عرض مشاركة واحدة
قديم 28-05-15, 10:52 AM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




الجزء التاسع عشر






وقفت ليلى في المطبخ إلى جانب العم هاشم و هو يعد الوجبة التي طلبتها منها، و أخذت تهز قدمها في عصبية... قالت و هي تستعجله :
ـ هل انتهيت من الحساء؟

ابتسم الرجل و قال و يداه لا تتوقفان عن العمل :
ـ لم يبق سوى تزيين الحلويات، ثم أضع كل ما يلزم في سلة الطعام...

تحركت ليلى و بسرعة لتحضر السلة و هي تقول :
ـ هات عنك... سأنظمها بنفسي هنا... أرجو أن تجهز الحلويات بسرعة... لا أريد أن أتأخر أكثر!

أطل أمين من الباب. لم تنتبه إليه ليلى التي كانت منهمكة في عملها. عقد ذراعيه أمام صدره و استند إلى دفة الباب و راح يتأملها و على شفتيه ابتسامة خفيفة... كم تبدو بريئة و عفوية و هي تتنقل هنا و هناك في حيوية، تضع لمساتها المميزة على كل ما حولها... كل ما يخص والدها يدخل على قلبها السرور... كم تغيرت منذ عودته، رغم الألم و الخوف إلا أن وجوده قريبا منها هو كل ما يهمها...

رفعت رأسها فرأته، ابتسمت على الفور، في حين بادرها هو :
ـ تحتاجين إلى بعض المساعدة؟

ـ انتهيت تقريبا... أنتظر الحلويات التي يهتم عم هاشم بتزيينها...

استدار ليغادر و هو يلوح بالمفاتيح :
ـ أنتظرك في السيارة... منال سبقتك...

هزت رأسها علامة لموافقة ثم التفتت من جديد إلى العم هاشم تراقب عمله...


لم يسمح لها ليلة البارحة بالبقاء إلى جانب والدها في المستشفى. غادرته و في قلبها غصة... لم تستطع النوم و هي تفكر في مرض والدها، و حياتها القادمة... لا يجب أن تستسلم، هكذا حدثت نفسها... يجب أن تكون قوية من أجله. إن كل ما يؤرقه في مرضه هو خوفه عليها... لذلك يجب أن تطمئنه عليها و أن تستعيد توازنها حتى تقف إلى جانبه كما يجب...

وصلت السيارة إلى المستشفى. ترجل أمين و بادر بحمل سلة الطعام في حين سبقته ليلى و منال إلى الداخل... كان نجيب مستلقيا في سريره يطالع جريدة محلية. لم يعد يتحمل القيام بأي مجهود عضلي، و رحلة الأمس أرهقته كثيرا... لذلك فإن الطبيب أمر بملازمته للفراش لبعض الوقت... يحس بخدر في عضلات ساقيه، و تنفسه غير منتظم... لم يبق في العمر الكثير يا نجيب... هكذا كان يحدث نفسه حين دخلت عليه ليلى... سالت على خده دمعة يتيمة لم يستطع كبح جماحها في اللحظة المناسبة. هرعت إليه ليلى و احتضنته في حب. همست في أذنه و هي تبتسم :
ـ اشتقت إليك يا أغلى الآباء...

ابتسم بدوره و هو يربت على رأسها :
ـ و أنا أكثر يا أغلى البنات...

تقدمت منال التي لم يرها بعد و عرفت بنفسها بعد أن سلمت عليه بدورها. بادرها على الفور :
ـ أين زوجك؟

ـ لديه بعض الأعمال في الصباح... لكنه وعد بزيارتك حالما ينتهي منها...

نظر نجيب إلى ليلى و سألها :
ـ و أين الدكتور فراس؟ لمَ لم يأت معكم؟

هزت ليلى كتفيها كأنها تقول : لا علاقة لي به! في حين تبادل أمين و منال نظرات حائرة. كان من المفترض أن يصل إلى هنا قبلهم، فقد أعلن البارحة أنه سيمر على المستشفى قبل ذهابه إلى العيادة. تكلم أمين موضحا :
ـ لا شك أن أمرا ما شغله... فقد حسبت أنه زارك باكرا هذا الصباح!

فجأة، رن هاتف ليلى الجوال... كانت سحر المتصلة. لا شك أنها تلقت رسالتها القصيرة و تريد التهنئة. لكن كل شيء تغير بين الأمس و اليوم! خبر الأمس المفرح، لم تتبق منه سوى ظلال قاتمة تخيم على قلبها الصغير الذي اشتاق إلى النور... اعتذرت و خرجت إلى الممر لترد على الاتصال.

ـ ليـــــــــــلى، مبارك! الحمد لله على عودة والدك سالما! سعدت كثيرا من أجلك...

قاومت ليلى حتى لا تتمرد دموعها على إرادتها مجددا
ـ شكرا لك يا عزيزتي...

ـ ليلى؟ لماذا لا تبدو السعادة في صوتك؟ هل حصل أمر ما؟

تنهدت بعمق، قبل أن تسمح لعبراتها الحبيسة بالتسلل من نوافذ عينيها
ـ أبي مريض يا سحر... مريض جدا! لم يسافر للعمل... بل للعلاج!

سكتت سحر و قد ألجمتها المفاجأة، لا تدري كيف تواسي صديقتها... تذكرت شيئا ما
ـ ليلى... هناك أمر آخر...

أبعدت ليلى السماعة عن أذنها حين وصلها اتصال ثان على الخط الموازي... لم تتعرف على الرقم

ـ سحر، لحظة... وصلني اتصال آخر... ثوان و أعود إليك...

مسحت دموعها و أخذت نفسا عميقا قبل أن ترد على الاتصال
ـ السلام عليكم

ـ و عليكم السلام و رحمة الله

اهتزت أوصالها بقوة حين وصلها الصوت... و تدفقت الدماء بشدة إلى وجنتيها
ـ ليلى... كيف حالك؟

تسارعت دقات قلبها أكثر فأكثر... بالكاد تمالكت نفسها لتسأل باضطراب :
ـ من المتصل؟

لم يكن الصوت العميق و النبرة الدافئة التي تبعثر كيانها لتخفى عليها... لكنها أرادت التأكد، قبل أن تستسلم للحلم... فقد باتت الأحلام صعبة المنال في الأيام القليلة الماضية...

ـ أنا عمر... آسف لأنني اتصلت دون إذنك... لكنني علمت أن والدك قد عاد من السفر... و ظننت أن الفرصة قد تكون مناسبة لــ... أتحدث إليه...

سالت دموعها مجددا، من التأثر هذه المرة... لم ينسها رغم أنها سافرت دون أن تعلمه أو تطمئنه إلى موافقتها... لم يتخل عنها رغم بعد المسافات و رغم عدم وفائها بوعدها بطلب موعد له مع والدها... أحست بالنور يتسلل إلى قلبها من جديد... و تمنت أن تكون سعادتها حقيقية هذه المرة، و ليست مجرد أوهام سرعان ما تتبخر...

ـ سأكون في مدينتكم بعد يومين... لدي بعض الندوات و المحاضرات... و أود أن أستغل الفرصة للقاء والدك إن أمكن...

لبثت صامتة و هي لا تدري بما تجيب... هل تخبره بمرض والدها؟ هل الوقت مناسب للقائهما؟ ربما كانت خائفة على صحة والدها، لكن خبرا كهذا سيسعده بالتأكيد... يهمه أن يطمئن على مستقبلها...

ـ ليلى... هل كل شيء على ما يرام؟

تكلمت أخيرا، بصوت مبحوح :
ـ لا... لا بأس... سأكلم والدي في الموضوع...

بدا الارتياح في صوته و هو يقول :
ـ حسن إذن، موعدنا بعد يومين إن شاء الله... سأتصل بك حال وصولي لتأكيد الموعد...

ـ حسن...

همت بإنهاء المكالمة، لكنه استوقفها :
ـ ليلى...

ـ نعم؟

ـ اهتمي بنفسك جيدا...

تنهدت في ارتياح و هي تغلق الخط و ظلت الابتسامة معلقة على شفتيها... تذكرت فجأة أنها تركت سحر تنتظر على الخط الآخر! عادت إليها بروح مختلفة.
ـ آسفة تأخرت عليك...

ثم هتفت متظاهرة بالغضب :
ـ من سمح لك بإعطاء رقمي لعمر؟ و لماذا لم تخبريني كي أستعد؟!

انفجرت سحر ضاحكة و قالت في مرح :
ـ إذن اتصل بهذه السرعة! كنت سأخبرك بذلك... لكنك لم تمهليني... أو بالأحرى هو لم ينتظر حتى أضعك في الصورة...

ابتسمت ليلى و هي تقول في سرور واضح :
ـ تصوري... سيكون هنا بعد يومين ليقابل أبي...

شهقت سحر و راحت تصرخ :
ـ هذا غش! يعتذر عن محاضراته متذرعا بـ"ظروف خاصة" و هو ذاهب ليلتقي حبيبة القلب! سأفضحه في الجامعة... سترين إن لم تصبحا حديث الساعة بين الطلبة، فلست أنا سحر التي تعرفينها!

ضحكت ليلى بصوت خافت، و هي تحس بوخزة في صدرها... لم يرد أن يشعرها بالحرج لأنه سيسافر من أجلها فقط! في حين تنهدت سحر و هي تقول في سعادة :
ـ نعم، اضحكي... الحمد لله أنك سأطمئن عليك قريبا... و أخلي مسؤوليتي منك!

ضحكت ليلى من جديد، ثم اعتذرت لأنها تأخرت على والدها و ضيوفه. أنهت المكالمة و قد أحدثت في نفسها تغييرا عميقا... ربما كان الغد أكثر إشراقا مما تتصور... فقط لو يمن الله بشفاء والدها...

استندت على حائط الممر و هي تحتضن الهاتف الذي حمل إليها المكالمة الغالية... و ارتسمت على شفتيها ابتسامة حالمة...


كان فراس قد عبر مدخل المستشفى للتو، و راح يجيل بصره باحثا عن الغرفة المقصودة و هو يستعيد في ذهنه الحوار الذي دار بينه و بين والده هذا الصباح. كان يستعد للخروج لزيارة السيد نجيب، حين استوقفه والده و دعاه إلى المكتب... لم يستوعب بعد كل ما قيل، لكن ما سمعه جعله ينفعل و يتشاجر مع والده... عقله يرفض الفكرة بشدة... لكن هناك أمور كثيرة يجب أن يحسمها بينه و بين نفسه قبل أن يصل إلى قرار مناسب... لكن هل سيعني قراره شيئا أمام تصميم والده؟

تنهد بعمق و هو يدلف إلى الممر المقصود... فجأة رآها... كانت تقف وحيدة على بعد بضعة أمتار، نظراتها تائهة في الفراغ و كفها تضم هاتفها إلى صدرها... لم يبد أنها انتبهت إلى وجوده. لمح الابتسامة الرقيقة على شفتيها فأحس بشيء غريب في صدره... نظر إليها في شك... تلك الابتسامة حيّرته. هل... هل تكون عاشقة؟!! هيأتها و وقفتها و ابتسامتها و الهاتف في يدها... كل ذلك جعلها تبدو كمراهقة تلقت مكالمة من حبيبها جعلتها تحلق إلى عالم آخر... لا يدري لمَ أزعجه الخاطر، مع أنه قد يريحه من مشاكل كثيرة و تختفي ليلى من حياته إلى الأبد...

توقف في ارتباك و عاد بضع خطوات إلى الوراء... وقف للحظات في المنعطف، مسح وجهه بكفه في حركة عصبية. ما بك يا فراس؟ اهدأ... ليس هناك ما يستحق الانفعال! كان منزعجا من نفسه، و من المشاعر الغريبة التي انتابته فجأة... تقول فجأة؟ لم يعد واثقا من الأمر... لطالما أثرت فيه ابتسامتها، و نظراتها الخجلة... حركاتها العفوية المحتشمة، و دموعها... آه من دموعها... لطالما قاوم اجتياحها لحياته بالتكشير و العبوس، ظن أن ذلك سيكفي لإبعاد خيالها عنه... ضغط على رأسه بين كفيه ليطرد الصور و الهواجس التي عادت إليه... مجرد أوهام يا فراس... مجرد أوهام، لا تستسلم إليها...

أخذ نفسا عميقا و استرجع رباطة جأشه، ثم عاد أدراجه إلى الغرفة... حين أطل من الممر لم يرها... تنهد في ارتياح، و تقدم بخطى ثابتة و ثقة عالية بالنفس...


كانت ليلى قد انصرفت إلى الحمام حتى تتخلص من آثار الدموع... لا تريد أن لا يلاحظها أحد، حتى إن كانت دموع فرح... كان في طريق عودتها إلى غرفة والدها حين لمحت مأمون قادما من الطرف الآخر للممر يحمل باقة ورود بيضاء، غاية في البساطة و الجمال. ابتسمت ليلى و هي تتأمل الباقة في إعجاب :
ـ كم هي جميلة!

سألها مأمون و هو ينظر في ساعته :
ـ جيد أنني رأيتك هنا... هل هناك زوار غيرك؟

هزت رأسها علامة الإيجاب و هي تقول :
ـ نعم، هناك أمين، و زوجة ابن خالي الأكبر...

تذكر أمين لقاءه السابق مع أمين فقال بسرعة :
ـ حسن إذن، لا أريد أن أفسد عليكم الجلسة العائلية... كما أنني مستعجل بعض الشيء... أرجو أن تسلميه هذه الباقة مع تمنياتي بالشفاء...

أخذت ليلى منه الباقة، و قد عادت إليها مشاعر الحزن التي تناستها لبضع دقائق. نظرت إليه في عتاب و قالت :
ـ كنت تعلم... و أخفيت عني! كلكم أخفيتم عني! حتى خالي كان يعلم...

تنهد مأمون في ألم و هو يقول معتذرا :
ـ كنا نأمل أن يجدوا علاجا له في الولايات المتحدة، و لا نضطر إلى إخبارك... أنت ابنته الوحيدة، و أقرب الناس إليه... لم نرد أن نؤلمك...

هزت رأسها في تفهم و هي تقاوم دموعها...

ـ إن احتجت إلى أي شيء، لا تترددي في الاتصال بي... أنت أختي الصغرى كما اتفقنا... أليس كذلك؟

ابتسمت في امتنان و قالت :
ـ شكرا جزيلا لك... وقوفك إلى جانب والدي في هذه اللحظات الحرجة لن أنساه ما حييت...

في تلك اللحظة، خرج فراس من الغرفة بعد زيارته القصيرة للمريض... رأى ليلى أمامه مع شاب لا يعرفه، يتهامسان في الممر... و باقة ورود بين ذراعيها... لم يكن الموقف يحتاج إلى المزيد من التساؤل... هاهو الجواب أمام عينيه!! التفتت ليلى حين انفتح الباب، و رأته يقف في صمت... تقدم بخطوات سريعة و عصبية، رماها بنظرة قاسية و ابتعد دون أن ينطق بكلمة واحدة... تابعته في حيرة و استنكار... لطالما كان فظا و باردا معها، لكن أن يعاملها بقلة احترام أمام شخص غريب فهو ما لم تتوقعه منه أبدا! طفح الكيل يا فراس!

تنحنح مأمون و هو يهم بالانصراف :
ـ آسف ليلى... يجب أن أذهب... سأتأخر عن موعد هام...

انتبهت إلى أنها كانت تضغط على الباقة بين يديها تكاد تهشمها...
ـ حسن... شكرا لك مجددا...

انصرف مأمون، و لبثت ليلى واقفة في الممر و الحيرة تملؤها... متى وصل فراس؟ و ما الذي حصل في الداخل حتى يغادر بهذه السرعة، و بمثل هذا الشكل؟!!





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس