آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          روايه لا يغرك نبض كفي وارتجافه ضاق بي قلبي وشلته في يدي (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          نقطة، و سطر قديم!! (1) *مميزه و مكتملة*.. سلسلة حكايات في سطور (الكاتـب : eman nassar - )           »          عشقتها فغلبت قسوتي-ج1من سلسلة لعنات العشق-قلوب زائرة-للكاتبة:إسراء علي *كاملة+روابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          صمت الحرائر -[حصرياً]قلوب شرقية(118) - للمبدعة::مروة العزاوي*مميزة*كاملة & الرابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          كاذبة للأبد (35) للكاتبة الرائعة: strawberry13 *مميزة & كاملة* (الكاتـب : strawberry13 - )           »          عن الحكيم إذا هوى (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة في الغرام قصاصا (الكاتـب : blue me - )           »          361-جزيرة الذهب - سارة كريفن - روايات احلامي (الكاتـب : Sarah*Swan - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree49Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-05-13, 06:21 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25


الدمعة العشرين



20-

وقف(طارق) في شرفة غرفة النوم وأشعل سيجارة نفث دخانها بعيداً في قوة علها تخفف توتره, وقلبه يقرّعه على ما فعله في ابنيّ شقيقه للتو.

كان تأنيب ضميره كلسعات السياط تمزق قلبه و أحاسيسه, فما كان ينبغي أن يثور هكذا على الولدين خاصة وهو يعلم بمدى حبهما له وافتقادهما لوجوده.
واستغرقته أفكاره فلم يسمع طرقات(هالة) الهادئة على باب الغرفة, و فوجيء بها إلى جواره.

فعندما لم يجبها فتحت(هالة) باب الغرفة ودلفت إليها لترى_أول ما رأت_ حقيبته موضوعة إلى جوار الفراش. وعندما بحثت عنه بعينيها في الغرفة لم تجده, كان بالشرفة, ولم ينتبه إلا وهى تربت على كتفه وتسأله في تعاطف ـ"ماذا بك يا(طارق)؟ماذا حدث؟ ولماذا عدت إلى التدخين ثانية؟"

انتفض في فزع للحظة قبل أن يستدير إليها بعينين دامعتين, ويسحب نفساً عميقاً من سيجارته ثم يقذفها بعيداً في الهواء بأصابع مرتجفة ويعود بوجهه ثانية إلى الشارع وينفث الدخان بعيداً في صمت.
ضايقها صمته وأقلقتها دموعه فقالت بلهجة خاصة ـ"(هيثم) و(هاني) يبكيان في الداخل, وأنت هنا تعود للتدخين ولا تبالي بإجابة أسئلتي و..."

قاطعها وهو يرفع كفه الأيمن أمامها صامتاً, وهالها مرأى ارتجافة كفه القوية فأمسكتها برفق وهي تقول بهلع ـ"ما هذا؟ إن كفك ترتجف في شدة."

نظر إلى كفه في ألم ولم يجبها فازدردت لعابها الجاف وسألته في جزع ـ"هل حملت شيئاً ثقيلاً أو..."

قاطعها قائلاً بصوت مختنق ـ"أتدرين ما هي ثروة الجرّاح؟ إنها أصابعه. تخيلي خطورة أن تهتز أصابع الجرّاح أثناء عمله. لقد كدت أفقد مستقبلي اليوم حين اهتز المبضع في يدي, ورغم أن أحداً لم يلحظ ما حدث فقد شعرت بانهيار ثقتي في نفسي دفعة واحدة وطلبت من زميلي إجراء الجراحة بدلاً مني."

اتسعت عيناها في ذعر وهي تستمع إليه وأصابعها تكتم شهقة عنيفة من حلقها قبل أن تقول بحزم ـ"هيا إلى الداخل, إنك ترتجف من البرد."

قال معترضاًـ"أنا لا أرتجف من البرد."

أشارت إليه بالدخول قائلة في ثبات ـ"أياً كان السبب, يجب أن ندخل سوياً إلى الغرفة لأننا لن نناقش ما أنت فيه أمام مدينة نصر بأكملها."

بدا قولها مقنعاً إلى حد كبير فتبعها في هدوء للداخل وجلس على أول مقعد صادفه واضعاً وجهه بين كفيه, فركعت(هالة) على ركبتيها إلى جواره وربتت على كتفه في حنان قائلة ـ"(طارق)! لا تقلق, ستكون بخير غداً إن شاء الله. أؤكد لك أن الأمر لا يعدو كونه إرهاقاً زائداً لعضلات ذراعك وستعود لطبيعتك بعد قليل من الراحة."

رفع وجهه إليها قائلاً في سخرية ـ"راحة؟ ومن أين تأتي الراحة؟ من أبي, أم من(سمر), أم من المستشفى؟"

عقدت حاجبيها قائلة في قلق ـ"ماذا حدث؟ وما سر هذه الحقيبة؟"

ألقى نظرة سريعة على الحقيبة قبل أن يقول بتهكم ـ"الحقيبة؟ إنها نهاية الفصل."

سألته في حيرة ـ"أي فصل؟ وماذا تقصد بذلك؟"

تنهد في عمق قائلاً ـ"نهاية الفصل الأخير من المسرحية المؤلمة التي كنت أعيشها في الفترة الماضية والتي بدأت بتدخل أبي في حياتي مع(سمر) بحجة رغبته في رؤية أبنائي, وبعدها إصراري على إجراء فحوصات شاملة لي ولها, وانتهت المسرحية بانفصالي عن(سمر)."

قفزت واقفة على قدميها هاتفة في استنكارـ"ماذا قلت؟ انفصالكما؟ كيف ولماذا؟"

نهض بدوره مبتعداً وقال بخفوت ـ"لا رغبة لي في الحديث عن هذا الأمر الآن."

اتجهت إليه وتابعت وكأنها لم تسمع ما قاله ـ"وأين ذهب حبكما؟هل نسيت كل ما فعلته(سمر) من أجلك وأجلي ومن أجل أولادي؟ هل نسيت كم عانت وكم ضحت في سبيل حبها؟ كيف تتركها بهذه السهولة؟"

هتف محنقاً ـ"قلت أنني لا أريد الحديث عن هذا الموضوع."

جذبته من ذراعه ليلتفت إليها قائلة بحزم ـ"بل ستتحدث لأن هذا الأمر لا يتعلق بكما وحدكما, بل بي وبأبنائي أيضاً. لقد احترمت صمتك فيما مضى رغم إحساسي بوجود مشاكل في حياتك, وقلت لنفسي إنك حر في الاحتفاظ بأسرار بيتك لنفسك وإنك ستحلها بشكل أو بآخر. لكن أن يصل الأمر للانفصال فهذا ما لن أسكت عليه وأصر على معرفة أسبابه."

رمقها بنظرة حادة فتابعت بلهجة ناعمة ودود ـ"موضوع يدك له علاقة بالأمر, لذا اجلس في هدوء وأخرج كل الضغوط التي انعكست على أعصابك وتوشك أن تفقدك مستقبلك."

قالتها وهي تقوده برفق إلى مقعده ثانية وتُجلسه عليه بهدوء.



أما هو فقد ظل ينظر بألم إلى كفه اليمنى التي ترتجف رغماً عنه والدموع تترقرق في عينيه, وعقله يضخم له الأمر موحياً إليه بأنه سيفقد مستقبله كجرّاح إذا ظل على هذه الحالة.
وشعرت(هالة) بقلبها يتمزق لمرآه هكذا فركعت أمامه ثانية وتناولت كفه المرتجفة بين يديها وهمست بحنان ـ"إنك تزيد الأمر سوءاً هكذا, صدقني ستتحسن يدك قريباً و..."

قاطعها وهو يتأمل عينيها السوداوين قائلاً ـ"لقد طلبت(سمر) الطلاق بنفسها."

اتسعت عينا(هالة) وهي تستمع إليه قبل أن يخرج صوتها مبحوحاً وهي تقول ـ"بسببي؟"

هز رأسه نفياً في صمت قبل أن يتنهد بعمق ويعود بذاكرته إلى خمسة أيام مضت.












كان قد عاد لتوه إلى شقته وقد بلغ معه الإرهاق مبلغه بعد يوم عمل طويل، وأدهشه ألا يجد (سمر) في الردهة تشاهد التلفاز كعادتها.
حتى حينما أدار بصره في أرجاء الشقة لم يجدها حوله، فاتجه إلى غرفتهما وما أن اقترب حتى تناهى إلى مسامعه صوت نحيب مكتوم ففتح الباب في سرعة ليجد زوجته تحتضن وسادتها وتبكي بألم.
راعته دموعها وصوت نحيبها فهرع إليها ورفع وجهها عن الوسادة قائلاً في لهفة ـ"ماذا بك يا حبيبتي؟ لماذا تبكين؟"

رفعت إليه عينيها المتورمتين من شدة البكاء ثم عادت لتدفن وجهها في الوسادة وتجهش بالبكاء لتزيد من قلقه، فسألها بتوتر وهي يمسح ظهرها براحته ـ"هل تتألمين؟ هل تُوفي أحد من أقاربنا؟ أجيبيني يا (سمر) فأنا لا أطيق التوتر".

رفعت عينيها ثانية وإلتقطت مظروفاً كبيراً من جوارها ناولته إليه دون أن تنطق وعيناها تتبعان ملامحه لمعرفة ردة فعله.

أما هو فتناول منها المظروف وعقله لا يزال متوقفاً من الإرهاق الذي يشعر به وفتحه بعد أن جلس على طرف الفراش ليجد به مجموعة من صور الأشعة السينية والموجات فوق الصوتية ونتائج التحاليل.

حينها بدأ يدرك أنها ولا شك نتيجة تحاليله وأشعاته هو و(سمر)، وبدأت دقات قلبه في التسارع وهو يحاول التكهن بما تحمله النتائج ويربطه ببكاء زوجته الشديد.

بدأ بأشعته وتحاليله أولاً وإلتهمت عيناه أسطر التقارير في سرعة إلى أن تأكد من أنه سليم تماماً ولا يوجد ما يمنعه من الإنجاب.

لحظتها فقط سمح لأنفاسه الحبيسة بالخروج من رئتيه في صورة تنهيدة قوية أعقبها بقوله ـ"الحمد لله".

ثم ما لبث أن إنتبه إلى النتائج الأخرى...لابد وأنها تحمل سبب بكاء (سمر).



تزايدت دقات قلبه ثانية وهو يفحص أوراقها وأشعاتها وعيناه تتسعان أكثر وأكثر، ثم ما لبث أن شعر بقبضة باردة تعتصر قلبه وهو يقرأ النتيجة النهائية لتقرير أشعة الموجات فوق الصوتية، فأغلق عينيه في ألم وإلتقط نفساً عميقاً يهدئ به توتره الذي فاق كل حد قبل أن يلمس كف (سمر) قائلاً بصوت حاول أن يبثه قدراً من الهدوء ـ"حبيبتي هذه ليست النهاية...الطب يتقدم كل يوم وكل ساعة...ومع الإجتهاد في الدعاء سيرزقنا الله بالذرية الصالحة و..".

قاطعته من بين دموعها قائلة بلهجة جافة ـ"أي طب وأي دعاء؟؟؟ألم تقرأ التقارير بعناية؟ أنا عقيم يا دكتور...عقيم ولا يمكنني الإنجاب".

هتف بها مستنكراً ـ"أستغفر الله العظيم...هل سنكفر مع أول إبتلاء؟"

إستغفرت ربها بصوت خفيض في حين تابع هو بهدوء وثبات ـ" يا (سمر) لا تقنطوا من رحمة الله..لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالدعاء ووعدنا بالإستجابة..ولا يوجد ما هو مستحيل على قدرة الله. ومن يدري..فقد تسيقظين يوماً لتجدين طفلي بين أحشائك".

عادت إلى دموعها ثانية وهي تقول بإنهيار ـ"أعد قراءة التقارير يا (طارق). الأمر واضح. أنا لا أستطيع الإنجاب لأن رحمي لا يستطيع التمدد مع نمو الجنين. ألا تدرك معنى ذلك؟ معناها أنه لا يمكنني الإنجاب حتى بواسطة التلقيح الصناعي. لقد إنتهى الأمر".

إقترب منها ووضع رأسها على صدره وإحتواها قائلاً بحنانه المعهود ـ"لن أفقد الأمل..وحتى إذا لم ننجب أطفالاً فوجودك معي يكفيني. أستطيع الحياة معك دون أطفال. ألم تقولي أن لدي ثلاثة بالفعل...سأكتفي بهم ونستمر في حياتنا وكأن شيئاً لم يكن و...".

قاطعته وهي تبتعد عن صدره في حدة قائلة بعنف ـ"طلقني".

اتسعت عيناه وهو ينظر إليها وكأنه يراها لأول مرة، ثم حاول أن يقربها إليه ثانية ليمتص إنفعالها لكنها دفعته في صدره بقوة قائلة بشراسة لم يرها من قبل ـ"ألم تسمعني؟ قلت لك طلقني".

تنهد بقوة وإستعاذ بالله من الشيطان في داخله قبل أن يقول بهدوء ـ"وحدي الله يا (سمر)...ما الداعي للحديث عن الطلاق الآن؟ قلت لك إنني راض بقضاء الله ولن أفقد أملي فيه، وإنني لا أريد أطفالاً وإنما أريدك أنت..فلماذا الحديث عن الطلاق؟"

سألته في حدة ـ"أتستطيع مواجهة والدك بذلك؟ أتستطيع أن تقول له بكل صراحة زوجتي عقيمة يا أبي وأنا لا أريد الإنجاب".

قال في ضيق ـ"وما دخل أبي بالأمر؟"

أجابته بنفس الحدة وقد إرتفعت نبرة صوتها الباكي قائلة ـ"أتنكر أن السبب الحقيقي في موافقته على زواجنا كان رغبته في رؤية أبنائك؟ أتنكر أنه لمح إلى تأخر حملي أكثر من مرة؟ قل لي كيف ستمنحه ما يريد من أحفاد..هل تتبنى أطفالاً أم تتزوج الثالثة لتنجب لك وبذلك ترضي جميع الأطراف. تتزوج (هالة) لتربي أبناء شقيقك الراحل وتحمي إرثهم، ثم تتزوجني لأنك تحبني، ثم تتزوج الثالثة لتنجب لك ولي العهد المنتظر".

كان يسمع كلماتها القاسية بضيق، ولكن كلماتها الساخرة الأخيرة أخرجته عن هدوؤه فهتف بها من بين أسنانه ـ"(سمر).. لقد تغاضيت عن الكثير من حديثك لعلمي بحالتك النفسية الآن، ولولاها لكان لي تصرفاً آخر. لقد إنتهت المناقشة ولا رجعة في ذلك، ولن أسمح لك بالحديث عن الطلاق ثانية."



تأملته للحظات وأدركت كيف يجاهد للحفاظ على هدوء اعصابه في وجه كلماتها الجارحة، وحمدت ربها سراً أنه يجيد كبت إنفعاله وإلا لكان صفعها في قوة على إهانتها له.
ولدهشتها فقد أشار إليها بسبابته قائلاً بلهجة شبه آمرة ـ"هيا اغسلي وجهك وغيري ملابسك..سنخرج للعشاء".

إتسعت عيناها وهي تتأمل ملامحه المرهقة قائلة بدهشة ـ"ماذا؟"

لاح شبح إبتسامة على طرف شفته وهو يقول بإرهاق ـ"ماذا ماذا؟ إني أتضور جوعاً وأنت لم تجهزي العشاء فما الحل؟؟ هيا سنتناول العشاء في الخارج".

ترددت وهي تتأمل أصابعها كفيها الرقيقة في حرج قائلة ـ"لا داعي للخروج...سنطلب خدمة التوصيل و...".

اقترب منها باسماً وتناول كفيها في رقة قائلاً ـ"كلا..العشاء في المطعم مقصود كيلا تطاردك الأفكار السوداوية وكي تضطرين إلى الحفاظ على مظهرك ولا تبكين".

ابتسمت رغماً عنها واحتضنت أصابعه بين أصابعها قبل أن تبتعد لتستعد كما طلب منها.
حينها تنهد في عمق وإعتقد أن المشكلة إنتهت على خير.
ولكنها كانت أبعد ما تكون عن الخير...



ففي الصباح التالي حينما إستيقظ (طارق) مبكراً كي يستعد للذهاب إلى عمله جلست في الفراش وإبتدرته بسؤالها ـ"لماذا ستذهب إلى المستشفى الآن؟ مواعيدك اليوم بعد الظهيرة".

أجابها بتلقائية وهو يصفف شعره في المرآه ـ"لقد أرسلوا إلي في الفجر كي أحضر عمليات الدكتور (سلطان) بدلاً منه لأن زوجته تل..".

قطع عبارته فجأة وهو ينظر إلى إنعكاس صورتها في المرآه وقد حمل وجهها تعبيراً غريباً فإلتفت إليها سريعاً كي يعتذر لكنها كانت أسرع وهي تقول بألم ـ"هل علمت المستشفى بهذه السرعة؟"

وضع كفيه على رأسه قائلاً بصبر نافذ ـ"لا حول ولا قوة إلا بالله..أصبحنا وأصبح الملك لله...مالذي علمته المستشفى يا (سمر)؟ ومالحياتنا الشخصية بها؟"

اغرورقت عيناها بدموع سريعة وهي تقول ـ"ما تفسيرك إذاً لهذا الإستدعاء؟ لماذا لم يستدعوا أي جراح آخر؟ لا يوجد تفسير سوى أنهم يعلمون أن زوجتك لن تلد يوماً ولهذا فأنت متاح في أي وقت".

زفر في ضيق وخلل شعره بأصابعه قائلاً ـ"يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم...(سمر) يا حبيبتي..ما أدراك أنهم لم يطلبوا غيري؟ ثم كيف تعلم المستشفى بتقاريرنا الصحية التي أجريناها في مستشفى آخر؟ إستعيذي بالله من شيطانك وهيا لتذهبي معي إلى العمل".

اعتدلت على طرف الفراش وهي تقول ـ"أفضل ألا أذهب اليوم...حالتي النفسية ليست...".

جذبها من كفيها ليوقفها على الأرض قائلاً برقة وكأنه يتعامل مع طفلة كبيرة ـ"الحل الأمثل لحالتك النفسية هو الخروج من البيت..أتنكرين أنك كنت أفضل بالأمس بعد عودتنا؟ هيا إستعدي فلن أنتظر طويلاً".

وأطاعته ثانية وظن أن الأمور في تحسن.


لكنه فوجئ بعد إنتهاء عمله في المستشفى بأنها غادرت منذ الصباح وبأن هاتفها الجوال مغلق.
عاد منهكاً إلى المنزل فلم يجدها، ولم يجد بالطبع ما يأكله.
حاول الإتصال بجوالها ثانية دون جدوى، ثم ما لبث أن أرشده عقله إلى الإتصال بمنزل والدتها التي قالت له بهدوء إن زوجته بحاجة إلى إراحة أعصابها وإلى البقاء وحدها بعيداً عنه لفترة.
لم يحاول الجدال معها لعلمه بأن (سمر) لن تغير رأيها بسهولة وأنها بحاجة إلى وجود أمها إلى جوارها في حالتها تلك.
وإتخذ قراره حينها بالذهاب إلى (هالة)...فمؤكد أنها ستهتم به وسيجد عندها الطعام الساخن والملابس النظيفة و...


قطع عليه تفكيره صوت هاتفه الجوال برسالة من المستشفى تطلبه بشكل طارئ فزفر في ضيق قائلاً ـ"أستغفر الله العظيم...ألا يوجد جراح غيري في هذا المستشفى؟"

قالها وإلتقط سلسلة مفاتيحه وغادر الشقة متجهاً إلى عمله ثانية، والذي إستغرقه حتى الصباح التالي. وحينما أنتهى كان الإرهاق قد بلغ معه حداً يجعله لا يكاد يرى أمامه، فلم يهتم حتى بسؤال زملائه ما إذا حضرت (سمر) إلى عملها أم لا.


غير أنه حينما فتح باب شقته ودلف إليها تبخرت من عقله كل أحلام النوم.
فقد كان شكلها يبدو مختلفاً...
ليس مختلفاً بشكل كبير، ولكنه مختلف بالنسبة لمن عاش فيها طيلة سبعة أشهر أو يزيد، ويتمتع بقوة ملاحظة خارقة


فقد لفت إنتباهه تحرك أحد مقاعد الأنتريه الوثير عن موضعه أمام غرفة النوم، مما يعني أنه كان يعوق خروج شيء من من بابها.
أسرع عند هذه النقطة إلى غرفة نومه وفتح بابها بقوة ليجد خزانة الملابس التي تحوي ثياب زوجته فارغة ومفتوحة على مصراعيها...
إلتفت برأسه إلى حيث المرآة ليلحظ إختفاء عطور زوجته ومستحضرات تجميلها...
وكأنما كان يحتاج إلى براهين أقوى على رحيلها فهرع إلى الحمام وفتحه ليكتشف إختفاء باقي متعلقاتها من شامبو وملطف و و و

حينها أسند ظهره إلى الجدار ورفع كفيه إلى وجهه للحظات قبل أن يخلل شعره بأصابعه ويتجه إلى الهاتف ويطلب رقم والدة زوجته.
وعلى غير هدوؤه المعتاد فوجئ بنفسه يهتف بوالدتها بعصبية ـ"أريد التحدث إلى (سمر) من فضلك".

أجابته والدتها بنفس الهدوء الذي يميزها قائلة ـ"(طارق) يا بُني..لا داعي للإنفعال..فالأمر لا يستحق".
سألها في حنق ـ"إذا كان الأمر لا يستحق فما تفسير إختفاء كل متعلقات (سمر) من شقتها؟"

أجابته بثقة ـ"لقد أخبرتك من قبل أنها بحاجة إلى البقاء بعيداً لفترة، ومن الطبيعي أن تأخذ ملابسها لأنها لن تذهب إلى العمل بنفس الملابس كل يوم".

