عرض مشاركة واحدة
قديم 09-10-15, 02:43 PM   #26

أمة الله

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وشاعرة متألقة في القسم الأدبي ورسام فضي وحكواتي روايتي

 
الصورة الرمزية أمة الله

? العضوٌ??? » 83210
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 2,820
?  مُ?إني » حيث يقودني القدر ..!
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond reputeأمة الله has a reputation beyond repute
?? ??? ~
فهي لم تكن تملك في مقابلة عالم التفاهة الذي يحيط بها, إلا سلاحًا واحدًا, الكتب!----ميلان كونديرا
Icon26 فصل أول ،،(3)

،،

غفران ..






صباحا ..

(في ذات البلد العربيّ)









أولى صرخاتها في الحياة، المعبّرة آن ذاك عن فرحة أو استياء تجهله، لاقت ردّا عليها بصرخات فزع حقيقيّة خرجت من أجواف والديها ..



نعم، لم تكن مُرحّب بها، فهي الابنة العاشرة بعد تسع بنات .. ليست الرغبة بأن تكون ولدا هي سبب صرخاتهم، وإن كثّفالدعاء لذلك، لكنّ الأمر كان أكبر من اختلاف جنسٍ .. فأباها لديه من الصبيان ثلاثة سبقوها بوقت طويل .. أحدهم هاجر يُكمل دراسة كانت علّة ليفرّ من قرية أطبقت أنفاسها عليه .. واثنين يصاحبانه كـ ظلّه، يباهي بهما كلّ معارفه ..



سبب تلك الصرخات، كان يعود لغياب عريسٍ أكيد لها .. ما يثير هاجس والدها ألا تطال العنوسة إحدى بناته كما حصل مع أختيه، عمّتها سوسن وعمّتها زمرّدة .. تينكَ العمّتين أذاقتا والدها من كأس الزمهرير وأطبقتا على أنفاسه حتّى أخذ القدر إحداهنّ وظلّت الأخرى شتيمة يلاقيها على لسان كلّ وقحٍ لاقاه في شجارٍ ..



أباها عتيق عمرٍ وقلبٍ .. لكنّ العتاقة ما منعته من أن يحظى بعقلٍ يتدلّى منه دهاء الثعلب ومكر الذئب .. فكانت كلّ أنثى تفتح جفنيها على هذه الحياة لابدّ وأن يسجّل اسمها شفاهيّا مذيّلا باسم 'زوجها' .. فكانت لـ أولى أخواتها، زينة، عريس سبقها التشريف على الدنيا بثلاثين يوما، اِبن عمّها همّام .. وكلّ من التوأمين، سنى وسرى لاقتا عريسان قبل أن يتمّ تسجيلهما في النفوس ..



يشدّ والدها على 'برنسه' ويجول بعد كلّ ولادة إحدى بناته، بين بيوت القرية يخطب لهنّ ذكورا لازالت ترضع الحليب من صدر أمّهاتهم .. بل غدا بعد الابنة الرابعة، يبحث عن العريس قبل أن يكون موعد الولادة بأشهر .. حتّى يُطمئن باله وإن صادفه الحظّ فكان المولود ولدا، اعتذر من أهل 'العريس' بأسلوب منمّق لا يخلو من الذكاء، فيخبرهم أن يحتفظوا بـ العريس جانبا لوقتٍ لاحقٍ تكون فيه المولودة أنثى ..

أصبح الحديث عمّا يفعله والدها مصدر ثرثرة لأهالي القرية البسطاء .. ويبدؤوا بعد مدّة موسمهم مع التقليد الأعمى فباتوا هم أيضا يسارعون الركض لإيجاد عرسان لبناتهم قبل أن لا يظلّ ذكرا عازبا أمام مغول بنات والدها ..



ثمّ أتت هي تتمختر بدلالٍ فتضيق الويلات لوالدها .. فذاك العام كان جاحفا، شحيح العرسان .. فلا ذكر وُلدَ قبلها وأغلب الذكور التي تسبقها بسنة وأكثر تمّ الاستيلاء عليها وأصبحت ملكيّة رضيعاتٍ غيرها .. اِنتظر أباها شهرين بعد صرختها الأولى في الحياة، علّها تكون صاحبة حسن طالعٍ فتموت إحدى الإناث في مهدها فيكون 'أرملها' من نصيبها ..



لكن هيهات .. لا رياح تجري بما تشتهيه سفينة والدها ..


