عرض مشاركة واحدة
قديم 30-07-15, 08:22 PM   #29

هوس الماضي

نجم روايتي وعضوة بفريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية هوس الماضي

? العضوٌ??? » 330678
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
?  نُقآطِيْ » هوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن


تملك جينا التوتر وهي تتبع نيكولاس نحو الباب المفتوح والمرأة الواقفة عنده ، ولكن عندما وصلا إليها قالت المرأة : (( مرحباً بك يا سيدي |أرجو أن رحلتك كانت مريحة ))
إذاً فهذه ليس أمه ، أخذت جينا تفكر في ذلك ونيكولاس يقدمها إلى المرأة : (( جينا ان السيدة غرانت هي سكرتيرة أمي ، هذه السيدة جينا تيريل ، يا سيدة غرانت ، انها متعبة جداً وتريد أن تذهب إلى غرفتها مباشرة ، ولكنني أنا سأذهب وأرى امي اولاً ))
سارا خلال الشرفة المبلطة بالرخام فقابلا رجلاً قصير القامة قاتم الشعر قوي العضلات في حوالي الخمسين من عمره ، يرتدي بذلة أنيقة داكنة اللون وقميصاً أبيض ، حياه نيكولاس ببشاشة باللغة الاسبانية : (( كيف حالك خوزيه ؟ ))
(( على ما يرام ، شكراً يا سنيور نيكولاس )) رد عليه بذلك باسماً ثم انطلق بسيل طويل من الاسئلة باللعة الاسبانية بسرعة لم تتمكن حينا معها من متابعته بالنسبة لدرجة معرفتها باللغة ، وقد أجاب نيكولاس بطلاقة ، ثم التفت إليها : (( هذا جوزيه يا جينا ... هو وزوجته كونشيتا يديران هذا المنزل عند أمي منذ عشرين عاماً ))
نظرت جينا إلى العينين السوداوين الباسمتين ، ثم صافحته شاعرة بمودة سريعة نحو جوزيه ، فقد كان في وجهه دفء وشهامة وقوة .
وقال لها : (( أرجو أن تستمتعي بزيارتك إلى سان فرانسيسكو |))
(( أنا واثقة من ذاك ، ليس لدي صبر عن الذهاب والتفرج على مناظرها ))
سارت السيدة غرانت بعد حديث قصير مع جوزيه فتبعها نيكولاس وجينا اخذت تنظر غير مصدقة إلى القاعة الفيكتورية الرائعة بطرازها القوطي من القرون الوسطى .
كانت بالغة الفخامة بسقفها البالغ العلو ومدفأتها الحجرية الضخمة ، وفي الوسط قامت منضدة فسيحة من السنديان كما علق على الجدران المبطنة بخشب السنديان أنواع مختلفة من الاسلحة ما بين سيوف واقواس واسهم وحراب وألوية مطرزة كانت تبدو قديمة للغاية .
سألت نيكولاس : (( هل كل هذا حقيقي ؟ )) فنظر إليها متهكماً : (( لابد أنها كذلك فقد كلفت والدي ثروة كبيرة ، لقد كان كلف أشخاصاً بالتجول في اوروبا خصيصاً للبحث عن اسلحة القرون الوسطى وذلك لسنوات ما جعل لديه مجموعة ضخمة منها ذهب معظمها إلى المتحف بعد وفاته ، لقد كان ذلك إحدى هواياته بعد ان كبر في السن ، فقد كان مفتوناً بالقرون الوسطى في اوروبا ، خصوصاً بتاريخ المانيا وشرق اوروبا ، لقد حاول ان يجعلني اهتم بذلك مثله ، ولكنني وجدت ذلك مشوشاً للذهن ، وكان هذا هو السبب في اعطاء مجموعته كلها للمتحف ما عدا هذه المعلقة هنا على الجدران ، لقد كان ترك هذا البيت وكل ما يحتويه لأمي رغم ان اهتمامها بالأسلحة ليس اكثر من اهتمامي أنا ))
فقالت بعد رؤية كل هذه الاسلحة حولها : (( كان السير جورج يجمع الاثاث والرسوم القديمة وقد ورثت بعضها ، لقد وضعتها في شقتي كما أنه ترك بعض القطع لأصدقائه والبعض الاخر للمتحف أيضاً ظن فالمجموعات تصبح نوعاً من الهوس عندما تتملك الاشخاص ، اليس كذلك ؟ ))
(( كان والدي في صباه فقيراً جداً ، لهذا تملك هوس اقتناء الاشياء ، فاشترى البيوت والشركات والاثاث والقطع الفنية هذا إلى اسلحته الاثرية ، كل بيوته كانت مزدحمة بالأشياء الثمينة ، ولكنني اشك في انه يعود للنظر اليها بعد ان تصبح في حوزته ، لقد كان دوماً مشغولاً بأعماله بالنسبة إليه ، كان ذلك يمثل سعادة الطراد وهو يصطاد شيئاً لا يثمن ، هازماً كل منافسيه ، وعندما يحصل عليه يفقد اهتمامه به ))
أخذت جينا تحدق فيه وعيناها الخضراوان يقظتان للتغيرات التي تنعكس على ملامحه ، ثم قالت له : (( انك ورثت عنه بعضاً من هذه الصفة ، أليس كذلك ؟ ))
نظر إليها مقطباً : (( ماذا ؟ ))
(( انك تحب دوماً استهداف صحف جديدة ، باذلاً وسعك في سبيل السيطرة عليها ، وهذا ايضاً نوع من الهوس ))
فقال بحدة : (( كلا ، ليس هذا كذاك ، فهذا ليس هوساً ، وأنا لست من النوع المهووس ... وانما هي خطة للعمل ، وهو شيء مختلف جداً ، فأنا عندما احصل على شركة جديدة لا أنسى كل شيء عنها ثم انظر إلى هدف جديد ، ان شركة كاسبيان هي مجموعة شركات مختلفة ضمن شركة واحدة وعندما احصل على شركة جديدة في بلد جديد ، ابدل جهوداً شاقة في سبيل ادخالها صمن الشركة الام ، وهذا يدفعني إلى القيام برحلات كثيرة ، واعمال كتابية لا نهاية لها ، والاحاديث الهاتفية والاجتماعات ...))
