عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-15, 08:59 PM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل التاسع




بعد ساعات من انقضاء الليل الموحش .. تعود شمس حكاتنا للشروق من خلف التلال والجبال الشاهقة التي تلامس سطوحها عنان السماء لترسل اشعتها الذهبية و التي تخترق كافة الطرقات .. الوديان ،، السهول .. والهضاب.. المحيطات والبحار.... معلنة عن قدوم نهار يوم جديد مليء بالحب والنشاط .. العمل والكد.. الألم والحزن.. الأمل والتفاؤل .. الجد والمثابرة ..

كان نهاراً مشرقاً جميلاً كالعادة في هذا الجو الربيعي الجميل.. تضج فيه اصوات المدينة الصاخبة بسياراتها وسكانها لتمتزج اصواتهم مع زقزقة العصافير و صوت الرياح الخفيفة التي تلفح اوراق الشجر الخضراء اليانعة ليصبح ذلك المزيج صوتاً موسيقياً رائعا... كمعزوفة البيانو التي تطرب لها الأنفس ويهدأ لها الوجدان..
كانت تسير بخطى واثقة مرتدية بنطالاً من الجينز الأزرق بحمالات مع قميص أحمر داكن اللون لترفع خصلات شعرها الذي يتطاير مع كل نسمة هواء محملة بالاتربة والغبار في هذا الحي القديم الذي يفتقر النظافة والحيوية.. وتطرق بأناملها المرتجفة باباً كبيراً في السن.. قد مر عليه زمن وهو على هذا الحال.. وكأنها للمرة الاولى التي تأتي بها الى هنا.. ولبضع ثوانٍ ظلت تنتظر الى ان فتح الباب ليطل من خلفه وجهه البشوش وترحيبه الحار بهاا..
"اهلا بريم .. واناا اقول لماذا اليوم مشرق.."
قالت بغرور مصطنع وهي تدلف "بالتأكيد لأن ريم أنارت هذا الحي.."
ابتسم لها وهو يحثها على المسير وقال بسخرية " تفضلي بالجلوس ياا شمعة تضيء بيتنا.. "
لوت شفتيها بضيق ثم قالت بحزن مصطنع "اذا كان هذا جزائي لأنني اشتقت اليك واتيت ..."
قاطعها وهو يقول " بعد ان اصبحتِ حبيبتي تتدلين علي.. "
تلون وجهها بلون الأزهار الحمراء من شدة الخجل وهي تراه يبتسم لها بحناان .. وشعرت بحرارة تسري في جسدها وكأن أحدهم اشعل مدفأة بقربها وارتباكها الذي لاحظه ليبتعد عنها .. فقالت هي لتذهب هذا الجو الشاعري وتخفف من ضربات قلبها التي تزيد بجانبه "ما أحوالكم.. وكيف هي والدتك؟!"
اجابها بابتسامة "بخير.. "
نظرت اليه لوهلة ثم تسائلت "وكيف يسير عملك ؟!"
"دعيني اقوم بواجب الضيافة اولاً ثم تستكملين عملك كمحققة" قالها وهو يغمز لها متوجها الى حيث المطبخ.. اما هي فأخذت عيونها تتفحص هذا المكان كان اشبه بسرداب صغير.. جدران متآكلة.. وارضية متشققة.. بيت قديم لا يوجد معنى للحياة به.. تملأه الرطوبة و بعضاً من الأتربة والغبار. اخذت نفساً عميقاً محملاً ببعض من ذرات الغبار الصغيرة وهي تفرق بين منزلها الذي يتكون من ثلاث أدوار.. تملأه الثريات والتماثيل والتحف بشتى الأحجام و الأشكال.. تحيط به من جوانبه الاربع حديقة كبيرة مليئة بالأشجار والازهار والأعشاب الخصراء وبين هذا المنزل الذي يتألف من حجرتين وصالة صغيرة لا يوجد بها الا هذه الاريكة القديمة البالية.. يحيط به اشباهه من المنازل وحجاراً صغيرة..
رسمت على وجهها ابتسامة عندما ظهر أمامها رائد يحمل كوبين من عصير البرتقال الطازج..
