آخر 10 مشاركات
90 -حبيب الأمس - جين سامرز -عبير دار الكتاب العربي (الكاتـب : Just Faith - )           »          صمت الجياد (ج2 سلسلة عشق الجياد) للكاتبة الرائعة: مروة جمال *كاملة & روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          قدرها ان يحبها شيطان (1) .. سلسلة زهرة الدم. (الكاتـب : Eveline - )           »          381 - الانتقام الاخير - كيت والكر (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          402 - خذ الماضي وأرحل - مارغريت مايو (الكاتـب : عنووود - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          عروس للقبطان - كاى دايفز - ع.ق (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى القصص القصيرة المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-02-09, 09:04 PM   #1

كاتب مسرحى

? العضوٌ??? » 77100
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 16
?  نُقآطِيْ » كاتب مسرحى is on a distinguished road
افتراضي قصة شيطانية


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمه الله و بركاته

* القنطور: كائن خرافي نصفه رجل ونصفه الآخر فرس
* الكنيسة الموحِدة: كنيسة ترفض التثليث وتقول بالتوحيد
* التاي تشي: رياضة صينية الأصل للدفاع عن النفس والتأمل
* ماريو سافيو (1942-1996): ناشط سياسي أمريكي. كان قائد الطلبة بحركة حرية التعبير بجامعة كاليفورنيا في بيركلي في ستينات القرن العشرين. من أشهر خطبه تلك التي ألقاها في الثاني من ديسمبر 1964 بمبنى سبراول هول.

القصـــــة
"لم تكن لتعرفني منذ عام مضى.

فمنذ سنة خَلت كان لديّ زوج وصديقة صدوقة تدعى مارجين تعمل بمكتب البريد. وما هي إلا أن ألمّ السرطان بزوجي وانخفضتْ أسعار المنازل بغتة في هذه المنطقة من كونيتيكت وتوطدتْ عرى الصداقة بيني وبين صديقة جديدة. تراءت لوحات السماسرة واختفت من أمام المنزل وحتى نهاية الطريق. تنوعتْ اللوحات في أشكالها، من اللوحات الأنيقة ذات اللونين الزيتي والأبيض والتي تصرح للبيع بواسطة المالك، كلمات مكتوبة بخط اليد لتُظهر أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم ولا في فاقة، إلى اللوحات التي تعلن مارثا برى لويس وشركائها، وهم سماسرة لم يبيعوا سوى المنازل باهظة الثمن فكانوا يمتطون الخيل في منتصف النهار عندما يخلو السوق مما يستحق، ثم وصولاً إلى اللوحة المصنوعة من ألواح الخشب التي خلفتها الشركة القومية الكبرى للإسكان والتي تقريباً تصرخ قائلة، "مزاد لبيع المنازل المحترقة، لك أن تتملك هذا المنزل بأقل مما دُفع فيه." لم يكن منزلي بهي المنظر مقارنة بمنزل جاري إلا أنه ازدان بنوافذ كبيرة زجاجها ملون صنعها إيثان، كانت نوافذ متناهية الجَمال حتى إن زوار المعالم كانوا يقودون سياراتهم نحو طريقنا الخاص مباشرة ويوقفونها بجانب شجر البتولا ثم يرجوننا أن يدخلوا البيت. كانت غاية أمرهم أن يقفوا أمام الأشعة المنبعثة من الضوء الأرجواني والأخضر كي يفتتنوا بحوريتين توأم حمراوتا الشعر تحيطان بالباب الأمامي، كي يتحسسوا بأصابعهم الفصوص ذات اللون الأزرق المخضر المتناثرة عبر الردهة والتي ثبتت حلقاتها بالحائط. وقفوا بين أرجل القنطور* الحمراء الزاهية وهي تخب وسط حائط المطبخ وأطلقوا تنهيدة. بعد أن يتناولوا القهوة والكعك، يطلبون نافذتين أو ستاً. وبسبب الحماسة التي انتابت بعض الناس من جراء أموال ال****ات، حدث ذات مرة أن طلب بعض القادمين من جريميرسي بارك دستة من الألواح المرسومة عليها نباتات ليضعوها في منزلهم الجديد بماديسون. كان إيثان دائماً وأبداً يتذمر، "لِمَ تفعلين ذلك؟" قمتُ به التماساً للصحبة والنقود بما أني كنت محتاجة إلى كليهما غير أن إيثان لم يلق إليّ بالاً. وحينما كان يسأل عن البريد دون أن يرتقي بعينيه إليّ أو حتى عندما يتجشم عناء السؤال عن حال ركبتي المريضة، غير منتبه إلى أن آخر مرة تحادثنا فيها كانت منذ يومين كاملين، كان الوضع بالنسبة لي أسوأ من الصمت. وإن لم أسأل القادمين من نيويورك نقوداً، كان يمشي حولي وهو يجرجر قدميه الموضوعتين في خف ناعم الجلد ولا يفتأ يقضم أظافره إلى أن يقدموا عرضاً مهيناً أو يعودوا إلى سيارتهم وهم في حيرة من أمرهم لكن في ثراء.

