رواية وأشرقت الشمس بعينيها
الإشراقة الرابعة والأربعين
#جلسات_الأربعاء
الأشياء لم تبدو يوماً كما هي عليها
كان سيدنا محمد أفضل الخلق لكنه أشقاهم
وكان يوسف أجملهم لكنه أشدهم عذاباً
نوحاً كان يدعو للأيمان ولم يكن ابنه سوى أول الكافرين !!
........
عبرت معه ظلام الخطيئة حتى وصلت إلى رصيف العهر
إلى الإثم الذي يقيد سريرتها والإثم الذي يُحني هِمتها
والمعصية التي أذلت أنوثتها
" من يجدك ؟
أتلجأين له للتخلص مني ؟" هدر بنرة مرعبة جمدت الدم في أوصالها فانتفضت وقد سقط الهاتف من بين كفيها
تتراجع بهلع وهي تناظر عينيه اللتان كانتا وكأن الشياطين بنتا وكراً فيهما
" رفعت " نطقتها باستجداء وكأنها تتوسل شئ من ملامح رفعت القديم الذي عرفته وأحبته
صرخت بجزع وقد نزلت صفعته على وجنتها نزول السوط على الحيوان الشريد حتى أدمت شفتيها
يهزها بين كفيه وعيناه تبرقان وكأن الشرر يتطاير منهما هادراً :-
" كيف جرؤتي لتفعلي هذا ؟
أتتحدثين له ؟
تسمعينه صوتك ؟
تترجينه "
بين كل كلمة والأخرى كان صوته يرتفع وتزداد قسوة أصابعه على ذراعيها
لم يكن هو كان أخر مجنوناً منه
ولم تكن هي كانت الظل منها
صرخت بانهيار والصداع يفتك برأسها فيكاد أن يهشمه :-
" لم ألجأ لهذا إلا بعد أن عرفت
لم ألجأ له إلا بعد أن صدمت فيك
كيف تفعل هذا يا رفعت ؟"
لكنه لم يكن معها
كانت النار تحرق أحشائه وتنهش في كل خلاياه لتخيله أنها لجأت للأخر
يرى منظرها الضعيف الهش فتثار في نفسه كل العواطف التي لم يشعرها بعمره كله
هو لم يضعف هكذا قبلاً؟
لم تمس منه امرأة وتراً يوماً
لم يرى الأنثى رمزاً لشئ سوى العهر فماذا إن كلمت أخر سواه أو حتى عشر
لكن ماذا عن الحريق المندلع بداخله
الخوف الذي تخلل لأعصابه من فكرة لجؤها للأخر سمم بدنه وروحه على السواء فيشدها له بعنف مائلاً لينهش شفتيها بشهوة السلطة إلا أنها لأول مرة كانت تجاهد لتبتعد لا لتأخذ المزيد
بكل ضعفها كانت تدفعه بقوة فتضطرم في نفسه الجنون
" ابتعد
ابتعد أنت لن تقترب مني
أنت لن تفعل "
يعاود المحاولة مرة أخرى إلا أنها تلهث كمن يلهث للبقاء في ظل غوغائية الموت
" ليس بعد أن عرفت
ليس بعد أن عرفت "
" عرفتِ ماذا ؟" ينطقها بضعف لأول مرة يزور نفساً لم تعرف للمشاعر عنوان يوماً
تبكي وكأن عينيها بركتان غويطتان من دماء الضعف والصدمة :-
" كيف تعمل بهذا
ألم تخبرني أنك رجل أعمال "
تبكي بانهيار وضعف جسدها يشتد وطأة فتجثوا على ركبيتها منهارة :-
" لكنك لم تكذب صحيح أنت رجل أعمال مشبوهه "
تضحك ضحكة سوداء وتواصل :-
" تجارة بالأطفال وربما بالبشر أيضاً "
تتسع عيناه لهول المفاجأة لكن القشعريرة تنال منه
فجعته اللحظة ليست فجعة خوف لكشفه
بل فجعة ضعف لقلبه
وهو ليس بالقديس ليتأسف بل هو عاهر يتبجح
يقترب منها ويرفعها أرضاً وهو لا يزن شيئاً صارخاً :-