وكانت هي عرفت كل ذلك من وراء العمل معه اثناء السنة الماضية ، فهي لا تنكر جهوده الشاقة ، وخبرته في ادارة الشركة العالمية المختلطة ، لقد أعد نفسه لهذه المهمة وذلك بتعلمه اكثر لغات اوروبا ، وقد نصح جينا بذلك ايضاً ، فهي اصبحت تتكلم عدة لغات .
اثناء اجتيازهم الردهة ، كان نيكولاس مازال يتحدث (( انني اراقب بعناية كل فرع منفصل من الشركة ولا يفلت مني سوى القليل جداً ))
نظر إليها بجانب عينه ، وعيناه تلمعان ، فاحمر وجهها وقد ادركت المعنى الخفي الذي يتضمنه كلامه فهي احدى أهداف نيكولاس منذ مدة طويلة ، وما زال لم يذعن ، فقد صمم على أن لا يدعها تفلت منه ، وعادت بأفكارها إلى كل ما حدث السنة الماضية ... قد يدعي أنه ليس من النوع المهووس ، ولكن كيف تفسر اصراره على ملاحقتها ، حتى إلى حد انتقاله للسكن بجانبها لكي تبقى تحت نظره ؟
توقف نيكولاس اسفل سلم من خشب السنديان مصقول إلى درجة بالغة ، ويصعد متعرجاً إلى فسحة واسعة معلق على جدارها مجموعة اخرى من الأسلحة الأثرية ، ثم يتفرع منها سلم أخر يصعد إلى الطابق التالي .
كانت السيدة غرانت تعبت من انتظارهما فتابعت طريقها صعوداً وقد بان عليها فروغ الصبر .
رفع نيكولاس بصره إلى المرأة ، ثم همس لجينا ، لاوياً شفتيه : (( ان سكرتيرة أمي ذات كفاءة بالغة حتى أنها لا تحب اضاعة الوقت ، والافضل ان نسرع لنلحق بها )).
وعندما وصلوا إلى الطابق التالي ، كانت السيدة غرانت تنتظر هناك ، فقال لجينا : (( سأراك فيما بعد ، لا تنامي ، بل خدي حماماً وغيري ملابسك ، فهذا سيشعرك بالتحسن ، انني سأراك في الطابق الاسفل بعد نحو الساعتين ، وسنذهب في جولة قصيرة في المدينة حيث ترين معالمها العادية ، الجسر ذو البوابة الذهبية والمدينة الصينية ، ومرفأ الصيادين ، ولكن علينا أن نعود إلى هنا في السادسة ، اننا سنتناول العشاء في هذه الليلة مع عدد من بائعي الجملة وذلك في مطعم بورتمان ، وهو المطعم الذي كنت سأقيم فيه لو لم أكن اقيم مع امي ، فهو احد افضل الفنادق التي اعرفها ، والشواء الذي يقدمه رائع ، وأنا واثق من ان امسيتنا هناك لا يمكن ان تنسى ، واريدك ان ترتدي لهذه المناسبة ثوبا غير عادي ، وإذا اردت كي ملابسك ، فاسألي السيدة غرانت ))
تبعت جينا السيدة غرانت خلال الردهة المستطيلة ذات نوافذ مقنطرة ملونة الزجاج ، وإذ لاحظت السيدة غرانت اهتمامها ، قالت بصوت بارد واضح النبرات : (( هذا الزجاج هو طبعاً ، من صنع فرنسا )|)
(( من القرن التاسع عشر ؟))
فأومأت السيدة غرانت بالإيجاب
سألتها جينا : ( متى كان بناء المنزل ؟ ))
(( سنة 1907 ولكنه بني مكان منزل مثله كان تهدم في زلزال سنة 1906 ، وقد صمم المنزلين مهندس شهير هو ناتانيال هورنر ، والذي أراد أن يكون فناناً في حداثته ، ولكنه أرغم بدلاً من ذلك على مشاركة أبيه في عمله في اعمال الشحن بالسفن ، ولكنه أمضى حياته يرسم أيام الأحد ، ولكنني اظن نبوغه الحقيقي تجلى في تصميم هذا المنزل في السنوات الأخيرة من حياته ، وقد توفي بعد انتقاله إليه بوقت قصير ، فتحت السيدة غرانت باباً ثم اشارت لجينا بأدب بدخول غرفة فسيحة مغمورة بأشعة الشمس (( لقد اختارت السيدة كاسبيان هذه الغرفة لإقامتك ، وأرجو ان تجديها مريحة ، انها تطل على المدينة ))
اتجهت جينا غلى النافذة ونظرت منها ، ثم تمتمت تقول وهي تحدق إلى أسفل : (( انه منظر يخطف الانفاس )) كان منظراً يكتسح السطوح والابراج ومداخن البيوت حتى تألق المياه الزرقاء والتي كانت هي تعلم أنها خليج سان فرانسيسكو الشهير .
أرتها السيدة غرانت بقية الغرفة (( ان حمامك خلف ذلك الباب ، ثمة لوح في أعلى السرير تجدين عليه الأزرار التي تديرين بواسطتها التلفزيون ومصابيح الغرفة والراديو وأرقام الهواتف الداخلية ... مكتبي ، ومكتب مديرة المنزل ، والكاراج والمطبخ وهكذا ... واقترح ، في حالة حاجتك إلى شيء ما ، ان تتصلي إما بي أنا وأما بمديرة المنزل كونشيتا ))
أومأت جينا وهي تكافح تثاؤبها بصعوبة ، راجية ان لا تلاحظ المرأة هذا .
ثم سألتها المرأة : (( ربما ترغبين في فنجان من الشاي قبل ان تبدأي الاستحمام ))
(( لشد ما أحب هذا ))
((( سأرسله اليك الآن )) قالت السيدة غرانت ذلك وهي تسير نحو الباب في الوقت الذي دخل فيه جوزيه حاملاً أمتعة جينا ، فابتسم لها بمودة بينما قالت السيدة غرانت : (( هل تريدين مساعدة في افراغ الحقائب ؟ انني سأرسل كونشيتا بالشاي ، وسيسرها ان تقوم بذلك ، ثم تأخذ الثوب الذي سترتدينه للعشاء هذا المساء لتكويه لك ))
ولم تنتظر جواب جينا ، فتوارت عند آخر كلمة قالتها وتبعها جوزيه .
وقبل أن تغلق الباب قال لها : (( اذا كنت تريدين شيئاً استطيع القيام به لأجلك ، فأديري رقم 14 يا سيدة تيريل )) .
(( شكراً لك ))
شع رت جينا بالارتياح عندما أصبحت بمفردها ، شاعرة بالهدوء والسلام حولها ، كانت متعبة من اضطرارها إلى الابتسام بأدب طوال الوقت والحديث إلى الغرباء ، فهذا الجهد استنزف كثيراً من طاقتها والتي لم يبقى منها الآن سوى القليل ، جلست على الكرسي بجانب النافذة واخذت تنظر إلى مشهد المدينة إلى أن اجفلت لسماعها صوت قرع على الباب .
كانت كونشيتا ، مديرة المنزل ن هي القادمة الآن بصينية الشاي وكانت المرأة ممتلئة الجسم سوداء العينين غي حوالي الاربعين ، ترتدي ثوباً أسود ذا ياقة بيضاء من الدنتيل يشبه الثوب الذي ترتديه السيدة غرانت ، ابتسمت لها جينا وهي تتساءل عما إذا كان هذا الزي رسمياً لموظفات المنزل .
(( شكراً لك ، فالشاي يبدو رائعاً ، والكوب يبدو من الخزف الصيني طراز ويدغوود ، أليس كذلك ؟ ))
(( نعم يا سنيورا )) قالت المرأة بلهجة اسبانية أو لعلها مكسيكية قوية ... ثم تابعت تتحدث بالإسبانية إلى أن انتبهت إلى أن جينا كانت تقطب حاجبيها بعدم فهم : (( آه ، انك لا تفهمينني ، أريج ان اقول ... انك انكليزية ، ولهذا صنعت الشاي على الطريقة الانكليزية ، ان لدى السيدة كاسبيان خزانة مليئة بالآنية الصينية ، جمعتها من كل انحاء العالم ))
(( هذا يدل على ذكاء كبير ))
(( هل تريدين ليموناً ، يا سنيورا ؟ ))
(( نعم ، من فضلك ))
سكبت كونشيتا كوباً من الشاي وناولته لجينا ، وهي تقول : (( بسكويت انكليزي ، يا سنيورا ؟))
وشربت الشاي شاكرة وهي تقضم بسكويتة من حين لأخر ، لم تكن جائعة ، ولكنها لم تشأ ان تخيب أمل كونشيتا بعد ان حاولت المرأة جهدها في سبيل ارضائها .
وعندما انهت تناول الشاي ، كانت كونشيتا قد انهت تعليق ثيابها ، ووضعت على ذراعها ثوباً حريرياً أزرق كانت جينا قررت ارتداءه هذا المساء ، ثم حملت صينية الشاي بيدها الأخرى ، اقفلت جينا الباب خلفهما ، ثم خلعت ثيابها ودخلت الحمام .
بعد ذلك بعشر دقائق ، استلقت في المياه الدافئة المعطرة ، تتأمل حالمة ، كان الحمام عصرياً تماماً ، ولكنه مع هذا كان يبدو من طراز العصر الفيكتوري ، وأخذت تنظر معجبة إلى الزخارف المرسومة باليد على الحوض الابيض والاشياء الأخرى كما كانت الجدران مدهونة باللون الأزرق بينما تغطي الأرض سجادة وثيرة ناصعة كالثلج ، والخزانات من خشب الماهوغني بمقابض نحاسية.
كانت متعتها خالصة لا يشوبها سوى التساؤلات التي كانت تموج في ذهنها فتقلقها .
