الموضوع: زودمائيل
عرض مشاركة واحدة
قديم 13-08-15, 12:47 PM   #3

محمد رموزى
 
الصورة الرمزية محمد رموزى

? العضوٌ??? » 349861
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 8
?  نُقآطِيْ » محمد رموزى is on a distinguished road
افتراضي

-٢-
قبل ذلك بعشرون ساعة...
فى الظلام الدامس وقف يلتفت حوله فى توجس.. يحيطه السكون من كل صوب.. كأنما الظلام قد إمتص الحياة من المكان..
بعدما إعتادت عيناه الظلام.. مشى وهو يتحسس طريقه.. بين شواهد القبور.. لا يذكر متى ولا كيف جاء هنا.. لمح ضوءاً باهتاً يأتى من بعيد.. فتهللت أساريره.. أجد السير.. تعثر.. لكنه لم يتوقف..
وما إن إقترب من موضع الضوء حتى إستوقفه صوت رجل يأتى من الداخل.. صوتاً كأنما يأتى من أعماق الأرض.. وقد كان الرجل يردد شيئاً ما بكلمات مبهمة..
تسلل الشاب على أطرافه ووقف خلف الحائط ودنا برأسه ليرى ما يحدث بالداخل.. فوجئ بالرجل يرتدى عباءة ينسدل منها غطاء رأس يغطى ملامح وجهه تماما.. ويمسك كتاباً وأمامه على الأرض وسط دائرة تحيط بنجمة خماسية تركع فتاة يديها مقيديتان للخلف بقدميها وفمها مكمم.. تئن وتبكى..
فجأة وجد الرجل يقف خلف الفتاة وهو يجذب رأسها للخلف -من شعرها- ويمرر نصل خنجره على عنقها قائلاً بصوت جهورى:
– " ذحدبح يحضلات ياتى يحجزج "
صرخ الشاب فزعاً وإستدار يلتصق بالحائط ليفاجئ بالرجل أمامه يمسك به من تلابيبه.. ثم يقول له وهو يطعنه :
- " ما كان ينبغى أن تأتى هنا "
*
شهق بكل ما يملك وهو ينهض فزعاً من الفراش.. وأخذ يتحسس جسده وهو ينظر حوله فى رعب..
وعندما إستعاد رشده أخذ يبسمل ويحوقل.. وتنفس الصعداء.. وشرع يجفف العرق الذى غمر جبهته وسال ليلهب عينيه..
إنتبه إلى هاتفه المحمول الذى أخذ يرن.. أمسك به وكتم الرنين ثم ألقاه جانباً وهو يزفر.. ثم أرجع رأسه إلى الوراء ليستند على الوسادة وهو يتأمل صورة تلك الفتاة التى توسطت الحائط أمامه أعلى الشاشة البلازما.. وإسترخى محاولاً التخلص من توتره وأغمض عينيه...
إسمه (نور).. طالب فى السنة النهائية لكلية صحافة وإعلام..
قمحى البشرة..عيونه عسلية.. شعره أسود ناعم.. متوسط الطول.. رياضى القوام.. مارس العديد من الرياضات العنيفة.. وسيم الى حد ما.. قضى معظم حياته فى رومانيا.. ومؤخراً جاء إلى مصر.. بناءاً على رغبة والده.. فى أن يقضى فترة مراهقته فى مصر.. ومنذ ما يقرب من العام إختفى أبواه فى ظروف غامضة.. أيام وليالٍ سوداء قضاها يحاول الأتصال بوالديه.. بلا جدوى.. وفى النهاية وجدت الشرطة سيارة والده خاوية فى إحدى الطرق.. وقد نفذ وقودها.. المفاتيح كانت بداخلها.. الهواتف المحمولة.. أوراق الملكية.. لا أثر لأى مقاومة من أى نوع.. لا توجد بصمات..
لا شيئ على الإطلاق.. بدا الأمر وكأن راكبى السيارة قد تبخرا فى الهواء.. ولم تجد الشرطة أى تفسير لما حدث.. وأغلقت القضية على هذا الوضع..
إختفاء المهندس (محمود البهنساوى) وزوجته الرومانية (أيرينا لوفارسكى) فى ظروف غامضة...
عندئذ لجأ (نور) للشخص الوحيد الذى تربطه به صلة قرابة.. جده -لوالدته- إلا أن هذا الأخير أخبره بأنه لا يريد أن يرى وجهه مرة أخرى لأنه يذكره بالرجل الذى يكرهه أكثر من أى شيئ فى هذا العالم.. الرجل الذى جعله يفقد إبنته مرتين..
وهكذا عاد (نور) إلى مصر ليجد نفسه وحيداً..
بعد ذلك بدأت الكوابيس تراوده.. نفس الكابوس يتكرر مراراً.. ربما إختلفت الفتاة فى كل مرة.. لكن التفاصيل واحده... حاول جاهدا أن يجد تفسيراً لما يحدث له، لكنه أخفق تماماً.. حاول الطب النفسى.. لكنه لم يؤت ثماره.. ربما لأنه على قناعة أن الأمر لا علاقة له بسلامة عقله.. فكر فى أن يستمع لنصيحه صديقه (سامى) أن يزور أحد المشايخ ذوى السر الباتع.. لكنه دائماً ما يتراجع فى اللحظة الأخيرة..
* *
عاد الهاتف ليرن مجدداً، وظهرت على الشاشة صورة الفتاة الموجودة على الحائط..
إسمها.. (ريهام)...
متى إلتقيا ؟.. لم يعد (نور) يذكر متى دخلت (ريهام).. حياته.. فهو يشعر بأنه يعرفها من قبل أن يراها.. من قبل أن يغادر رحم أمه.. ربما من قبل أن يلتقى أبواه..
لكنه يتذكر جيداً ذلك اليوم الذى جلس فيه (سامى) يتحدث -مع زملائه فى الجامعة- عن جلسات تحضير الأرواح التى يحضرها، وعن حالات صرف الجان والتلبس التى عايشها.. وكعادته.. لم يكن (نور) مهتماً بالموضوع.. لكنه لم يتوقف عن دعم صديقه بين الحين والأخر..
حانت منه إلتفاته للخلف.. ليقع نظره على ذلك الكيان الملائكى الرقيق الذى دخل الكافتريا..
لا يعرف متى إنقشعت الغيوم ولا متى حل الربيع ولا متى صارت الأراضى القاحلة مروجاً خضراء..
هذه الفتاة قادرة على إعادة النضارة للحياة.. قادرة على إعادة السطوع للألوان الباهتة..
ذلك الشعر البنى المنسدل على ثوب بلون السماء يغطى جسداً خمرى اللون.. ما خُلق إلا ليكون محراباً للعاشقين..
هذه الأبتسامة قادرة على إعادة الحياة للحياة ذاتها...
* * *
أمسك (نور) الهاتف ومرر إصبعه على رمز الأجابة، ووضع السماعة على أذنه ليسمع (ريهام) تقول بصوتها الرقيق -الذى يذوب فيه- فى دلال:
- " صباح الخير يا (نورى).. ألازلت نائماً .؟ "
حاول (نور) التظاهر بأنه كان نائماً وهو يقول:
- " صباح السعادة.. أجل لقد أستيقظت للتو.. "
قالت (ريهام) وقد إكتسى صوتها بنبرة عتاب لا تخلو من القلق:
- " كعادتك.. كاذب سيئ.. (نور).. أنا لا أحتاج أن أراك لأُدرك حالك.. هلم أخبرنى ماذا هناك.. هل أنت بخير؟؟ "
- " أجل يا حبيبتى.. أنا بخير.. لا تقلقى.. مجرد كابوس أخر.. "
تنهدت (ريهام) وقالت:
- " الحمد لله أنك بخير.. كم أتمنى أن تتوقف هذه الكوابيس.. وكم أنتظر اليوم الذى أكون فيه بجانبك إذا ما أصابك كابوس أخر.. "
ابتسم (نور) وقال بخبث واضح :
- " وماذا سيحدث حينها؟ "
صمتت لبرهة وقد ألجمها الخجل.. ثم أردفت:
- " هلم.. إنهض من الفراش لقد إقترب موعد المحاضرة.. وأنا لا أريد أن نتأخر.."
- " حسناً.. سأجهز خلال دقائق وأمر عليكى.. "
- " سأكون فى إنتظارك.. لا تتأخر.. "
- " لن أفعل.. ألقاكِ بعد قليل.. "
* * * *
- "وداعاً يا أميرة.. لقد كانت حياتك.. قصيرة .. أحقاً!! "
قالها (سامى) بسخط محدثاً نفسه.. وهو يقرأ الخبر الذى يتصدر مواقع التواصل الأجتماعى اليوم..
