا كانت؟
هتف لتغمغم:
- حبيبها.

- هل انت متأكدة حبيبها؟
تساءل بعدم تصديق لترد بإبتسامة حتى تزيد من جمال هذه الذكرى بالنسبة اليه:
- اجل متأكدة.. حبيبها وحياتها وكل شيء جميل.
لم يقدر ان يرد او يعلق.. صدمته.. كان اقصى توقعاته ان يسمع كلامًا جميلًا منها..
اخرجت آلاء العلبة الثانية والتي كانت تحتوي على خاتمًا فضيًا من حقيبتها وفتحتها ثم قالت وهي تتطلع اليه:
- بما ان اليوم عيد ميلادك فأحببت ان ترتدي الخاتم الخاص بك في هذا اليوم.. ولا تعتقد ان هذا مجرد خاتم عادي.. لا يا قلبي.. بإمكانك ان تقول انه مثل الجاسوس.. وضعت به جهاز تتبع لأعرف عنك كل شي من خلاله.. وممنوع ان تنزع هذا الخاتم ابدًا من يدك ريثما احوله انا الى اليد الأخرى في يوم زفافنا .
ثم ختمت كلامها بوضعها الخاتم في بنصره الأيمن..

- هل تعلمين انني للمرة الأولى في حياتي لا اعرف ماذا اريد ان أقول من شدة الفرحة التي تغمرني الآن ومما تفعلينه بي.
قال بصدق وقوة مشاعره تتبعثر بوضوح في الذهب الغريب الذي يتوسط خضرتيه..
تطلعت الى عينيه الساحرتين بلونهما الغريب جدًا.. ثم ذقنه الخفيفة الغريبة ايضًا كعينيه وشعره بسواده وبعض الخصلات الذهبية التي تتخلله.. ثم اخيرًا عادت الى عينيه لترى الفرحة الحقيقة التي تحتلهما.. والعشق الذي يكاد يسيل من مقلتيه حبًا وعشقًا وشكرًا صادقًا.. فإبتسمت وهمست:
- احبك!

- لحظة لحظة.. انا ارى انك انت المسيطرة اليوم!
قال ضاحكًا والسعادة تكاد لا تسع قلبه فضحكت هي الأخرى:
- حسنًا احبك.

- وانا لست فقط احبك لا.. انا اعشقك واموت عليك.. ولو ان هناك شيء يعبر عن الحب الذي بداخلي تجاهك غير اعشقك واحبك لقلته.. الآن المشكلة اننا امام ناس.. ولا استطيع ان أعبر براحتي ولكن استطيع ان افعل ذلك.
غمغم بهيام ويده تمتمد لتحيط وجنتها قبل ان ينحني ليقبلها لتنتابها احاسيس غريبة.. للمرة الأولى تشعر ان مشاعرها متبعثرة بجنون هكذا.. فوضى عارمة تدور في قلبها بسبب قربه منها.. كل مرة تعتقد انه يريد ان يثبت شيئًا ولكن ماذا لا تعلم؟ او انه يعشق الإكتشاف ويريد ان يستكشف اعماق روحها.. يود استنباط اغوارها..
طالت القبلة وطالت حتى شعرت انها لا تنتهي والعالم يدور حولهما فقط لا غير.. ولكن التصفيق الحار من قبل المتواجدين في المطعم اخرجهما من سحر دوامة مشاعرهما ليبتعد عنها وهو بالكاد يلتقط انفاسه..

تطلع اليها بإبتسامة عاشقة شغوفة ليتأمل الخجل الذي انتشر على صفحة وجهها فتتورد بطريقة تخطف انفاسه وتزيد فقط من هيامه بها..
حمدت الله انه لا يوجد العديد من الناس في المطعم ثم بالكاد جمعت شتات نفسها وغمغمت:
- لقد تعمدت الحديث هنا حتى لا تتمكن من فعل اي شيء وفي النهاية لم تبالي وفعلت!

- والله انا اشعر انني لا استطيع ان افعل اي شيء.. اشعر انني مقيد ولست قادرًا على الرد كما يجب.
تمتم ضاحكًا ملئ شدقيه لترمقه بنظرات مذهولة:
- كل الذي فعلته وتقول انك مقيد وغير قادر على فعل اي شيء!

- هل تعتقدين انك رأيت شيئًا؟ لا زلت لم تري شيئًا حبيبتي.. انت فقط اصبري لأسبوع وسترين.
قال ضاحكًا بوقاحة جعلتها تتضرج اكثر بحمرة الخجل لتختار الصمت وهي تسكب لنفسها كأسًا من المياة باضطراب واضح.. فضحك مرة اخرى بمرح على خجلها وتوترها ثم تساءل بشرود:
- هل تعلمين منذ متى تمنيت ان اسمع منك هذه الكلمة؟

- لا.. لا اعلم.. اخبرني منذ متى يا حضرة المحامي.
ردت وهي تشكر الله انه قام بتغيير ذلك الموضوع اللعين ليرد:
- منذ اربع سنوات تقريبًا.

- منذ اربع سنوات وتصمت الى الآن!
قالت والصدمة تحتل حواسها.. منذ اربع سنوات فترة ليست قليلة ابدًا.. فأجابها بهدوء:
- اجل.. منذ اربع سنوات.. لم استطيع ان اعترف لك لأنك كنت تحبين شخصًا آخر.. بالإضافة الى انك حينما كنتِ تأتين الينا كنت اراك تأخذين راحتك مع الجميع ومع غياث ايضًا ولكن حينما تصلين الي مجرد سلام وتهربين مني.
ثم تساءل بفضول:
- لماذا كنت تعامليني بطريقة تختلف عن طريقة تعاملك مع غياث والبقية؟

ضحكت الآء قائلة:
- انا اعتبر غياث كشقيقي.. ونحن تقريبًا في نفس العمر.. ولماذا لا اتعامل معك مثلهم لأني اخاف منك.. اشعر ان نظراتك الي تختلف عن البقية.. ولذلك لم اكن احب ان أقترب منك.. مجرد سلام واهرب.. كنت اشعر ان هناك شيء ما ولكن ماذا لا اعلم.. فقط هو هذا السبب الذي يجعلني ابقى بعيدة عنك.. الآن اخبرني كيف عرفت انني احب؟

- ذات مرة كنت في منزلنا وأنا كنت لتوي عائدًا من الخارج.. وحينما دخلت المنزل سمعتك تتحدثين عبر الهاتف وتقولين "كيف يعني لا تريدني ان اتي الى منزل عمي.. لا، لا احد موجود غير غياث وانت تعلم كيف علاقتي به جيدًا.. لا محمد غير موجود.. ملابسي جدية.. لن اتأخر.. بعد قليل سأعود الى المنزل.. حاضر.. انتبه لنفسك وانا ايضًا أحبك"
قص عليها ماذا سمعه وتابع:
- انتِ كنت تتحدثين وغير منتبهة انني كنت واقفًا واسمع هذا الكلام فإنسحبت بهدوء وخرجت مرة اخرى وحينما عدت حاولت ان اسأل عبير ولكن لم اعرف كيف اتحدث اليها.. الى ان وجدت اخيرًا الطريقة.. وبدأت بالحديث اليها وقلت انني اريد ان اخطب الاء.. هل تعتقدين انها ستوافق ام لا بما انكما صديقتان مقربتان؟

استأنف وهو يعود بذاكرته الى الوراء اكثر:
- رأيتها ترتبك واجابتني انها لا تعلم ماذا سيكون رأيك وانني يجب ان اسألك بنفسي حتى اخذ الجواب.. وحينها ادركت انها تعلم من هو ذلك الشخص الذي كنت تقولين له احبك.. حاولت ان أتعمق معها بالكلام حتى قالت اخيرًا "لا، لن توافق لأنها على علاقة بشاب ما وهو يريد ان يخطبها ويتزوجها".. ضغطت عليها كثيرًا حتى اعرف اسمه واخيرًا اعترفت وأقرت بأسمه لأنصدم.. لأنني اعرفه للشاب يكون صديق ابن عمتي وايضًا طبيب اسنان.

استرسل بهدوء:
- استمريت بالسؤال عنه والبحث خلفه.. اردت ان اعرف نيته والى اي حد وصلت العلاقة بينكما الى ان تعرفت على ابن عمه واخبرته ان يبعده عنك لأنك مخطوبة لي ولكن بشكل غير رسمي واذا أتى وطلب يدك للزواج لن ينال غير الرفض والاحراج فقط لأنه سيأتي ليخطب فتاة محجوزة لابن عمها والموضوع منتهي.. بعد ذلك تأكدت انه انفصل عنكِ وأردت ان اتقدم اليك انا ولكنني فكرت اذا الآن تقدمت اليك لن توافقي او توافقين ولكن سأصبح الشخص الذي تنسين به شخصًا آخر وتريد ان تسترد كرامتها او انها سترفضني وستكون كارهة الرجال كلها.. لذلك من الأفضل ان ادعها تهدأ هذه الفترة.

تنهد وتابع:
- حاولت ان اراك حتى اتقرب منك.. ولكنك توقفت عن المجيء الينا.. قطعتِ علاقتك بالجميع.. حتى حينما كنت أتي اليكم لم اكن اراك.. ولم اراك الا بعد اربعة اشهر وانصدمت حينها.. تغيرتِ كثيرًا.. لم تكوني آلاء نفسها.. ذبلتِ ونحفتِ كثيرًا.. فقلت انني يجب ان انسى ذلك الموضوع نهائيًا الآن.. محال ان اتمكن من الحديث حول موضوع كهذا معها الى ان تنسى فعلًا.. قليلًا قليلًا بدأت تعودين طبيعية.. وخلال هذه المدة كنت انا اراقبك واتابعك واتابع كل خطواتك ولكن من بعيد.. من مكان غير مرئي بالنسبة لك.. عدت افكر بالحديث اليك ولكن في نفس الوقت يدي كانت على قلبي خشيةً ان يعود كريم اليك..

تطلع الى عينيها الفضولتين لمعرفة المزيد بينما يستمر بكلامه:
- في اليوم الذي عرفت به انه سيخطب من فتاة ما قلت اذا كانت هذه الفتاة آلاء لن يهمني اي شيء وسأدخل الى عمي واخبره انني اريدك.. وبالتأكيد والدك لن يفضل الغريب علي.. بما يخصك عدت الى اصلي وتربيتي وعاداتي وتقاليدي.. نسيت اوروبا وماذا تربيت ودرست بها.. ولكن لاحقًا حينما تأكدت انه خطب فتاة ثانية ارتحت قليلًا وقلت ان خلال شهرين سأتحدث الى اهلك لأنها حينها كان قد مر على موضوع انفصالك من كريم سنتين وبضعة اشهر.. يعني انتهى موضوعه من حياتك..

