سعاد (أمواج أرجوانية)
كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء
مساء الخير حبيباتي:girly[1]:
معادنا مع الفصل الثالث.. في انتظار آرائكم بعد القراءة
الفصل نازل على مشاركات إن شاء الله
***
الفصل الثالث
*وجه آخر*
***
الوجه الآخر للمرآة حقيقة أم خيال؟
والحِصن الشامخ فوق الأرض حجر أم رمال؟
السطح العاكس للمرآة صواب أم خطأ؟
لا تمنح ثقتك للحكم الأول بحثًا عن النبأ!
البُعد الآخر بالمرآة بريء أم مُدان؟
ما أقسى الغضب إن خَفَى أنيابه خلف راية طُغيان!
***
تطلع فريد إلى الرجل الجالس أمامه واضعًا ساقًا فوق الأخرى بعجرفة يُدخن التبغ باستمتاع ويرمقه بجمود أصبح سمة مميزة له في السنوات الأخيرة، بينما أخذ يُفكر بداخله في صعوبة مُهِمته الحالية..
كيف يُقنعه بأنه يهدم كل شيء بمُعاملته لابنته؟
كيف يُقنعه بأنها هذه المرة تبدو هي الثائرة كما لم تكن من قبل؟
لقد جاءت هنا منذ يومين مضى ولا تُبدي أية رغبة بالعودة؛
وبينما هو مُطالب بالرفع من شأنها وعتاب زوجها وتوبيخه وتحذيره، لا يبدو على ذلك الأخير القلق مِثقال ذرة...
_لقد عُدت صباحًا من الإسكندرية رأسًا إلى الشركة فريد بك، لا أعتقد أنك طلبت حضوري كي تُحدِّق بي فَحَسْب!
عبرت لمحة غضب عيني فريد قبل أن يهتف به بنزق شديد:
_لماذا تفعل هذا ثائر؟ لقد آمنت على ابنتي معك، لقد وثقت بك، لماذا تقسو عليها بهذا الـ..
رفع ثائر سبابته أمامه ليقاطعه ببرود وهو يهز رأسه رفضًا:
_إن كنت ستلقي علي نفس الكلمات التي تسمعني إياها كل مرة فأعتذر، ليس لديّ وقتًا لأهدره في أمر تافه كهذا.
استشاط الرجل غضبًا وهب واقفًا وهو يرمقه بغيظ هائل ثم صاح به:
_أتسمي زواجك بابنتي أمر تافه؟ أتسمي جرحها وانكسارها وألمها بسببك لسنوات أمر تافه؟!
ثم تابع مُحذِّرًا:
_اسمع ثائر! ربما يهابُك الجميع، لكنني لا أفعل، ولن أسمح لك بظلم ابنتي أكثر من ذلك.
شبَّك ثائر أصابعه أمام صدره ثم تحدث بهدوء قائلًا:
_وفِّر صراخك فريد بِك، وأخبرني! خلال السنوات التي مرت على زواجي من ابنتك كم مرة أتتك غاضبة؟ كم مرة خرجت من بيتها وجاءتك باكية شاكية؟
لم يجد فريد ردًَّا محافظًا على نظرته الساخطة، فتابع ثائر بنفس الهدوء المُغيظ مُتسائلًا:
_ هل تعتقد أنني سأقضي كل وقتي في مُصالحتها وتدليلها وإعادتها كل مرة إلى بيتها؟ أتعتقد بالفعل أنني مُتفرغًا لذلك الهراء؟
اتسعت عينا فريد عن آخرها وهو يهتف به بدهشة:
_لِمَ تتسبب في إغضابها إذن؟! حسب معلوماتي أنها لا تفعل ذلك إلا بسبب جفاءك وقسوتك معها، ومما أراه منك لا أعتقد أنها تتجنى عليك، فأنت حتى لا تُظهر احترامك لي بالرغم من اعتبارك ابني الذي لم أنجبه!
أنزل ثائر إحدى ساقيه من فوق الأخرى ووقف ليُغلِق زر سُترته الأنيقة ثم نظر إلى والد زوجته بلا اكتراث قائلًا:
_هذا ما أنا عليه فريد بِك، وأخبر ابنتك أنني لا أنوي تغيرًا! أخبرها أيضًا أن من مصلحتها ألا تثير غضبي، فأنا حتى الآن أتعامل معها بصبر لن يظل من صفاتي إلى الأبد، وفي حال وجدتما الأمر غير مناسبًا سأجدد اقتراحي..
صمت متعمدًا، وبتهكم أردف:
_إن أردتما إنهاء هذا الزواج أنا لا أمانع على الإطلاق، فستخرج ابنتك من القصر مُعززة مُكرمة كما ولجت إليه ولكما كل ما تريدان، لكن سأحتفظ أنا بابنتي.
ولما بان الرفض الصريح على وجه الرجل أضاف ثائر:
_وهذا الأمر لا علاقة له بشراكتنا، سيظل الوضع كما هو عليه.
ولم يهتم فريد برغبة صهره الواضحة بطمأنته، ولا بتلميحه المبطن بأنه يفهم سر تمسكه باستمرار هذه الزيجة التي لا يريدها أي من طرفيها، ومن بين أسنانه عَلَّق متحديًا، مُهددًا:
_عندئذٍ انس أمر ابنتك تمامًا، فأنت تعلم أن الحضانة من حق الأم، أليس كذلك؟! لن يحكم لك قاض بابنتك، ولا تعتقد أنك ستراها وقتما شئت، هذا في حال أردت تعريض سُمعة عائلتينا إلى الخوض بهكذا فضائح!
والإجابة كانت شبه ابتسامة ساخرة حلَّت للحظة على شفتي ثائر ثم اندثرت على الفور وهو يُتابع:
_ أرجو إعلام ابنتك أنني لن أنتظر أكثر من عشرة دقائق حتى تأتي معي، وإن تكررت فعلتها لن تدخل قصر آل الجوهري مرة ثانية!
ثم التفت مُتجهًا إلى باب غرفة المكتب خارجًا منها بمشيته المُتبخترة، وعند الباب توقف هاتفًا بصرامة:
_سأنتظر بالسيارة!
وعندما خرج حدَّق فريد في إثره بِحنق واضح مُتسائلًا أين ذلك الشاب الذي طالما احترمه ووضعه في منزلة الأب؟ هل جفاؤه مع ابنته امتد إليه هو؟ وماذا يفعل الآن؟ هل يُرسِلها معه أم يحفظ لها المُتبقي من كرامتها ويرفض؟!
...
وبعد عشرة دقائق أدار مُحرك سيارته مُستعدًا للانصراف لتفتح هي باب السيارة الجانبي قائلة بصوت مكتوم:
_مرحبًا ثائر!
وردُّه عليها لم يتعد الابتسامة الساخرة!
أشاحت بوجهها بعيدًا تداري دمعات قهر وألم وهي تُحاول استنتاج ما سيحدث عند انفراده بها!
**********
تابعته فيروز بعينيها بتدقيق وهو يُعطي تعليماته إلى أحد العاملين قبل أن يتجه إليها بابتسامة مُهذبة، جلس أمامها مُتهَرِّبًَا بالنظر إليها بطريقة ملحوظة فسألته برقة:
_ماذا بك تميم؟ لماذا أنت على هذه الحالة من التوتر؟
حمحم بارتباك وهو يجتذب ابتسامة أدركت تمامًا أنها مُفتعلة ثم غيَّر مجرى الحوار قائلًا:
_لا شيء فيروز، أنا بخير، كيف حال والدتك؟
ابتسمت ببشاشة ثم تظاهرت بالعبوس وهي ترد بضيق مفتعل:
_ترسل تحياتها إليك وتُخبرك بأنها غاضبة منك لأنك لم تعد تسأل عنها أو تزورها.
بان الأسف على وجهه قبل أن يمط شفتيه قائلًا:
_يا إلهي! لا أستطيع إغضابها بالطبع، سأمر عليها الليلة وسأصالحها، متى ستنهين عملك؟
ردَّت بسرعة بلهجة مُعتذرة:
_ربما سأتأخر، سألتقي ببعض صديقاتي بعد العمل.
أومأ برأسه بشرود وقد بدا أنه بالفعل لم يهتم بسماع ردَّها، بينما اختلس النظر إلى هاتفه الموضوع على المكتب الصغير أمامه، لم يفُتها شروده ولا قلقُه ولا توتُره الفاضح فتابعت متسائلة باهتمام:
_أخبرني تميم، ماذا بك؟
رفع رأسه إليها بِحدة مجيبًا بخشونة حاول بها مُداراة بعضًا من توتره:
_ماذا بي فيروز؟ أنا بخير تمامًا، مُنشغِل قليلًا في البحث عن محل آخر كي أفتتحه كما تعلمين.
ونظرتها إليه أخبرته بصمت بأنه كاذب؛
وبأنها تعلم بأنه كاذب؛
وبأنه رغم مرور سنوات عُمره الست وثلاثون لن يستطيع اصطناع اللامبالاة معها أكثر من ذلك؛
بينما في المقابل هي تصغُره بتسعة سنوات كاملين لكنها على قدر من الذكاء الأنثوي الذي يمنحها مزية كشف سبب حالته بسهولة؛
فهي تعلم بالطبع..
لكنها اختارت التظاهر بالجهل!
زفرت باستسلام ثم وقفت بابتسامتها الجميلة قائلة:
_كما تحب تميم، لكن تذكر دومًا أنني سأظل إلى جوارك، سأساعدك كيفما تريد، وإن شعرت أنك ترغب بالتحدث فأنا مُستعدة متى شئت.
وبابتسامة ضعيفة مبتورة شَكَرها وهي تتجه إلى الخارج..
ليمسك هاتفه بلهفة تحولت فورًا إلى خيبة أمل؛
وانطلقت الأسئلة داخل عقله..
لِمَ لا يحاول حب فيروز؟ فهي خطيبته بالفعل!
لِمَ يتجه قلبه الملعون إلى الأخرى بكل غباء؟
لِمَ ينتفض هذا القلب بمجرد رسم ملامحها داخل عقلُه؟
فيروز حنونة..
وهي أيضًا حنونة لكنها تَعَمَّدَت القسوة معه!
فيروز جميلة..
وهي أيضًا جميلة، بل لا أجمل منها مُطلقًا!
فيروز ذكية..
لكنها غبية تمسكت بقوة ظاهرية ووضعت نفسها في مأزق!
لماذا إذن لا يتخلص من تأثيرها ويهتم بفيروز مثلًا؟
هذا القلب الذي يتمتع بإهانته ألن يتعلم التخلص منها يومًا؟!
هذا العقل الغبي الذي يتغافل عن فِعلتها ألن يتعلم نسيانها مُطلقًا؟!
**********
خرجت مع أمها من غرفة الطبيبة والأخيرة لا تتوقف عن البكاء فسألتها سُهيلة بنزق:
_لماذا تبكين الآن يا أمي؟
ردَّت أمها من بين شهقاتها الباكية:
_من فرط سعادتي يا ابنتي، لقد كدت أموت ذعرًا وأنا أتخيل حملك بطفل من ذلك النذل، حمدًا لله، سأهاتف أبيك وأبشره!
هبطت سُهيلة الدرجات تتبع أمها وهي شاردة تمامًا..
بشارة من أجل عدم الإنجاب؟!
لقد فاق ذعرها ذعر أمها حتى ظهرت نتيجة اختبار الحمل بالسلب لتزفر بارتياح شاكرة ربها؛
فبالرغم من أنها لطالما تمنت حصولها على طفل فور زواجها..
تمنت طفلًا يمنحها سعادة تاقت للحصول عليها بشدة، تخيلت طِفلًا صغيرًا يحمل ملامحها هي وطِباع باهر..
بشاشتها وابتسامته؛
لون عينيها وحنان عينيه؛
صفاتها الشكلية وحمائيته ورجولته و....
فإنها تحمد الله الآن أنه لم يوجد مُطلقًا!
هي ليست قاسية؛
ليست جاحدة أو جامدة؛
لكنها أرادت طفلا من باهر المهتم الحنون؛
أما ذلك الكاذب المُخادع العنيف لم ترد طفله يومًا!
وقد احتاطت لذلك بكل الطرق
لكن..
الآن هي قد تأكدت أنها حوكِمت بالوحدة إلى الأبد؛
ألن يكون لها يومًا طفلا يؤنسها؟
لماذا تتسلل الحيرة الآن إليها؟
ولماذا تشعر فجأة بتعادل شعورها بين الراحة والخيبة بعد نتيجة اختبارها السلبية؟!
هل تتمنى حقًا لو أن الطبيبة أخبرتها أنها تحمل طِفلًا بأحشائها بدلًا من نقصًا حادًا في كرات دمائها الحمراء؟!
هل جُنَّت تمامًا؟!
أم أن تلك الضربة التي تلقتها على هيئة عقاب عادل لانتقامها بزواجها منه ستورثها اضطرابًا وضياعًا لا تتحمله الآن؟!