"هل ترسمين دور الفاضلة تتغنين وكأنكِ مادونا
لكنكِ لم تكوني سوى عاهرة قصتنا يا حبيبتي"
تشهق ولا تسترد أنفاسها فيواصل بنبرة مسمومة قاسية :-
" حبيبتي أفيقي لقد نمت معك على فراش هذا الذي تستنجدين به مني "
يضرب ولا ينتظر لها رحمة التحمل فيواصل :-
" لقد سلمتي لي روحك
جسدك
عذريتك كل شئ
من أول لمسة مني كنتِ تمؤين كالقطيطة الجائعة للعاطفة "
ولم ترمش كانت أشبه بتمثال انتظروا لحظة فاجعته فحنطوه
الوجع كان أكبر من قدرتها للتعبير حتى أنها ظلت لدقائق على حالها حتى مالت شاهقة وهي تتقيأ وتهمس بمناضلة لفظ الأنفاس :-
" لن أظل معك دقيقة واحدة "
لا يبالي بتقيأها وهو يشدها له ينزع عنها مأزرها بلمسات من لهيب الامتهان
يجرها جراً حتى الفراش فيرميها عاليه هامساً بفحيح أسود وغضبه بالقوة التي تجعل ملمس أصابعه تحرقها :-
" حتى وأنتِ متسخة بأوحال قيئك حبيبتي سأخذك "
تهز رأسها نافياً منازعة وهي تبكي تحاول دفعه إلا أنه كان أقوى منها لاهثاً بجنون ونبرته تقطر غِلاً
شهوة وشراً
يبتسم وكان ابتسامته وضع الشيطان صكه عليها :-
" أنتِ لي
تذوقي معنى العاطفة الملطخة بالأوحاال التي هي جزء من كلانا "
تبكي
تترجاه
تتذلل
وأخيراً تخضع
وللخضوع مذاق
مذاق المرارة
مذاق المهانة
مذاق الخوف
لكن خضوعها هي كان خضوع الخسارة
خسارة الإفاقة
ليتنا نفيق مرة قبل أن يتعدانا قطار النجدة
وليت كل سقوط نهايته الموت
ما أبشع سقوط انتهى باللوم
حين ارتفع عنها كان ككلب مسعور نال وجبته لكنه لم يهنأ بالشبع
وكانت هي كفأر استردوا منه حياته
جسدها المنهك بالمخدرات تحول إلى الأزرق وعظامها تصلبت وكأنها تحتضر بينما الجليد يسيطر عليها
" نور حبيبتي " يهمسها بشبه لوثه تحولت لصريخ الجنون وقد تبين له أنها فاقدة للوعي ولأشكال الحياة
.........................
ومن العِندِ ما قتل!
" أخبرني يا حاج من الذي لديه الحق في أن يمشي كلمته على ابنتي " قالها راضي لحماه بانفعال فقال الحاج عبدالرحمن بتروي وهدوء :-
"بالطبع أنت "
رفع راضي كفيه وهو يقول :-
" حسنا لقد أتيت محترماً أنك كبيرنا
ابعد ابنك عن ابنتي "
ارتفع حاجبا الحاج عبدالرحمن بانفعال وهو يقول بحيرة :-
" ماذا تقول يا بني عن أي أبنائي تتحدث "
انتفض راضي قائلاً بغضب :-
" من يعني ؟
ومن سواه ؟
الطبيب بالطبع
اسمع يا حاج أنا رجل لا أؤمن بالنفسية والروح وخلافه
نحن لم نتربى على ذلك
ابنك يشدد رأس ابنتي على زوجها "
" احذر من طريقة كلامك يا راضي " قالها حماه بانفعال فتنهد قائلاً :-
" نحن طيلة عمرنا أحباب
شهاب يراعي أني أكبره بالكثير
كنت أستطيع أن اجمع عائلتي لكن تعلم كم أحترم رأسك
صعد أو هبط يظل مازال شاباً صغيراً لم يتعلم من تجارب الحياة
اجعله يبتعد عن هنا وياسين ولنظل أحباب أفضل
هذا أخر ما عندي "
بعد ثلاث ساعات ...
اتسعت عيني شهاب وهو يستمع لكلام والده المؤنب فاحتقن وجهه قائلاً :-
" هل لهذا جعلتني أتِ على وجه السرعة يا أبي
هل لأني أخاف على ابنة أختي ؟"
دمعت عيني والدته من أجله وهي تنظر لزوجها قائلة بغضب أمومي :-
" راضي طيلة عمره مثل الشريك المخالف
ابنتك الخائبة هي من جعلته يشم أنفاسه على أخيها "
خبط زوجها بعصاه أرضاً وقال بصرامة :-
" راضي هددني بالأصول
إن اجتمع أهل راضي وعائلتنا يا أم محمد ماذا سيقال ؟
أبيها ولن يعرف أحد مصلحتها أكثر منه
لقد قالها لي بالذوق أن نخلع أيدينا من حياة ابنته
كيف ستثبتي لأحد ما يقوله ابنك عن أن زوجها مريض نفسي وابنك نفسه أخبرنا أنه يبدو طبيعي هذا خلافاً عن كونه شخص مشهور ؟
لن ينضر في الأمر سوى ابنك "
مسح شهاب وجهه قائلاً بانفعال :-
" يا أبي يا أبي
ستعود لكم ميتة ستعود لكم ميتة هل هذا جزائي ؟
إنه مريض وحالته ليست بالطبيعية
ما قصته علي شئ يشيب له الرأس ؟"
رفع أبيه رأسه له ثم قال بيأس :-
"يا ابني أختك ليس لها شخصية
إن حصل مجلس كما أشار راضي أختك ستشهد مع زوجها
الأمر كله ضدك يا طبيب وليس في صالحك "
" هل ستنصره على ابنك ؟" قالتها المرأة في جزع أمومي جعله ينفعل وهو يرد :-
" هو همه ابنته ألا يخرب بيتها
وأنا همي ابني ألا تخرب سمعته "
ارتجف فك شهاب شاعراً نفسه كالصغير فاستغفر وهو يقف قائلاً بهدوء مكتوم :-
" حسناً كما تريدون "
رفع والده عيناه له وهو يقول بلوم أبوي :-
"أتغضب من أبيك يا دكتور "
تحرك شهاب مسرعاً لينحني مقبل هامته وهو يقول :-
" من أنا يا أبي لأفعل
فداك نفسي كلها "
ربت أبيه على كتفه بينما شدته أمه باكية وهي تقول :-
"أقسمت عليك ألا تذهب وبقلبك ذرة حزن منا "
تنهد شهاب جالساً :-
" يا أمي من أنا لأعضب منكم أنا خائف على ابنة أختي
أليست قطعة مني ؟
إنه مريض نفسي
المريض النفسي بحالته لا يؤمن على العيش معه "
أومأ والده برأسه متفهماً ثم قال :-
"لقد قال أنه أخبرهم أنه سيتعالج عند طبيب نفسي ووعدها بتغيره "
أطرق شهاب برأسه ثم قال على مضض :-
" ليفعل الله الخير يا أبي أنا لن أتدخل كما أمرت "
.....................
بعض البشر جبلوا على الأذى
وكأنهم يتفننون بكيفية كسرنا
يسخرون حفوف أرواحهم الحادة لشرخنا
"سنا افتحي الباب فأنا أحضر الرضعة لأحمد "
التفتت سنا على صوت أختها الأتي من المطبخ فحملت رضيعها وتوجهت ناحية باب الشقة قائلة بنبرة عالية بعض الشئ :-
" من ؟"
"افتحي يا غالية أنا جدك الشيخ "
قطبت سنا واتسعت عينيها ثم نظرت لأختها التي خرجت من المطبخ هي الأخرى تناظرها بقلق
" حسنا ثانية يا جدي فقط سأجلب المفتاح "
تحركت ناحية سديل تعطيها الصغير ثم همست بحذر :-
" غريبة لما أتى ؟"
هزت سديل كتفيها بعدم فهم وقلبها يقرع كالطبول خوفاً من شئ أخر إلا أن سنا تحركت مسرعة ترتدي إزار الصلاة ثم عادت لتفتح الباب مسرعة فاتسعت عينيها أكثر
لم يكن جدها الشيخ فحسب لقد كان هناك عدد من أبنائه معه هذا خلاف أعمامها من البلدة
رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها مرحبة بهم وهي تدعوهم للدخول