زفر ثم سرد القسم الأخير لها:
- تحدثت الى اهلي وغمرتهم السعادة وقالوا "متى تريد ان نذهب لنخطبها لك.. انت فقط حدد الموعد" ولكنني اخبرتهم ان يصبروا قليلًا ريثما ارتب وضعي.. حينما رأيت انكما الاثنان موجودان في الخطوبة رغبت ان ارى رد فعلكما.. ركزت معك وانتبهت الى عبير حينما همست لك بشيء لتنظري اليه قبل ان تعيدي نظرك اليها..فهمت وقتها ماذا قالت وانتِ على ماذا ضحكتِ يعني انه لا يهمك.. بعد ذلك اتيت انا لألقي تحية السلام عليكِ ورايتك تضحكين معي ومستمرة بالحديث الي وطبعاً هذه من اللحظات النادرة والتاريخية.. انا في ذلك الوقت لم اكن أخطط لأي شيء ولكن رأسًا داهمت فكرة ان اطلب يدك للزواج في هذه اللحظة وامام الجميع.. وانت هكذا لن تتمكني من الرفض وقول كلمة لا.. لأنني لوفعلت ذلك في يوم عادي سوف ترفضين بحجة الدراسة اما الآن مستحيل حتى ان تتمكني بالتفكير بالرفض.. فهذه افضل فرصة ولن تتكرر.. وسألتك اذًا تقدم لك شخصًا لخطبتكِ هل ستوافقين وانت قلتِ "اذا كان لديك صديق وسيم بالتأكيد سأوافق".. فنفذت وها انت الآن جالسة امامي.

تشتتت احاسيسها ولكن في نفس الوقت لا تنكر السعادة التي شعرت بها من قوة حبه اليها.. كانت واثقة ومتأكدة انها ستحبه من حبه اليها.. فدون شعور غمغمت وهي تقبله على خده:
- احبك.

ابتسم بخفة:
- حياتي انت الآن تتجاوزين الخطوط الحمراء.. هيا انهضي الآن لأعيدك الى المنزل وانا سأذهب الى اصدقائي ساعتين وبعد ذلك اعود لمتابعة السهرة معك.. انت قلتِ ساعتين ونحن تجاوزنا الأربع ساعات.. فهيا حبيبتي انهضي.

- ولكنني استحق هذه الساعات.
علقت بمرح لينظر اليها بحب ويقول:
- انت تستحقين العمر كله وليس فقط مجرد ساعات.. الأن انهضي لأننا اذا بقينا اكثر هنا احتمال ان اخذك الى الشقة لذا من الافضل ان أعيدك الآن.

- لا.. سأنهض الآن.
هتفت بسرعة ليعيدها الى المنزل وقبل ان تترجل قال بإبتسامة:
- شكرًا على كل شيء.. اليوم كان اجمل عيد ميلاد واجمل يوم يمر في حياتي كلها خلال الحادي والثلاثون سنة الماضية.. لأول مرة احتفل به بهذا الشكل واشعر بطعمه.. شكرًا يا قلبي!
اقتطف من شفتيها قبلة اخيرة ثم قال:
- لن اتأخر.. انتظريني ولا تنامي.

--------------------‐-------
يتبع..
الفصل القادم سيكون يوم الأحد بإذن الله لأنني سأكون على سفر..

رأيكم بالفصل؟
قراءة ممتعة..

مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:17 AM   #9

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السابع

لا تخف من سماع جوابي..
انا احبك مهما طال الزمان..
مهما نفيت ستبقى انت الحب والجواب..
ستكون الشوق والحنين الذي يغتالني
والألم الذي يفيض منذ سنوات..
انت يا حبيبي من تمشي بين اعضائي
متنقلًا لتستقر في فؤادي
فتحتله بكل عنفوان لتنهي لي المسار..

--------------------------
الايام تمضي.. سريعة.. قصيرة.. وهي قابعة على جمر الترقب.. رومانسية محمد ساحرة تحلق بها عبر العصور لتشعرها انها ملكة الاناث من العصور القديمة.. وغيرته تثير بها الهواجس.. تعترف انه يحبها.. بل يعشقها.. فمن انتظر اربعة سنوات وأبعدها بهدوء عن حبيبها الاول دون ان يخبر عائلتها ويتسبب لها بفضيحة ليقترن بها فهو صدقًا يحبها..
للأسف هذه هي إحدى نقاط ضعفها.. تخشى ان يخبر عائلتها عن علاقتها السابقة بكريم.. والأهم والدها واخوتها.. وذلك يذعرها..

تنهدت وخوفها يسبح في غرف قلبها متنقلًا وهي تجلس امامه بينما والدتها تتحدث اليه.. يطمئن على وضعهم اذا كانوا بحاجة الى شيء بما ان السفر سيكون في صباح اليوم التالي.. تتمنى ان ترد وتقول آجل هي بحاجة الى الكثير.. بحاجة الى الإختلاء بنفسها.. بحاجة الى المزيد من الوقت.. هي ستنتقل الى مرحلة جديدة من حياتها..
كيف ستتعايش مع كل هذه الأمور؟..

حينما تركتهما والدتها لوحدهما تطلع اليها بعينيه المشتاقتين وقال بإبتسامة عابثة:
- تعالي وإجلسي بجانبي.. لماذا تهربين مني بجلوسك هناك؟

تبرطمت وهي تنفذ طلبه:
- احترامًا لوجود والدتي.. ولا يوجد فرق هنا او هناك.. والآن أخبرني اين كنت مختفيًا منذ الصباح؟ ذلك ليس من عادتك.

- كنت أوضب حقائب السفر ونقلت اغراضي لشقتنا.. ولكن لو تعلمين اي اشياء وجدت بينما أرتب ملابسي؟
هتف بعبث لتعقد حاجبيها بإستفهام فيردف وهو يمنحها غمزة وقحة من عينه:
- قمصان نوم! ولكن والله اطاروا بما تبقى من صوابي.. اشهد لك ان ذوقك في قمة الجمال.. احضرتِ الأشياء التي ارسمها في عقلي تمامًا.. حتى انني وضعت البعض منهم في حقيبة السفر خاصتي حتى ترتدينهم لي لاحقًا.

استشرست ملامحها بعنفوان لبؤة تود ان تهجم عليه من شدة الخجل ومن وقاحته.. هذا الوقح!!! كيف يرى ثيابها؟!!
زمجرت بعصبية والحمرة تنتشر لتستوطن خلايا وجهها.. ربما من الخجل او العصبية لا يدري!
- كيف تتجرأ وتعبث بأغراضي؟ هذه تسمى قلة ذوق.. لا يحق لك ان تعبث بأغراض غيرك اذا لم تحصل على الأذن.

صدقًا همت ان ترفع يدها وتصفعه لتخرس ضحكته الوقحة المثيرة للإستفزاز وهي تسمعه يرد عليها بضحكة سمجة:
- للعلم فقط هذه اغراضي وليست اغراضك يا قلبي.. اي انا الذي يجب ان اراهم واختارهم بنفسي.. ومن الأساس حبيبتي نحن لن نحتاجهم الا لبعض الاثارة لا اكثر ولا اقل.
واستأنف غامزًا:
- ولكن الحق يقال ذوقك نار!

- قليل ادب!
تمتمت بضيق ورغبة عارمة تسيطر عليها بالفرار من عينيه الخبيثتين.. فتشدق محمد بمزاح:
- وماذا عن الملابس التي احضرتيها يا حبيبتي؟ اليس قليلة ادب؟

احتقن وجهها من شدة الاحراج فغمغمت:
- كفى محمد.. اغلق هذا الموضوع.

هتف محمد بوقاحة وحدقتاه تسافران من حدود الى حدود عبر خريطة وجهها ليرسخها على مقلتيها الخجولتين.. آه متى ستصبح له!! لو تعلم ماذا تفعل به وهي تحمر بهذه الطريقة التي تسلب روحه وخفقات قلبه..
- تبدين في قمة الجمال حينما يسيطر عليك الخجل هكذا.. كالنبيذ شهية ومحرمة في نفس الوقت! لا تخجلي مني يا آلاء فأنا زوجك.

رمقته بنظرات اقرب الى الجنون ليقول سريعًا بينما يرفع يديه مستسلمًا:
- حسنًا حسنًا كفى.. يبدو انك غضبتِ فدعينا نغير هذا الموضوع.. ولكن اخبريني فقط كيف عرفت انني احب هذه الألوان؟
ابتسم بعبث وهو يراها تكاد تخرج النيران من عينيها:
- هل تسمحين لي ان ارى الملابس التي ستأخذينها معك فإذ كانت الملابس التي تركتيها هكذا فكيف التي ستأخذينها معك؟ كيف سيكون شكلها؟

- من الأفضل ان انهض لأنده امي!
هدرت آلاء بغضب ليقول محمد وكأنه يستفزها اكثر:
- اذًا دعيني اسرق من ثغرك قبلة لأُصبِّر نفسي بها وبعد ذلك افعلي ما تريدين لأنهم لن يسمحون لي ان اراك في العراق الا بعد الزفاف.

- أمي.. محمد يريد ان يراك.
صاحت آلاء بصوت مرتفع ثم اضافت بإستخفاف وهي تتطلع اليه بينما توثب عن مقعدها:
- دع قمصان النوم يفيدونك.

- لا بأس.. لم يبق الكثير حتى تصبحين بين يدي.. وحينها سأرى كيف ستهربين مني ومن سيسمعك حينما تندهين امي أو ابي.
هتف بوعيد وهو يزلف منها ليلثم خدها بقبلة ناعمة ثم اضاف:
- انا سأغادر الآن وسأراك غدًا.. اذهبي لتنامي ولا تفكري كثيرًا فغدًا سفرنا وبدأ العد التنازلي يا روحي.

*****************
اغمضت عينيها تستنشق عبير الوطن.. منذ فترة طويلة لم تزور ارضها.. منذ سبعة سنوات.. لم تتوسم جمال بغداد.. ولا ضجيج الشوارع ونسيم الأشجار..
تغلغلت الى اذنيها اصوات الرجال الشعبية فإبتسمت بشوق الى منزلها القديم والى اجواء العائلة وضحكات وكلام ومشاحنات افرادها.. اشتاقت الى غرفتها ومدرستها القديمة.. أيعقل ان تحن حتى الى حزن بغداد؟
نظرت حولها الى البنايات الجديدة.. الى الشوارع الجديدة.. اين هي بغداد العتيقة التي تركتها؟ اين هي الأرصفة التي كانت؟ لقد تغيرت وجوه الصغار الذين كانوا يعبثون ويلعبون في الضواحي فتملأ أصواتهم الشوارع وتزرع ضحكاتهم البهجة في القلوب..
آه لحنين بغداد.. اي كلمة تصف بغداد وجمالها؟ من يصف صوت عصافيرها.. ونعومة ازهارها؟.. بغداد هي السحر.. هي القوة والصبر.. هي الأناشيد والأساطير..
تفاقمت رغبتها وكأن التعب برح كل جسدها لترغب بالسير على شارع ابونؤاس الذي يطل على نهر دجلة.. ولنهر دجلة كلمات أخرى يُصعب التعبير عنها.. ذلك النهر الذي يقسم بغداد الى قسمين.. الكرخ والرصافة.. من لا يحن اليه ولا يحن الى شارع المتنبي وأمسياته الشعرية والى الكرادة والسمك المسكوف؟

إستقبال العائلة لهم كان مؤثرًا مبهجًا مليئًا بشوق السنين.. كسر القليل من إناء الغربة التي عاشوها طويلًا في اوروبا واراضيها.. ولكن رغم كل ذلك لا زال التوتر يتقلب على وسادة قلبها ليردعها من النوم بهناء.. خائفة من محمد وجراءته.. خائفة من كلامه الوقح عبر متن الطائرة.. خائفة ان تكون هذه مجرد نزوة ستزول ما ان ينالها ويجعلها زوجته وملكه وحده.. تخشى ان كل هذه المشاعر والشغف المتأجج يضمحل ما ان تمر الأيام..