فاِضطرّ آخر المطاف الاستنجاد بـ قرية مجاورة ..


جمع ما فيه من قدرةٍ وتمطّى ظهر بعيره صاحبا معه أخاها الأوسط، سميح، ليهزّ رحاله نحو قرية قريبة من قريتهم ..

هناك جال والدها رفقة أخيها وصالا دون فائدة تُرجى ليركب الغمّ كتفيْ أبيها المتهدّلتين .. فلا أحد رضي أن يسير وراء خرافة رجل بلغ عتيّا من العمر ويسلّم رقبة رضيع لـ يرتبط بـ رضيعة في وثاقٍ على شكل وعدٍ غليظٍ .. ويزيد صراخها في مهدها تطالب بحليب يُسكت جوعها لكنّ والدتها التي تخاف أباها حدّ الذهول، حرمتها صدرها مستسلمة لأوامر مجحفة في حقّها .. فلحين أن يجدوا لها عريسا لن ترضع من حليبها وستظلّ على جوعها فإن فشلت محاولاتهم ماتت غير مأسوفٍ عليها ..

لكنّها وإن غاب حسن طالعها لفترة فإنّه حينما يظهر يسطع بشدّة .. فكان نصيبها من العرسان أفخمهم وأكثرهم جاها .. كيف لا يكون وهو أصيل عائلة عُرفت بتديّنها وقدرتها بين القرى ..

ليعود أباها بوجه مهلّل غير قادرٍ على لملمت فرحته المتناثرة هنا وهناكَ .. ويصرخ كلّما مرّ من دكّانٍ يجيب سؤال البائع أو جليس البائع .. "ها بشّر أبو راضي .. لقيت لها عريسا ..؟"

"بلى من عائلة الوليّ الصالح السقّار .. لـ ولدهم هلال عمره ثلاث سنوات .."


ويدقّ باب بيتهم فتجيبه بصرخة تستنجده فيها جوعا جعلها تفقد فتات اللّحم الذي يغطّي عظمها .. لتفتح زينة الباب ويتقدّم أباها راكضا يزفّ الخبر لوالدتها .. "أم راضي .. لقيت لـ غفران عريس .. هلال السقّار .."


وكان ردّها قد سبق شهقة أمّها .. بأن فقدت وعيها رافضة هذا الإستبداد بحقّها في الإختيار ..




وكبرت تُمنّي نفسها بعريسها المرتقب 'شيخ الشباب' كيفما إعتاد والدها أن يُناديه .. كان هلال بينهم حاضرا روحا، غائبا جسدا.. فهي لم تحظى بتكحيل عينيها برؤيته .. شحّ بزيارة لها، تبعث الفرح في قلبها الغضّ .. كانت كلّما رفضت أوامر والدتها المتعلّقة بالطبخ، التنظيف أو الاهتمام بالبقر، تهدّدها بـ هلال الذي سيستنكر ارتباطه بـ أنثى لا تفقه من أمور البيت شيئا يُذكر .. لم تكن تبالي .. فـ صورته التي رسمها خيالها المراهق كان يخطّ فارسا نبيلا ستُزفّ إليه ليعيشا في قصرهما الأبيّ .. أحلامها أضفت عليها المسلسلات التي تكثّف من مشاهدتها، نكهة ورديّة لم يكن القدر موافقا عليها ..




"غفران، أرجوكِ اَعطني إيّاه .." مقلٌ تدمع لم تجعلها ترأف بـ حال أختها التي تسبقها بـ سنتين وتفوقها طولا .. فـ 'نرجس' كانت الأقصر بينهنّ .. في حين تحلّت هي بـ الأولى من المراتب في الجمال وحسن البهيّة ..



لوّحت غفران بـ شال أختها، فتقول بدلالٍ .. "أريد أن تحلبي البقر عنّي مقابل أن أعيده لكِ .." و بـ تحدّ خجول أجابتها 'نرجس' .. "لا لن أفعل .. هذا ظلم أنتِ منذ أسبوعين لم تقربيهم .. تتعلّلين بدراستكِ .. اَعطني إيّاه .. سيجيء خطيبي خلال دقائق .. ولازلت لم أنهي تجهيز نفسي .."

أطرقت 'نرجس' رأسها تغصّ بدموعها .. فدوما ما كانت الدامعة بينهنّ .. صاحبة قلبٍ حنون، رؤوفٍ وخجول .. عكسها هي، غفران، صاحبة القلب الحجريّ، الوقحة أحيانا والكسولة الأكبر بينهنّ ..

كانت غفران الأصغر بين أخواتها، والمدلّلة لأبيها، رغم سوء ما مرّ به في شهورها الأولى من الحياة .. الوحيدة التي دافعت عن حقّها بإكمال دراستها الجامعيّة .. لاقت اعتراضا من والدها العتيّ وقدرت بـ عندها المتأصّل أن ترغمه على الموافقة شرط ألاّ تبيت خارج سور منزلهم .. ثلاث سنواتٍ صعبة من الكفاح الجامعيّ، تكاد تنتهي فلم يزل على امتحاناتها النهائيّة لسنتها الأخيرة، سوى أسبوعين ..



زمّت غفران شفتيها وطيف خطيب أختها يجول سارحا بين أرجاء مخيّلتها .. لا تنكر غيرتها من هذه الـ خجولة فـ خطيبها لا ينفكّ بتفقّدها ويحمل الهدايا لها في حين شحّ 'هلال' بزيارة قد تثلج روحها العطشة له .. ليست حالمة بـ تفوّق كما حال هاته الواقفة أمامها وقد دمعت عيناها وإرتعشت أناملها .. لكنّها أنثى تحتاج لأن تشعر بـ أنّها 'حلم' رجلٍ ..

تتوعّده في كلّ جلسة تختلي بها لـ حالها .. لابدّ وأن تنتقم لـ ذاتها، منه، هذا الإنتظار القاتل لها .. فليست سهلة لـ تترك 'تجاهله' يمرّ بسلام ..



"أففف ألا تملّين من خطيبكِ .. يكاد يبيت في بيتنا .. مستعدّة أن أتنازل له عن غرفتي فليعش معنا بدل ثمن تذكرة القطار وتعب المشوار بين قريتنا والمدينة .. ثمّ ألن يعقل ويصبح رجلا فيتحمّل الشوق لكِ .. كلّما لمحته تنتابني رغبة بالضحك .. فهو كـ قطّ متشرّد يبحث عن مأواه .. ثمّ أهالي القرية أصبحوا يسخرون من لهفته عليكِ .. حتّى أنّهم نعتوه بالـ 'أبله' .."

كانت تدري بأنّ غيرتها من تتحمّل وزر هذه القاسية من الكلمات .. تشعر ببضع راحة حينما تلمح دموع شقيقتها العزباء الأخيرة من بين شقيقاتها .. تُفرغ فيها جامّ غضبها من ذاك الـ 'هلال' .. هي المتنفّس لـ ما بها من مشاعر الغيرة الطبيعيّة لأيّ أنثى ..



"حازم ليس أبلها .. أهل القرية لا يعرفون من العشق شيئا .. ماذا لو أحبّني .. واشتاقني وزارني .. كلّ شيء يتمّ تأويله بـ حقارة .. متى أتزوّجه وأغادر هذه القرية الخانقة .."



تتنمّر 'نرجس' في كلّ مرّة تلامس الحروف 'حازمها' .. لا تتحمّل فيه وخزة 'حرفٍ' لذلك تكشّر عن أنيابها وتظهر من بين شرنقة الخجل، لبوة شرسة ..



هذا ما كانت تفكّر به غفران وهي تراقب تلك الأخت وقد تنازلت عن بحثها عن الشال والتهت بـ تمشيط شعرها الأسود المتشابك .. رمت بشال أختها حيث هي فتتلقّفه نرجس بـ حذرٍ عائدٍ لكون الشال هديّة من ذاك الخاطب لها.. تقدّمت غفران حيث سريرها ثمّ بـ سكون غريب عنها، تلحّفت الصمت، مكتّفة يديها وضامّة رجليها فوق السرير الضيّق، تراقب إرتباك أختها الواضح ..

لم تمضي دقائق حتّى جاء 'فارس' اِبن 'زينة'، أختها الكبرى، يركض مهلّلا .. "وصل العمّ حاااازم .. وصل العمّ حاااازم .." هلّلت ملامح تلك الـ نرجس وزاد ارتباكها .. بـ توتّر جليّ في حركاتها استدارت إلى غفران تسألها .. "هل ثيابي جميلة ..؟ شعري هل ألفّه إلى الخلف ..؟ أم أتركه منسدلا ..؟"



كانت حقودة .. وما كان لها ألاّ تكون غير ذلك .. فـ هي أيضا من حقّها أن ترتبكَ بقدوم هلال وأن تستبشر ملامحها .. من حقّها كلّ هذا .. وصودر حقّها لسبب تجهله .. فكيف ستسمح بأن يُصادر حقّها بـ الحقد على أختها 'السعيدة' جدا ..



تجاهلت أسئلة 'نرجس' المتتالية .. تصنّعت الإلتهاء بفتح كتابٍ لا تدري كنهه ولا إن كان يعود لها أو لـ غيرها ..



لكنّ فارس ذو السنين العشر، كان فطنا لمشاعرها .. فـ هذا الاِبن أختٍ يدري بما يجول بين أروقة أفكارها .. فلم يصدمها كثيرا قوله .. "خالتي نرجس، لا تسألي خالتي غفران تدرين أنّها تغار منكِ .. أنتِ جميلة جدا .. هيّا العمّ حازم ينتظركِ في الصالة .."

رشّة ثقة تكفّلت بها كلماته، جعلت تلك الـ نرجس مشرقة الوجه، مبتسمة المحيى .. لتسارع بـ خطوات متلهّفة للقيا 'حبيب' تاركة ذاك الشبل رفقة خالته 'اللبوة' ..



و غفران، رغم أنّها لم تكن لـ تغضب عادةً من وقاحته الشبيهة بالتي رمى بها منذ دقائق لكنّها في هاته الثانية أرادت أن تفتعل غضبا .. ربّما معه يجود هذا الصغير عليها ببضع اهتمامٍ واسترضاءٍ .. فتحصل على ترضية كـ التي لمعت في بالها منذ قليلٍ ..



تقدّم فارس بحذر طفل بلغ الرجولة في نظره .. فشدّ صدره إلى الأمام مبرزا عضلات زنديْهِ .. أمّا نبرة الصوت فوصلتها خشنة، جوهريّة ..تتصنّع كلتا الصفتين .. "لا تزعجي خالتي نرجس ثانية .. تريدين عيش عقدكِ عيشها مع نفسكِ فقط .. ما ذنب خالتي نرجس المسكينة ..؟"



رسمت ابتسامة ساخرة، رمت بكتابها بعيدا ثمّ عادت للجلوس باستقامة على سريرها .. وتخاطب اِبن أختها .. "اِستمع لي فارس لست أعاني عقدا .. ولست أزعج نرجس .. أنا ببساطة أفتح عينيها على حقيقة مرّة قبل أن يقع الفأس على الرأس .. أ يروقكَ حازم ..؟"



"كثيرا .." كانت كلمة واثقة لم تربكها بل زادت من قهرها .. "حسنا فلتشبع به أنتَ وهي .. مالي أُزعج نفسي بها .. ستعود إلينا بعد أن تتزوّجه وتكتشف أنّه يبكي كالنساء ويخاف كالأطفال .. لتهنأ به .."


أدارت رأسها عنه فتعود لتلتهي بكتابها .. لتتوقّف أناملها عن تقليب صفحاته ويغمرها ارتباك فاضح، ما إن صدح لسان الآخر بـ .. "خالتي غفران، البارحة جاء جدّي إلينا وفاتح أبي وأمّي بموضوعٍ يخصّكِ .." ازدردت ريقا يخبّئ وراءه توجّسا ..

لقاء والدها بـ زوج أختها 'همّام' من أجل حديث يتعلّق بها يعني أنّه ولابدّ يخصّ 'هلال' ..


لتتأكّد من صحّة تخميناتها ما إن إستطرق فارس بنبرته الجادّة .. "جدّي قال أنّ هلال السقّار تأخّر بالمجيء لعقد القران بكِ .. وطلب من أبي أن يتوجّه إليهم ليسأل عن سبب تأخّره .."

لازالت دقّاتها ساكنة .. تمقت هذا الوضع الذي تعيشه .. سيذهبون ليجرّوا عريسها إليها .. أ لهذه الدرجة باتت عبئا .. أ لهذه الدرجة هي رخيصة .. ؟؟


تبّا لـ هلال وما يفعله وفعله بها ..

سحقا ألفا له ..




صمت ران عليهما .. كان فيه فارس يراقب ردّة فعل تلك الخالة .. وحينما فشل في قراءة ما تخبّئه خلف قناع الجمود أردف .. "لكنّ أبي اعترض وقال أنّكِ أثمن من أن يرميكِ لرجل لم يسأل عنكِ طيلة هذه السنين .. وهكذا قرّر جدّي أن يفكّ الرابط بينكِ وبين هلال السقّار ويزوّ.." سكن فـ لمحة الغضب التي مرّت على وجهها الجامد أرعبته .. صوتها المطالب بالإكمال وصله باردا، مهدّدا .. "أكملْ .." ليضطرّ لرمي التالي من كلامه .. "يزوّجكِ لـ فتحي الرومي .."




'فتحي الرومي'

صورة رجل أربعينيّ شائب الشعر، ممرّغ اليدين بالطين .. يربط طرف قميصه ويرفع طرفيْ سرواله إلى ركبتيْهِ .. أنفه السائل دوما فـ نظرته الزائغة نحو كلّ أنثى أثارت القرف في نفسها .. لتمسك غصبا غصّة تريد أن تتقيّأها ..

ويحها إن صدق ما يقوله هذا الفتيّ ..

تثق بصدقه ففارس ليس بطفل كاذب ..

تبّا لكَ يا هلال .. أ كان يجب أن يكون حظّها عاثرا هكذا ..؟



"إن كان أبي يريد فتحي الرومي فليتزوّجه هو .. أنا لن أتزوّجه .." رمت تهديدها في وجه ذاك الطفل .. ليتقبّله بصدر يتّسع لـ تهديداتها جميعا ..



في حين دبّ الخوف كـ دبيب نملٍ، بين فرائصها .. تدري أنّها تفشل الذريع من الفشل في تغيير رأي والدها حينما يتعلّق الأمر بـ الزواج .. هذا الموضوع مقدّس لأبيها .. إن لم ينقذها 'هلال' بالظهور في وقتٍ قريبٍ والله سيُقضى عليها .. فـ فتحي الرومي سيكون الجحيم بـ نيرانه وقسوته ..



"حسنا سأذهب لأطمئنّ على خالتي نرجس .. جدّي أوصاني أن أظلّ معهما ولا أتركهما يختليان ببعضهما لـ ثانية واحدة .. لكنّني أردتهما أن يحظيا ببضع خصوصيّة .." أنهى فارس كلامه وقد غمز لها .. ضحكة شقّت مسلكا على ثغرها الصغير .. لتقفز غفران مرغمة نفسها على تناسي ما نغّص مزاجها لـ دقائق خلت وتردف مستمتعة .. "سآتي معكَ .."



تسير على طرف أصابعها، تعانق يديها فردتي حذائها ذواتِ الأصوات المزعجة ..نزعتهما ليلفّ الهدوء تقدّمها كما أرغمت هذا الـ فارس على فعل ذات الشيء 'نزع حذائه' .. شدّها من طرف فستانها الطويل .. وخاطبها بهمسٍ .. "خالتي هذا عيب .. هما في خلوة شرعيّة .. ونحن نتلصّص عليهما .." حدجته غفران بنظرة مهدّدة .. فتجيبه بـ شبيه همسه .. "فارس، لم أرغمكَ على مرافقتي .. يمكنكَ المغادرة وسأحلّ مكانكَ بينهما .."

تأفّفُ الطفل جعلها تعيد حدجه بـ نظرة غاضبة .. وقبل أن تتقدّم خطوة أخرى توقّفت تعيد تفكيرها فيما تفعله من فعلٍ 'غير لائقٍ" .. لتهزّ كتفيها وتستسلم ملغية فكرة أن توقع أختها وخطيبها في لحظة 'إعترافٍ' فهي على ثقة بأنّ حازم الـ خجول لن يجرؤ على الإقتراب من أختها .. أقصى ما قد يفعله أن يُسمعها كلمات غزلٍ .. وهي تحتاج لـ تلك الكلمات حتّى تتفانى في السخرية من 'نرجس' و'حازمها' ..



رتّبت من هيأتها الغير 'جميلة' .. فستان فضفاض قديم بـ لونٍ أحمر فاقع لم يكن مناسبا لـ سمراء بشرة وشعرٍ .. في حين كانت تلك الخصلات الفحميّة تتعانق على شكل ذيل حصانٍ وراء ظهرها .. عيون واسعة بـ رموش كثيفة تحمل نظرة دهاءٍ توشي بالكثير .. فمّ مزموم غير راضٍ البتّة على أفكارها الدائرة في مخيّلتها .. نفضت رأسها لتتحرّك معها خصلاتها ذات اليمين وذات الشمال .. ثمّ بـ وقاحة لم تكن غريبة عليها اقتحمت الصالة دون استئذانٍ .. فتفزع ذينكَ الزوجين الذين التهيا بـ حوار العيون العاشقة ..

نظراتهما المرتبكة قابلتها غفران بأخرى ساخرة .. ألقت تحيّة مقتضبة لاقت ردّا من بين شفتيْ خطيب أختها .. وبـ ثقة جلست على كنبة قريبة متلحّفة الصمت تراقب إرتباكهما ..



عيون أختها نرجس المطالبة بأن تتركهما لـ حالهما لم تهتمّ لها غفران وهي تضمّ يديها في تشابكٍ صغير فوق صدرها .. في حين ظلّ فارس واقفا أمام عتبة الباب ثمّ إختفى..

صوت 'حازم' أرغمها على النّظر إليه بإهتمامٍ غائبٍ .. "أخبرتني نرجس أنّكِ ستنهين دراستكِ خلال الأسبوعين القادمين .. هل تنوين العمل بشهادتكِ إن سمح لكِ عمّي ..؟"



لم تكن تنوي الردّ عليه .. فـ موضوع عملها من عدمه ليس له به علاقة، هذا الخاطب لـ أختها .. لكنّ نظرات نرجس الراجية بأن تجيب جعلتها تتحلّى ببضع شفقة وتردّ بـ الكسولة من نبراتها .. "لو لكَ قدرة على إقناع أبي بأن يتركني أعمل سأكون لكَ شاكرة .."



حماس أطبق على صوت ذاك الـ حازم وهو يجيب .. "علمت من مدير المدرسة الابتدائيّة بـ قريتكم أنّهم يحتاجون إلى معلّمة .. يمكن لي أن أتوسّط لكِ لتحظي بهذه الوظيفة .."



"أ حقّا ..؟"

حماسة أختها وهي تسأل خطيبها كانت عكس ما بـ غفران .. فـ ملامحها لازالت جامدة حتّى إثر سماع ما قيل لـ ثوانٍ خلت ..


النّاظر لـ نرجس يظنّها المعنيّة بالتعيين لا هي ..



رسمت غفران بسمة ساخرة على ثغرها وهي تفكّر في ردّة فعل أختها .. لتزيد شكوكها حينما أكّد حازم على قدرته بالواسطة .. فبان الإعجاب في عيون نرجس .. وقابله الخجل فـ الغرور في عيون حازم .. وبدأت تتجسّد أمام ناظريها مسرحية عشق 'سخيفة' .. لم تستسغها لـ وقتٍ أطول فقاطعتها بـ .. "لست أحتاج لـ واسطتكَ .. آسفة لكنّني لا أثق بإمكانيتكَ لفعل ذلك .. أنتَ حتّى فشلت في إيجاد وظيفة لنفسكَ .. ثمّ أنا قريبا قد أتزوّج هلال السقّار وأنتقل لـ قريته .. هناكَ ربّما أعمل في مدرستهم عن طريق واسطة زوجي فتدري عائلة السقّار لها مكانتها .."

سخيفة ومبتذلة، كانت كلماتها .. وتدري بأنّ هلال أبعد من أن يأتي لـ يتزوّجها فـ يوجد لها وظيفة .. لكنّها أرادت استنقاص قيمة هذا المتفاخر بـ حاله .. وإذ بها هي من تُستنقص من حالها المتفاخر، حينما صدحت نرجس كـ عادتها مدافعة عن خطيبها .. "حبيبتي غفران، حازم قادر وجدا على إيجاد وظيفة لكِ .. ثمّ هلااااال .." نفخت زفيرا طويلا وأردفت بـ سخرية لم تعهدها نرجس الخجولة والمسالمة .. نيران الحبّ تدفعها لتعيد كرامة 'حازمها' .. "هلال .. لننتظر متى سيأتي .. هذه السنة .. أو التي بعدها .. أو ربّما خلال عشر سنوات .. والخوف الأكبر أن لا يأتي أبدا .. ثمّ كيف له أن يوجد لكِ وظيفة وهم من سنوات سمعنا بفقدانهم لـ مكانتهم إثر فضيحة السقّار الكبير .."




بدأ الدخّان ينفث من مخارجها 'الحنجريّة' .. لم تكن غفران لـ تترك الساحة دون حرق الجميع لو لا صوت فارس اللاهث وهو يصرخ مهلّلا بـ قدوم آخر من توقّعته ..







"هلال جاء .. خالتي غفران هلال جاء .. غفرااااااااااااان هللللللللللللللال هناااااااا .."

،،


انتهى الفصل ..



أمة الله غير متواجد حالياً  
التوقيع
،،
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..