دخل الرجال تباعاً وجلسوا بغرفة الضيافة قاستأذنت منهم لكن قبل أن تخرج كانت نبرة الشيخ تأمرها :-
"عودي بأختك معك يا صغيرة "
خرجت سنا مسرعة حتى أنها كادت أن تقع على وجهها ثم اتجهت ناحية سديل الشاحبة وقالت :-
" اتركي أحمد لخالتك وارتدي شئ وتعالي حتى أقدم لهم مشروب "
"ألا تعلمين لما أتوا ؟" سألت سديل بقلق فهزت سنا رأسها نفياً وقالت :-
"لا
حتى سراج حدثني أمساً يطمأن علينا ولم يخبرني شئ عن زيارة أبيه وإخوته "
" حسنا هيا "
بعد ربع ساعة
كانتا تجلسان متجاورتان ترحبان بأقاربهما وتقدما لهم المشروبات باحتفاء جعل عين الشيخ تلمعا باعجاب هامساً
" عرب من صلب عرب "
صدح صوت أحد أعمامها وأكبرهم قائلاً بلا مقدمات :-
"أين زوجك يا سنا
لما أنتِ هنا بشقة خالتك ؟"
" زوجي ؟" همستها سنا بشحوب ثم حاولت الابتسام وهي تقول بنبرة منضبطة :-
" لما تسأل عنه يا عمي ؟"
هدر عمها الأخر قائلاً بنبرة مرعبة ساخطة :-
" نسأل عنه يا ابنة الأصول لأنه أتى إلينا وأخبرنا بطلاقكم "
وأخر يقابل عليه بنفس النبرة المرعبة :-
" تطلقين من زوجك دون أن تلجأي لأهلك ثم بكل تبجح تعيشين أنتِ وأختك هنا بالعاصمة وحدكم
ألا حساب لنا ولوجوهنا ؟
ألا كبير تعودون له ؟"
"مسألة طلاقها تخصها
وأين كنتم منا ؟ منذ أن مات أبي ولم يسأل علينا أحد فيكم " قالتها سديل بانفعال حاد جعل أحدهم كاد أن ينقض عليها ضارباً لولا أن هدر الشيخ بنبرته الباترة :-
" إياك أن تفعل
ابنة الشيوخ لا تهان ولاترفع عليها يد
عد مكانك هيا "
نظر له الرجل وكاد أن يجادل إلا أنه عاد وجلس يحدجها بنظرات قاتلة
صمت الشيخ لثوانٍ ثم نقل أنظاره بين الجميع وقال بنبرة جادة صارمة :-
" تركت الجميع ليتحدث على راحته ولم يكن يصح أن يعلوا صوتاً على صوتي
لذا لا أريد أن اسمع أحد اللحظة "
وجه أنظاره ناحية سنا وسديل وسأل بحزم :-
"أين أخيكم ؟"
" لا نعلم عنه شئ " قالتها سنا فواصلت سديل :-
" أخر اتصال كان قبل وفاة والداي بأسبوع "
أومأ وهو يضرب الأرض بعصاه ثم قال لسنا بحزم :-
" منذ متى طُلقتِ ؟
وما السبب ؟"
شعرت سنا بضيق أنفاسها ودموع تخمش عينيها إلا أنها ضغطت نفسها كابتة شعورها كما أصبحت تفعل بالفترة الأخيرة
تشبك أصابعها ببعضهم البعض وقالت بنبرة مبحوحه :-
" طلقت منذ......... "
تنحنحت وواصلت باختناق :-
" السبب لا أريد أن أتحدث فيه "
" ماذا يعني لا تريدي أترينا صغار أمامك ؟"
كان هذا صوت أحد أعمامها الساخط إلا أن الشيخ رفع كفه ليصمته ناظراً لها بقوة جعلتها تسبل أهدابها فصدح صوت أحد أبنائه قائلاً بنبرة رزينه لكنها لائمة :-
" لما لم تخبرينا يا ابنة الأصول ؟
والذي خلق السماوات إن كان لكِ حق كنا لنعيده لكِ باقتلاع عينيه "
دمعت عينا سنا فأغمضتهم ثم همست بنبرة قوية هي أبعد ما تكون عنها :-
" من أخبركم ؟"
"أخبرنا زوجك الذي أتى مطالباً بعودتك له " قالها أحد أعمامها فاتسعت عينيها بذعر مذهول
ألا نهاية لوقاحته ؟
ألا نهاية لنزيف جرحه
يا إلهي أكان كابوس ووقع عليها ؟
ألم يكفيه أنه كسرها ولم يعد بها شئ ليرمم ؟
الجزع بعينيها التقطه بن الشيخ فهدر بقوة :-
"ألا تريدين العودة له ؟
هل أذاكِ ؟"
أذاها ؟! ابتسمت في نفسها ساخرة
كلمة الأذى تبدو شديدة اللطف جوار ما أحدثه عمار في روحها
" ما هذا الكلام الماسخ يا بن الشيخ
المرأة لزوجها وإن كسر عظامها " كان هذا صوت عمها الأكبر فتمنت سديل لو تنقض عليه لتخمشه بأظافرها
إلا أن نبرة سنا خرجت متوسلة وهي تنظر لجدها الشيخ وتقول :-
" لاأريد العودة له يا جدي
لا أعرف ما قاله لكم لكن ورحمة أبي يا شيخ لا أريد العودة له "
تدحرجت إحدى دموعها ثم قالت بنبرة مشروحه لكنها أبيه :-
"إن كان هو طلب أعمامي لعودتي له فأنا طلبتك يا شيخ ألا أعود "
" هل تصغرين أعمامك أمام الشيخ وقبليته ؟
إن كان هو خال والدك فنحن أعمامك "
انتفض ابناء الشيخ بحمية ونية واضحه للشجار وقد هدر أحدهم قائلاً لعمها :-
"أتريد التقليل من أبي ؟"
رفع الشيخ عصاه أمام أبنائه منتظراً بصمت فعادوا لأماكنهم
وبإهانة مقصودة لأعمامهم كان الشيخ ينظر للفتاتان وقال بنبرة قاطعه :-
" اسمعا
وجودكم وحدكم بالعاصمة دون رجل أمر مرفوض تماماً"
نقر بعصاه أرضاً ثم قال بنبرة حازمة باترة :-
" سنترككم عدة أيام لتفكرا
إما أن تعودي لزوجك يا سنا إن أردتِ وإن لم تريدي لكِ هذا
إما أن تنتقلا للعيش معنا وإن لم تحملكم الأرض سأحملكم فوق رأسي ؟"
" وهل مات أعمامها يا شيخ ليجلسا عند أخوال أبيها ؟"
" إن لم تعود لزوجها فهي وأختها عندي أنا بيت عمهم الأكبر بالريف مفتوح لهم وأبناء عمهم أولى بهم "
لم يستطع الشيخ أن يجادل إلا أنه تنهد بصمت وهو يقول بنبرة رحيمة :-
" فكرا وردا علينا "
نظرت هي وأختها لبعضهم البعض بعجز دون رد
هل تعرف الشعور ؟
أشبه بغزالتان صغيرتان سطا حيوان مفترس على أمهم فتركتهم في العراء بلا ظهر لتتكاثر عليهم الضباع الناهشة
.......................
خيبة الأهل مميتة تجهل آنات أرواحنا مرتاعة جزعة على شرفات قلوبنا
"أنتِ لن تكسرين كلمتي؟
لا تظنين أن بمساندة أخيكِ وخالك لكِ سيتغير شئ
لم يخلق من يُحني هامة أبيكِ بعد"
"هل تظنين أن والدك سيلقيكِ لأي مصير ؟
بالطبع أخذت منه وعد الرجال أنه سيتعالج هل تتركين رجلك في محنته
قفي جانبه حتى يتعالج ولن ينسى لكِ صنيعك"
عادت من ذكريات الأسبوع الماضي ماسحه دموعها وهي تتحرك لتقف في الشرفة
أسبوع مر منذ أن أجبرها أبيها على العودة
أسبوع مر يعاملها هو فيه كالملكة المتوجه وهو يخبرها أنه سيبدأ العلاج بالفعل
أسبوع مر من المفترض أن تسكن نفسها وتهدأ وقد لمست تغيره لكنها لا تفعل
الغريب أنها لا تعرف بأي أرض تطأ قدميها
إن كانت أرض الحب فلما لا يرتضيه قلبها وتهدأ جوارحها
لما لا تسكن لتودده وتستكين لعطفه؟
لما تستجيب لعاطفته غير راغبة و وترنوا لشغفه بلا مشاعر صاخبه؟
وإن كانت أرض الكره لما لا تشمأز من مجاورته ؟
لما يؤلمها قلبها كلما شاهدت الصراع على ملامحه
لما تتعطف عليه كلما راودته الحالة
تلك الحالة التي تتلبسه فتجعله النقيض منه