ما الذي قاله نيكولاس لأمه بشأنها ؟ ما الذي تعرفه السيدة كا سبيان عن صحيفة سنتنال والخصام الدائر حولها ؟ عن المعارك الدارة بينها وبين نيكولاس منذ شهور ؟ والاكثر أهمية من كل هذا ، متى ستقابل السيدة كاسبيان ؟ وما هو شعور السيدة كاسبيان نحوها ؟
بعد حوالي الساعتين ، خرجت من غرفتها مرتدية ثوباً قطنياً بلون الكهرمان ، وهبطت السلم عائدة إلى الطابق الاسفل ن وهذه المرة استطاعت أن تتأمل عن قرب الصور المرسومة على زجاج النوافذ .
عند وصولها جاء نيكولاس ، إلى اسفل السلم وهو يمد ذراعه ينظر في ساعته ، قائلاً : (( كنت قادماً اليك ، انك تأخرت ربع ساعة ، تعالي الآن والا فلن يكون لدينا وقت للتفرج على معالم المدينة قبل الاجتماع بتجار الجملة اولئك ))
(( متى سأستطيع التعرف إلى أمك ؟ ))
(( عندما نعود ، فهي ستتناول فنجان قهوة معنا قبل أن نذهب إلى فندق بورتمان ))
كان سائق الليموزين ينتظرهما عند الباب ، فسألته جينا وهي تصعد إلى المقعد الخلفي : (( هل هذه السيارة استأجرتها لنستعملها هنا أم هي سيارة أمك ؟ ))
(( بل هي سيارة أمي ، والسائق هو روي اكبر أبناء جوزيه ، عندما تقاعد سائق أمي بعد أن عمل لديها سنوات تقدم روي لهذه الوظيفة ، وقد دهشنا جميعاً لأنه كان تعلم ميكانيكا السيارات ، ولكن يبدو أنه كان يحب العمل في هذا المنزل بقرب أسرته وأظنه يعتبر هذا المنزل بمثابة بيته ، فقد عاش فيه معظم سنوات حياته ، طبعاً ، وهو قرر الزواج الآن في الربيع ، وقد منحته أمي شقة صغيرة فوق الكاراج ))
فقالت جينا : (( لا بج أنهم يحبون العمل عندها ما يجعلهم يمضون السنوات في خدماتها ))
وحولت نظراتها بعيداً ، نحو الشوارع التي كانت تحفها المنازل العالية القوطية الطراز ، والتي كانا يمران بها (( ان منزل أمك ليس غير عادي كما ظننت ، فأنا أرى منازل كثيرة بنفس الطراز )) .
فأجاب كاسبيان : (( لقد أعاد مركز الهندسة المعمارية بناء المنازل التي تهدمت بعد زلزال سنة 1906 على الطراز القوطي والذي كان في ذلك الحين هو الطراز الشائع في امريكا وكذلك اوروبا ))
(( لشد ما احبه ، فهو شاعري للغاية ، انه أجمل كثيراً من هذه البيوت الشائعة ، والتي هي عبارة عن صفوف وصفوف من الصناديق ، ان المدينة هذه تبدو وكأنها بنيت فوق التلال ، فالشوارع شديدة الانحدار ، وإذا استلزم الأمر ان اعيش في مكان ما ، فأنا أكره العيش في هذا المكان ))
(( ليس عليك ذلك ، فمعظم الناس لديهم سيارات وهناك طبعاً .... ))
وقبل ان ينتهي من كلامه ، اطلقت جينا صيحة سرور قصيرة (( انظر ، هذا ترام ، انني لم ار واحداً منها منذ زمن طويل ، كم اتمنى لو اركب في واحد منها ))
(( وأيضاً التلفريك ، فمعظم الناس يستعملونه إذا لم يكونوا يستعملون سيارتهم ، لابد أنك سمعت به ، فهو مشهور ))
(( نعم لقد سمعت به ، ولكن الرؤية تختلف ، لا يمكنني الانتظار إلى حين الركوب ))
فابتسم لحماستها : (( عليك ان تنتظري إلى الد ، إذا كان ثمة وقت بين المواعيد ، فلا يوجد لدينا وقت اليوم ، انني أريد أن اعطيك فكرة عن المدينة، أولاً الجسر ذو البوابة الذهبية ))
وفجأة اندفعت السيارة فوق قمة إحدى التلال المنحدرة فشهقت جينا وسقطت إلى جانب ، امسك نيكولاس بها فضحكت وهي تقول لاهثة : (( يا له من شعور جميل ، هل سيحدث لنا ذلك كثيراً ؟ ))
قال نيكولاس برقة : (( ارجو ذلك )) فخفق قلبها وهي تنظر في عينيه ، واخذت تفكر بأسى كم تحبه أحياناً عندما يكونان جالسين معاً بهذا الشكل وقد نسيا كل ما يتعلق بالجريدة ... وكل الماضي والذكريات السيئة .
كانت السيارة قد هبطت بهما التلة المنحدرة نحو لمعان المياه الزرقاء الذي يبدو من بعيد متألقاً بفعل الضباب .
قال : (( الجسر موجود هناك ، ولكن يبدو وكأن ليس بإمكانك ان تريه جيداً هذا النهار ، لماذا لا نذهب فقط إلى مرفأ الصيادين ؟ ))
فقالت : (( هذا حسن )) وهذا ما فعلاه ، انزلهما السائق في آخر شارع تايلور ثم تركهما بعد ان طلب نيكولاس منه أن يعود إليهما بعد ساعة .
أخذت جينا تحدق حالمة إلى زوارق الصيادين وهي تبحر نحو المرسى و اسراب النوارس تتبعها بينما اشعة الشمس تتألق على الامواج ، ثم نظرت إلى بعض منصات عرض البضائع بقربها ، وقالت لنيكولاس : (( علي ان اشتري هدايا لأخذها معي حينما اعود ، هنالك مجوهرات بديعة على تلك المنصة ، وأحب أن أراها عن قرب )).
أخذت تتأمل العقود والاساور بإعجاب ، وكذلك الاقراط وبقية أنواع الحلى ، وذلك قبل ان تشتري البعض لروز و هيزل وكذلك لنفسها ، وعندما استدارت لتبتعد ، توقفت وهي تحدق في الخليج فاغرة الفم .
(( هل تلك ...؟ ))
قال باسماً : (( نعم ألكتراز ، الصخرة كما يسمونها ، يمكنك الذهاب إلى الجزيرة على عبارة للتفرج على المكان ، لقد اقفلوا السجن منذ 1962 كما أظن ، وهو الآن متحف ، ولكنه موحش مرعب ، وليس لدينا اليوم الوقت الكافي لذلك ))
ارتجفت جينا وهي تنظر إلى معالم السجن خلال الضباب الخفيف وهي تتصور ووجوه السجناء العديمة الأمل ، وخشخشة المفاتيح وهي تدور في الاقفال ، وانصاف الأبواب الحديدية ، ثم قالت : (( لا أظنني احب رؤيته ))
اخذا يتمشيان على امتداد المرفأ وهما يتفرجان على منصات عرض البضائع على الرصيف ، تتبعهم روائح الاطعمة المصنوعة من حيوانات البحر .
قالت : (( ما اجمل هذا ، ربما استطعنا تناول العشاء هنا يوماً ما ))
(( نعم ، إذا شئت ، ولكن هناك الكثير مما يجب رؤيته وعمله ... وربما فيما بعد ، يمكننا الذهاب للتفرج على متحف مارتيايم ، وأحب أن أخذك إلى الميناء حيث ترين سفناً شراعية قديمة رائعة ، كنت أعشق التجوال هناك واتصور كيف تكون الحياة إذا انا امضيت اسابيع أو أشهر أو أكثر ، على ظهور تلك السفن ))
فقالت له جينا مازحة وهي تراها حياة بالغة القسوة : (( لا اراها إلا حياة مخيفة ))
فقال : (( انك لا تفعلين سوى الضحك علي ))
فضحكت : (( آه ، مسكين يا نيكولاس ، كم هذا محزن )) ثم تلاقت أعينهما فتلاشت ضحكتها ، وغامت عيناها الخضراوان ، لم يكن نيكولاس يمزح ، فقد كان جاداً للغاية كما أنه لم يكن يفكر في السفن المبحرة ، فقد كان يكسو ملامحه مزيج مخيف من الغضب والرغبة والمرارة ، وخفق قلب جينا .
أواه ، يا نيكولاس ... أخذت تفكر في ذلك بضعف ، بينما تقدم هو منها خطوة ، وهو يتنفس بصوت مسموع ، ولكن صوت العقل الهادئ ذكرها بأنها لا يمكن ان تثق به مهما كانت نظرة عينيه مقنعة ، لم يكن يغفل أيه فرصة تسنح له للوصول إلى عواطفها ، كما أخذت تذكر نفسها ، ومهما كان الموضوع الذي يتحدثان عنه ، فهما سيعودان إلى حظهما القديم عاجلاً أم آجلاً ، حيث يحاول نيكولاس أن يقنعها مرة أخرى بأن تدعه يحصل منها على ما يريد ، ولكنها لا تستطيع ان تسمح له بالنجاح .
وشعرت بأنها تريد ان تبكي ، شاعرة بغصة في حلقها وخرقا في عينيها .
انه آخر من ينبغي لها ان تقع في غرامه ، ولكن نظرة واحدة منه تجعل جسدها يرتجف وفمها يجف .
كان الازدحام في مرفأ الصيادين على أشده حولهما ، ولكنها شعرت كأنهما وحيدين في جزيرة منعزلة ، كان يراقب ما تعاقب على ملامحها من تعبير ، وذلك بعينين ضيقتين حادتين ن ثم قال بصوت اجش : (( لا تفعلي هذا ))
(( افعل ماذا ؟ )) وكانت تتظاهر بجهلها ما يعني ، ولكن وجهه أظلم وتوترت ملامحه : (( انك تعلمين جيداً ما اعنيه ، كنت الآن فقط تبتسمين لي ، ولم يكسو ملامحك أي ظل ، وإذا بك فجأة تجمدين وتنئين بمشاعرك عني ، لقد تملكني التقزز من هذا ، هل تسمعين ؟ التقزز من هذا )) .
أجفلت لصوته الغاضب ونظرت حولها برعب ، راجية أن لا يكون ثمة من سمع قوله ، ولكن الناس كانوا يمرون بهما دون مبالاة ، وقد شغلتهم امور حياتهم عن كل شيء آخر .
همست تقول : (( لا تصرخ بي ))
فصر بأسنانه بصوت مسموع : (( لا أصرخ بك ؟ من حسن حظك أنني لم اضربك ، أحياناً يبلغ بي الغضب منك حداً أوشك فيه أن أخنقك ، ويوماً ما سترغمينني على التصرف ، يا جينا ، وعند ذلك ... )) وسكت وهو يتنفس بعنف (( قد أرى نفسي مرغماً على أخذ ما تمنعينه عني )) .
(( لا تهدنني )) تمتمت بذلك وهي تشعر بخوف مفاجئ .
وتابع يقول محذراً : (( ان الاحباط قد يدفع الرجل إلى الجنون ، يا جينا )) قال ذلك ثم استدار يسير عائداً من الطريق التي جاء منها ، تاركاً إياها تتبعه .
عادت بهما السيارة إلى منزل والدته وقد ران عليهما الصمت .
تمنت لو تعرف ما تتصوره أمه عن هذه ، ولكنها لم تجرؤ على سؤال نيكولاس ، وهي ستنتظر وترى كيف سيكون استقبال السيدة كاسبيان لها .
فتحت لهما كونشيتا الباب ، قالت لنيكولاس شيئاً بالإسبانية وهي تبتسم ، فأومأ هذا برأسه وهو يبتسم ببرودة وقد عادت ملامحه إلى جمودها ، ثم قال لجينا : (( ان أمي في الصالة تنتظرنا ، هل تريدين الصعود إلى غرفتك أولاً ، ام تتعرفي إلى أمي أولاً ؟ )) .
أخذت تتلعثم مترددة : (( حسناً ... كما تريد ... )) فأمسك بمرفقها ، ثم قادها خلال قاعة رائعة إلى غرفة باردة عالية السقف .
أخذت جينا تدير عينيها حولها متوترة ، متأملة ما يحيط بها من ألوان متألقة كالجواهر ما شعرت معه بالدوار ..
الأعمدة الرخامية ذات اللونين الأبيض والوردي الستائر الحريرية ، الارائك بوسائدها الوثيرة ، وكلها بطراز مغربي لا يشبه أياً من بقية المنزل .
وفي قفص كبير مقوس بالغ الجمال ، كانت طيور الكنار ترفرف وتغني ، ما ذكر جينا بقصر الحمراء في غرناطة في اسبانيا ، حتى انه كان يوجد نافورة من الحجر تنثر المياه في حوض من القرميد في وسط الغرفة ، زرقاء وصفراء ، بأشكال هندسية ، وعلى اريكة ذات غطاء مقصب جلست امرأة تشبه نيكولاس ... بشرة سمراء وعينان سوداوان وشعر كان يوماً فاحماً ، ولكنه الآن بخيوط فضية ، ولابد أنها اجتازت الخمسين من عمرها بسنوات ، مادام نيكولاس نفسه في اواخر الثلاثينات ، ولكن عينيها الجميلتين وملامح وجهها الرقيقة مازالتا رائعتي الجمال .
تقدم نيكولاس مع جينا نحو الاريكة ثم قال بصوت عميق : (( ماما ، هذه جينا ... جينا ن هذه أمي ))
مدت المرأة يداً نحيفة ، بينما أخذت العينان السوداوان المستطيلتان تحدقان فيها باهتمام : (( إذاً ، فأنت جينا ... ))
كان الصوت رقيقاً ، ذا لكنة واضحة ، لم تكن فرنسية مطلقاً ، رغم أن بشرة السيدة كاسبيان كانت لاتينية بشكل واضح .
مدت جينا يدها وهي تنحني قائلة : (( انه لطف كبير منك أن تدعيني للإقامة في بيتك الجميل ، يا سيدة كاسبيان )) قالت ذلك بلهجة رسمية متكلفة وهي تشم رائحة عطر المرأة الرائع الغريب .
قالت السيدة كاسبيان ، وهي مازالت تمسك بيد جينا : (( منذ مدة طويلة وأنا متشوقة للتعرف إليك )) قالت ذلك وهي تتفحص وجهها ، ما الذي كانت تتوقع رؤيته ؟ اخذت جينا تتساءل عن ذلك وهي تطرف بعينيها الخضراوين مسبلة اهدابها لإخفاء ما تنطقان به ، كانت تخاف ان ترى والدة نيكولاس في وجهها الكثير ... ان ترى حبها لنيكولاس .
قرب كرسياً من الاريكة وهو يخاطبها قائلاً : (( اجلسي يا جينا ... هل اجلب اليك شيئاً تشربينه يا ماما ؟ ))
(( شكراً يا حبيبي ، ان كونشيتا ستحضر إلي ابريق عصير بعد لحظة ))
فأومأ قائلاَ : (( جينا ن هل تريدين كوباً من عصير الليمون الطازج "ام احضر إليك شيئاً آخر ؟ )) .
(( نفس ما تشربه أمك )) تمتمت تقول ذلك وقد تملكها خجل شديد في هذه الغرفة المحيرة مع هذه المرأة غير العادية .
فقال نيكولاس : (( سأتصل هاتفياً بكونشيتا )) ومد يده إلى الهاتف : ولكن قبل أن يرفع السماعة ، ارتفع صوت جرسه ، فرفع السماعة وقال : (( نعم ؟ )) ثم أخذ يستمع عابساً
(( آه ، حسناً جداً ، يا سيدة غرانت ... سآخذها في مكتبي ، هل لك بأن تخبري كونشيتا بأن أمي جاهزة لتناول العصير ؟ ))
وضع السماعة ثم نظر إلى المرأتين معتذراً : (( أسف ، فقد جاءتني مخابرة مستعجلة بشأن العمل ، و سأحاول تصريفها بسرعة )) .
ثم غادر الغرفة بينما أخذت جينا تنظر في آثره وقد تملكها ذلك الشعور المعتاد بالضياع كلما افترقا.
مطت والدته شفتيها ثم قالت : (( أنه مثل ابيه ، ولكنه يكره مني أن أقول له ذلك )).
فألقت جينا عليها نظرة سريعة : (( ولكن يبدو أنه معجب كثيراً بأبيه )).
فقالت السيدة كاسبيان : (( انه يعجب به ويكرهه ، كان زوجي رجلاً ذا شخصية قوية ، مخيفة بعض الشيء ، خصوصاً للأطفال واكثر ما يكون لابنه ، لم يكن نيكولاس واثقاً على الاطلاق من أنه سيصل إلى ما كان والده يريد منه أن يكونه ن ولكنه كان يريد أن يتفوق على أبيه ، في نفس الوقت ، فالناس لا يمكن أن تكون ردة الفعل بين بعضهم البعض سهلة ، أليس كذلك ؟ ))
(( كلا )) قالت جينا ببطء ، ثم ران الصمت على الاثنين ، نظرت جينا حولها وهي مازالت تحاول استيعاب الديكور ، بينما اخذت السيدة كاسبيان تراقبها باسمة .
ثم سألتها : (( ما رأيك في تخيلاتنا العربية ؟)).
(( انها تحير اللب ، لم أر مثلها قط إلا في اسبانيا ، في قصر الحمراء ، بينما ليس لديهم أثاث هناك ... ولكنني واثقة من أن هذه الارائك والستائر وقفص الطيور هي ما كانوا يستعملونه عندما كان السلاطين يعيشون هناك )) .
(( كلا ، فالفكرة لم تأت من اسبانيا ، رغم ان تكهنك قريب من الحقيقة ، ان المهندس ناتانيال هورنر قام بعدة زيارات إلى تركيا في حداثته ، في أواخر القرن التاسع عشر ، فتصميمه هذه القاعة كان نتيجة ما رأى في قصور استانبول ، كانت هذه القاعة بالذات ما جعلني أريد شراء هذا المنزل حالما رأيته ))
(( انك تبدين وكأن هذا مكانك الاصلي ، فهو يلائمك جداً ، لا بد أنه الحظ هو الذي احضرك لرؤية هذا المنزل )) قالت جينا هذا باندفاع جعل السيدة كاسبيان ترمقها بنظرة طويلة مفكرة .
(( من الغريب أن تقولي هذا ، يا جينا فالحظ قد لعب دوراً كبيراً في حياتي ، لا أدري ما إذا كان نيكولاس قد أخبرك ، ولكنني كنت في السابعة عشر فقط عندما تزوجت بوالده ، وعندما ولد نيكولاس لم اكن بلغت التاسعة عشرة ، كانت الطريقة التي تعرفت فيها على زكريا من حسن حظي ، كان أبي اسبانياً ، وكنا من أسرة عريقة لكننا فقراء ، وكان لوالدي ابناء كثيرون ، كنا سبعة أبناء واربع بنات ، وكان منزلنا ضخماً وقد ابتدأ ينهار ، واراضينا صخرية واعنابنا حامضة ، حينذاك تعرف أبي إلى زكريا كاسبيان والذي كان في اسبانيا يبحث عن مزرعة في الريف ، وأعجبته فكرة العثور على مزرعة رخيصة ، جاء ليرى بيتنا وتعرف علي ثم طلب يدي من أبي بعد ذلك بأسبوع )) .
(( يا لهت من قصة شاعرية ))
(( ربما كان الامر كذلك لو انني كنت احبه ، ولكنني لم اكن أحبه )) فأجفلت جينا لصراحتها هذه ، ولم تعرف ما تقول سوى : (( آه ))
(( كنت في السابعة عشرة وهو قريب من الستين ، كلا ، لم اكن احبه ، ولكن أبي قال لي بوضوح أن ليس لي من خيار سوى القبول ، فقد كنا في غاية الفقر ، بينما كان زكريا بالغ الثراء ، وكان من الانشغال بتحصيل المال ما جعله يبقى دون زواج ولكنه كان يريد أبناء ، ومن سوء حظي أنني كنت جميلة عندما كنت صغيرة ))
فقالت جينا : (( وما زلت جميلة )).
فابتسمت لها المرأة : (( شكراً لك ، انك انت ايضاً جميلة جداً ، كما ان لك قلباً رقيقاً طيباً ... ولا يدهشني ان يغرم نيكولاس بك )).
فاتسعت عينا جينا دهولاً ، ما الذي اخبر به أمه ؟ وتنهدت السيدة كاسبيان : (( لقد اشتقت للتعرف عليك منذ حدثني عنك ، فأنا أريده من كل قلبي ان يجد امرأة تسعده ، وكنت قد تخليت عن الأمل في ذلك ، فوالده لم يتزوج إلا بعد بلوغه الستين ، وكنت خائفة أن يتأخر نيكولاس في ذلك ، هو ايضاً ان نيكولاس يبدو ظاهراً خشناً واثقاً من نفسه |ن ولكنه رغم حياته المترفة لم تكن طفولته سعيدة ، وأنا الوم نفسي لذلك ، وهذا لا يعني ان نيكولاس يلومني ، ولكنني أعلم أن الذنب ذنبي ، لقد امضى أكثر فترة طفولته وحيداً ، أو مع المربية ، ثم في المدرسة الداخلية ، لم يكن له بيت حقيقي معظم الاحيان ، حتى أنه لم يكن يرى شقيقتيه كثيراً ))
(( شقيقتاه ؟ )) تملكت الدهشة جينا وهي تسمع أن لنيكولاس شقيقات ، فهو لن يذكر لها ذلك قط (( نعم ، بعد أن ولدت نيكولاس ، انجبت ابنتين ، ليليت والتي هي في الخامسة والثلاثين الآن ومتزوجة ولها اولاد ن اليسا ، اصاغر اولادي والي هي اصغر من اختها بسنة ، لم تتزوج بعد رسامة وتعيش وحدها في نيويورك ))
فقالت جينا بفضول : (( هذا غريب ، فنيكولاس لم يتحدث عنهما على الاطلاق ))
تنهدت المرأة : (( حسناً ، أظنني أفهم السبب ، فقد تشاجرت مع زوجي وهربت منه بعد ولادة اليسا ، وكان هو رجلاً غريباً ، كان مهووساً باقتناء الأشياء ... بيوت نساء ، لوحان فنية ، كتب ، فهو لم يكن ليكتفي من شيء ، وعندما اكتشفت أنني لم اكن المرأة الوحيدة في حياته ، تركته وجئت إلى كاليفورنيا هنا ، وقد حصل الانفصال بيننا عندما أدرك أنني لن اعود إليه ، اظنه لم يعد يريدني كما كان يريدني عندما قابلني لأول مرة ، كان يريد دوماً كل شيء جديد ، ومختلف ، ورأيت أنا ىهذا البيت فعشقته وذلك بعد زواجنا مباشرة ، ولهذا اشتره زكريا ، وعندما تركته وجئت هنا ... فوافق على أن يدعني اسكنه ، وعندما مات تركه لي ، إننا لم نتطلق قط ، فأنا لا احبذ الطلاق )) وسكتت ، ثم عادت تقول بلهجة عملية : (( وعدا عن ذلك ، لم أشأ أن انجب له أبنناً آخر ، إذ لم أشأ ان يكون لنيكولاس منافس آخر في املاك ابيه ))
فسألتها جينا وهي تتسأل عما كان تأثير ذلك الانفصال على نيكولاس : (( وهل اخذت معك أولادك عندما تركت زوجك ؟ ))
فأومأت المرأة تقول : (( نعم ، لقد تركت زوجي دون أن أخبره بأنني راحلة ، لأنني كنت اعلم أنه لن يدعني آخذ الأولاد ، لم يكن يريد الابنتين ، وكان مستعداً لتركهما تعيشان معي ، ولكن نيكولاس كان ابنه الوحيد ، وقد حاربني زكريا مدة طويلة امام المحاكم لكي يستعيده مني ، وقد نجح طبعاً لأنه كان احد اغنى اغنياء العالم وكان لديه احسن المحامين ، وكان نيكولاس ابنه ووريثه الوحيد . وهكذا اضطررت للتخلي عن ابني ... وعند ذلك أرسله زكريا مباشرة إلى مدرسة داخلية حالما حصل على حق الوصاية ، لم يكن يريد أن يبقى نيكولاس معي في الحقيقة ، وانما كام يريد فقط السيطرة عليه |))
فسألتها جينا مقطبة الجبين : (( كم كان عمر نيكولاس حينذاك )) .
(( كان في التاسعة ، وكان الامر شاقاً بالنسبة إليه ، خصوصاً عندما علم بان شقيقتيه ستبقيان معي بينما يؤخذ هو بعيداً عني ، لقد بكى وتعلق بي وبقى يقول : (( سأكون ولداً طيباً ، يا ماما ، فلا تبعديني عنك ... )) وسكتت وقد اوشكت على البكاء .
(( كان ذلك أسواء يوم في حياتي ، وربما في حياته هو ايضاً ))
فقالت جينا بصوت اجش : (( يا للصغير المسكين ))
واخذت تقاوم جموعاً اغرورقت بها عيناها وهي تتصوره يسلخونه من بين ذراعي أمه وهو صغير بذلك الشكل ، ليأخذه إلى مدرسة داخلية ، مسكين نيكولاس ، لقد منحتها هذه الصورة عن نيكولاس ن فكرة مختلفة عنه كلياً ، ويجب أن لا تأخذ بعد الآن فكرة سيئة كالسابق عن كل ما يقوله أو يفعله ، كما اعتادت .
لكن لماذا هذه المصارحة المذهلة من أمه معها ؟ لماذا تخبرها بكل هذه التفاصيل الحميمة عن حياتها ؟ وخلفية حياة نيكولاس وهما لم تتعارفا إلا لتوهما ؟ ونظرت إلى السيدة كاسبيان بحذر فمنحتها المرأة ابتسامة ملتوية : (( لا تخبري نيكولاس بأنني تحدثت عن كل هذا ، فهو لا يحب ذكر تلك الايام ، لقد بقى فترة طويلة صعب الطباع نحوي ، إذ بقى عدة سنوات يلومني لتحطيم زواجنا ما جعل والده يستلم الوصاية ، ولكننا تناقشنا في كل ذلك عندما كبر وعلم أن الامور لم تكن كما يظن ... وعلى كل حال ، فقد بقي كارهاً لهذه السيرة ))
(( لماذا إذاً اخبرتني بكل هذا ، يا سيدة كاسبيان ؟ ))
فألقت المرأة عليها نظرة سريعة ، ثم قالت لاوية شفتيها : (( انني اعلم ان نيكولاس لن يتطرق إلى هذا الأمر ، ففكرت في ان عليك ان تعلمي السبب في ان نيكولاس بهذا الخلق ))
نظرت جينا في عيني المرأة السوداويين ، وفهمت كل شيء ، لقد كان نيكولاس اخبرها بأن جينا لن تتزوجه وربما اخبرها بالضبط عن السبب ... ولهذا ارادت الأم من جينا أن تشعر بالعطف نحو ابنها ، أملة بأنها إذا هي علمت عن مشاكل طفولته ، فقد يقنعها هذا بأن تصفح عنه .


هوس الماضي متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس