كاتبة في قصر الكتابة الخاليّة وقاصة بقلوب احلام القصيرة |
9 – خذي الماس وأعطيني ...
كانت ايف مضطرة إلى ضخ الحماسة في سؤالها :
" حسن جدا .. أين سنذهب اليوم ؟ "
كان اليوم يوم الخميس , وهما في نورفولك منذ خمسة أيام , قاما فيها بالتجول في زوايا المقاطعة , إضافة إلى أجزاء من مقاطعة نورفولك المجاورة ... لكن ايف لم تلق التأثير الذي تأمله وتصلي من أجله .
لقد تمتعت تماما بكل الرحلات التي قامت بها مع كايل , واستنتجت أن المناظر التي استحوذت على إعجابها في الوقت الحاضر هي نفسها التي أعجبتها في الماضي .. ومع ذلك , فكلها جديد في نظرها ...
كان كايل يجلس قبالتها إلى مائدة الفطور , في كنزة رياضية فضفاضة وبنطلون جينز , فراح يتأوه بمبالغة وهو يدفن وجهه بين يديه بيأس ساخر .
صاح محتجا :
" ألا تتعبين أبدا ؟
إننا نجول من دون توقف منذ يوم الأحد .. أو يوم السبت في الواقع , نظرا لأنك تصرين على الخروج منذ أفرغت حقيبتك ..."
- لكننا .. .لا نملك سوى أسبوع ! ويجب أن نزور كل الأمكنة .
ارتسمت الكآبة على وجه كايل :
- ايف .. حبيبة قلبي ... أعتقد أننا زرنا كل الأمكنة .. لو يستوفت , غريت يارموث , كما اكتشفنا ملاذ ثعلب الماء ...
ثم رد على ابتسامة ايف بأحسن منها , فيما استغرقت في التفكير :
- ... لقد تمتعت بهذا .. أليس كذلك ؟
أشرقت عينا ايف وهي تتذكر ساعات التي قضيناها في مراقبة لمخلوق , البراق العينين , الطويل الذنب , يلعب في البركة الواسعة :
- بل أحببته ! لكنني أحببت " الديبورة " كذلك ... و "بوري سانت ادموند " و " سومير ليتون " بشبكة متاهاتها .. عرفت لاحقا أنك لو أردت الدخول إلى المتاهة ثم الخروج منها , فما عليك إلا البقاء إلى اليسار .. لكنني سأتذكر هذا دائما الآن ...
وما إن أبصرت التغيير في العينين العميقتين , والعبوس على وجهه حتى استدركت , وحاولت بسرعة أن تخفي غلطتها ..
- القرى في هذه المنطقة جميلة جدا .. ولقد أحببت كل الأكواخ الصغيرة المسقوفة بالقش .. لكن ...
دخل كايل بصراحة إلى صلب الموضوع :
" لكنك لم تستعيدي ذاكرتك . "
- لا .
أزاحت ايف طبقها جانبا , وقد فقدت شهيتها للطعام , الذي كانت تلتهمه منذ لحظة .. كان يصعب عليها أن تنظر إلى عينيه المتفحصتين ...
ووعت بألم كل الكلمات الصامتة فيهما . ثم فكرت في الأيام التي أمضياها يستكشفان الريف , ويزوران الأماكن التي أكد لها كايل أنها تحبها , فنجحت في تجنب الموضوع الأكثر إثارة للخلاف , حول علاقتهما الجسدية الحميمية ...
كان يمضيان ساعات طويلة في الهواء الطلق , فيعودان إلى " مونتاغوي " منهكين لا يفكران سوى بوجبة الطعام ونوم مبكر ... كل وحده . فمنذ نزلت ايف إلى الطابق الأسفل بعدما أفرغت حقيبتها يوم وصولهما , وجدت كايل يتصرف وكأن ما حدث في غرفة نومها لم يكن أصلا . ومن دون أن تسأله , أبقى كايل يديه بعيدتين عنها .. بعيدتين أكثر من اللزوم .. وأقنع نفسه بالقبل القصيرة , التي لا تتعدى القبلات الأخوية في مساء كل يوم . وأحست ايف بالإحباط لهذه المداعبات الخالية من العاطفة , فكانت تخلد إلى الفراش كل أمسية وهي تقاوم الشوق القوي داخلها ...
قالت متوسلة , ليفهم كم يهمها الأمر :
- لا بد من وجود أمكنه أخرى .
قطب كايل وهو ينظر إلى قهوته , وكأنه قد يجد الرد في قعر الفنجان .
أخيرا قال :
" شيرينغهام " .
سألت :
" شيرينغهام ؟
أي إلى الشمال من هنا .. أليس كذلك ؟ على الساحل ؟ "
هز كايل رأسه :
" إنها تقع غربي " كرومر " مباشرة , قرية ساحلية صغيرة "
- إلى شيرينغهام إذن !
وأجفلت ايف لرنة صوتها .. كان حماسيا من القلب , وواضح أن كايل اعتقد هذا كذلك .
- ايف .. هل فكرت بما قد يحدث لو ..
- لو أنني لم أتذكر فقط ؟
أوه ... أجل .. لقد خطر لها الأمر ثم دفعة الفكرة بعيدا مصحوبة بالخوف الذي جاء معها .. لن تستطيع تحمل لو فشلت رحلتهما إلى نورفولك , فشلا ذريعا .
قالت :
" لقد فكرت بالأمر .. لكنني لن أستسلم إلى أن نجرب كل الإمكانيات .. لذا ... "
وبمقاومة , عاد صوتها إلى طبيعته ..
- اليوم سنزور شيرنغهام ... هيا أيها الكسول , انهض على قدميك وساعدني لأغسل الصحون , كي نخرج .
منذ تلك اللحظة , تقدمت إلى الأمام , مدفوعة بتصميم وثبات ... وهي تحاول أن تفكر بإيجابية . طوال اليوم الغائم , راحا يستكشفان القرية , إضافة إلى القرية المجاورة الأكبر حجما " كرومر " ... لكن , طريف العودة إلى المنزل , كان مغايرا . فما إن وصلا منزل مونتاغوي , حتى أحست بتشاؤم يسري فيها مثل الغيم الأسود الذي بدأ يتجمع في الأفق .
انفجرت بينما تهالكت على الأريكة بتنهيدة تعيسة :
- لا شيء ... ! لا شيء أبدا ! ولا حتى لمحة واحدة من الذكرى ! ... كان من الأفضل لو بقينا في المنزل .. في الواقع , ما كان يجب أن نأتي إلى نورفولك , لأن هذا لم يولد في أي شيء جديد !
رد بهدوء :
" هذه ليست نهاية العالم "
وكان رده بالنسبة لايف خاليا من أي عاطفة .
ردت بحدة :
" بالنسبة لك ربما ! لكنه يعني لي الكثير لي "
ازداد مزاجها المنزعج تفاقما , لاسيما حين استعادت اللهجة المهتمة في صوت كايل ذلك الصباح حين حاول أن يحذرها أنها قد لا تستعيد ذاكرتها مجددا .... وتصاعدت دموع المرارة إلى عينيها فيما أخذت تخفيها جاهدة .
- أعرف , لكن .. اسمعي , لقد تجاوزت الساعة السابعة . لم لا أحضر طعاما ؟
- لا أريد أن آكل شيئا ! لست جائعة !
كيف يمكن أن يفكر بمعدته فيما هي على وشك أن تخسر مستقبلها كله ؟
- لا أستطيع أن آكل شيئا .
- يجب أن تحاولي ...
- لا أريد ! كيف يمكن أن تكون على هذا الشكل ؟ أنت تتصرف وكأنك لا تهتم حقا ...
قال بصراحة :
" أنا لا أهتم "
وصدمت .. لم تقو إلا على التحديق فيه غير مصدقة :
" أنت .. ؟ "
- أنا لا أهتم لو لم تستعيدي ذاكرتك أبدا .. أو لو استعدتها فجأة خلال ثانيتين ..
فأنا أحبك مهما حدث .
- ماذا ؟
لو كان قد أذهلها من قبل , فكلماته الأخيرة هذه دمرتها تماما .. فهل قال حقا ما خيل إليها أنه قاله أم أنها تتخيل الأشياء ؟
- أنت ... ؟ أنت .... ؟
التقى كايل بعينيها الزرقاوين المتسائلتين بهدوء عميق ... وما لبثت العيون أن تشابكت من دون أثر للتردد أو الشك .
- أحبك ايف .. لكنك بالتأكيد تعرفين هذا .
- أنا ... لكن ...
وتمنت ايف لو تستطيع ترجمة أفكارها في نوع من الشكل المفهوم .
- أعرف أنك أحببتني من قبل .. حين كنا معا .. لكن , منذ ذلك الوقت ..
هنا خذلها صوتها تماما , ثم رجفت حنجرتها وهي ترى وهج العاطفة على وجهه .
- يا إلهي ... ايف .. هل تظنين أنني توقفت عن حبك ؟
إذا كانت ترتاب بذلك , فلا مجال للشك الآن ... لقد كانت مخطئة ...
كانت مشاعرها مطبوعة بوضوح على قسماته القوية .
بدأت تتمتم :
" كايل ... "
لكنها لم تستطع أن تستمر فقد خذلها صوتها مجددا .
- أوه ... اللعنة ..
تقدم ليجلس إلى جانبها وهو يمسك يدها , وقد أنبأتها قوة القبضة عن إحساسه :
" لم أخطط أن أقدم على الأمر بهذه الطريقة ... "
مد يده الأخرى إلى جيبه :
" هل تتذكرين أنني وعدتك في حفلة عيد ميلادك بهدية تفوق الزهور قيمة ؟ |