حاولت ان تغلق عينيها.. وان تدع التفكير للغد.. ولكن عبثًا.. المكان جديد عليها حتى تنام به بكل سهولة.. وتفكيرها القلق لا يساعدها البتة.. هذه المرة لن تعود الى بيتها القديم.. ستعود الى شقته.. ستعود امرأة متزوجة ملكًا له.. لم تعد تلك الحرة التي كانت عليها.. لهثت انفاسها بعنف وهي تتخيل نفسها لن تنام بعد الآن الا بجانبه.. لن تستيقظ الا بوجهه.. لن تنام الا على همساته.. تصاعد الترقب والخوف في انحاء روحها لتحاول تهدئة نفسها بصعوبة.. ثم اخيرًا يرحمها جسدها وهو يتهاوى على السرير لتجذبها دوامة النوم اليها على الأقل لساعتين..

إستيقظت اخيرًا لتنزل الى الأسفل فتجد معظم اولاد العائلة جالسين.. القت تحية السلام عليهم باليد ليقول ابن عمها علي بمزاح قبل ان يجذبها الى حضنه ليضمها ويقبل رأسها:
- هل تعتقدين انك اصبحت كبيرة حتى اصبحت تسلّمين علينا هكذا وتخجلين منا؟ هل هذا سلام؟

لم تعرف ماذا ترد او ماذا تفعل حينما بدأوا بقية اولاد عمها يسلمون عليها بنفس الطريقة.. سيطر الإحراج عليها لتتطلع الى محمد وتزدرم ريقها بتوتر من ملامحه الغامضة.. ولكن هي تعلم نهاية هذا الغموض الظاهر على ملامحه..

نظر اليهم وكأن هناك احد يقوم بوضع فحم حار على قلبه وهو يرى عدد الرجال التي لمستها وحضنتها بينما هي كالغبية واقفة دون حراك.. ولكن الجميع يراقبهما ولا يستطيع ان يعبر عن رد فعل مناسب..
كوّر قبضته بعصبية شديدة ورغبة عاتية تسيطر عليه ليخطفها ويلقنها درسًا لا تنساه حتى تتجرأ وتسمح لهم مرة اخرى بالإقتراب منها.. لا زالت لم تتعلم على ما يبدو من الدروس السابقة.. والأدهى انه الآن يجلس كالمقيد لا يستطيع الإنفراد بها ولا يستطيع حتى ان يمنعهم من الإقتراب منها لأنهم ضيوف في منزلهم وسيقيمون احتفالات الزفاف في منزلهم.. مكبل بأصفاد شرسة.. وهذه القيود تكاد تقتله ولا طاقة له للتحمل..
وصل الى اذنيه ردها الذي لم يحد من غضبه اطلاقًا.. خاصةً وهي تضحك لهم:
- ذلك لا يصح.. انتم تحرجوني.. بالتأكيد انا كبرت وايضًا اصبحت عروس ويجب ان يكون السلام فقط باليد لا غير.

علّق رائف متفكهًا:
- اجل لقد غيرتك بلاد اوروبا واصبحتِ لا تسلمين علينا كما يجب.

اقترب علي منها مرة اخرى ليضمها ويقول بصوت عال:
- والله اشتقت لك.
ثم همس لها بصوت مرح لم يسمعه غيرها:
- سيقوم محمد اليوم بشوي البصل على اذنيك.

رغمًا عنها اطلقت ضحكة صاخبة فبالكاد سيطر محمد على نفسه حتى لا ينهض ويكسر لها ولعلي اسنانهما معًا..
همست آلاء غير منتبهة الى ما يدور في عقل زوجها في الوقت الحالي:
- ليس هو فقط.. انظر انت الآخر الى زوجتك.. ستجعلك تنام اليوم في الشارع.. انظر اليها لترى الشرارات التي تخرج من عينيها.

- لا تقلقي انا اعلم كيف أرضيها.
قال علي ضاحكًا لتتساءل آلاء بحيرة:
- لماذا تقوم بفعل بهذه التصرفات؟

- لا شيء.. فقط رغبت بالتأكد من جيناته الوراثية.. اخشى ان تكون أوروبا قد غيرته ودعته ينسى اصله ولكن حمدًا لله جيناتنا متأصلة بدمائه ومتينة جدًا ايضًا.. الآن اطمئننت عليك وتأكدت ان أوروبا لم تؤثر عليه.
همس علي وهو يتطلع الى تجهم محمد براحة لتهتف آلاء بغيظ:
- وكأن ذلك ينقصني حقًا! دون ان تتأكد اشعر انني متزوجة من رجل من قرية فلاحية وليس كأنه متربيًا في اوروبا!

- حمدًا لله! الآن انا مطمئن عليك.. لماذا هل تريدين ان تستمري بحريتك يا جميلة؟ يجب ان يأخذك أحد من العائلة حتى يصونك.. فتيات العائلة لا يأخذهن الغريب.
قال علي متفاخرًا لتمط شفتيها وتتمتم:
- اذهب الآن لترى زوجتك وانا سأرى محمد.. فعلى ما يبدو اننا سنسهر اليوم معًا في الشارع.. او ربما سيتم قتلنا معًا.

دنت من محمد بخطوات مترددة وحينما توقفت قدميها قبالته وقبل ان تجلس هتف بنبرة باردة:
- امشي امامي الى الحديقة.

- ما الأمر؟ عيب ان نخرج بينما جميعهم جالسين.
همست بنبرة منخفضة تود التهرب منه.. خائفة ان تقف برفقته فيغضب عليها.. خاصةً فيما يتعلق بغيرته تخاف..
من بين اسنان تصطك ببعضها البعض من شدة العصبية هتف بتهديد:
- الآن امشي امامي قبل ان اجذبك بنفسي امام عيونهم دون ان أكترث لأحد.

سارت امامه وخطواتها تتباطأ رغمًا عنها ثم اخيرًا وقفت قبالته وهي تحدق به بترقب سريعًا استهل بالإضمحلال حينما هدر بنبرة حادة:
- ما هذا الذي فعلتيه في الداخل؟ اليس لديك اي ذرة احترام لي؟ انت تعلمين جيدًا انني لا اسمح بهذه التصرفات فكيف تسمحين لهم ان يسلمون عليك بهذه الطريقة؟ وبل تدعين علي يعانقك امام الجميع وتقفان تتهامسان وتضحكان كأنكما عاشقان! هو يُعتبر غريب وذلك حرام فكيف تسمحين لنفسك بأحتضانه؟ انت لم تحترميني امام الجميع بسلامك عليهم وكلامك وضحكاتك مع علي وكأنك تعتقدين نفسك طفلة صغيرة.

استرسل محمد بإنفعال:
- كل تصرفاتك خطأ آلاء.. متى ستعقلين وتعرفين حدودك مع الجميع؟ اعرفي ما هي حدودك جيدًا وافهمي انك لم تعدي كما كنتِ قبلًا.. انت الآن زوجتي وانا محال ان اقبل ان تتنقل زوجتي من حضن الى آخر.. بإمكانك السلام عليهم اذا اردت باليد فقط.. اما عناق وقبلات فهذا الشيء ممنوع.. هل تفهمين ام لا؟

لا تصدق كمية الغضب الذي يزأر في مقلتيه! الا يبالغ قليلًا؟ فهؤلاء من افراد عائلتها كما من عائلته ايضًا..
- محمد ما خطبك؟ على رسلك قليلًا فهؤلاء اخوتي وانا تربيت معهم في نفس المنزل وهم يعتبروني أختهم الصغيرة.. لذلك لا يوجد حاجة لكل هذه العصبية!

حدجها بنظرات تشي بمدى جنون عصبيته قبل ان ينطلق مغادرًا الى الداخل لتزفر بوهن.. على ما يبدو ان الحزن في سبيله الى وصالها.. فمنذ اليوم الأول وها هي المشاكل تبدأ..
سارت خلفه ثم جلست برفقة فتيات العائلة مخفية تمامًا الضيق الذي يود ان ينهمر من مقلتيها.. الإختناق طوق عنقها وكأنه يلتف حوله بأغلال شرسة..
حرارة بغداد وترابها بالإضافة الى الدخان المتصاعد من سجائر واراجيل الشباب.. كل ذلك اخذ يطمس انفاسها بسبب مشاكل التنفس التي تعاني منها منذ سنتين..

رفعت نظراتها الى محمد لتجده اكثر من يدخن بسبب عصبيته.. بأنامل مرتعشة متعبة كتبت له "توقف عن التدخين"
وكأنها قالت له العكس تمامًا فبعنادٍ صار قبل ان يطفئ السيجارة يشعل أخرى جديدة.. طلبها منه كان سببها شعورها بالضيق في صدرها لا شيء آخر..
استمر الحال ليزرخ ثقل غريب لأول مرة تحس به فوق صدرها.. غمامة سوداء انتشرت حولها.. تسرب الوهن الى قدميها لتعجز حتى عن النهوض وهي لا تعلم لماذا من الأصل تود النهوض فالجو في الخارج لا يختلف عن الجو الكاتم في الداخل..

اشتدت شراسة سعالها لتسعل بقوة شديدة واللون الأزرق يسري عبر وجهها ليحتله فينتبهوا جميعهم اليها ويتساءلون بقلق:
- ما خطبك؟

انهمرت دموعها بذعر وألم واجابت بشفتين مرتعشتين:
- لا استطيع التنفس!

كان اول من دنى منها هو محمد ليحملها دون تفكير مسبق ويضعها بالسيارة في حضنه ليتبعه شقيقها ووالدها وابن عمها.. لم تشعر بذراعيه التي كانت تضمها بذعر من فقدانها ولا بصراخه على ابن عمه ليزيد من سرعته حتى يصلون المستشفى بسرعة.. لا! فقط اختنقت بعجزها لتبدأ بتذكر ماضيها وكأنها تودعهم.. فوضى مؤذية اضطرمت في صدرها فيحتد ضيقها واختناقها.. لم يصل بها الأمر مسبقًا الى الطوارئ.. كانت هذه المرة الأولى..
اغمضت عينيها منهكة ليحملها محمد مرة اخرى ويقف بجوارها بينما ينعشونها بالأوكسجين الى ان تحسن تنفسها وغادرها الإختناق اخيرًا.. ولكن قبل ان تغمض عينيها لتنام استنبطت اللوم الذي يرمقها به.. ومع ذلك صمتت كما فعل هو الأخر..