"تفضلي ياا أميرتي.."
أخذت الكوب من يده لترتشف رشفة صغيرة بارتباك..
"اذا تستطيعين الآن استكمال التحقيق ايتها الشرطية.."
قالت باستفهام "ألا تلاحظ أنك تسخر مني؟!"
قال بسخرية "ألا تلاحظين أنني اطلق عليكي الاقاباً تناسبك تماما.."
قالت وهي تفكر "لا أنكر ان لقب الكسولة مناسب.. ولكن ..(وهنا هزت رأسها نفيا) لقب الشرطية لا .."
امسك بأرنبة أنفها وقال مازحاً "ومن يحشر انفه بكل شاردة و واردة ؟!"
قالت ببراءة "ليس انا .."
قال بعد ان ارتشف من كوبه " لا تليق بك البراءة "
"ونعم الحبيب.. المفروض ان يبادلني بكلام جميل مثله ..ولكن .. لا يتنازل سيادته بأن يجاملني !!"
قال وهو يغمض عينا ويفتح الأخرى "هل تلمحين الى شيء ما يا جميلة؟!"
" ابداً.. أتحدث مع نفسي.. " ريم بابتسامة شفافة
قال بمزاح "هكذا تثبتين انكي فعلاً مجنونة.."
نظرت اليه بعيون غاضبة وقبل أن تنطق بأي حرف سمعا صوت رنين هاتف ريم... ولوت فمها بضيق وهي تنظر الى شاشته ولكنها اجابت "اهلا أمي.. صباح الخير.."
جاءها صوت والدتها غاضباً "أين أنتي منذ الصباح.. ألا تعلمين ان هناك موعداً مهماً مع عائلة أمل لتناول الفطور "
اجابتها بيأس " أعلم.. "
"اذن ستخرجين من منزل ذلك الصبي وتأتي بالحال.. هيا نحن بانتظارك.."
ريم بحزن "حسنا.."
تسائل بقلق عندما رأى لمعة الحزن التي تغلف عيونها "ماذا هناك ياا عزيزتي؟!"
"لا شيء.. سوى انهم ينتظروني للذهاب لتناول الفطور مع عائلة أمل.."
شعر بالضيق قليلاً ولكنه قال وهو يضع يديه على كتفيها بابتسامة " اذاً وما المحزن في ذهابك .. أليست أمل صديقتك؟!"
أومأت رأسها "أجل،، ولكن.."
"ولكن ماذا؟!"
قالت بنبرة حزن "أردت ان يمضي يومي معك خاصة أنك أخذت اجازة عمل.."
همس في اذنها بحب "أميرتي الصغيرة..."
رفعت رأسها إليه لتلتقي عيونهما العاشقة وتبدآن بحديث صامت ويتبادلاه بطريقة مختلفة تعبر عن مدى الحب والعشق الكبير الذي يحمله كل شخص للآخر..
"سوف نمضي يوماً اخر سوياً أعدك بذلك.. هيا اذهبي كي لا تغضب والدتك.."
هزت رأسها موافقة لتجتذب حقيبتها البنية من على الكنبة وتبتسم له "بلغ سلامي للخالة ميسون وقبلها بالنيابة عني.." واكملت مازحة "انتظرني في المرة القادمة بسيل من الأسئلة ايها المجرم.."
قال بحب "مجرم لأني اعشق فتاة حمقاء مثلك.."
ازدادت ضربات قلبها وبسرعة اقتربت منه وقبلته من خده الأيمن لتنسل بخفة خارج المنزل تاركة ذلك الفقير الذي يذوب بنار حبها و يتحسس خده بابتسامة تهلل وتزين وجهه الرجولي.. ولكن صوت غريب دخل على اذنها لينتشلها من ذلك النسج الخيالي الذي تهيأه عقلها ،، فلا بد من الهروب من هذا الواقع المؤلم الى رسم خيالات جميلة في عقلناا ... فيأتي صوت ذلك الذي تداخل الى خيالتها ساخراً كعادته " حقاً انتي حمقاء .. ان كنتي تريدين تخيل الحب لا داعي لأن تظهري احمرار وجنتيك.."
