25-06-13, 07:02 PM | #772 | |||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة
| اقتباس:
انا اعلنت عن الفصل البارح واليوم شكلك انت اللي مش معانا على كوكب الارض | |||||||
25-06-13, 07:10 PM | #775 | ||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة
| [center]الفصل الثالث فُتحت أبواب الشرفة على مصراعيها ببطء رسمي من قبل الحرس , و تعلقت كل العيون بذلك الجسد الطويل الذي خرج إليهم بهدوء فوقف في الشرفة الملكية ينظر إلى شعبه , لحظتها شعرت بأنها الوحيدة من تراه والطفل بينهما , إنها أول مرة تتجرأ فتنظر إلى وجهه فهي لازلت حتى الآن لم تستوعب أنها أصبحت الوسيط بينه و بين وصية زوجته الراحلة . تأملته بذهول كالحشد الذي تقف وسطه .. كان يبدو قويا مهيبا كالعادة , لم يظهر لهم أي جرح أو أية إصابة به , إذا ما الذي حصل معه بالضبط؟ كيف بقي هو على قيد الحياة و ماتت زوجته ثم كيف عاد بعد كل هذه الأشهر!؟ لكن شرودها تلاشى عندما رفع يديه بحركة صامتة يوقف فيها تهليلات و صياح الناس الفرحة بعودته كي يبدأ خطابه , و ظلت هي تستمع له بكل حواسها و لأول مرة وجدت نفسها مشدوهة تنظر إليه , ليس كجميع الناس المنبهرين بقوته و كلماته النفاذة إلى العقل و القلب و سلطته الغريزية قبل آن تكون وراثية إنما هناك شيء أحست به لم يعد مثل قبل , شيء انكسر و وُلد بداله شيء آخر , فلم تعد العلاقة بينهما بعيدة جدا كما كانت الخادمة عندما ترى مولاها تُحني رأسها و هو لا ينظر ناحيتها أبداَ , لا إنما شعرت هذه المرة أن الكثير تغير و مازال سيتغير . -سأوقفهم في باحة القصر كي يكون مصيرهم القصاص أمام الجميع , الحرق لهم كما أحرقوا ملكة ووريث عرش مملكتنا مع خدم البلاط الملكي الاوفياء . كانت تلك كلماته الأخيرة بعد خطاب طويل من التعازي كان واضحا بأنه يقدمها لنفسه قبل أن يقدمها لشعبه كي يعدهم أن يجلب أعدائه إليه راكعين أمامه . - لم يمت , وريث العرش مازال حيا . و لكن هُتافها لم يصل لأحد , فتهليلات الناس كانت تُصدر ضوضاءً قوية يستحيل أن يعلو صوتها المبحوح فوقها مهما صرخت .. كانت مشاعرها قد تأججت بهستيرية , فاندست بين الناس تمر بينهم و هي تضم الطفل الذي لم يكن لها الحق في إعطائه أي اسم خاص حتى تناديه به .. بقيت تشق طريقها بعنف بين الناس حتى وصلت إلى الحاجز الحديدي الذي وضعوه الحرس الملكي حتى لا يقترب الناس من بوابة القصر و هناك توقفت تنظر إليهم و إلى ملامحهم التي تفتقد لأي تعبير كان و قرت في نفسها أنها لن تستطيع تجاوز الحرس أو الحاجز الصلب فكيف بها تستطيع تجاوز البوابة الضخمة للقصر الملكي ؟ اقتربت بتردد من واحد من أولئك الحرس و نظرت لعينيه بدموع و توسل كبير و هي تشير له بعدها للطفل النائم بين ذراعيها و تقول بخفوت : - لابد لي من الدخول للقصر .. يجب على التحدث مع فخامة الملك . نظر إليها بملامح متصلبة كتمثال جليدي و التي يجب عليه أن يوجهها لأي مخلوق كان و لكنه لم يستطع إخفاء نظرة الاستخفاف و الاستهزاء من عينيه و هو يظنها امرأة مجنونة كي تؤكد له هي ذلك بغير عمد منها عندما صاحت بهستيرية امتزج فيها الفرح بالحزن و الخوف و قد كانت حالة خاصة واتتها بسبب الأمل الذي عاد إليها بعودة الملك : - أرجوك دعني أدخل , ثم إنني وُلدت و تربيت في هذا القصر أنا ابنة عاملي البلاط الملكي .. و جدتي تكون هي السيدة آليا التي كانت تهتم شخصيا بأمور الملكة الراحلة . و أخيرا تحدث الحارس و قد قست نظرة عينيه آمرا إياها قائلا : - من الأفضل أن تكونِ مختلة عقلياً و تذهبي من هنا لأنه إن كان غير هذا فسألقي القبض عليك و ستقعين حينها في مشكلة كبيرة . نظرت بجمود للحارس فهي لم تخف من تهديده ذاك و لا من شكوكه فيها فما يهمها كان هو إيصال صوتها لفخامته لذلك نظرت ناحيته حيث ما زال يقف في الشرفة و دون أن تُحيد بعينيها عنه صرخت بكل قوتها في الحارس : - علي الدخول إنها قضية حياة أو موت . للحظة ظنت أن صوتها لم يصله كما لم يصل لذلك الجمع الغفير الذي لم يتوقف عن التصفيق والتهليل لكن حال أن أحاطت بها أيدي الحراس تطوقها حتى رأت نظراته أخيرا تتجه ناحيتها و كأنه أحس بصراخها دون أن يحتاج لسماعه , تعلقت نظراته الرمادية بها , بينما بقيت نظراتها المتوسلة تستجديه دون خجل و لأول مرة دون أن تهرب بسرعة من عينيه .. لكن سرعان ما تبدد أملها و شعرت بنفسها تبكي عندما بدأ الحرس يبعدونها عن ذاك الحشد و كل الذي استطاعت فعله لحظتها هو حماية الطفل بذراعيها من أيديهم القاسية. بقيت عيناه متعلقتان بها حتى أدخلوها من بوابة صغيرة جانبية و هناك سحبوها إلى بناية بعيدة موجودة داخل أسوار القصر و أثناء ذلك بقيت هي متشبثة بالطفل بقوة حتى لا تسقطه في تلك الممرات الطويلة .. بعد دقائق كثيرة توقفوا بها عند سلم طويل و دفعوها بقسوة كي تنزل عليه و لولا أصابعهم الحديدية التي لم تفلتها لكانت قد وقعت أرضا هي والطفل . مشوا بها في سرداب عميق مظلم لابد أنه يعود بنائه لقرون مضت مثل هذا القصر الذي بني فوقه و الذي كان يرثه ملك عن أبيه , أوقفوها أخيرا عند بوابة حديدة غير مهتمين بصراخها و لا حتى ببكاء الطفل بين ذراعيها و دوى صراخها بهول أكبر عندما سلب أحدهم الطفل منها عنوة . - اتركه , لا أحد له الحق في لمسه غير جلالته ... - قلت لك اتركه . صرخت بذلك ثانية و بقوة أكبر باكية متوسلة أن يعيدوا لها الطفل و لكنهم لم يرأفوا بحالها بل حتى أن عينيها جحظت مرافقة إياها بشهقة فزع عندما رأتهم يفتحون ذلك الباب الحديدي كي يدخلوها عبره , فصرخت أكثر عندما أغلقوا الباب عليها في نفس الوقت الذي بقي الحارس الذي يحمل الطفل خارج تلك الزنزانة , لكنهم أرغموها على كتم صرخاتها عندما أجلسوها بالقوة على كرسي صلب عند الطاولة المعدنية ولا يضيء تلك الغرفة الخالية الباردة سوى مصباح كبير ثبت فوق الطاولة مباشرة , فألم ضوئه القوي عيناها المغرقتان بالدموع . أحاط بها الحارسين من كل جانب قبل أن يجلس أحدهم أمامها و ظل الآخر واقفا ينظر إليها بعيون مرتابة , فسألها الجالس قائلا : - من أنت ؟ حاولت تهدئة نفسها وهي تمتم بصوت باكٍ: - باتريسيا - أعطني بطاقة هويتك الشخصية باتريسيا؟ لم تتردد و هي تجيبه بالحقيقة فما دام الملك عاد فليس هناك ما عليها أن تخفيه و تبقيه سرا كما أمرتها فخامة الملكة . - ليست معي, لا املك شيئا يثبت هويتي فكل شيء احترق في القصر الذي ماتت فيه عائلتي و فخامة الملكة فيكتوريا . رفع حاجبيه بريبة كبيرة امتزجت بالذهول و هو يسألها : - تعنين أنك كنت في القصر الذي احترق ؟ - أجل , أخبرتك أنني حفيدة آليا و هي كانت ترافق الملكة أينما تذهب و أنا و أمي رافقناها أيضا لمساعدتها في إنجاز أمور القصر الصيفي الذي انتقلت إليه الملكة مع فخامة الملك من أجل تمضية فترة استجمامهما فيه . دار من حولها الحارس الآخر ليسألها و قد كان صوته أكثر رزانة و استيعابا لما تقوله من زميله الجالس أمامها بدهشة كبيرة سيطرت عليه : - و لنفترض أننا قد صدقنا قصتك هذه , فكيف بقيتِ أنت على قيد الحياة و القصر قد انهار بأكمله و أصبح رمادا بمن فيه . نظرت بأسى أمامها للطاولة و قد ظهر أن الألم يطعنها لذكرى ما حصل في ذلك القصر , و أغمضت عينيها بقوة لا تريد تذكر ذلك المشهد المعذب لجثث عائلتها المتراكمة فوق بعضها البعض قبل أن تفتح عينيها فجأة كي تجيبه : - إنها قصة طويلة لا يمكنني أن احكيها لأيٍّ كان , فقط جلالته من هو مسموح لي بإخباره عن ما حصل في القصر . و رفعت عينيها إليهما معا تتوسلهما قائلة : - أرجوكما دعاني أراه, من الضروري ان أخبره بما قطعت مسافات طويلة من أجله . قهقه الحارس الذي كان يحوم من حولها و قد كان يشعر بثقة زائدة بالنفس سعيدا باللقمة التي وصلت بنفسها لفمه , امرأة تلصق بنفسها و لنفسها تهمة قتل الملكة بتصريحها أنها كانت حاضرة في القصر لحظة الهجوم عليه و هذه هي فرصته للترقية عندما يكون هو من أمسك بمن سيوصلهم لعدو العائلة الملكية . -هل تظنين حقا أنك ستقابلين جلالة الملك !؟ صاحت فيهم بفزع :- إذا لمَ أنا هنا و لما أخذتم مني الطفل ؟؟ هيا أعيدوه لي . -هل هو طفلك؟ ولماذا أتيت به إلى هنا ؟ كان السؤال الأخير هادئا و صارما من الحارس الذي بقي جالسا أمامها برزانة و قد استعاد رباطة جأشه , مما جعلها تحاول أن تجيبه بهدوء قائلة :- لا استطيع إخباركم شيئا , لكنني سأقول كل ما أعرفه لفخامة الملك بنفسه . أصيبت بفزع عقبته صدمة قوية عندما ضرب الحارس الواقف بجانبها الطاولة بقبضة يده صارخا فيها :- كفى هراءً فأنت لن تقابلي الملك , إنك تشكلين خطرا على حياته , لابد و أنك واحدة من جواسيس أعدائنا و تنوين المساهمة في قتل الملك كما قتلتم عائلته . التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-06-13 الساعة 08:16 PM | ||||||
25-06-13, 07:11 PM | #776 | ||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة
| دخل من الشرفة بجمود وهو يشق طريقه بين حرسه الذين وقفوا أمامه , توقف عندما وصل إلى الكونتيسا الواقفة بصمت تنتظره باحترام كبير , همس لها بخفوت مهيب قائلا :- رأيت حارسين ينصرفان من مكانهما و هما يجران فتاة تحمل رضيعا معها. - فخامتك, لا داعي لأن تشغل نفسك بهذا الأمر التافه . قاطعها بقوة من بين أسنانه قائلا :- و بما علي أن أشغل نفسي كونتيسا مارغريت ؟ أريد معرفة أمور رعيتي بالتفصيل , فما تظنينه أنت تافها قد يكون شعلة صغيرة يمكنها أن تحرقنا قبل أن نطفئها . أحنت رأسها احتراما له تعتذر لكلامها السابق و لكنه لم يطيل بقائه أمامها حتى يستمع لتلك المرأة العزيزة التي ربته و الذي لم يعد يستطيع أن يجد لها في قلبه الميت من أمور الحب والرحمة حتى يعاملها بحنان و احترام كما في السابق , فقد قتلوه بالحياة و أصبح هدفه الوحيد هو مواصلة حكمه و الحفاظ على مملكته و إرث عائلته والانتقام ممن يحاربونه منذ الأزل و استطاعوا تجريده من عائلته . ظل يمشي في القصر غير مهتم لتحيات حراسه الواقفين عند كل باب ضخم لكل أجنحته وغرفه وأروقته حتى وصل لغرفة المكتب الملكي الغرفة التي تعد تحفة نادرة و عريقة للعائلة الملكية و التي توارثها كل ملك من سلالته أبا عن جد .. دخل مكتبه بملامح جليدية , أغلق الحارس الباب خلفه و حينها فقط استطاع الاختلاء بنفسه فكانت ردة فعله الأولى أن زفر الهواء بغضب كبير. ترك طاولة مكتبه الاثرية والمصنعة من أجود أنواع الخشب والعاج الثمين والمطعمة بالبورسلين الملكي ونقوش الذهب وتوجه لعرشه المخملي الأحمر المشبع هو الاخر بنقوش بديعة من الذهب الأصفر الخالص , جلس عليه يضع عصاه الانيقة التي يستند عليها وقد كان رأسها عبارة عن منحوتة ثمينة لرأس اليغور الاسود في صورة متوحشة له وهو يظهر انيابه الحادة .. كانت العصا التي بدأ يستخدمها مؤخرا بعد عودته من اسره والتي حرص على الا يخرج مستندا عليها لشرفة حتى لا يرى شعبه جرح ساقه الذي ما زال لم يتعافى منه اثر رصاصة غادرة من العدو .. بقي ينظر للمقاعد الخالية من حوله في تلك الغرفة الواسعة , خروجه لرعيته و ظهوره لهم وحده دون شريكته في العرش و الإرث و الحب والزواج سبب له أذى نفسيا كبيرا.. لقد خان ثقة شعبه و لم يحافظ على ممتلكاتهم و ممتلكاته الخاصة, مات وريث العرش و هو في بطن أمه و أصبح هو الآن وحيدا , يتألم بصمت و يشعر بطعنات مسممة تمزقه من الداخل كلما نظر في عيون رعيته كي يجد فيها نظرات الحزن و الأسى على ملكتهم المحبوبة .. فقد كانت ترافقه فيما مضى أينما ذهب وتقف معه على نفس الشرفة ذراعها تتأبط ذراعه و هي تحدث شعبها بحب صادق و ثقة ملكية و جمال ساحر. آآه على ملكته .. خلابة الجمال . كتم تأوهاته العاشقة في صدره و هو يغمض عينيه .. يسند رأسه على كرسيه , و بقي صامتا يعيش في عالمه لدقائق طويلة يتذكر صوت خطواتها و هي تقترب منه تحني بجسدها الذي كان كقطعة من رخام نحتت كل تقسيمة منها بتدقيق شديد الإبداع , غير أن منحوتته تميزت عن كل المجسمات المنحوتة التي تزين قصره بأضعاف مضاعفة .. فهي كانت قطعة حية تشتعل دفئا فقط عندما تكون بين أحضانه و تحت لمساته , لا يمكن أن ينسى نظراته إليها بعيون هادئة بخبث و إثارة و هي تحييه برسمية مع أن باب المكتب كان قد أغلقه عليهما الحارس حال دخولها إليه : - أتمنى ألا أكون قد أزعجت فخامتك. - لا تفضلي سمو الأميرة , لقد كنت جالسا أفكر فقط. كان يمد لها يده يشير لها بالجلوس على الأريكة المخملية الفاخرة بجانب مقعده الضخم ذاك , فما كان منها إلا أن انحنت بجذعها و خصرها المياس وجلست على الأريكة بهدوء و رقي تضع ساقا فوق الأخرى بينما أصابعها البيضاء الطويلة تركتها تستريح على تنورتها الأنيقة و قد تناقض لون قماشها الفاخر داكن اللون بلون بشرة ساقيها المرمريتين ببياض شديد مما جعله يشعر بالحرمان الذي يكره الاعتراف به , حرمان من شيء قرر منذ زمن ملكيته له و هي كانت تعرف جيدا بقراره ذاك حتى و إن لم يعلن عنه بصوت عال إلا أن نظراتها هي الأخرى كانت تؤكد له أنها سعيدة بتلك الملكية و لكن الشخص الوحيد الذي يقف عائقا بينهما هو ما يجعلهما يبقيان مشاعرهما طي الكتمان . - تبدو مهموما هذه الأيام يا صاحب الجلالة. حاول الابتسام في وجهها ، لكن ابتسامته لم تكن أكثر من شق رفيع اتخذ طريقه على طول شفتيه و هو يبادرها قائلا: - لست مهموما بقدر ما أنا شارد في التفكير ؟ أسبلت عينيها ذات الرموش الكثيفة و الطويلة و التي ظللت جفنيها البيضاء بسواد مغر حد سيل اللعاب زادته صعوبة في تقييد مشاعره كما يتطلب منه مركزه الملكي عندما حاولت بحركته تلك إخفاء ابتسامتها الخلابة التي مع ذلك لم تفرج عن شفتيها المكتنزتين كما كان يتمنى بداخله و هي تسأله : - إذن هل أستطيع أن أسأل جلالة الملك عن ما يشغل تفكيره؟ كتم تنهيدة عميقة رغب في إخراجها من أعماق قلبه قبل أن ينهض من مكانه واقفا يطل عليها بقامته الفارعة الطول متملكا المكان بهيبته الملكية و الجسدية و الروحية , نظرت إليه حينها و أرادت الوقوف احتراما له كما تجب عليها عاداتها الملكية , لكنه كان أسرع منها عندما منعها من ذلك بإمساكه بكلتا ذراعيها يحثها للعودة جلوسا على الأريكة ففعلت وعيناها لا تفارق عيناه بصمت شحن الأجواء بينهما و هي ترى بوضوح أيضا جذعه الذي أحناه معها حتى قابل وجهه وجهها و لفحت أنفاسه الحارة المشتعلة وجهها و ملامحها البيضاء المتناسقة بافتتان مثير و مخملي في آن واحد .. لم يكن ليستطيع إيجاد كلمات مناسبة تصف جمالها , فحتى كتب الإغريق و هي تصف جمال ملكاتهم الساحر لم تكن لتنفعه بمفرداتها النادرة و الخاصة بوصف سحر ملكته هو , نظر لعينيها الشبيهتين باللؤلؤ الأسود ذو البريق النادر .. تنك العينين التي ليس لهن شبيه في العائلة الملكية بأكملها بل هي الوحيدة المتفردة بذلك اللون الداكن الذي يشعر الناظر إليه أنه محاط بالأسرار لا يجرؤ أحد على محاولة استكشافها إلا هو .. هو الذي أعطى الحق لنفسه بامتلاكها .. امتلاك أكثر حسناوات نساء العالم و أسمى الأميرات جمالا و حنكة و ذكاء ممتزجا بقوة طاغية. لمعت عيناها لذلك القرب الذي كان واقعا بينهما , و اغترت أنوثتها بحب الملك الشاب لها , و هو يكلمها بصوت هامس مبحوح أصبح كلغز محير لها في الوقت الذي هي قادرة فيه على فهم كلماته بالحرف الواحد : - سمو الأميرة , تعلمين جيدا الشخص الذي تجرأ وسلب عقل الملك و شوش أفكاره . اتسعت ابتسامتها الهادئة الذي يعلم تمام العلم كم تخفي خلفها من الذكاء و المكر الخاص بها و هي تجيبه : - يستحق العقاب الشديد لتجرؤه التطفل على عقل فخامة ملكنا . خرج من شفتيه صوت قصير ساخر قبل أن يردف :- لا أستطيع معاقبتها بل إنني أريدها بجانبي يدا بيد , أريدها زوجة لي يا فيكتوريا , فما الذي يمنعها من الموافقة على إعلان حبنا أمام عائلتنا و أمام شعبنا ؟ أخبريني يا فيكتوريا ما الذي يمنعها من مشاركتي الحكم ؟ تلاشت ابتسامتها و سعادتها كي تنظر إليه بحزن و هي تقول بمرارة :- غير ممكن يا صاحب الجلالة. بقي على تحديقه بها و اقترب أكثر منها حتى ابتدأت تفقد سيطرتها على أنفاسها و تماسكها , فاضطربت أنفاسها و هي تراه يبعد شعرها الأسود عن رقبتها كي يمرر سبابته بإغراء على طول عروق نبضها الزرقاء اللامعة تحت بشرتها ناصعة البياض و يهمس بثقة قائلا :- انظري كيف أن الدم الأزرق الملكي يجري في عروقك كما يجري في عروقي يا ابنة العم , أليس هذا هو الشرط الأهم في قانون الملكية لتحقق زواجنا و مشاركتك لي الحكم . لم يرف لها جفن و هي تقول له :- كيف أشاركك حكما متنازعا عليه ؟ أبعد يده عنها ببطء و قد صدمته وقاحتها معه , فحتى لو كانت قد تربت معه في قصر واحد إلا أن هذا لا يشفع لها أن تناقشه في أمر كذاك, إذ أنه دوما كان مفروضا على الجميع الإبقاء على حدود واضحة مع ولي العهد منذ ولادته , فهو كان سيخلف الحكم بعد والده , و لكن مات الأب كي يحاول عمه الثوران عليه و الطعن في قدرته على تولي حكم البلاد . وقف على قدميه مبتعدا عنها ينظر إليها بشراسة كبيرة , و عيناه يتطاير منهما شرر أزرق رمادي , نظرت إليه بشموخ في الوقت الذي كان يحذرها بغضب قائلا: - الحكم لي أنا , ليس هناك أي فرصة كي ينازعني فيه أي أحد حتى و لو كان والدك . رأها تنهض من مكانها بهدوئها الكبير ذاك ثم تنظر إليه باحترام رسمي و تقول بثقة :- و لا أنا أقول غير هذا يا جلالة الملك . نطقت لقبه الملكي بتشديد تؤكد له فيه بأنها تقف في صفه و بكل قوة ثم أكملت قائلة :- الحكم لك أنت يا من كنت منذ ولادتك وليا للعرش , أنا و شعبك نثق بك , لكن لا أدري ما الذي حصل لوالدي منذ أن توليت الحكم , يبدو كمن دخل في حالة هستيرية من الجنون حتى يريد الاستيلاء على شيء لم يكن له يوما . رفع رأسه أكثر و هو يقول بصوت لا رحمة فيه :- اعلمي أنه لو حاول الإعلان عن أفكاره تلك , فأنا لن أتوانى عن توجيه تهمة الخيانة له و محاولة إثارة الفوضى على ملك البلاد و عليها فسيكون الاعدام مصيره . لم تظهر له ألمها لقسوة كلماته , بل كانت امرأة واقعية قوية , تعترف بالحقيقة حتى لو كانت ستؤلمها لذلك أجابته بصوت جليدي :- أنا مع كل قراراتك الصائبة يا صاحب الجلالة لأني لا أخون ملكي و مقتنعة بحكمه تمام الاقتناع . - فخامة الملك ألكسندر. انتفض في مكانه بقوة كي ينهض واقفا على قدميه ينظر خلفه , صوتها حطم مشهد ذكرياته فجأة حتى أنه وبسبب استغراقه في الماضي بعمق لم يتعرف على نبرتها للوهلة الأولى , اعتمر الغضب بداخله و هو يفكر بصمت قائلا ( هل حتى في الذكريات يريدون حرمانه من ملكته فيكتوريا ؟) صرخ في وجه الكونتيسا الذي كان ملوعا بالقلق عليه :- كيف واتتك الجرأة لدخول مكتبي دون إذن مني ؟ تلونت ملامحها بالصدمة قبل أن يكتسي البرود ملامحها و تجاعيدها التي تضاعفت لحظتها و هي تقف بكبرياء تعتذر منه :- أعتذر جلالتك , لقد طرقت الباب عدة مرات و لكنك لم تجبني فقلقت عليك . زفر الهواء بقوة يهدئ من نفسه قبل أن يقول لها ببرود :- أنا بخير كونتيسا , موتها لن يحطمني بل إنه يقويني للانتقام لها . كلماته تلك جعلت أساريرها تنفرج ليس لحزنه بل لأنه بتلك الكلمات القليلة أفصح لها عما يجول في خلده , مما جعلها تقترب منه أكثر و تقف أمامه تقول له بتعاطف كبير :- أعرف أنك لن تتخلى عنا و عن شعبك فنحن نحتاجك مع أننا كلنا متألمين لموت ملكتنا . لم يحدثها بل بقي ينظر أمامه بجمود و لم يكن خفيا عليها أن شروده قاده إلى ذكراها من جديد , مما جعلها تضع بهدوء يدها على كتفه ففاجأها أنه نفض كتفه و ابتعد عنها كي يتوجه إلى طاولة مكتبه و قبل أن يدور حوله و يجلس على كرسيه قالت له : - لم يحطمك موتها ولكنه غيرك , أصبحت قاسيا جلالتك , فمنذ متى ترفض وقوفي بجانبك و أنت الذي كنت دوما تعتبرني أمك الثانية و يدك اليمنى في الحكم , حتى في أمورك الشخصية و مع فيكتوريا بالضبط كنت أنا أول من علم بحبكما. لم يجبها , بل ظل على صمته ينظر إلى طاولة مكتبه وعندها زفرت الهواء بضيق و ألم لمعاملته الجديدة لها , و كادت تستسلم لألمها لو لا أنها سمعته أخيرًا يحدثها بهدوء قائلا :- ما زلتِ أمي و ما زلتِ كاتمة أسراري كونتيسة و لن اسمح لأحد بإيذائك , و لكنني الآن لا أستطيع تقبل أحد بجانبي لأنه ليس هناك كائن يستطيع أن يحس بما أحس به أنا الآن بعد فقدانها إلى الأبد . ارتعشت عينيها الذابلتين و هي تسمعه لأول مرة منذ عودته يعترف لها بمدى ألمه لفقدان زوجته فسارعت لمواساته قائلة بسرعة :- ولكن أنا أشعر بك ... قاطع كلماتها بصرامة و هو يدور حول مكتبه كي يجلس خلفه و قد استعاد جموده و قسوته المخيفة :- أخبريني عن سبب مجيئك ؟ أظن أنك تحملين لي تقريرا شفهيا عن ما حصل اليوم في ساحة القصر أومأت له برأسها باستسلام و هي تقترب منه كي تتغير ملامحها من الضعف و الحزن إلى العملية و الصرامة :- أم لرضيع برفقتها أو هذا ما يعتقدونه الحراس الذين أدخلوها للقصر للتحقيق معها بعدما أرادت تجاوز الحاجز الذي كان يفصل القصر بالمتجمهرين حوله . - ولماذا كل هذا ؟ - في الحقيقة الأمر غريب , فعلى حد قول الحرس الملكي أنها أخبرتهم برغبتها الشديدة في الحديث إليك . و توقفت الكونتيسا تنظر إليه لبرهة زمن كأنها تحاول استكشاف ردة فعله الذي لم تعلن عنها ملامحه الباردة قبل أن تستسلم لجموده وتضيف:- شخصيا أجد الأمر تافها جدا حتى يصل لجلالتك , ما حدث في القصر الصيفي عاد بآثار سلبية على شعبك , و كما تعلم الكل يحمل الولاء الكبير للعائلة الملكية و تلك الفتاة ليست أكثر من أولئك الذين أصيبوا بالهستيرية لفقدان ملكتهم التي يقدرونها كثيرا و لهذا ستكون قد نسيت أنه لا يمكنها أن تواسي الملك بنفسها. - ستكون .. لا بد لها .. أظن أنها.... كان يردد كلماتها تلك بتهكم غاضب ثم يضيف بعدها :- ألا ترين أن كل ما أخبرتني به هي آرائك الشخصية بينما أنا طلبت منك أن تجلبي لي وقائع لا ظنون. كانت تنظر إليه بصدمة غير مدركة لفغرها لفاها و هي تراه يرمقها بعدم رضا , أول مرة تشعر بنفسها فاشلة بتنفيذ خدمة ملكية , تداركت نفسها أخيرا كي تقول له بنبرة تحمل من الخزي الكثير :- اعتذر فخامتك , لم اقصد أن أقصر في خدماتي . - إذا اخبريني حقيقة تلك الفتاة , سبب رغبتها في الحديث إليَّ و هي تعلم تمام العلم أن هذا غير ممكن . ترددت في الحديث مما جعل نظراته تقسو أكثر , في الأخير أخبرته بما كانت متأكدة أنه سينبش في جروحه :- ما أخبروني به أنها تدعي قرابتها بآليا المسؤولة الرسمية عن وصيفات الملكة الراحلة والتي قضت حتفها أيضا في القصر الصيفي , كما أن الفتاة المجهولة تقول أنها كانت برفقة عائلتها ليلة الهجوم والحريق . - ماذا !؟ صاح بذلك واقفا على قدميه , ردد سؤاله من جديد غير قادر على الاستيعاب :- ما الذي تقولينه ؟ رمشت بجفنيها بارتباك و قد شعرت باضطراب في تنفسها وهي تكمل:- أنا بنفسي تفاجأت و لكن الحارس أخبرني أن هذا غير ممكن فلم ينجو أحد غيرك فخامتك من ذلك القصر , القصر احترق بكل من فيه ثم أنني طالبتهم من التأكد من هويتها و أنا بانتظار ردهم. - كل هذا ولا تعلميني به تزايد ارتباكها أكثر و هي ترى غضبه يشتعل بقوة فيه , حتى أصبحتا عيناه سوداويتان من الغضب و أصابعه مضمومة لبعضها مكونة قبضتين من حديد يوشك على تحطيم بها كل شيء أمامه .. ألمها منظره ذاك وكيف أنه اصبح شخص مختلف عن الملك الهادئ القادر بالسيطرة على نفسه في أحلك الظروف ولكن يبدوا بان موت زوجته وابنه هما الضربة القاضية التي تلقاها في حياته. - أخبرت فخامتك أني لم أرها , أرسلت فقط حارسا من القصر حتى يأتي لي بأجوبة عن أسئلة جلالتك و هذا كل ما أعلموني به , و هم أيضا غير متأكدين كما أنهم ما زالوا يحققون معها و لم أُريد تشويشك و إيلامك بأمر سيعيد لك تلك الذكرى المشؤومة . حرك رأسه غير مصدق لِكم الهفوات التي بدأت الكونتيسا ترتكبها في الآونة الأخيرة , فموت فيكتوريا على ما يبدو قد أثر على عقلها و ذكائها المعهودة به أكثر مما كان يظن . دار حول مكتبه متوجها للباب بنية الخروج منه و قبل أن يفعل سمع سؤالها ترن فيه نبرة القلق :- هل تنوي التدخل في هذا الأمر بنفسك يا صاحب الجلالة؟ استدار إليها بقوة و حدة في آن واحد كي يرمقها بنظرات غاضبة قبل أن يهتف قائلا :- أجل و سأذهب إليها بنفسي . أصابتها كلماته بالبكم لثانية واحدة قبل أن تهتف قائلة :- جلالتك لمَ عليك أن تذهب بنفسك ؟ يمكنني أن آمر بجلبها إلى هنا حتى تراها في مكانك. قالت ذلك و لا تعرف كيف , المهم أن ذلك أفضل من ذهاب الملك بنفسه لمكان كذاك .. السجن و التحقيق حتى لو كان داخل أسوار القصر , مع أنها في الأصل كانت رافضة أن تُدخل الملك في أمر كهذا .. تعلم أنه خطير لأن الحارس نقل لها شكوك الأمن الذين ألقوا القبض عليها .. فكلامها عن القصر و الهجوم المسلح غريب جدا و يدعو للارتياب , لكن ماذا كان باستطاعتها فعله غير الكذب على فخامة الملك حتى لا تشغله بدوامة لا يُعلم لها بداية من نهاية حتى تكتشف هي بنفسها جميع حقائق هذه الفتاة , فالملك يتعذب لما حصل و كل شيء سيُثار عن ذلك الهجوم سيزيد من جنونه و غضبه و قد يفقده هذا تريثه و حنكته في التعامل مع أمور خطيرة كهذه . لم يجبها الملك الكسندر حتى أنه لم يلتفت إليها بل واصل مشيه حتى فتح الباب بقوة , تجاهل تحية الحارس و استمر في خطواته القوية رغم ألم ساقه وغير مهتم بخطوات الكونتيسا خلفه والتي رغم سنها المتقدم كانت تحاول بأقسى ما لديها اللحاق به بعد أن أبدى إصراره في الذهاب بنفسه إلى تلك الفتاة . خرج من القصر و مشى في ساحته تحت أنظار حراسه المذهولين و هو يتوجه إلى جناح الأمن البعيد و القريب من الأسوار الضخمة للقصر رافضا حتى ان توصله العربة الملكية الى هناك , عند باب الجناح سأل الحرس الملكي بحدة و اختصار قائلا :- أين الفتاة ؟ - في الداخل سيدي . - أرشدني إليها . أمره بذلك كي يسرع الحارس في تنفيذ أمر سيده و هو يمشي معه في تلك الممرات المتشعبة حتى دخل به أحد الأبواب حيث تجاورت غرف كثيرة ببعضها كلها مقفلة بأبواب من حديد كان يعرف الملك جيدا ما تعنيه للقصر .. توقف به الحارس أمام الباب الحديدي الذي يحتجزون خلفه تلك الفتاة , فتح له الباب بسرعة كي يفسح المجال للملك حتى يدخل , و حال أن تجاوز الملك عتبة الباب حتى وقف هناك ينظر إلى الحارسين ذو الرتبة العالية في الحرس الملكي والذين استقاما واقفين بسرعة وارتباك و قد صدمتهم مفاجأة وقوف الملك بشحمه و لحمه أمامهم في تلك الغرفة الباردة الموحشة . - صاحب الجلالة .. الملك الكسندر. تجاهل حارسي الأمن عندما لمحت عينيه الحادتين ذلك المعطف الأسود الرث و الواسع و الذي تهدل على الجسد النحيل الوهن يغطيه حتى أسفل الركبتين المرتعشتين .. انحنت احتراما له قبل أن ترفع وجهها إليه , فنظر إلى ذلك الوجه الشاحب الهزيل والعينين الرماديتين تجري منهما الدموع على وجنتيها وهي تنظر إليه بحرج و ضعف و ألم خلف كتفي الحارسين ضخمي الجثة. اقترب منهما بهدوء كي يتوقف بقربهما يطالبهما الابتعاد من أمامه بحركة من رأسه فتحركا كل يقف عند جانبه , و عندها استطاع أن ينظر إليها كلها من أخمص قدميها حتى منابت شعرها الذي كاد يشبه البياض من شدة شقرته , كان يبدو عليها المرض و الألم , و استطاع بوضوح أن يلمح جسدها يرتعش كورقة تلعب بها الرياح في جو عاصف , بقي يحدق مطولا فيها و قد طغى صمت مهيب على المكان إلا من شهقاتها الخافتة و أسنانها التي كانت تصطك ببعضها , و تساءل وهو ينظر لحالها المزرية ( أهذه الطفلة الصغيرة الرثة التي يدعو منظرها للشفقة , أهذه حقا التي تبدو كالمتشردين يمكن أن يكون لها يد فيما حصل لزوجته ؟ و في الفوضى التي عمت روحه و بلاده !؟ تحدث أخيرا إليها بصوت جليدي آمر :- أعلموني أنك جئت بغاية الحديث إليّ , و ها أنا ألبي رغبتك بنفسي الآن , فأخبريني عما تحملينه لي في جعبتك. أسبلت أهدابها التي كانت تكاد لا تظهر بسبب شقرة لونها الشديد كي تقول بصوت بالكاد وصل لمسامعه من ضعفها و خجلها الممتزج بالخوف :- لا أستطيع إخبارك بشيء إلا و نحن على انفراد تام يا جلالة الملك. شعرت بالخوف أكثر لما قالته , و لذلك طأطأت رأسها بصمت غير قادرة على مواجهته ظنةً أنه سيثور غضبا الآن غير مصدقا وقاحتها و هي تشترط عليه شروطا للحديث معه , لكنه فاجأها عندما قال بهدوء :- انصرفوا أنتم و دعوني وحيدا معها . - ولكن فخامتك نحن لا نعرف هويتها الحقيقة بعد .. قد تكون... توقف الحارس عن الكلام عندما استدار إليه سيده بغضب يقول له :- ماذا ؟ تعتقد أنها ستشكل خطرا علي إن بقيت لوحدي معها ؟ هل أبدو لك غير قادر على البقاء وحيدا دون حمايتكم حتى مع فتاة صغيرة هزيلة مثل هذه !؟ طأطأ الحارس رأسه بخجل قبل أن يستأذن و يخرج هو و زميله , و عندما أقفلا الباب ورائهما استدار الملك الكسندر من جديد إليها و سألها قائلا :- ما اسمك ؟ من دون أن تنظر إليه أجابته بصوت مرتعش:- اسمي باتريسيا. - إذا باتريسيا أخبريني بالأمر المهم الذي خاطرت بحياتك مع حرس القصر من أجل إيصاله لي . لاحظ كيف نظرت إليه لجزء من الثانية قبل أن تبعد عينيها الدامعتين عنه و تنظر للأرض غير قادرة على الحديث فأمرها بهدوء مفاجئ :- اجلسي باتريسيا . نظرت إليه ببلاهة قائلة :- ماذا ؟ بقي ينظر إليها بعيون ضيقة و قد بدأ ينفد صبره , قبل أن تفهم نظراته و تحني رأسها بسرعة معتذرة :- آسفة , سأجلس بعد .. فخامتك . - قلت لك اجلسي . كادت الشهقة تخرج من بين شفتيها لصوته الحاد و النزق و هو يأمرها للمرة الثانية بالجلوس , و بعدها أغلقت فمها و ذهبت بصمت تجر الكرسي بجانبها حتى تجلس عليه .. أصدرت قوائم الكرسي الحديدية صوتا مزعجا للغاية فضغطت على شفتها السفلى بطفولية وهي تسترق النظر إليه بخوف , وجدته غير مهتم بطريقتها الخرقاء في جذب الكرسي بل كان هو الآخر يجذب كرسيا بهدوء وثقة غير مصدر آية صوت حتى لو كان صغيرا و رغم أنه كان قد أمرها بالجلوس أولا إلى أنها تباطأت في حركتها عمدا حتى جلس هو فجلست هي بعده مباشرة , تشابكت أصابعه ببعضها و هو يضع يديه على الطاولة أمراً إياها :- أخبريني الآن من تكونين باتريسيا ؟ تجرأت على رفع عينيها و نظرت مباشرة لعينيه الضبابيتين التي كانت كلوحة فنية نادرة لقصره الذي يشبه قلعة على منحدر جبلي يكسوها الضباب في أيام الشتاء الطويلة .. أخافتها نظراته الثاقبة و المحدقة بها بلا توقف ، لكنها مع ذلك أبقت على نظراتها الخجولة دون أن تشيحها عنه وهي تقول له : " أنا أكون ابنة ... طأطأت برأسها تخفي دموعها التي لمحها رغما عنها لتَذكرها موت عائلتها بينما هو لم يرف له جفن و هو يسألها دون أن يهتم للاسم الذي كانت على وشك أن تقوله لأنه سبق وعرفه من الكونتيسا :- لم أراك من قبل . خرج صوتها متهدجا و هي تجيبه :- هذا لأن عائلتي فقط من كانت تعمل داخل القصر أنا كنت أدرس مع أبناء خدم القصر . لم تدرك حقيقة انه كان يجاريها فقط في حديثها كي يكشف حقيقتها عندما قال لها بهدوء مريب: - إذن تعلمين بأن عائلتك كلها ماتت ؟ تدفقت دموعها بكثافة من عينيها وهي تومئ برأسها فقط قبل أن تقول بصوت متقطع باكٍ:- رأيتهم ميتون أمامي كان ذلك في غاية البشاعة . تغضنت ملامحه و ازدادت الحدة في صوته لشعوره بالارتياب الشديد من تلك الفتاة التي بدا عليها أنها تعلم أكثر مما يعتقد , و أن قدومها سيكون له نتائج عظيمة. - كيف رأيتهم ؟ تدفقت الكلمات منها بقوة بسبب الألم الذي تهيج داخلها , و أصبحت فقط تتكلم و تتكلم عن الذكرى التي كتمتها في قلبها كل الوقت الفائت . - كنت في القصر عندما عمت الفوضى فيه و قد أحاط به المسلحين المجهولين , حينها أخذتني جدتي من بين زميلاتي بنات الخدم في القصر و أخفتني في الساعة الضخمة التي كانت تتوسط جدار أصغر أجنحة القصر, لم يكن أحد من الخدم غير جدتي يعلم ان باب الساعة تلك يمكن ان يخفي جسد انسان بكامله. قاطعها بوجوم يخفي خلفه الذهول ولم يكن يحتاج أكثر من ما قالت كي يعرف عن أي ساعة كانت تتكلم لمعرفته الدقيقة بكل تفاصيل قصوره الملكية:- كنت مختبئة في صندوق الساعة الأثرية وقت الهجوم إذن. - أجل. قالت ذلك و هي تهز برأسها بقوة قبل أن ترفع أناملها لوجهها و تمسح دموعها مع أن ذلك لم يكن مجديا إذ سرعان ما نزل شلال آخر من الدموع لقولها :- لقد خرجت من مخبئي عندما لم أعد أسمع أية أصوات , كنت أيضا خائفة جدا على عائلتي و غير فاهمة لما يحصل , كان ذلك فظيعا و أنا أقفز بين الجثث المشتتة في القصر , عدد كبير منهم أعرفهم فقد كانوا عاملين في القصر , لم أصدق عندما سمعت صوتا يدل على الحياة في ذلك القصر .. كانت تأوهات و أنين ألم يصدر من غرفة واسعة جدا .. لم أعلم أنني ولجت الجناح الملكي إلا عندما رايتها ممددة على السرير وجدتي و أمي كانوا.... لم تستطع الإكمال إذ غالبتها شهقاتها الباكية , قبل أن يقاطعها هو و يجمدها في مكانها حتى من صوتها كتمه عندما أمسك بذراعها فيفاجئها أن هزها بقوة صارخا في وجهها :- أتعني أنك رأيتها !؟ رأيت زوجتي!؟ عاود الصراخ في وجهها بنفس السؤال, فأومأت أخيرا له بذهول في عينيها و هي ما تزال تشعر بقبضته تسحق عظام ذراعها , و اعتلى الذهول عينيه هو الاخر فأطلق سراحها و هو يتمتم بعدم تصديق:- رأيتها قبل أن تموت هي و طفلي ؟ - لكن الطفل .. لكن الطفل لم يمت , لقد ولدته في لحظاتها الأخيرة من الحياة . | ||||||
25-06-13, 07:17 PM | #777 | ||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وأميرة حزب روايتى للفكر الحر وعضوة القسم السياحى المميزة
| تم تنزيل الفصل الثالث كاملا. اتمنى ان ارى ارائكم وتوقعاتكم بعد الفصل. اذا كان هناك تعطش منكم للمزيد فيمكنني ان ابدا بتنزيل ثلاثة فصول في الاسبوع الواحد .. طبعا هذا تقررونه انتم اعزائي قراءة ممتعة | ||||||
25-06-13, 07:22 PM | #778 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه هدية مني لقد قمت بتدقيق الفصل ان اعجبك عملي قومي بتعوضه وفي حالة العكس اطلبي من احدى المشرفات حذف المشاركة بيزوووووووووو اقتباس:
| |||||||||
25-06-13, 07:23 PM | #779 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 21 ( الأعضاء 15 والزوار 6) غيداء هلال, maroska+, Noruh 96, مهاف, amoud, haneen el nada, الميزان, فانليا, 7oureya, siham80, نداء الحق, ندى الفجر, خمسية, ساكنة القلوب تسجيل حضور هقرا الفصل وارجع بتعليق | ||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
مُلوك, العشق |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|