عرض مشاركة واحدة
قديم 09-10-15, 02:40 PM   #24

أمة الله

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وشاعرة متألقة في القسم الأدبي ورسام فضي وحكواتي روايتي

 
الصورة الرمزية أمة الله

? العضوٌ??? » 83210
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 2,820
?  مُ?إني » حيث يقودني القدر ..!
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond repute
?? ??? ~
فهي لم تكن تملك في مقابلة عالم التفاهة الذي يحيط بها, إلا سلاحًا واحدًا, الكتب!----ميلان كونديرا
Icon26 فصل أول ،،(1)

مساؤكم يعانق السماء طهرا أحبتي ..





فصل اليوم سيكون تمهيدا لـ حكايا روايتي ^^







~ فصل أوّل ~







،،


مجدلينا ..




(فرنسا)







بحذرٍ، لفّت وشاحها الذي كانت لـ ثانية خلت تضعه فوق رأسها، فترمي به في حقيبة يدها .. رتّبت خصلاتها المتناثرة إثر خلعها للوشاح ثمّ بعيونٍ تنظر ذات اليمين وذات الشمال، واصلت سيرها نحو منزلها القريب .. أعادت خصلة متمرّدة لتستكين وراء أذنها .. همست بـ 'باسم الله' ثمّ دلفت بعد أن أدارت المفتاح داخل القفل ..




صمت المنزل أوجس في داخلها الخوف .. فلم تعتد أن يختفي صخب أخيها فجأة .. ازدردت ريقها وتقدّمت بذات حذرها تبحث عن طيفه فقد تطمئنّ نفسها الخائفة ..



نيكولاس، شقيقها الوحيد .. لم تكن علاقتهما جيّدة منذ سنوات ثلاث .. أي منذ دلف أخاها سنّ المراهقة فغدى نزقا، قليل صبرٍ ومدمن مخدّراتٍ .. احتكاكه بـ صحبة فاسدة، جعل الطفل الجميل بـ شعره الأشقر ولسانه اللطيف يختفي .. ويحتلّه آخر بات شديد الشجار والصراخ، خاصّة معها .. فـ محاولاتها لإعادته إلى الطريق السويّة، باءت بالفشل بل كانت سببا لتكبر الهوّة بينهما فيكيل لها العداء ..


خاصّة بعد تبليغها الأخير عن إدمانه لـ والديها حينما وجدت لفافات سجائر مخدّرة تحت سريره .. كان عليها إخبار والدها ليردعه قبل أن يغوص أكثر في مستنقع التيه .. غير أنّ الشيطان داخله لم يهتمّ لـ صراخ أبٍّ حتّى هدّده بقطع المصروف عنه .. يومها وعد بأن لا يعود للسجائر وعاد ..


مجرّد فكرة ألا يكون نيكولاس في البيت تثير المخاوف في فرائصها .. فهذا يعني أنّ هناك احتمالا كبيرا بأن تكون، دون انتباهٍ منها، قد التقتـ ـه قرب ناصية الشارع حيث اعتاد الجلوس للتغزّل بـ جارتهم الجميلة .. إن حدث هذا فلابدّ وأنّه لمحها ترتدي ذاك الوشاح وقد يكشف سرّها 'الخطير' لوالديها .. سيُقضى عليها حينها ..


ازدردت ريقا آخر أكثر جفافا .. أعادت الهمس بـ 'باسم الله' وتقدّمت إلى صالة معيشتهم .. فتُصدم بقامة والدها .. ارتباك واضح طغى على ملامحها جعل أباها يقول .. "مساء الخير عزيزتي .. مجدلينا هل أنتِ بخير ..؟" تداركت ارتباكها ليعود الاتّزان فيتربّع على ملامحها الهادئة .. وتجيب والدها المبتسم بـ .. "مساء الخيرات أبي .. أنا بخير الحمـ .." ابتلعت الكلمة وقد كسا الرعب محياها ..

لابدّ وأن تفعلها يوما .. سيتعثّر لسانها بإحدى العبارات التي تدينها .. يجب أن تتعوّد كيف توازن بين البيت وخارجه ..


أخفضت نظراتها وادّعت الإلهاء بالتقدّم نحو غرفتها متمتمة بـ .. "سأغيّر ثيابي قبل العشاء .."


لم تمضي دقائق حتّى عادت فتجد ثلاثتهم، والدها، والدتها وأخاها يلتفّون حول مائدة الطعام ينتظرونها .. تأسّفت لتأخّرها ثمّ ألقت تحيّة خفيفة على والدتها وعانقت كرسيها تسمّي بـ 'اسم الله' همسا لا يُسمع دونها ..



جالت بعيونها الحذرة على طبق اليوم .. ابتلعت ريقا ساكنا .. وجلّت حنجرتها لـ تردّد نفس العبارات التي غدت تُخفي وراءها الكثير لتبرّر عدم تناولها قطع اللّحم .. هزّت رأسها وابتسامة طفيفة ترتسم على ثغرها، ما إن سبقها صوت أمّها الحاني .. "عزيزتي مجدلينا، أعددت لكِ سلطة دون لحمٍ وشربة بالسمك .." شكرتها بـ همسٍ تعوّدته .. في حين صدح والدها بـ عباراته المعتادة .. "لا أدري من أين نبعت حمايتكِ للحيوان فجأة ورفضكِ تناول اللحوم .. لتكوني نباتيّة .. أنتِ تحتاجين للحديد ولن تجدينه في غير اللحم .."


"النباتيون ينتمون لجماعات معيّنة .. ربّما أثّر عليها أحدهم .." ملاحظة أخيها الساخرة بعثت بضع خوفٍ داخلها .. على ثقة بأنّه يدري شيئا يخصّها .. فمن أين له أن يرميها في الصميم إذا ..؟


تظاهرت بسكب بضع الخضروات في صحنها .. سمعت والدها يسأل نيكولاس بإهتمامٍ .. "هل يؤثّرون أيضا على نوعيّة الأكل ..؟"



لم تكن لتبدي البسيط من التركيز لحديثهما حتّى نطق أخاها فسكنت معها أنفاسها وترفع عينيها الشاخصتين إليه حينما قال بـ تكاسله البغيض .. "أبي الكلّ بات يؤثّر على أيّ شيء في الشخص.. قادرين أن يقلبوا معتقدات وعادات الأشخاص ببضع عبارات .. ألم ترى كيف يؤثّر المسلمون المتطرّفون علينا نحن المسيحيين .. فيردّدون أنّ اللحم الذي نتناوله ليس حلالا بل طريقة ذبحنا قد تسفر عن أمراض وأشياء كثيرة سيّئة.. وبأنّ ديننا محرّف .. وغيرها من الأمور .."



اشمئزاز صخب من بين شفتيْ والدتها .. "لا تذكّرنا بهم .. المسلمون داء متفشّي جدّا .. عفانا الربّ منه .. هم مجرّد جراد بات ينتشر وعلينا نحن المسيحيين أن نحتاط منهم .."


وضعت شوكتها، شدّت على سترتها البنيّة السميكة وأطبقت بها على صدر ينتفض فزعا .. في حين تعانقت طرفا رجليها، تحت الطاولة، تُخفي توتّرا فاضحا لـ صاحب العينين الزرقاوين ..


لا تعلم كيف انتهى عشاؤهم مع كمّ الحقد الذي أخرجه الجميع تجاه من يحملون لقب 'مسلمٍ' معلّلين بما حصل مؤخّرا في مدينتهم من أحداث دمويّة راح ضحيّتها الكثير وتسبّب بها منتمون لجماعات إسلاميّة متطرّفة ..



غمرتها رغبة بالبقاء معهم للسهر لكنّها أرغمت ذاتها على الابتعاد مخافة أن ينزلق لسانها بـ دفاعٍ عن 'المسلمين' قد يثير شكوك والديها .. صدى خطواتها انتشر في ذاك الممرّ الساكن .. هموم قلبٍ أكبر من عاتقها، كانت تتدلّى من جبينها العابس ..


هيئتها البهيّة لم تنقصها ملابسها الفضفاضة بهاءً .. فـ قدّها الميّاس يكاد يُشعّ من بين أقمشةٍ تراخت عليه .. طويلة قامة، شقراء بـ عيون عسليّة .. إحمرار وجنتيها كان يضفي نكهة لذيذة على بشرتها البيضاء .. أمّا شفتيها فـ صغيرتي حجمٍ، تعانيان زمّا طوال تواجدها في منزلها وتنفرجان على ضحكة خجلة طيلة تواجدها في مكانها المفضّل 'المسجد' .. في حين خصلات شعرها لا شيء قد يوصف تمرّدها .. كانت محلّ فخرٍ لها في سنّ مراهقتها .. ومحلّ غرورٍ في السنين الثلاث الفارطة .. وباتت تخفيها تحت رداءٍ خشنٍ ..


واصلت تقدّمها نحو غرفتها .. لتدير المقبض وتركل الباب بـ طرف حذائها تحاول خلق أجواء مشاكسة .. أنارت الأضواء ودارت بعيونها المبتسمة حول الغرفة ما إن خطر ببالها طيف صديقة قريبة من القلب .. همست بـ فضولٍ .. "أوه يا ترى ماذا فعلت 'رافيل' مع خطيبها .. ممم أ قبّلها ..؟ أو بادرت هي ..؟ تلك المجنونة .."


لم تُغلق الباب من خلفها .. بل توجّهت نحو سريرها تفكّر في سهرة صديقتها .. سهرة تتمنّاها لـ ذاتها .. فهي كأيّ أنثى، تحلم بـ فارس سينقذها من هذا 'الخوف الخانق' ..


خطيب 'رافيل' كان فتيّا، بعضلات بارزة وشعر أسود .. حانٍ ومهذّب .. لطيف فـ خجول .. يليق بـ صاحبة النّظرات الخجولة والقامة القصيرة .. متناسبين وهذا يجعلها سعيدة من أجل صديقتها ..


شقّت بسمة طريقا على شفتيها المكتنزتين فيزدان بهاؤها الربانيّ أضعافا ..

لكن تلك البسمة سرعان ما خبت إثر صوت أحدهم القائل بالساخرة من نبراته .. "رأيتكِ اليوم ترتدين تلك الخيمة فوق رأسكِ .."


قلب انتفض فوقا فـ تحتا .. أنفاس باتت تتسارع بلا هوادة .. وعقل أوقف العمل بعد صدمة أتلفته .. في حين دار رأسها صعودا ونزولا .. ومعه دار جذعها بعد قفزة فزعٍ ..


"نيككككووولاااس .. "


مقلٌ تكاد تدمع .. شفاه ترتعش وصوت يصله غير واضحٍ .. لم يعبأ 'نيكولاس' بحالة أخته الخائفة .. بل بسفورٍ تقدّم يعيد كلامه .. "كنت تشبهينهم مع حجابكِ المتخلّف .. المسلمين بغبائهم وبشاعتهم .."


تمتمة متكرّرة بـ 'اسم الله' أثارت السكينة فيها .. فهدأت إرتعاشاتها .. وشعرت بالأمان يتسرّب إلى قلبها .. سبحانه من يرسل السكينة على القلوب .. فيقلب الخوف، شجاعة .. واليأس أملا .. وهي واثقة من ربّ الكون ولن يحدث لها إلاّ ما كتبه الله في صحيفة أقدارها ..


جمدت تلك الملامح الجميلة .. توقّفت الأهداب عن رمشها لتراقب أخا يقترب نحوها بـ السوداء من ملابسه .. ركّزت نظرها على قرصٍ فضيّ يزيّن أذنه اليمنى .. في حين صوت أساوره الكثيرة يصدح بين صواني أذنيها .. ليقطعه صوته المهدّد .. "اِسمعيني مجدلينا لست راغبا بأن تكون هناك حرب بيننا .. كما اخترت أنا طريقي لأكون مدمنا وملحدا فلن أمنعكِ حينما اخترت طريقكِ لتكوني مسلمة .. إن أعدتِ الوشاية بي سأخبر والديّ بأنّ اِبنتهما، مصدر فخرهما، تخلّت عن ديانتها الكاثوليكية واعتنقت أبشع الديانات 'الإسلام' .. تدرين حينها ما سيكون مصيركِ ..؟" صمت قليلا يتعمّد إثارة الرعب فيها ليردف بثقة وعيونه البارزة تلتهمها .. "ستجدين نفسكِ في الشارع .. لن يعترف بكِ أحد من العائلة .."


ابتلعت بقايا ريق جفّ بعد سيل الكلمات المهدّدة .. ثمّ في محاولة يائسة لانقاذ 'عزيزٍ' على قلبها استهلّت .. "نيكولاس أرجوك استمع لي .. دياناتنا حريّة شخصيّة لكن المخدّرات ستقتلكَ .. لن أخبر أبي لكن عدني أنّكَ ستتركها .."


"أتمزحين ..؟ أ لم أخبركِ أنّني حرّ في ديانتي وحياتي .. مجدلينا اِهتمّي بشؤونكِ واُخرجيني من حساباتكِ لأنّني صدقا لن أبالي إن دست عليكِ بـ قدمي هذه .."


بـ وقاحة دلّ قدمه .. وبوجع أخرجت تنهيدةً ..


صمت آخر أطبق على المكان .. تلاها كلماته .. "تحيّاتي .. أو السلام عليكِ كما تقول جماعتكِ المتخلّفة.." وهو يشير بيده محيّي ثمّ يبتعد مغادرا فيتركها تحرّر إرتجافاتها ..








،،





عطاء ..



في ذات البلد (فرنسا) .. وقبل ذلك بـ كثير ..







"أ ستدخل هنا ..؟ إلى هذا المسجدِ ..؟"


كان استفهاما مستنكرا، خرج من حنجرة غضّة لم يثر اهتمام ذاك الـ 'عطاء' .. فيكمل سيره أين توجّه إصبع صديقه منذ قليل .. ويقرّر ما إن وصل قبالة المدخل أن يجيبه .. "بلى سندخل سويّة .."


لم تكن ردّة فعل ذاك الصديق غريبة على عطاء، حينما شخّص أبصاره وهزّ كتفيه ينفي نيّته بالدخول .. فيصدح صوته الغضّ ثانية .. "لن أدخل معكَ عطاء .. اُدخل وحدكَ .. سأذهب أبحث لي عن ملهى أمضي فيه سهرتي يا صديق .."


اضطرّ عطاء وقد لمح صديقه يغادر، الإسراع خطواتٍ يلحق به .. ولم يكد يشدّ على زنده حتّى قال بالهامسة من نبراته .. "اِنتظر .. سترافقني إن أردت أن تعيش بكرامتكَ .. أم تستمتع بالإختباء نهارا والظهور ليلا .. أنا وأنتَ لسنا سوى مهاجريْن غير شرعييْن دخلا هذه البلاد خلسة .. إن أمسكتنا الشرطة ستعيدنا حيث موطننا .. إلى الفقر والقمع .. لذلك إن أردت أن تظلّ هنا طويلا اِتبعني .." وتركه ليتقدّم حيث كان ..


شدوهفعدم اقتناع رسما طريقا على ملامح ذاك الصديق ليلحق بالآخر يستوقفه لإيضاح نيّته .. "عطاء اِنتظر يا رفيق .. اَفهمني ماذا تقصد بأنّ دخولنا إلى الجامع قد يجعلنا نحظى بحقّ البقاء هنا في فرنسا ..؟" شرارة غامضة لمعت بين مقلتيْ عطاء سرعان ما خبت وهو يوضّح لـ صديقه .. "سنتقرّب من إمام المسجد .. وهو سيتكفّل بتعريفنا على فرنسيات مسلمات نستطيع الزواج بهنّ وهكذا سنحصل على أوراق ثبوتيّة للإقامة في فرنسا .." شخر الآخر ساخرا ليستطرق بذات سخريته .. "أ سترضى بنا فرنسيات مسلمات ..؟ نحن في نظر الجميع لسنا سوى أناس على الهامش .." وضع عطاء يديه في جيوب بنطاله .. ركّز نظره على صديقه .. إعتاد أن يجعل الآخر يهابه بنظراته الخارقة .. نبرة هامسة تلحّفت كلماته .. "تدري أنّ فرنسيّة تدخل دين الإسلام هنا يعني أنّها ستُطرد من بيتها لتجد الشارع يحتضنها .. سنكون لها ملجآ نزل من السماء .. لكنّ أغلبيّة المسلمات يتوجّهن نحو ائمّة المساجد يطلبن منهم العون لإيجاد عرسان لهنّ حتّى لا يقعن فريسة الشارع أو فريسة الرجل غير المناسب.. سنكون نحن مناسبين فقط لو مدحنا الإمام .." أطرق الآخر إلى صمتٍ طويل .. كأنّ به يقلّب كلمات صديقه فيستخلص نجاعتها من فشلها .. ثمّ باستنكار استدرك .. "تمزح يا رجل .. أنا وأنتَ سندخل المسجد لنجعل الإمام يُزوّجنا فرنسيات مسلمات ..؟ لن يرضى بنا أيّ إمامٍ .. نحن من مدمني الخمر والسهر .. بل نكاد ندمن الحبوب المخدّرة .. نعيش بين ملهى وآخر .." وبـ ذات ثقته أجابه عطاء .. "لهذا علينا التواجد بإستمرارٍ في المسجد وإقناع الإمام بحسن سيرتنا وهو لـ حاله سيسعى لتزويجنا عملا بـ 'وفّق الله من جمع رأسينِ بـ الحلال' .. هي فترة وتمضي .. ما إن نحصل على ما نريد يمكن لنا الحصول على الطلاق والعيش برغدٍ دون خوفٍ من أن يمسكنا شرطيّ ما ويعيدنا لوطننا .. فترة لن تطول أكثر من شهر لنحصل على لذّة لـ طول العمر .."


أطرق عطاء رأسه ينظر إلى إسفلت الشارع .. في داخله ألف اعتراضٍ على ما ينوي فعله .. فلم يكن يوما إستغلاليا ولا إنتهازيّا .. لكنّ الظروف أحيانا تكون أكبر من أن يقف في وجهها 'ضمير مستتر' .. ليس له غير هذه الطريق ليفرض كرامته بين أناسٍ يتعمّدون أذيّته بتجاهلهم له بل ونعته بـ صفات سيّئة .. صفعة البارحة كانت القشّة التي قصمت ظهر الصبر فيه .. فشجاره مع فرنسيّ كان من روّاد المقهى الذي يعمل به أسفر إلى طرده رغم أنّه المظلوم لا الظالم .. وكلمات من شاجره ستظلّ وشما في صدره .. "أنتَ لست سوى حثالة هنا في فرنسا .. لو أردتُ الإبلاغ عنكَ كنتَ ستجد نفسكَ في بلدكَ العفن .. فلا تتطاول على أسيادكَ يا متخلّف .."


شعر بقلبه ينقبض أمام كلمات تطنّ في رأسه منذ البارحة .. حاول نفضها بتحريك رأسه يمنة فـ يسرة .. ثمّ برقت عيونه بـ وميض التحدِّ والإصرار ..

لا للتراجع ..


تقدّم خطوتين أخرتين نحو مدخل 'الجامع' ليستوقفه كلام صديقه الذي لم يرقه ما قيل سابقا .. "عطاء والله لو دخلنا سنكون فضيحة لا تنسى .. هاي أنا لا أتذكّر حتّى آخر مرّة دخلت بها إلى الجامع .. ربّما في صلاة عيد الإضحى منذ عشرين سنة .. لا دراية لي كيف أصلّي .. ولا ما عليّ فعله .. وأنتَ تشبهني .. يعني أفضل لنا أن نتوجّه نحو ملهى ما لنرقص فيه ربّما نوقع إحدى الفتيات في حبّنا ونتزوّجها .. هكذا نتمكّن من الحصول على أوراق تخوّلنا للحصول على عملٍ لائق هنا والتجوّل بحريّة .. غيرها لست موافقا .."


وهمّ مبتعدا دون أن يترك فرصة لـ عطاء فيخبره أنّ هذه الطريق أكثر نجاعة من أن تجد فتاة ليلٍ ترضى به زوجا ..


منذ وصل إلى فرنسا تحت بند'مهاجر غير شرعيّ'، امتدّت المسافة بينه وبين ربّه .. نسي أنّه يعبد إلاها يجب عليه أن يوفيه حقّه من الشكر والعبادة ..


سرقه الزمن .. بل سرقته الملذّات المحرّمة في بلده .. جال كـ أمثاله من الشباب الباحث عن اللذّة .. فكانوا أمثلة سيّئة لدين جميلٍ ..


في أحيانٍ كثيرة يحنّ لزمن مضى، حينما كان يجالس والده في الجامع يدرّسهم الشيخ 'فخري' درسا حول الرسول وصحابته .. ويراوحه الحنين لـ صوت الآذان وهو يصدح من صومعة جامعهم القريب .. يحنّ لـ تحيّة الإسلام ما إن يلتقي من يعرفهم ..


كلّ تلك الأشياء تخلّى عنها من أجل حريّة أكبر .. وكرامة أكبر وثراء أكبر ..


كم مضى على تواجده هنا .. سنة .. سنتين أو ثلاث ..


أحظي بالحريّة والكرامة والثراء الذي ينشدهم هناك حينما كان على أرض الوطن ..؟؟


لا شيء تحقّق .. فلما لم يعد إلى وطنه يحمل خيبته ..؟


ربّما لم يتعوّد يوما أن يستسلم .. لن يعود إلاّ وقد أثبت للجميع أنّه سيخلق نجاحه في وسط غربيّ متطرّف بامتياز ..



أخذ نفسا عميقا وسارع الخطوة المتبقيّة للدخول إلى مسجدٍ صغيرٍ يقبع في حيّ 'العرب' ..





،،
يتبع ..



أمة الله غير متواجد حالياً  
التوقيع
،،
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..