" وتتكرر جرائم القتل "
إستطاعت الشرطة اليوم.. العثور جثة الفتاة (أميرة) التى نشرنا خبر إختفائها الأسبوع الماضى.. وقد وجدت الفتاة مذبوحة وجسدها مسجى فى منتصف دائرة تحيط بنجمة خماسية.. مثلما حدث فى الجرائم السابقة... ويعتقد السيد / مازن مدكور خبير الماورائيات والباراسيكولوجى الشهير أن هذا القتل هو نوع من الممارسة لطقوس سحرية معينة..
- " سحر أسود.. وطقوس سحرية.. لا أصدق أن هذا يحدث فى مصر.. يا إلهى رحماك.. إنها نهاية العالم.. " قالها (سامى) محدثاً نفسه مجدداً.
قال له (نور) الذى وصل للتو وتناهى إلى مسمامعه نهاية الجملة :
- " نهاية العالم !! .. ماذا هناك يا (سامى) ؟ "
رد (سامى) وهو يمرر هاتفه المحمول ل(نور) :
- " أنا حقاً لا أعرف كيف أخبرك بهذا.. لكنى أعتقد أن هذا الخبر يهمك أكثر من أى شخص أخر.. "
قطب حاجبا (نور) بشدة بعدما قرأ الخبر وشرد ذهنه..
أردف (سامى) :
- " أعتقد أن ما تعانيه هو أكثر من مجرد كوابيس يا (نور).. قد يكون نوعاً من التخاطر.. "
- " فيما يبدو.. أن.. هذه الفتاة.. أعرفها من الكوابيس".. قالها (نور) كمن يهزى..
- " إسمعنى جيداً يا (نور).. أعتقد أن الوقت قد حان لإستشارة خبير فى هذه الأمور.. يمكننى أن أجعلك تقابل السيد (مازن مدكور) إذا أردت.. "
ساد الصمت لبرهة.. قبل أن يستعيد (نور) رباط جأشه ويسأل (سامى) :
- " وهل تعتقد أننى سأجد عنده التفسير ؟؟ "
- " الرجل واسع الأطلاع والمعرفة وله باع طويل فى مجال الميتافيزك والباراسيكولوجى.. نحن نلقبه بالميتافيزكس ويكى.. وإن لم يكن عنده تفسير جاهز لما تمر به.. فاؤكد لك أن الرجل لن يتوانى لحظة عن مساعدتك.. "
- " لا أظن أن لدى بديل أخر هذه المرة.. لكنى أرجوا ألا يكون نصاباً.. أنت تعلم جيداً رأىّ فى هذا الوسط.. "
- " أعدك يا أخى انه ليس نصاباً "
- " حسناً.. لكن لا تدع ( ريهام ) تشعر للحظة أن هناك ما نخفيه عنها "
- " لا تقلق يا (نور) .. سرك فى أمان معى "
* * * * *
وفى منزل نائى بإحدى ضواحى القاهرة.. جلس ( بندراجون ) يدخن سيجاراً ويتجرع مشروباً من كأس زجاجى.. وهو يكتب شيئاً داخل مفكرة..فى حين ما تقدم منه صاحب الجسد الضخم الذى يشبه الغوريلا..
قال (بندراجون) :
- " هلم يا (مارك) أثلج صدرى بأخبارك الجيدة "
قال الضخم الذى إتضح أن أسمه (مارك) :
- " لقد إقتربنا جداً يا سيدى.. لقد تأكدنا أنه هو المنشود.. لكن الأتصال لم يتم بعد.. لذا أعتقد.. "
قاطعه (بندراجون) بحدة :
- " الأتصال لم يتم بعد !!!.. وماذا عن التعليمات التى أصدرتها إليك.. لا تقاطعنى فأنا لم أنتهى بعد.. أنت لست هنا لتعتقد يا سيد.. أنت هنا لتنفذ التعليمات كما تصدر إليك.. عندما أقول لك أحضر لى الفتى.. فإنك تحضره لى.. أنا لن أضيع المزيد من الوقت.. لإكتشف فى النهاية أننى متأخر بخطوة.. والأن إذهب وإحرص على أن تحضره لى هذه المرة.. "
نهض (مارك) -وقد صار وجهه أشبه بحبة الطماطم- وهو يقول :
- " كما تريد يا سيدى.. "
وإنصرف من دون كلمة أخرى...
* * * * * * * * * *



محمد رموزى غير متواجد حالياً