اشاحت وجهها بعيدا بغيظ و حزن " لا شأن لك .. اهتم بأمورك ولا تنشغل بأمور الأخرين.." وأخذت ذاكرتها تعود الى يوم الامس بعد ان خرجت للتسوق مع أمل،، وبعد ان بثت فيها سموما الخاصة بالاشارة الى حياة الفقر التي يعيشها رائد....
# عودة للوراء....
" ريم أين شردتي ؟!"
انتشلها ذلك السؤال من افكارها الحزينة لتهز رأسها نفياً ويقول صاحب ذلك الصوت " حسنا اذهبي وعدلي من مظهرك الحزين !!"
" حسنا.." ونهضت متوجهة نحو دورات المياه وفي نفس اللحظة انطلق صوت رنين هاتف ريم ،، لتنظر اليه أمل وتبتسم ..
" أهلا ريم ..."
لتجيل امل " لا بل انا أمل،، ما أخبارك يا خالة !!"
" اهلا عزيزتي،، بخير ،، ما الأخبار عندك !!" ابتسمت امل بمكر وهي تعدل خصلات شعرها " كل شيء على ما يرام ،، "
" هل حاولتي التحدث اليها !!"
" أجل بالطبع ،، " أمل بثقة ،، صمتت قليلا ثم اكملت " انها الان في دورة المياه.. وحاولت جاهدا ان اصرف نظرها عن ذلك المعتوه رائد.."
" حسنا فعلتي،، "
" اعلم ذلك،، تهمني مصلحتها اولاً ثم انني لم انجح مع رائد ،،" ضحكت بتهكم " يبدو انه كان يريد ان يصبح ثرياً.."
" لا اريد لابنتي ان تحزن في المستقبل ،، لذلك افعلي ما بوسعك.."
" اني افعل ما بوسعي يا خالة.. اظن انني استطعت اقناعها هذه المرة.."
وهنا وقفت ريم غير مصدقة بما سمعته هل يعقل ان رفيقة دربها تحاول جاهدة مع والدتها ابعادها عن من تحب !! كيف يستطيعان فعل ذلك بها،، بلعت غصتها وتذكرت كلمات صديقتها والتي توجهها لها بين الحين والاخر الى ان سئمت ريم منها حتى اصبحت تحاول تفادي الحديث معها " شاب فقير،، معدوم،، تهمني مصلحتك.. لا يتوقع منه ان يأوي عائلته.." وضعت يدها على رأسها وكأنها تمنعه من الانفجار وحينها التفتت امل الى الخلف لترى ريم فزادت ضربات قلبها وقالت بخوف على نفسها وليس على ريم "ريم (وهنا بدأت تتلعثم) هل..أن.. انتي بخير ؟!"
اجابتها ريم وهي تجتذب مشترياتها " اني اشعر ببعض من الدوار......"


وفي هذه الاثناء ومع بداية ريم في مشوار ذكرياتها الاليمة ابتسم رامي بسخرية على ريم ثم قال وهو يوجه انظاره نحو جدته التي تحتسي كوباً من الشاي الأخضر الساخن " جدتي الجميلة هل انتي ما زلت على رأيك ؟!"
أجابته وهي تلتقط كتاباً صغيراً وتضع نظارات الرؤية الخاصة بها " اجل يا رامي ،، سأنتظر مجد الى ان يعود .. ثم انهم سيذهبون الى مركز التجميل وانا.."
وأكمل رامي بابتسامة " وانتي جميلة بما يكفي "
ابتسمت الجدة ثم اشارت اليه بعيونها ان يخرج بعد ان رأت ملامح الضيق والحزن على ملامح ريم .. فنزعت نظارتها و وضعت الكتاب جانباً " ريم عزيزتي هل هناك امر يزعجك ؟!"
بلعت ريم غصتها لترسم ابتسامة على وجهها " لا يا جدتي فهذا حفيدك مزعج جداً "
"ام ان الأمر يتعلق بذلك الشاب ؟!" الجدة بشك
قالت بارتباك " من تقصدين ؟!"
قالت الجدة وهي تحاول التذكر " اظن ان اسمه رائد.. "
تقوس فم ريم لا ارادياً وانحدرت دمعة على وجهها فهي لا تستطيع ان تكبت مشاعرها اكثر تريد ان تخرجها لاحد تثق به ،، فبما ان والدتها لا تهتم بامور المنزل،، وان قمر اصبحت تعتزل عن الاخرين وتكرس وقتها بالقراءة او الرسم ،، فلن يبقى احد غير جدتها فلا مانع ان اخرجت ما بداخلها من اعباء الى جدتها لعلها تساندها في محنتها
لتقول الجدة وهي تنهض وتجلس جانبها " ما الأمر ؟! هل الحب من يجعل جميلتي تبكي ؟!"
اومأت رأسها ايجاباً .. فتسائلت الجدة " وماذا يوجد ؟! "
قالت بألم " لم ألتقي به لعدة أياام.. ثم ليس من عادته ان لا يتصل "
قالت بنبرتها الحانية " حسنا لا بأس فكما قال ليلة الحفل انه يعمل .. مؤكد انه ينشغل "
أومأت ريم رأسها وهي تمسح دموعها و ربتت جدتها على يدها ثم قالت " كل الامور ستتيسر بينكما .. ثقي بي "
هزت رأسها نفياً ثم قالت بفقدان أمل " أبدا يا جدتي .. ( وعادت الدموع للتجمع في عيونها ) انه حتى لم يصارحني بحبه ولكنن.. لكنني اشعر انه يحبني من نظراته واهتمامه بي ،، ولكن لا يستطيع البوح بسبب فقره " واجهشت بالبكاء وهي ترمي بنفسها الى صدر جدتها " الجميع ضد هذا الحب امي و صديقتي امل ،، انهما يفعلان ما بوسعهما لابعادي عنه ، لقد سمعت والدتي تتحدث اليها البارحة،، ( وهنا زاد بكاءها )لقد قالت لها افعلي ما بوسعك لاقناعها بالتخلي عن هذا الحب ،، ولكنهم لا يعلمون انني تعلقت به ولا استطيع التخلي عنه ،، لا يريدونه لانه فقير.. ما ذنبه يا جدتي.. أخبريني "
" ليس ذنبه شيء .. هيا امسحي دموعك سأحل الأمر .. "
وابعدتها عن صدرها وأخذت تكفكف دمعها بأناملها الحنونة وقالت بابتسامة حانية " هيا امسحي دموعك لا اريد ان ارى دموعك تلك .. "
" حسنا.." ريم بصوت مرتجف ..
" انت اذهبي وروحي عن نفسك قليلاً.. وانا سأحل امرك لا تقلقي.."
اومأت ريم برأسها ثم ابتسمت وقبلت جبين جدتها بامتنان بعد أن ظهرت والدتها وخرجت معها مكرهة من المنزل برفقة رامي الى مركز التجميل... وهنا تأكدت الجدة بأن خطة سرية تجري مجراها بين أمل ووالدة ريم سبيلهم هو التفريق بين شخصين لم يستمتعا بلحظات الحب حتى الآن ... فهل هي تستطيع ايجاد حلا مناسبا لرائد وريم لتجمعهما سوياً؟!

#############

كان الماء في البحر أزرق صافيا يماثل زرقة السماء التي انعكست على مياهه البلورية وكان بعض النّاس قد استلقوا على الرمال الذهبية اللّامعة معرضين بشرتهم إلى أشعة الشمس الحارقة والبعض الآخر فضل الجلوس في ظل الشّمسيات بينما أخذت مجموعة من الشبان يلعبون بالكرة يقفزون وعلى سطح الماء زوارق صغيرة ناشرة أشرعتها كأنها حمائم بيضاء تسافر في السماء الزرقاء وكانت أمواج البحر تتلألأ تحت أشعة الشمس الحارقة .. اما هو يقف بعيداً عن كل ذلك و الحزن منثورا عليه، بل كان مغطّى به كرمال الشاطئ التي تغطي ضفاف البحر.. يقف بقامته الممشوقة وعينان رماديتين باهتتين تنظران الى ذلك البحر بفكر مشتت وعقل تائه.. يحاول الوصول الى مخرج آمن من تلك الأفكار المزدحة والتي ادخلته في دوامة كبيرة لا مخرج منها .. وذلك الالم الذي وصل الى قلبه ،، جثى على ركبتيه متهالكاً منهاراً ينظر الى باطن يديه بعيون حزينة وقلب مكسور حزين .. يداه القويتان التي اشتعلت غضباً وقوة ليلة امس لتسيطر على يد اخرى ناعمة هشة.. وأخذ الدمع يسيل من مقلتيه ندماً وأسفاً...


وفي مكان آخر .. في المنطقة الجنوبية من المدينة.. حيث الهواء العليل الذي يداعب اغصان الأشجار و الطبيعة الخلابة التي تمتد على مساحة كبيرة.. مكان يضم ودياناً ومرتفعات جبلية و سهولاً خضراء واسعة.. وامام منزل خشبي ابيض اللون تقف تلك السيارة السوداء الفارهة لتترجل منها فتاة شقراء، ممشوقة القامة، ناصعة البياض رقيقة القدّ.. وسيمة الوجه، في حوالي الواحد والعشرين من عمرها.. ترتدي ملابس رسمية تنظر بعيونها الزرقاء الداكنة بابتسامة مرحة..
وفي الفناء الخلفي يجلس ذلك الرجل ببدلته الرسمية يعبث بحاسبه المحمول يرتشف كوباً من القهوة و بجانبه طفلته الصغيرة (ملاك) تتناول طعام الأفطار...
"اذا ابي ايضا هنا ستعمل" تسائلت ببراءة
اجابها بابتسامة حانية "اجل.. فالعمل صعب ويجب على والدك ان يراقب عمله من بعيد"
ثم أكمل بحب " سوف آخذ ملاكي في نزهة ولكن عندما ..."
وقاطعه صوت الخادمة " سيد ماجد لقد وصلت الأنسة سوزان.."
التفت ليرى فتاة بعمر الزهور تقابله بابتسامة مرحة وتمد يدها لمصافحته "مرحبا انا سوزان.."
اجابها باقتضاب "اهلاً.. تفضلي بالجلوس.."
تسائلت الخادمة "هل تودين شرب شيء ما؟"
هزت رأسها نفيا وقالت بلطف "شكرا لك.."
"اذا يا انسة سوزان .. يبدو انك متحمسة للعمل؟!"
اجابته بصدق "اجل فانا منذ مدة ابحث عن عمل "
"لقد قال لي مساعدي انك كنتي تعملين في مأوى للأيتام "
اومأت رأسها فاكمل " و بالتأكيد لن يكون عملك صعباً مع ملاك.."
"اجل.." قالت ذلك وهي تنظر الى ملاك التي ذهبن تلهو وتلعب في الحديقة
"لا شروط لدي للعمل.. ولكن سيكون عملك هنا مؤقتا.."
اومأت رأسها بتفهم " أعلم ذلك.. اخبرني السيد مازن "
"حسنا.. يمكنك القول انك حصلت على عمل جيد .. وبراتب ممتاز برغم المدة القصيرة"
قالت بامتنان "انا سعيدة لذلك.."

وفي نفس المكان و مع دقات الساعة الثانية عشر ظهراً لتعلن عن موعد الغداء يجلس على مكتبه الخشبي وبيده اوراق وملفات عدة.. مسح جبينه من حبات العرق بمنديل أبيض وتنهد بتعب وهو يضع الاوراق جانباً...
"سيد ماجد.. لقد حان موعد الغداء "
"حسنا.. سأجري اتصالاً هاتفياً.. اهتمي بملاك ريثما انتهي "
اومأت الخادمة برأسها لتغادر الغرفة.. فيلتقط هو هاتفه المحمول ويبدأ بالضغط على أزراره ليأتيه رنين متواصل وبعد ذلك صوت انثوي طاغي جذاب برغم التعب الواضح به " اهلا ماجد"
"أهلا كاريس. كيف انتي؟!"
