بسم الله الرحمن الرحيم
الرابع والعشرون
*************
كان ناصر قد رتب بألا يخرج فادي من الفخ الذي كان يظن بأنه أحكمه له إلا بعد خروجه من فرنسا مع جنات وجنة بعد العقد عليها ليكون من حقه الخروج بها وبجنات.
وأزادت العمة ميمي وياسمين في الإحتياط بتسريب خطف جنات حتى لا يلحق فادي بهما. وليخشى مغبة أفعاله العشوائية . ولكن ما لم يحسب له حساب هو تورط نادر. وهذا ما
ساهم في خروج فادي من فخه صنع يديه والذي وقع فيه بسلاسة وخرج منه بعد وصول ناصر لمصر بفضل موبايل نادر.
بينما ظنت سهاد ، بعد رجوع الجميع منتصرين بأن الطريق أضحى معبدا لها لتحقق حلمها. فبعد الفعل الحاقد الأهوج الأولي لها تجاه جنة عندما علمت بعقد قرانهما للوقيعة بينهما، وبعد تلقي جنة المكيدة بعقل راجح ورزانة واتزان؛ قامت بتصويرهما.
وعندما كانت ترسل الصورة لفادي لتسحبه إلى مصر غيرة منه على جنة وقعت واضطرت لادعاء المرض لتفلت من لوم العائلة. كانت تريد بأن يأتي على وجه السرعة لتعرض عليه أسهم والدها_ والتي مازالت تشك في كيفية حصوله عليها_ ربما كان طليقها يرضي والدها ليزوجه منها مرة أخرى. هكذا ظنت. كانت متأكدة بأنها تستطيع إيقاع فادي في شباكها بكل سهولة والزواج منه بكل يسر. فلن تعدم وسيلة لإيقاعه في حبائلها بالمكر. فلم تعييها الحيلة في السابق مع زوجها الراحل ولن تعييها الآن بالتأكيد. كانت منهمكة كلية في تخيلاتها بالزواج من فادي و الاستئثار بثروته وأفاقت من
من انغماسها في مخططاتها على صوت موبايلها. وعندما ردت كادت تموت رعبا. اتسعت مقلتيها من هول ماسمعته وكأنها تسمع
عن شبح:
- هل هذه مزحة من أنت؟!
- طليقك. أنسيتي صوتي؟!
- كاذب. لماذا تقلد صوت زوجي الميت. إياك أن تتصل بي مرة أخرى وإلا سأتصل بالشرطة لتلقي القبض عليك أيها المحتال المدعي المزيف. قالت ذلك ثم أغلقت هاتفها.
كان حفيف أشجار نهاية فصل الشتاء بصقيعه الغير عادي بسبب التغيرات المناخية والتي يعاني منها العالم أجمع يتناغم مع زقزقة الطيور بسمفونيتها المحببة المهدأة
والتي تتميز بها مصر . كان الربيع بصحوه وجماله المميز الغير عادي يطرق أبواب مصر. كانت جنة تتحدث مع ليلى هاتفيا عن طريق الهاتف الخلوي متخيلة إياها تلملم أوراقها
في نهاية يوم عمل في شركة لؤي.
كان صوت ليلى تغاريد وبشريات محلقة بأجنحة النجاح والبهجة لتحلي الأيام الذائبة برحيق تحقق الشهرة لليلى حيث توجت روايتها الأولى باللغة الفرنسية بالمركز الأول من جائزة آسيا جبار و هي جائزة أدبية خاصة بالرواية أطلقتها عام ألفين وخمسة عشر الوكالة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار بمناسبة الصالون الدولي للكتاب بالجزائر وتمنح سنويا لأفضل روايات جزائرية مكتوبة باللغات العربية أو الفرنسية.
على الرغم من أنها روايتها الأولى إلا أنها كانت
مبتكرة ومتقنة ورائدة. جمعت فيها ليلى بين ينابيع
الشباب الفياضة الرقراقة العذبة المتجددة وعمق وثقل
الفكر الأدبي العتيق المتعارف عليه. هي كانت رواية وسيرة ذاتية بأسلوب
نقي مطور عن رائدة الشعر الفرنسي والأوربي منذ ثلاثة
عقود متتابعة بلا كلل بل بنسمات مد وهبات منعشات.
جنات، الشاعرة العالمية والتي نحت الكتاب الروائي عنها
بمداد الذهب في أنصع صفحات التاريخ ميلاد الروائية العملاقة فيما أشهرته روايتها صراحة بفصاحة و أسلوب حديث ومعاصر وسابق لتقنيات الرواية والشعر مثل سبقا عن جوهر الرواية المعروف في الجزائر أو الغرب .
وقد جاءت كل المراجعات عن الرواية والمقالات النقدية لها ترشحها لنيل جوائز الداخل ناهيك عن حصد جوائز لها باع ويشار لها بالبنان في الخارج. كل ذلك كان تتويجا مبكرا لها وهي تخطو خطواتها الأولى في حقل الكتابة الروائية وحصاد مثمر مبكر لتفانيها واجتهادها لسنوات في مهنتها. كانت الجائزة هدية زمانها لها و مفاجأة حلوة كانت تسكن أمنياتها ولم تكن تنتظرها، حقيقة.
كان الكتاب يمس شغاف القلوب على المستوى الإنساني والفكري. كان إثراءا للروح وريا ذاخرا و منعشا
للفكر وتعريف بإنسانة عظيمة على الصعيد البشري ومجال عشقها. وبث لشغفها الشعري الرائع للجميع. والذي يحمل هموم الجميع على أجنحته الشعرية الذهبية و يحكي عن معاناتهم ببلاغتها وتمكنها اللغوي. كانت أبلغ سفيرة للقضايا الفلسطنية. ولطالما كتبت عن معاناة الفلسطينين في الداخل وفي المهجر أو صعوبة ظروف المعيشة في بعض المخيمات . وعن حجم الظلم الذي يعاني منه الفلسطنيين منذ النكبة. إلا أن أغلب قصائدها كانت تحليقا عبر نوافذ الأمل لآفاق التحرر والحرية وتحقق أحلام الفلسطينين والعالم العادل لهم وبهم لمحو جبال ظلمات الاحتلال وظلمه وجور تعسفاته ووجوده وأوهامه.
كانت الكلمات منارات كاشفة عن الشغف بشعر جنات بأسلوب ليلى البراق البليغ الشديد الإتقان والشديد الرقة والعذوبة . لذا نالت جنات هي الأخرى جائزة مبتكرة في مجال الشعر القصصي. لأن لها أشعار بالفرنسية متنوعة لها أعمق التأثير منظومة بإتقان شعري على هيئة قصص قصيرة. وكان هذا ابتكارا في المجال القصصي استحقت عنه جائزة خاصة بها. وكان بالكتاب أكثر من فصل عن جنة كإبنة للشاعرة النجمة المتألقة والتي تسير على خطاها وتنتهج دربا أدبيا لافتا ينم عن موهبة إن لم تكن مواهب مبتكرة سابقة لعصرها.
كما تمت الإشارة بالتأكيد إلى العمة ميمي والتي لها بالغ الأثر في شعر جنات. فريشتها التي لونت بها العالم للجميع أثرت الحس الوطني والجمالي لشعر جنات. فرسومات ولوحات ميمي العالمية الشهيرة بإنسانيتها وتعاطفها مع الطبيعة بصفة عامة ومع كافة البلدان التي تعاني أو التي تفرح وتنتصر كانت الرابط بينهما رغم بعد البلدان. فكانت تخط بريشتها ملاحم النفس البشرية ومراحل زخم العالم كله. وهذا ما أثر في وأثرى شعر جنات أيما إثراء منذ نعومة أظافرها كمهاجرة عانت عائلتها من مرارة الفراق وحدة قسوته وكأن فن عمتها ميمي كان صلتها بالجذور وبأصولها وبعائلتها التي عانت من الفراق لظروف خارجة عن إرادة الجميع . لذا اتفقت ليلى مع جنة على أن يكون الكتاب التالي لها مشترك الجهد بينهما عن العمة ميمي وأثرها و لوحاتها وعن حياتها. سيكون قصة حقيقية عن أعمالها الفنية وبصمتها المميزة في الفن العالمي وليس المصري فقط. سيرة ذاتية عن فنانة العالم كله شغوف بالتعرف عليها. وعلى حكمتها وطابعها المميز كإتسانة وكفنانة شهيرة للغاية برسوماتها ولوحاتها المبهجة المساهمة في التعبير والتغيير لواقع أجمل عبر رسائل فن الرسم.
كان لجنات أبلغ الآثار في الشعر المعاصر بكافة صنوفه. وكانت تساند بشعرها كل من هم بحاجة لها. كانت لها أشعار وطنية باللغة الفرنسية ليس عن فرنسا ومصر بلد المنشأ الأصلي فقط بل عن أماكن عدة في العالم. كانت ليلى تضاحك جنة بأنها بمجيئها لفرنسا
لتسلم الجائزة بدلا عن والدتها تكون حلت مشكلة بقائها هي وخطيبها تحت سقف واحد.
- في الحقيقة المشكلة حلت لأنه سيسافر لإحدى الشركات بالخارج ولكن لن تطول غيبته. وأمي مازالت مترددة بعد ذكر خطبتها لناجي في سيرتها الذاتية في اصطحابي للخارج
لتسلم الجائزة معي.
-ماهذا العروس والعريس ووالدة العروس بالخارج. إذا من الذي سيقوم بترتيبات الزفاف ؟
- أووه. محبينا كثيرين. وكلهم يريدون الإسهام والمشاركة في التجهيز لحفل الزفاف. بالذات لأن حفل زفاف عهد وراجح ووالدتها ووالده سيكون قبلنا بقليل. فتعهدت عهد
بتعاهد الترتيبات وكأنها تقوم بها لنفسها على أن نتابعها أنا وأمي. من الخارج مع ناصر من مكانه في الشركة الجديدة
بالخارج في الولايات المتحدة الأمريكية .
- و أخيرا سنلتقي ياجنة بعد كل هذه السنوات. تعرفين بأن البهجة التي أشعر بها لقدومكما وبأنك ستقيمين معي أنتي ووالدتك طيلةإقامتك بالجزائر تكاد تسع العالم كله. كلنا هنا ننتظركما. الجميع هنا يريدون التعرف عليكما.
- هل من ضمن الجميع لؤي. هل عرف من أنتي؟
- سيعود غدا من فرنسا. وبالتأكيد لابد أن أخبره. يوميا من يوم عملي معه كنت أنتظر الفرصة المواتية لاطلاعه على الأمر برمته ولكن لم تكن هناك فرصة سانحة أبدا.
- أتساءل كيف تعملين معه بدون أن يطلع على اسمك بالكامل؟!
- منذ اليوم الأول لعملي معه رفضت تقاضي أجر وكنت أظن حينها بأن عملي معه لن يطول عن شهر. فإذا بالمدى يطول لسنوات وقمت بعدها بتأسيس دار النشر على الانترنت باسم مختصر لي ونجحت فيها فأصررت أكثر على عدم تقاضي راتب من شركاته. وفي يومي الأول للإلتحاق بالشركة كان الوقت تقريبا كالآن بعد أن أنتهت المقابلة معه. فذهبت بنفسي بملفي لشئون العاملين كما طلب مني وتركت الملف هناك فلم ءجد أحد يتسلم متي ولم أكتب اسمي كاملا به. كما وضعته بنفسي بين الملفات فلم يتعرف علي أحد هناك في الشركة. ولكن ومع جائزة بهذا الوزن اسمي أصبح متداولا من الجميع. وأتمنى أن أخبره قبل أن يسمع عني من غيري حتى لا يغضب مني.
فأنا فعلا لم أتعمد إخفاء اسمي عنه. والمشكلة ليست به. ولكن في بعد أقربائه. وليست في عائلتي أنا أيضا. ولكن بعد أقارب والدي من بعيد والذين لم نكن نؤيد بعض توجهاتهم عبر عشرات السنين الفائتة.
وهي تنهي كلامها مع جنة على أمل لقائها القريب شعرت به. إنه هنا. هل أتاها حقا؟ كان من المفترض به بأن يعود غدا لا اليوم. استدارت. ورفف قلبه هو بين ضلوعه عندما التفتت إليه بخفق يسابق بعضه بعضا. لكم كان ينتظر لقائه بها بفروع صبر. وكم كان يسابق وجوده لرؤيتها بعدما لم يعد يطق الفراق الصعب والذي لا يد له فيه ولا دخل له به.
وجدته أمامها فعلا. ولكم افتقدته. لقد خطبها عن بعد ووافقت هي على الرغم من البعد وكانت بانتظاره تعد الأيام بصعوبة كصعوبه فرقته عنها. ترى كم سمع من حديثهما؟! نظرت إليه بشغف وعلى استحياء فوجدته مصدوم. حائر بين لهفته للقاء خطيبته بعد كل هذا البعد وبين رد الفعل المناسب على معرفته لمن تكون فهناك عداء بين عائلتيهما. بعد ما سمعه ذهل. هل يتلاعب به الزمن؟! هل سيعيد نفسه مرة أخرى. هز رأسه رافضا لهكذا فكرة. ودلف لغرفة مكتبه. وجلس وراء مكتبه وكأن ثقل جبال العالم بأسره تنوء به كتفيه العريضين للغاية ونظر إليها بهدوء.
ازدردت ريقها مطأطأة رأسها. ولا أسعفتها سرعة بديهتها ناهيك عن خفة ظلها المحببة لديه. كلاهما جفت ينابيعهما لوهلة قصيرة.
- ألهذا الحد لا تثقين بي!
- أبدا. أثق بك بعمري. أثق بك أكثر من العالم أجمع.
- لكي طريقة عجيبة في إظهار ثقتك بي. فكل أفعالي منذ البداية تنطق بما لم أتلفظ به. وظننته واضحا وضوح الشمس لكي.
عقصت أنفها بطريقة ظريفة لأنها ضبطت متلبسة بما كانت تتهيب بالإعلان عنه له منذ أكثر من سنتين:
- ليس منذ البداية.
وهزت رأسها بطريقة ظريفة ثم أسهبت:
- أيها الأديب اللوذعي.
قالت هذا وهي تضع يدها اليمني في وسطها بحركة
طفولية لذيذة. فلم يتمالك نفسه وخرجت بسمته مفاجئة إياهما على حد سواء
كلاهما ضحك على بسمة الإرتياح التي داعبت شفتيها الجميلتين لأنه لم يغضب منها. هل من المفترض به أن يغضب منها ؟! أتظن هذا به حقيقة ؟
أنى له حقا أن يغضب منها؟ فالإنسجام الذي ظلل علاقتهما منذ البداية أبى إلا أن يستمر ويطغى في لحظات من المفترض بها أن
تكون شجار بالنسبة لأناس ليسوا هما.
- لقد أحببتني وأنت تظنني مكافحة.
قالت أحببتني بتردد ناظرة إليه يترقب من تحت رموشها المسدلتين قليلا .
- وأنت فعلا مكافحة .
- لكني من عائلة ثرية للغاية. ولم أتعمد إخفاء ذلك عنك. بل حدث من قبل أن أقابلك وأعمل معك. وعندما دخلت في مواجهاتك
صعب علي أمر الإفصاح أكثر. ولكني كنت بجانبك على طول الطريق.
أحس بأن عليه هو وهي بالذهاب لمكان هادئ للتحدث عن هذا الأمر بروية و دراسته من كافة جوانبه. و التفكير في كيفية ارتباطهما.
ودراسة كافة التفاصيل بتمعن.
قام من مكانه باتجاه الباب ظانا
بأنها ستدرك ماينتويه. وستتبعه.
فإذا بها تسبقه وتقف أمامه وأمام
الباب:
- إلى أين أنت ذاهب؟! هل أنت قادر على الابتعاد فعلا!؟ لخطأ لم أقترفه في حقك. ولم أتعمده فعلا. ألا تدري كم يعني لي اهتمامك ومعاملتك المميزة لي وأنت من أنت وأنت تظنني فقيرة. هذا من أكثر الأشياء التي
جعلت لك في نفسي منزلة لن يصل إليها أحد. أنت أشرف من عرفت وأنا أكن لك احتراما يفوق الوصف . واحترامي لك هو ما صعب علي الكشف عن لقب عائلتي. كنت مترددة في توقيت اخبارك. ولكني كنت سأخبرك لا محالة. منذ يومي الأول هنا قطعت على نفسي عهد بذلك.
- لماذا لا أستطيع الإبتعاد عنك؟ هذا أمر يحتاج دهر لشرحه.
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
كانت أجمل عروس على الإطلاق. وكان هذا يومها الموعود الذي طالما تخيلته وانتظرته مع من يحبها حبا لا تظن بأنه وجد مثله قبلهما. ولاتعتقد بأن أحدا سيحظى بمثل حبهما. كان سعادتها لا حد لها.
موبايلها رن بنغمة وصول رسالة. وثب قلبها بيقين بأن هذه الرسالة من عريس الأحلام. ولكنها نست في غمرة الانشغال بزينتها بأن تشحن الموبايل. ترى أين شاحن الهاتف؟ تنهدت من لهفتها لفتح رسالة زوجها الذي ستزف له بعد دقائق. و عندما أطلت الرسالة على الهاتف انقلب عالمها رأسا على عقب فجأة.
- (عهد حبيبتي. مالك حياته في خطر. لقد حوصر حماه على حدود روسيا ولأنه ليس له أبناء ذكور لحقت به زوجة أخي مخفية الأمر عنه. وعندها لحقها
مالك مخفيا الأمر عنا. مالك مختف هو وزوجته وحماه...)
لم تطق عهد صبرا على إكمال الرسالة. كان هاتفها الخلوي سيغلق بين لحظة وأخرى. فاتصلت به.
- عهد حبيبتي. كنت متأكد من تفهمك.
- نعم.
قالتها. فباغتها الهاتف منغلقا فاصلا إياهما منضم لعالم جائر_ فكرت متوجسة وضميرها الحي يؤنبها_ يصر على تكديرهما في يومهما الحلو.
هي لاتدري ما الذي يحدث معهما. و توقعت بأن يأتي راجح ويخبرها بما يريده منها فأخذت تشغل نفسها بالبحث عن شاحن.
على أية حال هو من المفترض به أن يصل بعد أقل من ساعة ليصلا لقاعة الاحتفال الكبرى في أفخم مكان والتي سيقام بها حفل الزفاف.