*******************
كرهت العودة الى وطنها الذي تعشقه.. كرهت هذه الأجواء وهذا الزواج.. كرهت كل شيء.. فمنذ البداية المشاكل تحدث بينها وبين محمد وشعورها بالإختناق من الطقس الحار المليء بالتراب وناهيك عن عدم استطاعتها النوم..
دلفت الى المطبخ حيت تجلس نساء العائلة لتقول عمتها أمينة:
- على ما يبدو ان موافقتك لبعض الناس فقط.. قبل فترة بسيطة تحدثت الى والدتك وقالت انها لا تزال صغيرة وتريد ان تنهي دراستها وبعد اقل من أسبوعين سمعنا انه تم عقد قرآنك.. هل اتفقتما معًا ام اننا لسنا ذات المستوى!

تطلعت آلاء اليها بعدم فهم.. عن ماذا تتحدث هذه بحق الله؟ سمعت خالتها ترد عليها لتصمت كحمقاء تنتظر ان يفهمها احد ماذا يجري..
- الرجل يحبها ووقف امام نصف العالم قائلًا يريدها.. ماذا تريدين منا ان نفعل؟ والأهم من ذلك هي ابنة عمه وابنة خالته ايضًا فكيف تريدينها ان ترفض وتقول له لا؟ الجميع يعلم انها له منذ زمن طويل.. ولكننا تركنا هذه الموضوع جانبًا الى أن آن اوانه.. واعتقد يا امينة ان هذا الكلام لا يصح قوله في هذا الوقت.

تجاهلتها امينة لتتطلع الى ابنة شقيقها وتردف:
- والله يا عمتي لو انك اردت ان تبقي مقيمة في الخارج لن نعترض.. كان سيخطبك ويقيم برفقتك في بلجيكا.. لن نمنعه، وانت في نفس الوقت تتابعين دراستك.

- لأول مرة ارى عمة تقوم بمعاتبة عروس لانها رفضت ابنها قبل زفافها بيومين!
تشدقت سميرة بنبرة قوية لتهتف والدتها:
- اعتقد ان هذا الموضوع تم اغلاقه مسبقًا.. فلماذا تتحدثين عنه الآن؟

- بما اننا رأيناكم سنتحدث عنه.
تمتمت امينة بغيظ لتقول الاء بضياع:
- عمتي انا لا افهم عن ماذا تتحدثين؟

- ما شاء الله حتى انهم لم يخبروك فكيف يقولون انك رافضة؟
هدرت امينة بغيظ مكتوم لترد عليها آلاء بتفهم:
- حتى لو اخبروني يا عمتي كنت سأرفض بالتأكيد لأن كلام والدتي صحيح انا لم اكن افكر بالزواج ولكن الطريقة التي طلب محمد مني الزواج بها مختلفة وعلى ما يبدو انني من نصيبه.

- اذ كانت امها موجودة وانا كذلك وتقومين بهذه التصرفات فماذا ستفعلين حينما نسافر وتبقى لوحدها معكم.
علقت سميرة بجدية وهي تحدج امينة بنظرات قوية فقالت الأخرى:
- عيب هذا الكلام.. هي ابنتنا ايضًا فماذا سنفعل بها؟ نحن فقط نتحدث لا غير.

انسحبت آلاء بهدوء لتجلس في غرفتها مع محاولاتها الفاشلة بالنوم.. تكاد ان تجن لتعلم من مِن ابناء عمتها طلب يدها للزواج.. ولماذا لم تخبرها والدتها؟
شهقت فجأة حينما قاطع سيلان افكارها اقتحام محمد لغرفتها ثم دون اي مقدمات جلس بجانبها وتساءل:
- لماذا لم تخبريني؟

بعينين واسعتين هتفت مصدومة:
- ماذا اخبرك؟ كيف دخلت الى الغرفة؟

اتسمت ملامحه بالوجع وهو يغمغم بينما لا تزال تفيض حدقتاه بالرعب من فقدان أمنية حياته التي جاهد كثيرًا لينالها:
- لقد ظننت انك حينما قلتِ توقف عن التدخين كان قصدك ان تعانديني او انك تشمئزين من رائحتها.. لماذا لم تخبريني؟ هل تعتقديني غريب عليك يا آلاء؟ كدت ان اموت من شدة رعبي عليك البارحة لاتفاجأ في المستشفى ان سبب تدهور وضعك الصحي واختناقك هو التدخين وسوء الطقس.

- لا اعلم! لقد ظننتك تعرف.
همست بنبرة واهية ليهدر بنبرة مختنقة بائسة وراحتيه تطوقان وجنتيها فتنهل حدقتاه من الإرتشاف من عذوبة وجهها المرهق:
- من اين سأعرف يا الاء؟ من اين سأعرف انك مريضة ولديك مشاكل بجهاز التنفس؟ هل تعلمين مقدار المي حينما اعرف فجأة ان وضعك الى هذه الدرجة حساس ومن الممكن ان تخرجي من حياتنا في أي لحظة!

صمتت واخفضت رأسها لتغور مقلتيها وتتلألأ الدموع في مقلتيها.. ليس بسبب كلامه بل لأنها تكره مرضها هذا بجنون لأن سببه كريم.. وليست لديها اي رغبة بمعرفة احدهم سبب مرضها هذا..
تنهد مرهقًا وكأنه ادرك انها لا تحب الحديث عن مرضها او تخجل منه:
- لا بأس حبيبتي.. انا فقط اود ان اعتذر منك.. واعدك انني لن اشرب السجائر ابدًا بوجودك.. اذا اردت التدخين سأفعل في الخارج.

تطلعت اليه واومأت برأسها ليبتسم بتوتر ويسألها بحنو:
- هل تشعرين بالتحسن الآن؟

- اجل.. حمدًا لله!
غمغمت بنعومة ليقول محذرًا بلطفٍ:
- جيد ولكن أعديني ان هذه هي المرة الأخيرة التي ستخبئين بها عني شيئًا.

منحته ايماءة بسيطة من رأسها وقبل ان يهم بالإقتراب منها وينتشل الشهد من ثغرها كانت سعاد ابنة خالتهما تدخل الى الغرفة وتصيح:
- ماذا تفعل هنا؟ أخرج قبل ان يراك احد.. كيف لا تخجل يا قليل الادب؟

تمتم محمد بغيظ:
- فقط اردت الاطمئنان على صحتها.

- وهل اطمئننتَ؟
تسائلت سعاد بحاجب مرفوع ليهدر بحنق:
- لا.. لم اتمكن لأنك دخلتِ.
ثم وقف واستطرد:
- انا مغادر الآن.

ضحكت سعاد بمرح وهي تتطلع الى آلاء بعد ان غادر محمد:
- هل قبلك ام ماذا فعل؟

- اخرسي سعاد وكفي عن وقاحتك وسخافتك! فقط اتى ليطمئن لا غير.. وهيّا اخرجي فأنا اريد ان انام.
زجرتها آلاء لتقول ضاحكة:
- حسنًا اذًا كان الأمر هكذا سأغادر لأراقب الوضع بجانب باب الغرفة حتى اطمئن ان كل شيء يسير على ما يرام وان الممنوعات لا تزال سارية المفعول.

******************
وقفت بجانب باب المنزل حتى تذهب الى الحديقة تنتظر محمد ان يأتي ليغادرا معًا للسلام على جدهما قبل ان يغادرا معًا ليتنزها قليلًا..
استدارت حينما فاجئها صوت ابن عمتها امينة الذي قال بهدوء:
- حمدًا لله على سلامتك.. كيف تشعرين الآن؟ يبدو ان الطقس لا يناسبك، اليس كذلك؟

- حمدًا لله انا بخير.. لا، ليس فقط بسبب الأجواء بل بسبب تدخين امس ايضًا.
اجابته وهي تتطلع حولها خشيةً ان يراها محمد تقف برفقته.. ليقول ضرغام:
- هذا غريب فوالدك ومحمد يدخنان.. من المفترض ان تكوني معتادة على هذا الشيء.

- صحيح ولكنهما يدخنان خارج المنزل فقط.
اومأ وهو يقترب خطوة منها متسائلًا بنبرة اثارت تعجبها:
- حسنًا.. لماذا رفضتيني؟

نظرت اليه ببلاهة وغمغمت:
- عفوًا؟ ماذا تعني بكوني رفضتك؟

- بماذا هو افضل مني؟ لماذا حينما انا طلبت منك الزواج قلتِ ان لديك دراسة بينما له لا ليس لديك اي شيء!
هتف ضرغام بغيرة مؤلمة.. لماذا وافقت ان تتزوج من محمد بينما هو الذي ارادها قبله رفضته.. لماذا؟
لم ترغب البتة ان يتم وضعها بموقف محرج كهذا.. فحاولت قدر الإمكان ان تتحلى بالهدوء وهي ترد عليه:
- انا لم اعلم غير اليوم.. وأعتقد ان الموضوع ليس موضوع مقارنة.. والأهم من ذلك كلامك الآن لن يغير اي شيء ولن يأتي بنتيجة.. فإذا كان هناك شيئًا يدور في عقلك من الأفضل ان تنزعه منه لأنني مثل اختك تمامًا.

- انتِ لست مثل اختي.. انت ابنة خالي.. وكل الذي اريد اعرفه هو سبب رفضك لي وقبولك بالزواج من محمد.
هتف بقهر لتزفر بضيق:
- لا يوجد سبب بل في الأصل لا يوجد موضوع حتى تعرف سببه.

- هل افهم من كلامك انكما تحبان بعضكما البعض ام ماذا حتى تستعجلان بالزواج هكذا؟ الأمر مثير للريبة حقًا ان تدوم الخطوبة فقط لثلاث اشهر.. لا بد ان هناك حلقة مفقودة، اليس كذلك؟
تمتم بتفكير خبيث فإتسعت عيناها من دناءة تفكيره وزمجرت بشراسة:
- انتبه الى الكلام الذي تتفوه به.. ماذا تعني بكلامك؟ ثلاثة اشهر، سنة، يومين... كل ذلك لا يفرق ولا يؤثر.. والأهم من ذلك انه ليس من شأنك.. اما بالنسبة لسؤالك اذا كنا نحب بعضنا البعض ام لا فبالتأكيد نحب بعضنا.

استدارت فجأة على صوت محمد الصارم الذي وفاها وهو يلقي على ضرغام نظرات تفيض شراسة وغيرة لتسترط ريقها:
- اظن ان الجواب قد وصلك.. بالأضافة الى كونها كأختك، اليس كذلك يا ضرغام؟

لم يتمكن ضرغام من اخفاء الحقد والغيرة التي تسربت من حدقتيه وهو يرى هذا الرجل الذي سرق منه الفتاة التي تمنى ان يتزوجها منذ سنوات طويلة..
- بالتأكيد هي كأختي.. على اي حال مبارك لكما.. فلولو تستحق كل الخير.

ارتفعت يد محمد لتحيط بخصرها وتقربها اليه وقال بينما حدقتاه تتمهلان بالنظر الى ضرغام:
- هيّا لنغادر يا لولو.. فهناك الكثير من الأغراض التي يجب ان نذهب لشرائها.