لم يبد عليه الإقتناع بما قالت، لكنه تنهد في عمق قائلاً ـ"سأتظاهر بالإقتناع بمبرراتك..ولكن من فضلك صليني ب(سمر)".

قالت بصدق ـ"أقسم لك يا بُني أنها في المستشفى...ستعود في المساء...هاتفها حينها وتفاهما سوياً".

هز رأسه بإستسلام ثم ما لبث أن عاد صوته إلى هدوؤه وهو يقول ـ"حسناً إذاً. سأهاتفها حينما أستيقظ".

قالها ثم أنهى المكالمة بود، فآخر ما يريده الآن هو أن يفقد دعم أهلها لموقفه وإصراره على بقائهما معاً.
وفي تكاسل نهض ليأخذ حماماً سريعاً، قبل أن يستلقي على فراشه ويستغرق في نوم عميق.



لم يدر كم مضى من الوقت وهو نائم، لكنه حينما إستيقظ كان الظلام يحيطه من كل جانب والجوع يقرص معدته...تذكر حينها أنه لم يتناول شيئاً منذ مساء اليوم السابق فنهض إلى المطبخ وأعد لنفسه طعاماً سريعاً تناوله بدافع من الجوع فحسب.
وبعد أن قضى ما فاته من صلوات إرتدى ملابسه وخرج إلى منزل أهل (سمر).


كان يتوقع ترحيبها به، لكنها على العكس إستقبلته ببرود وكأنه المسؤول عما بها...
والأدهى أنها لم تستمع إليه وهو يؤكد لها إستعداده وإصراره على مواصلة الحياة معها كأن شيئاً لم يكن...
وفي النهاية فاجأته بطلب الطلاق ثانية.


حينها نهض من مقعده بهدوء يتناقض وغليان مشاعره الداخلي وتنهد في عمق قائلاً ـ"سأتظاهر بأنني لم أسمع شيئاً، وسأنتظر عودتك في بيتنا".

قالها وخرج دون أن يضيف حرفاً، بعدما شعر بضيق يطبق على أنفاسه.

تجول بسيارته قليلاً في شوارع القاهرة المزدحمة قبل أن يجد نفسه بالقرب من النيل في منطقة هادئة.
فنزل من سيارته وإكتفى بالجلوس وهو يدخن ساهماً أمام صفحة النيل وهواء الليل المنعش يداعب شعره ويدغدغ أعصابه المتوترة حتى ما بعد منتصف الليل.
حينها شعر برجفة خفيفة تسري في أوصاله فخرج من شروده ووضع كفيه في جيبي سترته متحركاً إلى حيث سيارته، وأدارها متجهاً إلى شقته.

كان يتمنى الذهاب إلى (هالة) حتى يشعر ببعض الراحة، ولكنه كان يشفق عليها من الدخول في دوامة مشاكله مع (سمر)، لأنها ستلحظ توتره وضيق أعصابه ولن تهدأ حتى يُخرج ما بداخله.
لذا وجه السيارة إلى شقته الخاصة وهرب من ضيقه إلى النوم، عسى أن يرتاح عقله قليلاً.

حينما إستيقظ في الصباح التالي كان يشعر ببعض النشاط، ولكنه لم يستطع تجاهل الشعور بثقل يجثم على أنفاسه فإستهل يومه بتدخين سيجارة علها تزيح ذلك الشعور.

كان يدرك بحكم دراسته أن التدخين لن يفيده وإنما سيضره بشكل قاتل، ورغم ذلك كان يلهي نفسه بالتدخين حتى أجهز على نصف العلبة قبل أن يغسل وجهه.

وعلى عكس ما كان يمني نفسه، لم يزده التدخين إلا ضيقاً فوق ضيق، فنهض يأخذ حماماً منعشاً قبل أن يتصل بالمستشفى ويطلب إجازة عارضة لهذا اليوم بعد مجهود عمليات اليومين الماضيين.

قضى يومه يقلب في قنوات التلفاز، وبين الحين والآخر ينظر في شاشة هاتفه الجوال ليتأكد من تغطية الشبكة، ثم يرفع سماعة الهاتف الأرضي ليتأكد من وجود حرارة...ورغم ذلك لم يأته أي إتصال.
حتى كانت السابعة مساء.

تزامنت دقات ساعة الحائط مع رنة جرس الباب حتى أنه لم ينتبه إليه في البداية
ثم مالبث أن إنتبه مع الرنة الثانية وقام ليفتح الباب...

ولدهشته فقد كانت (سمر) أمامه هي وأمها وزوجها وأبنائه...ووالده.
ألجمته الدهشة للحظات قبل أن يهمس لزوجته ـ"لماذا تدقين الباب ومعك مفتاح؟"

لم تجبه وتهربت من نظراته فأشار إلى ضيوفه بالدخول وهو يقبل ظاهر كف والده بإحترام قائلاً ـ"مرحباً بك يا والدي".

وحينما جلس الجميع في صالة الإستقبال الأنيقة توقع أن يكون الهدف من الزيارة إعادة زوجته إلى بيتها فقال لها بإبتسامة واسعة ـ"لقد فعلت الصواب بعودتك إلى بيتك وبيت زوجك يا (سمر). هو أولى بك".

ولكن ما نطقه زوج والدتها في اللحظة التالية جعل الإبتسامة تتجمد على شفتيه و..





خرج من ذكرياته على صوت (هالة) الحنون وهي تسأله بإهتمام ـ"ماذا حدث يا (طارق)"؟

منحها نظرة خاوية وتنهد قائلاً بخفوت ـ"لقد أظهرت التحاليل والأشعات التي أجرتها(سمر) أنها لا تستطيع الإنجاب بأي شكل من الأشكال, ويبدو أنها كانت تعلم بذلك مسبقاً أو أنها أجرت هذه التحاليل من قبل دون أن تخبرني لأنها وافقت مُجبرة على إجرائها معي. وحين تأكدت من استحالة حملها طلبت الطلاق."

سألته بصوت مختنق وعيناها لا تفارقان وجهه ـ"وماذا فعلت؟"

هز كتفيه قائلاً ـ"رفضت بالطبع. إنها زوجتي وأحبها فلماذا تطلب الانفصال؟"

ازدردت(هالة) لعابها في صعوبة وهي تجيبه قائلة ـ"لأنها تحبك, وحين أيقنت أنها عاجزة عن تحقيق حلمك في أن يكون لك ابناً من صلبك شعرت بأنها تظلمك بالبقاء معها."

هز رأسه نفياً وهو يقول بإصرار ـ" من تحب لا تفعل ما فعلته(سمر)."

قالت بهدوء ـ"إحساسها بالنقص جعلها..."

قاطعها قائلاً بحنق ـ"جعلها ماذا؟ جعلها تترك البيت وتجمع أهلها وأبي لإقناعي بتطليقها؟ جعلها تحرجني أمام كل العاملين بالمستشفى بطلبها الطلاق علانية؟"

اتسعت عيناها في دهشة وقالت باستنكار ـ"أفعلت كل هذا؟ لماذا؟"

هز كتفيه في حيرة قبل أن يقول ـ"لقد كنت مصراً على أن نواصل حياتنا سوياً بشكل عادي, وأن الطب يتقدم كل يوم وأنها قد تستيقظ في أحد الأيام لتجد نفسها حاملاً, وكنت أكثر إصرارا على أنني أستطيع الحياة معها دون أطفال على الإطلاق, إلا أن اهانتنها لي وجرحها لكرامتي أفقدني اتزاني وجعلني أطلقها في غمرة انفعالي أمام الجميع."

شهقت باستنكار قائلة ـ"أتعني أن كل هذا حدث بالمستشفى؟"

أومأ برأسه إيجاباً في صمت ثم ما لبث أن قال ـ"فوجئت بها تأتي إلى شقتنا بصحبة أهلها ووالدي، والذين اجتمعوا لإقناعي بتطليقها, وفوجئت بأبي_ على غير توقع_ يطلب مني أن أطلقها ما دامت تريد ذلك. شعرت بأن شيئاً عزيزاً يؤخذ مني غصباً والمطلوب أن أعطيه عن طيب خاطر, لذا رفضت وبشدة أن أترك زوجتي وأصريت على أنني مازلت أحبها وأن موضوع الإنجاب لا يشكل فارقاً كبيراً بالنسبة لي. ويبدو أن والدي لم يكن يعرف بأمر الإنجاب هذا, إذ إزدادت حدة لهجته فجأة وهو يحاول إقناعي بالطلاق. المهم هو أنني رفضت طلبهم جميعاً وقلت إنها ستظل زوجتي وإنه ما من قوة في الأرض ستجعلني أتركها أو أضحي بها."

وتوقف عن الحكي للحظات أشعل فيها سيجارة بيده اليسرى تاركاً يمناه راقدة بين كفي(هالة), وقال بعد أن نفث الدخان بعيداً عن وجهها ـ"بعد انصرافهم ظل أبي معي يحاول إقناعي بتركها ما دامت غير قادرة على الإنجاب, وأثارني موقفه. شعرت لحظتها بأن الغرض الرئيسي لزواجي منها هو الإنجاب وليس لأننا متحابان. وسألته حينها هل كان رأيه سيظل كما هو لو أن ابنه هو العاجز عن الإنجاب؟ لكنه لم يجبني. وبعد انصرافه أحسست بالدماء تزداد غلياناً في رأسي وعدت إلى التدخين بشراهة."

وتوقف عن الحديث للحظة أخذ فيها نفساً عميقاً من السيجارة أتى على نصفها وتابع بعد أن نفثه في هواء الغرفةـ"لم يغمض لي جفن بقية الليل, وصباح اليوم فوجئت بيدي ترتجف فخرجت من غرفة العمليات محطماً نفسياً. خرجت لأجدها واقفة أمامي عاقدة ذراعيها أمام صدرها وتنظر لي في تحفز. سألتها في هدوء عن سبب وقوفها هكذا فأجابتني ببرود قائلة’طلقني‘. حاولت إثنائها قائلاً أننا سنواصل الحديث في بيتنا فعلا صوتها وطالبتني بتطليقها فوراً واتهمتني بأنني عديم الكرامة لأنني أريد الحياة معها غصباً, فلم أتمالك نفسي وطلقتها".

قالها وعاد لأخذ نفس آخر من السيجارة قبل أن تلتقطها(هالة) من بين أصابعه وتطفئها في منفضة مجاورة وتنهض قائلة في ذهول ـ"أكاد لا أصدق ما تقول, إنك تتحدث عن(سمر) أخرى غير التي طالما تحدثت عنها في حب. لكن تفسيري الوحيد لما فعلت هو أنها أرادت أن تبتعد عنك برغبتها قبل أن تهجرها أنت. ولا تنس أنها كانت تشعر بانعدام الأمان من قبل, وعاد إليها هذا الشعور عندما اكتشفت مشكلتها تلك. قد يكون رد فعلها مبالغاً فيه ولكنني واثقة من أنها مازالت تحبك وأنها ستهدأ بمرور الوقت. وقريباً جداً ستعودا إلى منزلكما سوياً."

هز رأسه نفياً وقال بشك ـ"أستبعد ذلك."


وبداخله كان يشعر بأن قلبه لم يعد عاشقاً كسابق عهده.


**************************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 07:00 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الدمعة الحادية والعشرون


21 -


طرقت (هالة) باب غرفتها المفتوح بهدوء وهي تنظر إلى (طارق) يعدل رباط عنقه في المرآه، فابتسم بعذوبة لصورتها المنعكسة وعيناه تحملان تساؤلاً عما تريده.
دلفت إلى الغرفة بنعومة وهي تتنحنح بحرج قائلة ـ"هل ستتأخر اليوم في المستشفى؟"

التفت إليها وهو يغلق أزرار معصميه قائلاً بنفس الإبتسامة ـ"أعتقد ذلك...فلدينا اجتماع مع المدير العام".

قالها وتنحنح وهو يعدل ياقة قميصه بشكل سينمائي ويضيف ـ"يبدو أنه سيكافئني على مجهودي الخرافي في الفترة السابقة وكأنني الجراح الوحيد بالمستشفى..ولهذا أرتدي الملابس الرسمية".

ضحكت على عبارته وهي تلتقط السترة من فوق الفراش وتساعده في ارتدائها قائلة ـ"ستكون هذه المكافأة إستجابة لدعاء أمي لك..فهي تدعو لك أكثر مما تدعو لي ولأبنائي".

أدخل ذراعه في كم السترة التي تمسكها (هالة) قائلاً بمرح ـ"أهذه غيرة؟ أم محاولة للوقيعة بيني وبين أمي؟"

ضحكت ثانية وهي تعود لتقف أمامه وتربت على كتفه قائلة بنبرة خاصة ـ"لا غيرة ولا شيء..ربنا يهني سعيد بسعيدة".

ضحك هو لطريقتها في الحديث قبل أن يكتسي صوته بالجدية وهو يقترب بوجهه منها ويسألها بود ـ"المهم...بعد الاجتماع سأجري جراحتين بإذن الله..أي أنني سأعود بعد العاشرة مساء إن شاء الله. هل أجبت سؤالك؟"

تخضب وجهها خجلاً لإقترابه منها فتراجعت قليلاً وهي تزدرد لعاباً وهمياً وتحاول أن تقول بشكل طبيعي ـ"تقريباً..بعد إذنك ستأتي (نهى) صديقتي لتزورنا بعد المغرب".

تناول ساعة يده وهو يسألها بإهتمام ـ"هل تريدينني أن أستقبل زوجها؟"

قالت في سرعة ـ"كلا...سيوصلها أخاها بسيارته فقط..زوجها مع الأولاد في الخليج وهي هنا في زيارة قصيرة لتطمئن على والدتها المريضة".

عقد حاجبيه للحظات لاح فيه الضيق على وجهه قبل أن يسألها وهو يلتقط جواله من جوار الفراش قائلاً بروتينية ـ"وهل زرت أنت والدتها؟ عهدي بك أنك تعرفين الواجب".

قالت بثقة ـ"طبعاً زرتها وإستأذنت منك قبلها".

التفت إليها وعادت ابتسامته الهادئة إلى وجهه وهو يقول ـ"دائماً أقول إن الذوق كله عند (هالة) دون جميع النساء".

إلتهب وجهها من الخجل وهي تخفضه أرضاً وتتمتم ـ"شكراً".

أربكه خجلها غير الطبيعي فضغط فكيه بقوة لثوان قبل أن يسألها ـ"هل أشتري بعض الحلويات وال..".

قاطعته في سرعة لتفلت من حيائها ـ"كلا..سأصنع حلوى مميزة نحبها وهي ستحضر معها القهوة العربية التي اشتقت لرائحتها".

مد يده يلتقط علبة السجائر والولاعة وهو يقول مازحاً ـ"أهم شيء أن تتركوا لي جزءاً من هذه الحلوى".

تابعت عيناها كفه وهو يلتقط علبة السجائر ويهم بوضعها في جيبه فأسرعت تقول بضيق ـ"ألم يكفك أكثر من شهر؟"

توقفت يده في الهواء وعقد حاجبيه مستفهماً لتتابع هي بنفس الضيق ـ"لقد عدت إلى التدخين منذ أكثر من شهر...أدرك أن ما مررت به صعب ولكنك أقوى من أن تخضع لسيجارة".

خفض عينيه أرضاً ثم عاد يرفعهما قائلاً بجمود ـ"أخبرتك أنني أدخن كلما شعرت بالضيق، وليس طوال الوقت".

أدهشته بحنانها وهي تقول ـ"فلماذا لا تعيدها إلى عصمتك إذاً؟ لماذا تكابر وتقاوم حبها في قلبك؟"

إتسعت عيناه في دهشة وهو يسألها باستنكار ـ"ماذا تقولين يا (هالة)؟ أي حب هذا الذي أقاومه؟ لقد كنت أعيش وهماً كبيراً وأفقت منه".

قالت بنفس الحنان ـ"لا تعاند نفسك...أعتقد أن شهراً فترة كافية جداً كي تهدأ أعصابكما وتبحثا ...".

قاطعها قائلاً بحدة أخافتها ـ"نبحث ماذا؟ إنها ليست قضية السلام...لقد إنتهى الأمر ولا يستحق إعادة النظر فيه..هي أهانتني أمام الجميع، وكرامتي لا تسمح بأن أتركها على ذمتي بعد ذلك".

حاولت تهدئته قائلة بإبتسامة مرتبكة ـ"ولكن حبكما..".

قاطعها وهو يشير إلى قلبه قائلاً ـ"قلبي قبل كرامتي لا يقبل الإهانة..هي باعت هذا القلب وتمسكه بها، وأنا كذلك لم أعد بحاجة إليها. لقد كنت وفياً لها حتى النهاية وكنت مستعداً للتضحية من أجلها بكل شيء..لكنها باعتني عند أول منعطف".

قالها وزفر بعمق قبل أن يستغفر ربه بصوت خافت ويعود ليرسم ابتسامته العذبة ويقول ملوحاً بسبابته في تحذير ـ"دعك من هذا..لا تنسي نصيبي في الحلوى".

ثم تابع وهو ينظر إلى علبة السجائر في كفه قائلاً ـ"وإذا كانت السجائر تضايقك أعدك ألا أدخن ثانية".

وأقرن قوله بالفعل وهو يلقي بعلبة السجائر في سلة مجاورة للفراش ويعود بوجهه إليها مازحاً ـ"لقد توقفت عنها من أجلك قبل ذلك، وها أنذا أتوقف ثانية من أجلك".

وبحركة عابثة أشار إلى وجنته وهو يخرج من الغرفة قائلاً ـ"ألا أستحق مكافأة لأنني أطيع زوجتي؟"

قالها ومضى إلى عمله تاركاً (هالة) وقد إتسعت عيناها في ذهول من جرأته التي جعلتها تشتعل حرجاً للمرة الثالثة خلال أقل من نصف ساعة.



حاولت ألا تُحمل مزحته أكثر من معناها وهي تُلهي نفسها بأعمال المنزل التي لا تنتهي مستغلة أنها في إجازة عارضة من عملها بالمدرسة.
ولكن حينما ارتدت ملابسها إستعداداً للقاء صديقتها وقفت تتأمل نفسها قليلاً في المرآة.


لم تكن ملابسها ملفتة قياساً بما إعتادت إرتداؤه لإستقبال صديقاتها حينما كانت في الخليج.


كانت ترتدي سروالاً قصيراً من الجينز يصل إلى منتصف ساقها وبلوزة قطنية حمراء ناعمة بدون أكمام زانتها رسوم لبالونات مختلفة الألوان.


كانت تبدو أصغر سناً في هذه الملابس، وخاصة بعدما أضافت رتوشاً هادئة من مساحيق الزينة لتبرز جمال عينيها السوداوين وتزيد غموضهما، ورفعت شعرها الأسود الفاحم قليلاً ليصل إلى منتصف ظهرها بدلاً من نهايته.


ورغم ذلك راودتها هواجس أن يراها (طارق) هكذا ويسيء فهمها.


إنها ترتدي هذه الملابس لأنها تشتاق لأوقات مرحها مع صديقتها،
تماماً كما تشتاق لأوقات برائتها قبل أن تتزوج وتخنقها المسؤوليات.

وبتمرد غريب عليها أكملت وضع زينتها بأحمر الشفاه اللامع وهي تتمتم لنفسها في المرآة قائلة ـ"(طارق) لن يعود قبل العاشرة، وحينها تكون (نهى) قد عادت إلى منزلها وأزلت أنا مساحيق التجميل وعدت إلى ملابسي المعتادة...لا يُعقل أن أقابلها مثل ربات المنازل اللائي يهملن أنفسهن...كفاني إهمالاً".

قالتها وأعادت تأمل نفسها وقد ارتسمت ابتسامة رضا على شفتيها ولسان حالها يقول "نعم كفاني إهمالاً".


**************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 07:03 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الثانية والعشرون


22 -

"ماذا؟؟ ساعدته في الزواج من أخرى؟"


هتفت (نهى) بهذه العبارة في ذهول واستنكار بالغين وهي تتأمل صديقتها تتابع في بساطة ـ"(نهى)..لا تنسي أننا تزوجنا مرغمين، ولم يكن من المعقول أن أفرض نفسي عليه كزوجة وأنا التي كانت تعارض فكرة الزواج من الأساس".


ضربت (نهى) كفاً بكف وهي تقول في حيرة ـ"لا حول ولا قوة إلا بالله.. وأنا التي توقعت أن أجدك تحملين طفله على ذراعك. الغريب أنني لم أشك لحظة في سعادتك أثناء حديثنا على الإنترنت وحينما قابلتك في بيت والدتي الأسبوع الماضي".


أزاحت (هالة) خصلات شعرها عن وجهها وهي تقول بهدوء غريب ـ"لأنني سعيدة بالفعل...سعيدة بهذه الحياة أياً كانت، ولم أكن لأخبر مخلوقاً بحقيقة علاقتي ب(طارق) لولا سؤالك المُلح عن سبب عدم إنجابنا حتى الآن".


تخضب وجه (نهى) خجلاً وهي تقول بحرج ـ"آسفة يا (هالة)، لم اقصد التدخل في حياتكما..لكنني توقعت أن...".


ربتت (هالة) على كفها قائلة بودـ"حبيبتي أنت أختي التي لم تلدها أمي، ولهذا فتحت قلبي لك".


احتضنتها (نهى) بحب صادق قائلة ـ"يعلم الله وحده مدى حبي لك منذ عرفتك".


ثم ابتعدت عنها وهي تمسح دمعة حائرة على طرف عينها قائلة ـ"المهم كيف هي زوجته تلك معك؟"


هزت (هالة) كتفيها قائلة بلامبالاة مصطنعة ـ"لم أرها سوى في صور الزفاف التي أحضرها (طارق) خلسة كيلا يراها الأولاد..هي فاتنة تبارك الله، وفي عينيها شقاوة محببة و..".


قاطعتها (نهى) قائلة بغيظ ـ"لم أسألك عن رأيك فيها يا (هالة)...أنا مقهورة مما فعلته أنت أصلاً...تسلمينه بيديك إلى أخرى؟؟ ماذا ينقصك أنت كأنثى ها؟؟؟ أشك أنك ارتديت ملابس كهذه أمامه".


شهقت (هالة) في استنكار قائلة ـ"أجُننت؟ كيف يراني هكذا؟ كلانا يعامل الآخر كأخ وصديق، ولا ينبغي أن يتغير ذلك".


سألتها صديقتها بضيق ـ"أخ وصديق؟؟؟ اصبري إلى أن تلد له وحينها سينسى أخته وصديقته وأبنائها و..".


قاطعتها (هالة) هذه المرة وهي تقول بنرة محايدة ـ"إطمئني...لن تنجب".


اتسعت عينا (نهى) وهمت بالتعقيب لولا أن سبقتها (هالة) بقولها ـ"لقد انفصلا".


بدت (نهى) وكأنما أخرستها الصدمة فتابعت (هالة) قائلة ـ"طالبته بالطلاق حينما علمت بأنها لن تستطيع الإنجاب..وطلقها منذ شهر".


لاح بريق ماكر في عيني (نهى) لم يخف عن عيني (هالة) التي قالت في سرعة وكأنها تدفع عنها إتهاماً مباشراً ـ"لقد حاولت معه أكثر من مرة أن يعيدها إلى عصمته، ولكنه يثور في كل مرة..حتى هذا الصباح ثار و...".


قاطعتها (نهى) بإببتسامة هادئة قائلة ـ"(هالة)..أنت تحبينه".


رفعت (هالة) رأسها في حدة وإستنكار فتابعت (نهى) بنفس الهدوء الواثق قائلة ـ"لا تحاولي الإنكار...أنت تحبينه ولكن كبريائك يمنعك من مصارحته بهذا الحب بعدما ابتعد عنك في بداية زواجكما".


حاولت (هالة) الإعتراض ولكن صديقتها تابعت قائلة ـ"أدري أنك كنت ترفضين فكرة الزواج وأنني أقنعتك بها على مضض، وأنه لو لم يضايقك ذلك الموظف يومها لربحت رهانك مع نفسك وظللت أرملة (حازم) رحمه الله. ولكنك أنثى في المقام الأول يا (هالة). أنثى تحب أن تشعر بضعفها وحاجتها إلى رجل يقف إلى جوارها. وحينما يكون الرجل حنوناً، لا تستطيع الأنثى الفكاك من أسر حنانه. صدقيني الحنان هو السلاح الوحيد الذي لا تستطيع المرأة مقاومته."


تاهت نظرات (هالة) بعيداً ولم تحر جواباً وهي تسمع صديقتها ومرآة روحها تقول بصدق وحالمية ـ"ربما تستطيعين مقاومة الحب ووأده في مولده بحجج عديدة، وستنجحين في ذلك. أما الحنان فهو الشعور الذي يدغدغ مشاعرك رغماً عنك ويدفعك إلى التعلق بهذا الشخص وكأنك مسلوبة الإرادة".








أطرقت (هالة) بنظرها إلى الأرض وكلمات صديقتها تدوي في عقلها.
نعم هي تحبه، وتحب حنانه عليها وعلى أطفالها، وحتى على أمها.
حنانه الصادق الذي لا رياء فيه، ولا هدف خلفه.
ربما يبدو ضعيفاً أحياناً أمام والده، ولقد خذلها أمامه من قبل.
لكنها تغاضت عن ألمها من هذا الموقف بعدما أخبرها بأنه يحب أخرى سواها، لأن ألم مصارحته كان أقوى.





لم تكن تتوقع منذ البداية أن يكون زوجاً طبيعياً لأرملة شقيقه الوحيد بعد عام من وفاته.
ولكنها حاولت أن تبدو زوجة طبيعية كيلا تلعنها الملائكة.
ورغم إبتعاده عنها، ومحاولاته الهروب من أن يجمعهما وقت النوم معاً، لم تمنع نفسها من الإشفاق عليه.
فهو طبيب وسيم وخلوق ومن أصل طيب تتمنى أعرق العائلات نسبه، ومع ذلك أُجبر على الزواج من أرملة لديها ثلاثة أطفال.





أياً كان حبه لأبناء أخيه، وأياً كان إحترامه وطاعته لأبيه، فلابد وأن يحب نفسه أكثر.
لابد وأن تكون له زوجة خاصة به يبدأ معها حياته وأحلامه.
زوجة لم تكن لغيره من قبل.




ولهذا شعرت بأنها مدينة له بمعروف لابد من رده.
وهنا داست على قلبها وحافظت على ما تبقى من كرامتها وفضلت أن تساعده في الزواج من محبوبته.
فأن يبقى إلى جوارها وأطفالها أخاً وأباً أفضل من أن يكون لها زوجاً لا يشعر بها ولا يبادلها أية مشاعر، بل وربما يلعنها سراً لأنها كانت سبباً في ضياع حبه.




هو ضحى من أجلها، وهي قادرة على التضحية بدورها.



ومن هنا كان إصرارها على إتمام المعروف إلى النهاية، وإعادة (سمر) إلى (طارق) و...





"(هالة)....أين ذهبت؟"


أجفلت (هالة) وهي تشعر بلمسة صديقتها لكفها فالتفتت إليها في شرود وابتسامة باهتة على شفتيها لتسمعها تتابع ـ"فيم تفكرين؟"


أجابتها (هالة) في هدوء ـ"لا أنكر أنك على حق...ولكني لا أستطيع تغيير موقفي. لقد طوقني هو و(سمر) بمعروفهما، ولابد من رد الجميل".


سألتها صديقتها بعدم إقتناع ـ"على حساب قلبك؟"


أجابتها بثقة ـ"على حساب أي شيء سوى أولادي".


ثم ما لبثت أن هتفت بصديقتها بلهجة مرحة لتغير الموضوع ـ"(نهي) يا ماكرة...ألهيتني في الحديث كيلا أشرب القهوة وأنت تعلمين مدى شوقي إليها..هيا أفرغي لي فنجاناً فرائحتها تزكم أنفي".


قالتها وتظاهرت بتقديم الحلوى لصديقتها التي تناولت حافظة القهوة لتفرغ منها وهي تتابع (هالة) بنظرات آسفة.



جلستا لدقائق في صمت وكلتاهما تحتسي القهوة وعقلها شارد بعيداً عن حدود الغرفة، ولم يخرجا من شرودهما إلا على صوت جرس الباب فقالت (نهى) في دهشة ـ"هل تنتظرين أحداً؟"


هزت (هالة) رأسها نفياً وهي تضع فنجانها على الطاولة قائلة ـ"كلا..عمي لم يخبرنا أنه قادم..ربما كانت (سناء) جارتي".


لم تكد تتم عبارتها حتى تناهى إلى مسامعهما صوت (هاني) الشقي وهو يهتف بجذل ـ"لقد عاد بابا..لماذا لم تفتح بالمفتاح؟"


بلغت دهشتها الذروة وهي تحدق في وجه صديقتها التي ابتسمت بمكر فأشاحت (هالة) بكفها في ضجر قائلة ـ"أمر غريب..لقد أخبرني أن لديه جراحتين بعد الإجتماع مع المدير..اللهم سترك".


قالتها ونهضت باتجاه الباب وفتحته قليلاً وهي تنادي ابنها قائلة ـ"(هاني)...تعالى هنا".


أتاها الصغير يقفز كعادته وهو يقول في سرعة ـ"لقد عاد بابا (طارق)".


قالت بهدوء ـ"أعلم ذلك يا حبيبي..هيا أحضر إسدال الصلاة من غرفة جدتك و(هند) ولا تصدر ضوضاء..فربما كان بابا (طارق) منهكاً من العمل".


أومأ الصغير برأسه وأسرع لينفذ طلب أمه التي تناهت إلى مسامعها عبارة تهكمية



"إسدال الصلاة؟؟؟!!!!!!"

جلستا لدقائق في صمت وكلتاهما تحتسي القهوة وعقلها شارد بعيداً عن حدود الغرفة، ولم يخرجا من شرودهما إلا على صوت جرس الباب فقالت (نهى) في دهشة ـ"هل تنتظرين أحداً؟"

هزت (هالة) رأسها نفياً وهي تضع فنجانها على الطاولة قائلة ـ"كلا..عمي لم يخبرنا أنه قادم..ربما كانت (سناء) جارتي".

لم تكد تتم عبارتها حتى تناهى إلى مسامعهما صوت (هاني) الشقي وهو يهتف بجذل ـ"لقد عاد بابا..لماذا لم تفتح بالمفتاح؟"

بلغت دهشتها الذروة وهي تحدق في وجه صديقتها التي ابتسمت بمكر فأشاحت (هالة) بكفها في ضجر قائلة ـ"أمر غريب..لقد أخبرني أن لديه جراحتين بعد الإجتماع مع المدير..اللهم سترك".

قالتها ونهضت باتجاه الباب وفتحته قليلاً وهي تنادي ابنها قائلة ـ"(هاني)...تعالى هنا".

أتاها الصغير يقفز كعادته وهو يقول في سرعة ـ"لقد عاد بابا (طارق)".

قالت بهدوء ـ"أعلم ذلك يا حبيبي..هيا أحضر إسدال الصلاة من غرفة جدتك و(هند) ولا تصدر ضوضاء..فربما كان بابا (طارق) منهكاً من العمل".

أومأ الصغير برأسه وأسرع لينفذ طلب أمه التي تناهت إلى مسامعها عبارة تهكمية


"إسدال الصلاة؟؟؟"


إلتفتت في حدة لصديقتها قائلة لتغيظهاـ" لا تتخيلي أنه سيراني في هذه الملابس...نجوم السماء أقرب لك".

لم تتمالك (نهى) نفسها من الضحك وهي تراقب صديقتها ترتدي إسدال الصلاة وتحكم طرحته فوق شعرها ووجهها كما لو كانت تستعد للصلاة بالفعل، فقالت بسخرية وهي تنهض لترتدي عبائتها السوداء ـ"هل تتوقعين أن يصدق زوجك أنك كنت معي بإسدال الصلاة؟"

هتفت بها (هالة) في حنق قائلة ـ"اجلسي وسأنادي أمي تجلس معك..منذ تركتنا لصلاة العشاء وهي مع الأولاد..سأناديها وأرى سبب عودة (طارق)".

حاولت(نهى)الإعتراض فلوحت(هالة)بسبابتها محذرة وهي توسع عينيها كما تفعل مع أبنائها وهي تحذرهم قائلة ـ"قلت اجلسي...ستسافرين قريباً ولا أدري متى اراك ثانية".

قالتها وخرجت إلى غرفتها مع (طارق) الذي كان يوليها ظهره ويخلع سترته.
طرقت الباب بهدوء كالعادة وهي تسأله بقلق ـ"(طارق) لماذا عدت مبكراً؟ هل أصابك شيء؟"

ضحك من نبرتها القلقة وأجابها وهو يستدير ليواجهها ـ"أعتذر عن الحضور مبكراً، ولكن المريض تراجع عن إجراء الجراحة و..."

قطع عبارته وهو يتأملها للحظات وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة.


كان واثقاً من أنها ارتدت الإسدال الآن فقط حين وصوله، وأنها ترتدي تحته شيئاً آخر.
فمع زينتها الرقيقة تلك لا يمكن أن تجلس مع صديقتها بإسدال الصلاة.
لذا قال مشاكساً ـ"ماهذا؟ صوان ملابسك يمتليء بالملابس من كل نوع وتقابلين صديقتك بالإسدال؟"

أربكها سؤاله وحارت في الإجابة للحظات قبل أن تقول بإرتباك ـ"ل..لقد كنت معها في الشرفة لترى صندوق العصافير الذي أحضرته ل(هند) في يوم مولدها، ولذلك ارتديت الإسدال".

تظاهر بتصديقها وهو يتجه إليها قائلاً ـ"أهااا...حسناً. أريني ماذا ترتدين إذاً".

زاد ارتباكها والتهب وجهها خجلاً وهي تشعر بإقترابه فقالت لتخرج من الغرفة ـ"لا يصح أن أترك صديقتي الآن...سأذهب لأودعها وأجهز لك العشاء..ألا تتضور جوعاً؟"

تحسس معدته بكفه قائلاً بألم مصطنع ـ"جئت على الجرح..نعم أتضور جوعاً...أخبريني أولاً أين نصيبي من الحلوى؟"

أشارت بكفها إلى الحمام الملحق بالغرفة قائلة ـ"غير ملابسك وريثما تنتهي من حمامك يكون طبق الحلوى في انتظارك..المهم ألا تكثر منها وإلا فقدت شهيتك".

تحسس معدته ثانية وهو يتجه إلى الحمام قائلاً ـ"لا تقلقي...فأنا اليوم أتضور جوعاً بالفعل".


لم تتحرك من موقعها عند باب الغرفة إلا حينما لمحته يغلق باب الحمام، فأسرعت إلى صوان ملابسها وفتحته لتلتقط أول بلوزة حريرية صادفتها في سرعة قبل أن تغلق الصوان وتغادر الغرفة في خفة ونبضات قلبها كقرع الطبول في أذنيها.

وعند باب غرفة الصالون التي كانت تجلس بها مع صديقتها فوجئت بوالدتها تحاول إقناع(نهى)بالبقاء قليلاً وسمعتها تعتذر قائلة ـ"كان بودي البقاء أكثر، ولكن ينبغي أن أعود إلى أمي، فسأسافر بعد غد إن شاء الله ولابد أن أقضي الفترة الباقية معها".

تدخلت (هالة) في الحديث قائلة ـ"ولكن الحديث لم ينته بعد، وكذلك القهوة".

قبلتها صديقتها على وجنتيها قائلة ـ"نكمل حديثنا على الهاتف، وبعدها على الإنترنت. أعدي القهوة كل خميس واشربيها معي على الماسنجر".

ثم صافحت والدة صديقتها واتجهت إلى باب الشقة قبل أن تلتفت إلى صديقتها التي تبعتها قائلة بضحكة مكتومة وهي تشير إلى البلوزة الحريرية التي تمسكها بيدها قائلة ـ"ارضي بقدرك يا (هالة) وخذي بنصيحتي...أراك على خير".

احتضنتها (هالة) واستودعتها قائلة ـ"لقد أستودعتك، فلا تجعليني أرتكب جريمة الآن...هيا مع السلامة".


وحينما أغلقت الباب خلف صديقتها هرعت إلى غرفة ابنتها لترتدي البلوزة الحريرية فوق بلوزتها الحمراء.
ولكن لسوء حظها لم تنتبه إلى البلوزة إلا متأخراً...


فقد كانت البلوزة شبه شفافة
جزء منها لامع مثل الساتان، وجزء آخر أقرب إلى الشيفون الشفاف
وبالتالي كانت البلوزة الحمراء واضحة من تحتها


دارت بعينيها في الغرفة تبحث عما يمكنها إرتداؤه بدلاً من تلك البلوزة، لكنها لم تجد سوى إسدال الصلاة، وهو طلب منها أن يراها دونه.


راودتها نفسها بالعودة سريعاً إلى الغرفة لتأخذ بلوزة أخرى قبل أن يخرج من الحمام، وعزمت أمرها على ذلك.
لكنها ما أن خرجت من غرفة الصغيرة حتى تناهى إلى مسامعها صوته يناديها من غرفتهما قائلاً ـ"أين الحلوى يا (هالة)؟ لا تقولي إنها إنتهت".

غاص قلبها بين ضلوعها للحظات قبل أن تجد صوتها لتقول بهدوء ـ"حالاً يا (طارق)".

واتجهت إلى المطبخ لتجهز طبقه وهي تدعو الله ألا يلحظ (طارق) ارتباكها.



**********************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 07:07 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الثالثة والعشرون


23 -

دلفت (هالة) إلى غرفتهما وهي تحمل صينية أنيقة عليها طبق الحلوى وحافظة القهوة وفنجان صغير وضعتهم على مائدة صغيرة تتوسط مقعدين وثيرين في طرف الغرفة هامسة ـ"الحلوى والقهوة".


إلتفت إليها (طارق) الذي كان أنهى للتو حمامه وقال لها في سرعة ـ"أدركيني بقطعة سريعاً...أشعر بأن جسدي فقد كل ما به من سكريات".


قدمت إليه الطبق وبه شوكة صغيرة وانتظرت أن يلتقطه منها، لكنه قال بتذمر مشيراً إلى كفيه ـ"(هالة)..ألا ترين أن يداي ملطخة بكريم الشعر..من فضلك ضعيها في فمي".


أربكها طلبه وحاولت أن تتماسك وهي تتناول الشوكة وتحاول أن ترفع بها قطعة من الحلوى، ولكن إضطرابها وخجلها جعلاها تعجز عن السيطرة على الشوكة في الوقت الذي يراقبها فيه (طارق) بضجر قائلاً ـ"(هالة)...بالله عليك دعك من الشوكة..فأنا أثق في نظافة يديك".



رفعت عينيها إليه بدهشة وحاولت أن تتحكم في دماء الخجل التي تصاعدت بقوة إلى وجهها وعقلها يهتف بها محنقاً ’ماذا بك يا غبية؟ سيلحظ ارتباكك وقد يسيء فهمه..تعاملي بطبيعية كما كنت تفعلين دوماً..مالفارق بين أن تطعميه الحلوى بيديك الآن وأن تسقيه الحساء وهو مريض من قبل؟‘


استجابت لعقلها الباطن سريعاً ورسمت ابتسامة محايدة على شفتيها وهي تلتقط قطعة من الحلوى بين أصابعها وتقترب منه لتضعها في فمه برفق وهي تمسك الطبق بيدها الأخرى تحت ذقنه وتحاول ألا تلتقي أعينهما.
سمعته يتلذذ بطعم الحلوى ويقول بإستمتاع ـ"مممممممم سلمت يداك يا (هالة)...طعمها رائع".



ابتسمت بثقة هذه المرة وهي تسمعه يطلب قطعة أخرى بعد أن ابتلع الأولى فاقتربت لتضع قطعة ثانية في فمه بعد أن دهن شعره بالكريم، ولكنه أمسك كفها بحركة مباغتة ومال برأسه يلتقط الحلوى بشفتيه من بين أصابعها قبل أن يلعق سبابتها ووسطاها وإبهامها قائلاً ببطء وهو يتعمد النظر في عينيها ـ"طعمها هكذا أفضل".


فاجأتها حركته ففقدت ثقتها المزعومة وعادت إلى ارتباكها السابق وهي تشعر بسخونة غريبة تعتريها جعلتها تحاول جذب يدها وهي تشعر باقترابه أكثر وهو يتشممها هامساً ـ"ما هذه الرائحة الطيبة؟"


أجابته بحروف متقطعة من الإرتباك والحرج ـ"إنها رائحة القهوة و...".


هز رأسه نفياً وهو يواصل الإقتراب حتى صدمها بأنفاسه وصوته لا يزال هامساً ـ"كلا...إنها رائحتك أنت..فأنا لا أخطئها".


خفضت وجهها أرضاً هرباً من وجهه الذي اقترب منها بشكل غير مسبوق، وحاصرتها أنفاسه التي إختلطت فيها رائحة نعناع معجون الأسنان برائحة الشيكولاتة في الحلوى












كانت في قرارة نفسها تتمنى هذا القرب وتنتظره
لكنها كانت أيضاً ترفضه لأنها لا تراه من حقها
وربما لأن كرامتها تأبى الرضوخ لمن نبذها من قبل
فلماذا هذه الرجفة إذاً كلما إقترب
ولماذا يخفق قلبها مع كل همسة ولمسة ولفتة؟
ولماذا...












خرجت من شرودها على لمسته فشهقت بعنف وهي تبتعد عنه وتدفعه بعيداً بقوة هاتفة ـ"ماذا تفعل؟"


أجابها ببساطة أغاظتها ـ"أريد رؤية ملابسك التي كنت ترتدينها قبل عودتي...لقد لمحتك تلتقطين هذه البلوزة من الصوان بعد دخولي الحمام، وخمنت أنك سترتدينها. وأنا...".


قاطعته قائلة بلهجة جافة لم يعتدها منها ـ"سأذهب لأعد العشاء...القهوة في الحافظة إذا كنت تود تجربة مذاقها".


قالتها واستدارت تغادر الغرفة في قوة، أو بالأحرى تهرب منها إلى غرفة ابنتها وهي تتمتم لنفسها بغضب ـ"أنا الغبية...لماذا ارتديت هذه البلوزة، لماذا ارتديت هذه الملابس من البداية؟ لماذا خلعت إسدالي...أنا غبية..غبية".


وفي عنف لم تعهده في نفسها إتجهت إلى بعض الملابس المطوية بعناية على فراش والدتها وفتشت بين ملابسها إلى أن وجدت منامة قطنية واسعة طويلة الأكمام فالتقطتها من بينهم وهي تحمد الله في سرها لأنها لم تأخذ ملابسها إلى صوانها بعد غسيلها.
دخلت الحمام الرئيسي وأغلقته خلفها ثم نظرت لإنعكاس صورتها في المرآة التي تعلو الحوض قبل أن تتجه إليه وتغسل وجهها بغيظ وكأنها تنتقم منه لأنه كان يحمل تلك الزينة.
ثم أبدلت ملابسها بالمنامة القطنية وتنهدت بارتياح وهي تنظر إلى شكلها المعتاد ووجهها الخالي من المساحيق وشعرها الأسود الذي عقصته إلى الخلف بعدما رفعت خصلاته القصيرة عن وجهها بمشبك صغير لا يكاد يُرى.
وعلى العكس من عصبيتها قبل دخول الحمام، خرجت (هالة) وهي تشعر بعودتها إلى سابق عهدها وإلى قوتها التي خانتها اليوم.




وفي هدوء، توجهت إلى المطبخ لتجهز عشاء زوجها، أو بالأحرى غدائه الذي لم يتناوله بسبب عمله. وبعد أن رتبت مائدة الطعام طلبت من ابنها (هاني) أن ينادي عمه للعشاء.
ما أن رأته يقترب من المائدة وابتسامته الجذابة تزين محياه حتى أجبرت نفسها على مغادرة الغرفة لولا أن سبقها وهو يمسك معصمها قائلاً بدهشة ـ"ألن تتناولين العشاء معي؟"



التفتت إليه ببرود قائلة ـ"ومنذ متى أتناول العشاء..عشائي منذ عشر سنوات لا يخرج عن الزبادي قليل الدسم وثمرة فاكهة..وقد تناولت الكثير من الحلوى اليوم، لذا لن أتناول العشاء".


استعطفها قائلاً ـ"ولكنني لا أحب الأكل وحدي. على الأقل اجلسي معي".


قالت بنفس البرود ـ"لا أحب أن أبدو كمن يعد اللقيمات..سأنادي (هيثم) و(هاني) ليتناولا العشاء معك".


وبكل ثقة خطت بعيداً عنه وهي تسمعه يقول بإحباط ـ"أولن تسأليني عما حدث بالإجتماع، أو تهنئيني بالترقية؟"


للحظة فقدت برودها وهي تلتفت إليه في سعادة حقيقية بنجاحه، قبل أن يغلف البرود صوتها وهي تهنئه قائلة ـ"ألف مبروك".


ثم ابتعدت لتنادي طفليها إلى العشاء قبل أن تتجه إلى غرفة ابنتها وتحمل الملابس النظيفة عن فراش والدتها وتندس إلى جوار صغيرتها بين أغطيته وتحاول الخلود إلى النوم.
ولكن قبل إنقضاء خمس دقائق شعرت بخطواته في الغرفة وهو يقترب من الفراش وينحني عليها هامساً بخيبة أمل ـ"هل نمت دون قبلة المساء؟"



شددت من إغلاق جفنيها وهي تضغط كفيها تحت الغطاء وتشعر بإقترابه منها وهو يواصل بنفس الهمس ـ"(هالة)..بالله عليك قبلي (هند) نيابة عني..لقد أوحشتني هذه الصغيرة".








لم تدر لم فتحت عينيها فجأة بعد جملته..ربما لأنها شعرت بأن تظاهرها بالنوم أصبح مكشوفاً
وربما لأنه كان يقصد التلاعب بمشاعرها
المهم أنها فتحت عينيها لتلتقي بعينيه للحظات انكمشت خلالها أكثر وسط الأغطية وهو يقترب أكثر معتمداً بكفه على ظهر الفراش وبكفه الأخرى على الفراش نفسه حتى تجاوزها وهو يضيف قائلاً ـ"لقد غيرت رأيي...أفضل أن أقبلها بنفسي".



قالها وهو يقبل الصغيرة على وجنتها بهدوء قبل أن يرفع جذعه ويستقيم ليسألها بلهجة حيادية ـ"هل ستقضين ليلتك هنا؟"


أجابته بهزة من رأسها، ثم مالبثت أن بررت ذلك قائلة بصوت مبحوح ـ"لقد اشتقت إلى مبيتها بين أحضاني".


هز رأسه متفهماً وبدت خيبة الأمل على ملامحه وهو يقول ـ"حسناً..تصبحين على خير".


ودون أن ينتظر ردها دار على عقبيه وغادر الغرفة سريعاً في الوقت الذي دلفت فيه أم (هالة) ورمقتها بنظرة صارمة تدرك معناها جيداً
لم تستطع أن تواجه نظرة أمها فتظاهرت بالنوم لتهرب مما ستسمعه منها
ولكن الأم أدركت محاولتها فاقتربت منها وهي تقول بلهجة ساخرة ـ"هل ستنامين في مكاني الليلة؟ معنى هذا أن أنام أنا إلى جوار (طارق)".



أجابتها (هالة) قائلة بلامبالاة وعيونها لا تزال مغلقة ـ"عادي..زوج ابنتك مثل ابنك".


جلست الأم على طرف الفراش وجذبت الغطاء عن ابنتها قائلة بنفس اللهجة الساخرة ـ"حقاً؟"








للحظة تذكرت (هالة) نفسها وهي تقول نفس الكلمة ل(طارق) في بداية زواجهما حينما طلب منها أن ينفق هو عليها وعلى أبنائها بحجة أنه زوجها.
يومها سخرت منه لأن زواجهما كان صورياً
واليوم تسخر منها والدتها لأن الزواج لا يزال صورياً رغم محاولات (طارق) للتقرب منها
نعم هو يحاول التقرب منها وتحويل الزواج إلى زواج فعلي، بينما تتهرب هي منه وهي تدرك ذلك جيداً
تدرك محاولاته وتدرك تهربها منه لأنها لا تريد أن تكون مرحلة مؤقتة في حياته، أو أن تكون قرصاً مسكناً لآلام قلبه الجريح
ولكنها ملزمة بإطاعته شرعاً، وهي لا تستطيع ذلك.










وكأنما شعرت والدتها بما يدور في خلدها فربتت على كفها قائلة بحنان ـ"(هالة)..أين تدينك؟ أنت حرة في حياتك، ولكني لا أستطيع منع نفسي عن نصحك. فأنت لن تتحملي لعن الملائكة طوال الليل، حتى وإن كان لديك عذراً شرعياً".


ثم قطبت حاجبيها بضيق مصطنع وهي تقول ـ"هيا انهضي إلى غرفتك..لا تشاركيني فراشي، فهو من حق (هند) وحدها الآن...فراشي للفتيات فقط وليس للمتزوجات".


قالتها وهي تجذب (هالة) من الفراش لتنهض بتذمر وتمط شفتيها قائلة ـ"ولكن يا أمي...".


ربتت والدتها على كفها ثانية بتعاطف ومنحتها إبتسامة تشجيع وهي تقول ـ"ابنتي الجميلة مطيعة وتعرف دينها جيداً..والأهم أنها تحب زوجها وتكابر هذا الحب بعناد".


تنهدت (هالة) بعمق وعادت تمط شفتيها وتهز كتفيها بإستسلام قائلة ـ"أمري إلى الله...أمي تطردني من غرفتها ومن أحضانها".


اتسعت ابتسامة والدتها وهي تشير إليها بكفها لتغادر الغرفة.













في هذه الأثناء، كان (طارق) يذرع الغرفة المظلمة ذهاباً وإياباً والضيق يملؤه...
الآن فقط شعر بما كان يمزق (هالة) وهو يتجاهلها
فهاهي الآن تتجاهل كل محاولاته للتقرب منها
ولها كل الحق في ذلك
فهو لم يمنحها حبه وإهتمامه بها كزوجة من قبل
هو صدمها منذ بداية زواجهما ووضع حدوداً للعلاقة بينهما
فلماذا يتوقع منها الآن أن تتقبل منه أي تغيير في هذه الحدود؟
ولكنه يعترف الآن بخطئه...وبحبه
نعم حبه
لقد تغيرت نظرته إلى (هالة) منذ طلاقه من (سمر)
فجأة بدأ ينظر إليها كأنثى
أنثى طالما تعامى عن النظر إليها
أو بالأحرى عن النظر إلى عينيها
لأنه لو كان نظر إلى عينيها منذ زمن لوجد فيهما انعكاس صورته...وانعكاس حبها له
ولكان كل شيء مختلفاً الآن.
للحظة لعن غباءه وغباء قلبه الذي أعمى عينيه
وللحظة أخرى وسوس له شيطانه أن يدخن سيجارة ينفث مع دخانها نيران غيظه
لكنه إستعاذ بالله من شيطانه...لقد وعدها هذا الصباح بالتوقف عن التدخين من أجلها، ولابد أن يلتزم بكلمته
ثم إنه ألقى علبة السجائر أمامها في سلة المهملات بالغرفة، ولابد أنها أفرغت السلة بعد خروجه.
وبدافع من الفضول فقط ألقى نظرة سريعة على السلة المجاورة لفراشه ليجدها خالية تماماً قبل أن يهز رأسه في إعجاب بنشاط (هالة).
ثم مالبث أن عاد إلى غيظه من الموقف الذي يواجهه وهو يقف أمام زجاج النافذة المغلق ويتابع بعينيه أضواء الحي تحته ويعيد حساباته مع نفسه













وفجأة تناهى إلى مسامعه حفيف خطوات هادئة مترددة فإلتفت في لهفة كاد معها يرتطم بالطاولة الصغيرة التي كانت لا تزال تحمل حافظة القهوة
ورآها












رآها وسط الظلام تدلف إلى الغرفة بهدوء عاقدة ذراعيها أمام صدرها كالأطفال وضوء الممر خلفها يخفي ملامحها
لكنه لم يكن بحاجة إلى الضوء كي يرى ملامحها التي نُقشت في ذاكرته
وتابعها وهي تغلق الباب خلفها بهدوء وتقترب من الفراش كالمجبرة فترفع أغطيته وتسمي بالله وهي تضربه ثلاث ضربات خفيفة لطرد الشيطان قبل أن تندس داخله بنعومة


حينها لم يمنع نفسه من أن يتأملها على ضوء القمر الوليد الذي تسلل من النافذة وحمل صوته إبتهاجه وهو يسألها _"هل تراجعت في رأيك وستبيتين هنا الليلة؟"



أجابته بهدوء وهي تنام على جانبها الأيمن قائلة ـ"الفراش لن يكفي ثلاثتنا فإضطررت للعودة".


تقدم إلى الفراش واندس هو الآخر بين أغطيته على الجانب الآخر قائلاً بجذل ـ"الحمد لله أنك عدت..فلنتحدث قليلاً إذاً..لقد أصابتني القهوة التي شربتها قبل العشاء بالأرق و.."


قاطعته قائلة بضجر _"(طارق) أنا مرهقة طوال اليوم في أعمال المنزل، ولا يزال الغد ينتظرني بالمزيد منها".


شعر بمحاولتها الجافة لصده فاعتدل في جلسته مستنداً برأسه إلى ظهر الفراش وهو يعقد ذراعيه أمام صدره قائلاً في احباط ـ"ستنامين وتتركيني وحدي حتى الفجر؟ ألن تسأليني عن..."


إلتفتت إليه فجأة كمن تذكرت شيئاً وهي تقول _"تذكرت..لا توقظني لصلاة الفجر".


قالتها وعادت توليه ظهرها وتعدل من وضع وسادتها تحت رأسها وكأنها لم تقل شيئاً.
أما هو فتعجب من طلبها وهي التي توقظه دوماً لصلاة الفجر إذا تأخر في النوم، لذا سألها في حيرة ـ"لماذا؟"








وكانت إجابتها البسيطة سبباً للمزيد من الإحباط
فقد أجابته وعينيها لا تزال مغلقة _"عذر شرعي"







وانهارت آماله في التقرب منها هذه الليلة.



*********************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 07:09 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الرابعة والعشرون


24-

دلف(طارق) إلى غرفة نومه بخفة وقال في مرح موجهاً حديثه إلى(هالة) ـ"لقد نام الأولاد وكل شيء على ما يرام و..."

بتر عبارته حين وجدها جالسة على الفراش ومستغرقة في تأمل شيء في يدها, فأغلق الباب خلفه واتجه إليها على أطراف أصابعه حتى جلس إلى جوارها وهمس في أذنها بنعومة ـ"فيم استغراقك هكذا؟"

التفتت إليه لتلفح أنفاسه الدافئة وجهها, فارتبكت وعادت بعينيها إلى ألبوم الصور الفوتوغرافية الراقد بين يديها, في حين ألقى هو نظرة سريعة عليه قبل أن يسألها ـ"أهذه(هند)؟"

هزت رأسها نفياً وهي تجيبه بخفوت ـ"كلا, إنها أنا وهذا أبي."

أمعن النظر في الطفلة الجميلة ووالدها الذي ارتدى زي رائد بسلاح الطيران ثم ما لبث أن قال في دهشة ـ"أكان والدك طياراً؟"

أومأت برأسها إيجاباً قائلة ـ"أجل, واستشهد في حرب أكتوبر."

هز رأسه متعجباً وقال ـ"لولا ثقتي في أنني لم أنضم لسلاح الطيران يوماً لظننت أنه أنا."

تنهدت قائلةـ"أنت تشبهه بالفعل, وهذه أول ملاحظة أبدتها أمي حين رأتك في حفل خطبتي على(حازم) رحمه الله, ليس في الهيئة والملامح فقط بل في الطباع أيضاً. الفارق الوحيد أن شعره وعينيه كانا سوداوين، وأنت شعرك بني وعينيك مائلة إلى الأخضر".

ثم تابعت وهي تطيل النظر إلى الصورة قائلة ـ" لقد كان والدي رحمه الله حنوناً للغاية هو الآخر, ويبدو أنه كان يشعر بقصر حياته لذا التقط لي معه أكثر من مئة صورة منذ مولدي وحتى وفاته."

أشار إلى صورتها وهي طفلة وداعبها قائلاً ـ"وهذه الصغيرة الفاتنة هي أنت؟! لقد كنت جميلة جداً في صغرك."

لكزته في جانبه بحركة لا شعورية قائلة بدلال ـ"وهل فقدت جمالي؟"

تناول الألبوم في يده واعتدل في جلسته على الفراش كي يواجهها وهو ينقل بصره بين وجهها والصورة وتظاهر بالجدية وهو يتحسس ملامحها وشعرها ويقارنهما بالصورة قائلاً ـ"دعيني أقارن. العينان واسعتان ولونهما الأسود مثير للغموض, الأهداب طويلة تأسر الألباب, الأنف صغير ورقيق, والفم موسوعة جمال؛ أما الشعر فشلال حريري لم أر في جماله من قبل. لو أردت رأيي فقد زادت فتنتك وجمالك أضعافاً."

ارتبكت من لمساته التي بدت أشبه بتيار كهربائي، وتضرج وجهها خجلاً فخفضته أرضاً في حرج وحاولت النهوض من جواره في سرعة, إلا أن يده كانت أسرع وهي ترفع وجهها إليه ثانية وتابع مضيفاً في إعجاب واضح ـ"وأجمل ما فيك هو تورد وجهك هكذا."

أبعدت وجهها عن يديه قائلة بحرج بالغ ـ"ما هذا؟ هل تغازلني؟"

اقترب بوجهه من وجهها هامساً ـ"وما المانع؟ ألسنا زوجين؟"

نهضت بعيداً وتنحنحت قائلة ـ"تصور أنني نمت في أحضان أبي في آخر يوم رأيته فيه ولم أرد مفارقته وبكيت بحرقة حينما انصرف, وحدث نفس الشيء مع أولادي قبل وفاة(حازم) رحمه الله. فقد قضى الليل معهم يلعب ويضحك كما لم يفعل من قبل وأصّر على المبيت معهم في غرفتهم. أتراه كان يشعر بدنو أجله؟"

أدرك محاولتها لتغيير دفة الحوار فهز كتفيه وأجابها قائلاً ـ"ربما كان لديه حدساً داخلياً, فكثيراً ما كان يفعل أشياء بناء على حدسه هذا وتنجح, على عكسي تماماً بحكم اختلافنا منذ الصغر."






وقفت أمام النافذة وشردت بذهنها بعيداً إلى نحو عامين لتتذكر تفاصيل اليوم السابق على وفاة (حازم).
يومها كانت ترتب المنزل نحو الحادية عشرة صباحاً حينما ارتفع رنين الهاتف فجأة، فأجفلت للحظة وهي تشعر بدقات قلبها المتسارعة قبل أن ترفع سماعة الهاتف قائلة باضطراب ـ"السلام عليكم".

أتاها صوته من الطرف الثاني يقول في سرعة ـ"وعليكم السلام..كيف الأحوال؟"

أجابته ودقات قلبها لا تزال سريعة عن معدلاتها ـ"بخير الحمد لله..كيف حالك أنت؟ ليس من عادتك الإتصال وقت العمل".

أجابها بضحكة صافية لم تعتدها من قبل وهو يضيف ـ"لا تخافي..أنا بخير..لقد اتصلت لأطلب منك الإستعداد أنت وأميرتنا الصغيرة...فسنذهب جميعاً لتناول الغذاء في الخارج..في مطعم على الخليج مباشرة"

اتسعت عيناها في دهشة وهي تقول بسعادة طفولية ـ"حقاً يا (حازم)؟ يالها من مفاجأة. لقد يأست من أن نذهب إليه بسبب مشاغلك الكثيرة".

ضحك ثانية للهفتها وهو يقول ـ"وها أنذا مستعد لتنفيذ طلباتكم الليلة. هيا استعدي وسأمرك في الواحدة ظهراً إن شاء الله، ثم نصحب الولدين في طريقنا من مدرستهما".

سألته قائلة ـ"لماذا لا ننتظر إلى الغد؟ إنه الخميس وسيكون الأولاد في أجازة بالفعل و..".

قاطعها قائلاً بمرح ـ"(أم هيثم)..إغتنمي العرض قبل أن يفوتك..وتذكري بيت الشعر ‘إذا هبت رياحك فاغتنمها’".

أكملت بيت الشعر قائلة ـ"‘فإن الريح عادته السكون’. وهو كذلك يا (أبا هيثم). سنغتنم رياحك اليوم..سأكون مستعدة في الموعد بإذن الله".

وما أن أنهى اتصاله حتى بدأت في الإستعداد للخروج والنزهة التي كانت تنتظرها منذ زمن لتذكرها بأيام زواجها الأولى.
قضت وقتاً رائعاً هي والأولاد معه حتى المساء، ثم عادوا جميعاً إلى المنزل بعد أن أحضر (حازم) طعام العشاء معه.
والغريب أن (حازم) لم يترك أبنائه طيلة الليل..
ظل يلعب معهم في مرح وسعادة حتى تجاوز موعد نومهم، ثم أقدم على شيء أدهشها
فقد ضم فراشي (هيثم) و(هاني) وإستلقى عليهما ليتوسد كل منهما إحدى ذراعيه، ربما للمرة الأولى في حياته
وبعد منتصف الليل، وحينما تأكد من إستغراق الولدين في النوم، تسلل (حازم) إلى غرفته مع زوجته التي كانت ترضع (هند) في هذه اللحظة
وبدلاً من أن يترك الصغيرة تستسلم للنوم بين ذراعي (هالة)، حملها في حنان وهو يداعبها بشكل لم تعهده زوجته من قبل.
وبعدما نامت الصغيرة بين ذراعيه، تأملها قليلاً ونقل بصره إلى (هالة) متسائلاً ـ"ترى هل أعيش إلى اليوم الذي أسلمها فيه إلى عريسها؟"

شعرت بقبضة باردة تعتصر قلبها وهي تقول في سرعة ـ"بإذن الله تحضر زواجها هي وأشقائها وتحمل أحفادهم أيضاً".

لاحت نظرة غريبة في عينيه وهو يتأمل زوجته بتمعن وكأنه يقول لها ‘لا أظن’.

أقلقتها نظراته فاقتربت منه تحمل الصغيرة وهي تسمي بالله وتضعها في فراشها قبل أن تعود لتجلس إلى جواره على فراشهما وتتناول كفه قائلة بجزع ـ"ماذا بك يا (حازم)؟ ولماذا هذه النظرة في عينيك؟"

تلاقت نظراتهما للحظات حاولت خلالها سبر أغواره الغامضة عبر عينيه السوداوين الأكثر غموضاً، لكنه أحبط محاولتها وهو يسبل جفنيه ويسند جبهته على جبهتها هامساً ـ"لقد أرهقتك معي كثيراً".

ابتعدت عنه في سرعة كمن مسه تيار كهربي ووضعت كفها على وجنته قائلة بقلق حقيقي ـ"ماذا بك يا (حازم)؟ مالذي تخفيه عني؟ نزهة اليوم خلفها سر كبير. أخبرني ماهو. هل أنت مريض؟ هل...".

قاطعها وهو يضع أنامله على شفتيها برقة إفتقدتها منذ أيام زواجهما الأولى وهمس لها بابتسامة صادقة وهو يداعب خصلات شعرها الأسود قائلاً ـ" السر هو أنني شعرت بتقصيري في حقك، وبأنك تستحقين مني كل كلمات الشكر والتقدير..والحب. أدري أنني كنت جاف المشاعر معك، وأنني لم أمنحك الحب الذي تستحقينه رغم أنك منحتني السعادة التي يتمناها أي زوج بهدوؤك وطاعتك وأدبك وتدينك وكل صفاتك الجميلة".

وتابع وهو يضمها إليه بكل حب قائلاً ـ"قد لا أجيد التعبير عن الحب بالكلمات، فهذا طبعي الذي ورثته عن والدي. ولكنني قررت أن أعوضك الليلة كل ما فاتك، وأن أشكرك بطريقتي الخاصة".

كانت كلماته الرقيقة غريبة على أذنيها، ولم تفلح في طمأنة قلبها الذي لا تزال تلك القبضة الباردة تعتصره.
وازداد توترها في الصباح حينما استيقظت متوقعة أن تجد نفسها بين ذراعيه..لكنه كان قد رحل إلى عمله
رحل دون أن يودعها أو يودع أبنائهما
وقبل أن تستوعب الوقت وتبدأ حواسها في العمل...كان صوت الإنفجار
الإنفجار الذي دوى في أحشائها قبل أن تسمعه بآذانها
الإنفجار الذي أودى بحياة زوجها ووالد أبنائها
ال.....





