" أكره التكنولوجيا تلك الآلات معدومة الحس ... أكره كيف اختصرت حياتنا برسالة موجزة من كلمتين..
" اشتقت إليك "
" أنا أحبك "
" إلى اللقاء "
" سأرحل فلتنساني "
لقد ضاعت اللهفة، و الشوق، و الاهتمام بعالم القنوات المفتوحة، و الهواتف المحمولة ... صاغ عالم العولمة مشاعرنا لتنضم للركب... و لتتعلق بالتقدم الواهم تاركة ورائها قلوب تظن الحب يتمحور حول كلمة " آلو، " و الشوق يتمحور برسالة نصية و العشق تتناوله قنوات skype ....
أنت بالطبع تعرفين هذا الأمر، ربما لهذا اخترتِ وسيلتي الأحب... الخطابات، أو ربما لعلمك أنني لن أجيبك لو راسلتيني على ذلك الكائن البغيض.... ولكن ها أنا رغم كرهي له أعود لأجلس عليه أرسالك!!!!، بما أنه الوسيلة الأسرع ... هكذا سألتقي بك أكثر، و سأعرف أخبارك أسرع، و سنتحدث أكثر بكثير ...
يا إلهي لو ترينني الآن أجلس كطفل عاجز يتعلم فنون الكتابة!!!، أبحث عن الحروف، و كأنني أتعلم طريقة بريل ... لمَ يضعون الحروف بتلك الطريقة المخالفة لأية قواعد ترتيبية؟!!!...
عالم بغيضة!!!.....
منذ يومين أرتني قمر تعرفينها مديرة أعمالي بالتأكيد سمعت عنها من كمال أرتني رسالة لإحدى المعجبات، لم أفهمها!!!، كانت رسالة غريبة الشكل، و الحروف ... لم تكن في الحقيقة كلها حروف!!، ولكن تخللتها بعض الأرقام، ظننت أنها رسالة مشفرة!!!، أو ربما مزحة من كمال!!!، و حين زجرته، قهقه عاليا، و ابتسمت قمر و هم يخبرونني، أنَّ تلك الحروف هي ما يسمى " بالفرانكو "، لم أعي ما يقولولانه، وهما يحاولان إفهامي، أن تلك هي لغة الشباب على صفحات التواصل الاجتماعي!!!!....
لغة!!، أَتُسَمَّى تلك الحروف، و الأرقام المبعثرة لغة!!! .... أية لغة تلك؛ فهي لا تعبر عن أي شئ، ليس بها مضمون، و ليس بها حياة!!! ...هي لغة اللا شئ، لا تتضمن أي مشاعر، أي صور مادية، أي طريقة للحوار...
في جملة تلك المعجبة كتبت "ana b7bk w b3shk a3malk enta 7d jamil w cute " _ " أنا بحبك أوي، و بعشق أعمالك إنتَ حد جميل، وكيوت " _ أخبِريني بحق الله، ما الذى فهمتيه من جملة كتلك سوى كلمة cute !!! ...
لا تتضحاكي علي، أرجوكِ، يكفيني ما أنا به من غيظ، أنا cute !!!!
ألا تعلم تلك الطفلة أنني تخطيت الأربعين من عمري، ألا ترى الشيب، و قد غزى رأسى....
أتتخيلين أن تلك هي العقليات التى ستبني مجتمعا كاملا.. قريبا... هولاء هم أجيال الغد الذين لا يفقهون عن اللغة العربية شئ!!، و إن فقهوها فهي بالنسبة إليهم لغة ثانوية، فلغتهم الأولى هي الفرانكو!!، و لغتهم الأصلية هي الانكليزية!!! ....
هل تتخيلين مدى ارتعابي من أن تنمو سما وسط هذا العالم الغير محدود، و الغير محمود العواقب!!! ... أكاد أريد التخلى عن كل شئ لأرحل بها بعيدا عن كل هذا... وسط حياة نائية لم تعبث بها أيادي التكنولوجيا بعد....
نعم عزيزتي أنا من أتحدث الآن عن الرحيل، و الهروب، فلم تعد بي طاقة يا همسي الحزين!!!، لقد ذقت ما يكفيني، و ضقت ذرعا من الركض خلف اللا شئ... خلف حلم... خلف حب... خلف امرأة... حتى أنني كنت أركض من الموت، لكنه سبقني إلى مريم ... مريم الصغيرة لكم أفتقد وجودها بحياتي ... أتعلمين ماهية هذا الشعور؟!!... حين تكونين على سجينتك بالكامل مع شخص ما.... شخص لا يطالبك بشئ، و لا يبخل بمنحك أي شئ... شخص عشق روحك، و لم يسأل إن كان احتلها آخر قبله...
مريم كانت هكذا ... كانت لا تريد أي شئ.. عكسك أنتِ!!، أردتِ كل شئ!!! ... كانت هي نقيضك القوى، ربما لهذا تعلقت بها دون غيرها... أعرف بأنك تكادين الآن تموتين غيظا، تودين مني أن أبدأ حديثي عنها ...
ولكن ليس الآن!!!، دعيني أبدأ أولا من ذلك اليوم .... يوم قررتِ الزواج منه!!! .... يوم نادتني خديجة لأشارككم قراءة الفاتحة، فأنا جاركم، و صديق طفولتك، وبحكم أخ لك!!! .. يوم رأيتك تجلسين بجانبه، و هو يمسك بيدك، يكاد يعتصرها، يهمس بإذنك بكلمات عشق تنطلق من عينيه، و تفوح بها كل معالم وجهه ... و أنتِ كنت صامتة كعادتك مع الجميع، و لكن الذى اختلف أنك كنت صامتة معي أنا أيضا!!، نظرتِ إلي ببرود شديد، و صمود عجيب، كنتِ تتحديني بنظراتك، و إلى الآن لم افهم معنى هذا التحدي!!!!
هل كنت تريدين مني إجبارك على عدم الموافقة؟؟؟
أكنت تردين مني افتعال أحد مشاهد السينما، و أخذك من يدك... من بين الجميع، وأتزوجك؟؟
هل كنتِ تريدين مني اختطافك؟؟؟
كنت تعلمين أنني لن أفعلها أبدا!!!، و رغم هذا أطلقتِ تحديك لتوهمي نفسك بأنني أنا من خذلك... كما الجميع!!... تخليت عنك، تركتك تواجهين مصيرك وحدك ... ولكن أنت لم تواجهي مصيرك يوما... دائما ما كنت تهربين، و تختبئين خلف مئات الأقنعة، و عشرات الكلمات التى تلقينها هنا، و هناك، بقصة، أو بخاطرة، أو ربما بقصيدة تلقينها على مسامع أحدهم ....
ذلك اليوم لمحت علي شفتيه ابتسامة انتصار، وبعينيه ابتسامة ظفر كبير... نفس الابتسامة التى تلونت بها عيون خديجة لكونها تخلصت منك أخيرا، و لكن شابت الابتسامات قلق، و خوف من مزاجك المتقلب ... مساكين!!!... لم ينجح أحدهم بقرائتك يوما، أنا و حدي من عرفت أنك لن تتراجعي!!، كنت أعلم بأن هذا الأخرق هو ورقتك الرابحة للهروب من براثن ماضٍ، أردتِ رفضه بكل الطرق طوال حياتك....
ذلك اليوم بعدما غادرتك، ذهبت إلى حيث محرابي... المسرح أمسكت بالكمان، و مضيت أعزف، لم اشعر بالوقت، و لا بمن حولي، فقط عزفت ...
عزفتْ كرهي لكي ....
عزفتْ كرهي لنفسي ...
عزفتْ ماضي جمعنا... و حاضر فرَّقنا...
عزفت غدا سيجمعنا، أجهله متى سيكون ...
عزفت لحن عشق يقتلني، و حب يقيدني....
عزفت لحن غباءك، و لحن بقائي!!!! ..
عزفت، و عزفت، و عزفت....
ودورت بكل أنحاء المسرح، و كأنني غريق يبحث عن طريقه للهواء....
أعمى يحاول سلك طريقه المظلم....
لم أشعر بنفسي إلا و قد هزمتني قدمي لأسقط أرضا، جالسا على ركبتي، صارخا بما يعتمل في صدري من ألم، وغضب، و حب!!!... " يا الله "....
انتبهت بعدها لأصوات تصفيق قطعت الصمت من حولي، نظرت لأرى أمامي شابة صغيرة، ربما لم يفت كثيرا على تركها لعالم المراهقة، كانت بريئة بشكل غريب، ناعمة، تضج عيناها بذكاء مبهر، تهيأ لي للحظة أنني أرى ملاك الرحمة، الذى جاء ينتشلني من هذا الألم الذى يحاوطني، و جدتها تقترب مني، صعدت للمسرح، و نزلت بجسدها نحوي، مستوى عيناي نظرت إليها للحظات طويلة، لم أشعر بمرورها!!، فقد غبت معها بعالم آخر لأجد ابتسامتها، وقد اتسعت فجأة وهي تقول
" أخلد الألحان هي التى تأتي من الألم "
ثم وقفت مكانها، و قالت " اهزم ألمك باللحن، و لا تدعه يهزمك!!!! "
ثم مضت تذهب، وهي تهرول، حتى وصلت لباب المسرح، فنظرت إلي، و هي تقول " سنلتقى قريبا " ثم ذهبت....
يومها شعرت بأنني حلمت مستيقظا، أو ربما غفوت بالمسرح، ورأيت حلما هكذا، أقنعت نفسي بهذا، وأنا لا أرى ظلا لتلك الفتاة بأي مكان حولي لمدة اسبوع بحثت خلاله عنها، و سألت الجميع، لا أحد رآها، لا أحد يعرفها، لذا اقتنعت بأنها فعل من هذياني، احدى نوبات جنوني، جائتني مبكرا على يدك!!!!
رأيتها بعدها بشهر... بليلة زفافك!!، و كأن تلك المرأة الصغيرة تستطيع التكهن بمتى ما كان الألم يعتصرني تلك المرة، كنت أنا من رأيتها، كنت ذهبت لكلية الفنون الجميلة لحضور معرض لأحد الزملاء، شئ قررت أن أُضِيع به يومي علني أشغل عقلي، و لكن هيهات!!!!
رأيتها من بعيد، كانت تضاحك بعض أصدقائها بمرح، لم تأخذ لحظات ذهولي كثيرا، إذ سرعان ما تحولت بعدها للحظة التمعن، وأنا أنظر إليها فتاة سمراء ترتدي ثوب صيفي، أخضر اللون، تتخلله ورود بيضاء، كان الثوب طويلا يغطيها بالكامل، وكانت ترتدي عليه كنزة قصيرة لتغطي يديها، و كان شعرها حالك السواد، تعقده كذيل حصان مزجوج على احدى جانبيها، و لم أكن بحاجة لأتذكر لون عينيها، فتلك العيون البندقية المزاج، يصعب على المرء نسيانها تقدمت إليها لتنتبه لي سريعا، وتعقد حاجبيها، ثم تبتسم بمعرفة، و سعادة
" إذن أنتِ حقيقة!!! "
" أأعتقدت بإنني فتاة زارت احلامك وغادرتها؟! "
" شئ من هذا القبيل... "
ابتسمت برقة " هل أنت بخير الآن ؟" .
كنت على وشك إجابتها لأجد تلك النظرات البرئية تتخللني... لأجدني لأول مرة بحياتي عاجزا عن المواربة " هل لديك بعض الوقت؟؟؟ "
حركت رأسها بالموافقة، وهي تقول " أنا مريم... "
مددت يدي إليها " وانا ياسين "
نظرت ليدي الممدودة، و مدت يدها، لكنها لم تلمسني!!، بل احتضنت يدها الهواء، وهي تقول " تشرفت بمعرفتك، لكنني لا أسلم باليد!!!! "
كان ذلك هو لقائنا الأول ....أو تعارفنا الأول بمعنى أدق ... مازلت أذكر كل تفاصيله بمنتهى الدقة، و لا اظن أنني سأنساه يوما...
هل آلمتك يا صغيرة ؟؟ ، هل نهشت الغيرة قلبك من امرأة ميتة ؟؟؟، هل شعرت بما شعرت به أنا حين وجدته ممسكا بيدك ؟؟، أنا لا أنتقم صدقيني، و لكنك أنتِ من أردتِ معرفة كل شئ، أردتِ استرجاع الماضي، لنستطيع ان نمضي بحاضرنا كأصدقاء على الأقل....
يكفي إلى الآن ما كتبته، فقد أرهقني الجلوس على هذا الجهاز العقيم كل تلك الساعات، و أيضا سأذهب لأرى كمال، ماذا فعل قبل أن يلتقي مع هذا الصحفي...
أنتظر رسالتك

كان كمال يقف أمام الصغيرة "سما" التى جلست على الأريكة تنظر إليه وهو ممسكا برابطتي عنق أحدهما زرقاء، و الأخرى رمادية ... كانت تنظر بتركيز شديد، وهو يتململ بوقفته
" إذن أي منهما أرتدي للمقابلة، أَسْرِعِي "
لتنظر إليه الصغيرة، وتقول بغضب " لا ترفع صوتك، أنا أفكر!!! "
" أنت تفكرين منذ ربع ساعة " وقفت الصغيرة على قدميها في حضن الأريكة....
" أنا هي المخطئة لأنني أساعدك!!! " ثم قفزت على الأرض، و هي تجري خارج غرفة الجلوس ..
نادى عليها بصوت عالٍ، فلم تجبه، كاد أن يُسرِع خلفها حين رأى قمر تقف أمامه، لقد حاول محادثتها مرارا منذ الأمس لكنها لم تجبه، و اليوم حين جاء إلى هنا، لم يرها كانت تتعمد ألا تراه!!، هو على يقين بهذا " أعلم أنَّ الأمر صعب عليك، ولكن ستجتازينه قريبا "
همس لنفسه هكذا، وهو يراها تتقدم منه ببطء، لتقف أمامه، وتمسك برابطة العنق، الزرقاء، تضعها حول رقبته، وتقوم بربطها له دون أي كلمة واحدة، وهو لم يرد أن يكسر تلك اللحظة النادرة، و تلك الهالة التى جمعتهما، ظلَّ ينظر إليها وهي تفعل هذا كاتما أنفاسه حتى لا تُفْزِعَهَا، فتهرب بعيدة عنه، ودَّ لو بيده أن يكتم نبضات قلبه التى تسارعت بقوة، و التى لابد أنها شعرت بها، فلقد احمرت وجنتاها بقوة، ليهمس بلهفة " ربااااااااه "
نظرت إليه مستفهمة فهالتها نظرات عينيه، لم تستطع النطق، لم تستطع التحرك، لم تستطع فعل أي شئ سوى النظر إليه ...
هي لابد أنها مجنونة بالتأكيد... مجنونة بعد ما حدث بالأمس قلقها غير المبرر عليه، و الذى كاد يميت قلبها غيرة نهشت بروحها، حين سمعت صوت المرأة معه ... كره، و بغض له... لفكرة أنه يخونها ... يخونها ... كلمة تردد صداها بداخلها منذ الأمس، لم تستطع تعريفها، حاولت أن تطردها، وهي تهمس لنفسها أنها لا يهمها أمره، و هو لا شئ بالنسبة لها، لتعتبر جلوسه مع امرأة أخرى خيانة لها، هي لا تحبه... لا تريده أبدا... لا تريده.
رأى الصراع بعينها... عدم الفهم... السذاجة... وبراءة النفس... نعم فتلك المرأة الصلبة القوية التى تعرف ما تريده جيدا هي بالحقيقة أضعف مخلوقات الله، و أكثرها تيها!!! ... نبضت بقلبه نبضات الحنان إليها، فنظر اليها مطمئنا، وهو يقول " هي لم تكن امرأتي، لم أنم مع أخرى ... في الحقيقة رغم علاقاتي النسائية المعروفة إلا أنني بعمري ما لمست امرأة بتلك الطريقة "
كانت ستعانده، لكنه كان أسرع منها، حين وضع إصبعه على شفتيها " ششششش لم أرد أي امرأة بحياتي سواك، فلتكوني على يقين من هذا "
نظر إليها مطولا، ثم قبل جبهتها برقة " شكرا على مساعدتي باختيارها "
قالها وهو يشير لربطة العنق، ثم تركها، و تحرك مبتعدا، ليعطيها وقت تلملم فيه شتات نفسها الضائعة، وما إن خرج حتى انهارت على الأرض غير قاردة على الوقوف، أو على منع دموعها التى انهمرت، وهي تهمس " يا رباه لا تدعني أحبه... ليس هو... ليس هو، أرجوك!!!! "
خرج من الغرفة ليجد ياسين يقف أمامها مبتسما، فابتسم له، و هو يردد " لمَ علينا أن نحظى بنساء معقدات؟!"
رفع ياسين حاجبيه، و يديه، وهو يجيبه " لقد يأست من إجابة هذا السؤال منذ زمن ... هل أنت جاهز؟؟ "
ليبتسم له كمال بشجاعة " ومنذ متى لم أكن ؟!!!"