فور ان صعدت بالسيارة الى جواره غمغمت:
- محمد انا لم اكن اعلم بهذا الموضوع غير اليوم

- اعلم ذلك.
اجابها بإقتطاب لتتساءل بحيرة:
- كيف علمتَ؟ من اخبرك؟

- امي اخبرتني.. والآن انت مريضة ومرهقة فلا تشغلي رأسك بهذا الموضوع.
هتف بهدوء لا يتماشى مع الرغبة البدائية التي تسيطر على جسده ليذهب ويحطم وجه ضرغام.. الجميع صار يريدها لأنه يريدها له.. والله لو كان النفس الأخير في حياته لن يدعها تكون لغيره.. آلاء ستكون له وحده لتشعل بجنونها هدير قلبه.. ستكون كالجمر الذي يسلخ قلبه بسياطه لتفاقم من جنونه تشبثه الطفولي العنيد بها.. رغم كل ما حدث وكل ما سيحدث ستبقى له لأنها قدره المحتوم الذي لا مفر منه..

*********************
فوضى مبهجة تسيطر على الأجواء.. الجميع منشغل بالتحضير لحفل الزفاف.. حتى انها لم ترى محمد منذ ان خرجا معًا اخر مرة.. ولكن ها هو الفرج قريب فاليوم حفل الحناء خاصتها وعيون النساء كلها تتأملها..
حينما اعلنوا عن دخوله توقف قلبها كالطير الذي يود ان يطير مسرعًا حتى يعرف النتيجة ويعود الى صاحبه فتطلعت اليه محاولة ان تستنبط رأيه بما ترتدي.. ولم يكن هناك اي حاجة لتحاول ان تجهد نفسها والجميع يبصر بالوميض الساحر الذي غلف حدقتيه وهو يتأملها..

زلف منها مسحورًا مأخوذًا وخفقات قلبه تكاد تصم اذنيه من الصخب الذي يدوي في اعماقه.. آه من الشوق وعذابه! كيف سيصبر بعد؟
ترتدي الذهبي لعينيه وهي لا يناسبها الا الذهب ليلتف على جسدها كله.. ساعدته والدته وهو يزينها بالذهب فتتسارع انفاسها توترًا وخجلًا من عذوبة نظراته التي تتطلع بتمهل شديد على كل انش بها..
همست آلاء بوهن لا ارادي:
- كفى محمد.. لا تنظر الي بهذه الطريقة!

استهلت يده برسم الحناء على راحة يدها وغمغم بصوت اجش متخم بالعاطفة التي تثير العجز:
- لا استطيع! لا استطيع ان اتحكم بنفسي.. والأهم انني لا استطيع الإقتراب منك كما اشاء.. حتى القبلة هنا يحرمونني منها.. ممنوع وعليك ان تصبر الى ما بعد الغد.. آه ليلعنهم الله على الذي يفعلونه بي.
ثم اردف بجدية والعزم يفرض سلطته على ملامحه:
- ولكن لا! اليوم سأراك بعد الحفل.. وانت ممنوع ان تغيري اي شيء من ملابسك او من مظهرك.. هل تفهمين؟

- لماذا؟
تساءلت دون ان تتجرأ وتنظر اليه فقال بهدوء قبل ان يغادر:
- ستعلمين فيما بعد.

بعد عدة ساعات انتهت الحفلة فصعدت الى الحمام لتأخذ حمامًا سريعًا وتبدل ثيابها الى ملابس مريحة.. اجل تعلم انه طلب منها ان لا تغير ملابسها ولكن الفستان متعب وهي لم تصدق ان ينتهي الحفل حتى تنزع ذلك الفستان الثقيل وتغسل زينة وجهها.. ستجد عذرًا لتقوله له فهي حقًا مرهقة..
فتحت باب الحمام لتخرج فإرتدت خطوة تلقائيًا الى الوراء حالما وجدت محمد قبالتها.. مجرد نظرة سريعة هي ما القاه عليها قبل ان تستولي قبضته على يدها ليجذبها خلفه الى غرفة عمها وزوجته ثم اغلق الباب..
شهقت آلاء مذبهلة من جراءته:
- ماذا تفعل؟ سيرانا احد.

- لماذا لا تسمعين الكلام الذي يقال لك حبيبتي؟ الم اخبرك ان تبقي بفستانك والمظهر الذي رأيتك عليه؟
هتف بحنق شديد لتغمغم بإرتباك:
- اردت ان افعل ما طلبت مني ولكنني شعرت بالخجل من جدي والشباب كلها تجمهرت في الأسفل.. وانت ايضًا تأخرت.

- انا تأخرت، اليس كذلك؟
هدر بخشونة قبل ان يحني رأسه ليقبلها بخشونة التوت لها احشائها.. لم تكن قبلة بقدر كونها عقاب.. وهو فعلًا يود ان يعاقبها لأنها لم تدعه يشبع من الجمال الذي رأه.. لم تلبي رغبته الذي جلس وسط الرجال على نار ملتهبة ينتظر ان ينفذها..
التفت يداه حول خصرها ليقربها اليه اكثر دون ان يرأف بثغرها ولو لثانية.. الحسرة تكدست وطأتها في صدره لتزداد قبلته عنفوانًا لأنها حرمته من اجمل احلامه.. الحلم الذي لاحقه لسنوات طويلة.. حلمه بأن يراها تُحَن لأجله ويتأمل جمالها لساعات لا تُحصى.. كانت امنيته القاسية هي وهي حطمتها له بقسوة اكبر..

لم يود ان يعتقها ويبتعد عنها.. لا زال لم يثأر لرغبته المؤلمة بأن يجعلها تزين قلبه بجمالها.. لم تهبه ما تمنى..
ولكنه اضطر ان يبتعد عنها ما ان دفعته بعنف وهي تهدر:
- هل جننت يا محمد؟ ما الذي تفعله؟

- اريد ان ابارك لك.
همس بصوت اجش ومشاعره لا تزال تعبث بجسده لتنجلي على خضار حدقتيه الداكن.. فغمغمت بصعوبة وصدرها يرتفع وينخفض امام عينيه الشغوفتين:
- ستبارك فيما بعد.. الآن فقط أخرج لتدعني انا ايضًا أخرج من هذه الغرفة.

- سأراك مساءًا بعد ان يخلد الجميع الى النوم.. هل تفهمين؟
هتف بتهديد ثم غادر دون ان ينتظر جوابها لتسند جسدها بوهن على الجدار.. رفعت يدها لتضعها على قلبها عسى ان تهدئ من الجنون الذي يحدث به.. تشعر انها ستنهار من شدة الرعب الذي تغلغل حصونها.. هذا الرجل لا بد انه قد فقد عقله ليقوم بهذا الجنون في غرفة عمها دون ان يأبه بأحد..
انتظرت قليلًا ان تخمد الحرب التي احدثها محمد في صدرها ثم خرجت مسرعة من الغرفة لتجلس مع العائلة.. وحمدت الله كثيرًا انها لم تجده في الأسفل..

انتفضت روحها مع الصراخ الذي وصل اذنيها وهي ترى شقيقها الكبير يتهاوى على الأرض بعد ان سقط من سطح المنزل الى الأسفل بسبب الكهرباء التي ضربت جسده.. تطلعت اليه مصدومة وهي ترى شحوب لونه والدماء التي احاطت جسده..
كلمة لا انبثقت من روحها قبل ان تشق دربها الى حلقها.. كيف؟ كيف سقط؟ نظرت اليه بعينين عاجزتين والدموع تسيل منهما بألم.. رأت تخبطهم بمحاولتهم حمله لأن من الواضح ان الكسور التي هشمت عظامه كثيرة.. هل هذا يعقل ان تتم كل هذه الاحداث الكئيبة بهذه السرعة؟ صراخها وصراخ النساء زادها عذابًا لتسير ذهابًا وايابًا كمن فقدت عقلها..

كادت ان تفقد عقلها حينما غادروا به بعد ان تمكنوا من حمله بينها هي تجلس حالها كحال النساء تنتظر خبرًا يطمئنهن عليه.. لم يعود احد منهم الا مساء اليوم التالي والأرهاق قد بلغ منتهاه منهم.. نظرت اليهم بشحوب.. بألم.. هل هذا هو حال عروس زفافها في الغد؟ ما هذا الزفاف المشؤوم الذي لم يبق مصيبة الا وحدثت به؟

عرفت انهم بالكاد وجدوا احد المستشفيات ليستقبلهم فكل مستشفى يذهبون اليه يرفضون استقباله قائلين "هذا الرجل ميت.. لا نستطيع ان نساعده بشيء" ومستشفى آخر يقول "لا يوجد لدينا كهرباء لنجري له عملية" وهكذا... حتى تمكنوا اخيرًا من الاتصال بمعارفهم في ساعات الفجر الأولى فأستقبلهم طبيب ما ووافق ان يدخلوه الى غرفة العمليات بفضل الله بعد معاناة طويلة..
شقيقها محمود لا يزال في بداية شبابه.. صغير على كل ما حدث له.. بكت بجنون حينما عرفت مقدار سوء حالته والكسور والرضوض التي دمرت جسده..
الجميع اخذ يحمد الله انه تمكن على الأقل من الخروج من هذا الحادث المرعب على قيد الحياة..

كادت ان تجن حرفيًا حينما سمعتهم يقولون:
- حمدًا لله هو بخير الآن.. وغدا سيتم الزفاف.. لن نؤجل اي شيء لأننا سبق وبعثنا للناس دعوات الحضور وحجزنا القاعة.. وهو بخير وغدًا سيخرج من المستشفى ليتابع علاجه في المنزل او يعود الى بلجيكا ليتلقى علاجه هناك.

- مستحيل ان اتزوج وشقيقي في المستشفى يصارع الموت.. وانا اعلم انكم تكذبون علي.. بالتأكيد هو ليس بخير ولكنكم لا تودون الحديث.. وتريدون مني ان استمر بالزفاف؟ ذلك مستحيل! هل تسمعون؟
هدرت آلاء بعصبية شديدة ليتطلع اليها محمد بحنو ويغمغم بتفهم:
- أقسم بالله ان وضعه الصحي تحسن.. وحمدًا لله وضعه الآن مستقر ولا نستطيع تأجيل حفل الزفاف.

- مستحيل! لن تزوج وشقيقي راقد في المستشفى.
هتفت بعناد رافضة ان تسمعه لتحيط اصابعه بيدها بقوة رقيقة ويهمس بلطف:
- آلاء دعينا نتحدث في الخارج.
ثم نظر الى الجالسين واستأنف وهو يجذبها الى الخارج:
- عن اذنكم.

قال محمد بهدوء بعد ان توقفا في الخارج:
- الاء لا يصح الذي فعلتيه في الداخل.. لا يصح ان ترفعين صوتك امامهم.. انا متفهم وضعك واشعر بالقهر على محمود بقدر تمامًا.. ومنذ البارحة وانا برفقته في المستشفى لأنك تعلمين انه بالنسبة الي كشقيقي غياث تمامًا.. لا فرق بينهما.

تطلعت اليه بنظرات شرسة.. منذ يومين والنوم يجافيها بسبب رعبها على شقيقها.. هي تشعر بالأنهيار وهو جل ما يهمه هذه الزفاف اللعين!.. دون ان تشعر انفلتت اعصابها من عقالها لتهدر دون تفكير:
- انت فقط تريد ان تتزوج.. ولا يهمك اي احد غير نفسك وانانيتك.. تريد ان تفرغ شهواتك الحيوانية وجنونك فقط لا غير.. لو ان شقيقك غياث كان مكان شقيقي محمود كنت أجلت كل شيء حتى تبقى معه وتطمئن عليه.

كلماتها جرحته في الصميم.. اصابت الهدف واخرجت كل عصبيتها السوداء وسمومها الحاقدة من جسدها بأكثر طريقة مؤذية له ولها!..
إستولت اصابعه بقساوة على معصمها ليكاد ان يحطمه بين قبضته وهو يزمجر بوعيد اذعرها:
- لن أرد عليك الآن.. ولكن غدًا سوف افعل وسأدعك ترين ماذا سيفعل هذا الحيوان الذي لا يهمه غير نفسه.

----------------------------
يتبع الجمعة..

اعتذر على التأخير..
ان شاء الله سيزداد عدد الفصول في الأسبوع الى فصلين..

رأيكم بالفصل وتوقعاتكم بالنكد العظيم الذي في طريقه اليكم..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 09:18 AM   #10

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثامن

يغتالني الحزن..
يتمشى في عروقي مغتالًا جبارًا..
شامخًا مغوارًا..
دون هوادة يحرقني..
يوهن ثباتي ويهيج ندوبي..
يحبني الحزن..
يحبني حبًّا جمًا..
وكأنه عاشق يتنفس في صراخي..
يهيم بدموعي ويهوى جروحي..
الن يتركني الحزن؟
اتوسله.. ارجوه..
ولكنه يقر بأنانيته بعدم تركي اطلاقًا..
فعنائي سر بقائه..

-----------------------
ماذا فعلت؟ كيف تلقي هذه الكلمات المجنونة في وجهه دون ادنى تفكير؟ بمن ومن يتوجب عليها الآن ان تفكر؟ هل تفكر بالجريمة التي سعت اليها بحق نفسها ام تفكر بشقيقها التي لا تعلم ما هو مدى سوء حالته الصحية؟
جلست في حديقة المنزل تتطلع الى السماء بعينين ضائعتين.. السماء صافية تبعث الطمأنينة في النفوس ولكنها لها فقط كان عكس ذلك..

بعد ساعة ولجت الى المنزل لتجده جالسًا في الصالة يدخن كشيطان مرعب..
بخطوات متريثة سارت نحوه وهي تبصر الجحيم يتقافز في عينيه.. ثم جلست بجانبه وغمغمت بصدق:
- محمد انا اعتذر منك.. لم اقصد قول ذلك الكلام ولكنني كنت غاضبة وخائفة وايضًا قلقة.. وحتى هذه اللحظة لا ازال مرعوبة بسبب سقوط محمود امام نظري.. انا لا اعلم حقًا كيف قلت ذلك الكلام.

- اصعدي الى غرفتك.. لا اود سماع اي كلمة منك الآن.
قال بجمود دون ان ينظر لها فتمتمت بيأس:
- والله لم اقصد ذلك!

- لا اود ان اعيد الكلام.. اغربي عن وجهي الآن وغدًا ستفهمين كيف تتجرأين وتقولين ذلك الكلام!
هتف بنبرة خطيرة جعلتها رغمًا عنها تهرع الى والدتها كطفلة صغيرة مذعورة لتنام بين ذراعيها..
تنهدت بضيق جثم على حنجرتها.. لا تستطيع ان تخبر والدتها فمصيبة شقيقها تكفيها.. لم يكن امامها اي خيار الا التقاط هاتفها لترسل له رسالة لا تعلم اذ كانت ستجدي نفعًا..

"محمد والله اعتذر عن الكلام الذي قلته.. كانت لحظة غضب وجنون وايضًا خوفي على شقيقي جعلني عصبية جدًا ودون ارادة مني نفثت عن غضبي بك.. اعلم انك محق برد فعلك ولكنني والله لم اقصد ان ازعجك واحزنك وايضًا قبل زفافنا بيومٍ.. رجاءًا انسى ذلك الكلام لأن غدًا سيكون اهم يوم في حياتنا.. اقسم لك انني نادمة وغاضبة من نفسي بسبب ذلك الكلام.. انا اسفة"
انتظرت طويلًا رده حتى وفاها النوم في ساعات الفجر الاولى.. ولكنه لم يرد عليها على الرغم من كونه قرأ الرسالة..

*******************
يوم الزفاف..
تصاعدت اصوات الهلاهل والزغاريد فإستيقظت مرغمة مبكرًا لتعد نفسها وتنزل الى الأسفل..
دلفت الى المطبخ لتعد لنفسها الفطور فإرتبكت حينما وجدت محمد جالسًا لوحده يتناول الفطور..
القت تحية الصباح بنبرة خافتة ليتجاهل الرد عليها ويتجاهل وجودها كله..

- محمد!
غمغمت بإعتراض ودلال وهي تمد شفتيها الى الأمام فتطيل من حروف اسمه..
هتف محمد دون ان يرفع رأسه عن الطعام الذي امامه او ينظر اليها:
- اذهبي آلاء الى صالون التجميل.. يومك سيكون طويلًا وبعد ذلك سيتم الحساب!

- ولكنني أتيت لكي...
قاطعها هامسًا بنبرة عصبية بثت الرعب في اوصالها خاصةً حينما رفع عينيه الناريتين اليها:
-آلاء!! اذهبي الآن وبعد ذلك سيكون هناك الحساب.. الآن ليس وقت الكلام.

لم تحاول مرة اخرى وهي تفر هاربة من امامه.. مخيف بجنون! كيف ستنفرد به هذه الليلة وكيف سيعاقبها؟ بل كيف ستصبح زوجة لرجل مثله؟
اختنقت اكثر ورغبة اشد سيطرت عليها لتجهش ببكاء عنيف.. مذعورة يا الله وليست جاهزة بعد لتصبح امرأته.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستكون في يومًا جاهزة!!

بعد عدة ساعات..
في صالون التجميل..
وقفت تتطلع الى نفسها بعينين مذبهلتين.. كانت كإحدى الأميرات فعلًا.. فستانها الأبيض يلتف حول جسدها الناعم كالحرير.. مفتوح الظهر ويكشف القليل عن صدرها.. وشعرها رفعته الى الأعلى بتسريحة ناعمة زادت من جمالها بتاج فضي..
خرجت بإبتسامة مرتجفة لتقف قبالة والدتها وابن خالتها وشقيقة محمد الكبرى..
"ملاك.. ما شاء الله!"
هذا التعليق الوحيد الذي خرج من افواههم قبل ان تنهمر الدموع من مقلتي والدتها بتأثر شديد..
دنت منها الاء بسرعة لتضمها والدموع تركض الى عينيها فتستوطنهما..
- اجل ابكي يا امي حتى ابكي انا الأخرى.. كل ما احتاجه الآن ان يبكي احد لأبكي برفقته.

ضحكت جميلة برقة وهي تمسح دموعها:
- لا ممنوع ان تبكي اليوم.. انتِ عروس ولا اريد ان ارى غير الابتسامة على وجهك.

- امي كيف حال محمود؟
تساءلت آلاء بألم لتخرج والدتها هاتفها وتقوم بالإتصال فيديو بمحمود.. ثوان معدودة فقط وكان يوافيها صوته المرهق لتنهار كل حصونها وتسيل دموعها مدرار على خديها..
ابتسم محمود بوهن وأنّبها بمرح:
- لا تبكي يا حمقاء.. سيضطرون الآن الى اعادة وضع الزينة على وجهك واخشى ان لا يعيدوه لك كما الاول.. انت الآن تبدين ملكة!

ضحكت ثم تساءلت بحزن:
- هل انت بخير؟

- اجل بخير، لا تقلقي.. بضعة ايام وسأعود مثل القرد.. ولكن ماذا بوسعي ان افعل؟ هذه ضريية من يزوج شقيقته.. ها انا ذهبت صدقة عنكم.

- لا سامح الله يا عمري!
غمغمت بسرعة ليقول محمود:
- كفى الآن واغلقي المكالمة.. وافتحوا لي الكاميرا بشكل مباشر في القاعة.. لا تعتقدي اذا كنت بالمستشفى لن ارى شيئًا او احضر حفل الزفاف...
ثم نظر اليها مليًا وهتف بعبث:
- الا تعتقدين انك اخرجتِ من مفاتنك اكثر مما ينبغي؟ على الأقل تحلي بالصبر حتى المساء فنحن نريد ان يتعب محمد قليلًا.

زجرته الاء بخجل وحنق لينهي المكالمة سريعًا فتتمتم بغيظ وهي تنظر الى والدتها:
- ابنك قليل ادب يا أماه.. من يصدق انه راقد على فراش المستشفى والبارحة فقط خرج من الموت ويتحدث بهذه الوقاحة!

******************
في منزل العائلة..
ارتجفت اناملها لتلقي القدر الذي يحوي على قطع صغيرة من الكعك على احدى الفتيات اللواتي بجانبها حينما اعلنوا عن دخول الرجال.. تقلص بطنها بألم شديد وانقبض قلبها بقوة وهي تراهم برهبة يتجهون نحوها..
ها قد انتهى وقت المرح واستهل وقت الجد.. ها هي تودع حياتها السابقة بهذه الوجوه، والأهم بذلك الوجه الذي تخشاه.. محمد...

اول من قبل رأسها كان والدها لتتعاظم الرهبة في داخلها..
- مبارك لك يا ابنتي.. كبرتِ واصبحتِ امانة لدى شخص اخر.. ولكن يجب ان تعلمي ان بيتي سيبقى مفتوحًا لك في اي وقت وفي اي دقيقة.. زواجك لا يعني اننا سنتركك.. لا ابدا! انا واخوتك سنكون موجودين لأجلك في اي وقت.. انتبهي الى منزلك والى نفسك وزوجك.. الآن انت مسؤولة عن منزل وزوج وانا واثق انك ستتمكنين من تحمل هذه المسؤولية.

قبّل رأسها مرة اخرى ثم امسك يدها ووضعها بيد محمد وأردف بجدية:
- آلاء امانة لديك.. ممنوع ان تحزنها في يوم من الايام.. انا اعطيتك عيني التي ارى بها.. اعطيتك شمعة بيتي التي تضيئه بنورها فحافظ عليها وإياك ان تطفئها وانا واثق بك وواثق انك ستحافظ عليها.. اعطيتك جوهرة لا امنحها لأي شخص ولكن حينما وقفتَ امام منتصف العالم وقلت انك تريدها لم ابخل عليك ودون تردد اعطيتها لك فلا تجعلني اندم في يوم من الأيام على هذا الشيء.

نظر محمد اليها بملامح غير مفهومة وقال بهدوء:
- لا تقلق عمي.

- هذه امانة يا محمد.
ردد والدها بتحذير فطمئنه محمد، مغمغمًا:
- لا تقلق يا عمي.. ان شاء الله سأحافظ على هذه الأمانة.

اومأ والدها ثم عاد الى الخلف ليتطلع محمد اليها للحظات قبل اني يحني رأسه ويقبل اعلى رأسها ويقول بنبرة هادئة تواري تأثره:
- تبدين ساحرة الجمال.. مبروك!

اجابته دون ان ترفع رأسها ليدنو منهما والده ويبارك لهما ثم يقوم بتوصيته هو الأخر عليها يليه بقية اعمامهما واخوالهما..

- ما خطبي انا؟ من سيقوم بالتوصية علي؟ اشعر انني يتيم هنا.. الجميع يقوم بالتوصية عليها فقط وانا لا احد يلقي بالًا لي.
هتف محمد ضاحكًا لتتعالى ضحكاتهم ويقولون:
- لأنك انت الآن المسؤول عنها فيجب ان نوصيك عليها.

هتف الجد بصوته الرزين:
- انا لن اقول حافظ عليها لأنني على يقين انك ستفعل ولكن سأوصيكما على بعضكما البعض وأوصيك على محمد يا ابنتي.
ترسخت حدقتاه على آلاء وتابع:
- حافظي عليه يا آلاء واعتني به جيدًا لأن منذ قدومكم وانا ارى السعادة في لمعة عينيه حينما يراك.. عيناه تفضحانه وتفشيان بحبه الكبير.. لذلك اعتنيا ببعضكما البعض.

زفر محمد بمرح:
- حمدًا لله اخيرًا احدهم قام بتوصيتها علي ولم اعد ذلك اليتيم.

تعالى صوت ضحكاتهم مرة اخرى ثم خرجوا ليتوجهوا الى القاعة.. وقف محمد مكانه ليتطلع بعدم رضى الى ما ترتديه.. ذلك الفستان الأبيض اللعين ما باله يفضح اكثر مما يخفي؟ لو كانت ترتديه له لوحده ما كانت سيعترض ولكن امام جميع العيون...!!!

كتم غيظه ثم انزل طرحتها الطويلة لتغطي وجهها وظهرها ومقدمة صدرها ثم تمتم بحنق:
- وجودها كعدمه ولكن لا استطيع الإعتراض!

ثم مد لها يده فوضعت يدها بها وخرجا والاحساس بالفقدان يملأ فؤادها.. شقيقها في المستشفى بينما هي تتزوج!! هل هناك تعاسة اكبر؟
ترقرقت الدموع في عينيها والإحتراق يشتد حرارة قي قلبها.. هذه هي اخر لحظات حريتها.. تودعها كمن تلتقط انفاسها الأخيرة.. انها النهاية ولكل نهاية بداية؟...

********************
إرتفع صوت الموسيقى ليضعوا اغنية خاصة بالعروسين.. يده احاطت بخصرها ليحركها بخفة وسلاسة.. الآن فقط هو بقادر ان يتأملها كما يشاء.. ان يحتسي من خمر جمالها قبل البدء بليلتهما الخاصة..
بدت جميلة بشكل مؤلم.. اكثر مما يتمنى ان تكون لأجله.. يعشق جمالها ولكن هذا الجمال يؤرقه.. يخيفه.. يجعله يغار بجنون..

هي انثى بحق.. امرأة فاتنة على الرغم من ملامحها الطفولية.. ماكرة ساحرة تجيد العبث.. لسانها طويل وربما اطول منه هو شخصيًا.. متهورة مجنونة لا تلقي بالًا لأحد.. والأهم صغيرة تخشى العقاب.. تضحكه بتوترها وتغضبه بتهورها.. فما الحل مع هذه الأنثى؟

تنقلت نظراته من مكان الى آخر في محراب وجهها وفي كل مكان يثمل اكثر وكأنه يضاعف الجرعة.. يذوب وينصهر والشوق يهلكه..
تلكأت عيناه على شفتيها فهمس باللغة الهولندية حتى لا يفهم احد ماذا يقول:
- أرغب بسرقة قبلة من ثغرك.. منذ رأيتك وهذه الفكرة تداهم رأسي.

إتسعت عيناها بذعر وبصدمة من تنفيذ هذا الجنون وقالت بعدم تصديق:
- محال ان تفعلها هنا وامام كل هذه الناس.. نحن ليس في بلجيكا حتى تفعل ذلك.

- لا يهمني.. بلجيكا ام العراق نفس الشيء بالنسبة الي.. وانت امرأتي.. هل يجب ان احضر لهم اثبات ليقتنعوا؟ وانت تعلمين اذا اردت ان افعل شيئًا سأفعله حتى لو كان اكبر شخص موجودًا.
هتف بجدية تامة لتهز رأسها بنفي واستنكار:
- لا لا محال ان تفعلها.

- هل انت متأكدة؟
ارتسمت على شفتيه ابتسامة وقحة لتتطلع اليه بتركيز وهي واثقة انه لن يفعلها ويقوم بتقبيلها في القاعة امام كل هؤلاء الحضور..
ازداد اتساع عينيها حينما ارتفعت يده عن خصرها ببطء ليضعها خلف عنقها ودون اي مقدمات قبّلها.. امام أجدادها.. اعمامها.. اخوالها والضيوف جميعهم دون ادنى ذرة خجل!

لم يبالي بالنظرات المصدومة فطالت القبلة وامتدت لعدة دقائق.. ثم اخيرًا رفع رأسه ليتطلع الى الاحمرار الذي غزا وجهها واعلى صدرها فضحك وهو يسمع صوت صفير الشباب وتصفيق الحضور وهتافهم..
غمز محمد لها بعبث وتساءل:
- ما رأيك، هل افعلها ام لا؟

طأطأت دون ان تمنحه اي رد.. تتمنى الإختفاء عن عيونهم جميعهم من شدة الخجل والإحراج.. تتمنى ان تصفعه مرارًا وتكرارًا عسى ولعل يتوب عن وقاحته هذه.. رباه كيف تنظر اليه الآن والى الحضور.. كيف ستفعل يينما يسيطر الخجل عليها؟

قعدا في ركن خاص بالعروسين مزين بالأزهار والبالونات البيضاء والحمراء بينما بدأ الناس في تناول طعامهم..
تساءل محمد بهدوء:
- هل انت جاهزة اليوم؟

- جاهزة ل ماذا؟
غمغمت بعدم فهم ليهتف بعبث:
- ليلتنا.

- بالتأكيد لا.. اليوم لن تحصل على اي شيء.
قالت بسرعة ليرتفع حاجبه بتهكم:
- هل انت متأكدة؟

تطلعت اليه بعمق.. صعب جدًا فهم مشاعره.. ملامحه كلها مخفية غير واضحة.. عينيه لغز عليها فك شفراته حتى تفهم القليل فقط مما يدور في عقله..

بصعوبة شديدة ابتلعت ريقها.. على ما يبدو انه لا ينوي خيرُا وذلك يقلقها.. اعتقدت انه لن يدنو منها الليلة بسبب غضبه وضيقه ولكن كلامه يبدو العكس تمامًا..
لم تنبس ببنت شفة ردًا عليه ليبتسم بإنتصار ويتساءل بمكر اقرب الى الإستمتاع:
- هل تسمحين لي بقبلة ثانية بما ان الجميع الآن شاغله الوحيد هو الطعام ولا احد منتبه الى ما يجري بيننا؟

ادارت وجهها عنه تتقصى بعينيها عن احدى الفتيات لتعتقها من وقاحتة وعبثه بأعصابها..
وتهللت اساريرها حالما دنت منها ابنة خالتها بعد ان رفعت لها يدها تشير اليها بالإقتراب فعلّق محمد ساخرًا:
- لنرى بعد قليل من سيأتي.

وكأنها تحتاج ان يرعبها!! ما يدور في قلبها بكل قسوة يقتلها فما باله يفاقم من حدة خوفها؟
همست لها انها تود الذهاب الى الحمام فساعدتها الأخرى بحمل فستانها الثقيل واخذتها الى الحمام بينما عينيه تراقبانها بملامح مبهمة..

خارت قواها وهي تلقي بجسدها على جدار الحمام.. الوجع بدى كالسرطان وهو يزحف بخبث الى كامل جسدها.. خائفة حتى اليأس.. الأمان التي شعرت به لوهلة فرّ هاربًا ليترك لها خوفها يعاقب روحها..
بتنهيدة حارة ابجست القليل من شرارات قلبها المحترق ثم عدلت زينة وجهها وعادت اليه وهي تحس انها على حافة الإنهيار وفي اي دقيقة قد تتهاوى الى قعر الهاوية..

- تبدين اليوم كالملاك.. منذ ان رأيتك وانا ابحث عن تعبير او وصف مناسب لمظهرك ولم اجد غير الملاك!
قال بعد ان جلست بجواره فلم تطاوعها شفتيها وتبتسم بينما ترد:
- شكرًا وانت ايضًا تبدو وسيمًا.

إبتسم بخفة وهو يتأمل ملامح وجهها الناعمة قبل ان تنزل عيناه الى عنقهل ومقدمة صدرها المكشوفة فتلتهب احاسيسه شوقًا..
قام محمد بالنداء على شقيقه وأعلن عن مغادرتهما.. وهنا انتهى وقت الإنتظار واستهل وقت الحساب.. حساب شوق السنوات.. حساب البعد والجفاء.. وحساب طعنها لكرامته كرجل...!

*********************
في الفندق وغرفتهما تحديدًا..
توقفت قبالته بساقين كالهلام وجسد مرتجف.. قلبها يتخبط داخل ضلوعها بعنف..
غادرت والدتها ووالدته بعد ان قامتا بإلقاء محاضرة طويلة عليهما وعليه خاصةً بفنون التعامل مع الزوجة في هذه الليلة..
لم توهن وطأة الرعب الذي يأكل جسدها ابدًا رغم محاولة والدتها تهدئتها.. كانت مذعورة بسبب غضبه منها.. بسبب تهورها بالكلام دون حدود.. ولكنها كانت تائهة ما بين ذعرها على شقيقها وتعبها وخوفها من الزفاف كله.. الن يرأف بها قليلًا ويرحمها وينسى كل شيء؟

بعد ان اغلق باب الغرفة عليهما انقلبت الموازين.. تغيرت ملامحه الى أخرى شرسة.. مرعبة..
خلع سترته السوداء والقاها بعشوائية على المنضدة القريبة منه ثم امرها بالجلوس على طرف السرير ففعلت بتوجس ليحضر مقعد صغير ويجلس امامها قبل ان يهتف وهو يتفرس النظر بها كذئب جائع:
- الكلام الذي سأقوله الان ستضعينه قرطًا في اذنك.. لن اعيده مرة اخرى ابدًا.

رمشت وهي تتطلع اليه بعينين واسعتين تقران بخوفها وارتباكها.. فأردف:
- اولًا، اي شيء يحدث بيننا من مشاكل او كلام جميل او غزل او اي شيء آخر ممنوع ان يخرج من الباب الذي يُغلق علينا.. ممنوع ان يعلم احد ما يجري بيننا.. حتى لو وصل الأمر بنا الى قتال واسوأ.. حينما نخرج من باب الغرفة نضحك ونتكلم بشكل طبيعي.. اي ان مشاكلنا تبقى بيننا نحن فقط.. لا امي ولا شقيقتي ولا اهلك او اهلي... نحن لسنا صغارًا لكي يتدخل احد بأمورنا الشخصية وفي نفس الوقت انا لا احب ان يعرف احد عن حياتي وزوجتي اي شيء.. هذا الكلام لن اعيده مرة أخرى.. لذلك ضعيه قرطًا بأذنك.
ثانيًا، العناد والوقاحة ولسانك الطويل ستضعينهم في منزل اهلك.. ستنسينهم نهائيًا معي انا.. اي كلمة اقولها لك ستقولين لي حاضر فقط دون عناد وكلام آخر او تدعيني اعيد الكلمة الف مرة.. لأنك اذا عاندتِ وكسرتِ لي كلمتي او تواقحتِ سترين وجهًا في حياتك كلها لم تريه.. هل تفهمين ام لا؟

اومأت دون ان تبالي بالكلام الذي يتفوه به.. الرغبة الوحيدة التي تسيطر على كيانها هي الإبتعاد عنه لتنام حتى ترتاح من هذه الليلة المخيفة..
تأملت عيناه النظر اليها.. وبالكاد طمس الابتسامة الخفيفة من ان تشق طريقها الى شفتيه وهو يراها مرتبكة وخائفة هكذا.. اذ كانت تخاف الى هذه الدرجة فلماذا تتواقح وتقول كلمات لعينة لا يجب قولها؟
إسودت ملامح وجهه وكل اثر لمرح ومض عقله به ينقشع بعيدًا ليستولي الغضب مكانه وكلماتها يتردد صداها في اعماقه..
"انت لا يهمك احدًا غير نفسك وانانيتك.. تريد ان تفرغ شهواتك الحيوانية وجنونك فقط لا غير!"
انانيتك.. شهواتك الحيوانية.. جنونك..

استدار ليهرب من الجنون الذي اخد يتأجج في عروقه قبل ان يهرب منها شخصيًا.. سيؤذيها اذا بقي قربها.. يجب ان يبتعد وينأى نفسه عنها عسى ولعل يفرغ وحشية المه في عدة سجائر تحرق له صحته.. ولكنها على ما يبدو متهورة لا يهمها نفسها لتدنو منه وتهمس بإرتباك:
- محمد الا زلت تشعر بالضيق والغضب مني؟ انا اعتذرت لك والكلام الذي قلته لك لم أقصد قوله.. انت تعلم انني حينما افقد السيطرة على نفسي اتكلم دون ان ادرك ماذا اقول.

مجنونة.. مجنونة.. ها هي تسير الى جحيمها بقدميها.. تنسج شباك العذاب حول عنقها قبل عنقه.. اندثر المنطق في ركن جانبي في عقله ليسيطر الغضب على كل ذرة من جسده..
إرتفع حاجبه الى الأعلى واحمرت عيناه كشيطان مرعب بينما يقول بصوت بثّ القشعريرة المخيفة عبر عمودها الفقري:
- لا، لماذا قد أغضب او اشعر بالضيق؟ انت لم تقولي غير الذي ترينه.. وانا بكل صراحة لا احب ان تكون امرأتي مخطئة او كاذبة.. ذلك لا يصح اطلاقًا وايضًا عيب بحقي!

امتدت يده لفتح سحاب فستانها فإرتدت عدة خطوات مسرعة الى الخلف عسى ان تنجح بالهروب بعيدًا عنه.. يجب ان تهرب.. لن يرحمها.. محال ان يفعل!
طمست شهقتها العنيفة داخل صدرها حينما ثبّتها بيده الثانية وهمس بنبرة شيطانية:
- لا.. لماذا تبتعدين؟ اريد ان اجعلك ترين الحيوان الذي لا يهمه غير نفسه وشهواته!

- محمد لا تدمر اول ليلة لنا.. انت غاضب وانا مخطئة ولكن لا تفعل شيئًا قد تندم عليه لاحقًا.. ارجوك ابتعد عني.
غمغمت برجاء وهي تحاول دفعه فهتف دون وعي وهو يقيدها بجسده الضخم:
- لا! انا اريد ان ألقنكِ درسًا كي تحاولي مرة اخرى ان تطيلي لسانك بكلام كهذا.. وعلى اي حال ذلك لا يهم.. انت في كل الاحوال ترينني حيوان!

احتد بكائها ومقاومتها له حينما مزق لها فستان الزفاف بعد عدم تمكنه من فتحه.. قبلاته انتشرت على جسدها كمن يحاول ان يوشمها بأسمه.. كمن يحاول احتلال ارضًا فرضًا..
اعتذرت.. توسلت.. بكت.. صرخت.. خرمشت له جلده.. عضته.. فعلت المستحيل عسى ان يعتق جسدها الصغير ويرحمها من غضبه وجنونه..
كان فعلًا حيوانًا ضاريًا.. جائعًا ومتوحشًا.. يسيطر الغضب والقهر على كيانه.. غارقًا بين دمائه.. ومفاقمًا من نيرانه..
تنحره مقاومتها له.. ولا شيء يسيطر عليه غير انها لا تريده بينما هو يعشق تراب الأرض التي تدوس عليها.. هي تراه حيوانًا انانيًا بينما هو يراها الحلم البعيد والذي صار الآن في متناول يده.. هي وجبته الدسمة الآن.. يراها ملاكه الشقي الذي اغتال كل احلامه لهذه الليلة.. هي السبب.. هو عاشق مجنون قد يقبل الخطأ من الجميع الا منها لأنها الوجع.. هي وجعه..

استباح عذرية جسدها وهو ما بين الجنة والنار.. يتناول الثمرة الشهية التي توسلها في احلامه لسنوات.. وهذا الثمرة ستؤدي الى هلاكه..
اهانت كرامته كرجل بكلامها دون ادنى حق.. وهو ليس ذلك الملاك ليغفر خاصةً فيما يتعلق بها.. هو اكثر الناس غباءًا معها.. هو أكثرهم تفاهةً وضعفًا.. وايضًا قوةً وقسوةً..
رباه أيعقل ان يكون في الجنة نار او في النار جنة؟ يشعر بلذة الإحتراق والعذاب..

لم يرى دموعها التي انهمرت ولا شهقاتها وانينها المقهور الذي انبلج من أعماقها.. لا لم يفعل! لم يكتفي منها ولن يفعل ابدًا..
طال الليل بها وهي تتمنى الخلاص.. تتمنى الموت له قبلها.. تتمنى ان ترتاح من سعير قربه ولمساته.. رباه كم تكرهه! تكره الى درجة انها تتمنى ان تُخرج قلبه من جسدها بخنجرها لتقطعه الى اشلاء صغيرة..

فاض بها الألم.. وانهيارها عبر الحافة ليبتعد عنها اخيرًا ويهمس بصوت بارد بعد ان حطمها نفسيًا قبل ان يكون جسديًا:
- اسف.. نحن الآن متعادلان!

لم تنتهي تلك الليلة الى ذلك الحد.. لا! فعظامها النحيلة صرخت متألمة من شدة الإنكسار.. وروحها انتفضت ملسوعة من كمية الوجع الرهيب ومن احساسها القاتل بالخذلان من ضعف جسدها.. اين هي تلك القوة الجسدية التي يمتلكها لتتمكن من الدفاع عن نفسها؟ لم تنطق بحرفٍ واحدٍ.. فقط بكت والبكاء كان وحده كفيلًا بالحديث عن المعاناة..

******************
انتهت هذه الليلة المشؤومة.. انتهت وهي كأي عروس قضت بقية ليلة زفافها في المستشفى بسبب وحشية زوجها.. لم تستطيع تحمل الم ما اقترفه بها فأخذها الى المستشفى..يا للسخرية يعالجها بعد ان غرز ندوبه في جسدها!
اغمضت عينيها كارهة لحياتها كلها وهي تتذكر جملته بينما يدخن بشراهة قبل ان يأخذها الى المستشفى
"انت السبب.. انت من ارتكبتِ هذا الإثم بحق نفسك.. انا لم اكن اريد ان تكون ليلتنا الاولى معًا كهذه ولكن لسانك الطويل هو السبب!"

لم ترد عليه غير بأمرها له ان يأخذها الى المستشفى.. لم تعي ان مقدار النار التي تلتهم جسدها هي نفسها تلتهم جسده.. وتثير الزوابع في قلبه.. الندم.. آه من الندم وفظاعته.. حطم كل شيء.. دمر كل شيء بيده..
جذبه الخوف اليه كالمغناطيس ليزداد خوفه من ان تتركه وتبتعد عنه.. خوفًا من معرفة العائلة بالذي دار بينهما.. آه من النفس حالما تلوم صاحبها.. تجرش له قلبه.. تؤذيه وتبكيه..

لم تبالي بشجاره مع الطبيبة النسائية لأنها كانت ستؤلمها بعدم وضعها البنج.. لماذا لم يتشاجر مع نفسه لأنه اذاها؟ لماذا لا يثأر لها من نفسه ويحررها بقتله لهذه النفس الحقيرة التي يملكها؟
ودت ان تبتسم بتهكم على اعتياد الطبيبة على حالات كحالاتها لتتصرف ببرود وتقول كلام مستفز.. وعلى سؤال عامل الإستعلامات في الفندق اذ كان يريد محمد المستشفى لأجلها.. اجل، لما لا يعتادون وهم يقابلون مثلا حالاتها يوميًا؟ انثى ضعيفة مجروحة!

ما الذي فعلته بنفسها؟ بأي جهنم القت نفسها بزواجها من هذا الحيوان؟ يا الله كيف ستتخلص منه؟ لن تستمر بعلاقتها به ولو قطعوا لها عنقها..
صعدت الى السيارة بصعوبة والصمت هو صديقها الوحيد.. وبعد ان ركن السيارة بجانب المنزل سمعته يتساءل اذ كانت تشعر انها بخير فتجاهلته دون ان تنطق بحرفٍ ليقول بحزم:
- لا يجب ان يعلم احد اننا كنا في المستشفى!

واثق من نفسه على ما يبدو حتى يستمر بإلقاء اوامره.. تقسم انها ستثأر منه.. ستفضحه.. ستهينه.. ستأخذ حق دموعها والامها.. ستفعل ولن تصمت.. ولكن الآن في هذه الدقائق البسيطة لتصمت ثم ستفجر قنابلها في وجهه لعله يريحها من وجوده المثير للإشمئزاز في حياتها..

------------------------
يتبع..
الفصل القادم يوم الأربعاء وقد يكون الثلاثاء..

رأيكم بالفصل
وتوقعاتكم؟

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:27 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.