ستدفنها وحيدة بعُمق السقطة!
**********
معادنا مع الفصل الثالث.. في انتظار آرائكم بعد القراءة
الفصل نازل على مشاركات إن شاء الله
***
الفصل الثالث
*وجه آخر*
***
الوجه الآخر للمرآة حقيقة أم خيال؟
والحِصن الشامخ فوق الأرض حجر أم رمال؟
السطح العاكس للمرآة صواب أم خطأ؟
لا تمنح ثقتك للحكم الأول بحثًا عن النبأ!
البُعد الآخر بالمرآة بريء أم مُدان؟
ما أقسى الغضب إن خَفَى أنيابه خلف راية طُغيان!
***
تطلع فريد إلى الرجل الجالس أمامه واضعًا ساقًا فوق الأخرى بعجرفة يُدخن التبغ باستمتاع ويرمقه بجمود أصبح سمة مميزة له في السنوات الأخيرة، بينما أخذ يُفكر بداخله في صعوبة مُهِمته الحالية..
كيف يُقنعه بأنه يهدم كل شيء بمُعاملته لابنته؟
كيف يُقنعه بأنها هذه المرة تبدو هي الثائرة كما لم تكن من قبل؟
لقد جاءت هنا منذ يومين مضى ولا تُبدي أية رغبة بالعودة؛
وبينما هو مُطالب بالرفع من شأنها وعتاب زوجها وتوبيخه وتحذيره، لا يبدو على ذلك الأخير القلق مِثقال ذرة...
_لقد عُدت صباحًا من الإسكندرية رأسًا إلى الشركة فريد بك، لا أعتقد أنك طلبت حضوري كي تُحدِّق بي فَحَسْب!
عبرت لمحة غضب عيني فريد قبل أن يهتف به بنزق شديد:
_لماذا تفعل هذا ثائر؟ لقد آمنت على ابنتي معك، لقد وثقت بك، لماذا تقسو عليها بهذا الـ..
رفع ثائر سبابته أمامه ليقاطعه ببرود وهو يهز رأسه رفضًا:
_إن كنت ستلقي علي نفس الكلمات التي تسمعني إياها كل مرة فأعتذر، ليس لديّ وقتًا لأهدره في أمر تافه كهذا.
استشاط الرجل غضبًا وهب واقفًا وهو يرمقه بغيظ هائل ثم صاح به:
_أتسمي زواجك بابنتي أمر تافه؟ أتسمي جرحها وانكسارها وألمها بسببك لسنوات أمر تافه؟!
ثم تابع مُحذِّرًا:
_اسمع ثائر! ربما يهابُك الجميع، لكنني لا أفعل، ولن أسمح لك بظلم ابنتي أكثر من ذلك.
شبَّك ثائر أصابعه أمام صدره ثم تحدث بهدوء قائلًا:
_وفِّر صراخك فريد بِك، وأخبرني! خلال السنوات التي مرت على زواجي من ابنتك كم مرة أتتك غاضبة؟ كم مرة خرجت من بيتها وجاءتك باكية شاكية؟
لم يجد فريد ردًَّا محافظًا على نظرته الساخطة، فتابع ثائر بنفس الهدوء المُغيظ مُتسائلًا:
_ هل تعتقد أنني سأقضي كل وقتي في مُصالحتها وتدليلها وإعادتها كل مرة إلى بيتها؟ أتعتقد بالفعل أنني مُتفرغًا لذلك الهراء؟
اتسعت عينا فريد عن آخرها وهو يهتف به بدهشة:
_لِمَ تتسبب في إغضابها إذن؟! حسب معلوماتي أنها لا تفعل ذلك إلا بسبب جفاءك وقسوتك معها، ومما أراه منك لا أعتقد أنها تتجنى عليك، فأنت حتى لا تُظهر احترامك لي بالرغم من اعتبارك ابني الذي لم أنجبه!
أنزل ثائر إحدى ساقيه من فوق الأخرى ووقف ليُغلِق زر سُترته الأنيقة ثم نظر إلى والد زوجته بلا اكتراث قائلًا:
_هذا ما أنا عليه فريد بِك، وأخبر ابنتك أنني لا أنوي تغيرًا! أخبرها أيضًا أن من مصلحتها ألا تثير غضبي، فأنا حتى الآن أتعامل معها بصبر لن يظل من صفاتي إلى الأبد، وفي حال وجدتما الأمر غير مناسبًا سأجدد اقتراحي..
صمت متعمدًا، وبتهكم أردف:
_إن أردتما إنهاء هذا الزواج أنا لا أمانع على الإطلاق، فستخرج ابنتك من القصر مُعززة مُكرمة كما ولجت إليه ولكما كل ما تريدان، لكن سأحتفظ أنا بابنتي.
ولما بان الرفض الصريح على وجه الرجل أضاف ثائر:
_وهذا الأمر لا علاقة له بشراكتنا، سيظل الوضع كما هو عليه.
ولم يهتم فريد برغبة صهره الواضحة بطمأنته، ولا بتلميحه المبطن بأنه يفهم سر تمسكه باستمرار هذه الزيجة التي لا يريدها أي من طرفيها، ومن بين أسنانه عَلَّق متحديًا، مُهددًا:
_عندئذٍ انس أمر ابنتك تمامًا، فأنت تعلم أن الحضانة من حق الأم، أليس كذلك؟! لن يحكم لك قاض بابنتك، ولا تعتقد أنك ستراها وقتما شئت، هذا في حال أردت تعريض سُمعة عائلتينا إلى الخوض بهكذا فضائح!
والإجابة كانت شبه ابتسامة ساخرة حلَّت للحظة على شفتي ثائر ثم اندثرت على الفور وهو يُتابع:
_ أرجو إعلام ابنتك أنني لن أنتظر أكثر من عشرة دقائق حتى تأتي معي، وإن تكررت فعلتها لن تدخل قصر آل الجوهري مرة ثانية!
ثم التفت مُتجهًا إلى باب غرفة المكتب خارجًا منها بمشيته المُتبخترة، وعند الباب توقف هاتفًا بصرامة:
_سأنتظر بالسيارة!
وعندما خرج حدَّق فريد في إثره بِحنق واضح مُتسائلًا أين ذلك الشاب الذي طالما احترمه ووضعه في منزلة الأب؟ هل جفاؤه مع ابنته امتد إليه هو؟ وماذا يفعل الآن؟ هل يُرسِلها معه أم يحفظ لها المُتبقي من كرامتها ويرفض؟!
...
وبعد عشرة دقائق أدار مُحرك سيارته مُستعدًا للانصراف لتفتح هي باب السيارة الجانبي قائلة بصوت مكتوم:
_مرحبًا ثائر!
وردُّه عليها لم يتعد الابتسامة الساخرة!
أشاحت بوجهها بعيدًا تداري دمعات قهر وألم وهي تُحاول استنتاج ما سيحدث عند انفراده بها!
**********
تابعته فيروز بعينيها بتدقيق وهو يُعطي تعليماته إلى أحد العاملين قبل أن يتجه إليها بابتسامة مُهذبة، جلس أمامها مُتهَرِّبًَا بالنظر إليها بطريقة ملحوظة فسألته برقة:
_ماذا بك تميم؟ لماذا أنت على هذه الحالة من التوتر؟
حمحم بارتباك وهو يجتذب ابتسامة أدركت تمامًا أنها مُفتعلة ثم غيَّر مجرى الحوار قائلًا:
_لا شيء فيروز، أنا بخير، كيف حال والدتك؟
ابتسمت ببشاشة ثم تظاهرت بالعبوس وهي ترد بضيق مفتعل:
_ترسل تحياتها إليك وتُخبرك بأنها غاضبة منك لأنك لم تعد تسأل عنها أو تزورها.
بان الأسف على وجهه قبل أن يمط شفتيه قائلًا:
_يا إلهي! لا أستطيع إغضابها بالطبع، سأمر عليها الليلة وسأصالحها، متى ستنهين عملك؟
ردَّت بسرعة بلهجة مُعتذرة:
_ربما سأتأخر، سألتقي ببعض صديقاتي بعد العمل.
أومأ برأسه بشرود وقد بدا أنه بالفعل لم يهتم بسماع ردَّها، بينما اختلس النظر إلى هاتفه الموضوع على المكتب الصغير أمامه، لم يفُتها شروده ولا قلقُه ولا توتُره الفاضح فتابعت متسائلة باهتمام:
_أخبرني تميم، ماذا بك؟
رفع رأسه إليها بِحدة مجيبًا بخشونة حاول بها مُداراة بعضًا من توتره:
_ماذا بي فيروز؟ أنا بخير تمامًا، مُنشغِل قليلًا في البحث عن محل آخر كي أفتتحه كما تعلمين.
ونظرتها إليه أخبرته بصمت بأنه كاذب؛
وبأنها تعلم بأنه كاذب؛
وبأنه رغم مرور سنوات عُمره الست وثلاثون لن يستطيع اصطناع اللامبالاة معها أكثر من ذلك؛
بينما في المقابل هي تصغُره بتسعة سنوات كاملين لكنها على قدر من الذكاء الأنثوي الذي يمنحها مزية كشف سبب حالته بسهولة؛
فهي تعلم بالطبع..
لكنها اختارت التظاهر بالجهل!
زفرت باستسلام ثم وقفت بابتسامتها الجميلة قائلة:
_كما تحب تميم، لكن تذكر دومًا أنني سأظل إلى جوارك، سأساعدك كيفما تريد، وإن شعرت أنك ترغب بالتحدث فأنا مُستعدة متى شئت.
وبابتسامة ضعيفة مبتورة شَكَرها وهي تتجه إلى الخارج..
ليمسك هاتفه بلهفة تحولت فورًا إلى خيبة أمل؛
وانطلقت الأسئلة داخل عقله..
لِمَ لا يحاول حب فيروز؟ فهي خطيبته بالفعل!
لِمَ يتجه قلبه الملعون إلى الأخرى بكل غباء؟
لِمَ ينتفض هذا القلب بمجرد رسم ملامحها داخل عقلُه؟
فيروز حنونة..
وهي أيضًا حنونة لكنها تَعَمَّدَت القسوة معه!
فيروز جميلة..
وهي أيضًا جميلة، بل لا أجمل منها مُطلقًا!
فيروز ذكية..
لكنها غبية تمسكت بقوة ظاهرية ووضعت نفسها في مأزق!
لماذا إذن لا يتخلص من تأثيرها ويهتم بفيروز مثلًا؟
هذا القلب الذي يتمتع بإهانته ألن يتعلم التخلص منها يومًا؟!
هذا العقل الغبي الذي يتغافل عن فِعلتها ألن يتعلم نسيانها مُطلقًا؟!
**********
خرجت مع أمها من غرفة الطبيبة والأخيرة لا تتوقف عن البكاء فسألتها سُهيلة بنزق:
_لماذا تبكين الآن يا أمي؟
ردَّت أمها من بين شهقاتها الباكية:
_من فرط سعادتي يا ابنتي، لقد كدت أموت ذعرًا وأنا أتخيل حملك بطفل من ذلك النذل، حمدًا لله، سأهاتف أبيك وأبشره!
هبطت سُهيلة الدرجات تتبع أمها وهي شاردة تمامًا..
بشارة من أجل عدم الإنجاب؟!
لقد فاق ذعرها ذعر أمها حتى ظهرت نتيجة اختبار الحمل بالسلب لتزفر بارتياح شاكرة ربها؛
فبالرغم من أنها لطالما تمنت حصولها على طفل فور زواجها..
تمنت طفلًا يمنحها سعادة تاقت للحصول عليها بشدة، تخيلت طِفلًا صغيرًا يحمل ملامحها هي وطِباع باهر..
بشاشتها وابتسامته؛
لون عينيها وحنان عينيه؛
صفاتها الشكلية وحمائيته ورجولته و....
فإنها تحمد الله الآن أنه لم يوجد مُطلقًا!
هي ليست قاسية؛
ليست جاحدة أو جامدة؛
لكنها أرادت طفلا من باهر المهتم الحنون؛
أما ذلك الكاذب المُخادع العنيف لم ترد طفله يومًا!
وقد احتاطت لذلك بكل الطرق
لكن..
الآن هي قد تأكدت أنها حوكِمت بالوحدة إلى الأبد؛
ألن يكون لها يومًا طفلا يؤنسها؟
لماذا تتسلل الحيرة الآن إليها؟
ولماذا تشعر فجأة بتعادل شعورها بين الراحة والخيبة بعد نتيجة اختبارها السلبية؟!
هل تتمنى حقًا لو أن الطبيبة أخبرتها أنها تحمل طِفلًا بأحشائها بدلًا من نقصًا حادًا في كرات دمائها الحمراء؟!
هل جُنَّت تمامًا؟!
أم أن تلك الضربة التي تلقتها على هيئة عقاب عادل لانتقامها بزواجها منه ستورثها اضطرابًا وضياعًا لا تتحمله الآن؟!
ستدفنها وحيدة بعُمق السقطة!
**********