هي خائفة ؟
حبه لم يعد رائق بل أصبح محتلٌ بالشوائب
بئس حبٍ احتله الخوف فكان كوطن منهوب لا تدفئ قلب ساكنيه شمس ولا تظلل عليهم سماء
حبه في قلبها أصبح مشوهاً منذ أن تسلل الخوف لأذقة حياتهم فاستولى عليها
لقد أصبحت تحلل كل نظرة منه
كل شاردة وواردة
حتى وهو يحاول جاهداً لطمأنتها مؤخراً لا تفعل
كيف لمن اعتاد الخوف أن يسكن للطمأنينة ؟
صوت إغلاقه لباب الشقة جعلها تنتفض ككل مرة يأتي فيها فتنهدت خارجة من الشرفه
رسمت ابتسامة باهتة على وجهها لم تزد عنها حتى لا يسئ تفسيرها كما يفعل ثم قابلته هامسة :_
"حمداً لله على سلامتك "
"سلمك الله" قالها بنبرة أوجستها لم تقف عندها وهي تتحرك ببطنها البارزة ناحية المطبخ قائلة :_
"سأغرف الغداء إلى أن تنتهي "
بعد دقائق طويلة كان يجلسان على طاولة السفرة
تأكل بنهم لكن بلا شهية حتى حانت منها التفاته له فوجدته منهمك بتناول طعامه بشهية مفتوحه جعلتها تدعوا الله سراً بالصبر
بعد ساعتين
يشعر أن ناراً مغلية بمعدته وكأن سكاكيناً متواطئة لتقطع فيها
هب من فراش قيلولته ليتحرك بلا هوادة ذهاباً وإياباً والوجع يشتد حتى أن حبيبات العرق تتجمع على جبهته
تحرق ليقيس درجة حرارته فوجدها معتدلة لكنه لا يستطيع تحمل الألم
حك جبهته يحاول التفكير حتى سطع في عقله مشهداً لما فعلت وقت الغداء
لقد بدلت صحون الطعام ووضعت له الصحن الممتلئ قاصدة حتى ينزل ببطنه ما وضعته فيه من سموم
جزع وهو يهب من مكانه بفزع صارخاً باسمها بجنون
فانتفضت في مكانها وقد كانت تشاهد التلفاز
تحركت تسأله بقلق:_
"ماذا حدث؟"
اقترب حتى مسكها من عضديها يهزها صارخاً بجنون ووجهه أحمر كالمنامة التي ترتديها هذا خلافاً عن عيناه الدامعتان :_
"ماذا وضعتِ لي في الأكل؟"
اتسعت عينيها بقلق وهي تقول بحسن نية :_
"هل كانت الشطة كثيرة ؟
هل أتعبتك"
يضحك ضحكة مجنونة وهو يهمس بنبرة خلق لأجلها الشر :_
"أتسميها أنتِ وهو الشطة ؟
هل خالك الطبيب من يحضرها لكِ؟
صحيح هذا ما يتعلمونه بأعمال الشعوذة والشيطنة التي يمثلها علينا؟"
اتسعت عيناها ذهولاً وهي تقول:_
"شهاب ؟
ما الذي دخل شهاب بالأمر
ولما تتحدث عنه هكذا ماذا فعل لك لتكرهه؟"
ظهرت نظرة مزدرية على ملامحه وهو يقول:_
"أيخيل عليكِ الدور الذي يرسمه؟
أعمال شيطاطين نعوذ بالله منه ومن أمثاله "
نفضها عنه فأوقعها أرضاً بلا شعور فدمعت عيناها وقد عزت عليها نفسها وهي تتحامل على آلامها وتعتدل جالسة دون أن تقوى على الوقوف تسمعه يواصل:_
"لهذا وضعتِ أمامي الصحن الكبير ساعة الغداء ها؟"
بكت وهي تضرب كفها بجبهتها ثم صرخت قائلة:_
"لقد وضعته أمامك لأن ملحه زائد وأنا منعني الطبيب من الملح طيلة فترة حملي"
التفت لها متهكماً:_
"تعلمتِ النصب منهم "
حوقلت وهي تتنهد قائلة بعزم:_
"هذا لن يفلح يا سعد أنا لن أتحمل كثيراً يجب أن تذهب لطبيب نفسي"
برقت عيناه بغضب وانفعل عليها قائلا:_
"هل تهدديني؟
الباب يمرر مائة جمل
بفضل الله أنا سليم مائة بالمائة ولا أحتاج لطبيب أو لغيره "
.....................
يتبع