ابتسم له ياسين، فهذا هو كمال دائم الصلابة، رغم هزله المستمر، نظر كمال إليه وهو يحاول قرائته، ثم استطرد، وهو يمر بجانبه " لقد قضينا اليوم بالبيت القديم، لم تخَف، ولم تحاول الهروب، لا تقلق هي عادت لتبقى، لا لترحل "
ابتسم له ياسين، وهو يهز رأسه متفهما، ثم توجه كلاهما لحيث ينتظرهما ذلك الصحفي بالمكتب!!!!
و بمكان أخر كانت هي تجلس تضم رجليها إلى صدرها، وتحدق بالحائط بعدما قرأت رسالته، هي لا تشعر بالغيرة... لا تشعر بنار تتخللها... أو بغضب تريد به إحراق كل شئ حولها، في الحقيقة هي لا تشعر على الإطلاق!!!، فقط تشعر بروحها تكاد تنسحب منها، تشعر بأنها محمومة لا تقوى على الوقوف، أو على التحرك أو على التحدث ... تشعر بالانفصال عن عالمها، وعن واقعها تشعر بالاختناق ... لكنها أبدا لا تشعر بالغيرة، إذن ماذا يكون هذا الألم؟، وإن كانت تلك الغيرة، لم لا تصرخ كالأخريات، لم لا يكون الشعور مجرد ألم عوضا عن هذا الشعور بالموت!!!! ...

هي ميتة!!!!، تعلم هذا، و متيقنة منه، كما هي متيقنة أنه لم يخطئ بشئ هو أخبرها ما أرادت سماعه منه!!!، هي الإنسانة التى بجلتها بداخلها لإنقاذها إياه من غضبه، وحزنه، ومن نفسه... وهي نفسها الإنسانة التى تكاد الآن تلعنها، و تكرهها، كيف يمكن أن يتمازج الشعوران المتنافران بنفس الوقت، أن تحترم شخص، وتمقته بنفس الوقت، هل يعقل هذا ؟؟.....
توجهت إلى حاسوبها، جلست أمامه، أخذت تكتب أشياء كثيرة، ثم محتها، ثم كتبت مرة ثانية، ومحتها، ومرة ثالثة، ورابعة، وخامسة ... ظلت هكذا بعض الوقت حتى استجمعت كلماتها أخيرا وهي تقول....
" إننا بيوم نمتلك شئ نأخذه كمسلم به، هو هكذا، و سيظل هكذا، لن يغيره شي، لن يبدله زمن، أو مكان، لكن هذا عن الأشياء... ماذا عن الأشخاص، إن الأشخاص يتغيرون باختلاف الأزمان و الأماكن، قد يحبوا آخرين سيتلون عهود جديدة معهم، ولكن آخرين سيحتلون جزء من مكانك، وحين تأتي لاستعادته، ستجد صورة مشهوة عنه، إطار زجاجي مخدوش لا يمكن إصلاحه .... الشئ الوحيد المسلم به بحياتنا هو الموت!!! ... فحاولوا إنقاذ ما تبقى من أنفسكم قبل الفراق....

في صباح اليوم التالي استيقظوا على عناوين الصحف، و الأخبار و كانت أهم صحيفة هي صحيفة " نور الحقيقة " كان أربعتهم يمسكون بها تمتلكهم مشاعر مختلفة، وهم يقرأون العناوين
" رجل أعمال شاب يقتحم عالم الكبار فهل يستطيع مجابهتهم " وتحته كُتِبَ بخط أصغر
" ماذا يحدث حين يكون عدوك الرئيسي هو الحاكم الفعلي للبلاد و ثروتها؟! "
" خلف كواليس الإعلام من يجلس، و يقود الدفة "
" هل هناك بالفعل مجتمعات سرية تتحكم بالتجارة بمصر؟! "
كان التحقيق ينشر على صفحتين تتخلهم صور لكمال، و الصحفي ... شعور بالخوف امتلك قلوب ثلاثة منهم، و شعور بالانتصار امتلك قلب الرابع، و لم يكن يدري أي منهم أنَّ هناك خامس يمتلك قلبه شعور بالاحتقان، و الغيظ، و هو يقرأ تلك الأخبار بصباحه الباكر، ولكن سرعان ما تلون وجهه بابتسامة خبيثة، وهو يردد " أحب دائما المنافسة!!!! "