اجابته بملل "بخير،، ماذا هناك ؟!"
تمالك اعصابه وقال وهو يشد على اسنانه " الا يجب على ام مثلك ان تطمأن على ابنتها"
"وابنتي تكون مع والدها.. لماذا اخشى عليها من شيء وهي في ظل حمايته"
"هكذا اذاً.."
ثم اعقبت بقولها " لا اظن انك ستفعل ذات الأمر مع ابنتي انتقاماً.."
اعتلاه غضب شديد، وصرخ بشيء من التّحدّي "كاريس.. لا تدعيني اخرج كل غضبي عليك.."
قالت بلا مبالاة " وماذا ستفعل ايامي معدودة.. انتبه على ابنتي.."
قال بحيرة وعدم تصديق " لا ادري اي نوع من الامهات أنتي.."
جائه صوتها حزيناً " ام ستأخذ جزائها بعد مضي هذه السنين.." أخذت نفساً عميقاً وأكملت " لن اقول لك الا ان تنتبه على ابنتي .. وحاول جاهداً ان تعوض لها الحرمان الذي فقدته مني.."
قال بسخرية مريرة " اطمأني سأخلد ذكراك الجميلة ولن أتزوج من بعدك "
قالت بأسف ممزوج بندم وتأنيب ضمير " انا حقاً متأسفة لما فعلته.. ارجوك سامحني.. وان صادفتها اعتذر منها بالنيابة عني.. سأغلق الأن سيبدأ علاجي.. اهتم بابنتنا كثيراً و قبلهاً "
زفر بحرارة وهو يضع هاتفه جانباً ليتجه بعدها لتناول الطعام.. بعد ان رسم ابتسامة على وجهه من اجل صغيرته..
من كاريس ومن ماجد !! وما هو الامر الذي يجعلها تأخذ جزاتها هكذا؟؟! وهل هذه الفتاة التي تدعى سوزان لهاا علاقة مع قمر ،، بما انها كانت تعمل في مأوى ؟!

❤❤❤❤❤❤

و مع حلول المغيب ومع انعكاس لون الشفق المتوهج على هذه المدينة الصاخبة متسعة الأرجاء مترامية الأطراف زُرعت على جانبي طرقاتها أشجار الورد والفل.. مدينة تمتلأ شوارعها الواسعة بالسيارات والشاحنات الصغيرة منها والكبيرة.. ومراكز التسوق الضخمة وفنادق فخمة .. و حدائق عموميّة زيّنتها أشجار عالية خضراء احتضنت الخلائق من النّاس، هؤلاء النّاس الّذين احتشدوا في كلّ الأمكنة يترقّبون الحافلات، أو يجتازون الشّوارع بحذر متّبعين الممرّات أو يسيرون بتأنّ عند ملتقى الطّرق حيث رجال الشّرطة، اللذين ينظّمون حركة السّير ... لينتهي بنا المطاف الى حيث منزل فخم يحتضن بين جدرانه امرأتان جلستا لتناول الطعام..
لتتسائل احداهما بقلق .. امرأة كبيرة في السن تدل تعابير وجهها على الطّيبة، والبساطة " عزيزتي لما يبدو وجهك شاحباً هكذا؟!"
لتجيب فتاة شابة شاحبة الوجه بصوت يملأه التعب والارهاق وهي تعبث بمحتويات طبقها بشرود " لقد امضيت الليلة الماضية في الرسم لأجل ذلك.."
قالت بنبرة حنونة " عزيزتي قمر لا تتعبي نفسك.. انظري الى حالك .."
قمر بابتسامة شاحبة لتذهب قلق جدتها " لا تقلقي يا جدتي.. فلم يجد النوم طريقه الي البارحة .."
ابتسمت الجدة وبرزت تجعيدات وجهها التي رسمت بخطوط بنية وكأن فناناً عالمياً رسمها بأقلامه وفرشاته لتظهر لوحة جميلة تعبر عن الطبية والعطف والنقاء في زمن كثر فيه الخبثاء والأعداء.. ولكن سرعان ما قطبت جبينها بضيق وهي تتذكر تلك المحادثة الصغيرة..