بعد ستة شهور من إصابة إيثان بالسرطان كالزكام الرهيب ورحيله عن الدنيا، قصدتُ مرة واحدة فحسب مجموعة الأرامل التابعة للكنيسة الموحِدة*، الأرامل اللاتي فقدن أزواجاً ألطف بكثير من زوجي، بل إن أشد النسوة غضباً لم تزد على هذا القول، "اللعنة على تدخينه،" فحدّثتُ نفسي متسائلة، تدخينه؟ فأنا تقريباً لم أحب في زوجي غير زجاجه الملون ويديه الصغيرتين العريضتين ورغبته في الزواج مني، أنا جين القبيحة، عندما ظننت أن أحداً لن يتزوجني وكذلك استعداده للبقاء معي لمّا وافت طفلي المنية. كانت تلك فترة عصيبة لم أبرح فيها المنزل لمدة شهرين مما حدا بإيثان إلى دعوة القادمين من نيويورك لدخول المنزل ما لغرض سوى أن أغادر السرير. وغير هذا وذاك، حسبتُ فقط أنه إذا لم تمقتي زوجك الصامت متقلب المزاج بعد عشرين سنة من الحياة معه ولم تتبد عليه علامات كراهية لك أو لإحساسك المتعاظم باليأس، لكِ أن تعتبري الزيجة موفقة، فهي ليست بأردأ من الزيجات الأخرى. كان الشهر الأخير الذي قضيناه معاً بمثابة شهر عسل لم نعشه، وحينما يتحدث إليّ الغرباء الآن، أبدو كامرأة خسرت حبيبها ولا تنفك حزينة عليه.

أبواي متوفيان - أحسبني أعدهما في هذه المرحلة من حياتي خير أبوين - لديّ أختان أحبهما كل الحب ويقيمان على مقربة مني، أرعى حديقة تعلو نحو السماء لتقترب من الله المسافة التي أحتاجها، وألتقي منذ أربع عشرة سنة بمجموعة تجتمع لمناقشة الكتب. تعمل هذه المجموعة أيضاً كخط ساخن لمعاونة السيدات اللاتي استأصلن أثداءهن وكمرشد لمَن بلغن سن اليأس وكمنظمة لرعاية الشواذ وأسرهم وأصدقائهم. لا مانع عندي أن أظل وحيدة، فقد رباني والدان سكيران طاعنان في السن، ألماني وسويدية. لم أتشاجر قط مع أي منهما على أني لم أنعم معهما بلحظة هناء. رحلتُ للالتحاق بالكلية في سن السادسة عشر، وهناك لم أدر ماذا أقول لهؤلاء الفتيات اللاتي كن يرتدين ملابس تختلف في كل فصل من فصول السنة (معاطف للخريف وسترات للربيع وسترات ثقيلة بقلنسوة لونها أزرق فاتح للشتاء) ويرتدين ملابس داخلية أجمل مما لبسته في الكنيسة. وبعد أن سلكتُ طريقي العادي المظلم وبعد أن غدوت بصحبة إيثان، الشخص الأسمر العادي إنما الموهوب، كل تلك الفترة الطويلة، انتابتني في خريف العمر دهشة امتزجت بالبهجة ذلك لأني أهتم بالجانب الروحي بي من خلال ممارسة اليوجا والعناية بالحديقة ولأني أعمل ككاتبة للحسابات حتى أؤدي فواتيري. الواضح أن حياتي بأكملها كانت تدريباً ممتازاً على اقتصاد الأموال بشتى أنواعه، وأنا الآن أمسك حسابات عشرين فرداً مثل إيثان، أشخاص ذوو موهبة لكن بلا فكرة واضحة في رؤوسهم عن تنظيم مواردهم المالية أو إطعام عائلاتهم، ذلك إن كانوا محظوظين بما يكفي للحصول على ما هو أكثر من أقل القليل لقاء ما يقومون به.

لم أطلق على جيراني الجدد توأم الجولداست. إنها مارجين، مديرة مكتب البريد، التي فعلت ذلك. فقد خلعتْ على جميع الوافدين من نيويورك ألقاباً تهكمية وقرأتْ مجلاتهم قبل أن تصلهم واحتفظتْ بأكثر ما راقها من كتيبات مصورة. وصفتهما بأنهما طويلان شقراوان رائعا المظهر. وأردفتْ أنهما فاحشا الثراء، فاحشا الثراء حقاً. وقالت إن السيد جولداست يتحلى ببعض الذوق أما زوجته فتعوزه تماماً وإن لديهما طفلة صغيرة شقراء جميلة الطلعة ستكبر لتمسي مصدر نكد متحرك إن لم تكف الأم عن إعطائها الكوكاكولا في التاسعة صباحاً وكل ما تطلبه. أكدتْ مارجين أن ثمة حاجة بهما إلى مَن يدون حساباتهما لأن الطبيبة السيدة جولداست تشتغل بالطب النفسي وكان هو يمتهن مهنة غامضة تتعلق باستيراد الأعمال الفنية وتصديرها. ولهذا وحسب أمكنني أن أؤكد أنهما سوف يحتاجاني، أنا كاتبة الحسابات والمحاسبة والكذابة المأجورة التي تقوى على البهتان البين بكل صفاقة. أودعتُ بطاقتي المهنية في صندوق البريد الخاص بهما الذي غطياه (أظنها الزوجة) بأجزاء صغيرة من قرميد مضيء صانعين عمل فني صغير على ما فيه من فظاظة. اتصلا بي ليلتئذ ودعت السيدة نفسيهما إلى بيتي لشرب القهوة صباح الأحد.

"يا ربي، هذا المنزل فائق الجمال. منتهى الروعة. وذلك الزجاج الملون. إنك لعبقرية يا سيدة بيكر. أأنتِ سيدة؟ لستِ آنسة؟ هل يمكنني أن أدعوك بجانيت؟ إنه هذا لمدهش. يا إلهي. وحديقتك. بديع. لا تلمسي الرسوم يا ميراندا، دعي أمك ترفعك نحو الضوء كما في القصص الخيالية."

افتر ثغر سام عن ابتسامة ومد يده. من بين أيادي الرجال، كانت يده المفضلة لديّ، إذ كانت أشبه بأيادي الفلاحين الجميلة، يبزغ منها شعر بني محمر عند أول مفصل من كل إصبع وتتلون راحتاه برقعة من اللون البرتقالي. لا بد وأن يديه أرث متبق من الفلاحين الأيرلنديين الأوائل؛ أما بقية هيئته فقد بدت وكأنها صورة في مجلة.

"أعلم أني أتصرف كالبلهاء لكني لا أستطيع أن أتمالك نفسي. يا سام يا حبيبي، من فضلك خذ ميراندا حتى يتسنى لي ولجانيت التجول لمدة دقيقتين فقط."

مشينا إلى الخارج نحو نبات القنطريون فمست أطرافه الزرقاء المتهدلة بأصابعها الطويلة.

"ممكن أن أتحسسها؟ لا أجيد أعمال الحديقة. تلك البطاقة التي تركتيها كانت هدية من عند الله. ليس لأنك كاتبة حسابات فقط إنما لأنني وددت أن ألتقي بك بعد أن أبصرتك بالبلدة. لا أخالك رأيتيني بمحل ديري مارت."

وقعتْ عيناي عليها لا مراء.

"يا سام، غفرتْ جانيت لي حماقتي. علها ستساعدنا للخلاص من ورطتنا المالية."

تبسم سام ثم ما لبث أن حمل ميراندا مباشرة قبل أن ترتطم بحافة المائدة المنخفضة. قال إنه سيترك المسألة لنا نحن الاثنتين لنتكفل بها وإن أي عون مهما كان سيكون أفضل مما لديه حالياً. وضع يديّ بين يديه وضغط عليهما معاً بعد أن وضع بينهما ملفين، أحدهما من البلاستيك الشفاف المقوى كُتب عليه بحروف بارزة في الصدارة " شركة موباي المتحدة للتصدير"، والآخر ملف من الورق المقوى بني اللون تبرز منه أوراق عليها اسم الطبيبة ساندرا سوندرز. قبل أن يغادراني، أهديتهما مربي عنبية وبعض شتلات البيجونية. ولأنها من نيويورك فقد ظنت أن أقل عمل بسيط في الحديقة مجهود خارق.

علت نبرات ساندرا، "واضح أن ميراندا قد وقعتْ في غرامك. هل يمكنك من فضلك أن تعتني بها غداً؟ في حوالي الخامسة؟ لمدة نصف الساعة فقط؟ على سام أن يذهب إلى المدينة."

بعد أن انفجرتْ غاضبة مرتين وبعد أن تناولتْ العصير عوضاً عن الكوكاكولا وبعد أن حكيت لها القصص بدلاً من الفيديو وبعد أن رفضتُ أن تلبس فستانها الأورجندي وهي تلعب في صندوق الرمل، حانت الساعة السابعة ثم آنت الثامنة. قدّمتُ العشاء لميراندا وساعدتها على الاستحمام. الحق أنها طفلة غاية في العذوبة، وقد حسبتُ أن أمها، شأنها شأن أمي، قصدتْ خيراً لكن يظهر أنها تفتقر إلى ما يلزم. عندما أتت ساندرا إلى البيت، هرعتْ ميراندا إليها إلا أنها نظرتْ من بين رجليها لترسل إليّ قبلة في الهواء.

"قولي ’نحن نحبك يا جانيت،‘" أملت ساندرا.

"نحن نحبك يا جا نيت."

"قولي ’من فضلك يا جانيت تعالي عندنا غداً لتناول المشروبات.‘"

ندت عن ميراندا تنهيدة ثم نبستْ في رفق، "مشروبات يا جا نيت."

قبّلتُهما وهما تغادران، فلم تلمس شفتاي قط بشرة كتلك البشرة النضرة الحلوة، شممت رائحة الخوخ في مرطب ميراندا ورائحتيّ المشمش والقشدة في مرطب ساندرا، وبرغم أني لم تراودني جاذبية خاصة تجاه النساء والفتيات، وسعني أن أخمن السبب الذي من أجله قد ينجذب أحدهم إليهن.

زرعتُ حديقة صغيرة مربعة الشكل بالقرب من استديو سام، بها نباتات القرنفل الملتحي والجريس والنجمية المَلكية بنفسجية اللون التي تقوم معها شجيرة صغيرة من شجيرات إكليل الجبل يعوق نموها أصيص تضع ميراندا حوله دماها البلاستيكية المنمنمة. كانت ساندرا تتغيب عن منزلها أكثر من سام. كان يشتغل في مخزن تحول إلى مبني وبات يحوي أجهزة كمبيوتر وشاشات وجهازين فاكس وأربعة خطوط للهاتف. وفي كل مرة أزوره فيها، يطلب لي فنجان شاي ويسجل إعجابه بما أنجزناه في الفترة الأخيرة.

قال، "إنه منتهى اللطف منك أن تساعدينا."

"لا مانع عندي،" قلت له.

فأنبأني، "في استطاعتنا إحضار جليسة أطفال." بيد أنه كان يعرف أني أعلم عدم صحة كلامه ذلك لأنه قد سبق لي مسك دفاتر حساباتهما.



هل بوسعي أن أزعم أن الزوج لم يكن مستورداً بأية حال؟ أيمكنني أن أزعم أنه لاح بصورته الحقيقية، ألا وهي صورة رسام الكاريكاتير الناجح؟ أن أزعم أنهما كانا يقطنان خلفي تماماً في منزل لازلت أجده كبيراً زيادة عن اللازم ومبهرجاً زيادة عن اللازم رغم أني متواجدة به الآن؟

بل إنني لم أصف العشيق الذي تمضي إليه ساندرا لتلهو معه في الوقت الذي أعتني فيه بطفلتها. أيجب عليّ أن أكتب أنه طويل القامة أشقر بينما هو في الحقيقة أسمر ذو عضلات قوية كما هو حال الزوج؟ سيغدو الأمر محيراً أيما حيرة للقراء إن كان كلا الرجلين أسمراً صحيح البنيان يرسل شعره الطويل على هيئة ذيل حصان، بيد أن كليهما كان على هذه الصورة. بل إنهما كانا يقودان نفس نوعية الشاحنة مسببين لنا المزيد من الارتباك.

أطلقتُ عليهم أسماء عصرية بها قدر من الجاذبية اللطيفة متمنية لو كنت أكتب في أيام انتشرتْ فيها أسماء مثل آنت أدا ستاركادر ومارتين شازلويت وبمبو لاجونيما. إن اسم سام الحقيقي ينقل للقارئ المزيد من استقامته وصلابته اللتين تشيان بنوع من الجاذبية والخجل إلا أني احتفظت باسم "سام،" فميزته أنه يوحي بمزيج مضلِل لن تتوقعه من الأسماء اليهودية وأسماء سكان نيو إنجلاند. سوف أسمي العشيق "جو،" اسم يوحي بسلوكه العام البليد الذي يتميز بالود. أما ساندرا، كما أطلقتُ عليها، فكانت في حقيقة الأمر معالجة نفسية، تماماً كما كتبتُ عنها، لكنها لم تكن طبيبة نفسية. لشد ما أبغضتُها ولا أطيق أن أجعلك تظن، حتى ولو في هذه القصة، أنها تتمتع بالانضباط والدينامية والمثابرة العقلية التي تؤهلها لتصبح طبيبة. فهي لم يكن لديها غير شهية مفتوحة وطبع لا حد لوقاحته، وكانت أسوأ أم رأيتُها في حياتي. بل إني أعتبر الآن هلاكها أمراً محموداً كلية، مما قد يقوض النسيج التخيلي الذي لا بد من تواجده بالغموض العميق، ذلك التضارب المقلق الذي يضفي توتراً على مشاعر الراوي.

كانت ساندي تقرص طفلتها لأنها لا تنام بسرعة؛ دأبتْ على أن تطعمها رقائق البطاطس على الإفطار وعصيراً معلباً في الغذاء؛ كانت تقص شعر ابنتها بالمقص المشرشَر بينما تنفق هي شهرياً مائتين من الدولارات ليستا ملكها على قص شعرها بصالون ماديسون أفينو. لقد تركتْ تلك الطفلة في العديد والعديد من المحلات وخلطتْ الكوكايين على المائدة التي تغير عليها ملابس ابنتها وألقت باللائمة على الطفلة الصغيرة المسكينة لكل لحظة إحباط وغم ابتليتْ بها في حياتها إلى أن وصل الحال لدرجة أن عيون ميراندا كانت تسيل بالدموع حين يتناهى إليها صوت أمها تنادي عليها. وإن لم تكن ساندي شخصية شريرة، فهي أردأ من الحمقاء والمريضة، المختصر المفيد ألا علاج يجدي معها. ولو انسحقتْ داخل سيارة محطمة تناثرت أجزاؤها داخل نفق، لن يخامرني حتى الأسف حيالها كما شعرتُ حيال الأميرة ديانا التي بحق لم أتعاطف معها.

أخال الأعمال التي ذكرتُها في مستهل كلامي صحيحة وكذلك الجزء الخاص بمجموعة الأرامل، وإن لم أتطرق إلى المكالمة التي تلقيتها بعد أسبوع من اجتماع المجموعة عندما دعتني للعشاء ألطف أرملة فيهن، وهي سيدة تشبه الممثلة ستوكارد تشاننج إنما ضخمة الحجم، تخللتْْْ دعوتها تلميحات واضحة فلم ألب الدعوة. ليتني ذهبتُ؛ فربما نسج ذلك العشاء وتوابعه قصة أفضل من هذه القصة التي ألهو بها الآن.

لا أود أن أستثني من الذِكر المرة التي تلاكمتْ فيها ساندرا مع صديقة جو السابقة التي أطاحت بساندرا وسط طبق سلطة البطاطس خاصتها وذلك بالنزهة السنوية التي ينظمها الحزب الديمقراطي، أو المرة التي اقتحم فيها جو بيت الزوجية السابق عقب انتقال ساندرا إلى منزل آخر ليحرق مكتبة سام وهو غير مدرك أنه يدمر أيضاً مجموعة كتب ساندرا من الطبعات الأولى النادرة. ولمّا فرغ مما يأتيه، بعد أن تملكه السكْر وتفصد منه العرق، استقر بي المجلس بالشرفة، أرصده بنظارة زوجي الراحل المعظمة ("إيثان" هو بالفعل زوجي الراحل، كان نحاتاً وليس صانع زجاج وكان التهذب من أبرز صفاته؛ لم يكن زوجي قد مات قبل أن أقابلهما؛ فقد عاجله الأجل بعدها بسنة، فكشف سام عن طيبته الشديدة وكشفتْ ساندرا كالمعتاد عن فتنتها وعدم نفعها). أرسلتُ طرفي إلى جو وهو ينزلق في مسيل الماء بعد أن تعثر في زلاجة الطفلة ميراندا التي حملتْ ماركة فيشر-برايس. خلدتُ إلى النوم، ولمّا اتصل سام بي اليوم التالي، كان يضحك ملء شدقيه رغم ما استبد به من غيظ. أخيراً شاهد سيارة إسعاف تصعد طريق منزله الطويل المفروش بالحصى والمسعفين يثبتون الجبائر على كل جسم جو العشيق. استرسلتُ في الضحك أنا الأخرى، بعدها عرجتُ على سام وميراندا وأعطيتهما حساء سمك بالخضراوات وخبزاً صنعته بنفسي من دقيق نبات الجاودار.

ليس لديّ صديقات ممن يعدون ملح الأرض مثل مارجين. فمن على شاكلة مارجين سريعات الغضب في معظم الأوقات، ملونات في أغلب الأحوال، وكثيراً ما يتفوهن بعبارات حادة اللهجة وبحِكَم عن الحياة الفانية، وأحياناً ما يكن جدات. في قصص الرجال يكن إما رفيقات عجائز سيئات السمعة يسكرن معاً، جدات يمضغن التبغ ويصطدن السلمون المرقط، وإما سيدات مخلصات على نحو يعز تفسيره، صديقات حميمات ملونات، حديثهن لاذع لكنه لا يخلو من الصدق.

أصادق في الحياة الواقعية سيدتين تعملان بالكتابة مثلي – الناقدة السينمائية التي تكتب بالجريدة اليومية الأقرب إلى منطقتنا وكاتبة مستقلة متقاعدة تشغل روحها بالعمل في البيت والحديقة، وهي رفيقتي في لعب التنس منذ عشرين سنة. تتمتع شخصية إستيل، رفيقتي في التنس، بمقومات الراوي أكثر مني، ففكرتُ أن أستغل خبرتها مع ساندرا لصياغة حبكة للقصة. فقد ألقت ساندرا بهرائها في علم النفس على إستيل المسكينة وجعلتْها تأتيها ثلاث مرات في الأسبوع وتدفع لها نقداً وكانت على وشك أن تقنعها بهجر ديف، زوجها دمث الأخلاق، وذلك بغية "استكشاف إمكاناتها الكاملة." رغم أن إمكانات إستيل الكاملة تنحصر في أن تكون رفيقة تنس رائعة مبتهجة كما هو واقع الأمر وأن تكون بستانية موهوبة (منها علِمتُ كل تلك التفاصيل حول البستنة) وأن تكون طباخة سيئة وربة منزل أسوأ لرجل كان في مثل هدوئها وتورد خديها، رجل ورث مليونين من الدولارات في سن الخمسين، رجل لا أستطيع أن أذكر عنه أية نقيصة، اللهم إلا أنه لم يعد حاد الذهن في الثالثة والثمانين من عمره كما كان – وإن صار ألطف. لا يسعني تصور ما تكنه إستيل من إمكانات أخرى وهي في السابعة والسبعين، مصابة بالإعتام في عدسة عينها اليسرى، سمْعها ثقيل، ولا تضمر أدنى اهتمام بالفنون أو المسرح أو السينما أو السياسة. أقنعتُ ديف باصطحابها إلى رحلة بحرية فاخرة لمدة أسبوعين عبر قنوات فرنسا. وحينما عاودا، كانا يشرقان باللون الوردي وقد امتلأ جسداهما قليلاً وظلا يشيران إلى الخبز الفرنسي والجبن الفرنسي بلهجة مفعمة بالحياة. لم تذكر إستيل بعدئذ أي شيء عن إمكاناتها المتخلفة أو عن لقاء ساندرا.

أدرك أني قد أظهرتُ سام بصورة أكثر مراوغة مما هو في الواقع وإن بدت مراوغة لطيفة في حالته. فهو لم يكن ليثير انتباهي في الأصل إن لم يزد على الرجل السطحي الساحر الذي وصفتُه، وقد أثبتْ في النهاية أنه أقوى من جو. وحتى إن لم تكن ساندرا أماً فاشلة، لعلي كنت سأتخيل مستقبلاً معقداً لكنه مشرق مع سام وميراندا، ذلك إن كانت عندي المقدرة على تخيل مستقبلي أنا.

لا أفقه السبب الذي دفع ساندرا إلى الاعتقاد أني سأغدو شريكة في جريمتها. فأنتِ إن كنتِ نحيلة القد جميلة الوجه شقراء الرأس وتألفين التفاف المعجبين، علك سترينهم حيث لا وجود لمنافسات أخريات. لكن تباً لها، لقد طالعتُ مجلات النساء وقدت سيارتي حتى ويستبورت لأقص شعري قصة جديدة وأنفقتُ نقودي على الثياب. وعلى الرغم أنها لم تلحظ أني أرتدي بنطلونات جينز سوداء وبلوزات حريرية عند زيارتهما، فقد انتبه سام إليّ. عندما اتصلتْ بي ساندرا هامسة من على سرير جو، "يا للمصيبة، اختلقي أي شيء، لقد سرقنا الوقت،" لم أفعل. سرت حاملة العشاء لسام وميراندا، وفيما كانت ميراندا جالسة أمام الكمبيوتر، أفضيت إليه، "أنا كذابة فاشلة. ساندرا اتصلتْ من عند جو طالبة مني أن أختلق عذراً يغطي تأخرها لكني لا أقوى على ذلك."

استحالة أن يكون الكاتب الجيد كذاباً فاشلاً.

عقب انتقالها إلى منزل جو، كانت تتصل بي صباح معظم الأيام، لا لشيء سوى أن تنبئني بما جرى الليلة الفائتة. كانت تحلّق في السماء من السعادة، تقول إن جو رجل في منتهى الروعة إلا أن الغيرة من سام تأكله. ألفيت شكواها سخيفة بلا شك لكني عددتها إطراء لا مزيد عليه.

اتصلتُ بجو عدة مرات في الظهيرة قائلة، "آه، أليست ساندي بالبيت؟ آه، بالطبع." قد يكون جو من أكثر عباد الله انقياداً. بل إني لم أضطر إلى أن ألقي له بالصنارة، فقط جعلتُها تتدلى بحرية وضربتُها برفق خاطف. أنهيت إليه، "هي ليست بالمكتب. حتماً بالبيت، أعني، بيت سام. إن انسجامهما معاً لرائع، من أجل خاطر ميراندا. لا أكتمك أني أخالهما باتا صديقين أفضل أما وقد انفصلا الآن."

أقدمتُ على تلك الفعلة مرتين في الأسبوع، كنت أخترع أسباباً مختلفة للاتصال. ذات مرة ضربها جو. أخبرتني بذلك ولمستُ بنفسي الكدمة المستديرة على فكها، توسلتُ إليها أن تقاضيه غير أنها لم تفعل.

أما الجزء الذي اصطدمتْ فيه شاحنة جو بخلفية منزل سام فهو جزء مسل مَُحال أن أسقطه، وسرده أكثر إضحاكاً من رؤيته رأي العين، وإن كنت قد أغرقتُ في الضحك حالما أبصرتُ الطرف الخلفي لشاحنته ناتئة من بين فدادين أشجار العنب، وحين نمى إليّ صوت هرس العنب فيما كان جو يحاول تخليص نفسه، وحين شممت رائحة بالخمر أشبه تنطلق نحونا وهو يبتعد بعربته وسيقان الكروم تدور حول إطاراتها.

أبلغتُ عن ساندي للجنة الأخلاق بجمعية كونيتيكت لمستشاري الأسرة. أبلغتُ عن جميع الأشياء التي ما وجب أن تطلعني عليها – بما كان يبدر منها في عيادتها وترتيباتها المالية مع مرضاها وما كانوا يمنحونها من معلومات سرية عن أسعار البورصة وإصرارها على أن تقبض نقداً ومقدماً – وحسبهم أني وقفت على كل هذه التجاوزات بمسمياتها مع أني لم أكن معالجة نفسية على الإطلاق الأمر الذي حملهم على وقف رخصتها لمدة ستة أشهر.

يفطن القراء المحنكون إلى أن الكُتّاب ينفثون من خلال قصصهم عن غضبهم وصراعاتهم وهمهم اللانهائي وما يحل بهم من مشاعر خسارة متكررة. وعلى الرغم أن تلك قصة خبيثة شيطانية، فما هي إلا مجرد قصة. وفيها يتخذ ظلام الروح نموذجاً يتربص من مكانه، يمكث في سكينة جامد الحركة، أسود الهيئة على الصفحة إنما فعال وخطير في عقل القارئ دون غيره. هو في الواقع غير مؤذ، أما عني فأنا مؤذية.

القصة التي رجوت أن أكتبها كانت من غير ريب ستطعنها في الصميم. فأي شخص يعرفها كان سيتعرف عليها بمجرد أن يطالع القصة وسوف يُسئ الظن بها وهو يقرأ. كان سيعتريها الإحراج ويشملها الحنق. الواقع أن ذلك لم يكن ما انتويته. لقد رغبتُ في أن أصنع من جلدها سجادة على أرضية منزلي، أن أقطع عنقها النحيل، أن تُدفن ولا ينفك قلبها ينبض خلف الحائط المشيد بالطوب حديثاً. وفي القصص حينما يتصرف أحدهم على غير طبيعته، ندرك أننا قد بلغنا لحظة ذات مغزى بل ومحورية. ولو أخذنا العَجَب زيادة عن اللازم، سيساورنا التردد أو فقط نستسلم ونغلق الكتاب. أما في الحياة الواقعية، لمّا يظن الناس أنهم يعرفونك، يعرفونك حق المعرفة بحيث يقولون لأمين المكتبة بعد أن تبرح المبنى، "إنها تعشق القراءة للأطفال في سن الرابعة. أخاله مصدر عزاء عظيم بالنسبة لها منذ توفي ولدها الصغير" وليست المعرفة السطحية التي تجعلهم يكتفون بقول، "اليوم الثلاثاء، لا بد وأنها تقدم يد المعاونة في المكتبة اليوم." – عندما يعرفونك على هذا النحو، في استطاعتك أن ترتكب تقريباً أي فعلة شريرة في الخفاء، وإن وردتْ إلى مسامعهم، فهم بكل بساطة لن يصدقوا الراوي مثلما يفعل القراء.

ألفي نفسي غير متعاطفة مع النساء اللاتي تستعن بمربيات، علاوة على جليسات الأطفال وأجهزة النداء ومنظمي الحفلات، ولا مع النسوة الأكبر سناً اللاتي يرغبن في إرجاع أطفالهن المحطمين الموجوعين بعد تبنيهم، ولا مع الفاشلات اللاتي يرفعن القضايا ليسترجعن أطفالهن بعد أن منحوهم لآباء أكفاء محبين قبلها بثلاث سنوات. في عالمي لا يُسمح لأية واحدة منهن أن تغدو أماً، وإذا أفلتن من مكتبي الذي يهبهن رخصة الأمومة، سيُنزع أطفالهن تواً وسيُمحى كل أثر يدل على ادعاءاتهن بالأمومة.

بصفتي صديقة ساندرا الحميمة وجليسة طفلتها الموثوق بها، كان من السهل أن أوظف جو لقضاء إصلاح طفيف بشرفتي الأمامية وأن يلتقي مصادفة بالمرأة التي تساعدني في أبحاثي، كانا متشابهين وكأنهما زوج من الأحصنة الجميلة سريعة العدو. كذلك سهُل عليّ أن أذكي رغبة ساندرا المفاجئة بالانتقال بعيداً إلى خارج البلدة. سَهُل أن أبعث بما احتاجت إليه لجنة الأخلاق من معلومات كي يسحبوا رخصتها نهائياً، سَهُل أن أوحي بأنها تدير أعمال جو وأن الأطفال في حاجة إلى وقت مثمر وليس بالضرورة طويلاً وأن العشاق الشبان الملاح يحتاجون كلا النوعين: المثمر والطويل. سَهُل أن ألوح لساندرا وجو مودعة إياهما وهما يرحلان في شاحنتهما الجديدة (من السهل أن تنال قرضاً بعشر آلاف دولار حينما تكون عميلاً دائماً بالمصرف المحلي وتمتلك بيتك بالكامل).

لا أدعي التظاهر أني لم أقصد إيقاع الأذى بها. لقد تعمدتُ بل ولم يكن عندي مانع أن تلقى حتفها، وإذا كان الموت يتعذر عليّ تنفيذه نفسياً، إذن فالاختفاء هو ضالتي، وهو مصير أبشع لأنه ليس دائماً لكنه أفضل، فهم لن يعثروا على جثتها.

أنا الآن في موقع الزوجة لهذا الرجل الوسيم الذي يقدرني حق قدري ويخالني مخلصة حنونة، ألِف أن يسخر مني لأني أرتجف لمرأى طيور أبو الحناء ميتة بالفناء الخارجي ولأني أبكي جهراً لمشاهدة إعلانات شركة إيه تي آند تي. أنا الآن بمثابة الأم لهذه الفتاة التي تشبه شبل الأسد في نهمه وجماله ومحبته الخشنة. يموج البيت برمته بحبهما. أتجول بين طوابق المنزل بالليل، أعتلي السلالم وأنزلها، سلالم صُنعت بأيدي ماهرة من خشب الصنوبر لتوحي بقِدمها. أدلف إلى المكتبة وإلى المطبخ المصنوع يدوياً بإنجلترا ثم أخرج منهما نحو حجرة الاستجمام، حجرة واسعة بما يكفي لممارسة كل الرياضات عدا تلك التي تقتضي التحاماً بين اللاعبين. وفي النهار أعتني بالحديقة – بأشجار الفاكهة والأزهار والأعشاب – وهو عمل ليس أسوأ من الكلمات المتقاطعة التي اعتدت حلها. تلقيت دروساً في مسك الدفاتر؛ فنحن لم نعد في حاجة إلى محاسب. انقطعت عن كتابة أية مقالات بصحيفة المكتبة الإخبارية وإن لا زلت أتطوع هناك وكذلك بمدرسة ميراندا بطبيعة الحال، وفي الوقت ذاته أحافظ على نظافة بيتنا الجميل. أحضر حفلات لا يعرف الحاضرون فيها كيف يسألون الكُتّاب عن أحوالهم، ولازلت ألعب التنس. وعلى الرغم أني أحس بالبلاهة وأخشى أن تفطن معلمة التاي تشي* أني لست كالأخريات، أقصدها مرتين في الأسبوع لِما ستمنحني من توازن أياً كان.

أتسلل إلى الصف الأخير ولا أرنو إلى جانبيّ كيلا أرى تلك الوجوه النسائية اللطيفة التي تركز في تبلد. الدب يلتقط السمكة، تقول المدربة وهي تحرك ذراعيها الطويلين فوق رأسها وتخفضهما ليتدليا فوق النهر المتخيَل. وفور أن تلفظ طائر الكركي، نرتفع على رجل واحدة مرتعشة. وعند انتهاء الجلسة نكون قد تبللنا بالقليل من العرق وتمددنا على الصالة المتربة شبة المظلمة التابعة لمدرسة لايمان. تفوح الأرضية بروائح الفتيان والمطاط ومادة الراتينج. أنصرف قبل أن ينهضن لينحنين لبعضهن وهن يضعن أياديهن أمام صدورهن، مسترخيات ومتعاليات بكل فخر.

في الركن القصي الواقع بالشمال الغربي من مزرعتنا، وعلى الجانب البعيد من آخر مجموعات أشجار القيقب النحيفة، زرعتُ شجرة وغطيتها بنوعين من نبات ياسمين البر؛ الوردي والمسمى برلى دازور ابتعتهما من كرْم ماركم. حولتْ الكرمة ذات الأوراق الضخمة التي اتخذتْ شكل القلوب تلك الزاوية إلى مكان سري. وفي إحدى ليالي الخريف الفائت حملتُ إلى هناك أجزاء من مقعد ضخم مصنوع من نبات الأرْز ثم جمّعتُها على ضوء المصباح.

لا أحد الآن في هذا العالم يعرف شيئاً عن أمر طفلي ولا عن أمري. حينما كنت في الثامنة والعشرين من العمر بعد أن انقضى على زواجي أربعة أعوام، كنت أقيم بشقق طلبة الدراسات العليا بجامعة كاليفورنيا في بيركلي. كان جاري مهندساً شاحب الوجه أحدب الظهر من نيو جيرسي يعيش بجوار فيزيائي مكروب قادم من تشاد، كان للفيزيائي زوجة حلوة المعشر من تكساس تخبز الفطائر والخبز لسكان الطابق كله. على الجانب المقابل لنا عاش أخوان هنديان متقدا الذكاء تخصصا في الرياضيات، لديهما بنات صغيرات تضعن أقراطاً ذهبية وزوجتان ماهرتان في الحساب لدرجة أنه عندما انقطعتْ الكهرباء عن بيركلي، كما يطرأ غالباً أثناء الطقس السيئ، حل محل ماكينات النقود سيدتان رفيعتان سمراوتان ترتديان الساري الملون بالأرجواني والفيروزي، كانتا تحدثان حفيفاً من قميصيهما المصنوعين من الحرير الخام وتجمعان الأرقام من دون حتى الاستعانة بقلم رصاص. كان الأطفال، مَن يستطيعون المشي منهم ومَن يدرجون في خطاهم، يلهون في الفناء بينما راقبهم الآباء وهم يلعبون الشطرنج ويحتسون البيرة. وهم لفي ذلك، شاركن نحن الأمهات في مراقبة الأطفال ومشطن شعورهم مما علق بها من رمال ودخن المارلبورو وتصادقنا في جو خاص من الأمل اليافع.

عندما قضى إيدي نحبه، وفدوا جميعاً إلى الجنازة المتواضعة التي أقمناها بكنيسة الجامعة وملئوا شقتنا بالبسكويت والفطائر الهندية وصدور الأبقار وغمروني بقلوبهم الطيبة ومساعداتهم المقززة. رحلنا اليوم التالي مثلنا مثل اللصوص. فلم أفرغ من إكمال رسالة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي ولم يحظ زوجي بوظيفة مدرس بجامعة سان فرانسسكو. وعندما أقابل مَن يتذكر خُطب ماريو سافيو* على درجات مبنى سبراول هول وشقق الطلبة بالمبنى المقام بالأسمنت ورماد الفحم بطريق دوايت واي، أبرح الغرفة بمن فيها. لقد تركتُ نفسي مدفونة بمستشفى أتاباتيس، بين الملاءة وفراش الحَضّانة البلاستيكية خوخية اللون، تركتُها تتلوى حول أنابيب تموجتْ داخل جسم ابني وخارجه كالكرمة شبه الشفافة، لا تزال نفسي واقعة في شرك جهاز التنفس العملاق ذاك الذي زاد حجمه عن جسد إيدي أربع مرات دون أن يكون ذا نفع له أو لرئتيه الصغيرتين.

لم أدخر وسعاً لخلق أفضل نهاية وأكثرها سعادة في هذا العالم، خلقتُها من زركشة خيوط الكتان المتشابكة المتخلفة عن حياة شخص آخر، أعلم ذلك، لكني صنعتها كي يَسْلم الأبرياء ويعاقَب المذنبون. صنعتها كما يجب أن يكون عليه العالم وليس كما ألفيته."

السلام عليكم و رحمه الله و بركاته


كاتب مسرحى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-09, 09:52 PM   #2

ست الحسن

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ست الحسن

? العضوٌ??? » 8721
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 944
?  نُقآطِيْ » ست الحسن is a jewel in the roughست الحسن is a jewel in the roughست الحسن is a jewel in the rough
افتراضي

شدني اختيارك ..ولي عودة لأستكمال ماكتبت



ست الحسن غير متواجد حالياً  
التوقيع
مآت الحنين ومُت انت مع الحنين
رد مع اقتباس
قديم 10-08-11, 06:27 AM   #3

writer.nourhan medhat
 
الصورة الرمزية writer.nourhan medhat

? العضوٌ??? » 180787
?  التسِجيلٌ » Jun 2011
? مشَارَ?اتْي » 156
?  نُقآطِيْ » writer.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond reputewriter.nourhan medhat has a reputation beyond repute
افتراضي

جزاك الله خيرا ....

writer.nourhan medhat غير متواجد حالياً  
التوقيع

اعتذِر لنَفسي على سوء اختياري لبَعضِ الاشخاص في حياتي


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:55 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.