قطع (طارق) تدفق ذكرياتها وهو يسألها في دهشة ـ"أين شردت؟"

إلتفتت إليه بعينين خاويتين وكأنها لا تزال تعيش صدمة حادث (حازم) قبل أن تهز رأسها يمنة ويسرة كمن ينفض الذكريات عنه وتعود لتسأل (طارق) باهتمام وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها وتراقب هدوء الشارع من خلف زجاج النافذة المغلق ـ"كيف كان يصدق حدسه؟"

ارتفع حاجباه في دهشة وهو يقترب منها قائلاً ـ"أظللت زوجته لعشر سنوات ولم تعرفي كيف كان يصدق حدسه؟ بشكل عام كانت لديه بعض وجهات النظر الخاصة به مثل أن الزواج عن طريق العقل أفضل من زواج الحب, وكنت أعارضه بالطبع, لكنه كان يقول بثقة’عندما تحب امرأة فإنك لا تراها على حقيقتها ولا تستطيع فهمها بالشكل الصحيح, أما لو أنك فهمتها أولاً فستقع في حبها فوراً‘. سألته بعد مولد(هيثم) عن رأيه في زواج العقل, أو تدرين ماذا قال؟ يومها منحني ابتسامة صافية من ابتساماته النادرة وقال بنفس الثقة التي تميزه ’أنا أسعد إنسان على وجه الأرض, وأحبها بكل ذرة في كياني‘."

التفتت إليه بدهشة وجملة (حازم) المشابهة تدوي في أذنيها وتنبهها إلى أنه قال ذلك لأخيه قبل حتى أن يعترف لها به. زادها ذلك الإكتشاف توتراً فقالت بصوت مبحوح ـ"أقال(حازم) هذا عني؟"

أجابها بثقة قائلاً ـ"أجل, وانظري إلي. لقد سرت خلف قلبي وظننت أنني أعرفها كنفسي وتغاضيت عن الكثير من عيوبها، ولكنني كنت مخطئاً واكتشفت أنني لم أفهمها أبداً ولم أحظ معها بالسعادة التي أردتها, بينما سعادتي معك ومع الأولاد لا يمكن وصفها."


همت بأن تقول له إنها _علي عكس شقيقه_ لم تكن سعيدة معه وإنه لم يشعرها بالحب الذي تكلم عنه إلا ليلة وفاته بعدما أقنعها أسلوبه الجاف بأنه لم يكن ليعترف حتى بوجوده. إلا أنها آثرت الصمت وعادت تلتقط ألبومها من فوق الفراش وتطالع صورها مع أبيها.
لاحظ(طارق) صمتها ونظرة عينيها التي تخفي الكثير، وشعر أنها لا تريد الإفصاح عما بداخلها فسألها ليغير هو الموضوع هذه المرة ـ"ولكن ما سبب تطلعك لهذه الصور الآن بالذات؟"

اختنق صوتها بالعبرات وهي تجلس على طرف الفراش قائلة ـ"لقد شعرت بحاجة شديدة إلى وجوده بجانبي, أردت أن أقفز في أحضانه وأن أشعر بيده تمسد شعري وأسمعه يغني لي هامساً ويسألني كم أحبه فأفتح ذراعاي عن آخرهما وأحيط عنقه بهما. رغم أنه استشهد منذ نحو ثلاثين عاماً مازلت أفتقده وأشعر بحاجتي إليه في أوقات عديدة."

اقترب منها وأدار وجهها إليه ليمسح بأنامله عبرة خانتها وسالت على وجنتها هامساً في حنان دافق ـ"أنا إلى جوارك, أنا أبوك وأخوك وزوجك وابنك."

قالها وهو يحيط كتفيها بذراعه ويريح رأسها على كتفه وبيده الأخرى يمسد شعرها في رفق قبل أن يطبع قبلة دافئة على جبهتها، إلا أن (هالة) إبتعدت عنه في سرعة كالمصعوقة ووجهها مصبوغ بحمرة قانية قائلة بإرتباك ـ"أشكرك على مشاعرك الطيبة هذه."

رفع حاجبيه في دهشة قائلاً ـ"مشاعري الطيبة؟!(هالة) إننا زوجان."

رتبت شعرها بارتباك قائلة ـ"هل حاولت إعادة(سمر) إلى عصمتك كما وعدتني؟"

ضغط(طارق) أسنانه في غيظ قائلاًـ"ألا يهمك سوى إعادة(سمر) إلى عصمتي؟ أيريحك قولي إن أمها أخبرتني بأنها سعيدة بابتعادها عني وأنها ستتزوج من آخر؟"

هتفت في ذهول ـ"وهل صدقتها؟ إنها لا تستطيع الزواج قبل انتهاء عدتها أي قبل شهرين. من الواضح أنها تكذب."

أشاح بكفه قائلاً بضيق ـ" تكذب أو لا تكذب, فأمرها لم يعد يهمني بعد ما صدر منها. لقد كسرت شيئاً عميقاً بداخلي ولا أظن من الممكن إصلاحه".

ثم إلتفت إليها وقال بإبتسامة هادئة ـ" كما أنني سعيد هكذا, وأدركت أخيراً أن أبي كان على حق حين قال إنه اختار لي أفضل زوجة, ولن أستبدلك بأخرى مهما حدث."

قالت بتردد ـ"وماذا عن حبكما؟"

قال بثقة وهو يتأمل عينيها ـ"افهميني يا (هالة)..لقد أحببتها بقلبي ولم أكن موفقاً, وهي أدارت وجهها لهذا الحب. أدري أنها كانت مجروحة بعد نتيجة التحاليل، ورغم ذلك إحتويتها وحاولت أن أخفف عنها وطأة الصدمة. بل وسعيت إلى استرضائها أكثر من مرة وهي رفضتني. والأسوأ أنها أهانتني، وكرامتي لا تحتمل أن أعود لمن تجرأت على إهانتي. سأعتبرها تجربة بحلوها ومرها، ولكنني لن أعيدها معها ثانية. لقد طويت صفحتها منذ ذلك اليوم".

تهربت من نظراته وهي تقول بلعثمة ـ"و..ولكنكما تعملان في نفس المستشفى".

رفع وجهها إليه ليمعن النظر في عينيها ثانية وهو يقول بهدوء ـ"أنا أعمل مع مائة طبيب وممرض..لا أكاد ألتقي بربعهم. فعملي في غرفة العمليات، وهي في العيادات الخارجية، وبيننا ثلاثة أدوار. أعترف أننا كنا نتحين فرص اللقاء من قبل، ولكن بعد ما حدث صارت تتجنب تجاوز الدور الثاني".

تاهت في نظراته وشعرت بالصدق في عينيه وهو يتابع بابتسامة جذابة ـ" أما أنت يا (هالة)، فقد أحببتك بعقلي وكياني كله قبل قلبي, وأجمع ثلاثتهم على أنني لن أجد من هي أفضل منك لأهبها اسمي وحياتي إن أرادت."

ثم أضاف وهو يحتضن كفيها بين راحتيه هامساً ـ"هل تقبليني زوجاً يا (هالة)؟"



اتسعت عيناها في ذهول وهي لا تكاد تصدق أذنيها...
أهذا صحيح؟
أشعر بها أخيراً؟
أيبادلها الحب حقاً؟
هي وليس غيرها؟
وبكل دهشتها ولهفة قلبها قالت بارتباك ـ"(طارق) أنا..."

قاطعها وهو يلمس شفتيها بأطراف أنامله ويقترب منها أكثر قائلاً ـ"أريدك زوجة وحبيبة وصديقة. أريدك أن تكوني حياتي الجديدة التي أنسى معها أي ماضي. أريدك لي وحدي يا (هالة)".

اغرورقت عيناها بدموع غزيرة لم تستطع منعها فسالت على وجنتيها وهي تتأمله بكل الحب في أعماقها ولسانها عاجز عن النطق أمام صدق المشاعر الذي تراه في عينيه.
كانت ترى نفس النظرة التي رأتها لأول مرة وهو يحدثها عن (سمر)
نظرة حب صادقة.
طال صمتها وهي تتأمله من خلف دموعها، فإبتسم ومسح دموعها برقة وإقترب بوجهه منها حتى تعانقت أنفاسهما هامساً في خبث ـ"سأعتبر صمتك قبولاً لعرضي."

ثم أضاف بعد أن طبع قبلة دافئة على جبهتها ـ"هل لي أن أسألك مثل والدك عن مدى حبك لي؟"

وأجابته بكل صراحة.



**********************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 07:11 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الخامسة والعشرون



25 -

استند(طارق) بكتفه إلى باب غرفة(هند) ليتابع باهتمام حنون(هالة) وهو تهمس لابنتها بكلمات أغنيتها المفضلة ولم يبد عليها أنها تشعر بوجوده. فقد استغرقت في تمسيد شعر صغيرتها والغناء لها حتى استسلمت للنوم. حينها نهضت من جوارها على أطراف أصابعها لتخرج وأشارت لزوجها بالتزام الصمت كي لا يوقظ الطفلة.
وفي غرفتهما جلست(هالة) على الفراش في إرهاق قائلة بابتسامة هادئة ـ"تخيل أن(هند) تفضل غناء جدتها عن غنائي؟ إنها حتى لم تعتد بعد على غياب أمي."

إستلقى(طارق) إلى جوارها قائلاً بهدوء ـ"أنا أيضاً لم أعتد بعد على غيابها. أشعر بأن شيئاً ما ينقص المنزل.أعادها الله سالمة إلينا."

تنهدت في عمق وهي تسند رأسها على ظهر الفراش قائلة ـ"وماذا عني أنا؟ إنها صديقتي الوحيدة, لم أفارقها إلا يوم زواجي ولكنها كانت دوماً في بالي. أتدري أنها كانت تشعر بي عندما أمرض وأنا على بُعد آلاف الأميال؟ طيلة عمري وبيننا توارد خواطر قوي, أشعر بها وتشعر بي دون أن ينبس أحدنا بحرف. لا أدري كيف سأحتمل غيابها فترة الحج؟"

أحاط(طارق) كتفيها بذراعه وقربها منه قائلاً ـ"سيمر الوقت بسرعة, إنها لم تسافر إلا اليوم فقط؛ ومادامت مع صحبة آمنة فلا سبيل للقلق عليها. على العكس, يجب أن تسعدي لها لأن حجها هذا تكريم لها ولوالدك الشهيد."

ابتسمت ابتسامة جانبية دون اقتناع وقالت ـ"تكريم متأخر للغاية, ولكنها كانت واثقة من أنه سيأتي يوماً ما لذلك لم تأت معنا عندما ذهبت أنا و(حازم) رحمه الله للحج."

داعب شعرها المنسدل قائلاً ـ"لم يكن المولى قد أذن لها بعد, وعندما أراد سبحانه وتعالى يسر لها هذا التكريم, وبإذن الله ستستمتع في هذه الرحلة."

تنهدت في ضيق ولسان حالها يعكس إفتقادها لوالدتها فزاد من إحتضانه لها قائلاً بغيرة ـ"ثم ألا يكفيك حناني الدافق؟ يبدو أنني سألجأ إلى أساليبي الخاصة".

رفعت عينيها بتساؤل ليفاجأها بحركته المعتادة وهو يدغدغها ويستمتع بضحكتها الصافية وهي تتلوى بين ذراعيه إلى أن توقف عن دغدغتها وهو يقول مهدداً ـ"ها؟ يكفيك حناني أم لا؟"

دفنت وجهها في كتفه قائلة بدلال طفولي ـ"مازلت مصرّة أنني سأفتقدها بشدة. أدعو الله أن ينتهي الحج سريعاً كي تعود لي أمي بالسلامة."

ابتسم وهو يقبل رأسها ويعيدها إلى أحضانه قائلاً ـ"لقد تغلبت على(هند), لا أدري من منكما أدلل أكثر."

رفعت عينيها إليه قائلة بدلال ـ"من تحب أكثر."

تاه في غموض عينيها الجميلتين للحظات همس خلالها بصدق ـ"أحبك كروحي."

تنهدت في ارتياح عميق وغاصت في أحضانه هامسة ـ"وأنا أحبك أكثر."

خلل خصلات شعرها بأصابعه قبل أن يطبع قبلة حانية عليه قائلاً في ثقة ـ"أعلم, وأكدته لي أمي هذا الصباح قبل أن تسافر."

عقدت حاجبيها وهي تبتعد عنه في حيرة قائلة ـ"أمي أنا؟ ماذا قالت؟"

قال بابتسامة صافية ـ"قالت الكثير."

رجته في دلال قائلة ـ"أخبرني ماذا قالت؛ لو كنت حبيبتك حقاً أخبرني ماذا قالت."

أشار إلى وجنته فرفعت جذعها لتصل إليه وتطبع قبلة دافئة على خده القريب منها، لتجده يدير خده الثاني لها فقبلته ثانية وعادت ترتاح على الفراش إلى جواره لولا نظرته الماكرة التي جعلتها تضربه بقبضتها في كتفه قائلة بحنق ـ"لا تكن طماعاً..هيا قل مالديك، وإلا تركتك ونمت إلى جوار ابنتي".

ضحك منها ومن تهديدها الذي لا يتحمله فقال بسرعة من بين ضحكاته ـ"لا أرجوك..إلا هذا العقاب. سأخبرك".

ثم داعب وجنتها بأنامله وقال بهيام ـ"قالت لي إنك تحبينني منذ تشاجرنا أول مرة، وإن حبك لي هو الذي دفعك لمساعدتي في الزواج من(سمر)؛ وعندما أكدت لها أنني أحبك بكل ذرة في كياني طلبت مني أن أقسم لها على المصحف الشريف أن أصونك وأرعاك وأحميك بحياتي."

داعبت أزرار منامته قائلة بدلال ـ"وهل أقسمت؟"

اتسعت ابتسامته وهو يجيبهاـ"أتسألينني؟ رغم أنني مستعد بالفعل لأن أفديك بحياتي دون قسم, أقسمت كي أرضيها وأطمئنها أن ابنتها وأحفادها في أيد أمينة."

انكمشت في أحضانه ثانية وقالت بثقة ـ"أعلم هذا. ماذا قالت أيضاً؟"

أخذ نفساً عميقاً قبل أن يجيبها بلمحة تردد قائلاًـ"سألتني إن كنت أعرف شعور المرأة حين تحب مرة واحدة في حياتها رجلاً ليس لها ويتحول حلمها فجأة إلى حقيقة ويصبح زوجاً لها وحدها. والحقيقة أنني دُهشت لوصفها لك هكذا, إلا أنها فسرت لي ما عنته."

ابتعدت(هالة) عنه قليلاً وسألته بارتباك ـ"وماذا قالت؟"

نظر إليها بثبات قائلاً ـ"قالت أغرب شيء سمعته في حياتي. قالت إنك لم تحبي(حازم) ولم تكوني سعيدة معه وإنها شعرت بذلك دون أن تصرحي أنت به. ولكن كيف هذا و(حازم) كان يؤكد لي أنه سعيد معك وأنه يحبك. أمن الممكن أن يكون الزوج سعيداً والزوجة تعيسة؟"

نهضت مبتعدة واتجهت إلى الشرفة تنظر من خلف زجاجها إلى لا شيء قبل أن تتمتم بعصبية ـ"ما الذي جعلها تقول هذا؟"

نهض بدوره متجهاً إليها وأدارها إليه ليتأملها قائلاً ـ"أنا رجوتها أن تخبرني بكل ما هو غامض عني. إنك لم تخبريني سوى مقتطفات من حفل زفافك على(حازم) ولم تذكري غيرها؛ لم تعطني فكرة عن حياتكما معاً وأنا لم أطلب ذلك لعلمي المسبق بسعادته معك والتي تعني سعادتكما سوياً. لكن حين تخبرني بأنك لم تحبي سوى مرة واحدة, فماذا إذاً عن زوجك السابق؟ ولا تنسي أنه كان شقيقي الوحيد."

هتفت بصوت خنقته الدموع وهي تشيح بوجهها بعيداً ـ"أعلم هذا ولا أستطيع نسيانه, لكن للأسف شقيقك لم يكن الزوج الذي تمنيته. أسلوبه الصارم جعلني أجفل منه. لا أنكر أنني أحببته في بداية زواجنا _أو بالأحرى حاوت أن أحبه_لأنه كان يحاول امتصاص خوفي من الغربة. إلا أنه مع عودته للعمل ازداد ابتعاداً عني, وشعرت بأنني لا أفهمه ولا أتكيف مع عصبيته ولا أسلوبه الآمر الناهي كأني أحد العاملين معه. لم أتقبل الوضع ومع ذلك لم أشتك, لوصول(هيثم) ولإحساسي ببعض الهدوء في طباعه, إلا أنه كان سرعان ما يعود بسرعة البرق(حازم) بجبروته وسطوته, وأنا بطبعي لا أحب تلقي الأوامر."

ثم تابعت ودموعها تنهمر على وجهها دون توقف ـ"لقد كان (حازم) رحمه الله يعتبر المشاعر نوعاً من الضعف، لذا كان يعوضها بأشياء أخرى. كان كريماً معي ومع الأولاد في كل شيء..ماعدا المشاعر. (حازم) لم يعترف يوماً بأنه يحبني إلا ليلة وفاته، وحتى يومها لم يقلها صريحة. ربما كنت الزوجة المثالية بالنسبة له. الزوجة التي تهتم به وتلبي جميع طلباته وتحافظ له على هدوء وجمال المنزل، وفي الوقت نفسه تحفظه في غيابه. هذه مميزات الزوجة التي كان يتمناها (حازم) ووجدها في شخصيتي. أما مميزات الزوج الذي كنت أتمناه فلم يوجد منها في (حازم) سوى التدين والذكاء والوسامة والأصل الطيب".

حاولت مسح دموعها المنهمرة التي أفسدت كحل عينيها الجميلتين، ولكن مجرد ذكرى زواجها ب(حازم) كانت تدفع الدموع سريعة عبر مقلتيها وهي تضيف ـ"أكثر ما كنت أريده في زوجي هو الحنان. لقد نشأت يتيمة وكنت بحاجة إلى زوج يحتويني ويعوضني حنان الأب، ولهذا وافقت على الزواج بعد تخرجي مباشرة على أمل أن أجد ضالتي عند زوجي. ولكن (حازم) للأسف لم يكن ليعترف بالحنان. كان يعتقد أن حنان الرجل هو أقصر الطرق لسيطرة زوجته عليه. ولا تسألني كيف وافقت على (حازم) من البداية لأنه كان قدري, قسمة ونصيب."

تنهد في عمق قائلاً ـ"نفس الكلمة التي قالتها أمي ’قسمة ونصيب‘."

ثم أدار وجهها إليه برفق وهو يتابع بحنان ـ"حبيبتي أنا لا أعاتبك ولا أريد نبش الماضي, ولكن حديث أمي ترك العديد من علامات الإستفهام في عقلي".

وأضاف مبتسماً وهو يمسح دموعها بأنامله ويزيل آثار الكحل السائل قائلاً ـ"ولكن لا أنكر أن كوني حبيبك الأول أرضى غروري كرجل".

ثم قبل جبهتها في حنان وهو يقول ـ" أعدك ألا أعيد فتح هذا الموضوع ثانية, اتفقنا؟"

قالها بصدق قبل أن يضمها إليه بقوة وحنان ويدفن وجهه في شعرها للحظات قصيرة كان من الممكن أن تطول لو لم تبتعد(هالة) عنه في حركة عنيفة ويدها على فمها وعلى وجهها ارتسم تعبير امتعاض أقلقه, خاصة حينما تركت الغرفة في سرعة متجهة إلى الحمام وتناهى إلى مسامعه صوتها وهي تفرغ معدتها رغماً عنها.
وعندما عادت إلى الغرفة بعد دقائق أدهشها التعبير المرتسم على وجه زوجها.
فقد كان جالساً على طرف الفراش يهز ساقه في عصبية والقلق_ وربما الضيق_ بادي على وجهه, ولم يكد يرها حتى سألها في لهجة بدت حادة إلى حد ما ـ"هل تسمحين بتفسير ما يحدث لك حينما أقترب منك؟ هل أصيبك بالاشمئزاز أم أنك لا تطيقينني؟"

ارتفع حاجباها في دهشة بالغة وهي تقترب منه هاتفة باستنكارـ"أنا؟ أنسيت أننا منذ دقائق كنا نتبارى من منا يحب الآخر أكثر؟"

سألها في حيرة ـ"إذاً ما السبب؟ إنك لم تكوني هكذا من قبل, هذا الأمر جديد عليك."

جلست إلى جواره وربتت على كتفه قائلة بتردد ـ"أنت لست السبب بشكل مباشر ولكنه...إنه عطرك يا حبيبي."

عقد حاجبيه وهو يتشمم ملابسه قائلاً ـ"عطري؟ أي عطر هذا؟ أنا لا أشمه, كما أنني لم أغير نوع العطر الذي أستخدمه."

ابتسمت وخفضت وجهها وصوتها وهي تقول بخجل ـ"أنت لا تشمه لأنك اعتدت عليه, ولا أنكر أن رائحته طيبة لكنها بدأت تثيرني وتجعلني أفرغ معدتي أكثر من مرة في اليوم بمجرد اقترابك مني؛ أنا آسفة."

إلتفت إليها وربت على وجنتها قائلاً بحنان ـ"لابد وأن هناك سبباً ما. يجب أن تستشيري طبيباً متخصصاً في الجهاز الهضمي لأنني قلق عليك للغاية."

استكانت للمسة كفه وأسبلت جفنيها للحظات قبل أن تفتحهما قائلة ـ"لا داعي لقلقك يا حبيبي, موضوع استثارة الروائح النفاذة لمعدتي أمر قديم ويتكرر كل فترة."

عقد حاجبيه وبدا القلق في صوته وهو يسألها في اهتمام قائلاً ـ"يتكرر بأي معدل؟"

ابتسمت في خبث قائلة ـ"ليس معدل متقارب, فقد حدث لي أربع مرات خلال اثني عشر عاماً, وسبب عدم قلقي هو أنه يزول تلقائياً بعد تسعة أشهر."

اتسعت عيناه في دهشة وهو يهتف بانفعال ـ"تسعة أشهر؟تسعة بالضبط؟إذاً فأنت حامل!! يا إلهي..."

قاطعته بلكزة في جانبه قائلة ـ"يا لك من طبيب غير متمرس.ألم تفهم إلا الآن؟ ظننتك أنت ستسألني متى يأتي ولي العهد, مثلما فعل والدك."

أحاط وجهها بكفيه قائلاً ـ"لم أسألك لأنني تزوجتك فعلياً من أجلك أنت وليس من أجل الإنجاب. ولكن ذلك لا يمنعني من سؤالك متى سنحتفل بقدومه؟"

هزت كتفيها قائلة ـ"لا أدري متى بالضبط لأنني لم أستشر طبيباً مختصاً بعد؛ إلا أنه من المحتمل أن ألد بعد سبعة أشهر ونصف من الآن."

هب واقفاً يهتف في جذل وهو يتحرك في الغرفة كالمجنون ـ"يا إلهي...سأصبح أباً حقاً. لا أدري ماذا أفعل؛ أريد أن أرقص, أريد أن أغني, أريد أن أخبر العالم كله أن زوجتي وحبيبتي حامل, أن أخبر أبنائي أن أخاهم قادم في الطريق. يا إلهي...سأجن من السعادة."

انفجرت(هالة) ضاحكة وهي تراه حائراً في التعبير عن سعادته بحملها, ثم ما لبثت أن نهضت متجهة إليه إلا أنه هتف بها ويداه ممدودتان عن آخرهما قائلاً ـ"إلى أين؟ إنك لن تتحركي أو تقومي بأي مجهود طوال فترة الحمل. ستأخذين أجازة من العمل حتى تلدي, ومن الأفضل أن تكون أجازة مفتوحة. ممنوع الإرهاق أو الانفعال. سنذهب سوياً لأفضل الأطباء وستخضعين لنظام غذائي صحي يضمن عدم زيادة وزنك عن الوزن المطلوب و..."

قاطعته قائلة من بين ضحكاتهاـ"على رسلك يا حبيبي.أنا لا أشعر بأي شيء غير طبيعي, ولا تنس أنها رابع مرة أحمل فيها."

تابع وكأنه لم يسمعها قائلاً ـ"وأهم شيء ألا تنظري في وجهي كثيراً وإلا أتى المولود شبيهاً بي."

قبلت وجنته في حب قائلة ـ"وهذا ما أريده, أن يكون نسخة عنك في الشكل والطباع, أن يكون له عيناك ولونهما الدافيء وابتسامتك الهادئة وبساطتك التي أعشقك من أجلها."

تأمل ملامحها في دهشة_وكأنه يراها لأول مرة_ ورأى الصدق في عينيها يثبت مدى حبها له ووجد نفسه يهمس تلقائياً قائلاً ـ"يا إلهي...إنك تحبينني بحق."

لاحت نظرة عتاب سريعة في عينيها السوداوين وهمست ـ"وهل شككت في هذا؟"

هز رأسه نفياً ومال يطبع قبلة حانية على جبينها هامساً بصدق ـ"ولا َتشُكي ولو للحظة واحدة في حبي لك."

رفعت عينيها إلى عينيه في لحظة هادئة قطعها(طارق) حين هتف فجأة ـ"لقد نسيت, يجب أن أغتسل فوراً."

عقدت(هالة) حاجبيها وهي تتابعه بعينيها يلتقط منشفته فهتفت به ـ"ماذا بك؟ ولماذا الآن بالذات؟"

تناول زجاجة عطره قائلاً بابتسامة جذابة ـ"ما دام عطري يثير معدتك فلا بد أن أزيل آثاره من جسمي وملابسي."

وفي حركة سريعة قَبَّل الزجاجة قبل أن يقذفها في سلة المهملات ويتجه للحمام تاركاً(هالة) مستغرقة في الضحك.



************************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 07:50 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الدمعة السادسة والعشرون



26 -

بخطوات سريعة واثقة يميزها صوت كعب حذائها المرتفع دلفت (سمر) إلى غرفة الطبيبات بالمستشفى وهي ترفع نظارتها الشمسية الراقية فوق شعرها بحركة أنيقة وتبتسم لصديقتها التي جلست تحتسي شراباً دافئاً في هدوء.
وبرقتها المعتادة ألقت (سمر) التحية على صديقتها قائلة ـ"صباح الخير يا دكتورة (ضحى)".

بادلتها (ضحى) الإبتسامة وهي تجيبها بود ـ"صباح الخير يا دكتورة (سمر). ما الذي أخرك هذا الصباح"؟

اتجهت (سمر) إلى طاولة بجانب الغرفة اصطفت عليها أكواباً ورقية نظيفة وعلباً للشاي والقهوة الفرنسية وهي تجيبها قائلة بابتسامة منهكة ـ"كنت أنهي بعض الأوراق الهامة. لقد خرجت مبكراً من منزلنا حتى أنني لم أتناول قهوتي الصباحية المعتادة".

قالتها وهي تلتقط كوباً ورقياً وتفرغ مظروفاً للقهوة فيه قبل أن تضيف عليه الماء المغلي وتقلبه متجهة إلى مقعد مجاور لصديقتها وتجلس برقة قائلة ـ"كنت أقاوم النوم في سيارة الأجرة وأنا قادمة الآن".

تأملتها (ضحى) قليلاً قبل أن تهمس بتعاطف ـ"الإرهاق يبدو جلياً على وجهك، لكنك تجيدين إخفاء مشاعرك دوماً".

التفتت إليها (سمر) بحركة حاولت ألا تجعلها حادة وهي تسألها بضيق ـ"ماذا تقصدين؟"

ربتت (ضحى) بتعاطف على كف صديقتها قائلة ـ"كلنا يعلم كيف كنت تحبينه، وأن...".

قاطعتها (سمر) قائلة بجمود ـ"أنت قلتها..كنت أحبه. لقد انتهى ما بيننا وطويت هذه الصفحة من حياتي".

حاولت (ضحى) أن تلين صلابتها قائلة ـ"أنت ما زلت في العدة، وإذا أردت يمكن ل(سامي) زوجي أن يتدخل ليعيدكما و...".

قاطعتها (سمر) ثانية وهي تقول بصوت حاولت أن تجعله طبيعياً ـ"لم أعتد التراجع في قراراتي..ثم إنني أعددت العدة للسفر قريباً".

عقدت صديقتها حاجبيها قائلة بدهشة ـ"السفر؟ إلى أين؟"

ارتشفت (سمر) بعضاً من قهوتها الساخنة متجاهلة حرارتها قبل أن تجيبها قائلة ـ"لقد وجدت فرصة عمل في دولة خليجية وسأسافر بمجرد انتهاء العدة".

إستفسرت (ضحى) بلهجة أقرب إلى الإستنكارـ"بدون محرم؟"

واصلت (سمر) ارتشاف قهوتها واعتدلت في مقعدها وهي تجيب ببساطة ـ"لم يشترطوا محرماً، كما أن هناك سكناً داخلياً للطبيبات..أشبه بالمدينة الجامعية للطالبات".

سألتها (ضحى) ـ"أهي هذه الأوراق التي كنت تنهينها في الصباح؟"

سحبت (سمر) نظارتها الشمسية من بين خصلات شعرها المصبوغ ووضعتها في جراب أنيق وهي تجيب صديقتها بهدوء ـ"نعم هي. لقد أشارت علي صديقة بالسفر وساعدني (حسام) ابن زوج أمي كثيراً حتى وجدنا هذا العقد".

تنهدت (ضحى) بعمق وهي تتمتم بصوت خافت ـ"وكأنك تقولين له مصر كلها لا تكفيني للهروب منك".

سمعتها (سمر) وهي تدرك مغزى صديقتها، فقالت بنفس البرود ـ"نعم مصر كلها لا تكفيني للهروب منه. لا أنكر أنني أتحاشى التحرك في المستشفى بعيداً عن عيادة العيون وغرفة الطبيبات كيلا ألقاه قدراً، ولا أنكر أنني غيرت مواعيد عملي كذلك. ولكن إلى متى؟ المستشفى ليس بهذه الضخامة بحيث نتوه بداخله، ومن المؤكد أننا سنلتقي يوماً ما، وأنا لا أريد ذلك".

قالتها وشعرت بالضعف يعتريها ويتغلب على قوة صوتها الذي تهدج رغماً عنها وهي تقول ـ"لقد عشت معه أياماً جميلة لا أنكرها، وهو تحمل عصبيتي ودلالي وأحياناً إهاناتي بصبر وحكمة لم أرها في رجل من قبل. لكن كرامتي لا تتحمل المزيد. لقد كان يتحملني من قبل بدافع الحب، ولكن دافعه الآن سيكون الشفقة، وأنا لا أقبلها. بل ربما لا يتحملني أكثر من ذلك ويأتي اليوم الذي يطلقني فيه لأنني لم أنجب طفله".

وبسرعة غريبة عادت القوة تغلف صوتها وهي تضيف ـ"لذا كان قراري بطلب الطلاق هو الحل الأمثل للحفاظ على ما تبقى من كرامتي أمام أسرته وأسرتي".

ربتت (ضحى) على كف صديقتها في تعاطف قائلة ـ"ولكنك لست أول من تعجز عن الإنجاب يا (سمر)، والعلم في تقدم مستمر. وحتى إذا لم يأذن الله لك بالإنجاب، فحب (طارق) لك كان كفيلاً بتعويضك. أنت لا تعلمين كيف كان حاله منذ بدأت المشاكل بينكما. لقد كان (سامي) زوجي يتمزق ألماً حزناً على صديقه الوحيد ويشعر أنه لا يستطيع مساعدته في أصعب مواقف حياته. هل تعلمين أن (طارق) كاد أن يفقد مستقبله المهني كطبيب بسبب خلافاتكما التي أثرت على أعصابه وجعلت أصابعه تهتز أثناء إحدى العمليات؟"

تظاهرت (سمر) بتأمل كوبها الورقي وهي تتمتم_ "ربما".

ثم رفعت عينيها إلى (ضحى) لتضيف ببرود ـ" لكنه عاد وتفوق وكرمه مدير المستشفى منذ نحو شهرين. ألا يعني ذلك أنه تجاوز أزمتنا؟ ألا يعني ذلك أنني لم أعد أمثل أية أهمية بالنسبة له؟"

مطت (ضحى) شفتيها قليلاً وهي لا تدري بما تجيب صديقتها.
لقد أسر إليها زوجها من قبل بأن (طارق) يبدو مختلفاً وأكثر تفاؤلاً، بل ويبدو أنه تجاوز أزمة (سمر) وطلاقهما وكأنها لم تكن يوماً زوجته التي قاتل من أجلها.
كانت تجهل هي وزوجها سبب هذا التغيير.






أما (سمر) فكانت على شبه يقين من سبب التغيير.
كانت تشعر بأنها قدمت زوجها على طبق من ذهب ل(هالة) وأبنائها، وأن (طارق) ربما أجاد استغلال الفرصة.
ولم لا؟
لقد كانت (هالة) بالنسبة له الزوجة المثالية في كل شيء، على النقيض منها تماماً
وبعد إختفائها من حياته بناء على طلبها...ما الذي يمنعه عن تحويل زواجه منها إلى زواج حقيقي؟





شعرت بغصة تخنقها عند تلك النقطة فسعلت بقوة جعلت الكوب الورقي يهتز في كفها ليسكب قليلاً من محتواه الساخن على ساقها فهبت واقفة لتبعد سروالها الضيق قليلاً عن فخذها كيلا تحرقه القهوة الساخنة واتجهت في سرعة إلى حوض جانبي والتقطت منشفة صغيرة نظيفة بللتها قليلاً بالماء قبل أن تمسح بها آثار القهوة عن السروال الأسود.
وبعد أن انتهت من تنظيف ملابسها عادت تجلس في هدوء إلى جوار صديقتها وهي تعيد ترتيب شعرها بأصابعها بحركة مدروسة اعتادت عليها منذ قصرت شعرها قبل فترة.

حينها شعرت (ضحى) بما تحاول صديقتها إخفاؤه دون جدوى فقالت بحرج ـ"آسفة يا (سمر)..أنت تدركين كيف أحبك، وكيف تعود صداقتنا إلى ما قبل ارتباطك بصديق زوجي. كل ما أريده لك هو السعادة والراحة".

ربتت (سمر) على كفها بود ومنحتها ابتسامة صادقة وهي تقول ـ"أدرك ذلك يا أختي التي لم تلدها أمي...أنت وزوجك فقط دوناً عن أي من معارفنا تعلمان السبب الحقيقي لإنفصالنا، وهذا لأنكما أقرب إلينا من أهلنا بالفعل".



قالتها دون أن تشعر بأنها جمعت نفسها و(طارق) في ضمير واحد كما كانت تفعل دوماً.
ولكن هذا لم يخف على (ضحى) التي بادلتها الإبتسامة في ألم قبل أن تسألها بإهتمام لتغيير الموضوع ـ"هل حددت موعد السفر؟"

أجابتها (سمر) في هدوء وهي تضع جراب النظارة الشمسية في حقيبة يدها قائلة ـ"غالباً سيكون بعد عيد الأضحى...أنا في انتظار التحقق من موعد انتهاء العدة لحجز تذكرة السفر".

عقدت (ضحى) حاجبيها وهي تسألها في حيرة ـ"ماذا تقصدين؟"

هزت (سمر) كتفيها وهي تجيبها قائلة ـ"لا أعرف كيف تُحتسب الحيضات الثلاث...هل بداية من الحيض الذي يتبع الطلاق أم من الحيض الذي حدث أثناؤه الطلاق".

وضعت (ضحى) كوبها الورقي على المنضدة أمامها في سرعة واستدارت إلى صديقتها تسألها بانفعال ـ"هل كنت حائضاً حينما طلقك (طارق)"؟

تراجعت (سمر) في جلستها لتسند ظهرها إلى ظهر المقعد وهي تجيب صديقتها بهدوء ـ"نعم...وهذا سبب انفعالي الزائد عليه منذ معرفتي بنتائج التحاليل والأشعة".

ثم ما لبثت أن سألتها باهتمام وهي تقترب بوجهها من صديقتها ـ"لماذا أرى في عينيك انفعالاً مكتوماً؟ ماذا تخفين عني؟"

وضعت (ضحى) كفيها على حجابها الأنيق وهي تعدله فوق رأسها بارتباك قائلة ـ"لا....لا شيء..لقد تذكرت شيئاً".

قفز الاهتمام إلى عيني (سمر) وهي تمسك كف صديقتها في قوة قائلة ـ"ما الذي تذكرته؟ ولماذا أشعر أن له علاقة بي؟ أجيبيني يا (ضحى) بالله عليك".

تلعثمت (ضحى) قليلاً وهي تفرك كفيها بارتباك قائلة ـ" أنا لست واثقة تماماً من المعلومة، ولابد من استشارة رجل دين أولاً".

عقدت (سمر) حاجبيها وهي تسألها بنفاذ صبر ـ"ما هي المعلومة التي قلبت حالك رأساً على عقب؟ أخبريني ربما كنت أعرفها".

هزت (ضحى) رأسها نفياً وهي تقول بضيق ـ"لا أظنك تعرفينها، ولازلنا بحاجة إلى التحقق من مدى صحتها".

ضغطت (سمر) فكيها في غيظ وهي تقول بعصبية ـ"(ضحى)..كفى تلاعباً بأعصابي..هات ما عندك".

تنهدت صديقتها في عمق قبل أن تستغفر ربها بهدوء وتقول ـ"لقد سمعت إحدى معارفي تقول منذ فترة إن طلاقها من زوجها لم يقع لأنها كانت حائضاً".

شحب وجه (سمر) وهي تتراجع مصدومة وتحاول عبثاً العثور على صوتها الضائع لتقول بكلمات متقطعة ـ"م..ماذا تقصدين؟"




ازدردت (ضحى) لعاباً وهمياً وهي تجيب بتردد ـ"أخشى أن طلاقك أنت و(طارق) لم يقع، وأنه لا داعي لهذه العدة".



وكان الذهول المرتسم على ملامح (سمر) في تلك اللحظة أبلغ رد على هذه الصدمة.



****************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 07:55 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة السابعة والعشرون



27 -

جلست(هالة) على فراشها ترتب الملابس النظيفة التي غسلتها في غياب(طارق) الذي يمنعها من القيام بأي مجهود زائد ووافق_على مضض_ أن تقوم هي بالطهي حتى تعود والدتها من رحلة الحج.



وفي هدوء شردت بذهنها بعيداً وهي تتذكر الأيام التالية على معرفة (طارق) بحملها وبحور السعادة التي أغرقها فيها زوجها بحبه وحنانه ورقته معها.



كانت لمعة عينيه وابتسامته العذبة تثير في جسدها قشعريرة لذيذة كلما نظرت إليه وتزيد من دقات قلبها التي تبدو وكأنها تهتف باسمه.
وهو كان لا يألو جهداً في سبيل إسعادها وتعويضها الأيام السابقة...وتعويض نفسه أيضاً.

كانت تشعر بالصدق في عينيه وصوته وهو يهمس في أذنيها بكلمات العشق والغزل.

كما كانت تشعر بلهفته عليها وهو يساعدها بأعمال المنزل منذ أصبح زوجها فعلياً وكأنه يخشى أن يرهقها بطلباته.

كانت تشعر ب(طارق) مختلف...مختلف كزوج وحبيب و...رجل.
وارتسمت ابتسامة واسعة على وجهها وهي تتذكر خروجها معه كزوجة تتأبط ذراعه للمرة الأولى أمام العالم وهو يصحبها وأطفالها في رحلة سريعة إلى الملاهي.

وبعينين حالمتين رفعت كفها اليسرى إلى مستوى نظرها لتتأمل دبلته الذهبية الجديدة التي أحاط بها بنصرها خلف دبلة أخيه التي رفض أن تخلعها.

وبكل الحب الذي تحمله بين شرايينها لهذا الرجل قربت كفها لتلثم دبلته بعمق وهي تهمس ـ"حفظك الله لي ولبنائنا".

ثم أعادت كفها لتتحسس برقة بطنها الذي يحمل ثمرة هذا الحب.


كانت سعادتها بهذا الحمل لا تضاهيها سعادة، سوى سعادتها بحملها الأول.
فحينها كانت سعيدة لأنها ستصبح أماً
ولكنها الآن سعيدة لأنها ستصبح أماً لطفله...لكائن صغير نصفه لها ونصفه له.


لحظتها تذكرته حينما طلب منها ألا تنظر إليه حتى لا يشبهه المولود
وبابتسامة ناعمة نقلت عينيها إلى المنضدة المجاورة لفراشهما، والتي حملت صورة جماعية لها معه ومع أبنائها.


تناولت الصورة ذات الإطار الأنيق وتأملتها قليلاَ

لا تزال تذكر اليوم الذي أصر فيه (طارق) على أن يذهبوا جميعاً إلى المصور ليلتقط لهم صورة جماعية.
حينها برر إصراره هذا بأنه لا توجد صورة تجمعهما سوياً كزوجين، وهذه الصورة بدلاً عنها
ولكن المصور أوقف كل منهما في جانب بينما وقف الأطفال في المنتصف وكأن (طارق) و (هالة) يحيطانهما بالحب والحماية.


وبكل الحب الذي تغلغل في أعماقها لهذا الرجل تحسست ملامحه في الصورة وهي تتأمل نظرة عينيه الحنونة، والتي لا تخلو من نظرة شقاوة تذكرها بإبنها الأوسط (هاني).


ثم ما لبثت أن قربت الصورة من وجهها لتلثم وجهه في الصورة بحنان وتتخيله أمامها وهي تبثه حبها


كانت تفتقده في شدة هذا الصباح، وكأن وجوده معها هو وحام الحمل الجديد
فقد خرج إلى المستشفى بعد صلاة الفجر مباشرة ولم يوقظها كعادته منذ علم بحملها، خاصة وأنه يوم السبت ولن يذهب الأولاد إلى المدرسة
ولهذا فهي تشعر وكأنها لم تره منذ زمن، رغم أنها كانت بين أحضانه طوال الليل


تنهدت في عمق وهي تعيد الصورة إلى موضعها وتسللت ابتسامة شقية إلى شفتيها وهي تتخيل رد فعل(طارق) حين يعلم أنها غسلت ملابسه المتسخة دون علمه؛ وتوقعت أن يهتف بها في عصبية قائلاً ’ألم أقل لك ممنوع الإرهاق أو المجهود الزائد؟ ألم..."

وعلى حين غرة قطع تخيلاتها دخول ابنها(هاني) المفاجئ إلى غرفتها هاتفاً في فزع ـ"ماما...(هيثم) يمسك بطنه ويتأوه من الألم."

ألقت(هالة) ما في يدها ونهضت مسرعة إلى حجرة ابنيها لتجد(هيثم) يتلوى من الألم واضعاً يديه الصغيرتين على جانبه الأيمن فسألته في جزع ـ"ماذا بك يا(هيثم)؟ أين الألم؟"

أشار إلى جانبه الأيمن ولسانه لا ينطق سوى بتأوهاته من شدة الألم, وهذا ما جعل قلب(هالة) يهوي من بين ضلوعها؛ لا بد وأنه يشكو من الزائدة الدودية, إلا أن قلبها دعا الله أن يخيب ظنها وحاولت تهدئة ولدها قائلة ـ"لا تقلق يا حبيبي. إنه مغص عادي وسيزول سريعاً. هل تستطيع تحريك ساقك اليمنى؟"

قالتها وهي تلمس ساقه عفواً فازداد صراخ(هيثم) وأيقنت خطورة الموقف فهتفت ب(هاني) قائلة ـ"أحضر الهاتف فوراً."

وبأصابع مرتجفة ضغطت(هالة) أرقام هاتف(طارق) المحمول لتجد رسالة مسجلة تفيد بأن الهاتف مغلق.حاولت مرة ثانية وثالثة دون جدوى.

