آخر 10 مشاركات
المتمردة الصغيرة (25) للكاتبة: Violet Winspear *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          إغراء النسور - آن ميثر ** (الكاتـب : Just Faith - )           »          1121-زواج ألزامي- بيني جوردان -دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          Harlequin Presents - October 2013 (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          Harlequin Presents April 2013 (الكاتـب : سما مصر - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          347 - الراقصة و الارستقراطي - عبير الجديدة - م.د ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : lola @ - )           »          ..خطوات نحو العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : smile rania - )           »          الملاك والوحش الايطالي (6) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree71Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-01-12, 07:56 PM   #691

maroska

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة

alkap ~
 
الصورة الرمزية maroska

? العضوٌ??? » 141454
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 4,911
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » maroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل السادس

سارة
حركت محتوى الكوب بسرعة بواسطة الملعقة الصغيرة التي كانت بين أصابعي.. ثم أمسكت الكوب بيدي لكي أرفعه إلى شفتي أرتشف القهوة الساخنة.. أبعدته عني بسرعة بعد أن أطلقت آهة صغيرة لم أستطع كبحها بسبب سخونة القهوة التي حرقت لساني.. سمعت صوتا ساخرا يقول:
" على مهلك.. فعملك القدير لن يطير!!"
رفعت رأسي إلى والدي الذي كان يجلس هو الآخر على طاولة المطبخ الكبيرة بمقابلتي يتناول فطوره بهدوء بعد أن تخلص أخيرا من مهمة توصيل حسناء كل يوم صباح إلى مدرستها وإعادتها من مدرستها وذلك بعد قرار مفاجئ منها هي بأن تترك أمر توصليها إلى رشيد.. قلت له بهدوء ينافي ما كان يتاجج في داخلي إثر كلماته التي عرفت معناها جيدا وأيضا بسبب بروده المفاجئ من ابنة وصلت البارحة ولم يلتقي بها لحد الآن:
"مديري يكره بأن يصل قبل موظفيه"
"بيتر يانسنس."
قهقه بقوة حتى تردد صوته في المطبخ الخالي والصامت صمت الأموات.. ثم عاد بنظره إلي وهو يقول بنبرة ساخرة:
" سارة يا ابنتي إلى أين أخذتك الأقدار؟؟.. تعملين مع ابن أكبر أعدائنا.. مستغرب جدا كيف أنه وافق على عملك معه.. حقا أنا مندهش ولا أفهم شيئا!!"
الاندهاش والاستغراب نفسه ما حدث لي عندما علمت بخلفية مديري الحقيقة وبأنه من عائلة يانسنس نفسها الذي يقف على قمتها فيليب يانسنس.. لكنني أقنعت نفسي بشيء واحد جملة واحدة هي من استطاعت أن تكبت فضولي في داخلي وتجعلني أقفل الباب على تساؤلاتي ومخاوفي يوم أن علمت بحقيقة رئيسي في العمل.. وهو نفس الجملة التي رددتها لوالدي:
" إنه بالتأكيد ليس مثل والده والدليل أنني أمضيت معه شهران بالعمل وقد مرا بأفضل ما يكون"
"لا أظن عزيزتي.. كيف لشخص تربى بين بيئة تكره المسلمين والعرب أن تتكون لديه أفكار حميدة عنا.. على العموم الأخبار السياسية والاشاعات تتداول بأنه سياخذ مكان والده في الحزب"
قال جملته الاخيرة وهو يبتسم ابتسامة أغاضتني وجعلت الدموع تحرقني.. دموع حكم عليها أن تبقى طي الكتمان في مقلتي عيني.. لماذا يحاول احباطي دوما؟؟.. هل هذا فقط بسبب أنني لم أتخلى عنها.. لكنني لا أستيطع مثلما لدي واجب نحوه لدي واجب نحوها.. ثم ان لها مكانة خاصة في قلبي كيف لا تكون كذلك وهي أمي وستبقى هكذا مهما فعلت كما أنه سيبقى أبي مهما فعل.. قلت له رافضة كلامه عن عملي ورئيسي:
" طيلة فترة عملي هذه معه لم أتلقى منه سوى المعاملة الحسنة والعمل الجاد والاحترام.. رئيسي في العمل شخص واع وراق في تفكيره كثيرا وليس لأن والده عنصريا فيعني ذلك بأنه هو ايضا من نفس طينته."
صمت بعدها وأنا أسمع صمته هو الأخر.. لذلك رشفت من كوبي أخر رشفة بسرعة حتى أذهب إلى عملي.. لكنني رفعت نظري إليه غير مستوعبة لما سمعته أذناي فترجيت من عيني أن تستطيعا قراءة نظراته وملامحه لعلهما تكونان أوضح من كلماته عندما قال لي قبل لحظات:
"أظن بأنه قبلك في الوظيفة لأنه يظنك واحدة منهم.. أصلا ودينا"
"ماذا."
صرخت بهذه الكلمة بعد أن استوعبت تلك الجملة أخيرا.. صرخت بعدم تصديق لمجرى افكاره التي ببساطة فظيعة لا يمكنني تقبلها ليس لهذه الدرجة.. نظرت إليه بقوة أنتظر تفسيرا مقنعا وشرحا أوضحا لكلماته لكنني شعرت بأنني استعر حرارة وبأن اعصابي على المحك عندما رفع كوبه إلى فمه يشرب قهوته بهدوء وكانه لم يقل كلاما لا يقبله العقل ولا المنطق قبل ثواني.. رأيته يعيد وضع كوبه على الطاولة بنفس الهدوء قبل أن ينظر إلي من جديد ويقول:
" لقد تفاجتئت كثيرا عندما عرفت قبل مدة بأنك تعملين لدى بيتر يانسنس نفسه حتى أنني لم أصدق في البداية لكن فيما بعد فكرت.. ووجدت بأن الأمر ممكن.. فلا أظن لا الرجل ولا أحدا في ذلك المبنى من الموظفين يعرفون بأنك عربية مسلمة.. فكيف لأحد بأن يعرف ذلك وأنت تنزعين الحجاب قبل الدخول ومع شكلك الذي يشبه الأوروبيين أكثر من العرب أعتقد بأنني فهمت ما يحصل جيدا اضافة إلى أنك فتاة منطوية ولا أظن بأنك تتحدثين عن نفسك كثيرا مع زملائك في العمل لذلك فليس هناك فرصة لكي يعرفوا بأنك عربية ومسلمة.. ظننتك أيضا تعرفين بكل هذا وبأنك سعيدة لأن الحظ يلعب في صفك وبقوة سارة."
كنت أشعر بصدري يصعد وينزل بسبب تنفسي الذي تسارع على وقع كلمات والدي .. كانت قاسية .. فظيعة .. لم أتخيل يوما بأنه سيفكر بهذه الطريقة .. لما عليه أن يحطم ولو مقدارا بسيطا من الهناء والراحة أكون قد حصلت عليه .. لست سعيدة كليا في عملي بسبب حجابي الذي أضطر لنزعه صحيح .. لكن مع ذلك وجدت بعضا من الراحة مع زملائي في العمل واحترامهم لي خصوصا لطف اريكا وصداقتها لي حتى ولو لم تكن صداقة مقربة إذ أنها لم تتجاوز حدود العمل .. لكنني سعيدة بها .. والأكثر من كل هذا أنني لا أستطيع أن أتخيل نفسي يوما لا أستطيع رؤيته .. هو ..."
ما وصلت إليه أفكاري كان صادما لي .. مرفوضا لخلايا عقلي .. مستحيلا ومن سابع المستحيلات .. لم أجد نفسي سوى أنني أحول مجرى أفكاري بسرعة كبيرة ورغما عن عقلي الذي لم يعد يستطع احتمال الكثير من تلك التناقضات والحروب التي تتخبط في داخله .. قلت بصوت حاد لم أعتد أن أخاطب به والدي:
" لما تخبرني باستنتاجاتك هذه الآن؟ .. ماذا ستفيدني فلو أنا اهمك لما تركتني أعمل لدى الغير واضطر للخضوع لشروطهم القاسية .. بينما أنت باستطاعتك أن تدعني أعمل معك."
الهدوء شحن الجو بتوتر خفي إلا عن قلوبنا الذي كان يلعب التوتر على أوتارها ببراعة.. طال الصمت حتى حسبته دهرا لا بداية ولا نهاية له .. لكنه فاجأني بعدها بابتسامة ساخرة ارتسمت على فمه الذي كان مزموما كانه خيط رفيع .. ابتسامة علمت الآن من ورثتها عنه .. أسيل .. قال وهو ما يزال محافظا على تلك الابتسامة التي لم أكن احبها أبدا:
"لقد ظهرت على حقيقتك سارة .. هدوئك الغريب وصمتك الدائم لطالما شككت فيه .. الآن ظهرت حقيقتك خلف قناع البرود واللامبالاة إنك تخفين بركانا وراء ذلك القناع الهادئ هدوء الموتى .. بركانا ينتظر فقط متى تنفجر حممه في وجهي.. أوليس كذلك سارة؟"
أصابني الارتباك جراء كلماته .. ولم أجد بما أجيب عليه.. شعرت بالحقيقة تعصف بي .. حقيقة أنا بنفسي أهرب منها .. لكن أليس هذا منطقيا؟؟ .. أنا لست بدون مشاعر .. أن أحس وأشعر وأتألم وأجرح .. أتألم لمجرى حياتي ولوالدي .. أحزن ويخيب أملي بهما لمعالمتهما لي .. أغضب أيضا في داخلي وأثور لما اضطر لتحمله بصمت .. صحيح بأنني لا أظهر مشاعري للآخرين لكن هذا لا يعني بأنني غير دارية بما يجري حولي لا يعني بأنني لا أشعر كما يجب أن يشعر كل من يمكنه أن يكون في مكاني .. أنا غاضبة منه وحزينة وتعيسة في حياتي.. لدي الكثير أخفيه الكثير ما أنا صمتت عليه لسنين طويلة ..
"اسمعيني سارة ..لو سمحت لك بالعمل معي فستضطرين أيضا لنزع حجابك .. فالقوانين تطبق على الجميع .. إنها قوانين الحياة هنا .. أنا لست الوحيد في تلك الشركة لدي أيضا شريك أم أنك نسيتي ويليام أنا وهو لسنا ضد الحجاب لكن زبائننا وعملائنا بلى قد يكونون ضده وربدا لن يحبوا برن يتعاملوا مع مواظفات محجبات لذلك لا نسمح لموظفاتنا المحجبات بالعمل بحجابهن .. نحن لسنا هنا من رجل الخسارة ."
لم رستغرب .. ولم رندهش مما سمعته رذناي رو من ما ررته عينايَ من عدم اهتمام ومبالاة .. حاله مثل حال الكثيرين من العرب عاشوا هنا لوقت استطاع بكل سهولة أن ينسيهم حقيقة مبائهم .. أصبحوا مثلهم أفكارهم تماثلهم .. أصبحوا يجرون وراء المال وأصبحت مقولة الأروبيين الشهيرة .. شهيرة أيضا على لسانهم هم العرب والمسلمين:
" المال .. الطموح والعمل جانبا والدين والايمان جانبا."
خرجت من أفكاري بسرعة البرق على كلماته التي لسعتني على أوتار حساسة لطالما كنت أتجنب الدخول في معركة معاها ..
"السبب الثاني وهو الأهم في كل هذا لعدم تقديم لك المساعدة أو تركك تعملين لدي وهو أنني أعرف جيدا أين سيذهب مالي ." كز على أسنانه أكثر وأضاف بصوت أصبح كفحيح الأفعى:
" وأنا أبدا لن أسمح بأن يذهب سنت واحد من جيبي على علاج تلك الحقيرة ..."
"توقف!!"
قلتها صارخة بها غير قادرة على التزام الصمت وأنا أسمعه يهينها أمامي وعلى مسامعي .. أكملت عندما ألجمته حدة صوتي الذي لم أتجرأ يوما على أن أرفعه عليه أو أتكلم معه به بتلك الطريقة .. ذهوله أعطاني فرصة لكي أدافع عن نفسي وأبين السبب الذي جعلني أتصرف بتلك الطريقة الفظة .. تكلمت بهدوء تعودت عليه رغم الآلام الذي كانت تعصف بي عصفا والدموع التي كانت تحرق مقلتي آبية أن أتركها تنزل من عيني لأنها لن تفديني أبدا ..:
" عليك احترامها .. إن لم يكن من أجلها .. فمن أجلي أنا أبي."
صاح فجأة في وجهي بلوعة:
"هي بالذات لا تستحق ذرة احترام لا مني ولا منك."
ترقرت الدموع أكثر في عينيَّ .. كنت أعرف بأنني على وشك أن أفقد سيطرتي على نفسي وأنهار باكية كطفلة صغيرة من هذا التعب النفسي الذي يحيط بي منذ سنين عديدة .. قلت له بصوت متوسل وحزين:
" لا أعرف لماذا تكرهها لهذه الدرجة؟ .. فقط فلتعطني سببا لكرهك لها .. لقد صرت في عمر الخامسة والعشرين ومازلت لا أعرف شيئا .. لقد تعبت من كل هذا الغموض الذي يلف ماضي .. فقط لو تخبرني لو تفتح عيني عن حياتي؟"
تحول سريع وغريب حصل في عينيه وملامحه.. فمن الغضب الشديد إلى رقة حزينة وألم .. ألم رأيته يكاد يشبه آلامي بطريقة ما وهو يقول بنبرة ميتة:
" من الأفضل سارة بأن تقفلي الموضوع .. ولا تنبشي بالماضي .. لأنه سيؤلمك معرفته."
بعد أن أكمل كلماته نهض بهدوء من مكانه .. وخرج من باب المطبخ بنفس الهدوء الغريب تاركا إياني في غارقة في ذهول أغرب من كلماته التي لم أستوعب منها شيئا ..
"صباح الخير."
فزعت للصوت الذي اقتحم وحدتي وشرودي فجأة .. التفت ورائي وأنا مازلت أضع يدي على صدري كأنني أحاول تهدئة دقاته التي خرجت عن ايقاعها الطبيعي فزعا من القادم الجديد .. لكي أرى بعدها أسيل تقف عند باب المطبخ .. كانت ابتسامة غريبة تعلو فمها .. وملامح ماكرة رسمت على وجهها الجميل .. تحديقها إلي بتلك الطريقة التي لم أعرف أي وصف أطلقه عليها لم يشعرني بالارتياح .. وكيف أشعر بالارتياح وهي كافئتنا بأجمل استقبال ليلة البارحة .. كلماتها كانت كسم قذفته بنا .. لكن مع ذلك أشعر بالذنب حينما أفكر بها بهذه الطريقة .. يجب أن أتفهم شعورها .. هي لم ترنا يوما زيادة على أنها تبدو حاقدة على حياتها ومن يستطيع أن يلومها وحياتنا نحن الثلاثة غريبة بمجراياتها وأحداثها .. أرغمت نفسي على الابتسام بتكلف وأنا أنهض من مكاني أمسك بحقيبتي التي كانت على الكرسي الذي بجانبي وقلت بصوت لم يخرج كما أردته واثقا وهادئا بالقدر الذي كنت أريده:
" صباح الخير أسيل."
أضفت بسرعة وأنا أضع حزام حقيبتي الجلدية على كتفي .. وأعدل من غطاء رأسي ببعض لمسات أخيرة:
" علي الذهاب الأن .. كل شيء موجود في المطبخ .. يمكنك أن تعدي الإفطار الذي تشائينه لنفسك."
تحركت بخطوات سريعة أهرب من مواجهتها .. تجعلني أشعر بنفسي كطفلة تتهرب من عينيها الثاقبتين الساخرتين .. لكنني فعلا أخر ما أريد هو مشاكل معها ..فكما بدا لي البارحة أسيل ترحب بالمشاكل كثيرا .. مررت بجانبها فأفسحت لي الطريق حتى أخرج من المطبخ لكن قبل أن أخطو خطوة أخرى خارج المطبخ سمعتها تقول من ورائي:
" لم أكن أعتقد بأنك لا تعرفين شيئا عن ماضيك."
استدرت إليها غير مصدقة ما سمعته وقلت بلهجة حادة معبرة عن أول ما خطر ببالي:
"هل كنتي تستمعين إلى حديثي أنا ووالدنا؟؟!"
"أجل."
صدمت من جرأتها ووقاحتها لم أتوقع جوابها الصريح لهذه الدرجة .. ألا تملك ذرة خجل حتى تجيبني بكل تلك الوقاحة .. وكأنها قرأت ما تلونت به ملامحي من غضب ونكران لفعلتها الشنيعة فازدادت ابتسامتها اتساعا كسعة سخريتها .. لكي تضيف بكل ثقة:
" كان حديثكما شيقا لي لذلك استمعت إليه."
"شيقا!!"
قلتها وأنا أكز على أسناني .. لم يجعلني أحد أثور غضبا مثلما تفعل هذه الفتاة .. لاحظت كيف اختفت ابتسامتها الساخرة لكي يحل محلها الوجوم وقد بدأت عيناها بتفحصي وتأملي من أخمض قدمي حتى أعلى رأسي لكي تكمل فعلها بكلام زاد استغرابي أكثر:
" لقد دهشت كثيرا عندما رأيتك البارحة .. حجابك هيئتك كلها تتناقض عن ما سمعته عن والدتك ظنننتك ستكونين مثلها .. حقا غريب!!"
"ماذا؟"
أضفت بعدم تصديق لما تسمعه أذناي:
"ماذا تعرفين أنت عن والدتي؟؟"
أجابتني بسؤال زاد من حيرتي وشكوكي من شأن هذه الفتاة الغريبة والتي تعتبر أختي:
" أحقا لا تعرفين شيئا عن ماضيك أو ماضي والديك؟"
"لا!"
أجبت بسرعة وبالنفس السرعة ندمت لأنني أجبتها وعند ذلك حاولت أن أصحح غلطتي وأنا أسألها ببعض الاضطراب:
"وأنت كيف تتكلمين عن والدتي هكذا؟؟ .. هل تعرفينها؟"
نظرت إلي بعيون لم أستطع سبر غورها لكنني تأكدت من أنهما بالتأكيد لم تكونا تحملان ذات النظرات الساخرة التي تشوبهما دائما كما كانتا البارحة واليوم عندما حيتني .. هذه الفتاة كلها ألغاز.. وغريبة تارة هي ساخرة مستهزئة بالجميع لحد أن تجعلك تكرهها وتهرب من نظراتها وتارة ترى هناك حزن وغرابة ولغز كبير في نظاراتها وكانها تحمل الكثير الكثير في جعبتها وفي تلك العينين البنيتين ..
رأيتها تبتعد من أمامي لكي تقترب من الثلاجة وتفتح إحدى بابيها وهي تقول من دون النظر إلي بل إلى ما تحتويه الثلاجة:
"لا لا أعرفها .. كما قلت لك سمعت فقط .. "
اقتربت منها لكي أقف أمامها وقلت:
" ماذا سمعت بالضبط؟"
رقفلت باب الثلاجة لكي تعود إليها تلك الابتسامة الساخرة وهي تقول بعدم مبالاة :
" ما يعرفه الجميع .. من الأفضل بأن تنسي الموضوع لأنني فعلا لن أفيدك بشيء."
ما يسمعه الجميع!! أغلقت عيني بشدة وأنا افكر بأبي أكيد هو من يتحدث عن والدتي بالسوء .. فتحت عيني بنفس القوة لكي أستدير وأخرج من المطبخ دون أن أنطق ببنس شفة.
خرجت من الباب الرئيسي للمنزل أقفلته ورائي بهدوء ثم سارعت بخطواتي في الشارع الراقي الذي كان يضم الفلل من كلتا ناحيتيه .. كنت أنظر إلى الأرض بشرود بينما قدماي تسيرانني مغناطسيا إلى الطريق الرئيسي التي حفظته عن ظهر قلب بسبب استقلال كل يوم لترام على ذلك الطريق إما إلى عملي أو إلى الجامعة .. لأنني منذ أن بدأت عملي هذا تخليت عن خدمات والدي ومن بينها أن يوصلني رشيد أو أذهب باحدى سيارتيه الفخمتين إلى عملي .. فمن غير المعقول بأن هناك سائق يوصلني كل يوم بسيارة يفوح كل جزء منها بالثراء إلى مقر عملي بينما أنا لا أعمل سوى كسكرتيرة .. لم أشعر بنفسي إلا وأنا اعصر بيدي حزام حقيبتي لتذكري لكلام أسيل .. هل حقا هي تعرف شيئا عن ماضي؟؟ هل حقا تعرف سبب تلك الكراهية المتبادلة بين والدي ووالدتي ؟؟ لالالا لا يمكن ذلك .. إن كنت أنا بنفسي لا أفقه شيئا مع أنني ولدت وسط تلك الصراعات والأحقاد والكراهية ومع ذلك لا زلت لحد الآن لا أدري شيئا عن أسرارهم الغامضة .. فلم أرى يوما شخصا بقدر غموض وتكتم والدي ولم يوما شخصا بقدر غرابة واضطراب والدتي أنا .. متى سأفهم؟؟ إنها سنوات طويلة من العذاب والوحدة والألم والغموض والعيش بين أسرار لابداية لها ولا نهاية لها .. كل مرة أقول فيها بأنني تعودت على غموض ماضي وبأنني تعودت على التعاسة لكنني أعود وأنهار ثانية .. تنهدت بعمق كبير .. قبل أن أحدث نفسي قائلة لها .. لا سارة لا داعي لكي تتذكري شيئا تعرفين بأنك لن تفهمي فيه شيئا غير الألم والتعاسة .. وأسيل؟؟ .. أجل أسيل بالطبع لا تعرف شيئا تلك الشابة المتغطرسة .. لا يمكنها أن تعرف شيئا .. لابد بأن كل ما تعرفه وهو أن والدتي في المصح .. وهذا لم يعد سرا .. ربما علمت من والدي .. ألا يعزها هو معزة خاصة رغم أنه يرفض الحديث عنها عادة .. ذلك الحب المميز تجاهها الذي يظهر في عينيه كلما تم ذكر اسمها .. ربما هو من يكون قد حدثها عني .. ألم يكن كل صيف يذهب لزيارتهافي المغرب .. لكن مع ذلك ليس له الحق في هذا .. بأن يخبرها عن حياتي الخاصة .. يعرف بأن الموضوع حساس ولا أحب من يتكلم عن ظروف والدتي الصعبة .. آااه أبي!! خرجت من أفكاري على وصول الترام الذي كان قد توقف أمامي .. وفتح الباب لكي أدخل إليه بهدوء .. جلست على كرسي بقرب النافذة .. وأسندت إليها رأسي بتعب .. تعب من هذا اليوم الذي إبتدأ بأحداث قوية وقاسية على نفسيتي .. لكنني ذاهبة إلى عملي الأن وهناك أجد راحتي في العمل وأنسى همومي .. ليست راحة مطلقة بسبب أنني لحد الآن لا زلت غير متعودة على ترك حجابي من أجل ذلك العمل .. أتمنى فقط لو أنه كان بمكاني أن أعمل بحجابي .. سأكون مرتاحة الضمير وهانئة البال وأنا أعمل هناك حيث زملائي اللطفاء وصديقتي اريكا التي جعلتني رغما عني أحب ثرثرتها ومرحها اللامتناهي فلا أشعر بالوحدة أبدا في ذلك المكتب وأكاد أنفجر من الضحك على تعليقاتها المضحكة خصوصا عن كل من يعمل هناك خصوصا عن المدير ..
المدير ارتسمت ابتسامة حالمة على شفتي وأنا أنظر من الزجاج إلى صورته التي رسمها خيالي عليه .. بيتر .. شعرت بالحرارة تجتاحني .. فعرفت بالتأكيد بأن خدايَ الشاحبين قد أصبحتا متوردين بالتأكيد .. لا زلت أخجل من نفسي عندما أتجرأ فقط بيني وبين نفسي على ذكر اسمه الشخصي .. كيف يقول عنه والدي أنه عنصري ومتطرف ضد العرب والمسلمين .. شخص مثله مستحيل أن يكره أحد .. فكل يوم أراه فيه يزيد اعجابي به .. مع أنني أراه قليلا مقارنة مع اريكا التي تتعامل معه شخصيا لأنها سكرتيرته الخاصة .. لكن مع ذلك استطاع أن يجعلني أعجب به وبشخصيته الرائعة .. لطيف للغاية حتى لو كان في بعض أغلب الأحيان حازما وصارما لدرجة انزاعج اريكا وشكواها من صياحه عليها وكثرة طلباته .. ومع ذلك تجده هي الأخرى رائعا .. فهي تظل تردد لو لم يكن لها صديق تحبه منذ سنين كما أنه هو الأخر يبادلها حبها الجارف لكانت الأن قد وقعت بغرام بيتر يانسنس منذ أول يوم عملت لديه .. إنه لطيف .. جاد ولكنه سريع التحول من الجدية الى المرح.. لديه ابتسامة جميلة جدا .. وعيناه .. يا إلهي عيناه لا زالت تملك تأثيرا قويا علي لا أعرف كيف يحصل هذا؟؟ .. كل ما أعرفه أن عيناه ساحرتان لدرجة كبيرة .. رأيت الكثير من العيون الزرقاء لكن كعيناه .. أبدا لم أرى مثلها .. أتذكر كيف زاد اعجابي به واحترامي له بشدة كبيرة بعد ثلاثة أسابيع من عملي معه .. ذلك اليوم الذي لم أنساه بكل حذافيره .. ذلك اليوم الذي جعلني أضرب بكل تحفظاتي عرض الحائط .. فقط التحفظات التي كانت بيني وبين نفسي تجاهه ..
أصدر المصعد صوتا ينبا عن توقفه في الطابق الرابع .. ابتلعت ريقي وأنا أنظر ناحية المصعد أعرف بأنني لست الوحيدة التي توجهت أنظارها برعب إليه .. فاريكا أيضا تتمنى بأن تحدث معجزة وألا تكون هي .. أغمضت عيني بيأس وأنا أنظر إلى ناتالي تتقدم بحذاء كعبها العالي الذي تلاشى صوته الحاد على الرخام عندما خطت رجليها على السجادة الحمراء الفخمة التي تتوسط المكان حيث كل من مكتبي ومكتب ايريكا على جانبيها ..
"خودمورخن"
قالتها ناتالي وهي تقف بوسط المكان تنظر إلي .. بينما أنا رددت عليها تحية الصباح بصوت حاولت بأن يكون ثابتا لا يحمل أي شيء من اليأس والحزن كما كنت أشعر به بداخلي .. بينما ايريكا قالت بكل جرأة:
" ومن أين سيأتينا الخير في هذا الصباح."
"ايريكا!!"
كان هذا صوت ناتالي القوي المعاتب لكلمات ايريكا .. فناتالي مع أنها تجاوزت الخمسين إلا أنها ما زالت امرأة تبدو في الأربعينيات بأناقتها الدائمة وجديتها وتعاملها الحازم بكل ما يتعلق بعملها .. سمعتها تضيف:
" اريكا عليك تقبل الأمر .. فهذا كان متوقعا وأنت ما كان عليك أن تحبيها وتتعلقي بها لهذا القدر."
"كيف لا أتعلق بها ولا أحبها .. إنها ظريفة ولا تتدمر من كلامي الذي لا ينتهي إنها مستمعة جيدة جدا .. وتقوم بعملها بأكمله وعلى أحسن ما يكون حتى أنها تساعدني كثيرا في عملي أنا الأخرى .. ببساطة هي فتاة نادرة الوجود ستخسرون سكرتيرة رائعة بعملكم هذا."
نظرت أنا إلى اريكا أرسل لها رسائل صامتة من خلال نظراتي إليها بأن تتقبل الواقع .. لكنها أشاحت بوجهها عني بغضب .. لكي أعود أنا بنظري إلى ناتالي التي كانت تنظر إلى ايريكا بملامح جامدة قبل أن تقول بحدة:
" اريكا أنت سكرتيرة هنا ولا تسمحي لنفسك بتجاوز الحدود .. كلنا أحببنا سارة وراضون عن عملها .. لكننا نعرف منذ أن وضفت هنا بأنها فقط سكريترة مؤقتة .. هذا ليس بسببنا نحن ولكن لأنها لا زالت تدرس لا تستطيع أن تعمل هنا طيلة اليوم .. ونحن بحاجة إلى سكرتيترة تعمل معنا لمدة ثماني ساعات مثلك أنت .. لدينا عمل كثيرا وليس علينا تأخيره .. لقد وجدنا سكرتيرة بنفس مواصفات سارة وأيضا هي قد أنهت دراستها وستعمل معنا الساعات الرسمية التي نريدها.. وأنت هنا لكي تعملي لا لكي تتعلقي بزملائك بالعمل وتبدئين بالتدخل في قرارت أنت لست مسؤولة عنها."
لم تتكلم ايريكا بل حافظت على صمتها وهي تزم شفتيها وملامح جامدة ارتسمت على وجهها إثر كلام ناتالي الحاد معها .. لكي تردف بعدها تلك الأخيرة:
" والأن هلا تتكرمين وتخبرينه بوصولي وبأنني أريد رؤيته؟"
تكلمت أخيرا ايريكا بصوت جامد وقد شعرت بأنها تحاول كبت غضبها بصعوبة:
" فقط أدخلي .. إنه بانتظارك."
رمقتني ناتالي بنظرة شابتها الرقة على غير ما كانت عليه قبل قليل وهي تتحدث إلى ايريكا بقسوة .. ثم تحركت بنفس الخطوات الواثقة لكي تطرق باب مكتبه وتدخل بعد أن ظهر عليها بأنها قد سمعت إذنه بالدخول .. انتظرتها أن تقفل الباب ورائها لكي ألتفت بعدها بسرعة إلى ايريكا التي تنهدت بقوة ...
"ايريكا.. أنا شاكرة لكلامك الجميل في حقي ولكن هذا كان منتظرا أنتم تحتاجون إلى سكرتيرة تعمل بساعات أكثر."
نظرت إلي ايريكا بحزن جعلني أحب تلك الفتاة وأعزها لنفسي أكثر من قبل .. لكي تفتح فمها الذي كان مشدودا بشدة وتقول بصدق:
" لا فعلا أنت لا تقدرين ولم تكن مجاملة مني عندما قلت هذا لناتالي .. ثم إنني تعبت من أن أكون وحيدة في هذا المكتب أو اضطر للتعامل كل مرة مع سكرتيرة صارمة وقد تعدت سنين الشباب بكثير .. يا إلهي ماذا لو كانت السكرتيرة القادمة تشبه ناتالي العجوز الصعب المراس .. أووه لا لا أستطيع العمل مع هكذا ناس."
كلماتها جعلتني رغم حزني أطلق ضحكة خافتة أحاول كتمها قبل أن أقول:
" ناتالي ليست عجوز إنها تبدو أصغر مني بأناقتها الدائمة وقوة ملامحها."
"إنها عجوز حتى لو ترددت على مئات أخصائي التجميل فلن تغير شيئا من سنها أو من مظهرها الحقيقي."
توقفت عن الضحك على كلام اريكا وأنا أتذكر والدتي .. علي أن أبدأ ثانية رحلة البحث عن عمل جديد .. المشكلة بأن كل عمل أطرق بابه يريدني أن أعمل ثماني ساعات في اليوم لكنني لا أستطيع بسبب دراستي .. يبدو بأن أخر شيء سوف أتخلى عن الدراسة .. فهي والدتي وأنا بالتأكيد سأختار أمي وليس الدراسة .. لن أتخلى عنها أبدا ليس وهي بحاجة لي الأن أكثر من أي وقت .. سأمسك بيدها حتى لو كان الثمن أن أتخلى عن أحلامي أنا من أجل أحلامها هي التي تمنيتها أنا لها.
استيقظت من شرودي على صوت اريكا الذي كان يناديني .. فقلت وكمن قد أفرغ فوقه دلو ماء بارد ..
"نعم .. ايريكا."
أجابتني باستغراب:
" لقد ناديتك أكثر من ثلاث مرات .. ولم تسمعينني يبدو بأنك قد شردتي في العمل الذي ستتركينه قريبا .. معك حق ومن لن يشرد في هكذا موقف ..."
أوقفتها عن ثرثتها التي أعرف بأنها لن تنتهي منها وأنا أذكرها بسبب مناداتها لي:
" ماذا كنت تريدين ايريكا؟"
"آاه أجل .. إنه يطلب رؤيتك .. ألم تسمعيه عندما تكلم في الهاتف الداخلي."


maroska غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملوك تحت رحمة العشق

رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 07:57 PM   #692

maroska

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة

alkap ~
 
الصورة الرمزية maroska

? العضوٌ??? » 141454
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 4,911
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » maroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond repute
افتراضي

قلت بارتباك سريع:
" لا لم أسمعه .. لماذا يريد رؤيتي؟"
كنت قد ارتبكت فعلا .. هو عادة لا يطلب رؤيتي .. لأن تعامله فقط مع ايريكا .. ونادرا ما اضطر للتعامل معه شخصيا .. فأنا نادرا ما أراه إلا عندما يدخل إلى مكتبه أو يخرج منه ..
سمعت ايريكا تهتف بي بسرعة قائلة:
"هيا ماذا تنتظرين سارة؟؟.. فالعجوز لا زالت بالداخل أيضا .. لابد أنه يطلبك بشأن ماجاءت من أجله ناتالي."
نهضت من مكاني وأنا أمرر يدي على ثوب سترتي الطويلة .. قبل أن أتقدم من الباب وقد تملكني بعد الاضطراب الذي لا أفهم حتى الآن لما يتملكني عندما أعرف بأنني سأراه .. تقدمت من الباب الذي كان اسمه عليه .. طرقت الباب طرقتين متتاليتين .. لكي أسمع بعدها صوته القوي الواثق يأذن لي بالدخول .. فتحت الباب .. نظرت إليه مباشرة حيث كان يجلس وراء ذلك المكتب العريض الأنيق .. كان يجلس على كرسيه الفخم الجلدي .. أبعدت عنه عيني فورا عندما عرفت بأنني سأطيل التحديق فيه كالعادة وأنا أرمش بعيني أكثر من مرة .. نظرت إلى ناتالي الجالسة على واحد من الكرسيين اللذين كان أمام المكتب .. كانت هي الأخرى تنظر إلي بملامح لم أستطع قراءة أي شيء عليهما ..
"اقتربي سارة ماذا تفعلين عندك هناك؟"
نظرت إليه للحظة قبل أن أفهم ما قاله لكي أتحرك بخطوات أجبرتها على أن تكون واثقة .. وقفت أمام مكتبه وقلت بعملية:
"طلبتني سيد يانسنس؟"
من دون أن يجيب عن سؤالي الذي لم يكن له حاجة .. سألني:
"هل تريدين الرحيل من هنا والتوقف عن العمل معنا؟"
رفعت إليه بصري أحدق إلى عينيه مباشرة عينيه القويتين بلونهما المميز الذي استطعت رؤية بريقهما من مكاني .. عينيه التي توسطت وجهه الوسيم والمليح التقاسيم .. بأنف مستقيم قوي وبشرة تميل إلى الشحوب بينما ظللت رموش طويلة وكثيفة عينيه وحاجبان كثيفان زاده قوة على ملامحه القوية والواثقة بلون نحاسي يشبه شعره الناعم الطويل الذي يصل إلى رقبته ببضع سنتيمترات .. وقد كان مسرحا بأناقة كالمعتاد .. أناقة تسريحته كما أناقة ملابسه التي كانت تلائم تماما تصرفاته الرفيعة التي تدل على رقيه وذوقه الرفيع وحرصه على الظهور بمظهر القوي الراقي الذي يليق بمكانته .. كانت خصلة متمردة نحاسية قد تدلت على جبينه .. عندما أجبت عن سؤاله بدون تفكير بل بكل عفوية:
"لا سيد يانسنس بالطبع يعجبني العمل هنا و .."
توقفت عن الكلام عندما استوعبت أخيرا ما يحصل وسؤاله الغريب الذي طرحه علي .. وجهت أنظاري إلى ناتالي التي كانت جالسة في كرسيها وقد رأيت كيف أن الجمود والانزعاج قد ارتسما على وجهها وعلى كل عضلة من جسدها المتوتر .. أفزعني الصوت القوي والحاد لكي أستدير بسرعة البرق اليه عندما قال:
" أنا من أكلمك سارة لذلك أنظري إلي أنا."
حدقت إليه من جديد إلى عينيه اللتان كانتا تشددان النظر إلي .. تمالكت نفسي بصعوبة حتى أخرج الكلمات من فمي بتناسق جميل كما يجب:
" آسفة سيد ياسنسن .. كنت أريد أن أقول بأنني طبعا سعيدة بالعمل هنا .. لكنني متفهمة أنكم تحتاجون إلى سكرتيرة تعمل بساعات رسمية .. وأنا متقبلة ل.."
قاطعني بقوة:
" إذا سارة لا داعي لتركك العمل .. أنا راض عن عملك ولا أريدك بأن ترحلي إلا إذا أردت أنت هذا."
"لكن سيد ياسنسن لقد وجدنا سكرتيرة ستعمل ثمان ساعات كما نريد."
كانت هذه ناتالي التي اعترضت بقوة بينما أنا لم أخرج من دهشتي بعد والتي ترجمتها ردة فعلي بالهدوء الشديد .
رأيته يلتفت إليها بحدة ويقول بحزم وتقطيبة قد علت جبينه الأبيض:
" ناتالي لقد قلت بأنني راض عن عملها .. وأنا أريد أن يبقى الأمر كما هو عليه .. ولا أظنك ستحرصين على عملي أكثر مني أنا."
احتقن وجه نتالي بقوة وقد اتخذت الصمت عنوانا لإجابتها .. قبل أن تهز برأسها وتقول:
"كما تريد سيد يانسنس."
ثم أضافت بعدها ببرود:
"هل لي بأن أعود إلى عملي؟"
أجابها بهدوء تناقض مع انزعاجه الذي كان يلون ملامحه وكلامه قبل قليل:
" بالطبع ناتالي يمكنك ذلك .. تفضلي."
نهضت ناتالي من مكانها وقد وجهت إلي نظرة حللتها أنا ليس بنظرة كره لي إنما هي تشعر بالخجل لأنني شهدت على لحظة من لحظاتها النادرة وهي توبخ من رئيسينا في العمل .. سمعت الباب يقفل بهدوء شديد ورائنا وأنا متأكدة من أنه يناقض ما ما يستعر الآن من غضب في داخل امرأة قوية كناتالي تكره أن تكون في موقف مخز بالنسبة لها أمام موظفة أقل شأنا منها مثلي أنا .. سمحت لنفسي بالنظر إليه وعلى وجهي تعبير امتنان شديد لأنه بتصرفه هذا الذي أذهلني فقد أنقذني من رحلة شاقة كان علي البدء فيها حال أن أخرج محطمة من هذا المبنى وقد عدت إلى نقطة الصفر .. تكلمت والسعادة والامتنان تلونان نبرة صوتي:
" أشكرك سيد يانسنس."
رأيته يبتسم لي .. تلك الابتسامة التي نادرا ما كنت أراه يرسمها على محياه .. ابتسامته التي كسرت ذلك البرود المرتسم على وجهه وجعلته يبدو دافئا ووسيما إلى حد لا يصدق .. ابتلعت غصة سببتها ابتسامته الخاطفة الأنفاس .. حاولت أن أركز معه ويا ليتني ما فعلت عندما قال وهو يعود بظهره إلى الوراء على كرسيه الجلدي الفخم:
" سارة أنا لم أفعل شيئا .. أنا حقا لا أريد استبدالك لأنني أرى بأنك تقومين بعملك على أكمل وجه ولا تجعلنني أشعر بالنقص أبدا وهذا ما يبهرني فيك تعملين بجدية وتميلين إلى أن يكون كل شيء كاملا في عملك ومتقنا .. لذلك فما دمت ستبقين على اجتهادك هذا أنا لا أملك أي مانع من بقائك معنا هنا حتى لو كنت تعملين فقط بنصف دوام."
عدت إلى الحاضر تاركة ذكريات ذلك اليوم تعود إلى مكانها في عقلي تقبع فيه منتظرة إياي ككل مرة أن أعود إليها وأستخرجها من مكانها حتى تمر أمام عيني وكأنها شريط فيلم .. تنفست بعمق .. لا يمكنني أن أنسى ذلك اليوم أبدا .. لا أعرف ما بالي وما حصل لي؟ كل ما أعرفه بأنني مأخوذة بذاك الرجل .. أعرف بأنه اعجاب مستحيل .. خطير .. محرم .. حاولت ككل مرة أن أجاهد لكي أخرجه من عقلي وتفكيري .. لكنني لا أستطيع .. أشعر لأول مرة بمشاعر حرمت منها كثيرا .. صحيح هو لا ينظر إلي إلا إذا دعت الضرورة .. لكنني أشعر بنظراته دافئة حنونة .. أشعر بشعور لذيذ جميل فقط عندما أفكر فيه وفي ابتسامته .. عيناه وتصرفاته وحتى كلامه .. يجعلني أشعر برعشة لذيذة .. تعجبني بقدر ما تربكني .. أحب المشاعر التي تجتاحني عند التفكير به.. في البداية استنكرت هذا الشعور لكنني لم أستطع أن أحافظ على نفوري واستنكاري كثيرا .. لأنه هو من بين كل الرجال بل كل الناس يجعلني أنسى نفسي أتصرف كمراهقة لا تعرف السيطرة على نفسها وتنبهر لمجرد أن يبتسم رجل لها .. هو من دون غيره هو الأول الذي يجعلني أتصرف بغباء وبانبهار بما أراه فيه .. لم أكن يوما من الفتيات التي تنبهرن بالمظهر الخارجي لأي شخص .. لكن لا أعرف؟؟ شيء فيه يسحرني يجذبني بقوة إليه يجعلني أشعر بمشاعر مختلفة وما زاد الطينة بلة عندما قام بموقفه الغريب ذاك معي موقف أقل مايقال عنه أنه موقف شهم .. وذلك زادني اعجابا به لدرجة لا تصدق حتى أصبح لا يخرج من أفكاري ..
شعرت بالذنب لأفكاري ككل مرة لذلك وعدت نفسي ذلك الوعد الذي لطالما واسيت به نفسي وهو إن طال معي الأمر اكثر من هذا .. فبنفسي سأترك العمل معه وأرحل من هناك .. لا يجب أن يتجاوز الأمر حدوده ليس معه لأنني أعرف بأنه مستحيل أن يكون بيننا شيء .. فنحن مثل السماء والأرض لن نلتقي أبدا .. زيادة على أن له حبيبة أنا بنفسي أعرفها لأنها تعمل معه أيضا وهما يعرفان بعض من أيام الدراسة على حسب قول ايريكا.
آاه يا سارة مالذي أدخلتِ نفسك فيه ؟؟.. كيف تشعرين بكل هذه المشاعر الغريبة عنك كل هذه المدة من دون أن تدركي أخطارها العقيمة عليك؟؟
لم أستطع أن أجيب عن ذلك السؤال .. فليس لي اجابة .. ولا أريد التفكير في الأمر أكثر لأنني أشعر به معذبا لي .. أريد أن أهتم فقط بواجبتي في هذه الحياة والألوية لأمي .. ابتعدت عن النافذة الذي كان زجاجها باردا للغاية مع أن أفكاري جعلتني لا أشعر بما يحدث من حولي .. كان الزجاج قد أصبح ضبابيا بسبب أنفاسي .. استقمت في جلستي لكي تحط عيناي بعدها على طفل صغير كانت تحمله أمه الجالسة في الكرسي الذي كان قبلي على ذراعها .. كان يبتسم لي ابتسامة واسعة أظهرت عن أسنانه الصغيرة جدا والناصعة البياض كما أظهرت غمازتيه التي جعلته طفلا رائع الجمال .. ابتسمت له أنا أيضا ابتسامة كبيرة .. وللمفاجأة مد لي يده .. وكأنه يريدني أن أمسكها وألا أرده خائبا .. .. لم أستطع أنا بدوري أن أرفض العرض المغري منه .. فمددت يدي ولمست يده الناعمة البيضاء الصغيرة .. عندها أصدر ضحكة رنانة جميلة ردا على مداعباتي الرقيقة له .. ضحكاته المتتالية للمسات يدي جعلت أمه تستدير لكي ترى ما بال ابنها ولمن أعطى كل هذا الحب والانفتاح .. التقت أعيننا أنا وهي فابتسمت لها لكي ترد لي الابتسامة وتعود بنظريها الى طفلها حتى تداعب وجنته وتحسن من مظهر شاله الأزرق الصوفي الذي كان يلتف حول عنقه حاميا إياه من البرد في الخارج .. لم تظهر الأم أي انزعاج مني لمداعبتي لابنها لذلك استمررت في الضحك معه وكان يفاجئني بأنه طفل متفتح للغاية ورائع في كل شيء .. خصوصا بضحكاته التي كانت تزداد كل ماداعبته .. سمعتها تقول لي بهدوء:
" لقد أحبك."
نظرت إلى عينيه الخضرواتين الجميلتين وأنا أقول بحالمية:
" وأنا أيضا أحببته للغاية ."
ثم أضفت:
"طفلك رائع سيدتي."
لم أسمع كلماتها التالية إذ أنني انخرطت مع كل حركات ذلك الطفل أحدق فيه بهيام .. وطرحت سؤالا بقي معلقا في الهواء كحال جميع أسئلتي حول حياتي التي لم أجد لها يوما برا آمنا.. متى سيكون لي طفل أغدق عليه بكل حنان الدنيا الذي لم أحصل عليه أنا؟؟"


maroska غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملوك تحت رحمة العشق

رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 07:59 PM   #693

maroska

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة

alkap ~
 
الصورة الرمزية maroska

? العضوٌ??? » 141454
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 4,911
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » maroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond repute
افتراضي


بقيت أحدق أمامي في ذلك المطبخ الخالي بعد رحيل سارة .. ما كان علي أن أفتح فمي بشأن ماضيها .. إذا كانت لا تعرف شيئا عنه فمن الأفضل بألا تعرف .. لأنني أجده فضيعا لو كنت مكانها لكنت قد دفنت نفسي حية من ذلك العار .. تلفت حولي في ذلك المطبخ .. هل معقول بأنني قد بقيت لوحدي في هذا البيت .. نهضت من مكاني غير مبالية بالطعام الذي وضعته أمامي على الطاولة لتناوله كافطار .. اقتربت من الجدار الخلفي للمطبخ .. حيث كان عبارة عن زجاج لماع وباب زجاجي شفاف هو الأخر مطل على الحديقة الواسعة .. وقفت هناك أنظر إلى باب المطبخ الذي كان له شرفة كبيرة تصلها بالحديقة ثلاث درجات صغيرة .. وقد كان في الشرفة المظللة طاولة كبيرة لتناول الطعام مخصصة للحدائق هي وكراسيها التي كانت تبدو مريحة للغاية .. توقفت عن تأمل الشرفة الخالية لكي تتجه أنظاري إلى الحديقة الخلفية للبيت التي لم تكن مميزة كثيرا غير بوسعها .. كان عشبها مجزوز .. قاتم الاخضرار بسبب رطوبته التي تسبب بها زخات المطر التي يبدو بأنها لم تتوقف إلا منذ قليل .. كانت مساحة الحديقة في الوسط خالية من أي تدخل أخر قد يخرجها من بساطتها .. إلا في زوايا الحديقة المعتمة أو جوانبها التي كانت تحيط بها أشجار كبيرة .. كان هناك طريق يتوسط الحديقة يؤدي لكل من المرآب كما يؤدي إلى ذلك البيت الذي كان في أخر الحديقة .. بيته هو .. ضيقت عيني وأنا أتذكره لكنهما أجفلتا بسرعة البرق عندما رأيت ذلك الجسد الطويل النحيف يقف أمامي من خلف الزجاج .. عدت للنظر إليه وأنا أشعر بمشاعر عارمة لم أستطع أن أميز من بينها سوى الكراهية والحقد على ذلك الشخص .. كالعادة لم يتغير شكله عن أخر مرة رأيته فيها .. وإن كان هذه المرة يرتدي بذلة انيقة .. رمادية اللون بدت وكأنها تنافس في اللون شعره التي تخلله الشيب .. نظرت بقوة وبجمود إلى ملامحه متأكدة من أنني حريصة على ألا يرف لي جفن وأنا أحدق مباشرة في عينيه اللتان لطالما شبهاها بي .. عينيه الواسعتان البنيتان قرابة السواد .. كنت أنظر إلى ملامحه الوسيمة التي لم ينقص منها الدهر سوى بعض التجاعيد التي تكاد لا ترى عند طرف عينيه.. ابتعدت من مكاني حيث كنت أقف عند الباب الزجاجي واستدرت .. تحركت بخطوات هائدة حتى أخرج من المطبخ من بابه الرئيسي بينما أنا أسمعه يفتح الباب الزجاجي من ورائي .. وصلت إلى امام الطاولة حيث تركت افطاري هناك وتوقفت عندما سمعته يقول بسخرية مبطنة:

" غير معقول أسيل!! .. الن تحييني حتى .. لا أطلب منك أن تستقبليني بالأحضان لأنك لم تريني لمدة طويلة .. لكن على الأقل أستحق منك ولو تحية الصباح أو سؤال بسيط تطمئنين فيه عن حالي."
استدرت وأنا أبتسم .. ابتسامة ساخرة تتحدى سخريته هو:
" أراك بخير .. فلما علي أن أسألك عن حالك وأنا أعرف الجواب؟"
رأيته يقترب بخطواته مني وقد فاجأني بابتسامة واسعة ارتسمت على ملامحه الباردة:
" فعلا أسيل أنا بخير وضميري مرتاح للغاية الآن لأنك هنا بجانبي فلن أكون بعد الأن منشغل البال عليك ."
"ضميرك مرتاح !!"
قهقهت عاليا .. إنما بألم .. عندما توقفت عن الضحك وهو ينظر إلي بصمت .. كنت أعرف بأن الألم ظهر جليا في عيني .. لم أستطع اخفائه ولم أحاول هذه المرة لأن كلماته جرحتني في الصميم بدون أن يدري .. قلت له وأنا أكز على أسناني بغيظ كبير وغضب أكبر:
" وأين كان ضميرك يوم تركتني صغيرة في ذلك السن .. أخبرني .. ألم ينشغل بالك علي في ذلك الوقت وأنا ما زلت في سنواتي الستة الأولى .. ألم تفكر بأنني بحاجة لك أنا ووالدتي الذي لم يكن لها أحد غيرك .. لقد خذلتني وخذلتها .. كيف تتكلم الآن عن الضمير أمثالك لا يملكون ولا ذرة واحدة منه."
"أسيل!! .. مكانتكما أنت وهي مميزة جدا في قلبي .. هذه المكانة كانت وستبقى مميزة ."
صرخت بقوة فيه:
" لا تكذب!! .. لو كنت تهتم بي كما تقول وبها هي لما تركتنا ونحن بأمس الحاجة إليك ."
قال بنبرة غريق يحاول التشبث بأخر لوح نجاة:
" هي من أرادت الفراق."
كنت أشعر بألم غريب .. لم أطل يوما معه الحديث أكثر من دقائق .. ولم أتوقع بأنني سأطيل معه يوما الحديث حتى نصل إلى هذه الدرجة التي تجعلني الآن أفقد قوتي وأسترجع الألم بملامحه الدقيقة .. تمتمت إذ أنني أحسست بنفسي غير قادرة على التكلم بقوة وثقة كعادتي:
" أنت جعلتها تطلب الطلاق .. بسبب أعمالك الشنيعة في حقها وأنا كنت شاهدة على كل ذلك."
لم أستطع سؤاله السؤال الذي أتمناه طوال عمري أن يجبني عليه لأنني ببساطة أعرف جوابه من والدتي .. ولا أريد أن أتألم عندما أسمعه من لسانه هو الآخر .. بأنه تركني من أجل حسناء .. وجودها كان السبب في تعاستي وحرماني من عائلة طبيعية .. وجودها جعلني أسمع بكاء والدتي كل ليلة وهي تحضنني في سريرها .. خروجها للحياة جعل حياتي تصبح جحيما .. فهي ولدت وأنا قتلت .. لذلك أنا أكرهها كما أكرهه هو مثلما لم أكره أحدا في حياتي .. نظرت إليه والشرر يتصاعد من عيني .. وهو يقول بعينين ذبلت نظرتهما التي كانت في البداية قوية .. لكي تصبحا ضعيفتين متوسلتين:
" أسيل انسي تلك المشاهد .. أنت لا يمكنك أن تحكمي عليها من دون أن تفهميها .. لا يمكنك أن تفهمي ما كنت أمر به في ذلك الوقت .. أعطني فرصة أرجو.."
قاطعته عندما شعرت بكلماته تأثر علي بشكل غريب .. لم أكن أريد ذلك التأثير كما أنني لم أفهمه إذ لم يسبق أن أثر علي أحد من قبل لا بالكلام ولا بالتوسل لا حتى بالبكاء من غير والدتي .. لكننني اكتشفت الأن بأنه يستطيع .. أجل هو يستطيع بطريقة ساحرة التأثير في لماذا؟ ألم أكرهه ولا زلت .. لكن لماذا أشعر بأن هناك شعور وكأنه كان مدفونا تحت التراب وقد بدأ الأن ذلك التراب يتلاشى عنه لكي يظهره للوجود.. لكن ما هو هذا الشعور ولماذا يجتاحني الآن بالضبط؟؟ شعرت بأنني سأجن .. من مشاعري المتخبطة في بعضها والتي لم أفهمها ومن أفكاري التي كانت كاعصار يهدم كل ما بداخل رأسي .. أحتاج للهواء هكذا أمرت نفسي .. أحتاج للابتعاد عنه .. هتفت بحدة فيه أقطع كل الأمل الذي كان في عينيه حتى أستطيع الهروب منه بسرعة:
" لقد أعطيتك فرصة وأنت ضيعتها وهي الأن عندما تركتك تتحدث معي عن هذه الخزعبلات التي حاولت بواسطتها اقناعي بأنك رجل على غير ما أتوقعه."
تجاوزته لكي أخرج من باب المطبخ المطل على الحديقة حتى أتنفس بعض الهواء النقي وأعود إلى طبيعتي التي فقدتها في ظل هذ المدة القليلة التي وقفتها أمام هذا الرجل ..
فتحت الباب بسرعة وأقفلتها ورائي بحدة .. ابتعدت بخطوات شبه راكضة .. أدور حول المنزل حتى لا يستطيع رؤيتي من زجاج المطبخ .. لأنني علمت بأنني على وشك أن أفقد كل قوتي وشكيمتي .. توقفت في الجهة الأخرى من المنزل حيث كانت هناك مساحة صغيرة من العشب الأخضر المجزوز .. وجدت هناك كرسي خشبي .. فجلست عليه غير مهمتة لبرودته ورطوبته.. ضممت قبضتي إلي .. أغرس أصابعي في كفي .. غير مهمتة بآلام التي كانت تسببه فعلتي تلك لكفي أو الضرر لبشرتي الناعمة .. كنت فقط أريد بأن يرحل الألم الذي كنت أشعر به في داخلي .. لقد استطعت لسنوات أن أروض ذلك الألم لكي يتحول إلى قوة وليس ضعف .. إلى حدة وغضب أدافع به عن نفسي في كل من يفكر بالاقتراب مني .. مزيج من التحولات أعطت برودا كبيرا في شخصيتي لم يستطع أحد اختراقه ..لكنه اليوم استطاع اختراقه .. بضع كلمات استطاع بها أن يخترق تلك الأسوار من الجليد الذي بينتها حولي لسنوات بغية حماية نفسي من لحظات ضعف كهذه .. كنت أشعر بالدموع تحرق عيناي .. لماذا الدموع؟؟ لماذا عليها أن تخونني الأن؟؟ .. لما أشعر برغبة كبيرة بالبكاء؟؟ .. كنت أحدث نفسي كالمجنونة وأنا أكز على أسناني وأزيد من حفر أظافري بكفي.. لا أريد أن أن أبكي عليه لا أريد أن أذرف عليه دموعا .. هو لا يستحق ولا دمعة مني .. كلمت نفسي من جديد وقد ترأى لي الحل .. حل دائما ما أستخدمه عندما تخونني نفسي وتفقد قوتها لكي تنحاز لجهة الضعف الموجودة عند كل انسان .. الحل كان أن أتذكر الماضي بألامه هكذا تعود لي قوتي .. نظرت إلى قبضتي المكورتين وإلى بشرة يدي التي أصبحت شاحبة من ضغطي عليها ..
عدت بذاكرتي إلى ذلك المشهد قبل سبعة عشرة عاما .. حيث كنت في السادسة من عمري .. صوت الصراخ نفسه لم يخرج من رأسي طيلة هذه السنوات .. كنت أستعيد المشهد بكل حذافيره .. أريد أن اعيشه من جديد وقد كانت محاولتي تنجح دائما .. كنت أراها أمامي بين عيني .. تلك الطفلة الصغيرة وآثار النعاس باقية على وجهها وشعرها المشعث .. الهلع والخوف مرتسم على ملامحها الصغيرة وهي تنهض من سريرها في الصباح الباكر على إثر صراخ قوي في البيت لأكثر شخصين أحبتهما .. وأصوات تحطم أشياء على الأرض .. نزلت على الدرج بقدميها الحافيتين ومنامتها القطنية الطفولية تتأرجح بين قدميها .. كانت تمسك يدها بدرابزين الدرج وكأنها تستمد منه القوة للنزول على الدرجات من دون أن تخونها قدميها من الخوف الذي كان يعصف بقلبها الهش الصغير .. بينما ذراعها الأخرى تضم دميتها المحشوة التي كانت عبارة عن أرنب أبيض اللون تحبه لدرجة أنها لا تنام دون أن تضمه إليها .. كانت تحشر فيه أصابعها .. وكأنها تريد منه أن يمنحها الأمان والاطمئنان الذي ابتدأت بفقدانه شيئا فشيئا مند مدة .. توقفت عند الدرجة الخامسة وهناك ابتسمت لأنها رات والدها واقفا في الطابق الأول .. لم تره منذ أيام طويلة لم تعرف كم لأنها لم تكن تجيد حساب الأيام بعد .. لكنها عرفت بأنه قد مر وقت طويل وهي اشتاقت إليه .. تقدمت قدمها الصغيرة خطوة أخرى حتى تنزل إليه بفرح لكنها توقفت مكانها بجمود وقد جفلت للصفعة التي صفع بها والدها أمها التي كانت تقف أمامه بمنظر غريب .. انزلق جسدها الصغير الضعيف لكي ينزل ببطئ إلى ركن الدرج .. تكومت على نفسها هناك ضامة ساقيها إلى صدرها .. وقد كانت يديها ما زالتا تتشبثان بدميتها المحشوة بقوة .. وهي ترى ذلك المشهد العنيف لوالديها .. تجمدت الدموع في عينيها بينما أسنانها أصبحت تصطك ببعض وهي ترى والدها يجر والدتها من شعرها بينما والدتها لم تسهل الأمر عليه إذ كانت تقاوم بكل طاقتها بل و تحاول هي الأخرى ضربه والهجوم عليه لكي تنبش ملامح وجهه الوسيمة بأظافرها .. وسيل من الشتائم تتبدال بينهما بفظاعة غير مدركين لذلك الكائن الصغير الذي كان يراقبهما عن بعد وقد فتحت عينيه رغم صغر سنه عن فظاعة العالم وأجبر منذ تلك اللحظة على الخروج من عالم الصغار الأبيض بنصاعة البرائة والدخول في عالم قاس صعب لا يرحم .. تشبثت عيناها أكثر بالمشهد الذي لم ترف له جفنيها أبدا من صدمتها القاسية به .. كما تشبث سمعها مع كلمات لم تفهم معناها إلا أنها كانت تعرف بأن تلك الكلمات كفيلة لكي تحطم حياتها بأكملها .. كانت والدتها جالسة على الأرض الباردة تستند على الجدار بعد أن انتهى الشجار والشتائم والصرخ بشكل غريب للغاية بينها وبين زوجها .. كانت تتنفس بصعوبة مصحوبة بدموعها النازلة من عينيها ببرود امرأة تحاول لملمة شتاتها والمحافظة على أخر مابقي لها من كرامتها .. نهضت من مكانها بضعف حاولت اخفائه بحدتها وهي تصيح به بقسوة:
" لم أعد أتحمل المزيد .. أريد الطلاق ."
"هذا ما لن تحلمي به .. لن تكوني لغيري أبدا ."
اهتز جسد الطفلة عندما بزقت والدتها على وجه والدها مباشرة لكي تكمل صدمته وذهوله بصفعة على خده دوت في أرجاء الأنحاء وصمَّت أذان تلك الصغيرة .. صوت والدتها اخترق صمت المكان المميت:
" والآن أمازلت تريدني أن أكون لك؟"
صفعة أخرى أقوى وحشية تلقاها خذ والدتها الناعم الجميل لكي تسقط على الأرض وهي تطلق صرخة ألم .. جعلت تلك الطفلة تغلق عينيها وقد بدأ جبينها يتعرق والحمرة الغريبة تجتاح وجهها بينما أسنانها ازدادت اصطكاكا وكأنها تلقت الصفعة مع والدتها لكنها تلقتها على قلبها وليس على خدها .. دوى صوت والدتها وهي تحاول أن تنهض ثانية من مكانها غير مبالية لما لحق بها من ألم وجروح خدشت جمال وجهها الجميل والرقيق .. وهتفت بلوعة اكتسبتها من قسوة الحياة التي فاجئتها بها معه على غير الرقة التي تربيت عليها والنعومة التي شهدت بها:
" إن كانت لك كرامة رجل فطلقني وعد إلى من انجبت لك طفلة يرحب بها والديك .. زوجتك الأخرى التي أصبحت الآن في نظرك كل شيء بعد أن أنجبت لك أخيرا الطفل الذي سيفتخر به الجميع ."
تلك الكلمات كانت كفيلة لكي تفقد عثمان كل تشبث بوالدتها .. لكي يقول بعدها بوحشية:
" أنت طالق طالق طالق سامية."
بحث عن سترته بسرعة في خضم تلك الفوضى بينما هي تحدق إليه بهدوء غريب وكأنها لم تطلق للتو من زوجها حببيها الذي حاربت كل شيء من أجله حتى مبادئها وتزوجت به.
خرج وهو يحمل سترته فوق ذراعه وكأن شياطين العالم في إثره .. لكنه قبل أن يفعل التفت إلى جسد تلك الطفلة الذي أصبح مزرقا عند الدرج لم يستطع النظر إليها اكثر من لحظة لأنه فور أن لمحها هرب من البيت .. هرب لكي تجهش سامية بعدها بالبكاء وقد فقدت قوتها التي تسلحت بها في حضوره .. لكي تشهد أسيل بعدها كل يوم صوت بكائها .
أرخيت قبضتي يدي بهدوء ثم بدأت بتدليك يدي المتشنجتين بقوة إثر ذلك الضغط وقد ارتسمت ابتسامة قاسية على فمي أعرفها جيدا وأحفظها كما أحفظ اسمي .. كالعادة أشعر براحة غريبة بعد أن أتذكر ذلك اليوم .. ذلك اليوم قد يجده البعض قاسيا مؤلما لا يريح نفسية انسان ضعيف أبدا لكنني أجده راحة نفسية لي .. واستعادة لقوتي التي نادرا ما أفقدها .. واستعادة لكراهيتي له ولحقدي ولانتقامي الذي لن أنساه أبدا .. نهضت من مكاني بعد أن عادت دموعي من حيث أتت من دون أن يكتب لها ان تسيل على وجنتي بضعف كما كانت تتمناه تلك الدموع المتطفلة الخائنة .. تلك الدموع الحبيسة التي لن أتركها أبدا تنزل عليه. . وقفت على قدمي كنت على وشك أن أخطو خطوة إلى الامام عندما صدمت عينايَ بالشخص الذي كان يقف على بعد خطوات مني .. أول سؤال بدر إلى ذهني وهو منذ متى وهو هنا؟ لكي يليه سؤال آخر وأنا أضم قبضيتي يدي بقوة وغيظ من امكانية صحته .. هل شهد لحظات ضعفي ولحظات محاولتي لاستعادة نفسي؟؟
تكلم بقوة محافظا على ملامحه الجامدة مجيبا عن التساؤولات التي كانت تدور في ذهني تلك اللحظة:
" لا تقلقي لقد أتيت للتو إلى هنا .. كنت أريد تفقد المكان لأن هيرو كان ينبح بقوة ."
"هيرو؟؟."
تسآلت بصمت وأنا أسمعه ينطق هذا الاسم .. من هو هيرو هذا؟ جحظت عينيا عندما علمت من يقصد رشيد بكلامه ذاك وأنا أرى كلبا كبيرا ضخما من كلاب الحراسة يجري نحونا أو بالاحرى نحوي ونباحه يدوي في أرجاء المكان وسلسلة تتدلى من عنقه وتجتر على الأرض وكأنها في سباق مع قوائمه التي كانت هي الأخرى تسابق الريح نحونا بل نحوي ..
فزعت لمعنى الكلمة الأخيرة .. وصرخت بشدة وأنا أرتد إلى الوراء حتى أنني تعثرت وسقطت جالسة على الكرسي الخشبي الذي كان ورائي والذي تلقفني من الأرض القاسية والمبللة .. ابتلعت غصة رعب كبيرة وأنا أرى رشيد يصرخ باسمه قائلا:
"هيرو توقف .. إنها من أهل البيت."
وكأن ذلك الكلب الشرس المخيف المنظر بأنيابه الحادة قد فهم كلمات رشيد لكي يستكين عند قدمي رشيد ويهدأ.. رأيت رشيد هو الأخر يركع وقد ارتسمت ابتسامة على وجهه الوسيم .. بعد أن كانت الصرامة والغضب يغلفانه وهو يصرخ في هيرو أمرا إياه بالتوقف عن النباح والركض بنحوي بوحشية .. تكلم معه وهو يداعب رقبة الكلب الشرس:
" كلب مطيع."
كان الكلب يظهر اعجابه بمداعبات رشيد له وهو يحك رأسه بذراعه .. أبعد رشيد يده عن عنق الكلب متجاهلا نبح الكلب احتجاجا من توقف رشيد على مداعبته .. لكي يمسك بالسلسة الكبيرة التي كانت تحيط بعنق الكلب وتنزل على الأرض .. ثم نظر إلي أخيرا وقال:
" آسف .. لم أكن أعلم بأنك في الحديقة وإلا لما كنت قد أطلقت سراحه لكي يتجول في حديقة المنزل كالعادة."
لم أستطع أن أقول شيئا لأن الخوف والذهول شلا لساني .. لكنني عدت إلى التشبث بالكرسي أكثر عندما عادت الوحشية إلى ذلك الكلب وعادت نظراته المخيفة إلي .. لكن رشيد أمسكه من السلسلة وهو يقف على قدميه بسرعة وقال له من جديد:
" هيرو .. أسيل من أهل البيت .. إنها مثل سارة وحسناء."
كان الكلب يستمع إلى كلماته لدرجة جعلتي أفغر فمي كالبلهاء مدهوشة بما أرى .. فالكلب يبدو من تصرفاته وكأنه يفهم كل كلمة تصدر من رشيد .. هدأ مرة وأخرى .. التفت إلى رشيد الذي وجه كلامه لي هذه المرة:
" لو سمحتِ عليك أن تتركيه يقترب منك حتى يتعرف عليك وعلى رائحتك."
صحت باستنكار من كلامه:
" مستحيل .. أنا لن أقترب من هذا الوحش الذي اكتشفت للتو بأنه يعيش معكم في هذا البيت."
ومع أنني كنت قد سمعت البارحة بالليل نباح كلب إلا أنني لم أظنه أبدا لكلب موجود بهذا البيت .. ويا للمفاجاة القاسية الأن .. نظرت إلى رشيد الذي ظهر العبوس على وجهه قبل أن يقول بنفاذ صبر:
" آنسة أسيل لو سمحتِ .. قد لا أكون هنا في المرة القادمة .. وصدقيني أنه مدرب على أن ينهش كل غريب يحوم حول هذا البيت .. ولن يتردد أبدا بفعل هذا بك."
ظهر له خوفي وعدم اقتناعي لذلك قال هذه المرة وهو يبتسم ابتسامة صغيرة قبل أن يقول بلطف:
" لا تخافي .. إن لم تكن حسناء قد خافت منه لهذه الدرجة فكيف تهلعين منه وأنت أكبر منها."
كنت أعرف بأنه تعمد ذكر حسناء والتلميح إلى فارق السن بيننا حتى أغتر وأسمح له بالتقدم عندي مع الكلب من أجل كبريائي .. لكنني اعترفت لنفسي بأنه هناك شيء أكبر جعلني أومئ له بالاقتراب بذلك الكلب المخيف .. هل هي ابتسامته الرقيقة الرائعة .. أم كلماته التي كانت ترن بلطافة كبيرة قلة ما أواجه بها من الغرباء وحتى من المقربين .. وقفت في مكاني .. وأنا أراه يقترب مني ببطئ ممسكا السلسلة بقوة وبيد من حديد حرصا على ألا يفلت الكلب من يده ويهاجمني .. وقف على بعد خطوتين مني .. وقال لي بهدوء:
" اقتربي مني."
التردد والخوف ملآني .. فالكلب يبدو شرسا ويبدو بأنه جائعا لتذوق لحم طري أمامه ينهشه بأنيابه الحادة .. سمعت رشيد يردد لي:
" اقتربي ولا تخافي .. فأنا هنا ."
وكأنه كان بحاجة إلى الكلمتين الأخيرتين حتى اقترب منه .. تقدمت خطوة منه .. وأنا مستغربة من نفسي .. لماذا هذا الشخص يجعلني أشعر بالأمان بقربه؟؟ .. هل لأننني أعلم بأن عثمان يثق به لدرجة غريبة وغير معقولة لم أكتشف سببها بعد .. وإن كان الأمر هكذا .. كيف أطمئن له أنا وأنا بنفسي لا أطمئن ولا أثق بعثمان .. هناك شيء غريب يجذبي لهذا الرجل .. فزعت وخرجت من أفكاري بقوة على إثر نباح الكلب الذي دوى في المكان فجأة .. وهو يحاول القفز علي .. وتلقائيا ومن دون أن أدري ما فعلته .. احتميت بأول شيء كان أمامي .. وهو رشيد .. الذي أمسكت بذراعه بقوة أغرس في سترته أظافري عالمة بأنني قد وصلت إلى جسده من تحت تلك السترة الرقيقة التي لا أعرف لحد الأن كيف تحميه من البرد ناسية بأنني بنفسي لا أرتدي سوى قميصا خفيفا لا يقي شيئا من برود الجو .. كتمت صرخة أخرى عندما اقترب مني الكلب .. تشنج جسدي لاقترابه وكنت أسمع طنين دقات قلبي مع أذني .. فأكره الحيوانات بالسنبة لي هم الكلاب لطالما اشمئززت منها وكرهتها وارتعبت منها والأن لا أعرف ماذا فعلته ليكون جزائي أن أعيش في بيت يحرسه كلب شرس ومتوحش .. أغمضت عيني تلقائيا وأنا أشعر بذلك الكلب قد اقترب من ساقي .. لم أكن أدري بأنني تشتبث أكثر بذراع رشيد إلا عندما سمعته يقول لي:
"اهدئي لن يفعل لك شيء .. إنه فقط يتعرف على رائحتك."
رفعت رأسي إليه وأنا أقول محتجة على كلامه بغضب عفوي:
" لكنني أكره الكلاب منذ أن هاجمني أحدهم بشراسة في الشارع عندما كنت صغيرة أثناء لعبي بدراجتي الهوائي..."
لم يجبني كما أنني قطعت جملتي في نصفها وقد تجمدت في مكاني مذهولة للقرب الكبير الذي كان بين وجهينا لدرجة بأنني شعرت بأنفاسه الدافئة تلفح وجهي البارد.. مضت عدة لحظات قبل أن يفاجئني هو بابتعاده فجاة حتى تأرجحت في وقفتي قليلا قبل أن أستعيد توازني .. لكي يقول هو بارتباك حاول اخفاءه عني:
" أعتقد بأن هيرو قد تعرف على رائحتك .. لذلك علي الذهاب الآن."
أومأت له برأسي وأنا أفكر فقط في أنفاسي التي كنت أحبسها لحد الآن بفمي المزموم .. غير عابئة باقترب الكلب مني لدرجة مقرفة .. رأيته لا يزال واقفا قريبا مني .. فنظرت إليه لكي يقول لي ببرود:
"يمكنك ترك ذراعي .. فالكلب لن يؤذيك الآن."
تركت ذارعه بسرعة وكأنها لسعتني فجأة بنارها .. لكن في الحقيقة لم تلسعني سوى فكرة أنني كنت أتشبث بذراع رجل بتلك القوة .. بذراع رشيد بنفسه الرجل الغريب.. رأيته يبتعد عني وهو ممسك بسلسلة الكلب الذي كان يسبقه .. بقيت أحدق فيه وحال أن توارى عن أنظاري .. أطلقت العنان لأنفاسي .. اقتربانا كان شديد ببعض .. عادت بي الذكرى إلى تلك النظرات التي لم تدم بيننا سوى لحظات .. لكنها لحظات غريبة .. لقد شعرت بالدفء لقربه دفء غريب لم أشعر به يوما .. وجهه كان قريبا مني .. أنفاسه .. رائحته .. كل ذلك أسكرني بطريقة لا تصدق لقد كدت ألمس وجهه .. يا إلهي أسيل لقد جننت .. قلت هذا لنفسي وأنا أمرر يدي بقوة على وجهي .. لا بد بأنه قد رأى ذلك التغير في .. رأى أنفاسي ونظراتي المبهورة بقربه .. لا بد بأنه قد اعتقد شيئا خاطئا عن ما حصل قبل قليل من الطريقة الباردة التي غادر فيها بسرعة؟؟ لا بد بأنه أحمق إن ظن شيئا هو غير موجود سيوى في خياله .. أنا .. أنا فقط كنت خائفة من ذلك الكلب المقرف .. وهو لأنه كان يستطيع السيطرة على الكلب والتحكم فيه بث فيَّ تلقائيا الأمان لذلك تشبثت به .. بالتأكيد لا شيء آخر .. أجل لا شيء آخر .. قلت ذلك وأنا ابتسم لنفسي بعد أن وجدت عذرا مقنعا لما فعلته.
***************************


maroska غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملوك تحت رحمة العشق

رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 08:01 PM   #694

maroska

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة

alkap ~
 
الصورة الرمزية maroska

? العضوٌ??? » 141454
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 4,911
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » maroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond repute
افتراضي


كنت أنزع حجابي كالعادة عند الدرج قبل أن أصل إلى الباب الكبير .. كنت أطلق تنهيدات حارة ملئية بالذنب الذي لم يرحمني طيلة الشهرين .. والتعب النفسي الذي هلك قوايَ من تكرر هذا الوضع الذي يصبرني عليه فقط أجواء عملي المريحة في الداخل .. كما أن الخجل هو الأخر لا أزال يعتريني في كل مرة أنزع فيها غطاء رأسي وكأنني أتعرى أمام الجميع .. تلمست يدي أخر دبوس بقي يثبت حجاببي الذي ارتخى على رأسي بعد أن نزعت دبابيسه الأخرى .. بحركة سريعة مني اهتزت يدي .. فسقط الدبوس الذي نزعته من حجابي على الأرض كما سقط غطاء رأسي لكي يستقر على كتفي .. أغمضت عيني بقوة وأنا ادعي الله أن يلهمني المزيد من الصبر على هذا الحال .. نظرت بعدها إلى الأرض أبحث بعينين نهمتين عن الدبوس الذي سأفتقد مكانه عندما أعيد ارتداء حجابي إذ ليس معي واحد اخر احتياطي .. لكنني لم أجده فقد كنت كمن أبحث عن إبرة في كومة قش .. تركت أمر الدبوس حتى لا أتأخر عن عملي وصعدت الدرجات الرخامية إلى الباب الزجاجي الاسود اللامع .. وأنا أفكر بانني لو بقيت على هذه الحال أكثر من سنة سيمتلأ المكان هنا بدبابيسي المفقودة ..

عندما دخلت مررت بمكاتب الاستعلامات ألقيت تحية الصباح على الشقرواتين اللتين كانتا جالستين في مكتبيهما .. ردتا التحية وكدت أن أنصرف في حالي كالعادة .. إلا أنني توقفت عندما نادت علي ريتا .. عدت إليها أستفسر ما الذي لديها لتقوله لي .. فتكلمت فورا:
" أريد أن أخبرك بأن اريكا قد اتصلت هذا الصباح لكي تعلمنا بأنها متوعكة ولن تستطيع القدوم."
شعرت بالأسف من أجل ايريكا .. لذلك قلت لريتا:
" علي أن أطمئن على حالها .. لو سمحتِ هل لي برقم هاتفها الخاص؟"
"بالطبع .. انتظري فقط لحظة."
بقيت واقفة أنتظرها هناك .. بينما كانت تبحث عن رقم هاتف اريكا في المعلوماتها الشخصية على الحاسوب .. كتبته لي بخفة وسرعة .. ثم أعطته لي .. أمسكته أنا ودسسته في حقيبتي وتمتمت بكلمات شكر قبل أن أرحل لكي أتوجه إلى المصعد العام .. الذي كلما تذكرته يصيبني ارتباك وخجل من نفسي .. لأنني في البداية لم أميز بين المصعد العام والخاص وقد عرفت ذلك بطريقة محرجة للغاية عندما رفع مديري في اليوم الذي بدأت فيه العمل هنا مفتاح غريب أمام وجهي .. وقال:
" هذا المفتاح يعود للمصعد الذي استقليته معي البارحة إنه مصعد خاص و بمفتاح خاص به .. ومصاعد الموظفين العاديين هي الكبيرة وهي العامة . أتمنى بأن يكون الأمر مفهوما لك حتى لا تنتظري مرة أخرى مصعدا لن يقلك إلا بمفتاح خاص." .. سعاتها شعرت بالحرج الشديد من الموقف الذي أوقعت نفسي فيه .. وذلك الموقف جعلني أشعر بالنفور منه في الأيام الأولى .. لكن بعدها تعودت على كلماته المحرجة لنا أنا واريكا .. بل اكتشفت بأن لديه شخصية أخرى رائعة تستحق أن يراها الناس فيه على غير ما يرونه للوهلة الأولى وهو الصرامة والحزم والجدية اللا متناهيين .. خرجت من أفكاري على صوت المصعد العام وقد وصل إلى الطابق الرابع .. فتح الباب فخرجت منه .. أول ما فعلته بعد أن علقت معطفي على المشنج أنني أمسكت بهاتفي واتصلت بإيريكا .. دام حديثانا لثواني قليلة .. اطمئنيت عليها وتمنيت لها الشفاء بعد أن أخبرتني بأنها ستزور الطبيب اليوم وبأنها تشعر الاعياء والزكام فقط وستعود في أقرب وقت .. أخبرتني أيضا وبخجل بأنني ربما سأضطر للقيام بدورها في العمل اليوم .. عندما أقفلت الهاتف .. ذهبت إلى مكتبها أبحث عن الملفات التي أوصتني بأن أضعهم على مكتب المدير قبل أن يصل إلى هنا .. وجدت تلك الملفات التي وصفتهم مباشرة بعد توجهي للمكان الذي وصفته لي في خزانة صغيرة قرب مكتبها .. أمسكت بتلك الملفات بيدي ثم توجهت إلى باب مكتبه وفتحته .. فقط عندما فتحت الباب .. اكتسحني شعور غريب .. أقفلت الباب ورائي وانا أتقدم من المكتب إنها أول مرة أدخل إلى مكتبه ويكون هو غير موجود فيه .. المكتب الذي لم أستطع يوما أن أتأمله لأن نظراتي تسجنها نظراته ولا أستطيع سوى التحديق به وعندما يحمر وجهي أوجه أنظاري للأرض هروبا منه حتى لا يكتشف نظراتي المبهورة به.. اقتربت من المكتب أكثر وللمفاجاة لم أستطع أن أتأمل مكتبه الفخم الواسع إذ أن عيني تعلقتا فقط بذاك الكرسي الجلدي المهيب الذي كان خاليا كئيبا وكأنه يطالب بصاحبه حتى تعود إليه هيبته وسلطته .. اقتربت أكثر من المكتب حتى أصبحت أمامه فتوقفت عنده .. أبعدت نظري عن كرسيه أخيرا عندما لفت انتباهي الأوراق التي كانت على المكتب .. لم تكن منظمة وهذا ما أثار استغرابي .. لا أظن بأن بيتر من الأشخاص الذين يتركون طاولات مكاتبهم فوضوية بهذا الشكل .. لم أكن أدخل مكتبه صباحا قبله هذا صحيح .. لكنني لحظت من المرات القليلة التي دخلت لمقابلته هنا كما من الأوامر التي كان يصدرها لاريكا ولي بأنه رجل يحب أن يكون كل شيء منظم وكما يجب .. فكرت هل علي أن أنظمها أم أتركها في مكانها؟؟ .. ماذا تفعل اريكا بالضبط لو كانت بمكاني .. هي متعودة على طباعه أكثر مني .. ربما يكون قد ترك هذه الأوراق البارحة هنا بعد أن اضطر للخروج بسرعة .. فكرت في نفسي بأن سكرتيرته عليها أن تحرص على أن يكون كل شيء جاهزا ومنها مكتبه هذا .. وضعت الملف الذي كان بيدي على طاولة المكتب .. ثم استدرت حول المكتب حتى أجمع تلك الأوراق وأضعها في ملف خاص .. لكن قبل أن أفعل .. نظرت إلى الكرسي الذي كنت أقف بجانبه .. شعرت بحرارة تجتاح وجهي .. لكي تجعلني أخجل من نفسي تلقائيا فقط لأفكاري وأنا أتخيله من جديد جالسا على ذلك الكرسي وأنا أقف بالقرب منه .. يا إلهي سارة لقد فقدت عقلك بالكامل .. فكرت بذلك وأنا أبعد عيني عن الكرسي .. لكنني لم أستطع أن أبقى مشيحة بنظري أكثر وتلك الرغبة الجامحة المجنونة في أن ألمس كرسيه تستعر بي .. مددت أصابعي إلى الكرسي الجلدي الكبير .. وبخجل مررت سبابتي على جلد الكرسي الأسود .. كنت قد نسيت نفسي وأنا أحدق في ذلك الكرسي .. وكأنه كرسي خارج عن العادة .. لكن كيف لا يكون خارج عن العادة؟؟ وذلك الرجل الشهم يجلس عليه بلحمه وشحمه .. يعمل عليه طوال اليوم .. لا أعرف لما بدأت أنبهر وأحب كل شيء يتعلق به .. يبدو بأن هذه المشاعر قد أصبحت مَرَضية .. لكنها جميلة وأنا أحبها .. ولا أريد أن أستكثرها على نفسي القاحلة والمجردة من كل شعور جميل محبب .. أبعدت يدي عن كرسيه وابتسمت وأنا أرى صورتين مؤطرتين على مكتبه .. لم ألاحظهما من قبل .. حدقت في الأولى كانت لفتاة تبدو في سن حسناء أختي الصغرى .. جميلة ذات عينين بنيتين وشعر برونزي يصل إلى كتفيها .. لون شعرها كما ملامحها الجميلة جدا كانت تشبه بيتر كثيرا .. استغربت من صورتها التي كانت هي الأولى وعلى مكتبه .. بقيت أحدق فيها لثواني .. قبل أن تتجه أنظاري إلى الصورة الثانية .. الصورة التي جعلت ابتسامتي تتلاشى .. تلك الصورة لم أستطع إلا أن أمد يدي وأمسكها .. كنت فقط أريد أن أراها عن قرب وكأنها امنيتي الوحيدة ولم أستطع أن أحرم نفسي من تحقيق تلك الأمنية البسيطة رغم جنونها .. حملت الصورة بين يدي .. وحدقت فيها عن قرب .. كان هو .. بيتر يضم صديقته من الوراء .. حبيبته صونيا .. كان يبدوان رائعين في تلك الصورة مع بعض بثياب أنيقة .. وقد كانت الأخرى تبتسم للكاميرا .. اعترفت في نفسي أنها جميلة .. جميلة للغاية .. تلائمه .. شعرت بغصة حارقة تقف عند بلعومي فاضطررت لكي أبتلعها بألم .. وأنا أبتسم ابتسامة حزينة .. لا أعرف لماذا كل ذلك الحزن والألم اللذان شعرت بهما وقد حطما قلبي المحطم في الأصل من قسوة الزمن علي .. كلمت نفسي قائلة .. لكن سارة ماهذا؟؟ ألم تقولي بأنك ستحتفظين بمشاعرك فقط لنفسك لا غير .. أتريدين أن تصبح تلك المشاعر واقعية حقيقية .. لالالا قلتها وأنا أهز برأسي .. لا أريدها واقعية لأن هذا مستحيل محرم .. حبي سيبقى له طي الكتمان بين جدران قلبي الهرمة المتآكلة من الحزن والتعاسة .. حبي .. رفعت يدي إلى فمي أضعها على شفتي وأنا منذهلة من الكلمة التي قلتها غير داركة بأنني قلتها بقلبي وليس بلساني ولم تسمعها سوى روحي ورددتها فقط زوايا عقلي المظلمة .. يا للاعتراف الساحق لخلايا عقلي وشتات روحي ونبضات قلبي .. ترقرقت الدموع في عيني لكي تنزل على خدايَ سائلة نفسي ما هذا الذنب العظيم الذي ارتكبته .. ما الذي جعلني أقع في حب محرم .. كانت دموع الألم والتعاسة تنزل على خدايَ للشقاء الذي كتب علي .. شقاء لتعايش مع وحدة أبدية من والدين ينفراني مني وشقاء لحبي لرجل أبدا وأبدا لن يكون لي .. بل إني لا أعرف حتى كيف أحببته .. كيف؟ كيف؟ ما الذي فعله لهذه الدرجة حتى أقع في حبه هكذا كالمجنونة ؟؟ ما الذي فعله لكي يجعل كل مشاعر تستيقظ يجعلني أحس بأنني امرأة بأنوثتي وبأنني يمكن أن أحب وأشعر بتلك المشاعر الرقيقة والجميلة .. أطلقت شهقة صغيرة لم أستطع حبسها .. شهقة بكاء تصرخ بالألم بصمت.. لكي أضغط بقوة على فمي بعدها وأنا ما زلت أمسك الصورة بين أصابعي المرتعشة..
"ما خطبك سارة؟"
فزعت وأطلقت شهقة قوية حتى سقطت من يدي الصورة المؤطرة .. لكنني لم أبالي بها .. فقد تجمدت عيناي عند التقائها بالعينان الزرقاوتان اللامعتان وهي تحدق بي بذهول واستغراب .. إنه هو .. هو .. تلك الكلمات جعلتني أستوعب برعب بأنه كان هنا منذ مدة .. لقد شهد على لحظات جنوني في مكتبه .. تحسسي لكرسيه بيدي وبطريقة حالمية .. تحديقي بصورته لوقت طويل والبكاء أمامها .. أجل كان هنا فكرت بذلك وأنا أرى دليل كلامي .. فقد كان جالسا على الأريكة المخملية في أخر زواية المكتب بالقرب من النافذة الضخمة المطلة على الشارع والمدينة .. وفنجان قهوة موضوع على الطاولة الزجاجي التي كانت أمام الأريكة .. عضضت على شفتي بقسوة غير مهتمة بالألم الذي سببته لنفسي .. كل ما كنت أفكر فيه بأنني فعلت أشياء محرجة لا يجب أن تقوم بها فتاة مثلي والأسوء من كل هذا بأنه كان حاضرا .. لقد كان هناك وشهد دخولي المكتب وتصرفاتي الحمقاء في مكتبه بصمت.. نظرت إلى عينيه من جديد وأنا أشعر بأنني لم أعد أتنفس الهواء وسأختنق من الصدمة .. كانت عينيه الأن لا تحدقان إلي .. لذلك تتبعت بارتجاف مجرى عينيه .. لكي أجده ينظر عند قدمي .. أطلقت شهقة أخرى وأنا أرى زجاج الصورة قد تحطم وتكسر على الأرض وأصبح أشلاء .. وباضطراب مني .. جثوت على الأرض .. وحاولت أن أجمع أشلاء زجاج الصورة التي حطمتها بسبب حماقتي .. سمعته يقول بقوة:
" سارة ما الذي تفعلينه؟؟ .. دعي ذلك من يدك الأن ."
عند كلماته الحادة تلك والآمرة ارتبكت أكثر لكي أضغط بعدهاعلى أسناني بقوة عندما جرحت قطعة زجاج حادة سبابتي .. جرحا عميقا بعض الشيء .. شعرت بلسعة حرارة الجرح الذي انشق بخط عمودي لكي تسيل منه الدماء الحمراء القانية .. جفلت للصوت الذي كان قريبا مني للغاية .. التفت إليه بسرعة لكي أفجأ به يجثو على الأرض أمامي ويقول:
" هل أنت حمقاء أم ماذا؟ بل السؤال المهم .. هل أنت تعملين لدي سكرتيرة أم عاملة تنظيف .. أنظري لقد جرحت أصبعك بمحاولتك هذه لجمع الزجاج المتحطم."
أنهى كلماته وبقي يحدق في اصبعي المجروح .. شعرت بالحرج الشديد لما فعلته والذنب أيضا لم يرحمني لتصرفاتي التي قمت بها .. وكأنني مراهقة حمقاء .. أشحت بعيني بعيدا عن عينيه اللتين كانتا قرببتين مني وحاولت تجاهل بريقهما الذي كنت أستطيع أن أبهر به لو بقيت أحدق به هكذا عن قرب وتمتمت بنبرة اعتذار:
" آسفة لتحطيمي إطار وزجاج الصورة .. أعرف بأن .."
لم أكمل إذ قاطعني بلهجة حادة وهو يقف على قدميه:
" لا تتأسفي .. بل انهضي من مكانك حتى تضمدي جرحك وتعقميه."
نهضت تتبعا لأوامره .. وأنا أشعر بأنني لا أستطيع بعد الأن أن أنظر إلى عينيه مباشرة .. وفكرت بأنني سوف أدع هذا العمل الذي يأتي لي بالمشاكل كل مرة .. لكن صوتا ساخرا تكلم داخل عقلي يقول .. سارة لست مضطرة لترك العمل فهو سيطردك قبل أن تفعلي ذلك."
رأيته يتقدم بخطواته الواثقة والكبيرة من باب المكتب وعندما وصل إليه فتحه بسرعة ثم استدار إلي وقال بنبرة كانت أكثر هدوءا الأن:
" انتظري هنا .. سأذهب لكي آتي بعلبة الاسعافات الأولية التي تحتفظ بها اريكا في المكتب."
بقيت كالمذهولة أحدق في الباب المفتوح الذي توارى هو خلفه .. وقفت هناك بلا حراك حيث أنني لم أستطع حتى أن أبتلع ريقي .. إلا عندما عاد بعد دقائق قليلة وهو يحمل بيده علبة صغيرة للاسعافات الأولية .. تقدم من الطاولة الزجاجية التي كانت بجانب الأريكة تاركا إيايَ أقف عند المكتب حيث حطام الزجاج عند قدمي .. لكي يلتفت إلي بعدها وهو يضع العلبة على الطاولة يقول:
" ماذا تنتظرين سارة ألن تأتي؟"
تقدمت بخطوات مرتبكة منه .. وعندما وقفت أمامه قال بدون النظر إلي:
" اجلسي." ..
جلست على الأريكة لا حول لي ولا قوة .. كنت كمن ارتكتبت جريمة كبيرة والقاضي بنفسه كان شاهدا عليها .. والآن عليها تحمل العقوبة بصمت وبدون أي احتجاج أو دفاع عن النفس .. تململت في جلستي حتى أستوي فيها جيدا غير داركة لما يريد فعله .. قال لي وهو يمسك بيده قطنا أبيض عليه بعض الدواء المعقم:
" هلا أعطيتني يدك لو سمحت؟"
عندها علمت بأنه ينوي أن يعقم جرحي فقلت له رافضة:
" لا داعي سيد يانسنس .. سأعقمه بنفسي."
رفع أحد حاجبيه وقد كان جاثيا على الأرض ينظر إلي بينما أنا أجلس على الأريكة الفخمة.. ابتلعت ريقي بصعوبة للطريقة الغاضبة التي كان ينظر بها إلي .. لكي يقول بعدها ببرود غاضب:
" اسمعي سارة .. أنا حقا لست في مزاج يسمح لي بمجارتك في هدوئك هذا .. لقد أمضيت الليلة كلها وأنا اعمل هنا .. لذلك من الأحسن بأن تتركيني أقوم بتعقيم جرحك بصمت!!"
صمت لكي أفتح عيني ذهولا بعدها وقد كتمت شهقة كانت على وشك أن تخرج عندما أمسك بيدي .. وبدأ بتعقيم جرح أصبعي الذي كان ما يزال ينزف .. كنت مذهولة مما فعل .. كنت أريد أن أبعد يدي عنه .. لكنني لم أستطع .. إذ أنَّه كان مستغرقا في تعقيم جرحي .. بينما كنت أنا اشعر بلمساته اللطيفة على غير الحدة والغضب الذي أظهرهما لي قبل قليل .. وكأنه كان يحرص بشدة ألا يؤلمني .. كنت أشعر بالارتباك الشديد للمساته التي كانت عادية لكنها بالنسبة لي كانت فوق العادية يصحبها شعور يربكني للغاية .. خفت أن تهتز يدي وأفضح نفسي أكثر مما فعلت اليوم .. لذلك أبعدت أفكاري عنه كما أشحت بنظري إلى المكتب الذي لاحظت قبل قليل واستغربت لفوضويته بالاوراق .. لكي أفهم الأن السبب .. لقد أمضى الليلة كلها هنا يعمل .. لكن لماذا؟؟ لم يسبق أن فعلها يوما طيلة فترة عملي هنا .. عدت بأنظاري إليه .. كان ما يزال مستغرقا وعلى وشك الانتهاء .. أمعنت النظر فيه بدون أن أدرك .. كان شعره الناعم مشعثا قليلا وليس مسرحا بأناقة كعادته .. فقد سقطت عدة خصل ناعمة على جبينه الذي كان مقطبا .. كانت ملامحه تبدو متعبة من قلة النوم .. وذقنه قد بدأت تنمو .. نزلت عيناي إلى قمصيه الذي كان بدون ربطة عنق و مفتوحا قليلا عند صدره .. حيث ظهرت عضلات صدره القوية بوضوح من تحت بشرته البيضاء.. أبعدت نظري عنه بسرعة وأن أدرك فضاعة ما أفعل .. لم أعرف بأن يدي ارتعشت كحال جسدي إلا عندما رفع عينيه إلي وسألني بنبرة لطيفة:
" هل آلمتك؟"
من دون أن أنظر إليه هززت برأسي بمعنى لا .. فقال لي وهو يبعد أنامله التي كانت تمسك بيدي عنها أخيرا:
" أصلا لقد انتهيت من تعقيمه."
نظرت إليه بعدها وقد عاد إلى ذلك الصندوق الصغيرة .. لكي يجلب منه ضمادة صغيرة .. وضعها على أصبعي بدون أن أنبس بحرف .. وعندما انتهى بعد ثانية .. رفع رأسه إلي وابتسم ابتسامة واسعة ذات معنى قد ارتسمت على محياه وهو يسألني:
" والأن هل ستخبرينني ماذا كنت تفعلين في مكتبي صباحا."
شبكت أصابعي ببعض.. وحاولت أن ألملم شتات نفسي المرتكبة اربتاكا لم أجربه يوما .. حاولت أن أتصرف بعقلانية ومنطقية كما أفعل مع الجميع.. لذلك قلت بهدوء على عكس ما يشوبني من الداخل وأنا أضغط على يدي حتى لا يظهر له ارتعاشهما:
" آسفة سيد يانسنس لكن اريكا متوعكة ولا تستطيع القدوم إلى العمل اليوم .. وكان علي أن أدخل إلى مكتبك من أجل أن أضع بضع ملفات على مكتبك كما تفعل هي كل يوم."
سمعت الصمت من جهته .. صمت يصم الأذان .. بينما دقات قلبي كانت وكأنها تتسابق مع ذلك الصمت المضطرب والمزعج بحق .. اضطررت لرفع رأسي إليه حتى أرى سبب صمته هذا .. لكي أجده يحدق إلي بملامح لم أسبر غورها .. وابتسامته الواسعة قد تلاشت من على فمه الذي أصبح الأن مزموما وكأنه خيط رفيع .. كانت عينيه مسلطتين بهدوء رهيب على ملامحي .. وعندما التقت عينينا ببعض .. تكلم أخيرا:
" ولماذا كنت تبكين قبل قليل عندما كنت تشاهدين صورتي مع صونيا؟"
شعرت بالحرارة تجتاحني بقوة .. لكي أحس بعدها وكأنني في فرن تلتهبني نيرانه بدون رحمة .. كنت أشعر بأن لساني قد عقد من مواجهته الحرجة لي بطريقة لا تصدق .. تمنيت لو أن الأرض تشق وتبتلعني نهائيا بلا رجعة .. لو أنني لم أقبل في هذا العمل أصلا .. لو أنني لم ...
"إن كنت مكتئبة أو حزينة .. فأنصحك بأن تتناولي الشكلاتة السوداء .. إنها تساعد كثيرا."
رفعت إليه رأسي بذهول أنظر إليه وقد قطعت أفكاري التي كانت بدون نتيجة .. وكلماته تتررد في أذني مرة بعد مرة .. لقد كانت كلماته كبر أمان .. وكأنه قد شعر باضطرابي الكبير وخجلي الذي جعلني أتمنى لو أتلاشى في الهواء على أن أبقى أمامه وهو يواجهني بالحقيقة المخجلة التي سببتها لنفسي .. وكأنه علم بكل ذلك وبالعذاب الذي كنت أتعذبه في داخلي وكأنني أقف خلف القضبان والمحاكمة قد بدأت على روحي .. فقد كان واضحا بأنه تعمد قول تلك الكلمات حتى يتهرب من الأمر بطريقة لائقة كي لا يضغط علي ويسبب لي الاحراج أكثر من هذا وكأنه يقول لي بجملته تلك لا داعي لكي تفسري لي شيئا.. رأيته يقف على قدميه مبتعدا عني .. فوقفت أنا الأخرى حتى أرحل من المكتب .. لكنني قبل أن أفعل .. استوقفني بكلمة حازمة منه .. وهو ينحني أرضا ويمسك بتلك الصورة التي تحطم زجاجها والتي كانت ما تزال على الأرض بين قطع الزجاج المتناثرة حولها.. تقدم إلي بها ووقف بالقرب مني فسارعت أنا للقول:
" آسفة سيد يانسنس لأنني تسببت في تحطم زجاجها."
للمفاجاة أنه مد لي يده بالصورة .. وهو يقول:
" لاداعي للاعتذار سارة .. في الأصل لم يعد هناك حاجة لكي تبقى هذه الصورة على مكتبي .. لذلك إرميها لو سمحتِ عندما تخرجين."
أمسكت الصورة بيدي .. وأنا أقفل فمي بسرعة الذي كان مفتوحا من الدهشة لطلبه الغريب جدا بل والصادم .. .. ثم استدرت حتى أخرج من المكتب وأنا أفكر بالصورة التي بين يدي .. يريد رميها وليس اصلاحها .. لقد قال بأنه لم يعد هناك حاجة للاحتفاظ بها .. ماذا يحصل معه يا ترى؟؟ ..
وصلت إلى باب المكتب الذي كان مفتوحا فرفعت رأسي بشرود .. لكنني توقفت بسرعة وارتددت للوراء بضعة أمتار .. عندما رأيت امرأة طويلة القامة جميلة المظهر .. تتميز بجسم وكأنه منحوت وقد ظهرت نحافته من تحت طقمها الجميل والأنيق في آن واحد .. كانت تقف عند الباب وهي تنظر إلي بعينيها العسليتين وشعرها الأشقر يحيط بوجهها بهدوء وأناقة .. أبعدت نظريها عني ونظرت إلى ما وراء كتفي .. بالتأكيد أنا عرفتها حالا .. لأنني أبعدت الصورة التي كانت في يدي خلف ظهري .. حتى لا ترى صورتها المحطمة زجاجها والأسوء ألا تعرف بأن مصير الصورة قد أصبح سلة المهملات .. كانت هي بلا شك .. نظرت إليها من جديد وهي تقف عند الباب .. كانت نظراتها موجهة إلى بيتر .. نظرات غاضبة جامدة وقد ضيقت عينيها الجميلتين بشكل حاد للغاية .. كنت على وشك أن أفتح فمي وأتكلم لكي أرى ما الذي يوقفها عند الباب هكذا .. لكنني سمعت صوتا حازما من خلفي يقول:
" سارة .. يمكنك أن تنصرفي إلى عملك."
التفت إليه وأومأت بسرعة غير غافلة عن الوجوم والبرود الشديدين اللذين اكتسحا وجهه الوسيم .. خرجت من الباب تاركة إياه مفتوحا لأن صونيا كانت تقف عنده بعد أن أفسحت لي المكان قليلا حتى أستطيع الخروج .. ابتعدت وأنا حريصة على ألا ترى الصورة التي كنت أمسكها بقوة .. عندما وصلت إلى مكتبي وجلست .. أقفلت صونيا الباب بحدة ويبدو بأنها فقط قد دفعتها بقوة .. رمقت باب المكتب بنظرات حزينة وتعيسة .. وقد شعرت بوخز مؤلم وحاد في قلبي .. هما يلائمان بعضهما .. تمتمت بهذا وأنا أضع الصورة فوق مكتبي أحدق فيهما من جديد وهما متعانقان .. لكنني رفعت رأسي بسرعة إلى الباب أنظر إليه عندما وصل صوتها إلي .. وقد رأيت بأن الباب لم يقفل جيدا .. كدت أن أقوم وأقفله حتى لا تخرج أصوتهما خلف تلك الجدران لكنني عدت وفكرت بأن من الأفضل لي أن أبقى في مكاني .. فربما يظنان بأنني أتطفل عليهما أو أسترق السمع عليهما .. حاولت أن أتجاهل حديثهما لكنني لم أستطع فأصواتهما كانت تصل إلي بوضوح شديد .. كانت تتكلم بحدة وهي تصيح فيه:
"لا أصدق بيتر بأنك تركتني البارحة في الحفل ورحلت .. أتعرف كيف أحرجت أمام عائلتينا معا؟"
سمعت صوته الغاضب يهتف فيها ردا على كلامها:
" صونيا .. الأمور الشخصية لا تناقش في مكتبي."
"آاه حقا .. كنت لتقول هذا لنفسك البارحة .. ظننت بأنني سأجدك في البيت عندما أعود .. لكنك لم تعد طيلة الليل .. لكي اكتشف بأنك قد أمضيت الليلة هنا حتى تتهرب من مواجهتي."
"أنا لم أتهرب من مواجهتك صونيا.. كل ما هنالك أنني لم أكن لأتحمل أن أمضي الليل كله وأنا أستمع إلى لتذمراتك وصياحك."
كان صوته هذه المرة أقوى من الأول وأكثر غضبا يبدو بأنها قد جعلته يفقد أعصابه لحد لم أره به من قبل والذي جعل لهجتها تقل حدة وهي تقول:
" لما أحرجتني أمامهم بيتر؟ لما قلت بأننا لن نتزوج؟"
"لأن هذه هي الحقيقة."
صاحت مجددا بغضب:
" وماذا تنتظر بيتر؟؟ أنت في عمر الخامسة والثلاثين وأنا في عمر الثانية والثلاثين .. كم تريدني أن أنتظر .. نحن نعرف بعضنا أكثر من سبع سنوات ونقيم مع بعض في بيت واحد منذ أربع سنوات .. ماذا تنتظر أكثر من هذا؟؟ "
توقفت للحظات لكي تكمل بعدها وقد سمعت في صوتها تغير واضح وكبير فمن نبرة الغضب تحولت إلى نبرة الحزن والتعاسة:
" أنا أريد أن أصبح امرأة متزوجة .. أريد أن أنجب أطفالا قبل أن يصبح الأمر مستحيلا علي .. أنا أريد أن أكون أما ولكن أما متزوجة؟"
لم أستطع سماع جوابه إذ يبدو بأنه قد قاله بصوت منخفض للغاية .. لكنني شعرت بالحزن من أجلها والاستغراب منه .. يعرفان بعض كل هذه المدة الطويلة .. فلماذا يرفض الزواج الأن؟ ..
تركت جوابي معلقا وقد أعدت نظري إلى الصورة أمامي أنظر إليهما .. ألا يجمعهما الحب الكبير؟ إذا ما العائق؟ بدون قصد رفعت رأسي ثانية وأنا أسمعها تصيح مجددا فيه:
" لا تريد .. ماذا أفهم من هذا بيتر؟؟ بأنني لم أكن أعني لك شيء؟؟ أنا حقا لا أصدق .. ألا تحبني كما أحبك؟؟"
"صونيا .. كيف تريدننا أن نتزوج .. نحن في الآونة الأخيرة لم نعد نتفاهم كثيرا .. فبالكاد نجلس مع بعض في البيت بدون أن تحدث بيننا مشاداة أو مشاجرة .. ببساطة نحن لا نناسب بعض .. لا يمكننا أن نتزوج لذلك أطلب منك ألا تؤثري أكثر في عائلتي حتى يحرجانني بموضوع الزواج لأنني لن أتزوج بك ."
سمعت خطوات كعب حذائها العالي تقترب من الباب .. فأخفضت رأسي أنظر إلى الملف الذي كان أمامي .. أمثل بأنني أعمل لأنني عرفت بأنها على وشك الخروج .. مع أنني شعرت بالاضطراب وأنا أخفي الصورة في درج مكتبي بسرعة .. لكنها قبل أن تخرج .. وصلني صوتها وهي تقول له بنبرة باردة:
" لقد صدمتني بعد كل هذه السنوات بيتر ؟؟ لكن أتعرف أنا لست غبية لهذه الدرجة .. أعرف جيدا بأننا لم نعد نتفاهم في الأونة الأخيرة ليس بسببي .. إنما بسببك .. أنت تختلق أي مشكلة في البيت وتحاول دائما أن تجعل عيشنا مع بعض جحيما .. كنت أشك بأنها مقدماتك بتصرفاتك تلك قبل أن تطلب أن ننفصل عن بعض .. وموضوع الزواج الذي خلقت منه أنت مشكلة ليلة البارحة ما كان سوى الضربة الحققية لكي تقول لي نحن انتهينا وأنا متأكدة من أن وراء تغيرك الكبير هذا في الأونة الأخيرة .. سببه امرأة أخرى."
"بالتأكيد لا صونيا .. ليست سببه أي امرأة.. أنا فقط اكتشتفت بأننا لسنا مناسبين لبعض."
لم تجبه إذ انفتح الباب بحدة .. فنظرت إليها أنا بملامح حاولت أن لا يكون أي تعبير عليها .. رأيت الغضب والذهول مرتسم على وجهها الجميل الذي كان دامعا وهي تحدق إلي .. فعرفت بأنها اكتشتفت بأنها قد تركت الباب مفتوحا قليلا وبأن كلامهما قد وصل إلي…
****************************


maroska غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملوك تحت رحمة العشق

رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 08:02 PM   #695

maroska

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة

alkap ~
 
الصورة الرمزية maroska

? العضوٌ??? » 141454
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 4,911
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » maroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond repute
افتراضي

جمعت كتبي وحاجياتي المدرسية بسرعة في حقيبتي .. قبل أن أضعها على كتفي والتفت حيث كانت مايا تجمع حاجياتها هي الأخرى لكن ببطئ .. لم يكن اليوم حافلا بالأحداث كالبارحة .. إنما هدوء غريب سيطر عليه .. فلم نواجه اليوم تعليقات ساخرة و متطرفة من مايكل أو من أي أحد أخر بينما لم نلاحظ ظهور كمال ولم يأتي للحصص طيلة فترة ما قبل الظهر .. كان الفضول يتآكلني كما هو الذنب أيضا .. حول معرفة أحوال ذلك الفتى الذي دافع عني كما دافع عن نفسه والذي لم يظهر اليوم .. كنت أعرف بأن صديقته مايا لا بد وأنها تعرف أخباره .. لذلك تقدمت ببطئ منها وأنا أحاول أن أنزع التردد مني .. فحقا سأكون قليلة الأصول لو لم أسأل عنه .. اقتربت منها .. لكنني اضطررت للوقوف أنتظر حتى تمر فتاتين زميلتين لي في الفصل كانتا خارجين من القسم .. بعدها أكملت طريقي إلى مايا .. وقفت أمامها .. لم تلاحظ وجودي بجانبها فقد كانت مشغولة بجمع حاجياتها الكثيرة .. وأيضا خمنت بأنها قد تكون مشغولة الذهن .. تنحنحت بصمت فرفعت رأسها إلي لكي تفتح عينيها بذهول من وقوفي أمامها .. تكلمت أخيرا بشيء من الارتباك:
"مرحبا مايا."
ردت بابتسامة تحاول أن تخفي دهشتها لتحدثي معها أنا الصامتة المتقوقعة على نفسي .. قلت مباشرة لها عن سبب قدومي إليها:
" لم أرى كمال اليوم .. أريد فقط أن أطمئن عليه بعدما حدث البارحة؟"
ارتسم البؤس والحزن على وجهها الجميل قبل أن تقول وهي تلوي شفتيها غضبا:
" لقد تم اتخاذ قرار الطرد في حقه."
فتحت فمي ذهولا لما سمعت منها .. قلت غير مصدقة :
" كيف ولماذا؟ أليس هذا إجراء صارم وظالم في حقه."
قالت بيأس شابَ نبرة صوتها:
" أجل أعرف هذا .. لقد تحججوا بطرده لأنه هو من بدأ العراك في القسم وذلك يعتبر اساءة كبيرة لمايكل كما اساءة لزملائه في القسم ومدرسته.. كما أن كمال قد رفض الاعتذار لمايكل وأخبرهم بأنه سيعيد ضربه حتى الموت لو أعاد مايكل كلماته مرة ثانية."
شعرت بالأسى والحزن الكبير على ذلك الفتى .. كيف عومل هكذا بينما كل الخطأ خطأ مايكل.. إن كان قد بدأ العراك فلأن الأخر هو من بدأ بشتمه وسب دينه وأصله .. لا وكيف يتجرؤون على أن يطلبوا منه أن يعتذر من مايكل .. يا إلهي أي عالم هو هذا؟
التفت بسرعة ورائي عندما سمعت صوت المدرسة تقول:
" ماذا يا فتيات إنه وقت استراحة الغداء .. ألن تخرجا من القسم؟"
أومأت لها بتعاسة قبل أن أستدير إلى مايا لكي أجدها تغلق سحاب حقيبتها وتضعها على كتفها .. مشينا معا بصمت على طول الممر ثم نزلنا الدرج حتى وصلنا إلى الباب الرئيسي وعنده توقفنا أنا وهي لكي تقول لي:
" أنا أنتظره أن يقبل في مدرسة أخرى حتى أنتقل إليها أنا الأخرى .. يؤسفني بأنني سأقول لك بأنك ستبقين العربية الوحيدة في ذلك القسم."
كدت أن أجيب عليها عندما رأيت سيارة رباعية الدفع بيضاء اللون تقف ليس ببعيد عن بوابة الثانوية .. تأكدت بأنه هو عندما فتح باب سيارته وخرج بقامته المهيبة وبذلة سوداء تغطيه من كتفيه حتى أخمص قدميه وقد كلله شعره الأشقر .. فقط رؤيته جعلتني أذهل وأدهش لوقوفه أمام مدرستي وأيضا جعلتني في نفس الوقت أشعر بالفرح .. لم أفهم معنى شعوري غير أنني فعلا شعرت بالسعادة لرؤيته من جديد بعد أن ظننت بأننا لن نلتقي أبدا بعد البارحة .. ابتسمت بمرح وأنا أراه يبحث بعينيه عني وسط ذلك لجموع الغفير من الطلاب الذين كانوا ما يزالون مجتمعين حول باب الثانوية .. عدت بنظري بصورة مشتتة إلى مايا التي كانت تسألني عن شيء لكي أقول لها باعتذار:
" آسفة مايا .. ماذا كنت تقولين؟"
وكأنها علمت أين تتجه أفكاري.. فقد التفتت هي الأخرى ورائها حتى ترى إلى أين أوجه اهتمامي كله بعيدا عنها هي الواقفة أمامي .. بدا وكأنها لم تفهم إلى أين أنظر فقالت بتشكك:
" كنت أسألك إن كنت تريدين مرافقتي لمطعم قريب حتى نتناول طعام الغداء معا .. هذا طبعا إن لم يكن لك رفقة تنتظرينهم."
نقلت نظري بينه وبينها وأنا أقول:
" آسفة مايا .. حقا لا أستطيع هناك شخص بانتظاري."
"حسنا لا بأس .. إذا سأودعك الآن."
عدت بالنظر إليها وودعتها بسرعة أنا هي الأخرى .. لكي أتوجه إليه حيث كان يقف عند مقدمة سيارته الضخمة .. عندما رأني أبتسم وتوقفت عيناه عن تمشيط المكان .. كانت ابتسامته تتسع وأنا أقترب منه .. وقفت أمامه وأنا أسأله باستغراب:
" ماذا تفعل هنا دانييل؟"
"مرحبا."
قالها متجاهلا سؤالي وهو يغمز لي بعينيه .. أخفضت بصري عنه وقد وترتني حركته بطريقة غريبة مع أنني كنت أعرف بأنه لم يقصد منها شيئا .. رفعت رأسي عندما سمعته يقول بنبرة لوم:
" لقد انتظرت اتصالك ."
رفعت يدي أرجع خصلة خلف أذني كانت قد تحررت من مكانها بتمرد أكرهه.. قبل أن أجيبه بهدوء مصطنع:
" لقد قلت لي أن احتجتك عندها علي أن أتصل بك.. ولقائنا كان البارحة وأنا لم أقع في أي مشكلة بعد."
"أنت لم تكوني للتصلي بي حتى لو كان قد مر شهر على لقائنا."
كلماته تلك أربكتني للغاية لأنها كانت صحيحة .. لا أذكر حتى أين وضعت بطاقته الشخصية التي عليها أرقام هواتفه لأنني لم أهتم بها .. كنت أعرف بأنني لن أتصل به ولن أكرر لحظات الجنون التي مرت بي البارحة لأنني لن أثق في غريب عني مهما كانت مساعدته لي مجدية .. كنت أهرب بعيني عن عينيه .. لا أريد لقائهما لأنني لم أكن أملك الكلمات التي علي أن أواجهه بها .. وكأنه قد فهم حرجي وعلم بأنني خجلة من حقيقة كلماته .. لكي يقول مغيرا الموضوع:
" إنها فترة استراحة الغداء وأنا جائع .. فقلت لما لا أمر عليك أنت أيضا ربما تحبين مشاركتي طعام الغداء بدل أن أكل لوحدي .. ماذا قلت هل ترافقينني؟"
رفعت عيني إليه .. كنت أتخبط بين قرارين أن اوافق على كلامه أو أرفض دعوته .. رأيت التوسل في عينيه بألا أرفض .. فاجأني ذلك التوسل والتغير الواضح في عينيه الثاقبتين .. لم أجد نفسي سوى أنني أهز برأسي عنوانا عن الموافقة .. لكن قبل أن يستطيع قول أي شيء أخر سألته بسرعة:
" لكن لن نذهب إلى مكان لا أعرفه .. إن أردت أن نتناول طعام الغداء معا .. سنذهب إلى مطعم للوجبات السريعة أتردد عليه كل يوم في هذه الفترة."
ظننت للحظة بأنه سيرفض .. سيرفض الذهاب لذلك المكان الذي لطالما يكون مزدحما وهو يدري بهذا بالتأكيد .. لكنه فاجأني بابتسامة واسعة وهو يقول بمرح:
" حسنا كما تحبين."
فتح لي باب سيارته حتى أحتل المقعد الأمامي قبل أن يستدير إلى جهة السائق ويحتل مكانه هو الأخر خلف المقود .. أدار السيارة وبدأ في الخروج ببطئ من ذلك الشارع الذي كان ما يزال مزدحما بالطلاب .. كان الهدوء سيد المكان داخل السيارة .. إذ أن دانييل كان يقود السيارة بصمت بينما أنا ساعتها بدأت تدور في رأسي أفكار غربية ومزعجة .. فقد بدت لي فجأة بأن السيارة الكبيرة قد أصبحت ضيقت علينا .. شعرت بنقص في الأكسجين وكأن الهواء لا يكفي لكلينا بل وكأننا نتقاتل من أجله في الخفاء .. كانت هناك رائحة تسيطر على الأجواء .. تغلغلت في أنفي بقوة .. رائحة لطالما شممتها .. لكن هذه المرة كانت أقوى .. كانت بالتأكيد رائحته .. رائحة العطر الذي يستخدمه دوما .. كان مثيرا وقويا مثله هو يعبر عن شخصيته .. شخصيته التي بدأت منذ البارحة باكتشافها .. هو ليس مستهترا كما كنت أظن على الأقل ليس معي .. إنه يجعلني أشعر معه فقط بشعور أشبه بالأمان شعور لطالما افتقدته مع رشيد .. يعاملني برقة مبالغة رقة لم أعرفها يوما إلا معه هو .. لكن لماذا؟ لماذا دانييل الأن أصبح يوجه لي كل هذا الاهتمام .. البارحة وكلامه معي واليوم وقدومه إلى مدرستي ودعوته لي لتناول طعام الغداء معا .. ماذا يعني كل هذا ؟؟ من أكون بالنسبة له حتى يتناول الغداء معي؟؟ .. أليس فارق السن بيننا كبير واهتمامتنا وأصولنا كلها مختلفة عن بعض كليا .. أيشعر ربما بالشفقة على حالي بعد ما رأه البارحة في من يأس وقتل للنفس ببطئ .. أهذا ما يشعر به ناحيتي لذلك يحوم حولي؟ التفت إليه .. كان مشغولا بالانتباه لسياقة سيارته ولم ينتبه لنظراتي بينما أنا كنت منزعجة للغاية من الافكار التي وصلت إليها .. لا أعرف لماذا لم أحب بأن يشعر ناحيتي بالشفقة وبواجب مساعدته لي فقط لأن والده شريك والدي وصديقه المقرب .. لم أحب بأن أمثل لدانييل فقط واجب يحمله على كهله .. لكنني سألت نفسي وماذا حسناء؟ ماذا تريدينه أن يشعر ناحيتك غير هذا؟ الشفقة شيء أفضل .. ستؤكد لك بأنك بأمان معه لأنه لا يرثى إلا لحالك .. ذلك الأمان الذي فقدته بقرب أي رجل بسبب رشيد .. لكن هذا الرجل بالتأكيد لن يفكر فيك كما كان يفكر رشيد بتلك الوقاحة والفظاعة .. حتى أن ...
"أراك شاردة بالتحديق إلي؟"
أجفلت بقوة لإيقاظه لي من سباتي العميق في وسط أفكاري .. قبل أن اعود بوجهي إلى الأمام وأنا أتمالك نفسي من الذكرى التي كنت مشارفة على استعادتها والتي كانت قد بدأت تعود بي إلى الهاوية .. وقلت له بهدوء تفاجئت أنا بنفسي به .. لأنني لم أتصرف بهستيرية كلما تذكرت الماضي:
" كنت أتسآل فقط كيف جئت إلى مدرستي وأنا لم يسبق لي أن أخبرتك أين أدرس؟"
أجاب بعملية وهو ينتبه على الطريق:
"لا أحتاج لذكاء خارق لمعرفة هذا الأمر .. لقد وجدتك البارحة جالسة وحيدة في مقوف للحافلات وليس هناك سوى ثانوية وحيدة بالقرب من هناك."
أومأت برأسي بصمت وقد شعرت الأن بالحرج منه لأنه وجدني أبكي وحيدة في تلك المحطة بعدما خرجت من المدرسة راكضة كالمجنونة الهاربة من ملاحقين وهميين لها .
توقف دانييل بعدها بقليل أمام المطعم الذي كنت أتردد عليه كل يوم وحيدة من أجل تناول وجبة بائسة من طعام الغداء أترك نصفها هناك لمللي من نفس الوجبة دائما ولفقداني الشهية .. فتحت الباب وخرجت منه .. وقفت في مكاني والتفت أنظر إلى دانييل الذي كان يبدو وكأنه يبحث عن شيء ما في سيارته .. سألته قائلة:
"ألن تنزل؟"
"بلى .. أنا نازل حالا."
هززت كتفي بعدم مبالاة ثم أقفلت باب السيارة ووقفت بجانبها أنتظره هناك وأنا أنظر إلى المطعم المزدحم .. سمعته يقفل الباب أخيرا .. فعرفت بأنه قد نزل من السيارة .. رأيته يدور حول السيارة حتى وصل إلى جهتي وتوقف وهو يمد يده لي بكيس صغير .. أمسكته من عنده .. فقال يشجعني:
" هيا .. افتحيه."
فتحت الكيس بترقب .. ظهر لي شيء هناك مثل كتاب .. دسست يدي هذه المرة في الكيس وأخرجت ذلك الكتاب لكي يتبين لي أخيرا بأنها مذكرة .. متوسطة الحجم .. غلافها كان من الجلد الفاخر بلون بني فاتح .. لكن أكثر ما لفت انتباهي وهو الجملة التي كتبت عليها ..
"Open uw hart voor mij"
مررت أناملي على تلك الكتابة الأنيقة باللون الذهبي وقبل أن أسأله عن معناها أسرع هو بالقول:
" إنها بالهولندية .. تعني افتحي قلبك لي."
نظرت إليه بحزن وأنا أتذكر مذكرتي التي مزقتها البارحة .. مزقتها لأنها كانت مليئة فقط بالذكريات التي تسبب لي الألم .. قلت له:
" دانييل أنا أسفة لكنني لا أستطيع أن أفتح قلبي من جديد لأي مذكرة أخرى .. ليس لدي ما أحكيه لها غير الألم وأنا لا أريد تذكره."
كنت أمد لحظتها بالمذكرة إليه أرجعها له .. بقيت أنتظره أن يمسكها .. لكنه لم يفعل .. بقي يحدق إلي واجمة الملامح .. وأخيرا تكلم قائلا بهدوء :
" أنا البارحة لم أكن أريدك أن تمزيقي مذكراتك فقط حتى تتخلصي من ألام الماضي .. أردتك أيضا أن تبدئي حياة جديدة وأنت بنفسك قلت بأنك ستبنين حياة جديدة بعيدة عن الماضي .. لا أصدق بأن تلك الشجاعة وروح الحياة قد انطفئتا بسرعة بين ليلة وضحاها."
شعرت بالخجل من نفسي .. كلامه صحيح .. ماذا جرى لي .. أين هي شجاعتي؟؟ أين هي روح الحياة التي كانت تتملكني وتجتاحني بقوة البارحة كما قال دانييل؟؟ .. من دون أن أنظر إليه تمتمت:
" ليس هكذا .. أنا فعلا أريد أن أبدأ بعيش حياة جديدة ."
"وإذا؟؟"
رفعت نظري إليه وقد تملكني شعور قوي بالدفاع عن نفسي:
" وإذا ماذا دانييل؟ هل تظن بأن الأمر سهل .. حسنا .. البارحة كنت أشعر بطاقة غريبة تجتاحني وكأنه الجنون الذي يجتاح شخصا عاقلا للحظات ثم يختفي والأن أنا فعلا أحاول أن أنسى آلامي لكن هذا ليس سهلا .. وبالنسبة للمذكرة رفضتها ببساطة لأنه ليس لدي ما أحكيه لها .. غير الماضي .. ماذا سيحصل بنظرك في مستقبلي .. لقد مر شهران في حياتي لم يحصل شيئا كل يوم يشبه الأخر بروتينه الممل."

سمعت نبرة حزن في صوته وهو يقول:
" وماذا عن البارحة ألم يكن مختلفا.. ظهوري في يومك ذاك لم يشكل أي اختلاف أو تغير في حياتك؟"
قلت مؤكدة كلامه بسرعة:
" بالطبع دانييل .. حقا ظهورك يوم البارحة أثر علي بشكل كبير وخصوصا بأنني كنت منهارة .. وأنا سأبقى شاكرة لك دوما."
"أنا لا أريد شكرك أنا أريد أن تقبلي المذكرة التي اشتريتها من أجلك .. وتدوني فيها كل ما سيحصل معك حاضرا ومستقبلا .. أنت تقولين بأنك لن تجدي ما تدونينه فيها .. مشاعرك .. دوني ما تشعرين به .. أنت لست فتاة فارغة .. أنت فتاة مليئة بالمشاعر والأحاسيس الرقيقة للغاية .. لكنك فقط وجهتها للشخص الخطأ .. ثم من يعرف ربما يحدث معك أشياء كثيرة في المستقبل."
بقيت أنظر إليه .. منذهلة من الطريقة التي كان يتكلم فيها عني .. كانت هناك حالمية في كلامه .. رقة وحنان كبيرين .. توسل غريب لكن ماهو ولماذا؟؟ لم أستطع معرفته .. كل ما عرفته بأنني أعجبت كثيرا لطريقة التي تحدث فيها عني ..
"ملئية بالمشاعر والأحاسيس" ..
لم يسبق لأحد أن كلمني هكذا أو وجه إلي كلمات تشعرني بأنوثتي .. ورشيد لم يفعلها .. رشيد الذي عرفته لسنين طويلة والذي كان خطيبي لم يفعلها يوما .. رشيد الشخص الخطأ كما قال الأن دانييل .. أبعدت تفكيري عن رشيد بسرعة وأنا أمسك بحقيبتي أنزلها من على كتفي .. فتحتها وأن أدس بسرعة المذكرة فيها و أقول:
" شكرا دانييل .. سأحتفظ بالمذكرة .. أشكرك على هديتك وصدقني سأستعلمها بالتأكيد."
ثم تقدمته لكي نذهب الى المطعم .. استدرت إليه فجأة فرأيته يبتسم وكمن حقق هدفا كان صعب المنال .. ذلك جعلني أبتسم أنا الأخرى .. ليس فقط ردا على ابتسامته الرائعة .. بل لأنني فعلا كنت أشعر برغبة كبيرة بالابتسام للسعادة التي كانت تشع في داخلي .. فقط لتأثري بكلماته الغريبة علي .. أنا مليئة بالمشاعر والأحاسيس .. ثلاثة كلمات جعلتني أشعر بشعور جميل للغاية مدغدغ يلعب بين أحضان قلبي بطريقة لم أكن أريدها أبدا أن تختفي .. كنت ما زلت أبتسم وأنا أشعر بدانييل يمشي بجانبي ولكن قبل أن أصل إلى المطعم تجمدت في مكاني واختفى ذلك الشعور الجميل المدغدغ لكياني .. لكي يحل مكانه الخوف والرعب .. والكراهية .. الألم والتعاسة .. كما الحزن العميق .. استدرت بسرعة البرق وأنا أقاوم تلك المشاعر الكريهة الغير المحببة لكل نفس .. وتلقائيا لم أجد أمامي سوى جسد دانييل الطويل والضخم .. لكي أختبئ به من العالم ومن دون أن أشعر أمسكت يدي بذراعيه أستنجده من عالمي المقفر الثاني الذي جاهدت للخروج منه وعندما خرجت منه لحق بي حتى يغرقني من جديد بين جدرانه الحالكة الظلام.


maroska غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملوك تحت رحمة العشق

رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 08:03 PM   #696

maroska

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة

alkap ~
 
الصورة الرمزية maroska

? العضوٌ??? » 141454
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 4,911
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » maroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond reputemaroska has a reputation beyond repute
افتراضي


تم اعادة تنزيل الفصل وهذا هو الفصل بالشكل الصحيح
اعتذر ثانية عن هذا الخطا الفظيع في التنزيل


maroska غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملوك تحت رحمة العشق

رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 09:08 PM   #697

حنان

كاتبة وقاصة بقسم قصص من وحي الاعضاء ولؤلؤة فعالية اقتباسات مضيئة

alkap ~
 
الصورة الرمزية حنان

? العضوٌ??? » 135644
?  التسِجيلٌ » Jul 2010
? مشَارَ?اتْي » 7,122
?  مُ?إني » بغداد
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » حنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
?? ??? ~
المقياس الذي نقيس به ثقافة شخصٍ ما، هو مبلغ ما يتحمّل هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه.. د.على الوردي
افتراضي

روعة سكينه لي عودة بالتعليق

حنان غير متواجد حالياً  
التوقيع








حب حب

رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 09:29 PM   #698

Jamila Omar

نجم روايتي وكاتبة ومحررة لغوية في قلوب أحلام وعضوة في فريق الترجمة

 
الصورة الرمزية Jamila Omar

? العضوٌ??? » 4574
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 7,576
?  نُقآطِيْ » Jamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond reputeJamila Omar has a reputation beyond repute
افتراضي

فصل رائع كالعادة سوسو الزوينة
شكرا حيث كثرتي من سارة فهاد الفصل
بصح نهيت توحشت نقرا عليها... ما عرفتش علاش كنحسها قريبة ليَّ هاد الشخصية
المهم نجيو لتعليق الفصل
بدون نقاش فصل رائع واللي يعارضني هادي:7r_001: كتسناه ههههههههه
سارة: أشفقت حقا على محاولتها معرفة ماضيها... هل إبنة الخطيئة؟؟ أم أنَّ أمها خانت والدها لذلك إنفصلا؟؟ أسئلة كثيرة تحوم حولها وفي شوق لآعرف الإجابة عنها...
سارة ومحاولاتها لكبت إعجابها ببيتر وصفك رائع عزيزتي وهذه ليست مجاملة بتاتا بل حقيقة جعلتني في تلك الدقائق أعيش معها تشتت عواطفها
شعورها بالذنب الذي يلازمها لنزع حجابها صدقيني أحسست بها لأنَّني لو كنت مكانها سأحس بالذنب لذلك...
بيتر صراحة لم أعجب به من وصفك له لأنني لم أحب شكله بتاتا على حسب ما تخيلته هههههههه صافي خليني على الشكل اللي كان فبالي و ندير راسي ما قريتش هذاك الوصف هههههههه
صونيا أشفقت عليها واه السيدة معاه سبع سنين وأربع سنوات وهم مع بعض عاد بان ليه أنَّهم ما ليقينش
السؤال المطروح هنا منذ متى بدأ هذا الشعور لديه؟؟؟ هل قبل أن يرى سارة أم بعد؟؟
سارة أقول لك من وجهة نظري وكنصيحة من أخت تعزك هههههه إنسي بيتر فلا ديننا يسمح بذلك ولا حتى أخلاقك ولا حتَى أفكار والده عن المسلمين (لأنَّنا لم نعرف بعد أفكاره هو)...
أسيل يا أسيل هل أنت سادية تحبين الألم؟؟ فرغبتك في تذكر ذلك الموقف أترجمه سادية منك في حق نفسك... إنسي وعيشي حياة طبيعية مثل باقي البشر... لما تحبين أن تعذبي نفسك عزيزتي أنت لا تزالين صغيرة في السن لتحملي نفسك فوق طاقتها... أنت تحبين والدك هذا شيء مفروغ منه رغم أنَّك تغلفين حبك له بذلك البرود... لن أقول لك سامحيه الأن ولكن أقول لك إسمعي تبريراته هو أيضا لا تسمعي طرفا واحدا فقط
سوسو هذا الشخصية تعجبني جدا لأنها شخصية مركبة ونجاحك في تصوريها يدل على أنك كاتبة أكثر من مبدعة وهادشي حنا عارفينو من زمان
المشهد الذي تذكرته أسيل رغم الألم الذي يغلفه إلا أنَّك سوسو كنت رائعة جدا في تصويره... كنت كأنَّني أشاهده... أولا فرح الطفلة أسيل بقدوم والدها.. ثم خوفها من أصوات الشجار بين والديها... صدمتها في والدها... وربما صدمتها في والدتها أيضا...
أرى أنَّ والدة أسيل أخطئت في جعلها تكره والدها... فما دخل طفلة (وحين أقول طفلة فأنا لا أتحدث عن الطفلة ذات الخمس أو الست سنوات بل عن أسيل الشابة التي ما تزال في ذخلها تلك الطفلة) أن تزرعي فيها كره والدها...
حاذري سامية قد تكرهك إن علمت أسباب ما حدث ذلك اليوم فأنا دائما أقول لا وجود لدخان بدون نار فأكيد هناك أسباب لذلك النزاع الصباحي... الذي في رأيي حطم طفولة أسيل
أسيل ترى أنَّ والدها فضل حسناء لذلك طلق والدتها وأنا أشك أنَّ هنا شيء أخر غير هذا السبب...
حسناء ودانييل الجنتلمان وبداية الحب.. لكن هل حسناء على إستعداد لفتح قلبها له أم أنَّها كما قالت له لن تفتح قلبها مجدَّدا لأنني شعرت حت تحدثت أنّها قصدت دانييل وليس المذكرة
رشيد الحقير :7r_001: وصل إلى بلجيكا لأنه أكيد هو من رأته في نهاية الفصل...
أعجبني إحتمائها بدانييل في النهاية فهذا يعني أنَّه بالنسبة لها بر أمان ولا يشكل أي تهديد لها...
وأخيرا سوسو شكرا على هذا الفصل الرائع الدسم


Jamila Omar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 09:37 PM   #699

نسيم الغروب

نجم روايتي وقاصة وعضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الأعضاء وعضو متألق ونشيط بالقسم الأدبي

 
الصورة الرمزية نسيم الغروب

? العضوٌ??? » 102266
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 6,407
?  نُقآطِيْ » نسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond reputeنسيم الغروب has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير
شكراً ماروسكا على الفصل
لي عودة اخرى ان شاء الله


نسيم الغروب غير متواجد حالياً  
التوقيع



رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 09:50 PM   #700

خفايا الشوق

نجم روايتي وعضو فعال في التراس المنتدى الادبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية خفايا الشوق

? العضوٌ??? » 141888
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 4,302
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Oman
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » خفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شكررررررررررررررررااااااا ااااااااااااااااااااااااا اااااااا

خفايا الشوق غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgl]https://upload.rewity.com/upfiles/6YQ92892.jpg[/imgl]عـــابرون لا أكــُـثــــــر

[imgr]https://im32.gulfup.com/FYwSN.gif[/imgr][imgl]https://upload.rewity.com/upfiles/NBo28712.gif[/imgl][imgr]https://www.rewity.com/vb/signaturepics/sigpic242556_32.gif[/imgr][imgl]https://upload.rewity.com/upfiles/FXq17526.gif[/imgl][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/NxQ01099.gif[/imgr][imgl]https://im31.gulfup.com/57mdD.gif[/imgl][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/DbH16903.gif[/imgr][imgl]https://im40.gulfup.com/uAdq7.gif[/imgl][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/qbv87689.jpg[/imgr][imgl]https://im39.gulfup.com/aYnT2.gif[/imgl][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/r3w92892.jpg[/imgr][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/rfY65786.jpg[/imgr][imgl]https://upload.rewity.com/upfiles/fBm45664.jpg[/imgl]
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مذكرات مغتربات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:00 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.