( " لقد حضرا الى المدينة "
شهقت بقوة وبدأت دموعها تتجمع في مقلتيها البنيتين " ماذا؟! من أخبرك؟!"
"السيد معاذ.. عندما كان يتفقد المنزل "
هزت رأسها نفياً "لا يعقل.. كيف بعد كل هذه السنين.."
" لقد وصفهم بالعائلة..."
قالت بعدم تصديق "لا يعقل أن .." )
وهنا قاطعتها قمر بخوف "جدتي ما بالك حزينة هكذا؟!"
قالت وهي تهز رأسها " لا شيء.. انا قلقة على مجد.."
ارتعدت اوصالها عند ذكر اسمه وبدأ قلبها يدق بعنف وارتجفت اناملها وهي تقطع بسكينها تلك السمكة .. كيف تسمحين لقلبكك يا قمر ان يرتجف حال سماع اسمه.. أليس هو من يعذبك بسمومه وكلامه الجارح بل وبدأ بشن حرب العنف تلك، قالت ذلك في نفسها وهي تشعر بألم ينغز في قلبها .. ثم قالت بلا مبالاة كي لا تجتذب انتباه جدتها " وما به؟!"
اجابت الجدة بحيرة " لا اعلم.. حاله لا يعجبني.. ها هو لا يزال خارج البيت حتى الآن.. لا اعلم اين يمضي لياليه.."
قالت بغيظ " انه في عامه السابع والعشرين لا بد انه عند صديق له.. لا تقلقي سيعود ان طال الوقت او قصر.."
أخذت الجدة نفساً عميقاً لعلها تهدأ ذلك الاعصار الذي في داخلها واخذت تسترق نظرات جانبية على قمر وهي تراها شاردة الذهن و بريق الحزن في عيونها العسلية تفكر في ذلك الرجل الحديدي.. الذي أحدث دماراً شاملاً في قلبها عندما انقض عليها كأسد غاضب يريد التهام عشاءه او كعدو شرير يريد ان يغزو ضحاياه بقنابل و اسلحة تفتح جراحاً حادة لن يغلقها الزمن.. ولكن اين سيكون الى الآن؟! وماذا يفعل؟! يا الهي يمكن ان حصل له مكروه ما ؟! او حلت به مصيبة؟! او حادث ؟! تسائلت في نفسها بقلق وهي تفتع عيونها على وسعهما ثم أخذت تطرد تلك الافكار من رأسها وهي تحدث نفسها وتعبث بطعامها امام انظار جدتها ' يحدث له ما يحدث .. ليذهب الى الجحيم ويبتعد عني بل واتمنى ان يكون في طريق مهجور يلتف حوله الضباع والكلاب والحيوانات المفترسة لتلتهمه وتجعل من لحمه طعاماً لها ولاولادها.. '
ثم اكملت في سرها وكأنها شعرت بضخامة الذي تفكر به ' الا يبدو انك بالغتي يا قمر' وهزت كتفيها بلا اهتمام..

(مرحباا.. يا جدتي الجميلة..)
رفعت رأسها بحدة لتلتقي نظراتها الحزينة مع عيون ذلك الصوت البارد .. وتنفست الصعداء بينها وبين نفسها لانه عاد الى المنزل ولم يحدث له اي مكروه.. أما كانت هي نفسها قبل قليل تتمنى ان يذهب بلا عودة؟! لكن لا يهم.. الذي يهم هو انه يقف هنا ولم يصبه شيء....
سألته الجدة بخوف وقلق " اين كنت ؟! كيف تخرج في منتصف الليل من دون ان ..."
وقاطع سؤالها متهرباً وهو يوجه سؤاله القاسي الى قمر " كيف انتي يا قمر هذا اليوم ؟!"
هزت الجدة كتفيها بقلة حيلة ثم اجابت قمر بعد ان تمثلت بالقوة والثقة " بخير.. طالما انني وسط اشخاص يحبونني.." ولمع في عيونها مزيج من نظرة عتاب وحزن ونظرة الم وانكسار اما هو فقد هرب من عيونها المتألمة بسؤال الى جدته " أين الجميع؟!"