وفي يأس ورعب شديدين على فلذة كبدها راحت تطلب رقم المستشفى التي يعمل بها زوجها, والتي ظلت أرقامها مشغولة لفترة بدت لها كالدهر حتى استجاب لها أخيراً وسمعت موظفة الاستقبال تجيبها فهتفت تستنجد بها قائلة ـ"صليني بالدكتور(طارق حفني) بسرعة لو سمحت."

سألتها الممرضة بلهجة روتينية ـ"من أنت؟"

هتفت بها(هالة) في عصبية قائلة ـ"وما شأنك أنت؟ صليني به سريعاً, فالأمر خطير."

لم ترق لهجتها للممرضة التي قالت في ضجر ـ"الدكتور(طارق) في غرفة العمليات و..."

همت(هالة) بالصراخ في وجهها ثانية حينما صك مسامعها صوتاً أنثوياً هادئاً يقول من الطرف الآخر في رقة ـ"ألو...ماذا هناك؟"

استغاثت(هالة) بصاحبة الصوت الرقيق وقالت في لهفة ـ"صليني بالدكتور(طارق حفني) إذا تكرمت. ابني يتلوى من الألم وهاتف(طارق) المحمول مغلق."

حاولت صاحبة الصوت الرصين تهدئتها قائلة ـ"دكتور(طارق) في غرفة العمليات بالفعل. أعطني اسمك وسأجعله يتصل بك فور خروجه, ولا تقلقي فلن أنسى."

تفجرت الدموع من عيني(هالة) واختنق صوتها وهي تقول ـ"صليني بأي دكتور آخر إذاً, أخشى أن ابني يعاني من مغص الزائدة الدودية."

تشبع الصوت الهاديء بلهجة اهتمام وصاحبته تقول ـ"لا تقلقي يا سيدتي, أنا دكتورة(سمر) زوجة الدكتور(طارق). أخبريني بالأعراض التي يعاني منها ابنك يا مدام...ما اسمك؟"

لم يبد على(هالة) أنها سمعت أي مما قيل بعدما اخترقت أذنيها عبارة ’زوجة الدكتور(طارق)‘؛

فقد اتسعت عيناها في ذهول وأفلت حلقها شهقة رغماً عنها وهي تكاد لا تصدق أذنيها.


فالمتحدثة لم تقل’زميلة الدكتور(طارق)‘ أو حتى زوجته السابقة, بل قالت ’زوجة الدكتور(طارق)‘...


وفي رد فعل سريع لصدمتها خرج صوتها متحشرجا يقول ـ"أنا(هالة شوقي), زوجة دكتور(طارق)."


وكان آخر ما سمعته هو شهقة دهشة من حلق(سمر) قبل أن تغلق سماعة الهاتف في عنف.

**************************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 07:58 PM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الدمعة الثامنة والعشرون


28 -

اندفع(طارق) في سرعة ولهفة إلى شقته عبر بابها المفتوح وهرع إلى غرفة الأولاد ليرى(هيثم) راقداً على فراشه وطبيب الإسعاف يفحصه في دقة، بينما وقفت (هالة) إلى جواره ودموعها تغرق وجهها الشاحب الذي رفعته إليه للحظة ثم ما لبثت أن أدارته بعيداً, ولم ينتبه(طارق) لذلك إذ خاطب طبيب الإسعاف قائلاً ـ"أنا دكتور(طارق حفني) والد(هيثم), ماذا به؟"

رفع الطبيب رأسه قائلاً بالإنجليزية ـ"التهاب بالزائدة الدودية. لا بد من إجراء جراحة عاجلة."

قال(طارق) بثبات ـ"أنا جراح وسأنقله إلى المستشفى الذي أعمل به."

وأشار إلى(هالة) بلهجة آمرة قائلاً ـ"ابق أنت هنا بصحبة(هاني)و(هند) و..."

قاطعته بإصرار وتحد قائلة ـ"ابني لن يذهب للمستشفى وحده, سأترك(هاني) وأخته عند جارتي؛ لقد تركتني منذ قليل لتجيب الهاتف."

حاول الاعتراض قائلاً ـ"ولكن صحتك..."

قاطعته ثانية وهي تقول بلهجة لم يعتدها ـ"حبي للقادم لن يكون أكثر من حبي لإبني البكر، ولن أحتمل الجلوس هنا وابني في غرفة العمليات".

عقد حاجبيه للحظات وهو يتأمل نظرتها المتحدية التي تعمدت أن ترمقه بها، قبل أن يقول ـ"حسناً..أعدي حقيبة (هيثم)".

مسحت دموعها بكبرياء وأنامل مرتجفة وهي تومئ برأسها إلى حقيبة صغيرة مجاورة ـ"لقد أعددتها بالفعل. هيا بنا".



وبمجهود نفسي خارق حاولت السيطرة على أعصابها كي لا تفقدها أمام طفلها الذي يتلوى من الألم، وجلست على الأريكة الخلفية لسيارة (طارق) بينما وضع ابنها رأسه في حجرها وترك كفه بين كفيها وكأنما تشحنه بقوة حنانها.




كان القلق يبدو جلياً على ملامح (طارق) الذي يتابعهما بعينيه عبر مرآة السيارة، وكلما التقت عيناهما لمحت في عينيه تساؤلاً إليها عن سر نظرتها المحنقة له، لكنها كانت تتعمد تجاهله وهي تسمعه يتصل بالمستشفى ويطلب بتوتر تجهيز غرفة العمليات له والإتصال بالدكتور (سامي)، ثم سمعته يسأل ابنها عن حالته ومدى الألم وموضعه ومتى بدأ، إلى أن وصل بسيارته إلى المستشفى الذي يعمل به.

وما أن أوقف السيارة أمام باب الطوارئ بالمستشفى حتى لمحت (هالة) ممرضين يهرعان نحوها ويتعاونان على حمل الصغير برفق ووضعه على فراش متحرك دفعاه إلى داخل المستشفى ومن صالة الطوارئ إلى مصعد العمليات الذي ابتلع الممرضين والفراش وفوقه (هيثم).


كانت تريد الركوب مع صغيرها لكنه وضع كفه على ظهرها وهو يقودها بهدوء نحو مصعد آخر مجاور هامساً ـ"لا يمكنك ركوب المصعد مع (هيثم) لأنه يفتح داخل صالة العمليات".

وكأنما أصابتها لمسته بتيار كهربائي مبعثه الإشمئزاز الذي زاد من شعورها بالغثيان، لكنها تماسكت كيلا تحرجه في ردهة المستشفى. وما أن أُغلق باب المصعد عليهما حتى أزاحت يده عنها بضيق وهي تشيح بوجهها في غير اتجاه وقوفه.

أدهشه موقفها فعقد حاجبيه وهو يلمس كفها ويسألها بتوتر ـ"(هالة) ماذا بك؟ نظراتك وحديثك يصيبانني بالتوتر. حالة (هيثم) ليست خطيرة والحمد لله، وسيكون معي صديقي (سامي). حبيبتي لا تثيري قلقي عليك. يكفيني ما أنا فيه".

رمقته بنفس النظرة التي تذبحه وهي تبعد كفها عنه قائلة بلهجة ساخرة لم يعتدها ـ"حبيبتك؟؟ لا تقلق، فحبيبتك بخير.. ركز فقط في عملك وفي أمانة شقيقك الراحل".

زاد من انعقاد حاجبيه وهم بسؤالها عما تعنيه لولا أن سبقه المصعد بفتح أبوابه إيذاناً بوصولهما إلى الطابق الذي يحوي غرف العمليات.


ولأول وهلة إثارتها رائحة المعقم القوية التي زكمت أنفها وزادت من غثيانها بشكل كبير، لكنها واصلت تماسكها وهي تدور بعينيها على غرفة العمليات وتهم بسؤاله عن صغيرها، إلا أنه ابتدرها وهو يشير في اتجاه آخر قائلاً ـ"سأدخل لغرفة التعقيم الآن ومنها إلى غرفة العمليات، وأنت اجلسي على هذه المقاعد هناك حتى نخرج".

سألته بلوعة ـ"ألن أراه قبل الجراحة؟"

منحها ابتسامة باهتة وهو يربت على كتفها قائلاً ـ"حبيبتي إنهم يعدونه الآن للجراحة بالفعل. استودعيه عند العلي القدير وادعيه أن يفك كربك".




شعرت بغصة في حلقها وشعور متناقض يكاد يقتلها في تلك اللحظة.

ففي هذه اللحظة الحرجة من حياتها كانت بحاجة إلى صدر حنون تفرغ فيه توترها وتشعر بالاطمئنان لمجرد سماع دقات قلبه المحب...

لكن الشخص الوحيد الذي كانت تتمنى أن تلقي بنفسها بين ذراعيه هو نفس الشخص الذي كان شيطانها يوسوس لها بإلقائه من نافذة الدور الثالث.



شعور متناقض بين الحب والكراهية امتزجا داخلها بشكل خانق، زادته رائحة المطهر التي تميز المستشفيات.


شعور استغرقها ولم يخرجها منه سوى حركة (طارق) على ذراعها، والتي جعلتها تجفل للحظة تأملت فيها وجهه الذي عشقت ملامحه يوماً قبل أن تهمس كالمغيبة ـ"استودعتكما الله الذي لا تضيع ودائعه".





وما أن غاب (طارق) داخل صالة العمليات ذات الباب المتأرجح حتى شعرت بالأرض تميد من تحتها فاستندت إلى الحائط في ضعف وأسبلت جفنيها لكبت دموعها التي تهدد بالنزول عند أول كلمة تسمعها أو تنبس بها..

وتناهى إلى مسامعها في تلك اللحظة صوت خطوات أنثوية تقترب منها وتتجاوزها لتقف أمامها وتحجب عنها الباب الذي غاب خلفه (طارق) قبل قليل.

فتحت عينيها في بطء لتجد أمامها شقراء فاتنة في أواخر العشرينات من عمرها ترتدي معطفاً أبيضاً وتبتسم في وجهها قائلة بهدوء ـ"لا بد وأنك مدام(هالة), أنا(سمر)."




لم تكن(هالة) بحاجة لأن تعرفها (سمر) بنفسها.
صحيح هي أجمل مما توقعت، لكن ملامحها لا تزال كما هي
فهي تحفظ تلك الملامح جيداً منذ رأتها بصور زواجها من (طارق) قبل نحو عام
الزواج الذي ظنته انتهى ولم يعد له بقايا
لكنها فوجئت اليوم بأنها كانت واهمة، وأنه لم ينته كما ظنت.
وأكثر ما أثارها هو أنها آخر من يعلم
وكأنها لا قيمة لها في حياته
لا كزوجة، ولا حتى كصديقة كما اعتادت أن تكون



ولم تكن (هالة) بحاجة إلى انتظار المزيد,

فقبل أن تنبس (سمر) بحرف أو حتى تستمع لمواساتها الرقيقة كانت معدتها المضطربة قد أعلنت التمرد وهي تنقبض في عنف وتقفز إلى حلقها فوضعت كفها على فمها في سرعة وهي تقاوم مشاعر الامتعاض بداخلها,
وأدركت(سمر) ما بها فصحبتها إلى حمام السيدات وتركتها تفرغ معدتها في عصبية.


وبعد أن غسلت(هالة) وجهها بالماء البارد خرجت لتجد(سمر) بانتظارها وعلى شفتيها ابتسامة هادئة وهي تقول ـ"لا تخافي, ابنك معه اثنان من أفضل جراحينا, والحالة ليست خطيرة كما تتخيلين. تعالي معي إلى الاستراحة, يبدو أن أعصابك متوترة."

أومأت(هالة) برأسها في إنهاك قبل أن تضع كفها على معدتها وكأنها تهدئها قائلة ـ"معدتي هي الأخرى متوترة بسبب خوفي عليه، ولذلك أتقيأ كثيراً رغم أنها فارغة من الأساس."

صحبتها(سمر) إلى استراحة قريبة وأجلستها قبل أن تجلس إلى جوارها قائلة بود ـ"كنت أتمنى أن نتعارف في ظروف أفضل من هذه, ولكنها إرادة الله أن نتقارب الآن, وأشعر أننا سنصبح صديقتين؛ من كلام(طارق) عنك أشعر أنني أعرفك منذ زمن."

منحتها(هالة) ابتسامة منهكة وهي تقول ـ"أنا الأخرى كنت أريد التعرف إليك عن قرب لأعرف من استطاعت سرقة قلب(طارق)."

اتسعت عينا (سمر) في دهشة من تعبير (هالة) ووصفها بأنها سرقت قلب (طارق) لكنها تغاضت عن ذلك وتنحنحت في حرج وهي تخلل شعرها بأصابعها الرشيقة قبل أن تقول ـ"لماذا أشعر أن خبر عودتي لـ(طارق) كان مفاجئاً لك؟"

أجابتها(هالة) ببساطة قائلة ـ"لأنه كذلك بالفعل."

حاولت (سمر) تبرير عودتهما بارتباك قائلة ـ" ل..لقد جاءت عودتنا بشكل غير متوقع منذ أسبوع واحد فقط."



قفز إلى عيني(هالة) مشهد(طارق) وتوتره في الفترة الماضية وشروده الطويل حتى وهي إلى جواره،
كان يتحجج بضغوط العمل ووجود مؤتمر في الفترة القادمة قد يدفعه إلى الغياب عن البيت لفترة
وتذكرته وهو يعتذر لها بعد عيد الأضحى مباشرة للغياب لثلاثة أيام مقبلة واضطراره للسفر إلى هذا المؤتمر في الإسكندرية.
اعتراها لحظتها شعور غريب بالمهانة.
إذاً فقد كذب عليها بشأن عودة(سمر) إلى عصمته,
كان معها يستعيدان ذكريات زواجهما ولم يخبرها بذلك
وكأنها لا تعنيه بشيء
ولكن لماذا؟!


أسلمها التفكير إلى حالة من القيء ثانية فهرعت إلى الحمام و(سمر) حائرة لا تدري ماذا تفعل.

وعندما عادت(هالة) أخيراً وهي تترنح من الإنهاك ابتدرتها(سمر) قائلة باهتمام ـ"سيلتهب حلقك هكذا, سأحضر لك شراباً دافئاً ليهديء معدتك."

أشارت(هالة) بكفها قائلة ـ"كلا, لا داعي لذلك."

أصرت(سمر)على دعوتها قائلة ـ"لا مجال للرفض, سأحضر لك شاياً. هل تشربينه بالسكر أم دايت؟"

أجابتها(هالة) بتهالك قائلة ـ"سكر خفيف."

وعندما عادت(سمر) بالشاي سألت (هالة) باهتمام ـ"ولكن أين(هاني) و(هند)؟ لقد أخبرني(طارق) أن والدتك مسافرة للحج, فأين تركتهما؟"

تنهدت(هالة) في عمق قبل أن تجيبها قائلة ـ"عند جارتي, عندما علمت بمرض(هيثم) طلبت مني أن أترك الصغيرين عندها مع أبنائها."

ارتشفت(سمر) قليلاً من كوبها وهي تحاول التغلب على دقات قلبها المتسارعة في مواجهة ضرتها قبل أن تقول بهدوء ـ"لقد طلبت من(طارق) أكثر من مرة أن يقدمني إليكم على أنني زميلته بالمستشفى فقط لكنه كان يخشى أن يستنبط أي من الولدين حقيقة علاقتي به. ولا أخفي عليك, فقد شعرت بأن زوج أمي خطفها مني مثلما اختطف الموت أبي وتوقعت أن يشعر أبناؤك تجاهي بنفس المشاعر لو أدركوا أنني زوجة عمهم."

أومأت(هالة) برأسها في صمت وهي تنظر في ساعة يدها بقلق ثم قالت بتوتر ـ"هل تأخروا بالداخل أم يهيأ لي فقط؟"

ربتت(سمر) على كتفها بتعاطف قائلة ـ"المفروض أن يكونوا في مرحلة خياطة الجرح الآن, لا تقلقي. ريثما تنتهين من شرابك سيكون(هيثم) في غرفته بإذن الله."

ارتشفت(هالة) قليلاً من الشاي الدافيء الذي انساب عبر حلقها إلى معدتها الخاوية وكأنه يكوي كل مكان يمر به، ثم ما لبثت أن سألت شريكتها في زوجها قائلة ـ"هل سيُحقن(هيثم) بمخدر كلي؟"

ابتسمت(سمر) قائلة ـ"كلا.لا بد وأن تكون المعدة فارغة لمدة لا تقل عن 12ساعة قبل الحقن بالمخدر الكلي, أما في حالات الجراحة المفاجئة كالزائدة الدودية والولادة القيصرية يكون التخدير نصفياً و..."

وانطلقت(سمر) تشرح لـ(هالة) مزايا المخدر الكلي و النصفي وكأنها تشرح لطلبة كلية الطب, والأخيرة غائبة بعقلها بعيداً, والغليان يتزايد بداخلها؛



ترى ماذا قال عنها أيضاً لزوجته الحبيبة؟
هل أخبرها أن زواجهما أصبح حقيقياً؟
وهل أخبرها أنه سيصبح أباً لطفل من زوجته الأخرى؟



وفي عقلها أضاء مصباح قوي أنار لها ما لم يكن واضحاً من قبل؛
فالأمر كله لم يتعد كونه مجرد تمثيلية سخيفة صدقتها كالبلهاء,
فيخبرها (طارق) بأنه طلق(سمر) حتى يستدر عطفها، ويصر على أنه أخطأ حين تزوجها تاركاً زوجته الأولى بحثاً عن سراب,
وحين يتحقق حلمه وتحمل(هالة) يعود هو إلى حبيبته ليستمتع بحبه وبحياته التي يريدها لنفسه.



ولكن ماذا عنها هي؟
وماذا عن هذا الجنين الذي تحمله بين أحشائها؟
هل تنازلت عن كرامتها وقبلت به زوجاً وحملت طفله بين أحشائها لينتهي بها الأمر مجرد زوجة ثانية؟؟
مجرد ضرة؟
وليتها ضرة عادية
إنها ضرة سعت لتزويج زوجها في البداية
واليوم يرد لها الجميل باستغفالها واستغلالها لينجب منها الطفل الذي عجزت حبيبته عن إنجابه
ألهذه الدرجة وجدها تافهة ورخيصة حتى أنها هرعت إلى أحضانه بمجرد أن أشار لها بإصبعه؟



تزايد بداخلها الشعور بغبائها ووقوعها ضحية خطة محكمة استغل بها براءتها وسذاجتها وطيبة قلبها.


وللحظة كرهت نفسها وقلبها وحتى جنينها الذي كانت سعيدة بحمله حتى هذا الصباح


جنينها الذي تسبب لها في هذا الذل حتى قبل أن يولد.
ولولا إيمانها بالله لفعلت أي حركة مجنونة للتخلص من هذا الحمل كيلا يكون سبباً في ذلها
أما قلبها، فهي قادرة ومستعدة لأن تطأه بقدميها وتسحقه إنتقاماً منه لأنه وضعها في هذا الوضع




ومع تصاعد الغليان في رأسها وهي تتذكر سعادة(طارق) بحملها, قفزت معدتها إلى فمها ثانية فهرعت إلى الحمام في اللحظة ذاتها التي خرج فيها(هيثم) من غرفة العمليات بصحبة عمه ونُقل إلى غرفة نظيفة بنفس الممر وهو بين النوم واليقظة.

دلفت (سمر) إلى الغرفة خلف (طارق) الذي كان لا يزال يرتدي ملابس العمليات الخضراء وعينيها معلقة بوجه (هيثم) الشاحب الذي تراه لأول مرة، ثم همست لزوجها باهتمام ـ"كيف كانت الجراحة؟"

أجابها بنفس الهمس وهو يعدل من وضع الغطاء على ابن شقيقه قائلاً ـ"الحمد لله..لقد أفاق بالداخل ولكنه تحت تأثير المسكن الآن".

اقتربت من الفراش بحذر وهي لا تزال تتأمل الصغير قبل أن ترفع عينيها إلى (طارق) قائلة بابتسامة خفيفة ـ"ألم تقل أن أحدهما يشبهك؟ (هيثم) لا يشبهك البتة".

تلفت (طارق) حوله بحثاً عن (هالة) وهو يقول في سرعة ـ"أنت قلتها..أحدهما. غالباً يأتي الطفل الأكبر أشبه بوالده، مثلما كان (حازم) رحمه الله أشبه بوالدي. (هاني) هو شبيهي، لكنه ورث عناد أبيه".

ثم سألها في قلق ـ"أين(هالة)؟"

أجابته وهي تداعب شعر (هيثم) الأسود الناعم في حنان قائلة ـ"في الحمام؛ المسكينة مصابة بحالة قيء هستيري من فرط خوفها على ابنها."

ثم أردفت وهي تواجهه بعينيها قائلة ـ"لقد كنت على وشك إعطاؤها مضاد للقيء و..."

قاطعها زوجها في حدة قائلاً ـ"كلا, من الممكن أن يؤذي الج..."

قطع عبارته فجأة حين أدرك أنه قال أكثر مما ينبغي, خاصة حينما لمح انعقاد حاجبيها وشحوب وجهها وهي تسحب أصابعها سريعاً من شعر (هيثم).

وفي نفس اللحظة دلفت (هالة) إلى الغرفة واتجهت من فورها إلى صغيرها تتفحصه والدموع تطفر من عينيها.

ولم يخف عن عيني (طارق) النظرة العدائية التي رمقت بها (سمر) ضرتها وكأنها لبؤة شرسة تختلف تماماً عن الرقيقة التي كانت تمسد شعر الصغير في حنان قبل قليل.

وفي صمت نقلت(سمر) بصرها بين بطن(هالة) ووجه(طارق) في عصبية واضحة قبل أن تترك الغرفة في حنق واضح.

إلا أن (طارق) لم يعرها إنتباها وهو يقترب من (هالة) ويهمس لها بحب ـ"حبيبتي..إنه بخير والحمد لله. لا داعي لدموعك الآن".

مسحت دموعها بأصابع مرتجفة مرتبكة وهي تسأله بصوت مختنق ـ"لماذا لا يجيبني إذاً؟"

مد يده ليربت على كتفها في تعاطف قائلاً ـ"لقد أفاق من المخدر أمامي وعرفني، لكنه الآن تحت تأثير مسكن قوي لأنه لن يحتمل الألم".

أبعدت كفه عنها في ضيق وهي تقول ـ"من فضلك ابتعد عني".

تجاهل ضيقها وهو يتحسس وجنتها بكفه قائلاً بتوتر ـ"(هالة) ماذا أصابك؟ نظراتك وكلماتك وأسلوبك معي متغير منذ الصباح. ماذا حدث؟"

رمقته بنظرة حادة شعر فيها بكراهية غريبة إستنكر أن تصدر عنها وهي تبعد يده عنها في حدة وتقول من بين أسنانها ـ"قلت لك ابتعد..نحن في مكان عام".

زفر في ضيق واستغفر ربه بصوت خفيض قبل أن يرجوها قائلاً ـ"حسناً سأبتعد..ولكن أرجوك اجلسي وأريحي ظهرك...فهو لن يستيقظ الآن".

انحنت تقبل جبهة صغيرها بعد أن مسحت بكفها حبات العرق التي تغرق جبينه قائلة بلهجة غريبة ـ"أخبرتك من قبل أن حبي للقادم لن يكون أكثر من حبي لإبني البكر".

هم بمجادلتها ثانية حينما سمع طرقاً خفيضاً على باب الغرفة أعقبه صوت صديقه (سامي) وهو يقول بلباقة ـ"حمداً لله على سلامة (هيثم) يا سيدتي".

رفعت (هالة) عينيها إليه بدورها قبل أن تقول بامتنان ـ"أشكرك يا دكتور على عنايتك بابني".

قلب (سامي) كفيه وهو لا زال عند باب الغرفة وقال ـ"أنا لم أفعل سوى واجبي..والدكتور (طارق) هو من أجرى الجراحة".

لاح شبح ابتسامة منهكة على شفتيها وهي تقول ـ"هذا لا ينفي أنك تستحق الشكر".

شعر (طارق) بالغيظ وهو يراها تتجاهله تماماً أمام زميله، ولكن (سامي) لم يمنحه الفرصة للإعراب عن هذا الضيق وهو يقول له في سرعة ـ"دكتور (طارق)..أريدك في مكتبك الآن من فضلك".

أخرج طارق غيظه في غطاء الرأس المعقم الذي يحيط بشعره الكثيف، فنزعه في عنف وهو يستدير إلى زوجته ثانية ويهمس لها ـ"سأكون بمكتبي في الجهة الثانية من نفس الطابق. إذا احتجت شيئاً اطلبيني، وسأحاول العودة سريعاً".

أشاحت بوجهها بعيداً عنه ولسان حالها يقول ’لن أحتاجك بإذن الله‘، لكنها لم تنبس بحرف وتركته يخرج من الغرفة مع زميله في حنق ويغلق الباب خلفه.

حينها فقط تهاوت جالسة على اقرب مقعد لتعلن انهيارها تماماً بعد يوم من الضغط العصبي القاسي الذي لم تتوقعه يوماً.



**************************************




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 08:01 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة التاسعة والعشرون


29 -

فتح (طارق) باب غرفة مكتبه في عصبية واضحة لم تخف على عيني صديقه، ودلف إليه قبل صديقه قائلاً بضيق ـ"ماذا تريد يا (سامي)؟"


جلس (سامي) أمامه عبر المكتب البسيط قبل أن يسأله بمكر واضح ـ"ماذا بها (سمر)؟"


سأله (طارق) في حيرة ـ"ماذا بها؟ ما الذي يدفعك إلى هذا السؤال؟"


هز (سامي) كتفيه وهو يقول ببساطة متعمدة ـ"أبداً...لقد لمحتها تخرج مسرعة من غرفة ابن أخيك، وأعتقد أنها كانت تكبت دموعها. فقد كانت عيناها حمراوين".


عقد (طارق) حاجبيه للحظات قبل أن يقول بلا مبالاة ـ"ربما ضايقتها العدسات اللاصقة. أحياناً تُلهب عينيها وتدفعها إلى التعامل بعصبية".


رفع (سامي) حاجبيه في دهشة مصطنعة قائلاً ـ"العدسات اللاصقة؟ عجباً. إنها طبيبة عيون".


تأمله (طارق) للحظات وهو يدرك في قرارة نفسه أن صديقه يرمي إلى شيء آخر، لكنه اكتفى بتبادل نظرات صامتة قطعها (سامي) بقوله ـ"لماذا لا يكون سبب عصبيتها مشهد رأته ولم يرقها؟"


حاول (طارق) التزام الهدوء وهو يسأله ببرود ـ"أي مشهد تقصد؟"


باغته صديقه بسؤال سريع ـ"هل تسمح بتفسير علاقتك بأرملة أخيك؟ حينما دخلت الغرفة وجدتك قريب منها بشكل غير لائق، وأسلوبك الهامس معها أيضاً. أتريد من زوجتك أن تراك هكذا مع غيرها وتسكت؟"


عاد (طارق) إلى نظراته الباردة وهو ينتظر من صديقه إنهاء لائحة الاتهامات ضده، و(سامي) يتابع في حنق ـ"ماذا حدث يا (طارق)؟ كيف تتغير أخلاقك هكذا؟ كيف تتحرش بمن حملت يوماً اسم شقيقك وتربي أبنائه الأيتام الآن؟"


لاحت ابتسامة جانبية ساخرة على وجه (طارق) وهو يسال صديقه في تهكم ـ"هل أنهيت قائمة الاتهامات؟"


فتح (سامي) فمه ليرد على صديقه الذي تابع بنفس اللهجة التهكمية ـ"هل تصورت أن صديق عمرك الذي نشأ معك ولم يفترق عنك لأكثر من ثلاثين عاماً قادر على التحرش بأنثى أياً كانت؟"


حاول (سامي) تبرير موقفه لولا أن رفع (طارق) كفه ليشير له بالصمت ليكمل هو قائلاً بهدوء لا يشي بالقنبلة التي سيلقيها في وجه صديقه ـ"السيدة التي تتهمني بالتحرش بها هي زوجتي يا (سامي)".


اتسعت عينا (سامي) وتدلت فكه السفلى بشكل مضحك وهو يحدق بوجه صديقه الذي ألقى قنبلته شديدة الإنفجار ووقف يشاهد رد فعله ببرود.




وبصوت متحشرج من أثر الصدمة قال (سامي) ـ"زوجتك؟ هل تزوجت على (سمر) بهذه السرعة؟"


فرك (طارق) عينيه في إرهاق وهو يجيبه بنفس الهدوء القاتل ـ"(هالة) زوجتي الأولى، و(سمر) كانت تعلم ذلك".


بدا أن الصدمات المتتالية على أسماع (سامي) في هذه الدقائق العشر أكبر من استيعابه، فهز رأسه كمن يتأكد أنه لا يحلم وهو يقول كالتائه ـ"(هالة) زوجتك قبل (سمر) وأنا آخر من يعلم؟ والمفترض أني صديقك الوحيد؟"


ثم تابع في سرعة كمن تذكر شيئاً ـ"ما دامت (سمر) تدرك أن (هالة) زوجتك، فلماذا خرجت من الغرفة بهذا الشكل وكأنها لا تحتمل البقاء أكثر من ذلك؟"


خلل (طارق) شعره الغزير بأصابعه قبل أن يسند جبهته على راحتيه قائلاً ـ"لأنك يا صديقي الوحيد السبب في كل ما أنا فيه من مشاكل الآن".


أشار (سامي) إلى نفسه وهتف مستنكراً ـ"أنا؟ وكيف ذلك؟"


رفع (طارق) وجهه لتلتقي عيناه بعيني صديقه وهو يقول بجدية ـ"ألم تكن أنت وزوجتك سبباً في عودة (سمر) إلى عصمتي؟"


دافع (سامي) عن نفسه بقوله ـ"لقد فعلتها من أجلك...حينما أخبرتني (ضحى) بأن (سمر) كانت حائضاَ وقت الطلاق لم أستطع السكوت عن الحق".












شرد (طارق) بذهنه بعيداً إلى ذلك اليوم قبل نحو أسبوعين حينما دعاه (سامي) إلى المقهى الذي اعتادا الجلوس عليه على ضفاف نهر النيل، وابتدره بسؤال بدا عادياً لا يحمل في طياته أي مضمون خفي ـ"ماذا تنوي بعد انتهاء عدة (سمر)؟ "


ارتشف (طارق) قليلاً من شرابه الساخن وهز كتفيه قائلاً ـ"لا شيء..سأمنحها كل منقولاتها في الشقة وباقي حقوقها لدي..صحيح هي التي طلبت الطلاق ولكنني لن أظلمها".


تظاهر (سامي) باللعب في فنجان الشاي أمامه وهو يسأله بهدوء ـ"هل تعلم ما هو الطلاق البدعي؟"


عقد (طارق) حاجبيه وهو يجيبه ـ"بدعي؟ لأول مرة أسمع بهذا المصطلح".


تنهد (سامي) في عمق وهو يواجهه ويحاول أن يشرح المفهوم ببساطة قائلاً ـ"الأساس في الطلاق هو أن يتم في طهر لم يُجامع فيه الزوج زوجته. أما إذا كانت الزوجة حائضاً أو حدث اتصال بين الزوجين قبل الطلاق مباشرة يصبح الطلاق بدعياً...أي أنه لا يلتزم بالشروط الشرعية، وهناك اختلاف بين الفقهاء حول مدى صحته، فبعضهم يقول إنه يُحسب طلقة بينما يقول الآخرون إنه لا يُعتد به".


حاول (طارق) استيعاب المعلومة قبل أن يهز رأسه متسائلاً ـ"بغض النظر عن هذه المعلومة التي اسمعها للمرة الأولى...ما علاقتها بي؟"


تنحنح (سامي) في حرج وخفض وجهه أرضاً وهو يجيبه "(سمر) كانت حائضاً وقت طلاقكما...هي أخبرت (ضحى) بذلك عرضاً ولم تكن تعلم بموضوع الطلاق البدعي..كانت تتساءل عن كيفية حساب العدة وأخبرت (ضحى) في سياق الحديث أنها كانت حائضاً وهذا سبب عصبيتها معك وقتها".


هب (طارق) واقفاً متناسياً وجوده في مكان عام وهو يهتف بعصبية ـ"ماذا تعني؟ أتعني أنها لا زالت زوجتي؟"


جذبه (سامي) من كم سترته ليجلس وهو يتلفت حوله قائلاً بحرج ـ"اجلس ولا تفضحنا...قلت لك إن هناك خلاف فقهي حوله. اتصل أنت ب (سمر) وخذها إلى دار الإفتاء حتى تتأكد من موقفكما".


وضع (طارق) رأسه بين كفيه وهو يقول بذهول ـ"يا إلهي...كيف يحدث هذا؟ لقد أوشكت العدة على الانتهاء وظننت أنني طويت هذه الصفحة للأبد".


عقد (سامي) حاجبيه وهو يسأله مستنكراً ـ"طويت الصفحة للأبد؟ ألهذا الحد صرت لا تطيقها؟ أين ذهب حبكما يا (طارق)؟"


رفع (طارق) وجهه إلى صديقه واكتسى صوته بنبرة قاسية وهو يجيبه ـ"حبنا؟ لقد باعت (سمر) هذا الحب بكل بساطة وكأنه لم يكن..لم تأبه لي ولا لتمسكي بها وإصراري على استمرار حياتنا دون أطفال...حبيبتي التي تتحدث عنها أهانتني أمام الجميع لتجبرني على طلاقها. أهذه من تريد مني العودة إليها؟"


حاول (سامي) الدفاع عن (سمر) بقوله ـ"أنت تعلم كيف كانت جريحة باكتشاف أمر عقمها وكيف كانت ترفض الحياة معك بدافع من الشفقة عليها. أنت أدرى بكبريائها وأسلوب تفكيرها، أضف إلى ذلك التغيرات الهرمونية التي...."


هتف به (طارق) مقاطعاً ـ"لا يوجد ما يبرر إهانتها لي أمام الجميع...أين احترامها لي؟"


تابع (سامي) وكأنه لم يسمع اعتراض صديقه ـ"وربما كانت هذه إشارة إلهية بأنه لم يحن وقت فراقكما بعد، ولا يعلم الحكمة مما حدث لكما سوى الله سبحانه وتعالى".


رمقه (طارق) بنظرة نارية قبل أن يُخرج جواله في سرعة فيتأكد من الوقت أولاً ثم يطلب رقم (سمر) المسجل عنده، لكنه فوجئ برسالة مسجلة تخبره بأن الرقم لم يعد موجوداً بالخدمة.
زادت هذه الرسالة من غيظه فالتفت إلى صديقه وسأله من بين أسنانه ـ"هل غيرت (سمر) رقم جوالها؟"



قلب (سامي) كفيه قائلاً في حيرة ـ"لا أدري...لحظة سأتأكد من (ضحى)".


وبالفعل اتصل بزوجته وطلب منها الرقم الذي أملاه ل (طارق). وقبل أن يُنهي (سامي) مكالمته مع زوجته كان (طارق) ينهض بعيداً وهو يقول بصوت حاول أن يحافظ على هدوئه ـ"ألو...(سمر)؟ أنا (طارق)".


أتاه صوتها مرتبكاً على الطرف الآخر وهي تسأله بحرج ـ"كيف عرفت رقمي؟"


أجابها بحنق ـ"سؤال لا داعي له..المهم الآن هل ما سمعته من (سامي) صحيح؟ هل كنت حائضاً يوم طلاقنا؟"


شعر بنبرة خجل غير مألوفة تغلف صوتها وهي تجيبه بصوت خفيض ـ"أجل صحيح..أتذكر يوم حصلنا على نتيجة التحاليل والأشعة؟ يومها اعتذرت لك بعد عودتنا من العشاء بسبب عذري الشرعي..هل تذكرت؟"


عقد (طارق) حاجبيه محاولاً التذكر ثم ما لبث أن قال في ضيق ـ"تذكرت..ولكن الطلاق الفعلي حدث بعد ذلك بخمسة أيام".


ازداد الخجل في صوتها وهي تغمغم ـ"ماذا بك يا (طارق)؟ مدة الحيض أسبوع في الغالب".


شعر (طارق) باختناق شديد بعد عبارتها فزفر في قوة واستغفر ربه قبل أن يقول في سرعة ـ"استعدي..سنذهب إلى دار الإفتاء الآن. أين أنت لأمُرك؟"


سألته في دهشة ـ"الآن؟ حسناً أنا مستعدة لأنني عدت لتوي من العمل. أنتظرك في بيت أمي".


وما أن أنهى (طارق) الاتصال معها حتى عاد إلى صديقه الذي كان يراقبه بصمت ويراقب ردود أفعاله العصبية، وابتدره (طارق) بقوله ـ"آسف على انفعالي يا (سامي)..سأمر على منزل أهل (سمر) وأصطحبها إلى دار الإفتاء الآن. لن يهدأ لي بال حتى أنتهي من هذا المأزق، ف...".










خرج من ذكرياته على صوت (سامي) وهو يحرك كفه أمام عينيه قائلاً ـ"أين ذهبت؟"


هز (طارق) رأسه وأشاح بكفه قائلاً ـ"لا عليك...هل قلت شيئاً؟"


مط (سامي) شفتيه للحظات ثم سأله ـ"لماذا لم تخبرني بزواجك من (هالة)؟ بل ولماذا أخفيته عني حينما أخبرتك عن (سمر) وموضوع الطلاق البدعي؟"


تنهد (طارق) وأجابه بضيق ـ"لم أخبرك في البداية بناء على طلب (سمر)..لم يكن زواجي معلناً سوى أمام والدي ووالدة (هالة) وسكان العمارة التي نعيش بها؟ وبالطبع كان زواجنا معروفاً لدى أقاربنا في القرية عملاً بالتقاليد التي تعرفها. وقد سعت (هالة) إلى رد الجميل بمساعدتي في الزواج من (سمر) وإقناع أبي بهذه الزيجة".


ثم تابع وهو يخلل شعره بأصابعه كعادته ـ"ولم تصبح (هالة) زوجتي فعلياً إلا بعد طلاق (سمر) بأكثر من شهر. بالطبع لم اخبر (سمر) بذلك، كما لم أخبر (هالة) بعودة (سمر)".


قالها ورفع عينيه إلى صديقه ثانية وهو يسأله ـ"أعلمت الآن لماذا كانت (سمر) عصبية؟ لأنها علمت مني بأن (هالة) حامل في طفلي، ولا أستبعد أن يكون سبب ضيق (هالة) مني ومعاملتها الجافة معي هو معرفتها بشكل ما أن (سمر) عادت إلى منزلي".


ازداد اتساع عينا (سامي) وهو يهتف بصديقه ـ"حامل؟ تزوجت وزوجتك حامل وكل هذا وصديقك الوحيد لا يعلم شيئاً؟ إنك تربكني بكل هذه المفاجآت".


تابع (طارق) أسئلته وكأنه لم يسمع كلمات (سامي) ـ"أعلمت الآن لماذا أنت سبب المشاكل؟ لأنك السبب في عودة (سمر) وبالتالي غضب (هالة)".


هب (سامي) من مقعده وهتف به مستنكراً ـ"أنا السبب ثانية؟ لماذا لم تصارح أنت (هالة) بما حدث؟ أي زوجة في موقفها ستسيء فهمك وربما اتهمتك بالخيانة وأنك مثلت عليها حتى تحمل طفلك قبل أن تُعيد زوجتك الأولى إلى عصمتك وكأن شيئاً لم يكن".


تراجع (طارق) في مقعده وشبك كفيه خلف رأسه وهو يقول بقلق ـ"هذا ما أخشاه بالفعل...لقد كانت تتحدث بلهجة مختلفة عما اعتادت مخاطبتي به من قبل...بل إنها قالت لي مرتين إن محبتها لطفلنا القادم لن تكون قدر محبتها لابنها البكر. أتدري ما يعنيه هذا؟ إنها تخبرني بطريق غير مباشر أنها لا تريدني ولا تريد طفلنا. طفلنا الذي كانت تتحدث عنه بكل هيام حتى الأمس وكأنه أول طفل لها".


هم (سامي) بالرد عليه حينما سمع كلاهما طرقات سريعة على باب الغرفة أعقبها ظهور ممرضة شابة مرتبكة تحدثت إلى (طارق) في سرعة قائلة ـ"دكتور (طارق)..السيدة التي أجريت لطفلها الجراحة قبل قليل فقدت الوعي".


هب (طارق) من مقعده كالملسوع وهو يهتف بذعر ـ"ماذا؟ كيف ذلك؟"


قالها وهو يهرع إلى خارج الغرفة مع صديقه ويستمع إلى الممرضة التي تجري إلى جواره قائلة بأنفاس متقطعة ـ"ل..لقد ذهبت لأطمئن على الصغير كما طلبت مني ووجدتها ملقاة على أرضية الغرفة فاقدة الوعي، فنقلتها أنا والممرضة (فاتن) إلى الفراش المجاور لطفلها وأتيت لأخبرك".


كان (طارق) قد وصل إلى الغرفة حينها، فعبر بابها المفتوح في سرعة وعيناه معلقتان بوجه (هالة) الشاحب والممرضة تحاول إفاقتها فهتف بها ـ"جهاز الضغط بسرعة".


ناولته الممرضة جهاز الضغط في سرعة وقد أدهشتها لهفته وعصبيته التي لم ترها من قبل.



أما هو فكشف ذراعها وأحكم جهاز الضغط حوله بأصابع مرتجفة ووضع السماعة الطبية في أذنيه وهو يحاول سماع نبضها.
لكن صوت نبضات قلبه المتسارعة كان أعلى من نبضها، فنزع السماعة عن أذنيه في توتر وناولها لصديقه قائلاً ـ"لا أستطيع سماع نبضها...قس أنت الضغط يا (سامي)".



تناول (سامي) السماعة في هدوء وقد هاله مرأى صديقه بهذه الدرجة من التوتر وهو المعروف بهدوئه واتزانه، وحاول تهدئته قائلاً برفق ـ"لا عليك يا دكتور (طارق)...أنت منهك منذ الصباح".


قالها وعيناه تشيران إلى وجود ممرضات بالغرفة وضرورة تمالك أعصابه حتى لا يثير القيل والقال.



أدرك (طارق) مغزى نظرات صديقه فحاول تمالك أعصابه والتظاهر بفحص (هيثم) ريثما أنهى (سامي) قياس الضغط مرة، ثم مرة أخرى، ثم مرة ثالثة، وفي كل مرة يزداد القلق بداخله.



وفي قلق التفت إلى (طارق) قائلاً ـ"(طارق)...ضغط دمها مرتفع بشكل خطر على حياتها...ضغطها 160 على 100..ما الحل؟"


شعر (طارق) لحظتها بتبخر كل المعلومات الطبية التي درسها طيلة السنوات الماضية، فأزاح شعره إلى الخلف قائلاً بتوتر لم يستطع إخفاؤه ـ" لا أدري...لا يمكننا إعطاؤها محلول ملحي، ولا....".


ثم التفت إلى الممرضات وهتف بهما ـ"من طبيبة النساء اليوم؟ أريد طبيبة الآن".


ولم تكد الممرضتان تخرجان حتى رفع وجهه وكفيه إلى السماء قائلاً بتضرع ـ"نجها يا الهي..فلا معنى لحياتي بدونها".




وكان صادقاً في تضرعه.



*********************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
دمعات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:29 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.