عرض مشاركة واحدة
قديم 28-05-15, 10:50 AM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




الجزء السابع عشر





أغلقت باب الغرفة في حرص، و خطت في هدوء في اتجاه منضدة الزينة. أخرجت صندوقها الخشبي الصغير... صندوقها الذي تحتفظ فيه بقطع قليلة من الحلي، و بالكثير من الذكريات... تناولته بيسراها و هي لا تزال تقبض على القلادة بيمناها.

جلست على السرير، فتحت الصندوق بيد مرتعشة و أخرجت قلادتها ذات الشكل الغريب. وضعت الحليتين جنبا إلى جنب و راحت تتأملهما في حيرة... إنها متأكدة من أن هذه القلادة لحنان، مذ رأتها و هي تحس بذلك... قلبت الحليتين في جميع الاتجاهات... كانت كلتاهما ذات شكل غريب... قلادتها تشبه الهلال في شكلها، لكن الاستدارة لم تكن مكتملة... أما القلادة الثانية، فقد كانت بيضوية، مع نتوءات غريبة مثل أسنان المنشار تغطي أحد جوانبها... لا شك أنهما من صنع صائغ واحد، نفس الزخرفة و نفس الماسات الصغيرة المصفوفة بعناية...


فجأة، خطرت ببالها فكرة، بدا لها شكل الحلية الثانية، مشابها لشكل الفراغ داخل الهلال. قربت الجزأين من بعضهما البعض، و دفعت أحدهما إلى داخل الآخر... و بسهولة شديدة، التحمت القطعتان، و سمعت تكتكة خفيفة مع تعانق النتوءات التي غطت الجانب الداخلي لكلا الحليتين لتلتصقا و تكونا شكلا واحدا بيضويا! رفعت القطعة المتحدة أمام عينيها و ارتسمت على شفتيها ابتسامة... و أخيرا اجتمع النصفان بعد زمن طويل من الفراق!

كانت الماسات الصغيرة التي رصعت وجه الحلية تتألق بلمعان جذاب، ظلت تقلبها تحت ضوء الشمس الباهت في ذاك الوقت من المساء. قلبتها على الوجه الآخر و مررت أصابعها على النقوش الخلفية... كان اسمها و اسم حنان منقوشين على كل من القطعتين، لكن اسمح حنان كان قد غطي بطبقة رقيقة من الرواسب. دعكتها بإبهامها في حذر محاولة إزالة ما علق بها، و لدهشتها، انزلق الوجه العلوي للحلية من مكانه تحت ضغط أصابعها لتجد بين يديها طبقتين رقيقتين منفصلتين تقريبا، لا تلتقيان إلا في نقطة واحدة في طرف الشكل البيضوي، و تنزلق كل منهما على الأخرى في سهولة في اتجاه دائري...

تأملت في اهتمام الوجه الداخلي لكل طبقة و هي تعقد حاجبيها في استغراب... كان أحد الوجهين يحمل صورة رجل و امرأة... بدا أنهما في ثوب الزفاف! الصورة نقشت على الذهب بخطوط رقيقة و غاية في الدقة و الإتقان... أما على الجانب الآخر، فقد نقشت أرقام غريبة، لم تفهم معناها للوهلة الأولى... دققت النظر في حيرة متزايدة، لكن ما لبثت ابتسامتها أن اتسعت لتملأ وجهها...

كانت الأرقام الغريبة عبارة عن تواريخ! التاريخ الأول كان منذ ستين عاما تقريبا... خمنت على الفور أنه تاريخ زواج جدتها و جدها لأبيها... أما التاريخ الثاني، فكان من الواضح أنه تاريخ زواج والديها! يبدو أن القلادة موروث عائلي! ضحكت بصوت خافت و هي تتأمل اكتشافها في إعجاب. لكن ضحكتها لم تلبث أن تلاشت و حل مكانها الوجوم... هناك تاريخ آخر يجب أن ينقش على هذه القلادة... تاريخ زواج فراس و حنان! ذاك اللغز الغريب الذي يزيدها حيرة يوما بعد يوم.

أعادت الطبقتين إلى وضعهما الأول و فكت جزأي القلادة و قد فتر السرور الذي انتابها لبضع لحظات... تشاغلت بتقليب الحليتين بين أصابعها في توتر... كان من المستحيل تحريك الطبقتين بعد فصل القطعتين! أي نظام عجيب في الداخل! أعادت تركيبهما، و ارتمت على السرير في إعياء... و سرعان ما سرحت مع خيالها و هي تتأمل صورة العروسين. ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة و هي تتساءل... متى سينقش تاريخ جديد داخل القلادة؟


*********


استيقظت ليلى باكرا هذا الصباح... جهزت نفسها في سرعة و حماس على غير العادة... نظرت إلى هندامها في المرآة، و حاولت رسم ابتسامة على وجهها... تحاول أن تكون بشوشة و منطلقة في أول زيارة لها لجامعتها الجديدة! لعل اندماجها في الحياة الاجتماعية و تركيزها على دراستها يشغلانها عن التفكير في المسائل التي تحيرها و تؤرقها... كان ياسين قد اهتم بتسجيلها كما وعدها، فلم تفوت لحظة واحدة...

عبرت الممر مهرولة و نزلت السّلم في وثبات سريعة... لا تريد أن تتأخر عن موعدها مع مدير مركز البحوث في الجامعة! كانت في طريقها إلى الخارج مباشرة حين سمعت صوتا ينادي باسمها. التفتت مبغوتة إلى الخلف. لم تكن قد انتبهت إلى ياسين و فراس الذين وقفا أمام غرفة الطعام و قد بدا أنهما يستعدان للمغادرة كل إلى عمله. ابتسم ياسين و هو يبادرها :
ـ إلى أين في مثل هذه الساعة المبكرة؟

عادت خطوتين إلى الوراء و قد احمرت وجنتاها خجلا من تصرفاتها الطفولية. من المؤكد أنهما رأياها تقفز و تركض كالصبيان! تلعثمت و هي تهمس في حرج :
ـ إلى الجامعة... لدي موعد مع أحد مسؤولي مركز البحوث...

ـ هل تناولت إفطارك؟

لوحت بيدها في لامبالاة و هي تقول :
ـ لا بأس، سأتناول لمجة خفيفة من مطعم الجامعة... لا أريد أن أتأخر عن الموعد...

ـ انتظري إذن سأوصلك!

ابتسمت في امتنان و قالت :
ـ لا تزعج نفسك... سأذهب مع السائق اليوم لأتعود على الطريق، ثم يمكنني الذهاب بسيارتي في الأيام القادمة...

تكلم فراس، الذي كان يتابع حوارهما في صمت، بصوت هادئ، دون أن تتغير ملامح وجهه الجامدة :
ـ السائق لم يعد بعد... أبي غادر منذ قليل إلى الشركة، لذلك فإنه لن يكون هنا قبل ساعة أخرى...

وقفت ليلى في حيرة و تردد. لا تدري لم أحست بأن فراس يشمت فيها و يستمتع بوضعها في مواقف سخيفة... أو ربما هيأت لها هواجسها ذلك! لا تستطيع الاطمئنان إلى ذاك الشخص أبدا...

قاطع ياسين أفكارها و هو يقول :
ـ إذن أوصلك...

لم تكن تريد ركوب السيارة معه بمفردها... ربما كان الأمر سيان مع السائق، لكنه أشبه بسيارة الأجرة... ذاك هو عمله! أما ياسين فهو ابن خالها، و لن يرضى بأن تجلس في المقعد الخلفي في سيارته... موقف محرج حقا! و كأنه فهم ما يدور في خلدها، فأضاف :
ـ سأوصل رانيا أيضا إلى منزل جدتها...

ابتسمت ليلى أخيرا و قد وجدت طوق النجاة. أما فراس، فإنه نظر إلى ساعته في توتر و قال في تجهم كأنه مستاء مما حصل للتو :
ـ يجب أن أذهب الآن... سأتأخر على المرضى... نواصل حديثنا لاحقا...

هز ياسين رأسه موافقا، في حين غادر فراس المكان في خطوات واسعة. مر من جانبها و هو يتجنب النظر إليها... تصرفاته المتعالية تثير غيظها!

نزلت رانيا و هي تقفز في مرح، عانقت ليلى بسرعة، ثم جرت نحو والدها و أخذت تجذب كفه في استعجال و هي تهتف :
ـ هيا، بابا... هيا... سنتأخر!

ابتسم و هو يمسح على رأسها قائلا :
ـ حسن، حسن... اسبقيني إلى السيارة، و خذي معك خالتك ليلى...

قفزت رانيا بسرعة و ركضت نحو ليلى و أخذت تجرها من كفها إلى الخارج. بعد دقائق قليلة كانت السيارة تتحرك في اتجاه الجامعة...


لم تكن المقابلة مع مدير مركز البحوث سريعة كما توقعت. فرغم أن ليلى كانت قد جهزت ملفاتها مسبقا من أجل دراستها العليا في فرنسا، فإن المدير دخل في مقارنات مطولة بين نظام الدراسة المحلي و نظام الجامعات الفرنسية و استغل الفرصة ليطرح عليها أسئلة كثيرة بخصوص المناهج المعتمدة هناك و اختبار مدى تمكنها من المواد المقررة... و في نهاية اللقاء قدمت فكرة مشروعها و اتفقا على مواعيد الدروس و المحاضرات... و بعد أكثر من ساعتين، كانت تغادر الجامعة.

وقفت عند الباب في تفكير... لم يسبق لها أن خرجت إلى المدينة بمفردها، و لم تكن تعلم أين تجد محطة سيارات الأجرة، و لا كيف تتصل بالشركة المختصة حتى ترسل إليها بواحدة. و بينما هي في تفكيرها، ارتفع صوت منبه سيارة غير بعيد عنها. التفتت تلقائيا، فرأت سيارة ياسين! سارت نحوها في استغراب. ابتسم ياسين و هو يراها تقترب :

ـ أخذت رانيا لشراء بعض الهدايا لجدتها... و فكرت في أنك قد تكونين انتهيت من موعدك... لذلك انتظرناك... أليس كذلك رانيا؟

هزت رانيا، التي تجلس في المقعد الأمامي، رأسها في ملل و هي تحتضن أكياس المشتريات... من الواضح أنها تعبت من الانتظار! صعدت ليلى في حرج، و شعرت مجددا بالامتنان لاهتمام ابن خالها الأكبر بكل ما يخصها. هتفت رانيا :
ـ هل سنذهب إلى منزل جدتي الآن؟

التفت إليها ياسين مهدئا :
ـ سنوصل الخالة ليلى إلى القصر أولا... في الأثناء تكون جدتك قد استيقظت و أعدت فطور الصباح... تعلمين أن الجدات يستيقظن متأخرات!

غمغمت رانيا في احتجاج :
ـ جدتي تستيقظ دائما مبكرة!

أطلق ياسين ضحكة قصيرة، و انطلق في طريق العودة...


فجأة تعالى رنين هاتف ياسين الجوال. بدا عليه الاهتمام و هو يرد على الاتصال بكلمات سريعة مقتضبة. ثم ما لبث أن نظر إلى ليلى عبر المرآة العاكسة و هو يقول معتذرا :
ـ هناك أمر عاجل يستدعي وجودي في الشركة على الفور... الطريق إلى الشركة قصيرة من هنا... لذلك سأمر إلى هناك مباشرة... لن أتأخر... خلال دقائق قليلة سأنتهي من الأمر...

هزت ليلى رأسها في تفهم، في حين راحت رانيا تتأفف من التأخير و ياسين يحاول تهدئتها بشتى الوعود و المغريات دون فائدة...


توقفت السيارة أمام المبنى الضخم... نزل ياسين مسرعا و قال قبل أن يختفي في الداخل :
ـ انتظراني في السيارة... سأعود فورا!

كانت ليلى ترى شركة خالها للمرة الأولى. رفعت رأسها لتتأمل العلو الشاهق لطوابق المبنى العشرة و ابتسمت... لم يعد يدهشها شيء في ممتلكات عائلة خالها... و لا عجب أن تطمع حنان و نجاة و رجاء أيضا، في نصيب من هذه الممتلكات! تنهدت في حسرة و هي ترسل بصرها إلى الخارج عبر النافذة...

فجأة، لمحت شخصا يخرج من المبنى في خطى سريعة و يتوجه نحو الموقف و هو يضع نظارته الشمسية على عينيه... تسمرت مكانها في دهشة، لم تكن تتخيل أن تراه ثانية بهذه السرعة... و في شركة خالها بالذات! و دون تفكير أو تردد، فتحت باب السيارة و نزلت... هتفت رانيا في دهشة و هي تراها تبتعد :
ـ خالة ليلى...

أشارت ليلى إليها كي تبقى في السيارة، و أخذت تبحث عنه بعينيها مجددا... رأته يقف عند سيارة غير بعيدة عنها... قطعت الأمتار القليلة في شبه ركض و هتفت و هي تراه يستعد للانطلاق :
ـ مأمون!

التفت في استغراب عند سماع اسمه، و ما لبثت حيرته أن تحولت إلى مزيد من الدهشة و السرور بعد أن تعرف عليها. نزل من السيارة على الفور و تقدم نحوها مبتسما :
ـ آنسة ليلى... كيف حالك؟

ابتسمت في توتر و هي تجيب :
ـ بخير، شكرا لك... سمعت أن شقيقتك مريضة، أرجو أن تكون بخير الآن...

بدت عليه الدهشة للوهلة الأولى، ثم قال بعد تردد قصير :
ـ هالة؟ امممم... نعم، نعم... وعكة بسيطة... إنها بخير الآن، لا داعي للقلق... لكن أخبريني، ما الذي تفعلينه هنا؟

نظرت إليه في حيرة و قالت محاولة أن تحافظ على هدوئها :
ـ كنت سأسألك نفس السؤال! فهذه شركة خالي، إن كنت لا تعلم...

هرش رأسه في حرج و هو يقول في ارتباك :
ـ نعم بالطبع... السيد نبيل القاسمي خالك... كيف غاب عني هذا...

عقدت حاجبيها و هي تقول في شك :
ـ إذن ماذا كنت تفعل في شركة خالي؟

لوح بكفيه و هو يبتسم :
ـ لا شيء مهم... كانت لدي بعض الأعمال التي أوكلني بها والدك... و قد انتهيت منها...

عقدت ليلى ذراعيها أمام صدرها و قالت في حزم :
ـ مأمون... أرجوك، أخبرني ما الذي يحصل هنا؟ ما علاقة شركة خالي بأعمالك مع والدي؟

سكت مأمون في تردد واضح و بدا عليه التفكير... نظرت إليه ليلى في استعطاف و هتفت :
ـ مأمون! أنت تخفي عني أمرا ما! أرجوك... أريد أن أفهم!

زفر أخيرا في استسلام و هو يقول :
ـ حسن... والدك كان يريد أن يترك الخبر مفاجأة لك، لكن ماذا أفعل... أمري إلى الله... والدك قرر أن يصفي حساباته في فرنسا، و يستثمر قسما كبيرا من مدخراته في فرع شركة نبيل القاسمي الجديد... لذلك أرسلني حتى أهتم بكل الأمور القانونية إلى حين عودته...

نظرت إليه ليلى في ذهول... لم تكن تتوقع ذلك أبدا! لماذا يشارك والدها خالها بعد كل هذه السنين؟ و لماذا أخفى عنها ذلك، و اختلق عذرا لتواجد مأمون في المدينة؟ عادت إليها اتهامات رجاء و كلماتها المسمومة... اتهمتها بالطمع في الثروة و التخطيط إلى الحصول عليها... و هاهي تطرح على نفسها تلك الأسئلة مجددا... لماذا أرسلها والدها إلى هنا، و في نفس الوقت، أرسل مساعده للتجهيز لتعاقده مع خالها... ماذا يعني كل هذا؟

نظرت إلى مأمون في ريبة :
ـ مأمون... اصدقني القول... هل أفلست شركة أبي و اضطر إلى البيع؟

أطلق مأمون ضحكة قصيرة ثم قال مطمئنا :
ـ ليس الأمر كذلك أبدا... لم نصل إلى الإفلاس على أية حال!

ثم قال بصوت هادئ :
ـ لا داعي للقلق... كل شيء سيكون على ما يرام... لا تشغلي نفسك بهاته المسائل...

عادت مجددا إلى سيارة ياسين بعد أن شيعت بنظراتها سيارة مأمون و هي تبتعد... لكن القلق لم يشأ أن يفارقها... إلام تخطط يا نجيب كامل؟


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس