01-09-14, 07:29 AM
| #11 | ||||
 
|  الفصل الخامس تنضح أمّها بعاطفة ودفء له عبق ثرى العراق، كانت تنتظرنا جالسة تحت عريش شجرة العنب التي يحتضن باب البيت، قامت تهلّي وترحب حتى قبل أن أنزل من السيّارة. شعرت ببعض الحرج حين فتحت ذراعيها تريد احتضاني ولم أدرِ ما عليّ أن أفعل، سهّل علي الأمر ملاحظة مازحة من سيرينا حين قالت أن ليس فكاك. فعلاً لم يكن لي من الأمر شيء، فحقيبتي دخلت قبلي للبيت، وبعد دقائق من جلوسي عادت سيرينا لتخبرني أنّها أفرغتها في خزانة الملابس. قبلت بالأمر الواقع رغم حرجي وشعوري بأنّي سأشكّل عبئاً خصوصا بوجود امرأة كريمة كأم سيرينا. والد سيرينا لم يكن يقل طيبة هو الآخر، لكنّه يتميّز بروح مرحه، وهو قادر على الإضحاك في كل وقت، ويستغل في سبيل ذلك كل مواهبه اللفظية والجسمانية، فقد قام من على مائدة الغداء ليقلّد مشية ابنه البدين. فعلاً كما قالت أم سيرينا، لقد أحسست بألفة وراحة، ونسيت الحرج. برغم أنّي جئت خصيصاً للاستفادة من سيرينا في فك طلاسم الأبجدية، إلا أن لها حضوراً وجلالاً وبهاءً تفقد ذا اللبّ لبّه. لم أتذكّر الأمر إلا بعد يومين حين كانت تسامرني ونظرت فجأة لساعتها -إنها الثانية بعد منتصف الليل، أخشى أن يصحو أبي على ضحكاتنا، سأتركك تنام وأذهب لغرفتي. آهـ.....ما هو الشيء الذي أحضرته لتريني إياه؟. -ماذا!!!.....ألم أقل لكِ أنّكِ تعطّلين العقل!!!.....أخشى أن أنسى حتى اسمي معكِ. إنّه شيء مهم جداً. هل تريدين رؤيته الآن أم غداً صباحاً. -مادام مهماً فيستحسن أن نأخذه معنا غداً للمتحف، لم يتبقّ في الآن أي طاقة للتفكير. في الصباح ذهبنا للمتحف حيث مقر عمل سيرينا، هناك اعتاد الموظفون على وجودي منذ زيارتي الأولى لجورجيا، ومع ذلك لا يتوقفون عن إطلاق التعليقات عنّي لسيرينا، وهي بدورها ترفض أن تترجم لي تعليقاتهم في معظم الأحيان. لم تكد تستقر على مكتبها حتى أخرجت الورقة التي نسخت فيها الرموز الكتابية ووضعتها أمامها. أخذتها برفق، وتأملتها بهدوء وبرود، ثم بدا التردد على شفتيها، ثم ضيّقت ما بين حاجبيها. أخيراً رفعت بصرها نحوي وقالت -صدّقني ...... في البداية اعتقدت أنك تمزح معي، لأن هذه الرموز لا تشبه أي أبجدية قديمة. -مالذي غيّر رأيكِ إذن؟ -ترتيب الرموز والفواصل أوحى لي بأنها نصّ قديم حقيقي. بالنسبة لهذه الأبجدية لم يسبق لي أن رأيتها في أي كتاب أو دراسة على سعة اطلاعي في هذا الأمر. لكنّها بالتأكيد تمتّ بصلة لأبجديات مابين النهرين، يوحي لي بذلك شكل الرموز، مع أن هذا الأمر لا يمكن الجزم به لأن طبيعة الكتابة على الفخّار فرضت أسلوباً معيناً لأشكال الرموز. -هل تعنين أننا قد نكون أمام أبجديّة تاريخيّة لم تكتشف من قبل يا سيرينا؟!. -ممممم.....لا أدري، لكن هل تعلم ما قيمة أن نكتشف أبجدية تاريخيّة؟!.....سيخلّد اسمك واسمي في كتب اللسانيات والتاريخ. - لكن أخبرني، من أين أتيت بهذا النص؟ -لقد وجدته مكتوباً على صخرة خلال إحدى جولاتي الجيولوجية. لعدّة أيام لاحقة كانت الورقة التي قدّمتها لسيرينا شغلها الشاغل، صحيح أنّي افتقدت سيرينا التي تعرّفت بها في المتحف، إلا أنّي وجدت سيرينا التي لا تكلّ ولا تملّ. راجعت كل مكتبتها الخاصّة بحثاً عن أي معلومة تمت بصلة لهذه الأبجدية الغريبة، حتى في وقت تناول الوجبات كانت تتصفح بعض المواقع المتخصصة. كل ذلك لم يثمر سوى المزيد من الحيرة، وفي تلك الليلة فاجأتني سيرينا بنظرة مسمارية وهي تغلق الحاسب المحمول الذي كانت تتصفحه، قالت -سالم......بالطبع أنا أعرف أنّك تخفي شيئاً، أنت أخبرتني أنّك وجدت النص على صخرة. هذا غير حقيقي. -ولماذا تعتقدين ذلك؟. -هههههه.....أنا خبيرة بمثل هذه الأمور يا سالم. من الواضح أنّك لم تواجه أي صعوبة في نسخ النصّ، هذا واضح من تطابق الرموز في الكلمات المختلفة. مما يعني أنّ النص محفوظ بشكل جيّد وكتب بخطّ واضح ومتقن، وهذا لا يمكن أن يكون على صخرة مرمية في جبل. هيّا أخبرني.....أخبرني بكل شيء أو لن أستطيع أن أساعدك. نعم، كان في طلب سيرينا شيء من الابتزاز، لكنّه ابتزاز لذيذ، فكل شيء منها كان لذيذاً. أخبرتها بكل شيء، كانت تستمع بكل هدوء، مع أنّ دوامةً من الدهشة كانت تأخذ بلبّ عينيها الرائعتين. عندما انتهيت من الكلام أطلقت تنهيدة أشعرتني أنها كانت تحبس أنفاسها منذ مدّة. طلبت منّي وهي تأخذ بيدي أن نخرج للمشي. مشينا على طول الواجهة البحرية للمدينة، ومن شعوري بسيرينا تيّقنت أنها تحسّ بذات العجز الذي أحسست به قبل أن ألجأ إليها. كانت مشيتها متخاذلة بعض الشيء وكلماتها باردة. لكنها تأبى إلا أن تكون مفاجِئة. استدارت أمامي بخطوة قافزة ومدّت ذراعيها وكأنها تسدّ الطريق أمامي، قالت -هل زرت بلغاريا من قبل؟ عقدت الدهشة خطواتي، ولم أستطع إلا اقتباس شيء من ابتسامتها المتحمّسة -لا....لم يسبق لي زيارة بلغاريا. لكن ماذا يوجد في بلغاريا؟ -أولاً أخبرني، هل تمانع في أخذي لإجازة إلى بلغاريا لأسبوع واحد فقط؟. أعدك أن تقضي وقتاً رائعاً على شاطئ المتوسط. -بالطبع لا أمانع، بل أحب ذلك. لكن بالتأكيد أنتِ تفكّرين بشيء آخر غير شواطئ المتوسط. -اممممممم.....نعم، أفكّر بأندريه تودوروف. هل سمعت به؟. -لا، لم أسمع به من قبل. من هو؟ -إنّه من أشهر علماء الآثار، ومتخصص بالذات في النصوص القديمة. هو فرنسي من أصول بلغارية وهو يعيش في بلغاريا حالياً. تعرّفت عليه من خلال مشروعي تنقيب نفذّتهما بعثة تنقيب فرنسيّة هنا في جورجيا، ومنذ ذلك الحين لم تنقطع صلتي به، إنّه شخص ملهم. -آها.....وما طبيعة المعرفة بينكما؟! -ههههههه.....هل تشعر بالغيرة؟! أعترف لك أنّي معجبة به جداً، وأتراسل معه باستمرار. -ماذا!؟!. -اهدأ ..... إنّه الآن في الخامسة والثمانين من عمره. هل حقاً تغار عليّ؟. -لن أخبرك. لكن يستحسن أن أتصل بأمي لأخبرها أنّي سأتأخر في العودة. ولابد أيضاً أن أرسل طلباً لتمديد إجازتي من العمل. أعترف أنّي لم أكن أعلّق أملاً كبيراً على السيّد تودوروف، ومع ذلك أبديت حماساً للرحلة إلى بلغاريا برفقة سيرينا. ما أحلى رفقتها!!!....تجعل كل شيء دافئاً وحبيباً. وجهتنا في بلغاريا كانت مدينة فارنا على ساحل المتوسط، لذلك كان علينا بعد هبوطنا في العاصمة صوفيا استقلال طائرة أخرى لفارنا. من المطار أخذتنا سيّارة أجرة لمنتجع صغير يقع على تلّة مرتفعة مطلّة على البحر. ما لم نحسب حسابه، والذي أعطاني فرصة لإغاظة سيرينا، هو أننا كنّا في فصل الشتاء، درجة الحرارة في فارنا لم تكن تتعدّى الخمس درجات، عندما دخلنا الغرفة وفتحت النافذة المطلة على البحر قلت لسيرينا مازحاً -سيرينا.....يبدو أنّ هناك تحذيراً من تسونامي. -ماذا؟!.....ماذا تقول؟. -يبدو الأمر كذلك، وإلا لماذا لا يوجد أحد على الشاطئ؟! أين السيّاح والمصطافين على ضفاف المتوسط؟!. عندما التفتُّ لأقرأ تعابير وجهها فوجئت بها تقذفني بالمنشفة وهي تقول -تذكّر أننا هنا لرؤية حبيبي تودوروف وليس للاصطياف. -حبيبكِ!!!.....حسناً يا سيرينا، مادام حبيبكِ الفرنسي هنا فلا حاجة لوجودي، سأرحل غداً. -ترحل؟!....تذكّر أن أمّي أوصتك بي، ولابد أن تعيدني لها سليمة. -سأعود لها وأخبرها أنّكِ فضّلتي البقاء مع حبيبكِ الفرنسي. -لماذا لا تعترف أنّك تغار عليّ؟!......على كل حال سأنسى الموضوع لو أعطيتني المنشفة، أريد أخذ حمام دافئ. تودوروف كما فهمت من سيرينا يقضي كل وقته في مطعم صغير بقرب الميناء، ولذلك لم يكن لنا معه موعد محدد. أخذنا قسطاً من الراحة ثم خرجنا قاصدين الميناء الذي لم يكن يبعد سوى بضع دقائق مشياً على الأقدام. وصلنا المطعم المقصود، واجهتاه الزجاجيتان مطلتان على المرفأ، بواسطة حبال السفن الغليظة كتب أعلى الباب "مطعم كوكيري"، بعد ذلك علمت أن "كوكيري" هو اسم التلّة المطلة التي كنّا نسكن فوقها. قبل أن ندخل المطعم كانت الصورة الذهنية في رأسي عن تودوروف تشبه صورة عالم البحار الفرنسي جاك كوستو، لكن بمجرد دخولنا إذا برجل قصير وبدين بعض الشيء يصرخ باسم سيرينا، كان واضحاً أنّه ثمل من كثرة شرب الخمر. لم يكن بالإمكان تمييز هيئته عن هيئة أي من البحارة المخمورين في ذلك المطعم. التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 01-09-14 الساعة 12:38 PM | ||||
|
|
01-09-14, 12:43 PM
| #13 | ||||||||
| مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء  
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلا بك اخي بعد اذنك انا اعدت تنسيق الاجزاء التي انزلتها ودمجتها مع بعض لتكوين عدة فصول ارجو منك الاطلاع عليها ضروري التنسيق ليعرف الاعضاء الفصول ويميزوها في المشاركة الاولى وضعت لك روابط الفصول هنا https://www.rewity.com/forum/t306680.html#post9482624 | ||||||||
|
|
|
01-09-14, 12:57 PM
| #14 | |||||
| اقتباس:
أشكركِ مرّة أخرى وأنحني للطفكِ البالغ. | |||||
|
|
|
02-09-14, 10:43 AM
| #18 | ||||
| الفصل السادس ج2 كنت أفكّر ونحن ننصرف عن تودوروف "هل يعقل أنّ غيرتي على سيرينا مفضوحة بهذا الشكل؟!"، وتوقّعت منها أن تثير الموضوع غير أنّها لم تفعل، إنّما لمّحت برفق أنّها ترغب في دعوة استثنائية للعشاء وفي مكان استثنائي. ربّما أرادت تعويضي عمّا شعرت به. انتظرنا تودوروف في الموعد، وجاءنا بصورة مختلفة عن التي رأيناه بها البارحة. كان متنهندماً، وكذلك روحه كانت منتشية. عند دخوله بهو الفندق أحدث استقبال الموظفين الحار له جلبة بهجة، وتبعه بعضهم مرحباً حتى المقهى حيث كنّا نجلس. عندما قمنا لمصافحته تعمّد أن يبدأ بسيرينا، وبدل أن يصافحها طلب عناقها وذيل عينه يرمقني، لم يفعل ذلك إلا لإغاظتي دون شكّ، وحين جلس نظر لي متهكّماً وقال -هل تشعر بتحسّن منذ البارحة؟ -نعم...شكراً لك. إنما التحسّن الأكبر يبدو عليك أنت!!! من رآك البارحة يكاد لا يعرفك اليوم. -صحيح. أنت لا تعلم ماذا فعلت بي تلك الورقة التي أعطتني إياها سيرينا البارحة، لقد أعادت لي إرادة الحياة......هل تصدّق ذلك!!!. -أصدّقك بالطبع، لكنّي لا أفهم كيف. -حسناً....كنت قد وعدتكما البارحة بحديث شيّق، حينها كنت ثملاً للغاية، والآن أراه غير مناسب للحظتنا هذه مع أنّه سيجيب على تساؤلك السابق، لكن لابد سيكون له متّسع في وقت آخر. والآن عندي لكم مفاجأة ...... إليكم ترجمة أولية للسطر الأول من النص الذي أعطيتموني إياه. حينها صرخت سيرينا من المفاجأة، لاشكّ أنها كانت خائفة من أن يخذلها تودوروف أمامي، ضرب تودوروف الطاولة عدّة مرّات بيده ليسكتها، قال -سيرينا......أين تحسبين نفسكِ؟ في حضانة؟!؟!....والآن إليكما المعاني، كتبتها بالإنجليزية لأجل سيرينا، وإلا فالعربية أقرب لإفصاح المعنى. بالطبع يتطلّب الأمر جهداً كبيراً وخيالاً واسعاً للاقتراب للمعنى الذي أراده الكاتب، لنرى المعاني ثم لنتكلّم عن مراد الكاتب. تأتي معاني السطر الأول هكذا "منظّم- سائر- محدّد" / "واحد- مستولي- كل الجهات" التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 02-09-14 الساعة 11:08 AM | ||||
|
|
|
03-09-14, 12:17 AM
| #19 | |||||||||
| مشرفه في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة نشيطة في منتدى الصحة والرشاقة 
| اسلوبك سلس ومشوق جدا لا اكاد انتهى من جزء الا وانا اجرى على الجزء التالى تسلسل الاحداث و الوصف رائع ومشوق بانتظار القادم واتمنى ان تزيد من حجم الفصول وتحدد مواعيد لنزولها وارجو ايضا ان تهتم بالتسويق لروايتك المنتدى كما ترى زاخر بالروايات والكتاب وكما تحتاج للموهبة تحتاج للتسويق لعملك فالامر متكامل وارجو ان تهتم به حتى لا تظلم روايتك حاول تحميل العضوية الذهبية لتمكنك من الاعلان عن نزول الفصل فى شريط الاهداءات وكذلك ارسال دعوات فى رسائل زوار للاعضاء اخيرا بالتوفيق وفى انتظار القادم بالتوفيق الك | |||||||||
|
|
 |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
.png)
العرض العادي
