عرض مشاركة واحدة
قديم 09-10-15, 02:42 PM   #25

أمة الله

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وشاعرة متألقة في القسم الأدبي ورسام فضي وحكواتي روايتي

 
الصورة الرمزية أمة الله

? العضوٌ??? » 83210
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 2,820
?  مُ?إني » حيث يقودني القدر ..!
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond repute
?? ??? ~
فهي لم تكن تملك في مقابلة عالم التفاهة الذي يحيط بها, إلا سلاحًا واحدًا, الكتب!----ميلان كونديرا
Icon26 فصل أول ،،(2)

،،
ريحانة ..




في ذات المساء .. (بعيدا عن فرنسا .. في بلد عربيّ)




جرس باب أفزعها .. جعل تينكَ العينين الدعجاء تبرقان بإكفهرار، وغموض طغى على المقلتين .. لم تنتبه لزمجرة عمّتها المعتادة وهي تقول بغيظ "أتفتح العجوز الباب ..؟؟"، صوتها يصلها تمتمات غير واضحة مع السيجارة التي تقبع بين شفتيها .. لكنّها على يقينٍ بما تقوله كما هي على دراية بصاحب الطرقات الغاضبة إثر تأخرهم بفتح الباب بعد دقّات جرس متتالية ..



"مساء الخير زهرة .." تحيّة بعثت الطمأنينة في قلبها وألغت كلّ توقّعاتها .. ليضمحلّ لون وجهها الباهت وتعود الدماء تنضخ من جديد بحريّة في تلك الملامح الصامتة .. سمعت تلك الجارة تتذمّر من طول إنتظارٍ .. "لما تأخّرتم في فتح الباب ..؟ كنت أظنّكم خارج المنزل ولو لا رؤيتي للنوافذ مفتوحة ما كنت طرقت بابكم.." فتجيبها عمّتها بغيظها المعتاد .. "ريحانة لا تساعدني أبدا .. كنت أعدّ قهوة المساء لذلك تأخّرت عليكِ .."



إبتسمت ما إن وصلتها تحيّة جارتهم 'زهرة ' وهي تخاطبها مثنية على بهائها .. "مساء الخير ريحانة .. لابدّ وأن أزوّجكِ ولدي فحرام أن يذهب جمالكِ لغيره .." لم تمتعض كما إعتادت في كلّ مرّة تفاتحها فيها هذه الجارة الثرثارة عن رغبتها بأن تكون 'كنّة' لها دون أن تستشير ذاك الذي رحل يوما وقد لا يعود .. ليست على إستعجال لتدخل القفص الذهبيّ، فعقلها الصغير حجما والكبير عمقا، يحمل هموم أخرى غير التي اعتادت الإناث في سنّها، حملها ..


ثمّ قد لا تتركها الأقدار لتفعل ..



نظرات عمّتها دفعتها لأن تغادرهما حيث غرفتها فتترك لـ لسانين يستمتعان بالغيبة، مساحة حرّة لن تتطفّل عليهما هي الواعظة دوما لكلتيهما من نار ستحرق كلّ من يغتاب .. خطوات بطيئة جرّتها نحو غرفتها لتواري الباب على نفسٍ تنتظر منذ ثلاث أيّامٍ مجيء 'أولئك الضيوف' ..



وتظلّ عجوزين بلغتا من العمر عتيّا، تلوكان أطراف حديث ينطلق من أولى بيوت الحارة ويصل منتهاه إلى آخرها .. وصلها صوت عمّتها المغتاظ .. "لاآآ ذاك الخَرِفُ تزوّج هند .. كنت على يقين بأنّه سيفعلها .. فهو لا ينفكّ يتبعها .. ثمّ هي جميلة وتحتاج لرجل غنيّ يقدر أن يغرقها بالذهب .."



عمّتها 'سعيدة'، كانت آخر ما بقي لها من عائلتها التي لم تنكر صلتها بها .. فبعد حادثة اعتقال والدها تنكّر جميع أقاربها لها .. لتستقبلها هذه العمّة التي ما عرفتها قبلا .. لم تكن يوما سيّئة معها بقدر ما كانت صلبة في جميع تصرّفاتها .. صلبة في مشاعرها .. تغدق عليها بحسابٍ فلا تتجاوز تحيّة دون إبتسامة .. أو سؤالا على حالٍ في ولهة مرضٍ .. تعيشان سويّة منذ إثنتي عشر من السنوات .. ولا تتذكّر أنّها تلقّت عناقا من تلك العمّة 'الصامدة' في وجه الحياة .. كانت عمّتها اِمرأة واقعيّة لا تطلب من الحياة غير القليل، مقتنعة بأنّ العالم يجود على البعض ويترك البعض الآخر .. وهي ولابدّ من الصنف الثاني .. فحُرمت من الأبناء وهجرها زوجها دون أن تُكمل سنة معه .. ثمّ تنكّرت لذات عائلتها التي أنكرتها .. فهي جنوحة بإمتيازٍ ومع تقاليد تقيّد اِمرأة تعيش وحيدة .. لم تبالي بتلك التقاليد بل رمتها في وجه حائط جنوحها .. وعاشت وحيدة تصرف على ذاتها من معاشٍ وفّرته لها وظيفتها كـ منظّفة في إحدى الوزارات .. ممتنّة لها أن تقبّلتها، إثر قضيّة والدها .. فهي كانت حينها في سنّ عاشرة، تدري بمصاب أبيها السيّء رغم صغرها وتدري بما ينتظرها من قسوة في دنيا لا تعترف بالضعيف .. لم تكن ضعيفة .. ربّما تُشبه هذه العمّة وإن رفضت الأخيرة هذا الشبه حينما تتغنّى به أمامها .. وجهها المكتظّ بالتجاعيد لم يفزعها يومَ شدّها على ذراعها تخطفها من حضن جارة لها تكفّلت رعايتها بعد أن هجم الحرس الجمهوريّ على بيتهم وإعتقلوا والدها .. والدها عدنان الوافي كان صاحب رأي سُجن بسببه .. فمعارضته لـ أراء عدّة تجود بها ساسة بلادها، جعلته سجينا طيلة حياته .. وكون والدها صاحب عزّة لا ترضى خدشا، تعرّض لنوبة قلبيّة فقد حياته على إثرها .. رفض أن يُعتقل أو يتعرّض للتعذيب والتنكيل .. رفض الحياة دون كرامة .. في نظرها كان رمزا فقد جاذبيّته حينما استسلم للموت .. جبن لم تتخيّل أنّ والدها يحمله يوما .. أرادته أن يناضل من أجل رأيٍ يطالب بحريّة وكرامة لكلّ فرد في مجتمعها .. رأي يستنكر الفساد المتفشّي في مجتمعٍ يعاني أغلب أفراده فقرا مجحفا في حين يتمرّغ ساسته بثراءِ فاحشٍ .. حملت ذات الأراء وواصلت السير في ذات القضيّة .. وستكون أشجع من والدها .. لن تستسلم ..




جرس باب ثانٍ، جعلها هذه المرّة متيقّنة من صاحبه .. فهي منذ ثلاث أيّامٍ تنتظر وفودهم .. فبعد اعتقالات في صفوف بضع أصدقائها، تأكّدت من أنّ الدور القادم عليها .. ندى وعلي، تعرّضا منذ يومين للاعتقال .. هجم الحرس الجمهوريّ على بيتيهما وحملوا كلّ مستلزماتهم من أشرطة، كتب وحواسيب شخصيّة .. كانت على يقين بأنّ وشاية ما تسرّبت من بين صفوف اجتماعهم الأخير، الذي كان يفترض أن يكون سريّا، بين عناصر عُرفت بثقتها لقضيّة مصير .. لكن أحدهم أسالت النقود لعابه وابتغى من الثراء رشفة ..فـ فجرّ ما في جعبته عنهم .. ليتمّ اعتقال كلّ من حضر .. وهي آخرهم .. ها قد اقترب دورها ..



كانت قادرة على الهرب، والاختباء لكنّها ليست جبانة لتفعل .. فلو فرّت قد تتعرّض هذه العمّة للمساءلة .. وهي لا تريد لها وجعا بسببها ..



صوت عمّتها أيقظها من شرودها .. "هاي ريحانة .. أكلّ مرّة سأفتح أنا الباب ..؟" رمت نظراتٍ طويلة على غرفتها تودّعها بصمتٍ .. لتجمع خصلاتها السوداء وترتدي قبّعة رأسٍ شبيهة بما يرتديه الذكور .. وتغلق سحاب معطفها الرماديّ وتخطو حيث ذاك الباب الخشبيّ المتهرئ .. مرّت على تينكَ العجوزين وقد أمسكتا كلتيهما بفنجان قهوة وسيجارة تعدّل مزاجهما العكر دوما .. توقّفت أمام الباب لتأخذ نفسا طويلا، ثمّ تدير قبضته دون أن يرمش لها جفن ..



دفعها شخص قبل أن تعي ملامحه، إلى الأمام .. كبّل يديها .. لم تفزع كما تصوّرت .. لكنّ الفزع طال عمّتها وجارتهم 'زهرة' .. فتقفز كلتيهما نحوها وتصرخان .. "خير .. ماهذا الهجوم ..؟" خمسة آخرين اقتحموا المكان ببنادقهم، لينتشروا إثر صرخة قائدهم .. "فتّشوا المنزل .. هاتوا لي بجميع أغراضها .." ابتسامة غريبة لاقت مسلكا على شفتيها .. في حين عيونها لا تفارق عمّتها وهي ترمي سيجارتها لتهجم على من يقيّدها صائحة .. "اُتركها يا ملعون .. لا تلمسها بيدك القذرة .. أطلق سراحها .. هيّا .."



لم تكن تعلم أنّ هذه المسنّة قد تحمل حبّا لها فتسعى باستماتة للدفاع عنها .. هي التي لم تنفكّ يوما من أن تدعو عليها بأن تريحها الأقدار منها وتلعن اليوم الذي قرّرت فيه أن تضعها تحت جناحيها .. همست تخاطبها حينما جمد الشرطيّ الضخم في مكانه دون أن يتأثّر بـ ضربات عجوزٍ ضعيفة أضعف من أن تخدشه خدشا بسيطا .. "عمّتي لا عليكِ .. الأمر سيُحلّ .. اِهتمّي لحالكِ وأنا سأفعل ذات الشيء .." فيزجرها سيّد هؤلاء، ما إن لمح ما تفعله تلك السيّدة بشراسة .. "هاي أنتِ .. لا نريد أذيّتكِ .. لكن اِبنة أخيكِ تحوم حول الأذيّة .. فاُتركينا نقوم بعملنا دون إزعاجٍ .."





تقسم أنّها لمحت دموعا بيت مقلتي عمّتها رغم مقاومتها لألاّ تسقط .. سارت خطواتها تنزل تلك السلالم المتهرئة يقودها رجلان بالشديد من الحذر، كأنّ بها ستفرّ من أيديهم .. رمت نظراتٍ خلفها تودّع عمّة أغدقت عليها حنانا 'متستّرا' .. إبتسمت لها بشجاعة ورثتها عن أبٍ لم يقبض على شجاعته طويلا .. أنزل الحارس رأسها لتدلف إلى سيّارة رباعيّة الدفع .. شعرت بآخر يلفّ عينيها بـ عصابة بعثت السواد في محيطها ..


،،


يتبع ..


أمة الله غير متواجد حالياً  
التوقيع
،،
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..