قالت الجدة بسخرية " لا اعهدك طيب القلب هكذا وتهتم بالاخرين (قالت هذا وكأنها تشير الى شيء ما) ولكن سأج..."
ولكن قاطعها صوت الخادمة يخبرها بورود اتصال هام من احد اصدقاء العائلة لتخرج من الغرفة تاركة ذلك الحديدي ينظر الى ضحيته التي ارتبكت وأحست بشعور غريب فكان من الافضل لها "عن اذنك.. صحة وعافية " نطقتها قمر وهي تنهض مبتعدة عن تلك العيون الرمادية التي لاحقتها بكل خوف وشوق.. و لتسير قدما تلك العيون خلفها ... وهي تصعد عتبات السلم بخطى متثاقلة وتفكير مشتت وعقل تائه.. ينتابها صمت عميق وشرود وذهول غريبين .. سرعان ما اغرورقت عيناها بالدموع وهي تطأطأ رأسها للأسفل لتجعل رؤيتها غير واضحة ..
وأخذت تترنح في مشيتها قليلاً وكادت أن تسقط لولا تلك اليد القوية التي اسندتها وعيون رمادية خائفة التقت بعيونها العسلية والتي اخذت تبعث سحرها الخاص و تجعل جبالاً ضخمة من الكبرياء والعناد تجهز نفسها للرحيل من ذلك الجسد الضخم وقد شعرت بالضعف والهوان امام دموعها الحارقة التي كانت تأخذ سيرها على وجنتيها،، وما لبثت ان ابتعدت عنه وهي تشعر بسيل من الكهرباء تسري في جسدها وهي تقول بحدة " ماذا تريد الان.. هل تريد اكمال ما فعلته؟!.."
شعر بغصة كبيرة تملأ حلقه وآثر الصمت ولكنها اكملت " لقد اكتفيت منك.. واكتفيت من تجريحاتك وكلامك الحاد.. "
قاطعها بصوت مرتجف " قمر انا.."
قالت بصوت خافت " ان كنت تراني صامتة لا اتجاوب معك .. فهذا لأنني تربيت جيداً.."
نظر اليها بحدة وقال وهو بكور قبضته " ماذا تقصدين بذلك..؟!"
هزت كتفيها وقالت وهي تتجه حيث غرفتها " لا داعي للتفسير.."
قال بغيظ " ان كنتي تقصدين عن اخلاقي فلمعلوماتك جدتي رعتني منذ الصغر لذلك اخلاقي جيدة..."
وتوقفت عن المسير عندما شعرت بخطاه خلفها وصوته الهامس وكلمات تقطر احتقاراً كبيراً " أما أنتي فلا نعلم ابداً أي اخلاق قد زرعها فيكي المأوى.."
قال ذلك ثم صعد الى غرفته متجهم الوجه بارد قاسي الملامح.. ومع كل خطوة يخطوها وهو يصعد الى غرفته كان ألماً شديداً يزداد في قلب قمر لتتوقف هكذا بجمود وهي تشعر بآلام حادة في جسدها وحزن عميق أخذ يغلف جسدها.. وأمسكت بمقبض الباب لتفتحه بهدوء شديظ ثم لتدلف الى الداخل بهدوء ساكن وتوجهت حيث سريرها لتجلس عليه بعيونها الذابلة التي تعيد تكرار الموقف لتشعر بسكاكين حادة تمزقها اشلاء وتجعل منها أجزاء مترامية ... وبعد صمت طويل استلقت على فراشها في شيء من الفتور والتعب وشعرت بآلام خفيفة في عظام جسدها النحيل... و كان تنفسها قصيراً.. أما عيناها فكانتا تعبتان مرهقتان.. ، كأنها في حالة من الحمى، وكان وجهها شاحبا أصفر اللون... وبدأت عيناها العسليتان تدمعان.. و اغلقت عيناها بألم وهي تشعر بألم حاد في قلبها لتشد بقبضتيها على فراشها الى أن غطت في سبات عميق...



يتبع....




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس